الباطن
هو اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على صفة (الباطنيَّةِ)؛ أي إنه...
إسالة الْمَاء الطَهُور على جَمِيعِ الْبَدَنِ بِنِيَّةٍ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ . ومن أمثلته وجوب الغسل من الجنابة، ونحوها كالحيض، والنفاس . ومن شواهده قوله تعَالَى : ﱫﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﱪ النساء :43.
الغُسْلُ: الاسمُ مِن الاغتِسالِ، ومعناه: التَّطْهِيرُ والتَّنْظيفُ بِالـماءِ، يُقالُ: غَسَلَ الشَّيْءَ، يَغْسِلُهُ غَسْلًا وغُسْلًا، أيْ: نَظَّفَهُ وطَهَّرَهُ، ويُطلَقُ الغُسْلُ أيضًا على إِزالَةِ الوَسَخِ بِإسالَةِ الـماءِ وإجْرائِهِ عَلَيْهِ، يُقالُ: غَسَلْتُ الشَّيْءَ غَسْلًا، أيْ: أَسَلْتُ عليه الـماءَ فَأَزَلْتُ وَسَخَهُ، ومِن معانيه: تَمامُ غَسلِ الجَسَدِ كُلِّهِ.
غَسَلَ
إِفاضَةُ الـماءِ وإِسالَتُهُ على البَدَنِ كُلِّهِ بِنِيَّةِ رَفْعِ الحَدَثِ الأَكْبَرِ.
الغُسْلُ: هو غَسْلُ الجَسَدِ كُلِّهِ، وذلك بِإفاضَةِ الـماءِ على جَمِيعِ البَدَنِ مِن أَعْلى الرَّأْسِ إلى أَسْفَلِ القَدَمِ، مع نِيَّةِ رَفْعِ الحدَثِ الأَكْبَرِ، كَالجَنابَةِ، والحَيْضِ؛ لاسْتِباحَةِ الصَّلاةِ وغَيْرِها، وقد يكونُ الغُسْلُ بِنِيَّةِ التَّقَرُّبِ وتَـحْصِيلِ الثَّوابِ، كالأَغْسالِ الـمُسْتَحَبَّة، ومنها: اغْتِسالُ الـمُحْرِمِ عند دُخولِ مَكَّةَ، وغُسْل يَوْمِ العِيدِ، ونَـحْوهما.
الغُسْلُ: الاسمُ مِن الاغْتِسالِ، ومعناه: التَّطْهِيرُ والتَّنْظيفُ بِالـماءِ، ويُطلَقُ على إِزالَةِ الوَسَخِ بِإسالَةِ الـماِء وإجْرائِهِ عليه، وعلى تَمامِ غَسْلِ الجَسَدِ كلِّه.
إسالة الْمَاء الطَهُور على جَمِيعِ الْبَدَنِ بِنِيَّةٍ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ.
* طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية : (ص 37)
* المطلع على ألفاظ المقنع : (ص 26)
* أنيس الفقهاء في تعريفات الألفاظ المتداولة بين الفقهاء : (ص 7)
* معجم لغة الفقهاء : (ص 331)
* الموسوعة الفقهية الكويتية : (31/194)
* القاموس الفقهي : (ص 274)
* معجم مقاييس اللغة : (4/424)
* تهذيب اللغة : (7/68)
* المفردات في غريب القرآن : (ص 360)
* مختار الصحاح : (ص 227)
* لسان العرب : (11/494)
* المصباح المنير في غريب الشرح الكبير : (2/447) -
التَّعْرِيفُ:
1 - الْغُسْل لُغَةً: مَصْدَرُ غَسَلَهُ يَغْسِلُهُ وَيُضَمُّ، أَوْ بِالْفَتْحِ مَصْدَرٌ وَبِالضَّمِّ اسْمٌ.
وَالْغِسْل بِالْكَسْرِ: مَا يُغْسَل بِهِ الرَّأْسُ مِنْ خَطْمِيٍّ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَيَأْتِي الْغُسْل بِمَعْنَى التَّطْهِيرِ، يُقَال: غَسَل اللَّهُ حَوْبَتَكَ أَيْ خَطِيئَتَكَ (1) .
وَالْغُسْل فِي الاِصْطِلاَحِ: اسْتِعْمَال مَاءٍ طَهُورٍ فِي جَمِيعِ الْبَدَنِ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ بِشُرُوطٍ وَأَرْكَانٍ (2) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الطَّهَارَةُ:
2 - الطَّهَارَةُ لُغَةً: النَّظَافَةُ وَالنَّزَاهَةُ عَنِ الأَْنْجَاسِ وَالأَْدْنَاسِ (3) .
وَاصْطِلاَحًا عَرَّفَهَا الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهَا: ارْتِفَاعُ الْحَدَثِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ وَزَوَال النَّجَسِ (4) .
فَالطَّهَارَةُ أَعَمُّ مِنَ الْغُسْل. ب - الْوُضُوءُ:
3 - الْوَضُوءُ - بِالْفَتْحِ - فِي اللُّغَةِ الْمَاءُ الَّذِي يُتَوَضَّأُ بِهِ، وَهُوَ أَيْضًا الْمَصْدَرُ مِنْ تَوَضَّأْتُ لِلصَّلاَةِ.
وَالْوُضُوءُ - بِالضَّمِّ - الْفِعْل (5) .
وَاصْطِلاَحًا هُوَ: اسْتِعْمَال مَاءٍ طَهُورٍ فِي الأَْعْضَاءِ الأَْرْبَعَةِ عَلَى صِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ (6) .
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
4 - الْغُسْل مَشْرُوعٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} (7) وقَوْله تَعَالَى {وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} (8) أَيِ اغْتَسَلْنَ (9) .
وَأَمَّا السُّنَّةُ فَقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الأَْرْبَعِ، وَمَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ، فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْل (10) .
وَالْغُسْل قَدْ يَكُونُ وَاجِبًا كَغُسْل الْجَنَابَةِ وَالْحَائِضِ، وَقَدْ يَكُونُ سُنَّةً كَغُسْل الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ (11) .
وَيُفْرِدُ الْفُقَهَاءُ لِلأَْغْسَال الْمَسْنُونَةِ فَصْلاً خَاصًّا، وَسَتَأْتِي فِي مُصْطَلَحَاتِهَا.
مُوجِبَاتُ الْغُسْل:
أَسْبَابُ وُجُوبِ الْغُسْل هِيَ:
الأَْوَّل - خُرُوجُ الْمَنِيِّ:
5 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ خُرُوجِ الْمَنِيِّ مِنْ مُوجِبَاتِ الْغُسْل، بَل نَقَل النَّوَوِيُّ الإِْجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ، وَلاَ فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الرَّجُل وَالْمَرْأَةِ فِي النَّوْمِ أَوِ الْيَقِظَةِ (12) ، وَالأَْصْل فِي ذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: إِنَّمَا الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ (13) ، وَمَعْنَاهُ - كَمَا حَكَاهُ النَّوَوِيُّ - يَجِبُ الْغُسْل بِالْمَاءِ مِنْ إِنْزَال الْمَاءِ الدَّافِقِ وَهُوَ الْمَنِيُّ، وَعَنْ أُمِّ سُلَيْمٍ ﵂ أَنَّهَا سَأَلَتْ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ عَنِ الْمَرْأَةِ تَرَى فِي مَنَامِهَا مَا يَرَى الرَّجُل؟ فَقَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: إِذَا رَأَتْ ذَلِكَ الْمَرْأَةُ فَلْتَغْتَسِل، فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ وَاسْتَحْيَيْتُ مِنْ ذَلِكَ، قَالَتْ: وَهَل يَكُونُ هَذَا؟ فَقَال نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ: " نَعَمْ، فَمِنْ أَيْنَ يَكُونُ الشَّبَهُ؟ ، إِنَّ مَاءَ الرَّجُل غَلِيظٌ أَبْيَضُ، وَمَاءَ الْمَرْأَةِ رَقِيقٌ أَصْفَرُ، فَمِنْ أَيِّهِمَا عَلاَ أَوْ سَبَقَ يَكُونُ مِنْهُ الشَّبَهُ "، وَفِي لَفْظٍ أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُول اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ، فَهَل عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إِذَا احْتَلَمَتْ؟ فَقَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: نَعَمْ إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ (14) .
وَاشْتَرَطَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ لإِِيجَابِ الْغُسْل بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ كَوْنَهُ عَنْ شَهْوَةٍ.
قَال ابْنُ عَابِدِينَ: لَوِ انْفَصَل - أَيِ الْمَنِيُّ - بِضَرْبٍ أَوْ حَمْلٍ ثَقِيلٍ عَلَى ظَهْرِهِ فَلاَ غُسْل عِنْدَنَا.
وَقَال الدَّرْدِيرُ: وَإِنْ خَرَجَ بِلاَ لَذَّةٍ بَل سَلَسًا أَوْ بِضَرْبَةٍ أَوْ طَرْبَةٍ أَوْ لَدْغَةِ عَقْرَبٍ فَلاَ غُسْل.
وَنَصَّ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا خَرَجَ الْمَنِيُّ بِلَذَّةٍ غَيْرِ مُعْتَادَةٍ فَإِنَّهُ لاَ يَجِبُ الْغُسْل، كَنُزُولِهِ بِمَاءٍ حَارٍّ فَأَحَسَّ بِمَبَادِئِ اللَّذَّةِ وَاسْتَدَامَ حَتَّى أَنْزَل، وَكَحَكَّةٍ لِجَرَبٍ بِذَكَرِهِ، أَوْ هَزَّ دَابَّةً لَهُ، فَلاَ غُسْل عَلَيْهِ إِلاَّ أَنْ يُحِسَّ بِمَبَادِئِ اللَّذَّةِ فَيَسْتَدِيمَ فِيهَا حَتَّى يُمْنِي فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْل، أَمَّا لَوْ كَانَ الْجَرَبُ بِغَيْرِ ذَكَرِهِ فَالظَّاهِرُ عَدَمُ وُجُوبِ الْغُسْل.
وَلَمْ يَشْتَرِطِ الشَّافِعِيَّةُ الشَّهْوَةَ، وَقَالُوا بِوُجُوبِ الْغُسْل بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ مُطْلَقًا (15) .
وَشَرَطَ أَبُو يُوسُفَ الدَّفْقَ أَيْضًا، وَلَمْ يَشْتَرِطْهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ، وَأَثَرُ الْخِلاَفِ يَظْهَرُ فِيمَا لَوْ احْتَلَمَ أَوْ نَظَرَ بِشَهْوَةٍ، فَأَمْسَكَ ذَكَرَهُ حَتَّى سَكَنَتْ شَهْوَتُهُ، ثُمَّ أَرْسَلَهُ فَأَنْزَل، وَجَبَ الْغُسْل عِنْدَهُمَا لاَ عِنْدَهُ، قَال الْحَصْكَفِيُّ: وَبِقَوْل أَبِي يُوسُفَ يُفْتَى فِي ضَيْفٍ خَافَ رِيبَةً أَوِ اسْتَحْيَا، وَقَال ابْنُ عَابِدِينَ: قَوْل أَبِي يُوسُفَ قِيَاسٌ وَقَوْلُهُمَا اسْتِحْسَانٌ، وَإِنَّهُ الأَْحْوَطُ فَيَنْبَغِي الإِْفْتَاءُ بِقَوْلِهِ فِي مَوَاضِعِ الضَّرُورَةِ فَقَطْ (16) .
كَمَا اشْتَرَطَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ لإِِيجَابِ الْغُسْل خُرُوجَ الْمَنِيِّ مِنَ الْعُضْوِ - ذَكَرِ الرَّجُل وَفَرْجِ الْمَرْأَةِ الدَّاخِل قَال النَّوَوِيُّ: لَوْ قَبَّل امْرَأَةً فَأَحَسَّ بِانْتِقَال الْمَنِيِّ وَنُزُولِهِ، فَأَمْسَكَ ذَكَرَهُ فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ فِي الْحَال شَيْءٌ، وَلاَ عَلِمَ خُرُوجَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَلاَ غُسْل عَلَيْهِ عِنْدَنَا، وَبِهِ قَال الْعُلَمَاءُ كَافَّةً (17) ، وَدَلِيلُهُ قَوْل النَّبِيِّ ﷺ: إِنَّمَا الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ وَلأَِنَّ الْعُلَمَاءَ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ مَنْ أَحَسَّ بِالْحَدَثِ كَالْقَرْقَرَةِ وَالرِّيحِ، وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ شَيْءٌ لاَ وُضُوءَ عَلَيْهِ، فَكَذَا هُنَا (18) .
وَلَمْ يَشْتَرِطِ الْحَنَابِلَةُ الْخُرُوجَ، بَل أَوْجَبُوا الْغُسْل بِالإِْحْسَاسِ بِالاِنْتِقَال، فَلَوْ أَحَسَّ رَجُلٌ أَوِ امْرَأَةٌ بِانْتِقَال الْمَنِيِّ فَحَبَسَهُ فَلَمْ يَخْرُجْ، وَجَبَ الْغُسْل كَخُرُوجِهِ؛ لأَِنَّ الْجَنَابَةَ أَصْلُهَا الْبُعْدُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْجَارِ الْجُنُبِ} (19) أَيِ الْبَعِيدِ، وَمَعَ الاِنْتِقَال قَدْ بَاعَدَ الْمَاءُ مَحَلَّهُ، فَصَدَقَ عَلَيْهِ اسْمُ الْجُنُبِ، وَإِنَاطَةً لِلْحُكْمِ بِالشَّهْوَةِ، وَتَعْلِيقًا لَهُ عَلَى الْمَظِنَّةِ، إِذْ بَعْدَ انْتِقَالِهِ يَبْعُدُ عَدَمُ خُرُوجِهِ، وَأَنْكَرَ أَحْمَدُ أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ يَرْجِعُ (20) .
وَهُنَاكَ مَسَائِل تَتَعَلَّقُ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ مِنْهَا: أ - رُؤْيَةُ الْمَنِيِّ مِنْ غَيْرِ تَذَكُّرِ الاِحْتِلاَمِ:
6 - لَوِ اسْتَيْقَظَ النَّائِمُ وَوَجَدَ الْمَنِيَّ، وَلَمْ يَذْكُرِ احْتِلاَمًا فَعَلَيْهِ الْغُسْل، وَمَنْ احْتَلَمَ وَلَمْ يَجِدْ مَنِيًّا فَلاَ غُسْل عَلَيْهِ، لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ ﵂ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ سُئِل عَنِ الرَّجُل يَجِدُ الْبَلَل وَلاَ يَذْكُرُ احْتِلاَمًا؟ قَال: يَغْتَسِل، وَعَنِ الرَّجُل يَرَى أَنَّهُ قَدِ احْتَلَمَ وَلَمْ يَجِدْ بَلَلاً؟ قَال: لاَ غُسْل عَلَيْهِ (21) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ: (احْتِلاَم ف 6 - 9) .
ب - خُرُوجُ الْمَنِيِّ بَعْدَ الْغُسْل:
7 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي إِيجَابِ الْغُسْل فِي حَالَةِ خُرُوجِ الْمَنِيِّ بَعْدَ الاِغْتِسَال.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا اغْتَسَل ثُمَّ خَرَجَ الْمَنِيُّ، فَإِنْ كَانَ خُرُوجُهُ بَعْدَ النَّوْمِ أَوِ الْبَوْل أَوِ الْمَشْيِ الْكَثِيرِ فَلاَ غُسْل عَلَيْهِ اتِّفَاقًا، وَإِنْ خَرَجَ الْمَنِيُّ بِلاَ شَهْوَةٍ قَبْل النَّوْمِ أَوِ الْبَوْل أَوِ الْمَشْيِ فَإِنَّهُ يُعِيدُ الْغُسْل عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ خِلاَفًا لأَِبِي يُوسُفَ (22) .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِنْ كَانَتِ اللَّذَّةُ نَاشِئَةً عَنْ غَيْرِ جِمَاعٍ، بَل بِمُلاَعَبَةٍ، فَيَجِبُ إِعَادَةُ الْغُسْل عِنْدَ خُرُوجِ الْمَنِيِّ وَلَوْ اغْتَسَل قَبْل خُرُوجِهِ؛ لأَِنَّ غُسْلَهُ لَمْ يُصَادِفْ مَحَلًّا، وَإِنْ كَانَتِ اللَّذَّةُ نَاشِئَةً عَنْ جِمَاعٍ، بِأَنْ غَيَّبَ الْحَشَفَةَ وَلَمْ يُنْزِل، ثُمَّ اغْتَسَل ثُمَّ أَمْنَى، فَلاَ غُسْل عَلَيْهِ؛ لأَِنَّ الْجَنَابَةَ لاَ يَتَكَرَّرُ غُسْلُهَا، وَلَكِنْ يَتَوَضَّأُ (23) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: إِذَا أَمْنَى وَاغْتَسَل ثُمَّ خَرَجَ مِنْهُ مَنِيٌّ عَلَى الْقُرْبِ بَعْدَ غُسْلِهِ لَزِمَهُ الْغُسْل ثَانِيًا، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ قَبْل أَنْ يَبُول بَعْدَ الْمَنِيِّ أَوْ بَعْدَ بَوْلِهِ، لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: إِنَّمَا الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ (24) ، وَلَمْ يُفَرِّقْ؛ وَلأَِنَّهُ نَوْعُ حَدَثٍ فَنَقَضَ مُطْلَقًا، كَالْبَوْل وَالْجِمَاعِ وَسَائِرِ الأَْحْدَاثِ (25) .
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا خَرَجَ الْمَنِيُّ بَعْدَ الْغُسْل فَلاَ يَجِبُ الْغُسْل ثَانِيًا، لِمَا رَوَى سَعِيدٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ أَنَّهُ سُئِل عَنِ الْجُنُبِ يَخْرُجُ مِنْهُ الشَّيْءُ بَعْدَ الْغُسْل؟ قَال: يَتَوَضَّأُ، وَكَذَا ذَكَرَهُ أَحْمَدُ عَنْ عَلِيٍّ ﵁؛ وَلأَِنَّهُ مَنِيٌّ وَاحِدٌ فَأَوْجَبَ غُسْلاً وَاحِدًا كَمَا لَوْ خَرَجَ دَفْقَةً وَاحِدَةً؛ وَلأَِنَّهُ خَارِجٌ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ أَشْبَهَ الْخَارِجَ لِبَرْدٍ، وَبِهِ عَلَّل أَحْمَدُ، قَال لأَِنَّ الشَّهْوَةَ مَاضِيَةٌ، وَإِنَّمَا هُوَ حَدَثٌ أَرْجُو أَنْ يُجْزِيَهُ الْوُضُوءُ (26) . ج - خُرُوجُ الْمَنِيِّ مِنْ غَيْرِ مَخْرَجِهِ الْمُعْتَادِ:
8 - نَصَّ الْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ انْكَسَرَ صُلْبُ الرَّجُل فَخَرَجَ مِنْهُ الْمَنِيُّ، وَلَمْ يُنْزِل مِنْ الذَّكَرِ، فَإِنَّهُ لاَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْل.
وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ حُكْمَهُ كَالنَّجَاسَةِ الْمُعْتَادَةِ.
قَال الْمُتَوَلِّي مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: إِذَا خَرَجَ الْمَنِيُّ مِنْ ثَقْبٍ فِي الذَّكَرِ غَيْرِ الإِْحْلِيل، أَوْ مِنْ ثَقْبٍ فِي الأُْنْثَيَيْنِ أَوِ الصُّلْبِ، فَحَيْثُ نَقَضْنَا الْوُضُوءَ بِالْخَارِجِ مِنْهُ أَوْجَبْنَا الْغُسْل، وَقَطَعَ الْبَغَوِيُّ بِوُجُوبِ الْغُسْل بِخُرُوجِهِ مِنْ غَيْرِ الذَّكَرِ، قَال النَّوَوِيُّ وَالصَّوَابُ تَفْصِيل الْمُتَوَلِّي (27) .
وَصَرَّحَ ابْنُ عَابِدِينَ بِأَنَّهُ لَوْ خَرَجَ الْمَنِيُّ مِنْ جُرْحٍ فِي الْخُصْيَةِ، بَعْدَ انْفِصَالِهِ عَنْ مَقَرِّهِ بِشَهْوَةٍ، فَالظَّاهِرُ افْتِرَاضُ الْغُسْل (28) .
الثَّانِي - الْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ:
9 - الْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ مِنْ مُوجِبَاتِ الْغُسْل بِالاِتِّفَاقِ، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الأَْرْبَعِ، ثُمَّ جَهَدَهَا فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْل وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ: وَإِنْ لَمْ يُنْزِل (29) ، وَلِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ ﵂ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الأَْرْبَعِ، وَمَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْل (30) ، وَالْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ يَحْصُل بِتَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ فِي الْفَرَجِ، ذَلِكَ أَنَّ خِتَانَ الرَّجُل هُوَ الْجِلْدُ الَّذِي يَبْقَى بَعْدَ الْخِتَانِ، وَخِتَانَ الْمَرْأَةِ جِلْدَةٌ كَعُرْفِ الدِّيكِ فَوْقَ الْفَرَجِ فَيُقْطَعُ مِنْهَا فِي الْخِتَانِ، فَإِذَا غَابَتِ الْحَشَفَةُ فِي الْفَرَجِ حَاذَى خِتَانُهُ خِتَانَهَا، وَإِذَا تَحَاذَيَا فَقَدِ الْتَقَيَا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ الْتِصَاقَهُمَا وَضَمَّ أَحَدِهِمَا إِلَى الآْخَرِ، فَإِنَّهُ لَوْ وَضَعَ مَوْضِعَ خِتَانِهِ عَلَى مَوْضِعِ خِتَانِهَا وَلَمْ يُدْخِلْهُ فِي مَدْخَل الذَّكَرِ لَمْ يَجِبِ الْغُسْل، وَقَال الدَّرْدِيرُ: الْحَشَفَةُ رَأْسُ الذَّكَرِ (31) .
وَلاَ بُدَّ لإِِيجَابِ الْغُسْل مِنْ تَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ بِكَمَالِهَا فِي الْفَرْجِ، فَإِنْ غَيَّبَ بَعْضَهَا فَلاَ غُسْل عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مَقْطُوعَ الْحَشَفَةِ أَوْ كَانَ مِمَّنْ لَمْ تُخْلَقْ لَهُ حَشَفَةٌ فَيُعْتَبَرُ قَدْرُهَا، قَال النَّوَوِيُّ: إِذَا قُطِعَ بَعْضُ الذَّكَرِ، فَإِنْ كَانَ الْبَاقِي دُونَ قَدْرِ الْحَشَفَةِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ شَيْءٌ مِنَ الأَْحْكَامِ، وَإِنْ كَانَ قَدْرَهَا فَقَطْ تَعَلَّقَتِ الأَْحْكَامُ بِتَغْيِيبِهِ كُلِّهِ دُونَ بَعْضِهِ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الْحَشَفَةِ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لاَ يَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِبَعْضِهِ، وَلاَ يَتَعَلَّقُ إِلاَّ بِتَغْيِيبِ جَمِيعِ الْبَاقِي، وَهَذَا مَا رَجَّحَهُ الشَّاشِيُّ وَنَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ، ثَانِيهِمَا: تَعَلُّقُ الْحُكْمِ بِقَدْرِ الْحَشَفَةِ مِنْهُ، وَرَجَّحَهُ الأَْكْثَرُونَ، وَقَطَعَ بِهِ الْفُورَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ، وَنَقَل صَاحِبُ الدُّرِّ عَنْ الأَْشْبَاهِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ قَدْرُ الْحَشَفَةِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حُكْمٌ (32) .
10 - وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَحْدِيدِ الْفَرْجِ الَّذِي يَجِبُ الْغُسْل بِتَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ فِيهِ، فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ الْغُسْل بِتَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ فِي مُطْلَقِ الْفَرْجِ، سَوَاءٌ كَانَ لإِِنْسَانٍ أَوْ حَيَوَانٍ، قُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، حَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ.
لَكِنَّ الْمَالِكِيَّةَ شَرَطُوا إِطَاقَةَ ذِي الْفَرْجِ سَوَاءٌ كَانَ آدَمِيًّا أَوْ غَيْرَهُ، فَإِنْ لَمْ يُطِقْ فَلاَ غُسْل عَلَى ذِي الْحَشَفَةِ الْمُغَيِّبِ مَا لَمْ يُنْزِل (33) .
وَوَافَقَ الْحَنَفِيَّةُ الْجُمْهُورَ فِي ذَلِكَ، إِلاَّ أَنَّهُمُ اسْتَثْنَوْا فَرْجَ الْبَهِيمَةِ وَالْمَيْتَةِ، وَالصَّغِيرَةِ غَيْرِ الْمُشْتَهَاةِ، وَالْعَذْرَاءِ إِنْ لَمْ يُزِل عُذْرَتَهَا إِذَا لَمْ يَحْصُل إِنْزَالٌ، وَذَلِكَ لِقُصُورِ الشَّهْوَةِ فِي الْبَهِيمَةِ وَالْمَيْتَةِ وَالصَّغِيرَةِ غَيْرِ الْمُشْتَهَاةِ الَّتِي أُقِيمَتْ مَقَامَ الإِْنْزَال فِي وُجُوبِ الْغُسْل عِنْدَ الإِْيلاَجِ، وَعَلاَمَةُ الصَّغِيرَةِ غَيْرِ الْمُشْتَهَاةِ: أَنْ تَصِيرَ مُفْضَاةً بِالْوَطْءِ (34) .
11 - وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي اشْتِرَاطِ التَّكْلِيفِ فِي وُجُوبِ الْغُسْل.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى اشْتِرَاطِ التَّكْلِيفِ - الْعَقْل وَالْبُلُوغِ - فِي وُجُوبِ الْغُسْل، فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُكَلَّفًا فَعَلَيْهِ الْغُسْل فَقَطْ دُونَ الآْخَرِ.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: الْمُغَيِّبُ إِنْ كَانَ بَالِغًا وَجَبَ الْغُسْل عَلَيْهِ، وَكَذَا عَلَى الْمُغَيَّبِ فِيهِ إِنْ كَانَ بَالِغًا، وَإِلاَّ وَجَبَ عَلَى الْمُغَيِّبِ دُونَ الْمُغَيَّبِ فِيهِ فَإِنْ كَانَ الْمُغَيِّبُ غَيْرَ بَالِغٍ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ وَلاَ عَلَى مَنْ غَيَّبَ فِيهِ، سَوَاءٌ كَانَ بَالِغًا أَمْ لاَ مَا لَمْ يُنْزِل بِذَلِكَ الْمُغَيَّبُ فِيهِ، وَإِلاَّ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْل لِلإِْنْزَال. وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: الصَّبِيُّ إِذَا أَوْلَجَ فِي امْرَأَةٍ أَوْ دُبُرِ رَجُلٍ، أَوْ أَوْلَجَ رَجُلٌ فِي دُبُرِهِ، يَجِبُ الْغُسْل عَلَى الْمَرْأَةِ وَالرَّجُل، وَكَذَا إِذَا اسْتَدْخَلَتِ امْرَأَةٌ ذَكَرَ صَبِيٍّ فَعَلَيْهَا الْغُسْل، وَيَصِيرُ الصَّبِيُّ فِي كُل هَذِهِ الصُّوَرِ جُنُبًا، وَكَذَا الصَّبِيَّةُ إِذَا أَوْلَجَ فِيهَا رَجُلٌ أَوْ صَبِيٌّ، وَكَذَا لَوْ أَوْلَجَ صَبِيٌّ فِي صَبِيٍّ، وَسَوَاءٌ فِي هَذَا الصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ وَغَيْرُهُ، وَإِذَا صَارَ جُنُبًا لاَ تَصِحُّ صَلاَتُهُ مَا لَمْ يَغْتَسِل، وَلاَ يُقَال: يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْل، كَمَا لاَ يُقَال: يَجِبُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ، بَل يُقَال: صَارَ مُحْدِثًا، وَيَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ أَنْ يَأْمُرَهُ بِالْغُسْل إِنْ كَانَ مُمَيِّزًا.
وَلَمْ يَشْتَرِطِ الْحَنَابِلَةُ التَّكْلِيفَ لِوُجُوبِ الْغُسْل، فَيَجِبُ الْغُسْل عَلَى الْمُجَامِعِ غَيْرِ الْبَالِغِ - إِنْ كَانَ يُجَامِعُ مِثْلَهُ كَابْنَةِ تِسْعٍ وَابْنِ عَشْرٍ - فَاعِلاً كَانَ أَوْ مَفْعُولاً بِهِ إِذَا أَرَادَ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْغُسْل، قَال الْبُهُوتِيُّ: وَلَيْسَ مَعْنَى وُجُوبِ الْغُسْل فِي حَقِّ الصَّغِيرِ التَّأْثِيمَ بِتَرْكِهِ، بَل مَعْنَاهُ أَنَّهُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الصَّلاَةِ أَوِ الطَّوَافِ أَوْ إِبَاحَةِ مَسِّ الْمُصْحَفِ، كَمَا نَصُّوا عَلَى وُجُوبِ الْغُسْل عَلَى الْمَجْنُونِ وَالْمَجْنُونَةِ، وَذَلِكَ لأَِنَّ مُوجِبَ الطَّهَارَةِ لاَ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَصْدُ كَسَبْقِالْحَدَثِ (35) .
وَهُنَاكَ مَسَائِل تَتَعَلَّقُ بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ نَذْكُرُ مِنْهَا مَا يَلِي:
أ - الإِْيلاَجُ بِحَائِلٍ:
12 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وُجُوبِ الْغُسْل مِنَ الإِْيلاَجِ بِحَائِلٍ.
فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَبَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجِبُ الْغُسْل عَلَى مَنْ أَوْلَجَ حَشَفَتَهُ أَوْ قَدْرَهَا مَلْفُوفَةً بِخِرْقَةٍ كَثِيفَةٍ تَمْنَعُ اللَّذَّةَ، فَإِنْ كَانَتِ الْخِرْقَةُ رَقِيقَةً بِحَيْثُ يَجِدُ مَعَهَا اللَّذَّةَ وَحَرَارَةَ الْفَرْجِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْل.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الصَّحِيحِ وَبَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْل فِي الْخِرْقَةِ الْكَثِيفَةِ؛ لأَِنَّهُ يُسَمَّى مُولِجًا، وَلِقَوْلِهِ ﷺ: إِذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ، أَوْ مَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْل (36) قَال الْحَصْكَفِيُّ: وَالأَْحْوَطُ الْوُجُوبُ، قَال ابْنُ عَابِدِينَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ اخْتِيَارٌ لِلْقَوْل بِالْوُجُوبِ. وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجِبُ الْغُسْل عَلَى مَنْ أَوْلَجَ بِحَائِلٍ مُطْلَقًا، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنُصُّوا عَلَى كَوْنِ الْحَائِل رَقِيقًا أَوْ كَثِيفًا (37) .
ب - الإِْيلاَجُ فِي فَرْجٍ غَيْرِ أَصْلِيٍّ:
13 - اشْتَرَطَ الْفُقَهَاءُ فِي وُجُوبِ الْغُسْل بِالإِْيلاَجِ فِي الْفَرْجِ: أَنْ يَكُونَ الْفَرْجُ أَصْلِيًّا، احْتِرَازًا مِنْ فَرْجِ الْخُنْثَى الْمُشْكِل، وَصَرَّحَ الْفُقَهَاءُ بِأَنَّهُ لاَ غُسْل عَلَى الْخُنْثَى الْمُشْكِل بِإِيلاَجِهِ فِي قُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ؛ لِجَوَازِ كَوْنِهِ امْرَأَةً وَهَذَا الذَّكَرُ مِنْهُ زَائِدٌ، فَيَكُونُ كَالإِْصْبَعِ الزَّائِدِ، كَمَا أَنَّهُ لاَ غُسْل عَلَى مَنْ جَامَعَهُ فِي قُبُلِهِ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ رَجُلاً، فَفَرْجُهُ كَالْجُرْحِ، فَلاَ يَجِبُ بِالإِْيلاَجِ فِيهِ غُسْلٌ بِمُجَرَّدِهِ، أَمَّا لَوْ جَامَعَهُ رَجُلٌ فِي دُبُرِهِ وَجَبَ الْغُسْل عَلَيْهِمَا لِعَدَمِ الإِْشْكَال فِي الدُّبُرِ (38) . ج - وَطْءُ الْجِنِّ:
14 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وُجُوبِ الْغُسْل مِنْ وَطْءِ الْجِنِّ.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجِبُ الْغُسْل مِنْ إِتْيَانِ الْجِنِّ لِلْمَرْأَةِ، وَإِتْيَانِ الرَّجُل لِلْجِنِّيَّةِ، إِذَا لَمْ يَكُنْ إِنْزَالٌ.
قَال ابْنُ عَابِدِينَ نَقْلاً عَنْ الْمُحِيطِ: لَوْ قَالَتْ: مَعِي جِنِّيٌّ يَأْتِينِي مِرَارًا وَأَجِدُ مَا أَجِدُ إِذَا جَامَعَنِي زَوْجِي لاَ غُسْل عَلَيْهَا لاِنْعِدَامِ سَبَبِهِ، وَهُوَ الإِْيلاَجُ أَوْ الاِحْتِلاَمُ.
وَاسْتَثْنَى الْحَنَفِيَّةُ مَا إِذَا ظَهَرَ لَهَا فِي صُورَةِ الآْدَمِيِّ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْغُسْل، وَكَذَا إِذَا ظَهَرَ لِلرَّجُل جِنِّيَّةٌ فِي صُورَةٍ آدَمِيَّةٍ فَوَطِئَهَا، وَذَلِكَ لِوُجُودِ الْمُجَانَسَةِ الصُّورِيَّةِ الْمُفِيدَةِ لِكَمَال السَّبَبِيَّةِ.
وَقَال السُّيُوطِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: لَوْ وَطِئَ الْجِنِّيُّ الإِْنْسِيَّةَ فَهَل يَجِبُ عَلَيْهَا الْغُسْل؟ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ أَصْحَابُنَا، وَعَنْ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ لاَ غُسْل عَلَيْهَا؛ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الإِْيلاَجِ وَالإِْنْزَال فَهُوَ كَالْمَنَامِ بِغَيْرِ إِنْزَالٍ، قَال السُّيُوطِيُّ: وَهُوَ الْجَارِي عَلَى قَوَاعِدِنَا.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى وُجُوبِ الْغُسْل عَلَى الْمَرْأَةِ لَوْ قَالَتْ: بِي جِنِّيٌّ يُجَامِعُنِيكَالرَّجُل، وَكَذَا الرَّجُل لَوْ قَال: بِي جِنِّيَّةٌ أُجَامِعُهَا كَالْمَرْأَةِ (39) .
د - إِيلاَجُ ذَكَرِ غَيْرِ الآْدَمِيِّ:
15 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وُجُوبِ الْغُسْل مِنْ إِيلاَجِ ذَكَرِ غَيْرِ الآْدَمِيِّ (40) .
فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى وُجُوبِ الْغُسْل مِنْ إِيلاَجِ ذَكَرِ غَيْرِ الآْدَمِيِّ كَالْبَهِيمَةِ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ غُسْل مِنْ إِيلاَجِ ذَكَرِ غَيْرِ الآْدَمِيِّ.
هـ - وَطْءُ الْمَيِّتِ:
16 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى وُجُوبِ الْغُسْل عَلَى الْمُولِجِ فِي فَرْجِ الْمَيِّتِ لِعُمُومِ الأَْدِلَّةِ، وَلاَ يُعَادُ غُسْل الْمَيِّتِ الْمُغَيَّبِ فِيهِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَفِي الأَْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ لِعَدَمِ التَّكْلِيفِ، وَقَال الْحَنَابِلَةُ: يُعَادُ غُسْل الْمَيِّتَةِ الْمَوْطُوءَةِ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ غُسْل فِي وَطْءِ الْمَيِّتَةِ. وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وُجُوبِ الْغُسْل عَلَى الْمَرْأَةِ فِيمَا لَوِ اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرَ مَيِّتٍ فِي فَرْجِهَا:
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجِبُ الْغُسْل عَلَى الْمَرْأَةِ لَوْ أَدْخَلَتْ ذَكَرَ مَيِّتٍ فِي فَرْجِهَا مَا لَمْ تُنْزِل.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى وُجُوبِ الْغُسْل عَلَيْهَا (41) .
و وُصُول الْمَنِيِّ إِلَى الْفَرْجِ مِنْ غَيْرِ إِيلاَجٍ:
17 - نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ لاَ غُسْل عَلَى الْمَرْأَةِ إِذَا وَصَل الْمَنِيُّ إِلَى فَرْجِهَا مَا لَمْ تُنْزِل؛ لِفَقْدِ الإِْيلاَجِ وَالإِْنْزَال.
قَال الْحَنَفِيَّةُ: فَإِنْ حَبِلَتْ مِنْهُ وَجَبَ الْغُسْل لأَِنَّهُ دَلِيل الإِْنْزَال، وَتَظْهَرُ فَائِدَتُهُ فِي إِعَادَةِ مَا صَلَّتْ بَعْدَ وُصُول الْمَنِيِّ إِلَى فَرْجِهَا إِلَى أَنِ اغْتَسَلَتْ بِسَبَبٍ آخَرَ، قَال صَاحِبُ الْقُنْيَةِ: وَلاَ شَكَّ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى وُجُوبِ الْغُسْل عَلَيْهَا بِمُجَرَّدِ انْفِصَال مَنِيِّهَا إِلَى رَحِمِهَا وَهُوَ خِلاَفُ الأَْصَحِّ الَّذِي هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِذَا حَمَلَتِ اغْتَسَلَتْ وَأَعَادَتِ الصَّلاَةَ مِنْ يَوْمِ وُصُولِهِ، لأَِنَّ حَمْلَهَا مِنْهُ بَعْدَ انْفِصَال مَنِيِّهَا مِنْ مَحَلِّهِ بِلَذَّةٍ مُعْتَادَةٍ، قَال الدُّسُوقِيُّ: هَذَا الْفَرْعُ مَشْهُورٌ مَبْنِيٌّ عَلَى ضَعِيفٍ (42) .
وَهُنَاكَ مَسَائِل ذَكَرَهَا بَعْضُ الْفُقَهَاءِ نَذْكُرُ مِنْهَا مَا يَلِي:
1 - صَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ لاَ يَجِبُ الْغُسْل فِي السِّحَاقِ - إِتْيَانُ الْمَرْأَةِ الْمَرْأَةَ - إِذَا لَمْ يَحْصُل إِنْزَالٌ (43) .
2 - قَال صَاحِبُ الْقُنْيَةُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: إِنَّ فِي وُجُوبِ الْغُسْل بِإِدْخَال الأُْصْبُعِ فِي الْقُبُل أَوْ الدُّبُرِ خِلاَفًا، وَالأَْوْلَى أَنْ يُوجَبَ إِذَا كَانَ فِي الْقُبُل إِذَا قَصَدَ الاِسْتِمْتَاعَ لِغَلَبَةِ الشَّهْوَةِ؛ لأَِنَّ الشَّهْوَةَ فِيهِنَّ غَالِبَةٌ، فَيُقَامُ السَّبَبُ مَقَامَ الْمُسَبَّبِ، وَهُوَ الإِْنْزَال، دُونَ الدُّبُرِ لِعَدَمِهَا، وَمِثْل هَذَا مَا يُصْنَعُ مِنْ خَشَبٍ وَنَحْوِهِ عَلَى صُورَةِ الذَّكَرِ، وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ عَابِدِينَ (44) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: لاَ يُنْقَضُ وُضُوءُ الْمَرْأَةِ بِمَسِّهَا لِفَرْجِهَا وَلَوْ أَلْطَفَتْ، أَيْ أَدْخَلَتْ أُصْبُعًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ أَصَابِعِهَا فِي فَرْجِهَا (45) .
الثَّالِثُ - الْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ:
18 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْحَيْضَ وَالنِّفَاسَ مِنْ مُوجِبَاتِ الْغُسْل، وَنَقَل ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ وَآخَرُونَ الإِْجْمَاعَ عَلَيْهِ.
وَدَلِيل وُجُوبِ الْغُسْل فِي الْحَيْضِ قَوْله تَعَالَى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُل هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} (46) أَيْ إِذَا اغْتَسَلْنَ، فَمَنَعَ الزَّوْجَ مِنْ وَطْئِهَا قَبْل غُسْلِهَا، فَدَل عَلَى وُجُوبِهِ عَلَيْهَا، وَلِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ: إِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلاَةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي (47) .
وَدَلِيل وُجُوبِهِ فِي النِّفَاسِ الإِْجْمَاعُ - حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ وَالْمرغينَانِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ - وَلأَِنَّهُ حَيْضٌ مُجْتَمِعٌ؛ وَلأَِنَّهُ يُحَرِّمُ الصَّوْمَ وَالْوَطْءَ وَيُسْقِطُ فَرْضَ الصَّلاَةِ، فَأَوْجَبَ الْغُسْل كَالْحَيْضِ.
19 - وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْمُوجِبِ لِلْغُسْل، هَل هُوَ وُجُودُ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ أَوِ انْقِطَاعُهُ أَوْ شَيْءٌ آخَرُ؟
فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمُوجِبَ لِلْغُسْل وُجُودُ الْحَيْضِ لاَ انْقِطَاعُهُ، وَالاِنْقِطَاعُ إِنَّمَا هُوَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْغُسْل.
وَمِثْل الْمَالِكِيَّةِ الْحَنَابِلَةُ، قَال الْبُهُوتِيُّ: يَجِبُ بِالْخُرُوجِ، وَإِنَّمَا وَجَبَ بِالْخُرُوجِ إِنَاطَةً لِلْحُكْمِ بِسَبَبِهِ، وَالاِنْقِطَاعُ شَرْطٌ لِصِحَّتِهِ، وَكَلاَمُ الْخِرَقِيِّ يَدُل عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ بِالاِنْقِطَاعِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الأَْحَادِيثِ.
وَقَال بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ: الْحَيْضُ مُوجِبٌ بِشَرْطِ انْقِطَاعِهِ.
وَقَال ابْنُ عَابِدِينَ: سَبَبُ وُجُوبِ الْغُسْل إِرَادَةُ فِعْل مَا لاَ يَحِل إِلاَّ بِهِ عِنْدَ عَدَمِ ضِيقِ الْوَقْتِ، أَوْ عِنْدَ وُجُوبِ مَا لاَ يَصِحُّ مَعَهُ، وَذَلِكَ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ.
وَاخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ الشَّافِعِيَّةِ، فَصَحَّحَ النَّوَوِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّ مُوجِبَهُ الاِنْقِطَاعُ، وَقَال الْقَلْيُوبِيُّ: الْخُرُوجُ مُوجِبٌ وَالاِنْقِطَاعُ شَرْطٌ لِصِحَّتِهِ، وَقَال الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ: وَيُعْتَبَرُ مَعَ خُرُوجِ كُلٍّ مِنْهُمَا - الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ - وَانْقِطَاعِهِ الْقِيَامُ إِلَى الصَّلاَةِ أَوْ نَحْوِهَا كَمَا فِي الرَّافِعِيِّ وَالتَّحْقِيقِ، وَقَالإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ: وَلَيْسَ فِي هَذَا الْخِلاَفِ فَائِدَةٌ فِقْهِيَّةٌ، وَقَال النَّوَوِيُّ: فَائِدَتُهُ أَنَّ الْحَائِضَ إِذَا أَجْنَبَتْ، وَقُلْنَا: لاَ يَجِبُ غُسْل الْحَيْضِ إِلاَّ بِانْقِطَاعِ الدَّمِ، وَقُلْنَا بِالْقَوْل الضَّعِيفِ إِنَّ الْحَائِضَ لاَ تُمْنَعُ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ، فَلَهَا أَنْ تَغْتَسِل عَنِ الْجَنَابَةِ لاِسْتِبَاحَةِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ.
وَذَكَرَ صَاحِبُ الْبَحْرِ فَائِدَةً أُخْرَى، قَال: لَوِ اسْتُشْهِدَتِ الْحَائِضُ فِي قِتَال الْكُفَّارِ قَبْل انْقِطَاعِ حَيْضِهَا، فَإِنْ قُلْنَا يَجِبُ بِالاِنْقِطَاعِ لَمْ تُغْسَل. وَإِنْ قُلْنَا بِالْخُرُوجِ فَهَل تُغْسَل؟ فِيهِ الْوَجْهَانِ فِي غُسْل الْجُنُبِ الشَّهِيدِ.
وَذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ أَيْضًا الْبُهُوتِيُّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ فِي شَرْحِهِ عَلَى الإِْقْنَاعِ.
وَذَكَرَ الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ فَائِدَةً ثَالِثَةً، وَهِيَ فِيمَا إِذَا قَال لِزَوْجَتِهِ: إِنْ وَجَبَ عَلَيْكِ غُسْلٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ (48) .
الرَّابِعُ - الْمَوْتُ:
20 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّ الْمَوْتَ مِنْ مُوجِبَاتِ الْغُسْل، لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ حِينَ تُوُفِّيَتْ إِحْدَى بَنَاتِهِ: اغْسِلْنَهَا ثَلاَثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ (49) .
وَذَهَبَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى سُنِّيَّةِ غُسْل الْمَيِّتِ، قَال الدُّسُوقِيُّ: وُجُوبُ غُسْل الْمَيِّتِ هُوَ قَوْل عَبْدِ الْوَهَّابِ وَابْنِ مُحْرِزٍ وَابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ، وَشَهَرَهُ ابْنُ رَاشِدٍ وَابْنُ فَرْحُونَ، وَأَمَّا سُنِّيَّتُهُ فَحَكَاهَا ابْنُ أَبِي زَيْدٍ وَابْنُ يُونُسَ وَابْنُ الْجَلاَّبِ وَشَهَرَهُ ابْنُ بَزِيزَةَ (50) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ: (تَغْسِيل الْمَيِّتِ ف 2)
الْخَامِسُ - إِسْلاَمُ الْكَافِرِ:
21 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ إِسْلاَمَ الْكَافِرِ مُوجِبٌ لِلْغُسْل، فَإِذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَغْتَسِل، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ ﵁ أَنَّ ثُمَامَةَ بْنَ أَثَالٍ ﵁ أَسْلَمَ، فَقَال النَّبِيُّ ﷺ اذْهَبُوا بِهِ إِلَى حَائِطِ بَنِي فُلاَنٍ فَمُرُوهُ أَنْ يَغْتَسِل (51) وَعَنْ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ أَنَّهُ أَسْلَمَ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ ﷺ أَنْ يَغْتَسِل بِمَاءٍ وَسِدْرٍ (52) ؛ وَلأَِنَّهُ لاَ يَسْلَمُ غَالِبًا مِنْ جَنَابَةٍ، فَأُقِيمَتِ الْمَظِنَّةُ مَقَامَ الْحَقِيقَةِ كَالنَّوْمِ وَالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ، وَلَمْ يُفَرِّقُوا فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْكَافِرِ الأَْصْلِيِّ وَالْمُرْتَدِّ، فَيَجِبُ الْغُسْل عَلَى الْمُرْتَدِّ أَيْضًا إِذَا أَسْلَمَ.
وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِصِحَّةِ الْغُسْل قَبْل النُّطْقِ بِالشَّهَادَةِ إِذَا أَجْمَعَ بِقَلْبِهِ عَلَى الإِْسْلاَمِ؛ لأَِنَّ إِسْلاَمَهُ بِقَلْبِهِ إِسْلاَمٌ حَقِيقِيٌّ مَتَى عَزَمَ عَلَى النُّطْقِ مِنْ غَيْرِ إِبَاءٍ، لأَِنَّ النُّطْقَ لَيْسَ رُكْنًا مِنَ الإِْيمَانِ وَلاَ شَرْطَ صِحَّةٍ عَلَى الصَّحِيحِ، وَقَالُوا: لَوْ نَوَى بِغُسْلِهِ الْجَنَابَةَ أَوِ الطَّهَارَةَ أَوِ الإِْسْلاَمَ كَفَاهُ؛ لأَِنَّ نِيَّتَهُ الطُّهْرُ مِنْ كُل مَا كَانَ فِي حَال كُفْرِهِ (53) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: وَسَوَاءٌ وُجِدَ مِنْهُ فِي كُفْرِهِ مَا يُوجِبُ الْغُسْل مِنْ نَحْوِ جِمَاعٍ أَوْ إِنْزَالٍ أَوْ لاَ، وَسَوَاءٌ اغْتَسَل قَبْل إِسْلاَمِهِ أَوْ لاَ، فَيَكْفِيهِ غُسْل الإِْسْلاَمِ، سَوَاءٌ نَوَى الْكُل أَوْ نَوَى غُسْل الإِْسْلاَمِ إِلاَّ أَنْ يَنْوِيَ أَلاَّ يَرْتَفِعَ غَيْرُهُ. لأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمْ يَسْتَفْصِل. وَلَوِ اخْتَلَفَ الْحَال لَوَجَبَ الاِسْتِفْصَال، وَوَقْتُ وُجُوبِ الْغُسْل إِذَا أَسْلَمَ، أَيْ بَعْدَ النُّطْقِ بِالشَّهَادَتَيْنِ (54) . 22 - وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى اسْتِحْبَابِ الْغُسْل لِلْكَافِرِ إِذَا أَسْلَمَ وَهُوَ غَيْرُ جُنُبٍ، لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا أَسْلَمَ قَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ ﵁ أَمَرَهُ رَسُول اللَّهِ ﷺ أَنْ يَغْتَسِل. وَلاَ يَجِبُ ذَلِكَ؛ لأَِنَّهُ أَسْلَمَ خَلْقٌ كَثِيرٌ وَلَمْ يَأْمُرْهُمُ النَّبِيُّ ﷺ بِالْغُسْل.
وَإِذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ وَهُوَ جُنُبٌ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْل، قَال النَّوَوِيُّ: نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الأَْصْحَابِ. وَقَال الْكَمَال بْنُ الْهُمَامِ: الأَْصَحُّ وُجُوبُ الْغُسْل عَلَيْهِ لِبَقَاءِ صِفَةِ الْجَنَابَةِ السَّابِقَةِ بَعْدَ الإِْسْلاَمِ، فَلاَ يُمْكِنُهُ أَدَاءُ الْمَشْرُوطِ بِزَوَالِهَا إِلاَّ بِهِ، وَقِيل: لاَ يَجِبُ لأَِنَّهُمْ غَيْرُ مُخَاطَبِينَ بِالْفُرُوعِ، وَلَمْ يُوجَدْ بَعْدَ الإِْسْلاَمِ جَنَابَةٌ.
وَنَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ حَاضَتِ الْكَافِرَةُ فَطَهُرَتْ ثُمَّ أَسْلَمَتْ فَلاَ غُسْل عَلَيْهَا، وَلَوْ أَسْلَمَتْ حَائِضًا ثُمَّ طَهُرَتْ وَجَبَ عَلَيْهَا الْغُسْل، وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْجُنُبِ أَنَّ صِفَةَ الْجَنَابَةِ بَاقِيَةٌ بَعْدَ الإِْسْلاَمِ فَكَأَنَّهُ أَجْنَبَ بَعْدَهُ، وَالاِنْقِطَاعُ فِي الْحَيْضِ هُوَ السَّبَبُ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ بَعْدَهُ. قَال قَاضِي خَانْ: وَالأَْحْوَطُ وُجُوبُ الْغُسْل.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَجْهَانِ فِيمَا لَوِ اغْتَسَل حَال كُفْرِهِ هَل يَجِبُ إِعَادَتُهُ؟ أَحَدُهُمَا: لاَ تَجِبُ إِعَادَتُهُ لأَِنَّهُ غُسْلٌ صَحِيحٌ، بِدَلِيلأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ إِبَاحَةُ الْوَطْءِ فِي حَقِّ الْحَائِضِ إِذَا طَهُرَتْ فَلَمْ تَجِبْ إِعَادَتُهُ كَغُسْل الْمُسْلِمَةِ.
وَالثَّانِي: وَهُوَ الأَْصَحُّ - تَجِبُ إِعَادَتُهُ لأَِنَّهُ عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ فَلَمْ تَصِحَّ مِنَ الْكَافِرِ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَالصَّوْمِ وَالصَّلاَةِ، نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَآخَرُونَ، قَال النَّوَوِيُّ: وَلاَ فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ الْكَافِرِ الْمُغْتَسِل فِي الْكُفْرِ، وَالْكَافِرَةِ الْمُغْتَسِلَةِ لِحِلِّهَا لِزَوْجِهَا الْمُسْلِمِ، فَالأَْصَحُّ فِي الْجَمِيعِ وُجُوبُ الإِْعَادَةِ (55) .
فَرَائِضُ الْغُسْل:
الأُْولَى - النِّيَّةُ:
23 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ النِّيَّةَ فَرْضٌ فِي الْغُسْل، لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: إِنَّمَا الأَْعْمَال بِالنِّيَّاتِ (56) وَيَكْفِي فِيهَا نِيَّةُ رَفْعِ الْحَدَثِ الأَْكْبَرِ أَوِ اسْتِبَاحَةِ الصَّلاَةِ وَنَحْوِهَا.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ النِّيَّةَ فِي الْغُسْل سُنَّةٌ وَلَيْسَتْ بِفَرْضٍ (57) . وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ: (نِيَّة)
الثَّانِيَةُ - تَعْمِيمُ الشَّعْرِ وَالْبَشَرَةِ بِالْمَاءِ:
24 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ تَعْمِيمَ الشَّعْرِ وَالْبَشَرَةِ بِالْمَاءِ مِنْ فُرُوضِ الْغُسْل لِحَدِيثِ عَائِشَةَ ﵂ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ إِذَا اغْتَسَل مِنَ الْجَنَابَةِ بَدَأَ فَغَسَل يَدَيْهِ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ كَمَا يَتَوَضَّأُ لِلصَّلاَةِ، ثُمَّ يُدْخِل أَصَابِعَهُ فِي الْمَاءِ فَيُخَلِّل بِهَا أُصُول شَعْرِهِ، ثُمَّ يَصُبُّ عَلَى رَأْسِهِ ثَلاَثَ غُرَفٍ بِيَدَيْهِ، ثُمَّ يُفِيضُ عَلَى جِلْدِهِ كُلِّهِ (58) وَعَنْ مَيْمُونَةَ ﵂ قَالَتْ تَوَضَّأَ رَسُول اللَّهِ ﷺ وُضُوءَهُ لِلصَّلاَةِ غَيْرَ رِجْلَيْهِ، وَغَسَل فَرْجَهُ وَمَا أَصَابَهُ مِنَ الأَْذَى، ثُمَّ أَفَاضَ عَلَيْهِ الْمَاءَ، ثُمَّ نَحَّى رِجْلَيْهِ فَغَسَلَهُمَا، هَذِهِ غُسْلُهُ مِنَ الْجَنَابَةِ (59) وَلِمَا رَوَى جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ ﵁ قَال: تَذَاكَرْنَا غُسْل الْجَنَابَةِ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ، فَقَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: أَمَّا أَنَا فَآخُذُ مِلْءَ كَفَّيَّ ثَلاَثًا فَأَصُبُّ عَلَى رَأْسِي، ثُمَّ أُفِيضُهُ بَعْدُ عَلَى سَائِرِ جَسَدِي (60) . وَلِقَوْلِهِ ﷺ: إِنَّ تَحْتَ كُل شَعْرَةٍ جَنَابَةً، فَاغْسِلُوا الشَّعْرَ وَأَنْقُوا الْبَشَرَ (61) .
قَال النَّوَوِيُّ: إِفَاضَةُ الْمَاءِ عَلَى جَمِيعِ الْبَدَنِ شَعْرِهِ وَبَشَرِهِ وَاجِبٌ بِلاَ خِلاَفٍ، وَمِنْ ثَمَّ يَجِبُ إِيصَال الْمَاءِ إِلَى كُل ظَاهِرِ الْجَسَدِ وَمِنْهُ مَا تَحْتَ الشَّعْرَةِ، سَوَاءٌ كَانَ الشَّعْرُ الَّذِي عَلَى الْبَشَرَةِ خَفِيفًا أَوْ كَثِيفًا، يَجِبُ إِيصَال الْمَاءِ إِلَى جَمِيعِهِ وَجَمِيعِ الْبَشَرَةِ تَحْتَهُ بِلاَ خِلاَفٍ.
وَقَدْ نَبَّهَ الْفُقَهَاءُ إِلَى مَوَاضِعَ قَدْ لاَ يَصِل إِلَيْهَا الْمَاءُ كَعُمْقِ السُّرَّةِ، وَتَحْتِ ذَقَنِهِ، وَتَحْتِ جَنَاحَيْهِ، وَمَا بَيْنَ أَلْيَتَيْهِ، وَمَا تَحْتَ رُكْبَتَيْهِ، وَأَسَافِل رِجْلَيْهِ. وَيُخَلِّل أَصَابِعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ، وَيُخَلِّل شَعْرَ لِحْيَتِهِ وَشَعْرَ الْحَاجِبَيْنِ وَالْهُدْبَ وَالشَّارِبَ وَالإِْبِطَ وَالْعَانَةَ.
قَال الْحَنَفِيَّةُ: يَجِبُ غَسْل كُل مَا يُمْكِنُ بِلاَ حَرَجٍ، كَأُذُنٍ وَسُرَّةٍ وَشَارِبٍ وَحَاجِبٍ وَإِنْ كَثُفَ، وَلِحْيَةٍ وَشَعْرِ رَأْسٍ وَلَوْ مُتَلَبِّدًا، وَفَرْجٍ خَارِجٍ. وَأَمَّا الْفَرْجُ الدَّاخِل فَلاَ يُغْسَل لأَِنَّهُ بَاطِنٌ، وَلاَ تُدْخِل أُصْبُعَهَا فِي قُبُلِهَا. وَلاَ يَجِبُ غَسْل مَا فِيهِ حَرَجٌ كَعَيْنٍ وَثَقْبٍ انْضَمَّ بَعْدَ نَزْعِ الْقُرْطِ وَصَارَ بِحَالٍ إِنْ أُمِرَّ عَلَيْهِ الْمَاءُ يَدْخُلْهُ، وَإِنْ غُفِل لاَ، فَلاَ بُدَّ مِنْ إِمْرَارِهِ، وَلاَ يَتَكَلَّفُ لِغَيْرِ الإِْمْرَارِ مِنْ إِدْخَال عُودٍ وَنَحْوِهِ، فَإِنَّ الْحَرَجَ مَرْفُوعٌ (62) . وَهُنَاكَ مَسَائِل تَتَعَلَّقُ بِتَعْمِيمِ الْبَشَرَةِ وَالشَّعْرِ بِالْمَاءِ نَذْكُرُ مِنْهَا مَا يَلِي:
أ - الْمَضْمَضَةُ وَالاِسْتِنْشَاقُ:
25 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى وُجُوبِ الْمَضْمَضَةِ وَالاِسْتِنْشَاقِ فِي الْغُسْل، قَال الْحَنَابِلَةُ: الْفَمُ وَالأَْنْفُ مِنَ الْوَجْهِ لِدُخُولِهِمَا فِي حَدِّهِ، فَتَجِبُ الْمَضْمَضَةُ وَالاِسْتِنْشَاقُ فِي الطَّهَارَةِ الْكُبْرَى وَالصُّغْرَى فَلاَ يَسْقُطُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا؛ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ ﵂ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: الْمَضْمَضَةُ وَالاِسْتِنْشَاقُ مِنَ الْوُضُوءِ الَّذِي لاَ بُدَّ مِنْهُ (63) .
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ أَمَرَ بِالْمَضْمَضَةِ وَالاِسْتِنْشَاقِ (64) . وَلأَِنَّ الْفَمَ وَالأَْنْفَ فِي حُكْمِ الظَّاهِرِ، بِدَلِيل أَنَّ الصَّائِمَ لاَ يُفْطِرُ بِوُصُول شَيْءٍ إِلَيْهِمَا، وَيُفْطِرُ بِعَوْدِ الْقَيْءِ بَعْدَ وُصُولِهِ إِلَيْهِمَا.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْمَضْمَضَةِ وَالاِسْتِنْشَاقِ فِي الْغُسْل، لأَِنَّ الْفَمَ وَالأَْنْفَ لَيْسَا مِنْ ظَاهِرِ الْجَسَدِ فَلاَ يَجِبُ غَسْلُهُمَا، وَاعْتَبَرُوا غَسْلَهُمَا مِنْ سُنَنِ الْغُسْل (65) .
ب - نَقْضُ الضَّفَائِرِ:
26 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجِبُ نَقْضُ الضَّفَائِرِ فِي الْغُسْل إِذَا كَانَ الْمَاءُ يَصِل إِلَى أُصُولِهَا، وَالأَْصْل فِيهِ حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ ﵂ قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُول اللَّهِ، إِنِّي امْرَأَةٌ أَشُدُّ ضَفْرَ رَأْسِي فَأَنْقُضُهُ لِغُسْل الْجَنَابَةِ؟ قَال: لاَ، إِنَّمَا يَكْفِيكِ أَنْ تَحْثِي عَلَى رَأْسِكِ ثَلاَثَ حَثَيَاتٍ، ثُمَّ تُفِيضِينَ عَلَيْكِ الْمَاءَ فَتَطْهُرِينَ (66) فَإِذَا لَمْ يَصِل الْمَاءُ إِلَى أُصُول الضَّفَائِرِ فَإِنَّهُ يَجِبُ نَقْضُهَا فِي الْجُمْلَةِ.
قَال الْحَنَفِيَّةُ: وَإِذَا لَمْ يَبْتَل أَصْلُهَا، بِأَنْ كَانَ مُتَلَبِّدًا أَوْ غَزِيرًا أَوْ مَضْفُورًا ضَفْرًا شَدِيدًا لاَ يَنْفُذُ فِيهِ الْمَاءُ يَجِبُ نَقْضُهَا.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: لاَ يَجِبُ نَقْضُ الضَّفَائِرِ مَا لَمْ يَشْتَدَّ بِنَفْسِهِ أَوْ ضُفِّرَ بِخُيُوطٍ كَثِيرَةٍ، سَوَاءٌ اشْتَدَّ الضَّفْرُ أَمْ لاَ. وَالْمُرَادُ بِهَا مَا زَادَ عَلَى الاِثْنَيْنِ فِي الضَّفِيرَةِ، وَكَذَا مَا ضُفِرَ بِخَيْطٍ أَوْ خَيْطَيْنِ مَعَ الاِشْتِدَادِ، وَصَرَّحُوا بِوُجُوبِ ضَغْثِ مَضْفُورِ الشَّعْرِ - أَيْ جَمْعِهِ وَضَمِّهِ وَتَحْرِيكِهِ - لِيُدَاخِلَهُ الْمَاءُ، قَال الدُّسُوقِيُّ: وَإِنْ كَانَتْ عَرُوسًا تُزَيِّنُ شَعْرَهَا، وَفِي الْبُنَانِيِّ وَغَيْرِهِ: أَنَّ الْعَرُوسَ الَّتِي تُزَيِّنُ شَعْرَهَا لَيْسَ عَلَيْهَا غُسْل رَأْسِهَا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ إِتْلاَفِ الْمَال، وَيَكْفِيهَا الْمَسْحُ عَلَيْهِ.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: يَجِبُ نَقْضُ الضَّفَائِرِ إِنْ لَمْ يَصِل الْمَاءُ إِلَى بَاطِنِهَا إِلاَّ بِالنَّقْضِ، بِخِلاَفِ مَا تَعَقَّدَ بِنَفْسِهِ فَلاَ يَجِبُ نَقْضُهُ وَإِنْ كَثُرَ، فَإِنْ كَانَ بِفِعْلٍ عُفِيَ عَنْ قَلِيلِهِ، وَلَوْ بَقِيَ مِنْ أَطْرَافِ شَعْرِهِ مَثَلاً شَيْءٌ وَلَوْ وَاحِدَةٌ بِلاَ غُسْلٍ، ثُمَّ أَزَالَهَا بِقَصٍّ أَوْ نَتْفٍ مَثَلاً لَمْ يَكْفِ، فَلاَ بُدَّ مِنْ غَسْل مَوْضِعِهَا، بِخِلاَفِ مَا لَوْ أَزَالَهُ بَعْدَ غَسْلِهَا؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ ﵁ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: مَنْ تَرَكَ مَوْضِعَ شَعْرَةٍ مِنْ جَنَابَةٍ لَمْ يَغْسِلْهَا فُعِل بِهِ كَذَا وَكَذَا مِنَ النَّارِ (67) قَال عَلِيٌّ: فَمِنْ ثَمَّ عَادَيْتُ شَعْرَ رَأْسِي.
وَنَصَّ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّ الرَّجُل كَالْمَرْأَةِ فِي ذَلِكَ.
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: لاَ يَكْفِي لِلرَّجُل بَل ضَفِيرَتِهِ، فَيَنْقُضُهَا وُجُوبًا لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ وَلِلاِحْتِيَاطِ وَلإِِمْكَانِ حَلْقِهِ. وَفِي رِوَايَةٍ: لاَ يَجِبُ؛ نَظَرًا إِلَى الْعَادَةِ.
وَوَافَقَ الْحَنَابِلَةُ الْجُمْهُورَ فِي عَدَمِ وُجُوبِ نَقْضِ الشَّعْرِ الْمَضْفُورِ فِي غُسْل الْجَنَابَةِ إِذَا رُوَتْ أُصُولُهُ، وَخَالَفُوهُمْ فِي غُسْل الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ حَيْثُ قَالُوا بِوُجُوبِ النَّقْضِ، وَدَلِيل ذَلِكَ حَدِيثُ عَائِشَةَ ﵂ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال لَهَا: انْقُضِي شَعْرَكَ وَامْتَشِطِي (68) ، وَلاَ يَكُونُ الْمَشْطُ إِلاَّ فِي شَعْرٍ غَيْرِ مَضْفُورٍ؛ وَلأَِنَّ الأَْصْل وُجُوبُ نَقْضِ الشَّعْرِ لِتَحَقُّقِ وُصُول الْمَاءِ إِلَى مَا يَجِبُ غَسْلُهُ. فَعُفِيَ عَنْهُ فِي غُسْل الْجَنَابَةِ؛ لأَِنَّهُ يَكْثُرُ، فَشَقَّ ذَلِكَ فِيهِ، وَالْحَيْضُ بِخِلاَفِهِ، فَبَقِيَ عَلَى الأَْصْل فِي الْوُجُوبِ، وَالنِّفَاسُ فِي مَعْنَى الْحَيْضِ، وَقَال ابْنُ قُدَامَةَ: قَال بَعْضُ أَصْحَابِنَا: هَذَا مُسْتَحَبٌّ غَيْرُ وَاجِبٍ، وَهُوَ قَوْل أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ؛ لأَِنَّ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ: ﷺ إِنِّي امْرَأَةٌ أَشُدُّ ضَفْرَ رَأْسِي فَأَنْقُضُهُ لِلْحَيْضَةِ وَالْجَنَابَةِ؟ فَقَال: لاَ، إِنَّمَا يَكْفِيكِ أَنْ تَحْثِي عَلَى رَأْسِكِ ثَلاَثَ حَثَيَاتٍ، ثُمَّ تُفِيضِينَ عَلَيْكِ الْمَاءَ فَتَطْهُرِينَ وَهِيَ زِيَادَةٌ يَجِبُ قَبُولُهَا، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي نَفْيِ الْوُجُوبِ (69) .
الثَّالِثَةُ - الْمُوَالاَةُ:
27 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْمُوَالاَةِ هَل هِيَ مِنْ فَرَائِضِ الْغُسْل أَوْ مِنْ سُنَنِهِ؟ فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى سُنِّيَّةِ الْمُوَالاَةِ فِي غَسْل جَمِيعِ أَجْزَاءِ الْبَدَنِ لِفِعْل النَّبِيِّ ﷺ.
وَنَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا فَاتَتِ الْمُوَالاَةُ قَبْل إِتْمَامِ الْغُسْل، بِأَنْ جَفَّ مَا غَسَلَهُ مِنْ بَدَنِهِ بِزَمَنٍ مُعْتَدِلٍ وَأَرَادَ أَنْ يُتِمَّ غُسْلَهُ - جَدَّدَ لإِِتْمَامِهِ نِيَّةً وُجُوبًا، لاِنْقِطَاعِ النِّيَّةِ بِفَوَاتِ الْمُوَالاَةِ، فَيَقَعُ غَسْل مَا بَقِيَ بِدُونِ نِيَّةٍ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمُوَالاَةَ مِنْ فَرَائِضِ الْغُسْل (70) .
الرَّابِعَةُ - الدَّلْكُ:
28 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ دَلْكَ الأَْعْضَاءِ فِي الْغُسْل سُنَّةٌ وَلَيْسَ بِفَرْضٍ؛ لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ لأَِبِي ذَرٍّ ﵁: فَإِذَا وَجَدْتَ الْمَاءَ فَأَمِسَّهُ جِلْدَكَ (71) وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِزِيَادَةٍ. وَلِقَوْلِهِ ﷺ لأُِمِّ سَلَمَةَ إِنَّمَا يَكْفِيكِ أَنْ تَحْثِي عَلَى رَأْسِكِ ثَلاَثَ حَثَيَاتٍ، ثُمَّ تُفِيضِينَ عَلَيْكِ الْمَاءَ فَتَطْهُرِينَ (72) . وَلأَِنَّهُ غُسْلٌ فَلاَ يَجِبُ إِمْرَارُ الْيَدِ فِيهِ. كَغُسْل الإِْنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْمُزَنِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّ الدَّلْكَ فَرِيضَةٌ مِنْ فَرَائِضِ الْغُسْل، وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ الْغُسْل هُوَ إِمْرَارُ الْيَدِ. وَلاَ يُقَال لِوَاقِفٍ فِي الْمَطَرِ اغْتَسَل، وَقَال الْمُزَنِيُّ: وَلأَِنَّ التَّيَمُّمَ يُشْتَرَطُ فِيهِ إِمْرَارُ الْيَدِ فَكَذَا هُنَا (73) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: هُوَ وَاجِبٌ لِنَفْسِهِ لاَ لإِِيصَال الْمَاءِ لِلْبَشَرَةِ، فَيُعِيدُ تَارِكُهُ أَبَدًا، وَلَوْ تَحَقَّقَ وُصُول الْمَاءِ لِلْبَشَرَةِ لِطُول مُكْثِهِ مَثَلاً فِي الْمَاءِ، قَال الدُّسُوقِيُّ: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ، وَقَال بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ وَاجِبٌ لإِِيصَال الْمَاءِ لِلْبَشَرَةِ، وَاخْتَارَهُ عَلِيٌّ الأُْجْهُورِيُّ لِقُوَّةِ مُدْرَكِهِ، وَنَصُّوا عَلَى أَنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ مُقَارَنَةُ الدَّلْكِ لِلْمَاءِ، بَل يُجْزِئُ وَلَوْ بَعْدَ صَبِّ الْمَاءِ وَانْفِصَالِهِ مَا لَمْ يَجِفَّ الْجَسَدُ، فَلاَ يُجْزِئُ الدَّلْكُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لأَِنَّهُ صَارَ مَسْحًا لاَ غُسْلاً، وَصَرَّحُوا بِجَوَازِ الدَّلْكِ بِالْخِرْقَةِ، يُمْسِكُ طَرَفَهَا بِيَدِهِ الْيُمْنَى وَالطَّرَفَ الآْخَرَ بِالْيُسْرَى وَيُدَلِّكُ بِوَسَطِهَا، فَإِنَّهُ يَكْفِي ذَلِكَ وَلَوْ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الدَّلْكِ بِالْيَدِ. وَكَذَا لَوْ لَفَّ الْخِرْقَةَ عَلَى يَدِهِ أَوْ أَدْخَل يَدَهُ فِي كِيسٍ فَدَلَّكَ بِهِ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ مَتَى تَعَذَّرَ الدَّلْكُ بِالْيَدِ سَقَطَ عَنْهُ، وَلاَ يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّلْكُ بِالْخِرْقَةِ وَلاَ الاِسْتِنَابَةُ (74) .
سُنَنُ الْغُسْل:
أ - التَّسْمِيَةُ:
29 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ التَّسْمِيَةَ سُنَّةٌ مِنْ سُنَنِ الْغُسْل، وَعَدَّهَا الْمَالِكِيَّةُ مِنَ الْمَنْدُوبَاتِ، لِعُمُومِ حَدِيثِ: كُل أَمْرٍ ذِي بَالٍ لاَ يُبْدَأُ فِيهِ بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَهُوَ أَقْطَعُ (75)
قَال النَّوَوِيُّ: وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ لاَ تُسْتَحَبُّ التَّسْمِيَةُ لِلْجُنُبِ، وَهَذَا ضَعِيفٌ لأَِنَّ التَّسْمِيَةَ ذِكْرٌ، وَلاَ يَكُونُ قُرْآنًا إِلاَّ بِالْقَصْدِ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى وُجُوبِ التَّسْمِيَةِ لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: لاَ وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يُذْكَرِ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ (76) قِيَاسًا لإِِحْدَى الطَّهَارَتَيْنِ عَلَى الأُْخْرَى.
قَال ابْنُ قُدَامَةَ: ظَاهِرُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ أَنَّ التَّسْمِيَةَ مَسْنُونَةٌ فِي طَهَارَةِ الأَْحْدَاثِ كُلِّهَا، وَعَنْهُ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ فِيهَا كُلِّهَا: الْغُسْل وَالْوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ.
وَقَال الْخَلاَّل: الَّذِي اسْتَقَرَّتِ الرِّوَايَاتُ عَنْهُ أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِتَرْكِ التَّسْمِيَةِ.
وَلَفْظُ التَّسْمِيَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ بِاسْمِ اللَّهِ الْعَظِيمِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى دِينِ الإِْسْلاَمِ، وَقِيل: الأَْفْضَل بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
وَقَال النَّوَوِيُّ: صِفَةُ التَّسْمِيَةِ بِسْمِ اللَّهِ، فَإِذَا زَادَ الرَّحْمَنَ الرَّحِيمَ جَازَ، وَلاَ يُقْصَدُ بِهَا الْقُرْآنُ.
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: صِفَتُهَا بِسْمِ اللَّهِ، وَلاَ يَقُومُ غَيْرُهَا مَقَامَهَا، فَلَوْ قَال: بِسْمِ الرَّحْمَنِ، أَوِ الْقُدُّوسِ، أَوْ نَحْوِهِ لَمْ يُجْزِئْهُ، لَكِنْ قَال الْبُهُوتِيُّ: الظَّاهِرُ إِجْزَاؤُهَا بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ وَلَوْ مِمَّنْ يُحْسِنُهَا - كَمَا فِي التَّذْكِيَةِ - إِذْ لاَ فَرْقَ.
وَيُسْتَحَبُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنْ يَبْتَدِئَ النِّيَّةَ مَعَ التَّسْمِيَةِ، وَمُصَاحِبَةً لَهَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.
قَال الْبُهُوتِيُّ: وَقْتُهَا عِنْدَ أَوَّل الْوَاجِبَاتِ وُجُوبًا، وَأَوَّل الْمَسْنُونَاتِ اسْتِحْبَابًا (77) .
ب - غُسْل الْكَفَّيْنِ:
30 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يُسَنُّ فِي الْغُسْل غُسْل الْيَدَيْنِ إِلَى الرُّسْغَيْنِ ثَلاَثًا ابْتِدَاءً قَبْل إِدْخَالِهِمَا فِي الإِْنَاءِ. لِحَدِيثِ مَيْمُونَةَ ﵂ قَالَتْ: وَضَعْتُ لِلنَّبِيِّ ﷺ مَاءً لِلْغُسْل، فَغَسَل يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا (78) .
قَال الدُّسُوقِيُّ: هَذَا إِذَا كَانَ الْمَاءُ غَيْرَ جَارٍ وَكَانَ يَسِيرًا وَأَمْكَنَ الإِْفْرَاغُ مِنْهُ، وَإِلاَّ فَلاَ تَتَوَقَّفُ سُنِّيَّةُ غُسْلِهِمَا عَلَى الأَْوَّلِيَّةِ (79) . ج - إِزَالَةُ الأَْذَى:
31 - قَال الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: أَكْمَل الْغُسْل إِزَالَةُ الْقَذِرِ طَاهِرًا كَانَ كَالْمَنِيِّ، أَوْ نَجَسًا كَوَدْيٍ اسْتِظْهَارًا.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُسَنُّ بَعْدَ غَسْل الْيَدَيْنِ الْبَدْءُ بِإِزَالَةِ الْخَبَثِ عَنْ جَسَدِهِ، سَوَاءٌ كَانَ بِفَرْجٍ أَوْ غَيْرِهِ، لِحَدِيثِ مَيْمُونَةَ ﵂ فِي صِفَةِ غُسْل النَّبِيِّ ﷺ: ثُمَّ أَفْرَغَ عَلَى شِمَالِهِ فَغَسَل مَذَاكِيرَهُ (80) ، قَال ابْنُ عَابِدِينَ: السُّنَّةُ نَفْسُ الْبُدَاءَةِ بِغُسْل النَّجَاسَةِ. وَأَمَّا نَفْسُ غُسْلِهَا فَلاَ بُدَّ مِنْهُ وَلَوْ قَلِيلَةً.
وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ يُسَنُّ غُسْل الْفَرْجِ مَعَ الْبُدَاءَةِ بِغُسْل الْيَدَيْنِ. وَذَلِكَ بِأَنْ يُفِيضَ الْمَاءَ بِيَدِهِ الْيُمْنَى عَلَيْهِ فَيَغْسِلَهُ بِالْيُسْرَى، ثُمَّ يُنَقِّيَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ خَبَثٌ اتِّبَاعًا لِلْحَدِيثِ.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ يُنْدَبُ الْبَدْءُ بِإِزَالَةِ الأَْذَى أَيِ النَّجَاسَةِ فِي الْغُسْل (81) . د - الْوُضُوءُ:
32 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ يُسَنُّ فِي الْغُسْل الْوُضُوءُ كَامِلاً، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ ﵂ كَانَ رَسُول اللَّهِ ﷺ إِذَا اغْتَسَل مِنَ الْجَنَابَةِ بَدَأَ فَغَسَل يَدَيْهِ، ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلاَةِ (82) ". وَعَدَّهُ الْمَالِكِيَّةُ مِنَ الْمَنْدُوبَاتِ.
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي مَحَل غُسْل الرِّجْلَيْنِ، هَل يَغْسِلُهُمَا فِي وُضُوئِهِ أَوْ فِي آخِرِ غُسْلِهِ؟
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ. وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْصَحِّ، وَالْحَنَابِلَةُ فِي الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُؤَخِّرُ غَسْل قَدَمَيْهِ إِلَى آخِرِ الْغُسْل، بَل يُكْمِل الْوُضُوءَ بِغَسْل الرِّجْلَيْنِ.
قَال ابْنُ عَابِدِينَ: وَلَوْ كَانَ وَاقِفًا فِي مَحَلٍّ يَجْتَمِعُ فِيهِ مَاءُ الْغُسْل، وَهُوَ ظَاهِرُ حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ قَوْلٌ إِنَّهُ يُؤَخِّرُ غُسْل قَدَمَيْهِ مُطْلَقًا، وَهُوَ مُقَابِل الأَْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ. قَال ابْنُ عَابِدِينَ: وَهُوَ ظَاهِرُ إِطْلاَقِ الأَْكْثَرِ، وَإِطْلاَقِ حَدِيثِ مَيْمُونَةَ، قَال النَّوَوِيُّ عَنْ قَوْلَيْ الشَّافِعِيَّةِ: وَهَذَانِ الْقَوْلاَنِ إِنَّمَا هُمَا فِي الأَْفْضَل، وَإِلاَّ فَكَيْفَ فَعَل حَصَل الْوُضُوءُ، وَقَدْ ثَبَتَ الأَْمْرَانِ فِي الصَّحِيحِ مِنْ فِعْل النَّبِيِّ ﷺ.
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ قَوْلٌ ثَالِثٌ، وَهُوَ إِنْ كَانَ فِي مَكَانٍ يَجْتَمِعُ فِيهِ الْمَاءُ فَيُؤَخِّرُ غُسْل قَدَمَيْهِ. وَإِلاَّ غَسَلَهُمَا فِي الْوُضُوءِ. قَال ابْنُ عَابِدِينَ. صَحَّحَهُ فِي الْمُجْتَبَى، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمَبْسُوطِ وَالْكَافِي.
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ رِوَايَةٌ عَنِ الإِْمَامِ أَحْمَدَ بِأَنَّ غُسْل رِجْلَيْهِ مَعَ الْوُضُوءِ وَتَأْخِيرَ غُسْلِهِمَا حَتَّى يَغْتَسِل سَوَاءٌ فِي الأَْفْضَلِيَّةِ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ فِي الرَّاجِحِ إِلَى نَدْبِ تَأْخِيرِ غُسْل الرِّجْلَيْنِ بَعْدَ فَرَاغِ الْغُسْل؛ لأَِنَّهُ قَدْ جَاءَ التَّصْرِيحُ بِتَأْخِيرِ غُسْلِهِمَا فِي الأَْحَادِيثِ كَحَدِيثِ مَيْمُونَةَ، وَوَقَعَ فِي بَعْضِ الأَْحَادِيثِ الإِْطْلاَقُ، وَالْمُطْلَقُ يُحْمَل عَلَى الْمُقَيَّدِ (83) .
هـ - الْبَدْءُ بِالْيَمِينِ:
33 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْبَدْءِ بِالْيَمِينِ عِنْدَ غُسْل الْجَسَدِ، وَهُوَ مِنْ مَنْدُوبَاتِ الْغُسْل عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ (84) ، لِحَدِيثِ أَنَّهُ ﷺ كَانَ يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ فِي طَهُورِهِ (85) وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ ﵂ كَانَ رَسُول اللَّهِ ﷺ إِذَا اغْتَسَل مِنَ الْجَنَابَةِ دَعَا بِشَيْءٍ نَحْوَ الْحِلاَبِ، فَأَخَذَ بِكَفِّهِ، ثُمَّ بَدَأَ بِشِقِّ رَأْسِهِ الأَْيْمَنِ ثُمَّ الأَْيْسَرِ (86) .
و الْبَدْءُ بِأَعْلَى الْبَدَنِ:
34 - ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُسَنُّ عِنْدَ غُسْل الْجَسَدِ الْبَدْءُ بِأَعْلاَهُ.
وَوَافَقَهُمُ الْمَالِكِيَّةُ فِي ذَلِكَ، لَكِنَّهُمْ عَدُّوهُ مِنَ الْمَنْدُوبَاتِ (87) .
ز - تَثْلِيثُ الْغُسْل:
35 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ تَثْلِيثَ غُسْل الأَْعْضَاءِ فِي الْغُسْل سُنَّةٌ، لِحَدِيثِ مَيْمُونَةَ ﵂: ثُمَّ أَفْرَغَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلاَثَ حَفَنَاتٍ (88) ، وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ ﵂: ثُمَّ يَأْخُذُ الْمَاءَ فَيُدْخِل أَصَابِعَهُ فِي أُصُول الشَّعْرِ، حَتَّى إِذَا رَأَى أَنْ قَدِ اسْتَبْرَأَ، حَفَنَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلاَثَ حَفَنَاتٍ (89) ، وَأَمَّا بَاقِي أَعْضَاءِ الْجَسَدِ فَقِيَاسًا عَلَى الْوُضُوءِ.
قَال الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ: إِنْ كَانَ الْمَاءُ جَارِيًا كَفَى فِي التَّثْلِيثِ أَنْ يُمِرَّ عَلَيْهِ ثَلاَثًا جِرْيَاتٍ، وَإِنْ كَانَ رَاكِدًا انْغَمَسَ فِيهِ ثَلاَثًا، بِأَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ مِنْهُ وَيَنْقُل قَدَمَيْهِ، أَوْ يَنْتَقِل فِيهِ مِنْ مَقَامِهِ إِلَى آخَرَ ثَلاَثًا، وَلاَ يَحْتَاجُ إِلَى انْفِصَال جُمْلَتِهِ وَلاَ رَأْسِهِ، فَإِنَّ حَرَكَتَهُ تَحْتَ الْمَاءِ كَجَرْيِ الْمَاءِ عَلَيْهِ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى نَدْبِ تَثْلِيثِ غُسْل الرَّأْسِ فَقَطْ، وَأَمَّا بَقِيَّةُ الأَْعْضَاءِ فَاعْتَمَدَ الدَّرْدِيرُ كَرَاهَةَ غُسْلِهَا أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ، وَاعْتَمَدَ الْبُنَانِيُّ تَكْرَارَ غُسْل الأَْعْضَاءِ (90) .
36 - وَهُنَاكَ سُنَنٌ أُخْرَى مِنْهَا: أَنْ يَكُونَ قَدْرُ الْمَاءِ الْمُغْتَسَل بِهِ صَاعًا لِحَدِيثِ سَفِينَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: أَنَّهُ ﷺ كَانَ يُغَسِّلُهُ الصَّاعُ مِنَ الْمَاءِ مِنَ الْجَنَابَةِ وَيُوَضِّئُهُ الْمُدُّ (91) . وَقَدَّرَهُ أَبُو حَنِيفَةَ بِالصَّاعِ الْعِرَاقِيِّ وَهُوَ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ، وَقَدَّرَهُ صَاحِبَاهُ بِالصَّاعِ الْحِجَازِيِّ وَهُوَ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٍ.
قَال ابْنُ عَابِدِينَ: نَقَل غَيْرُ وَاحِدٍ إِجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ مَا يُجْزِئُ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْل غَيْرُ مُقَدَّرٍ بِمِقْدَارٍ، وَمَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِنْ أَنَّ أَدْنَى مَا يَكْفِي فِي الْغُسْل صَاعٌ وَفِي الْوُضُوءِ مُدٌّ لِحَدِيثِ: كَانَ رَسُول اللَّهِ ﷺ يَغْتَسِل بِالصَّاعِ إِلَى خَمْسَةِ أَمْدَادٍ، وَيَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ (92) " لَيْسَ بِتَقْدِيرٍ لاَزِمٍ، بَل هُوَ بَيَانُ أَدْنَى الْقَدْرِ الْمَسْنُونِ، حَتَّى إِنَّ مَنْ أَسْبَغَ بِدُونِ ذَلِكَ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكْفِهِ زَادَ عَلَيْهِ. لأَِنَّ طِبَاعَ النَّاسِ وَأَحْوَالَهُمْ مُخْتَلِفَةٌ.
وَقَال الدَّرْدِيرُ: الْمَدَارُ عَلَى الإِْحْكَامِ، وَهُوَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ الأَْجْسَامِ.
وَبَعْدَ أَنْ قَرَّرَ الشَّافِعِيَّةُ أَنَّهُ يُسَنُّ أَنْ لاَ يَنْقُصَ مَاءُ الْغُسْل عَنْ صَاعٍ، قَالُوا: وَلاَ حَدَّ لَهُ فَلَوْ نَقَصَ عَنْ ذَلِكَ وَأَسْبَغَ كَفَى (93) .
37 - وَنَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ سُنَنَ الْغُسْل كَسُنَنِ الْوُضُوءِ سِوَى التَّرْتِيبِ وَالدُّعَاءِ، وَآدَابَهُ كَآدَابِ الْوُضُوءِ.
وَنَصُّوا عَلَى أَنَّهُ يُسَنُّ أَنْ يَبْتَدِئَ فِي حَال صَبِّ الْمَاءِ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ عَلَى مَيَامِنِهِ، ثُمَّ عَلَى مَيَاسِرِهِ كَمَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ ﷺ، وَيُسَنُّ السِّوَاكُ أَيْضًا فِي الْغُسْل.
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لاَ يَتَكَلَّمَ بِكَلاَمٍ مُطْلَقًا، أَمَّا كَلاَمُ النَّاسِ فَلِكَرَاهَتِهِ حَال الْكَشْفِ، وَأَمَّا الدُّعَاءُ فَلأَِنَّهُ فِي مَصَبِّ الْمُسْتَعْمَل وَمَحَل الأَْقْذَارِ وَالأَْوْحَال.
وَصَرَّحُوا بِأَنَّ مِنْ آدَابِ الْغُسْل: أَنْ يَغْتَسِل بِمَكَانٍ لاَ يَرَاهُ فِيهِ أَحَدٌ لاَ يَحِل لَهُ النَّظَرُ لِعَوْرَتِهِ؛ لاِحْتِمَال ظُهُورِهَا فِي حَال الْغُسْل أَوْ لُبْسِ الثِّيَابِ، لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: إِنَّ اللَّهَ ﷿ حَيِيٌّ سِتِّيرٌ يُحِبُّ الْحَيَاءَ وَالسِّتْرَ، فَإِذَا اغْتَسَل أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَتِرْ (94) .
وَيُسْتَحَبُّ أَيْضًا أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ سُبْحَةً بَعْدَ الْغُسْل كَالْوُضُوءِ لأَِنَّهُ يَشْمَلُهُ (95) .
38 - وَنَصَّ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ يُسَنُّ مَسْحُ صِمَاخِ (ثَقْبِ) الأُْذُنَيْنِ فِي الْغُسْل، وَذَلِكَ بِأَنْ يَحْمِل الْمَاءَ فِي يَدَيْهِ وَإِمَالَةِ رَأْسِهِ حَتَّى يُصِيبَ الْمَاءُ بَاطِنَ أُذُنَيْهِ وَلاَ يَصُبُّ الْمَاءَ فِي أُذُنَيْهِ صَبًّا؛ لأَِنَّهُ يُورِثُ الضَّرَرَ، قَال الدُّسُوقِيُّ: السُّنَّةُ هُنَا مَسْحُ الثَّقْبِ الَّذِي هُوَ الصِّمَاخُ، وَأَمَّا مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَيَجِبُ غُسْلُهُ (96) .
39 - وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: مِنَ السُّنَنِ اسْتِصْحَابُ النِّيَّةِ إِلَى آخِرِ الْغُسْل، وَأَنْ لاَ يَغْتَسِل فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ وَلَوْ كَثُرَ، وَأَنْ يَكُونَ اغْتِسَالُهُ مِنَ الْجَنَابَةِ بَعْدَ بَوْلٍ لِئَلاَّ يَخْرُجَ بَعْدَهُ مَنِيٌّ.
وَيُسَنُّ أَنْ يَقُول بَعْدَ فَرَاغِهِ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنْ يَسْتَقْبِل الْقِبْلَةَ وَيَتْرُكَ الاِسْتِعَانَةَ وَالتَّنْشِيفَ (97) .
وَنَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُخَلِّل أُصُول شَعْرِ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ بِمَاءٍ قَبْل إِفَاضَتِهِ عَلَيْهِ (98) . مَكْرُوهَاتُ الْغُسْل:
40 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ مِنْ مَكْرُوهَاتِ الْغُسْل الإِْسْرَافُ فِي الْمَاءِ.
وَمِنَ الْمَكْرُوهَاتِ ضَرْبُ الْوَجْهِ بِالْمَاءِ، وَالتَّكَلُّمُ بِكَلاَمِ النَّاسِ، وَالاِسْتِعَانَةُ بِالْغَيْرِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، وَرَجَّحَ الطَّحْطَاوِيُّ أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِالاِسْتِعَانَةِ، وَتَنْكِيسِ الْفِعْل، وَتَكْرَارِ الْغُسْل بَعْدَ الإِْسْبَاغِ، وَالْغُسْل فِي الْخَلاَءِ وَفِي مَوَاضِعِ الأَْقْذَارِ، وَتَرْكِ الْوُضُوءِ أَوِ الْمَضْمَضَةِ أَوِ الاِسْتِنْشَاقِ وَالاِغْتِسَال دَاخِل مَاءٍ كَثِيرٍ كَالْبَحْرِ خَشْيَةَ أَنْ يَغْلِبَ عَلَيْهِ الْمَوْجُ فَيُغْرِقَهُ (99) .
صِفَةُ الْغُسْل:
41 - لِلْغُسْل صِفَتَانِ: صِفَةُ إِجْزَاءٍ وَصِفَةُ كَمَالٍ.
فَصِفَةُ الإِْجْزَاءِ تَحْصُل بِالنِّيَّةِ عِنْدَ مَنْ يَشْتَرِطُهَا، وَتَعْمِيمِ جَمِيعِ الشَّعْرِ وَالْبَشَرَةِ بِالْمَاءِ (100) .
وَصِفَةُ الْكَمَال تَحْصُل بِذَلِكَ وَبِمُرَاعَاةِ وَاجِبَاتِ الْغُسْل وَسُنَنِهِ وَآدَابِهِ الَّتِي سَبَقَ بَيَانُهَا.
__________
(1) القاموس المحيط، والمصباح المنير.
(2) كشاف القناع 1 / 139.
(3) لسان العرب، والمصباح المنير.
(4) كشاف القناع 1 / 24.
(5) لسان العرب.
(6) كشاف القناع 1 / 82.
(7) سورة المائدة / 6.
(8) سورة البقرة / 222.
(9) فتح الباري 1 / 359 ط السلفية، وكشاف القناع 1 / 139.
(10) حديث: " إذا جلس بين شعبها الأربع. . . ". أخرجه مسلم (1 / 272) من حديث عائشة.
(11) المجموع للنووي 2 / 130، 201 ط المكتبة السلفية، والمغني لابن قدامة 1 / 199، 2 / 345، 370 ط مكتبة الرياض.
(12) حاشية ابن عابدين على الدر المختار 1 / 107، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1 / 136، والمجموع للنووي 2 / 138 - 139، وكشاف القناع 1 / 139، والمغني 1 / 199.
(13) حديث: " إنما الماء من الماء ". أخرجه مسلم (1 / 269) من حديث أبي سعيد.
(14) حديث أم سليم: " إنها سألت نبي الله - ﷺ - عن المرأة ترى في منامها. . . ". أخرجه مسلم (1 / 250) بلفظيه.
(15) حاشية ابن عابدين على الدر المختار 1 / 108، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1 / 127 - 128، والمجموع للنووي 2 / 139، وكشاف القناع 1 / 139.
(16) حاشية ابن عابدين على الدر المختار1 / 108.
(17) حاشية ابن عابدين 1 / 107، وحاشية الدسوقي 1 / 126 - 127، والمجموع 2 / 140.
(18) المجموع للنووي 2 / 140.
(19) سورة النساء / 36.
(20) كشاف القناع 1 / 141.
(21) حديث: أن النبي ﷺ " سئل عن الرجل يجد البلل. . . ". أخرجه الترمذي (1 / 190) ثم ذكر تضعيف أحد رواته.
(22) حاشية ابن عابدين 1 / 108، وفتح القدير 1 / 43.
(23) الخرشي على مختصر خليل 1 / 163، وحاشية الدسوقي 1 / 127.
(24) حديث: " إنما الماء من الماء ". تقدم تخريجه ف5.
(25) المجموع شرح المهذب للنووي 2 / 139 - 140.
(26) كشاف القناع 1 / 142.
(27) المجموع شرح المهذب للنووي 2 / 140، وكشاف القناع 1 / 139.
(28) حاشية ابن عابدين 1 / 107.
(29) حديث أبي هريرة: " إذا جلس بين شعبها الأربع. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 1 / 395) ومسلم (1 / 271) ، والرواية الأخرى لمسلم.
(30) حديث عائشة: " إذا جلس بين شعبها الأربع. . . ". تقدم تخريجه ف4.
(31) حاشية ابن عابدين على الدر المختار 1 / 108، وحاشية الدسوقي 1 / 128، والمجموع شرح المهذب للنووي 2 / 130، 132، وكشاف القناع 1 / 142.
(32) حاشية ابن عابدين 1 / 109، وحاشية الدسوقي 1 / 129، والمجموع 2 / 133، وكشاف القناع 1 / 142.
(33) حاشية الدسوقي1 / 139، والمجموع 2 / 132، وكشاف القناع 1 / 142، 143.
(34) حاشية ابن عابدين على الدر المختار 1 / 109 - 112.
(35) حاشية ابن عابدين 1 / 109، وحاشية الدسوقي 1 / 128 - 129، والمجموع شرح المهذب 2 / 132، وكشاف القناع 1 / 143.
(36) حديث: " إذا التقى الختانان. . . ". أخرجه الشافعي في المسند (1 / 38 - ترتيبه) من حديث عائشة، وأصله في الصحيحين كما تقدم في الحديث (ف9) .
(37) حاشية ابن عابدين 1 / 111، وحاشية الدسوقي 1 / 129، والمجموع 1 / 134، وشرح روض الطالب 1 / 64، وكشاف القناع 1 / 143، ومطالب أولي النهى 1 / 166، والإنصاف 1 / 232.
(38) حاشية ابن عابدين 1 / 109، ومواهب الجليل 1 / 309، والتاج والإكليل بهامش مواهب الجليل 1 / 307، وشرح روض الطالب 1 / 65، والمجموع 2 / 50 - 52، وكشاف القناع 1 / 143، 144.
(39) حاشية ابن عابدين 1 / 109، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1 / 128، الأشباه والنظائر للسيوطي 258، كشاف القناع 1 / 144.
(40) حاشية ابن عابدين 1 / 112، وحاشية الدسوقي 1 / 128، وشرح روض الطالب 1 / 65، وكشاف القناع 1 / 143.
(41) حاشية ابن عابدين على الدر المختار 1 / 112، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1 / 129، والمجموع شرح المهذب 2 / 133، وشرح روض الطالب 1 / 65، وكشاف القناع 1 / 143، والإنصاف 1 / 233 - 235.
(42) غنية المتملي في شرح منية المصلي 45 - 46، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1 / 129 - 130، وكشاف القناع 1 / 142.
(43) مواهب الجليل 1 / 308، والمجموع 2 / 134، وكشاف القناع 1 / 143.
(44) غنية المتملي 1 / 46، وحاشية ابن عابدين 1 / 112.
(45) الشرح الصغير 1 / 146.
(46) سورة البقرة / 222.
(47) حديث: " إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 1 / 409) ومسلم (1 / 262) واللفظ لمسلم.
(48) حاشية ابن عابدين على الدر المختار 1 / 111، وفتح القدير 1 / 44، وحاشية الدسوقي 1 / 130، والمجموع شرح المهذب 1 / 148 - 149، والقليوبي وعميرة 1 / 62، ومغني المحتاج 1 / 69، وكشاف القناع 1 / 146.
(49) حديث: " اغسلنها. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 3 / 132) ومسلم (2 / 646) من حديث أم عطية.
(50) حاشية ابن عابدين 1 / 112، وحاشية الدسوقي 1 / 407، وكشاف القناع 1 / 145، ومغني المحتاج 1 / 68.
(51) حديث: " أن ثمامة بن أثال أسلم. . . ". أخرجه أحمد (2 / 304) وصححه ابن خزيمة (1 / 125) .
(52) " حديث قيس بن عاصم أنه أسلم. . . ". أخرجه الترمذي (2 / 503) وقال: حديث حسن.
(53) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1 / 130 - 131.
(54) كشاف القناع 1 / 145.
(55) فتح القدير 1 / 44، وحاشية ابن عابدين على الدر المختار 1 / 113، والمجموع شرح المهذب 2 / 152 - 153.
(56) حديث: " إنما الأعمال بالنيات. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 1 / 9) ومسلم (3 / 1515) من حديث عمر بن الخطاب، ولفظ مسلم: " إنما الأعمال بالنية ".
(57) حاشية ابن عابدين 1 / 105، وحاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح 56، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1 / 133، ومغني المحتاج 1 / 72، وكشاف القناع 1 / 152، 154.
(58) حديث عائشة: " أن النبي - ﷺ - كان إذا اغتسل من الجنابة. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 1 / 360) .
(59) حديث ميمونة " توضأ رسول الله ﷺ. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري (1 / 361) .
(60) حديث جبير بن مطعم: " تذاكرنا غسل الجنابة. . . ". أخرجه أحمد (4 / 81) وأصله في البخاري (فتح الباري 1 / 367) ومسلم (1 / 258) .
(61) حديث: " إن تحت كل شعرة جنابة. . . ". أخرجه أبو داود (1 / 172) من حديث أبي هريرة، ثم ذكر تضعيف أحد رواته.
(62) حاشية ابن عابدين 1 / 103، وفتح القدير 1 / 38، وحاشية الدسوقي 1 / 126، 132، وحاشية العدوي على شرح الرسالة 1 / 185، 190، 191، ومغني المحتاج 1 / 73، والمجموع 2 / 180 وما بعدها، وكشاف القناع 1 / 152، 154.
(63) حديث عائشة: " المضمضة والاستنشاق من الوضوء. . . ". أخرجه الدارقطني (1 / 86) وصوب إرساله.
(64) حديث أبي هريرة: " أن رسول الله - ﷺ - أمر بالمضمضة والاستنشاق ". أخرجه البيهقي (1 / 52) ونقل عن الدارقطني أنه أعله.
(65) حاشية ابن عابدين 1 / 102، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1 / 126، ومغني المحتاج 1 / 73، وكشاف القناع 1 / 96 - 154.
(66) حديث أم سلمة: " قلت: يا رسول الله، إني امرأة أشد ضفر رأسي. . . ". أخرجه مسلم (1 / 259 - 260) ، وفي رواية: " فأنقضه للحيض والجنابة ".
(67) حديث: " من ترك موضع شعرة من جنابة. . . ". أخرجه أبو داود (1 / 173) ، وذكره ابن حجر في التلخيص (1 / 142) وقال: قيل: إن الصواب وقفه.
(68) حديث: " انقضي شعرك وامتشطي ". أخرجه البخاري (فتح الباري 1 / 417) ومسلم (2 / 870) .
(69) حاشية ابن عابدين على الدر المختار 1 / 103، 104، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1 / 134، والقليوبي 1 / 66، ومغني المحتاج 1 / 73، والمجموع شرح المهذب 2 / 186، وكشاف القناع 1 / 154، والمغني 1 / 226 - 227.
(70) حاشية ابن عابدين 1 / 103 - 105، وحاشية الدسوقي 1 / 133، والخرشي على خليل 1 / 167 - 168، والمجموع شرح المهذب 1 / 453، 2 / 184، وكشاف القناع 1 / 153.
(71) حديث: " فإذا وجدت الماء فأمسه جلدك ". أخرجه أبو داود (1 / 236) والترمذي (2 / 212) ، واللفظ لأبي داود، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
(72) حديث أم سلمة تقدم تخريجه ف 26.
(73) حاشية ابن عابدين على الدر المختار 1 / 103 - 105، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1 / 134، والمجموع شرح المهذب 2 / 185، ومطالب أولي النهى 1 / 179، وكشاف القناع 1 / 153.
(74) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1 / 135.
(75) حديث: " كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أقطع ". أخرجه السبكي في طبقات الشافعية (1 / 6) من حديث أبي هريرة، وذكر الخطيب في تاريخ بغداد (5 / 77) تضعيف أحد رواته.
(76) حديث: " لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه ". أخرجه ابن ماجه (1 / 140) من حديث أبي هريرة، وذكره ابن حجر في التلخيص (1 / 72) وأشار إلى انقطاع في سنده، وخرج شواهد له ثم قال: الظاهر أن مجموع الأحاديث يحدث منها قوة تدل على أن له أصلاً.
(77) حاشية ابن عابدين 1 / 105، والطحطاوي على مراقي الفلاح 37 - 56، وحاشية الدسوقي 1 / 137، وحاشية العدوي على الخرشي 1 / 171، والمجموع شرح المهذب 2 / 181، ومغني المحتاج 1 / 73، وكشاف القناع 1 / 90 - 91 - 152 - 154، والمغني 1 / 102.
(78) حديث ميمونة: " وضعت للنبي - ﷺ - ماء يغتسل به. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 1 / 368) ومسلم (1 / 254) واللفظ للبخاري.
(79) حاشية ابن عابدين على الدر المختار 1 / 106، والطحطاوي على مراقي الفلاح 56، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1 / 135، والمجموع شرح المهذب 2 / 180، وكشاف القناع 1 / 152.
(80) حديث ميمونة في صفة غسل النبي ﷺ. أخرجه البخاري (فتح الباري 1 / 368) ومسلم (1 / 254) واللفظ للبخاري.
(81) حاشية ابن عابدين 1 / 106، وحاشية الدسوقي 1 / 136، والمجموع 2 / 183، ومغني المحتاج 1 / 73، وكشاف القناع 1 / 152 - 154، والمغني 1 / 221، والإنصاف 1 / 254.
(82) حديث عائشة: " كان رسول الله - ﷺ - إذا اغتسل من الجنابة بدأ فغسل يديه. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 1 / 360) ومسلم (1 / 254) .
(83) حاشية ابن عابدين 1 / 106، وحاشية الدسوقي 1 / 136، والمجموع 2 / 182، وكشاف القناع 1 / 152، والإنصاف 1 / 252، والمغني 1 / 217.
(84) حاشية ابن عابدين 1 / 107، والطحطاوي على مراقي الفلاح 57، وحاشية الدسوقي 1 / 137، والمجموع 2 / 184، وكشاف القناع 1 / 152، والمغني 1 / 217.
(85) حديث: " كان يعجبه التيمن في طهوره ". أخرجه البخاري (فتح الباري 1 / 269) ومسلم (1 / 226) .
(86) حديث عائشة: " كان إذا اغتسل من الجنابة دعا بشيء نحو الحلاب. . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 1 / 369) ومسلم (1 / 255) .
(87) المجموع شرح المهذب 2 / 184، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1 / 137.
(88) حديث ميمونة: " ثم أفرغ على رأسه ثلاث حفنات. . . ". أخرجه مسلم (1 / 254) .
(89) حديث عائشة: " ثم يأخذ الماء فيدخل أصابعه. . . ". أخرجه مسلم (1 / 253) .
(90) حاشية ابن عابدين 1 / 107، وحاشية الدسوقي 1 / 137، والبناني على شرح الزرقاني 1 / 103، ومغني المحتاج 1 / 74، والمجموع 2 / 184، وكشاف القناع 1 / 152.
(91) حديث سفينة: " أنه - ﷺ - كان يغسله الصاع. . . ". أخرجه مسلم (1 / 258) .
(92) حديث: " كان رسول الله - ﷺ - يغتسل بالصاع. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 1 / 304) ومسلم (1 / 258) من حديث أنس بن مالك، واللفظ للبخاري.
(93) حاشية ابن عابدين 1 / 107، وحاشية الدسوقي 1 / 137، ومغني المحتاج 1 / 74، ومطالب أولي النهى 1 / 183.
(94) حديث: " إن الله حيي ستير يحب. . . ". أخرجه أبو داود (4 / 302) من حديث يعلى بن أمية.
(95) حاشية ابن عابدين 1 / 105، والطحطاوي على مراقي الفلاح 57.
(96) حاشية الدسوقي 1 / 136 - 137، وحاشية العدوي على الرسالة 1 / 185.
(97) المجموع شرح المهذب 2 / 184، ومغني المحتاج 1 / 74 - 75.
(98) المغني لابن قدامة 1 / 217.
(99) حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح 44 - 45 - 57، وحاشية العدوي على شرح الرسالة 1 / 185، والبجيرمي على الخطيب 1 / 215 - 218، والمجموع 2 / 190، ومطالب أولي النهى 1 / 184.
(100) انظر: حاشية ابن عابدين 1 / 106، والشرح الكبير للدردير مع الدسوقي 1 / 137، ومغني المحتاج 1 / 72 وما بعدها، وكشاف القناع 1 / 152 وما بعدها.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 194/ 31
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".