الجبار
الجَبْرُ في اللغة عكسُ الكسرِ، وهو التسويةُ، والإجبار القهر،...
تَعْمِيمُ بَدَنِ المَيِّتِ بِالماءِ بِطَرِيقَةٍ مَسْنُونَةٍ.
صِفَة تَغسِيلِ الميِّتِ: هي أن يُوضَعُ المَيِّتُ على سَرِيرٍ أو لَوْحٍ هُيِّئَ لَهُ، ويكون مَوْضِعُ رَأْسِهِ أَعْلَى لِيَنْحَدِرَ الماءُ، أو على أيّ وَضْعٍ تَيَسَّر، وقبل أن يَبْدَأَ الغاسِل بِتَغْسِيله يُزِيل عنه النَّجاسَةَ، ثمّ يُوَضِّئُهُ وُضُوءَهُ لِلصَّلاَةِ، ولا يُدْخِل الماءَ في فَمِه ولا أَنْفِهِ، وإن كان فِيهِما أَذَى أَزالَهُ بِخِرْقَةٍ يَبُلُّها ويَجْعَلُها على أُصْبُعِهِ، فَيَمْسَحُ أَسْنانَهُ وأَنْفَهُ حتَّى يُنَظِّفَهُما. وبعد الوُضُوءِ يَجْعَلُهُ على شِقِّهِ الأَيْسَرِ فَيَغْسِل الأَيْمَنَ، ثُمّ يُدِيرُهُ على الأَيْمَنِ فَيَغْسِل الأَيْسَرَ، وذلك بعد تَثْلِيثِ غَسْل رَأْسِهِ ولِحْيَتِهِ. والواجِبُ في غَسْل المَيِّتِ مَرَّةً واحِدَةً، ويُسْتَحَبُّ أن يُغَسَّل ثَلاثاً، كُلُّ غَسْلَةٍ بِالماءِ والسِّدْرِ، أو ما يَقومُ مَقامَهُ مِن أنواعِ الصّابون، ويَجْعَل في الأَخِيرَةِ كافُورًا أو غَيْرَهُ مِن الطِّيبِ إن أَمْكَنَ، وإن رأى الغاسِل أن يَزِيدَ على ثَلاثٍ -لِكَوْنِهِا لم تُنْقِ، أو غَيْر ذلك- غَسَلَهُ خَمْسًا أو سَبْعًا، ويُسْتَحَبُّ أن لا يَقْطَعَ إلّا على وِتْرٍ.
* بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع : (1/301)
* مواهب الجليل في شرح مختصر خليل : (2/208)
* روضة الطالبين : (2/101)
* الـمغني لابن قدامة : (2/461)
* الموسوعة الفقهية الكويتية : (13/53) -
التَّعْرِيفُ:
1 - التَّغْسِيل فِي اللُّغَةِ: مَصْدَرُ غَسَّل بِالتَّشْدِيدِ، بِمَعْنَى: إِزَالَةِ الْوَسَخِ عَنِ الشَّيْءِ، بِإِجْرَاءِ الْمَاءِ عَلَيْهِ، وَالْمَيِّتُ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ: ضِدُّ الْحَيِّ، وَأَمَّا الْحَيُّ - فَهُوَ بِالتَّشْدِيدِ لاَ غَيْرُ - بِمَعْنَى مَنْ سَيَمُوتُ. وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} (1) وَيَسْتَوِي فِيهِ الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ، قَال تَعَالَى: {لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا} (2) وَلَمْ يَقُل مَيِّتَةً. (3) فَتَغْسِيل الْمَيِّتِ مِنْ قَبِيل إِضَافَةِ الْمَصْدَرِ إِلَى الْمَفْعُول.
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: تَعْمِيمُ بَدَنِ الْمَيِّتِ بِالْمَاءِ بِطَرِيقَةٍ مَسْنُونَةٍ.
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
2 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ تَغْسِيل الْمَيِّتِ الْمُسْلِمِ وَاجِبُ كِفَايَةٍ، بِحَيْثُ إِذَا قَامَ بِهِ الْبَعْضُ سَقَطَ عَنِ الْبَاقِينَ؛ لِحُصُول الْمَقْصُودِ بِالْبَعْضِ، كَسَائِرِ الْوَاجِبَاتِ عَلَى سَبِيل الْكِفَايَةِ. (4) لِقَوْلِهِ ﵊: لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ وَعَدَّ مِنْهَا: أَنْ يُغَسِّلَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ (5) وَالأَْصْل فِيهِ: تَغْسِيل الْمَلاَئِكَةِ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لآِدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ. ثُمَّ قَالُوا: يَا بَنِي آدَمَ هَذِهِ سُنَّتُكُمْ (6) .
وَأَمَّا الْقَوْل بِسُنِّيَّةِ الْغُسْل عِنْدَ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ، فَقَدِ اقْتَصَرَ عَلَى تَصْحِيحِهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ. (7)
مَا يَنْبَغِي لِغَاسِل الْمَيِّتِ، وَمَا يُكْرَهُ لَهُ:
3 - يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْغَاسِل ثِقَةً أَمِينًا، وَعَارِفًا بِأَحْكَامِ الْغُسْل. وَفِي الْحَدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَال: لِيُغَسِّل مَوْتَاكُمُ الْمَأْمُونُونَ (8) .
وَلاَ يَجُوزُ لَهُ إِذَا رَأَى مِنَ الْمَيِّتِ شَيْئًا مِمَّا يُكْرَهُ أَنْ يَذْكُرَهُ إِلاَّ لِمَصْلَحَةٍ، لِمَا رُوِيَ عَنْهُ ﵊ أَنَّهُ قَال: مَنْ غَسَّل مَيِّتًا، فَأَدَّى فِيهِ الأَْمَانَةَ، وَلَمْ يُفْشِ عَلَيْهِ مَا يَكُونُ مِنْهُ عِنْدَ ذَلِكَ، خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ (9) .
وَإِنْ رَأَى حَسَنًا مِثْل أَمَارَاتِ الْخَيْرِ مِنْ وَضَاءَةِ الْوَجْهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، اسْتُحِبَّ لَهُ إِظْهَارُهُ لِيَكْثُرَ التَّرَحُّمُ عَلَيْهِ، وَيَحْصُل الْحَثُّ عَلَى طَرِيقَتِهِ، وَالتَّبْشِيرُ بِجَمِيل سِيرَتِهِ. (10)
إِلاَّ إِذَا كَانَ الْمَيِّتُ مُبْتَدِعًا، وَرَأَى الْغَاسِل مِنْهُ مَا يُكْرَهُ، فَلاَ بَأْسَ أَنْ يُحَدِّثَ النَّاسَ بِهِ، لِيَكُونَ زَجْرًا لَهُمْ عَنِ الْبِدْعَةِ. (11)
كَمَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يُلَيِّنَ مَفَاصِلَهُ إِنْ سَهُلَتْ عَلَيْهِ، وَإِنْ شَقَّ ذَلِكَ لِقَسْوَةِ الْمَيِّتِ أَوْ غَيْرِهَا تَرَكَهَا؛ لأَِنَّهُ لاَ يُؤْمَنُ أَنْ تَنْكَسِرَ أَعْضَاؤُهُ. (12) وَيَلُفُّ الْغَاسِل عَلَى يَدِهِ خِرْقَةً خَشِنَةً يَمْسَحُهُ بِهَا، لِئَلاَّ يَمَسَّ عَوْرَتَهُ. لأَِنَّ النَّظَرَ إِلَى الْعَوْرَةِ حَرَامٌ. فَاللَّمْسُ أَوْلَى، وَيُعِدُّ لِغَسْل السَّبِيلَيْنِ خِرْقَةً أُخْرَى. قَال الشَّافِعِيَّةُ: وَيُكْرَهُ لِلْغَاسِل أَنْ يَنْظُرَ إِلَى شَيْءٍ مِنْ بَدَنِهِ إِلاَّ لِحَاجَةٍ، أَمَّا الْمُعَيَّنُ فَلاَ يَنْظُرُ إِلاَّ لِضَرُورَةٍ. (13)
كَمَا يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَقِفَ عَلَى الدَّكَّةِ، وَيَجْعَل الْمَيِّتَ بَيْنَ رِجْلَيْهِ، بَل يَقِفُ عَلَى الأَْرْضِ وَيُقَلِّبَهُ حِينَ غَسْلِهِ، كَمَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْتَغِل بِالتَّفَكُّرِ وَالاِعْتِبَارِ، لاَ بِالأَْذْكَارِ الَّتِي ابْتَدَعُوهَا لِكُل عُضْوٍ ذِكْرٌ يَخُصُّهُ، فَإِنَّهَا بِدْعَةٌ. (14)
النِّيَّةُ فِي تَغْسِيل الْمَيِّتِ:
4 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى: أَنَّ النِّيَّةَ لَيْسَتْ شَرْطًا لِصِحَّةِ الطَّهَارَةِ، بَل شَرْطٌ لإِِسْقَاطِ الْفَرْضِ عَنِ الْمُكَلَّفِينَ، فَلَوْ غُسِّل الْمَيِّتُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ أَجْزَأَ لِطَهَارَتِهِ، لاَ لإِِسْقَاطِ الْفَرْضِ عَنِ الْمُكَلَّفِينَ. (15)
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ، وَهُوَ الأَْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ، وَرِوَايَةٌ عَنِ الْحَنَابِلَةِ إِلَى: عَدَمِ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِي تَغْسِيل الْمَيِّتِ؛ لأَِنَّ الأَْصْل عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: أَنَّ كُل مَا يَفْعَلُهُ فِي غَيْرِهِ لاَ يُحْتَاجُ فِيهِ إِلَى نِيَّةٍ، كَغَسْل الإِْنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ سَبْعًا، وَلأَِنَّ الْقَصْدَ التَّنْظِيفُ، فَأَشْبَهَ غَسْل النَّجَاسَةِ. (16)
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ آخَرَ، وَالْحَنَابِلَةُ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى إِلَى وُجُوبِ النِّيَّةِ؛ لأَِنَّ غُسْل الْمَيِّتِ وَاجِبٌ، فَافْتَقَرَ إِلَى النِّيَّةِ كَغُسْل الْجَنَابَةِ، وَلَمَّا تَعَذَّرَتِ النِّيَّةُ مِنَ الْمَيِّتِ اعْتُبِرَتْ فِي الْغَاسِل؛ لأَِنَّهُ الْمُخَاطَبُ بِالْغُسْل. (17)
تَجْرِيدُ الْمَيِّتِ وَكَيْفِيَّةُ وَضْعِهِ حَالَةَ الْغُسْل:
5 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيَّةِ، وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ إِلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَجْرِيدُ الْمَيِّتِ عِنْدَ تَغْسِيلِهِ؛ لأَِنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْغُسْل هُوَ التَّطْهِيرُ وَحُصُولُهُ بِالتَّجْرِيدِ أَبْلَغُ.
وَلأَِنَّهُ لَوِ اغْتَسَل فِي ثَوْبِهِ تَنَجَّسَ الثَّوْبُ بِمَا يَخْرُجُ، وَقَدْ لاَ يَطْهُرُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ سِيرِينَ.
وَالصَّحِيحُ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ رِوَايَةُ الْمَرُّوذِيِّ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يُغَسَّل فِي قَمِيصِهِ. وَقَال أَحْمَدُ: يُعْجِبُنِي أَنْ يُغَسَّل الْمَيِّتُ وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ رَقِيقٌ يَنْزِل الْمَاءُ فِيهِ، يُدْخِل يَدَهُ مِنْ تَحْتِهِ، قَال: وَكَانَ أَبُو قِلاَبَةَ إِذَا غَسَّل مَيِّتًا جَلَّلَهُ بِثَوْبٍ. وَاعْتَبَرَهُ الْقَاضِي سُنَّةٌ، فَقَال: السُّنَّةُ أَنْ يُغَسَّل الْمَيِّتُ فِي قَمِيصٍ، فَيُمِرُّ يَدَهُ عَلَى بَدَنِهِ، وَالْمَاءُ يُصَبُّ. وَلأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ غُسِّل فِي قَمِيصِهِ (18) .
وَأَمَّا سَتْرُ عَوْرَتِهِ فَلاَ خِلاَفَ فِيهِ، لأَِنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ وَاجِبٌ وَمَأْمُورٌ بِهِ، هَذَا إِذَا كَانَ الذَّكَرُ يُغَسِّل الذَّكَرَ، وَالأُْنْثَى تُغَسِّل الأُْنْثَى، وَأَمَّا إِذَا كَانَ الذَّكَرُ الْمَحْرَمُ يُغَسِّل الأُْنْثَى، وَعَكْسُهُ، فَيَسْتُرُ جَمِيعَ بَدَنِ الْمَيِّتِ (19) .
وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ وَضْعِهِ عِنْدَ تَغْسِيلِهِ، فَهِيَ أَنَّهُ يُوضَعُ عَلَى سَرِيرٍ أَوْ لَوْحٍ هُيِّئَ لَهُ، وَيَكُونُ مَوْضِعُ رَأْسِهِ أَعْلَى لِيَنْحَدِرَ الْمَاءُ، وَيَكُونُ الْوَضْعُ طُولاً، كَمَا فِي حَالَةِ الْمَرَضِ إِذَا أَرَادَ الصَّلاَةَ بِإِيمَاءٍ.
وَمِنَ الْحَنَفِيَّةِ مَنِ اخْتَارَ الْوَضْعَ كَمَا يُوضَعُ فِي الْقَبْرِ. وَالأَْصَحُّ أَنَّهُ يُوضَعُ كَمَا تَيَسَّرَ (20) . عَدَدُ الْغَسَلاَتِ وَكَيْفِيَّتُهَا:
6 - قَبْل أَنْ يَبْدَأَ الْغَاسِل بِتَغْسِيل الْمَيِّتِ يُزِيل عَنْهُ النَّجَاسَةَ، وَيَسْتَنْجِيهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَأَمَّا إِزَالَةُ النَّجَاسَةِ وَإِنْقَاؤُهَا فَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ يَقُولاَنِ بِهِ بِلاَ إِجْلاَسٍ وَعَصْرٍ فِي أَوَّل الْغُسْل، وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يُنْدَبُ عَصْرُ الْبَطْنِ حَالَةَ الْغُسْل، وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ يَكُونُ إِجْلاَسُ الْمَيِّتِ وَعَصْرُ بَطْنِهِ فِي أَوَّل الْغُسْل.
ثُمَّ يُوَضِّئُهُ وُضُوءَهُ لِلصَّلاَةِ، وَلاَ يُدْخِل الْمَاءَ فِي فِيهِ وَلاَ أَنْفِهِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِمَا أَذَى أَزَالَهُ بِخِرْقَةٍ يَبُلُّهَا وَيَجْعَلُهَا عَلَى أُصْبُعِهِ، فَيَمْسَحُ أَسْنَانَهُ وَأَنْفَهُ حَتَّى يُنَظِّفَهُمَا. وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالنَّخَعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ، وَقَال شَمْسُ الأَْئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ: وَعَلَيْهِ عَمَل النَّاسِ الْيَوْمَ.
وَأَمَّا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فَلاَ يُغْنِي ذَلِكَ عَنِ الْمَضْمَضَةِ وَالاِسْتِنْشَاقِ. وَيُمِيل رَأْسَ الْمَيِّتِ حَتَّى لاَ يَبْلُغَ الْمَاءُ بَطْنَهُ. وَكَذَا لاَ يُؤَخِّرُ رِجْلَيْهِ عِنْدَ التَّوْضِئَةِ. (21) وَبَعْدَ الْوُضُوءِ يَجْعَلُهُ عَلَى شِقِّهِ الأَْيْسَرِ فَيَغْسِل الأَْيْمَنَ، ثُمَّ يُدِيرُهُ عَلَى الأَْيْمَنِ فَيَغْسِل الأَْيْسَرَ، وَذَلِكَ بَعْدَ تَثْلِيثِ غَسْل رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ. (22)
وَالْوَاجِبُ فِي غَسْل الْمَيِّتِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُغَسَّل ثَلاَثًا كُل غَسْلَةٍ بِالْمَاءِ وَالسِّدْرِ، أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ، وَيَجْعَل فِي الأَْخِيرَةِ كَافُورًا، أَوْ غَيْرَهُ مِنَ الطِّيبِ إِنْ أَمْكَنَ (23) .
وَإِنْ رَأَى الْغَاسِل أَنْ يَزِيدَ عَلَى ثَلاَثٍ - لِكَوْنِهِ لَمْ يُنْقِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ - غَسَلَهُ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لاَ يَقْطَعَ إِلاَّ عَلَى وِتْرٍ. وَقَال أَحْمَدُ: لاَ يَزِيدُ عَلَى سَبْعٍ. (24)
وَالأَْصْل فِي هَذَا قَوْل النَّبِيِّ ﷺ لِغَاسِلاَتِ ابْنَتِهِ زَيْنَبَ ﵂ ابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا، وَمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنْهَا، وَاغْسِلْنَهَا ثَلاَثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ، بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَاجْعَلْنَ فِي الآْخِرَةِ كَافُورًا أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ (25) . وَيَرَى ابْنُ حَبِيبٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ لاَ بَأْسَ عِنْدَ الْوَبَاءِ وَمَا يَشْتَدُّ عَلَى النَّاسِ مِنْ غَسْل الْمَوْتَى لِكَثْرَتِهِمْ، أَنْ يَجْتَزِئُوا بِغَسْلَةٍ وَاحِدَةٍ بِغَيْرِ وُضُوءٍ، يُصَبُّ الْمَاءُ عَلَيْهِمْ صَبًّا. (26)
وَإِنْ خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ وَهُوَ عَلَى مُغْتَسَلِهِ، فَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ - مَا عَدَا أَشْهَبَ - وَهُوَ الأَْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ: أَنَّهُ لاَ يُعَادُ غُسْلُهُ، وَإِنَّمَا يُغْسَل ذَلِكَ الْمَوْضِعُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الثَّوْرِيُّ أَيْضًا (27) .
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ قَوْلٌ آخَرُ لِلشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ إِنْ خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ وَهُوَ عَلَى مُغْتَسَلِهِ غَسَّلَهُ إِلَى خَمْسٍ، فَإِنْ زَادَ فَإِلَى سَبْعٍ. وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ سِيرِينَ وَإِسْحَاقُ (28) .
وَلِلشَّافِعِيَّةِ قَوْلٌ ثَالِثٌ، وَهُوَ أَنَّهُ يَجِبُ إِعَادَةُ وُضُوئِهِ (29) . هَذَا إِذَا خَرَجَتِ النَّجَاسَةُ قَبْل الإِْدْرَاجِ فِي الْكَفَنِ، وَأَمَّا بَعْدَهُ فَجَزَمُوا بِالاِكْتِفَاءِ بِغَسْل النَّجَاسَةِ فَقَطْ (30) .
7 - يُسْتَحَبُّ أَنْ يُحْمَل الْمَيِّتُ إِلَى مَكَانٍ خَالٍ مَسْتُورٍ لاَ يَدْخُلُهُ إِلاَّ الْغَاسِل، وَمَنْ لاَ بُدَّ مِنْ مَعُونَتِهِ عِنْدَ الْغُسْل، وَذَكَرَ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَدْخُلَهُ إِنْ شَاءَ، وَإِنْ لَمْ يُغَسِّل وَلَمْ يُعِنْ، وَكَانَ ابْنُ سِيرِينَ يَسْتَحِبُّ أَنْ يَكُونَ الْبَيْتُ الَّذِي يُغَسَّل فِيهِ الْمَيِّتُ مُظْلِمًا. قَال ابْنُ قُدَامَةَ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ جُعِل بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ سِتْرًا. قَال ابْنُ الْمُنْذِرِ: كَانَ النَّخَعِيُّ يُحِبُّ أَنْ يُغَسَّل الْمَيِّتُ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ سُتْرَةٌ، وَهُوَ مَا أَوْصَى بِهِ الضَّحَّاكُ أَخَاهُ سَالِمًا، كَمَا ذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا قَالَتْ: أَتَانَا رَسُول اللَّهِ ﷺ وَنَحْنُ نُغَسِّل ابْنَتَهُ، فَجَعَلْنَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ السَّقْفِ سِتْرًا (31) .
صِفَةُ مَاءِ الْغُسْل:
8 - يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ غُسْل الْمَيِّتِ فِي الْمَاءِ: الطَّهُورِيَّةُ كَسَائِرِ الطَّهَارَاتِ، وَالإِْبَاحَةُ كَبَاقِي الأَْغْسَال (32) ، وَاسْتَحَبَّ الْحَنَفِيَّةُ أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ سَاخِنًا لِزِيَادَةِ الإِْنْقَاءِ، وَيُغْلَى الْمَاءُ بِالسِّدْرِ أَوْ غَيْرِهِ؛ لأَِنَّهُ أَبْلَغُ فِي النَّظَافَةِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ. (33)
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يُخَيَّرُ الْغَاسِل فِي صِفَةِ الْمَاءِ إِنْ شَاءَ بَارِدًا وَإِنْ شَاءَ سَاخِنًا. (34) وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَدَمَ غَسْل الْمَيِّتِ بِالْمَاءِ الْحَارِّ فِي الْمَرَّةِ الأُْولَى، إِلاَّ لِشِدَّةِ الْبَرْدِ أَوْ لِوَسَخٍ أَوْ غَيْرِهِ. وَاسْتَحْسَنَ الشَّافِعِيَّةُ أَنْ يَتَّخِذَ الْغَاسِل إِنَاءَيْنِ، وَالْحَنَابِلَةُ أَنْ يَتَّخِذَ ثَلاَثَةَ أَوَانٍ لِلْمَاءِ. (35)
مَا يُصْنَعُ بِالْمَيِّتِ قَبْل التَّغْسِيل وَبَعْدَهُ:
9 - يَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ أَنَّ اسْتِعْمَال الْبَخُورِ عِنْدَ تَغْسِيل الْمَيِّتِ مُسْتَحَبٌّ، لِئَلاَّ تُشَمَّ مِنْهُ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ. وَيَزْدَادُ فِي الْبَخُورِ عِنْدَ عَصْرِ بَطْنِهِ. (36)
وَأَمَّا تَسْرِيحُ الشَّعْرِ، وَتَقْلِيمُ الأَْظْفَارِ، وَحَلْقُ الْعَانَةِ، وَنَتْفُ الإِْبِطِ، فَلاَ يُفْعَل شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ أَيْضًا قَوْل الْحَنَابِلَةِ فِي الْعَانَةِ، وَرِوَايَةً عِنْدَهُمْ فِي تَقْلِيمِ الأَْظْفَارِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي الْقَدِيمِ أَيْضًا إِلاَّ فِي تَسْرِيحِ الشَّعْرِ وَاللِّحْيَةِ، لأَِنَّ ذَلِكَ يُفْعَل لِحَقِّ الزِّينَةِ، وَالْمَيِّتُ لَيْسَ بِمَحَل الزِّينَةِ. فَلاَ يُزَال عَنْهُ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَا، وَأَمَّا إِنْ كَانَ ظُفْرُهُ مُنْكَسِرًا فَلاَ بَأْسَ بِأَخْذِهِ. (37) وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الْجَدِيدِ إِلَى أَنَّهُ يُفْعَل كُل ذَلِكَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ فِي قَصِّ الشَّارِبِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَهُمْ فِي تَقْلِيمِ الظُّفْرِ إِنْ كَانَ فَاحِشًا، وَرِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ فِي حَلْقِ الْعَانَةِ. وَدَلِيل الْجَوَازِ قَوْل النَّبِيِّ ﷺ: اصْنَعُوا بِمَوْتَاكُمْ كَمَا تَصْنَعُونَ بِعَرَائِسِكُمْ (38) . وَلأَِنَّ تَرْكَ تَقْلِيمِ الأَْظْفَارِ وَنَحْوِهَا يُقَبِّحُ مَنْظَرَ الْمَيِّتِ، فَشُرِعَتْ إِزَالَتُهُ.
وَأَمَّا الْخِتَانُ فَلاَ يُشْرَعُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ؛ لأَِنَّهُ إِبَانَةُ جُزْءٍ مِنْ أَعْضَائِهِ، كَمَا أَنَّهُ لاَ يُحْلَقُ رَأْسُ الْمَيِّتِ. وَحَكَى أَحْمَدُ عَنْ بَعْضِ النَّاسِ أَنَّهُ يُخْتَنُ. (39)
وَإِذَا فَرَغَ الْغَاسِل مِنْ تَغْسِيل الْمَيِّتِ نَشَّفَهُ بِثَوْبٍ، لِئَلاَّ تَبْتَل أَكْفَانُهُ. (40) وَفِي حَدِيثِ أُمِّ سُلَيْمٍ ﵂: فَإِذَا فَرَغَتْ مِنْهَا فَأَلْقَى عَلَيْهَا ثَوْبًا نَظِيفًا (41) . وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵁ فِي غُسْل النَّبِيِّ ﵊ قَال: فَجَفَّفُوهُ بِثَوْبٍ " (42) .
الْحَالاَتُ الَّتِي يُيَمَّمُ فِيهَا الْمَيِّتُ:
10 - يُيَمَّمُ الْمَيِّتُ فِي الْحَالاَتِ الآْتِيَةِ:
أ - إِذَا مَاتَ رَجُلٌ بَيْنَ نِسْوَةٍ أَجَانِبَ، وَلَمْ تُوجَدِ امْرَأَةٌ مَحْرَمَةٌ، أَوْ مَاتَتِ امْرَأَةٌ بَيْنَ رِجَالٍ أَجَانِبَ، وَلَمْ يُوجَدْ مَحْرَمٌ.
وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ - فِي الأَْصَحِّ - وَالْحَنَابِلَةِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالنَّخَعِيُّ، وَحَمَّادٌ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ. وَأَضَافَ الْحَنَفِيَّةُ قَوْلَهُمْ: إِذَا كَانَ بَيْنَ النِّسْوَةِ امْرَأَتُهُ غَسَّلَتْهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَكَانَتْ مَعَهُنَّ صَبِيَّةٌ صَغِيرَةٌ، لَمْ تَبْلُغْ حَدَّ الشَّهْوَةِ، وَأَطَاقَتِ الْغُسْل، عَلَّمْنَهَا الْغُسْل، وَيُخَلِّينَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا حَتَّى تُغَسِّلَهُ، وَتُكَفِّنَهُ؛ لأَِنَّ حُكْمَ الْعَوْرَةِ فِي حَقِّهَا غَيْرُ ثَابِتٍ.
وَكَذَلِكَ إِذَا مَاتَتِ امْرَأَةٌ بَيْنَ رِجَالٍ أَجَانِبَ، وَكَانَ مَعَهُمْ صَبِيٌّ لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ الشَّهْوَةِ، وَأَطَاقَ الْغُسْل، عَلَّمُوهُ الْغُسْل فَيُغَسِّلُهَا. (43)
وَالْوَجْهُ الثَّانِي عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو الْخَطَّابِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ قَوْل الْحَسَنِ، وَإِسْحَاقَ، وَالْقَفَّال، وَرَجَّحَهُ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ: أَنَّ الْمَيِّتَ لاَ يُيَمَّمُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، بَل يُغَسَّل وَيُصَبُّ عَلَيْهِ الْمَاءُ مِنْ فَوْقِ الْقَمِيصِ، وَلاَ يُمَسُّ.
وَحَكَى صَاحِبُ الْبَيَانِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَجْهًا ثَالِثًا أَنَّهُ يُدْفَنُ وَلاَ يُيَمَّمُ وَلاَ يُغَسَّل. قَال النَّوَوِيُّ: وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا. (44)
وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ التَّيَمُّمِ فَفِيهَا خِلاَفٌ وَتَفْصِيلٌ يُرْجَعُ فِيهِ إِلَى مُصْطَلَحِ (تَيَمُّمٌ) .
ب - إِذَا مَاتَ خُنْثَى مُشْكِلٌ وَهُوَ كَبِيرٌ، عَلَى التَّفْصِيل الَّذِي سَيَأْتِي (45) فِي ف 19
ج - إِذَا تَعَذَّرَ غُسْلُهُ لِفَقْدِ مَاءٍ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا كَتَقَطُّعِ الْجَسَدِ بِالْمَاءِ، أَوْ تَسَلُّخِهِ مِنْ صَبِّهِ عَلَيْهِ (46)
مَنْ يَجُوزُ لَهُمْ تَغْسِيل الْمَيِّتِ:
أ - الأَْحَقُّ بِتَغْسِيل الْمَيِّتِ:
11 - الأَْصْل أَنَّهُ لاَ يُغَسِّل الرِّجَال إِلاَّ الرِّجَال، وَلاَ النِّسَاءَ إِلاَّ النِّسَاءُ؛ لأَِنَّ نَظَرَ النَّوْعِ إِلَى النَّوْعِ نَفْسِهِ أَهْوَنُ، وَحُرْمَةُ الْمَسِّ ثَابِتَةٌ حَالَةَ الْحَيَاةِ، فَكَذَا بَعْدَ الْمَوْتِ. وَاخْتَلَفُوا فِي التَّرْتِيبِ. فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْغَاسِل أَنْ يَكُونَ أَقْرَبَ النَّاسِ إِلَى الْمَيِّتِ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمِ الْغُسْل فَأَهْل الأَْمَانَةِ وَالْوَرَعِ. (47)
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ تَقْدِيمَ الْحَيِّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ فِي غُسْل صَاحِبِهِ عَلَى الْعَصَبَةِ، وَيُقْضَى لَهُ بِذَلِكَ عِنْدَ التَّنَازُعِ، ثُمَّ الأَْقْرَبُ فَالأَْقْرَبُ مِنْ عَصَبَتِهِ، ثُمَّ امْرَأَةٌ مَحْرَمَةٌ كَأُمٍّ وَبِنْتٍ. وَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ امْرَأَةً، وَلَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ، أَوْ كَانَ وَأَسْقَطَ حَقَّهُ، يُغَسِّلُهَا أَقْرَبُ امْرَأَةٍ إِلَيْهَا فَالأَْقْرَبُ، ثُمَّ أَجْنَبِيَّةٌ، ثُمَّ رَجُلٌ مَحْرَمٌ عَلَى التَّرْتِيبِ السَّابِقِ. وَيَسْتُرُ وُجُوبًا جَمِيعَ جَسَدِهَا، وَلاَ يُبَاشِرُ جَسَدَهَا إِلاَّ بِخِرْقَةٍ كَثِيفَةٍ يَلُفُّهَا عَلَى يَدِهِ. (48)
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِنْ كَانَ الْمَيِّتُ رَجُلاً غَسَّلَهُ أَقَارِبُهُ.
وَهَل تُقَدَّمُ الزَّوْجَةُ عَلَيْهِمْ، فِيهِ ثَلاَثَةُ أَوْجُهٍ:
الْوَجْهُ الأَْوَّل، وَهُوَ الأَْصَحُّ: أَنَّهُ يُقَدَّمُ مِنَ الرِّجَال الْعَصَبَاتُ، ثُمَّ الأَْجَانِبُ، ثُمَّ الزَّوْجَةُ، ثُمَّ النِّسَاءُ الْمَحَارِمُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُقَدَّمُ الرِّجَال الأَْقَارِبُ، ثُمَّ الزَّوْجَةُ، ثُمَّ الرِّجَال الأَْجَانِبُ، ثُمَّ النِّسَاءُ الْمَحَارِمُ.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: تُقَدَّمُ الزَّوْجَةُ عَلَى الْجَمِيعِ. وَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ امْرَأَةً قُدِّمَ نِسَاءُ الْقَرَابَةِ، ثُمَّ النِّسَاءُ الأَْجَانِبُ، ثُمَّ الزَّوْجُ، ثُمَّ الرِّجَال الأَْقَارِبُ. وَذَوُو الْمَحَارِمِ مِنَ النِّسَاءِ الأَْقَارِبِ أَحَقُّ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَهَل يُقَدَّمُ الزَّوْجُ عَلَى نِسَاءِ الْقَرَابَةِ؟ وَجْهَانِ: الْوَجْهُ الأَْوَّل: وَهُوَ الأَْصَحُّ الْمَنْصُوصُ يُقَدَّمْنَ عَلَيْهِ لأَِنَّهُنَّ أَلْيَقُ. وَالثَّانِي: يُقَدَّمُ الزَّوْجُ لأَِنَّهُ كَانَ يَنْظُرُ إِلَى مَا لاَ يَنْظُرْنَ، وَظَاهِرُ كَلاَمِ الْغَزَالِيِّ تَجْوِيزُ الْغُسْل لِلرِّجَال الْمَحَارِمِ مَعَ وُجُودِ النِّسَاءِ، وَلَكِنَّ عَامَّةَ الشَّافِعِيَّةِ يَقُولُونَ: الْمَحَارِمُ بَعْدَ النِّسَاءِ أَوْلَى. (49)
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الأَْوْلَى بِالتَّغْسِيل وَصِيُّ الْمَيِّتِ إِذَا كَانَ عَدْلاً، وَيَتَنَاوَل عُمُومُهُ مَا لَوْ وَصَّى لاِمْرَأَتِهِ، وَهُوَ مُقْتَضَى اسْتِدْلاَلِهِمْ بِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ ﵁ وَصَّى لاِمْرَأَتِهِ فَغَسَّلَتْهُ. وَكَذَا لَوْ أَوْصَتْ بِأَنْ يُغَسِّلَهَا زَوْجُهَا (50) .
وَبَعْدَ وَصِيِّهِ أَبُوهُ وَإِنْ عَلاَ، ثُمَّ ابْنُهُ وَإِنْ نَزَل، ثُمَّ الأَْقْرَبُ فَالأَْقْرَبُ كَالْمِيرَاثِ، ثُمَّ الأَْجَانِبُ، فَيُقَدَّمُ صَدِيقُ الْمَيِّتِ، وَبَعْدَ وَصِيِّهَا أُمُّهَا وَإِنْ عَلَتْ، فَبِنْتُهَا وَإِنْ نَزَلَتْ، فَبِنْتُ ابْنِهَا وَإِنْ نَزَل، ثُمَّ الْقُرْبَى فَالْقُرْبَى. (51)
ب - تَغْسِيل الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا:
12 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ لِلْمَرْأَةِ تَغْسِيل زَوْجِهَا، إِذَا لَمْ يَحْدُثْ قَبْل مَوْتِهِ مَا يُوجِبُ الْبَيْنُونَةَ. فَإِنْ ثَبَتَتِ الْبَيْنُونَةُ بِأَنْ طَلَّقَهَا بَائِنًا، أَوْ ثَلاَثًا ثُمَّ مَاتَ، لاَ تُغَسِّلُهُ؛ لاِرْتِفَاعِ مِلْكِ الْبُضْعِ بِالإِْبَانَةِ.
وَأَضَافَ الشَّافِعِيَّةُ أَنَّهُ إِنْ طَلَّقَهَا رَجْعِيًّا - وَمَاتَ أَحَدُهُمَا فِي الْعِدَّةِ - لَمْ يَكُنْ لِلآْخَرِ غُسْلُهُ عِنْدَهُمْ لِتَحْرِيمِ النَّظَرِ فِي الْحَيَاةِ.
وَكَذَا لاَ تُغَسِّلُهُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ إِذَا حَدَثَ مَا يُوجِبُ الْبَيْنُونَةَ بَعْدَ الْمَوْتِ، كَمَا لَوِ ارْتَدَّتْ بَعْدَهُ ثُمَّ أَسْلَمَتْ، لِزَوَال النِّكَاحِ؛ لأَِنَّ النِّكَاحَ كَانَ قَائِمًا بَعْدَ الْمَوْتِ فَارْتَفَعَ بِالرِّدَّةِ، وَالْمُعْتَبَرُ بَقَاءُ الزَّوْجِيَّةِ حَالَةَ الْغُسْل لاَ حَالَةَ الْمَوْتِ. وَيَرَى زُفَرُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ بَقَاءُ الزَّوْجِيَّةِ حَالَةَ الْمَوْتِ، وَعَلَى هَذَا فَيَجُوزُ لَهَا تَغْسِيلُهُ عِنْدَهُ، وَإِنْ حَدَثَ مَا يُوجِبُ الْبَيْنُونَةَ بَعْدَ مَوْتِهِ. (52)
وَالأَْصْل فِي جَوَازِ تَغْسِيل الزَّوْجَةِ لِزَوْجِهَا مَا رُوِيَ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا قَالَتْ: لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا غَسَّلَهُ إِلاَّ نِسَاؤُهُ (53) . ج - تَغْسِيل الزَّوْجِ لِزَوْجَتِهِ:
13 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ فِي الأَْصَحِّ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلزَّوْجِ غُسْلُهَا، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الثَّوْرِيُّ؛ لأَِنَّ الْمَوْتَ فُرْقَةٌ تُبِيحُ أُخْتَهَا وَأَرْبَعًا سِوَاهَا، فَحَرَّمَتِ الْفُرْقَةُ النَّظَرَ وَاللَّمْسَ كَالطَّلاَقِ (54) .
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ لِلزَّوْجِ غُسْل امْرَأَتِهِ، وَهُوَ قَوْل عَلْقَمَةَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ وَقَتَادَةَ وَحَمَّادٍ وَإِسْحَاقَ. لأَِنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ غَسَّل فَاطِمَةَ ﵂ وَاشْتَهَرَ ذَلِكَ فِي الصَّحَابَةِ فَلَمْ يُنْكِرُوهُ، فَكَانَ إِجْمَاعًا.
وَلأَِنَّ النَّبِيَّ ﵊ قَال لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا: مَا ضَرَّكِ لَوْ مِتِّ قَبْلِي فَقُمْتُ عَلَيْكِ، فَغَسَّلْتُكِ وَكَفَّنْتُكِ، وَصَلَّيْتُ عَلَيْكِ، وَدَفَنْتُكِ (55) إِلاَّ أَنَّهُ يُكْرَهُ مَعَ وُجُودِ مَنْ يُغَسِّلُهَا، لِمَا فِيهِ مِنَ الْخِلاَفِ وَالشُّبْهَةِ. (56)
قَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَقَوْل الْخِرَقِيِّ: وَإِنْ دَعَتِ الضَّرُورَةُ إِلَى أَنْ يُغَسِّل الرَّجُل زَوْجَتَهُ فَلاَ بَأْسَ.
يَعْنِي بِهِ أَنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ غُسْلُهَا مَعَ وُجُودِ مَنْ يُغَسِّلُهَا سِوَاهُ، لِمَا فِيهِ مِنَ الْخِلاَفِ وَالشُّبْهَةِ. (57)
وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فَقَدْ أَطْلَقُوا الْجَوَازَ (58) . وَلاَ يَتَأَتَّى ذَلِكَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ؛ لأَِنَّهُ لَيْسَ لِلزَّوْجِ غُسْلُهَا عِنْدَهُمْ. (59)
د - تَغْسِيل الْمُسْلِمِ لِلْكَافِرِ وَعَكْسُهُ:
14 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ تَغْسِيل الْكَافِرِ؛ لأَِنَّ الْغُسْل وَجَبَ كَرَامَةً وَتَعْظِيمًا لِلْمَيِّتِ، وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْل الْكَرَامَةِ وَالتَّعْظِيمِ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ، وَهُوَ قَوْلٌ لأَِحْمَدَ إِلَى جَوَازِ ذَلِكَ إِذَا كَانَ الْكَافِرُ الْمَيِّتُ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنَ الْمُسْلِمِ، فَيَجُوزُ عِنْدَهُمْ تَغْسِيلُهُ عِنْدَ الاِحْتِيَاجِ، بِأَنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَنْ يَقُومُ بِهِ مِنْ أَهْل دِينِهِ وَمِلَّتِهِ، فَإِنْ كَانَ، خَلَّى الْمُسْلِمُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ. (60)
وَالأَْصْل فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ ﵁ لَمَّا مَاتَ أَبُوهُ أَبُو طَالِبٍ، جَاءَ إِلَى رَسُول اللَّهِ ﷺ فَقَال: يَا رَسُول اللَّهِ عَمُّكَ الضَّال قَدْ تُوُفِّيَ، فَقَال: اذْهَبْ وَاغْسِلْهُ وَكَفِّنْهُ وَوَارِهِ (61) .
وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ جَوَازُ تَغْسِيل الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ لِلْكَافِرِينَ، وَأَقَارِبُهُ الْكُفَّارُ أَحَقُّ بِهِ مِنْ أَقَارِبِهِ الْمُسْلِمِينَ.
وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ بِأَنَّ الْمُسْلِمَ لاَ يُغَسِّل الْكَافِرَ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ أَكَانَ قَرِيبًا مِنْهُ أَمْ لَمْ يَكُنْ. (62)
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُسْلِمِ غُسْل زَوْجَتِهِ الْكَافِرَةِ لأَِنَّ الْمُسْلِمَ لاَ يُغَسِّل الْكَافِرَ وَلاَ يَتَوَلَّى دَفْنَهُ، وَلأَِنَّهُ لاَ مِيرَاثَ بَيْنَهُمَا وَلاَ مُوَالاَةَ، وَقَدِ انْقَطَعَتِ الزَّوْجِيَّةُ بِالْمَوْتِ.
وَكَذَلِكَ لاَ تُغَسِّلُهُ هِيَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ إِلاَّ إِذَا كَانَتْ بِحَضْرَةِ الْمُسْلِمِينَ. وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ مُطْلَقًا. لأَِنَّ النِّيَّةَ وَاجِبَةٌ فِي الْغُسْل، وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا. (63)
وَعُرِفَ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ لِلزَّوْجِ غُسْل زَوْجَتِهِ الْمُسْلِمَةِ وَالذِّمِّيَّةِ، وَلَهَا غُسْلُهُ. (64) وَأَمَّا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: فَالْمَرْأَةُ لاَ تُمْنَعُ مِنْ تَغْسِيل زَوْجِهَا بِشَرْطِ بَقَاءِ الزَّوْجِيَّةِ وَلَوْ كِتَابِيَّةً. وَأَمَّا عَكْسُ ذَلِكَ فَلاَ يَتَأَتَّى عِنْدَهُمْ فِي الأَْصَحِّ، وَعِنْدَ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ، لأَِنَّهُ لَيْسَ لِلزَّوْجِ غُسْلُهَا مُطْلَقًا كَمَا سَبَقَ (ف 13) (65) .
تَغْسِيل الْكَافِرِ لِلْمُسْلِمِ:
15 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْمَخْرَجِ - مُقَابِل الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ - وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ تَغْسِيل الْكَافِرِ لِلْمُسْلِمِ؛ لأَِنَّ التَّغْسِيل عِبَادَةٌ، وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا، فَلاَ يَصِحُّ تَغْسِيلُهُ لِلْمُسْلِمِ كَالْمَجْنُونِ. وَأَيْضًا فَإِنَّ النِّيَّةَ وَاجِبَةٌ فِي الْغُسْل وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا. (66) وَفِي الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْكَافِرَ لَوْ غَسَّل مُسْلِمًا فَإِنَّهُ يَكْفِي. (67)
هـ - تَغْسِيل الرِّجَال وَالنِّسَاءِ لِلأَْطْفَال الصِّغَارِ وَعَكْسُهُ:
(65) تَغْسِيل الرِّجَال وَالنِّسَاءِ لِلأَْطْفَال الصِّغَارِ:
16 - قَال ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُل مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْل الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ تُغَسِّل الصَّبِيَّ الصَّغِيرَ. (69) وَقَيَّدَهُ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ بِاَلَّذِي لاَ يُشْتَهَى، وَالْمَالِكِيَّةُ بِثَمَانِي سِنِينَ فَمَا دُونَهَا، وَالْحَنَابِلَةُ بِمَا دُونَ سَبْعِ سِنِينَ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي تَحْدِيدِ السِّنِّ عَلَى أَقْوَالٍ كَثِيرَةٍ فَصَّلَهَا الْفُقَهَاءُ فِي (كِتَابِ الْجَنَائِزِ) . (70)
أَمَّا تَغْسِيل الرِّجَال لِلصَّغِيرَةِ فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ بَأْسَ لِلرَّجُل أَنْ يُغَسِّل الصَّبِيَّةَ الَّتِي لاَ تُشْتَهَى إِذَا مَاتَتْ؛ لأَِنَّ حُكْمَ الْعَوْرَةِ غَيْرُ ثَابِتٍ فِي حَقِّهَا، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو الْخَطَّابِ (71) .
وَيَرَى جُمْهُورُ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ يَجُوزُ غُسْل صَبِيَّةٍ رَضِيعَةٍ وَمَا قَارَبَهَا كَزِيَادَةِ شَهْرٍ عَلَى مُدَّةِ الرَّضَاعِ، لاَ بِنْتِ ثَلاَثِ سِنِينَ. وَيَرَى ابْنُ الْقَاسِمِ مِنْهُمْ أَنَّهُ لاَ يُغَسِّل الرَّجُل الصَّبِيَّةَ وَإِنْ صَغُرَتْ جِدًّا.
وَقَال عِيسَى: إِذَا صَغُرَتْ جِدًّا فَلاَ بَأْسَ. (72) وَصَرَّحَ أَحْمَدُ أَنَّ الرَّجُل لاَ يُغَسِّل الصَّبِيَّةَ إِلاَّ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ، فَإِنَّهُ يُرْوَى عَنِ ابْنِ قِلاَبَةَ أَنَّهُ غَسَّل بِنْتًا لَهُ صَغِيرَةً، وَهُوَ قَوْل الْحَسَنِ أَيْضًا. قَال ابْنُ قُدَامَةَ: الصَّحِيحُ مَا عَلَيْهِ السَّلَفُ مِنْ أَنَّ الرَّجُل لاَ يُغَسِّل الْجَارِيَةَ، وَالتَّفْرِقَةُ بَيْنَ عَوْرَةِ الْغُلاَمِ وَالْجَارِيَةِ؛ لأَِنَّ عَوْرَةَ الْجَارِيَةِ أَفْحَشُ، وَلأَِنَّ الْعَادَةَ مُعَانَاةُ الْمَرْأَةِ لِلْغُلاَمِ الصَّغِيرِ، وَمُبَاشَرَةُ عَوْرَتِهِ فِي حَال تَرْبِيَتِهِ، وَلَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِمُبَاشَرَةِ الرَّجُل عَوْرَةَ الْجَارِيَةِ فِي الْحَيَاةِ، فَكَذَلِكَ حَال الْمَوْتِ (73) .
(74) تَغْسِيل الصَّبِيِّ لِلْمَيِّتِ:
17 - صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ يَجُوزُ لِلصَّبِيِّ إِذَا كَانَ عَاقِلاً أَنْ يُغَسِّل الْمَيِّتَ؛ لأَِنَّهُ تَصِحُّ طَهَارَتُهُ فَصَحَّ أَنْ يُطَهِّرَ غَيْرَهُ، وَهُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ أَقْوَال الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ. (74)
و تَغْسِيل الْمُحْرِمِ الْحَلاَل وَعَكْسُهُ، وَكَيْفِيَّةُ تَغْسِيل الْمُحْرِمِ:
18 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي جَوَازِ تَغْسِيل الْمُحْرِمِ الْحَلاَل وَعَكْسُهُ؛ لأَِنَّ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَصِحُّ طَهَارَتُهُ وَغُسْلُهُ، فَكَانَ لَهُ أَنْ يُغَسِّل غَيْرَهُ.
وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ تَغْسِيل الْمُحْرِمِ فَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيهَا:
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ إِحْرَامَهُ يَبْطُل بِالْمَوْتِ فَيُصْنَعُ بِهِ كَمَا يُصْنَعُ بِالْحَلاَل.
وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: أَنَّ حُكْمَ إِحْرَامِهِ لاَ يَبْطُل بِمَوْتِهِ، فَيُصْنَعُ فِي تَغْسِيلِهِ مَا يُصْنَعُ بِالْمُحْرِمِ. (76)
وَفِي الْمَوْضُوعِ تَفْصِيلٌ يُرْجَعُ فِيهِ إِلَى مُصْطَلَحِ (إِحْرَامٌ) .
ز - تَغْسِيل الْخُنْثَى الْمُشْكِل:
19 - إِذَا كَانَ الْخُنْثَى الْمُشْكِل صَغِيرًا لَمْ يَبْلُغْ، يَجُوزُ لِلرِّجَال وَالنِّسَاءِ تَغْسِيلُهُ، كَمَا يَجُوزُ مَسُّهُ وَالنَّظَرُ إِلَيْهِ.
وَأَمَّا إِذَا كَانَ كَبِيرًا أَوْ مُرَاهِقًا فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ، وَهُوَ وَجْهٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُغَسِّل رَجُلاً وَلاَ امْرَأَةً، وَلاَ يُغَسِّلُهُ رَجُلٌ وَلاَ امْرَأَةٌ، بَل يُيَمَّمُ. وَالأَْصْل عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْخُنْثَى الْمُشْكِل - إِنْ كَانَ لَهُ مَحْرَمٌ مِنَ الرِّجَال أَوِ النِّسَاءِ - غَسَّلَهُ بِالاِتِّفَاقِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَحْرَمٌ جَازَ لِلرِّجَال وَالنِّسَاءِ غُسْلُهُ صَغِيرًا. فَإِنْ كَانَ كَبِيرًا فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: هَذَا، وَالآْخَرُ: أَنَّهُ يُغَسَّل. قَال أَحْمَدُ: إِذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ أَمَةٌ، يُيَمَّمُ، وَزَادَ: أَنَّ الرَّجُل أَوْلَى بِتَيْمِيمِ خُنْثَى فِي سِنِّ التَّمْيِيزِ، وَحَرُمَ بِدُونِ حَائِلٍ عَلَى غَيْرِ مَحْرَمٍ. (77) وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ: أَنَّهُ إِنْ أَمْكَنَ وُجُودُ أَمَةٍ لَهُ - سَوَاءٌ أَكَانَتْ مِنْ مَالِهِ أَمْ مِنْ بَيْتِ الْمَال، أَمْ مِنْ مَال الْمُسْلِمِينَ - فَإِنَّهَا تُغَسِّلُهُ، وَإِلاَّ يُيَمَّمْ، وَلاَ يُغَسِّلُهُ أَحَدٌ سِوَاهَا. (78)
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي وَجْهٍ آخَرَ إِلَى أَنَّهُ يُغَسَّل إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَحَارِمُ.
وَفِيمَنْ يُغَسِّل أَوْجُهٌ: أَصَحُّهَا: أَنَّهُ يَجُوزُ لِلرِّجَال وَالنِّسَاءِ جَمِيعًا لِلضَّرُورَةِ، وَاسْتِصْحَابًا لِحُكْمِ الصِّغَرِ، وَبِهِ قَال أَبُو زَيْدٍ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ فِي حَقِّ الرِّجَال كَالْمَرْأَةِ، وَفِي حَقِّ النِّسَاءِ كَالرَّجُل، أَخْذًا بِالأَْحْوَطِ.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: وَهُوَ وَجْهٌ ضَعِيفٌ عِنْدَهُمْ، أَنَّهُ يُشْتَرَى مِنْ تَرِكَتِهِ جَارِيَةٌ لِتُغَسِّلَهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ تَرِكَةٌ فَمِنْ بَيْتِ الْمَال. (79)
مَنْ يُغَسَّل مِنَ الْمَوْتَى وَمَنْ لاَ يُغَسَّل:
أ - تَغْسِيل الشَّهِيدِ:
20 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الشَّهِيدَ لاَ يُغَسَّل، لِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَال فِي شُهَدَاءِ أُحُدٍ: ادْفِنُوهُمْ بِدِمَائِهِمْ (80) وَيَرَى الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ تَغْسِيل الشَّهِيدِ. (81) وَإِنْ كَانَ الشَّهِيدُ جُنُبًا فَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنِ الشَّافِعِيَّةِ، وَقَوْل سَحْنُونٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ يُغَسَّل. وَيَرَى جُمْهُورُ الْمَالِكِيَّةِ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْصَحِّ أَنَّهُ لاَ يُغَسَّل لِعُمُومِ الْخَبَرِ. (82)
وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِيمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْل بِسَبَبٍ سَابِقٍ عَلَى الْمَوْتِ، كَالْمَرْأَةِ الَّتِي تَطْهُرُ مِنْ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ ثُمَّ تَسْتَشْهِدُ فَهِيَ كَالْجُنُبِ. وَأَمَّا قَبْل الطَّهَارَةِ مِنَ الْحَيْضِ أَوِ النِّفَاسِ فَلاَ يَجِبُ الْغُسْل. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهُمَا: يَجِبُ الْغُسْل كَالْجُنُبِ وَالأُْخْرَى لاَ يَجِبُ. (83)
وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ - مَا عَدَا أَبَا حَنِيفَةَ - إِلَى أَنَّ الشَّهِيدَ الْبَالِغَ وَغَيْرَهُ سَوَاءٌ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ (84) . وَالْخِلاَفُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَكَذَلِكَ فِي تَغْسِيل مَنْ كَانَ بِهِ رَمَقٌ، وَالْمُرْتَثُّ (وَهُوَ مَنْ حُمِل مِنَ الْمَعْرَكَةِ جَرِيحًا وَبِهِ رَمَقٌ) ، وَمَنْ عَادَ عَلَيْهِ سِلاَحُهُ فَقَتَلَهُ، وَمَنْ يُقْتَل مِنْ أَهْل الْعَدْل فِي الْمَعْرَكَةِ، وَمَنْ قُتِل ظُلْمًا، أَوْ دُونَ مَالِهِ أَوْ دُونَ نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى خِلاَفٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ هَؤُلاَءِ وَأَمْثَالَهُمْ هَل يُعْتَبَرُونَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَمْ لاَ؟ (85)
فَيُرْجَعُ لِلتَّفْصِيل إِلَى مُصْطَلَحِ (شَهِيدٌ) .
ب - تَغْسِيل الْمَبْطُونِ وَالْمَطْعُونِ وَصَاحِبِ الْهَدْمِ وَأَمْثَالِهِمْ:
21 - لاَ خِلاَفَ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ الشَّهِيدَ بِغَيْرِ قَتْلٍ كَالْمَبْطُونِ، وَالْمَطْعُونِ، وَمِنْهُ الْغَرِيقُ، وَصَاحِبُ الْهَدْمِ، وَالنُّفَسَاءُ، وَنَحْوُهُمْ يُغَسَّلُونَ، وَإِنْ وَرَدَ فِيهِمْ لَفْظُ الشَّهَادَةِ. (86)
ج - تَغْسِيل مَنْ لاَ يُدْرَى حَالُهُ:
22 - لَوْ وُجِدَ مَيِّتٌ أَوْ قَتِيلٌ فِي دَارِ الإِْسْلاَمِ. وَكَانَ عَلَيْهِ سِيمَا الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْخِتَانِ وَالثِّيَابِ وَالْخِضَابِ وَحَلْقِ الْعَانَةِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ غُسْلُهُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، سَوَاءٌ أَوُجِدَ فِي دَارِ الإِْسْلاَمِ أَمْ دَارِ الْحَرْبِ.
وَأَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَالصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ: أَنَّهُ إِنْ وُجِدَ فِي دَارِ الإِْسْلاَمِ يُغَسَّل، وَإِنْ وُجِدَ فِي دَارِ الْحَرْبِ لاَ يُغَسَّل، وَلأَِنَّ الأَْصْل أَنَّ مَنْ كَانَ فِي دَارٍ فَهُوَ مِنْ أَهْلِهَا، يَثْبُتُ لَهُ حُكْمُهُمْ، مَا لَمْ يَقُمْ عَلَى خِلاَفِهِ دَلِيلٌ. (87)
وَصَرَّحَ ابْنُ الْقَاسِمِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ بِأَنَّ الْمَيِّتَ إِنْ وُجِدَ بِفَلاَةٍ، لاَ يُدْرَى أَمُسْلِمٌ هُوَ أَمْ كَافِرٌ؟ فَلاَ يُغَسَّل. وَكَذَلِكَ لَوْ وُجِدَ فِي مَدِينَةٍ مِنَ الْمَدَائِنِ فِي زُقَاقٍ، وَلاَ يُدْرَى حَالُهُ أَمُسْلِمٌ أَمْ كَافِرٌ؟ قَال ابْنُ رُشْدٍ: وَإِنْ كَانَ مَخْتُونًا فَكَذَلِكَ؛ لأَِنَّ الْيَهُودَ يَخْتَتِنُونَ، وَقَال ابْنُ حَبِيبٍ: وَمِنَ النَّصَارَى أَيْضًا مَنْ يَخْتَتِنُ. (88)
د - تَغْسِيل مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ اخْتِلاَطِهِمْ بِالْكُفَّارِ:
23 - لَوِ اخْتَلَطَ مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ بِمَوْتَى الْمُشْرِكِينَ وَلَمْ يُمَيَّزُوا، فَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّهُمْ يُغَسَّلُونَ جَمِيعًا، سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُسْلِمُونَ أَكْثَرَ أَمْ أَقَل. أَوْ كَانُوا عَلَى السَّوَاءِ، وَهَذَا لأَِنَّ غُسْل الْمُسْلِمِ وَاجِبٌ، وَغُسْل الْكَافِرِ جَائِزٌ فِي الْجُمْلَةِ، فَيُؤْتَى بِالْجَائِزِ فِي الْجُمْلَةِ لِتَحْصِيل الْوَاجِبِ. (89)
هـ - تَغْسِيل الْبُغَاةِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ:
24 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُغَسَّل الْبُغَاةُ إِذَا قُتِلُوا فِي الْحَرْبِ؛ إِهَانَةً لَهُمْ وَزَجْرًا لِغَيْرِهِمْ عَنْ فِعْلِهِمْ. وَأَمَّا إِذَا قُتِلُوا بَعْدَ ثُبُوتِ يَدِ الإِْمَامِ عَلَيْهِمْ فَإِنَّهُمْ يُغَسَّلُونَ.
وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّهُمْ يُغَسَّلُونَ.
وَلِتَفْصِيل ذَلِكَ يُرْجَعُ إِلَى مُصْطَلَحِ: (بُغَاةٌ) . وَلَمْ يُفَرِّقِ الْحَنَفِيَّةُ بَيْنَ الْبُغَاةِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ فِي عَدَمِ التَّغْسِيل. (90)
و تَغْسِيل الْجَنِينِ إِذَا اسْتَهَل:
25 - إِذَا خَرَجَ الْمَوْلُودُ حَيًّا، أَوْ حَصَل مِنْهُ مَا يَدُل عَلَى حَيَاتِهِ مِنْ بُكَاءٍ أَوْ تَحْرِيكِ عُضْوٍ أَوْ طَرَفٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يُغَسَّل بِالإِْجْمَاعِ، قَال ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ أَهْل الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الطِّفْل إِذَا عُرِفَتْ حَيَاتُهُ وَاسْتَهَل، يُغَسَّل وَيُصَلَّى عَلَيْهِ. (91)
كَمَا أَنَّهُ يَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ عَدَمَ تَغْسِيل مَنْ لَمْ يَأْتِ لَهُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَلَمْ يَتَبَيَّنْ خَلْقُهُ، إِلاَّ مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ.
وَمَا وَرَدَ مِنَ الْغُسْل فِي بَعْضِ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ، فَالْمُرَادُ هُوَ الْغُسْل فِي الْجُمْلَةِ كَصَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهِ، مِنْ غَيْرِ وُضُوءٍ وَلاَ تَرْتِيبٍ. (92)
وَاخْتَلَفُوا فِي الطِّفْل الَّذِي وُلِدَ لأَِرْبَعَةِ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرَ، فَالأَْصَحُّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ لِلشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ يُغَسَّل. (93) وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ فِي رِوَايَةٍ، وَالْمَالِكِيَّةُ، وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُغَسَّل، بَل يُغْسَل دَمُهُ، وَيُلَفُّ فِي خِرْقَةٍ وَيُدْفَنُ. (94)
ز - تَغْسِيل جُزْءٍ مِنْ بَدَنِ الْمَيِّتِ:
26 - إِذَا بَانَ مِنَ الْمَيِّتِ شَيْءٌ غُسِّل وَحُمِل مَعَهُ فِي أَكْفَانِهِ بِلاَ خِلاَفٍ. (95) وَأَمَّا تَغْسِيل بَعْضِ الْمَيِّتِ، فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِنْ وُجِدَ الأَْكْثَرُ غُسِّل، وَإِلاَّ فَلاَ. (96)
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّهُ يُغَسَّل سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ أَكْثَرُ الْبَدَنِ وَأَقَلُّهُ لِمَا رُوِيَ أَنَّ طَائِرًا أَلْقَى يَدًا بِمَكَّةَ زَمَنَ وَقْعَةِ الْجَمَل، وَكَانَتْ يَدَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَتَّابِ بْنِ أُسَيْدٍ، فَغَسَّلَهَا أَهْل مَكَّةَ، وَصَلَّوْا عَلَيْهَا (97) . أَخْذُ الأُْجْرَةِ عَلَى تَغْسِيل الْمَيِّتِ:
27 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ أَخْذَ الأُْجْرَةِ عَلَى تَغْسِيل الْمَيِّتِ جَائِزٌ، وَأَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ، كَالتَّجْهِيزِ وَالتَّلْقِينِ.
وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّ الأَْفْضَل أَنْ يُغَسَّل الْمَيِّتُ مَجَّانًا، فَإِنِ ابْتَغَى الْغَاسِل الأَْجْرَ جَازَ إِنْ كَانَ ثَمَّةَ غَيْرُهُ، وَإِلاَّ فَلاَ، لِتَعَيُّنِهِ عَلَيْهِ، لأَِنَّهُ صَارَ وَاجِبًا عَلَيْهِ عَيْنًا، وَلاَ يَجُوزُ أَخْذُ الأُْجْرَةِ عَلَى الطَّاعَةِ. وَذَهَبَ الْبَعْضُ إِلَى الْجَوَازِ (98) .
دَفْنُ الْمَيِّتِ مِنْ غَيْرِ غُسْلٍ:
28 - لَوْ دُفِنَ الْمَيِّتُ بِغَيْرِ غُسْلٍ، وَلَمْ يُهَل عَلَيْهِ التُّرَابُ، فَلاَ خِلاَفَ أَنَّهُ يُخْرَجُ وَيُغَسَّل. (99)
وَأَمَّا بَعْدَهُ، فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ، وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُنْبَشُ لأَِجْل تَغْسِيلِهِ لأَِنَّ النَّبْشَ مُثْلَةٌ، وَقَدْ نُهِيَ عَنْهَا، وَلِمَا فِيهِ مِنَ الْهَتْكِ. (100)
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ لَدَى الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ يُنْبَشُ وَيُغَسَّل مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ، وَيُخَافُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَفَسَّخَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو ثَوْرٍ (101) وَفِي الْمَوْضُوعِ تَفْصِيلٌ يُرْجَعُ إِلَيْهِ إِلَى مُصْطَلَحِ (نَبْشٌ) .
مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى تَغْسِيل الْمَيِّتِ:
29 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ، وَهُوَ قَوْلٌ لِمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الصَّحِيحِ عِنْدَهُمْ، وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِغَاسِل الْمَيِّتِ أَنْ يَغْتَسِل (102) . لِحَدِيثٍ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَذُكِرَ أَيْضًا فِي الْمُوَطَّأِ وَهُوَ مَنْ غَسَّل مَيِّتًا فَلْيَغْتَسِل (103) .
وَفِي قَوْلٍ لِمَالِكٍ، وَهُوَ قَوْل جُمْهُورِ فُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةِ - مَا عَدَا ابْنَ الْقَاسِمِ - أَنَّهُ لاَ غُسْل عَلَى غَاسِل الْمَيِّتِ، لأَِنَّ تَغْسِيل الْمَيِّتِ لَيْسَ بِحَدَثٍ. وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ وُجُوبُ الْغُسْل عَلَى مَنْ غَسَّل الْكَافِرَ خَاصَّةً (104) ؛ لأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَمَرَ عَلِيًّا ﵁ أَنْ يَغْتَسِل، لَمَّا غَسَّل أَبَاهُ (105) .
وَلِلتَّفْصِيل يُرْجَعُ إِلَى مُصْطَلَحِ (غُسْلٌ) .
__________
(1) سورة الزمر / 3
(2) سورة الفرقان / 49.
(3) مختار الصحاح، وابن عابدين 1 / 113
(4) ابن عابدين 1 / 112، 113، وبدائع الصنائع 1 / 299، 300، والاختيار لتعليل المختار 1 / 91، ومواهب الجليل، 2 / 207، والشرح الصغير 1 / 523 ط دار المعارف بمصر، وروضة الطالبين 2 / 98، وحاشية الجمل 2 / 143، ونيل المآرب 1 / 220
(5) حديث: " للمسلم على المسلم. . . " ورد في كتاب الاختيار شرح المختار (1 / 91) ولم نجده فيما بين أيدينا من كتب السنة، وأورده الزيلعي بلفظ " للمسلم على المسلم ثمانية حقوق " وذكر منها " غسل الميت ". وقال: هذا الحديث ما عرفته ولا وجدته. (نصب الراية 2 / 257)
(6) حديث: " تغسيل الملائكة لآدم عليه السلام، ثم قالوا: يا بني آدم هذه سنتكم ". أخرجه عبد الله بن أحمد في زوائد المسند (5 / 136 ط الميمنية) من حديث أبي بن كعب ﵁ موقوفا عليه. وقال الهيثمي: " رجاله رجال الصحيح غير عتي بن ضمرة وهو ثقة
(7) مواهب الجليل 2 / 209، والشرح الصغير 1 / 543 طبع دار المعارف بمصر، والقوانين الفقهية / 97
(8) حديث: " ليغسل موتاكم المأمونون " أخرجه ابن ماجه (1 / 469 ط الحلبي) من حديث عبد الله بن عمر ﵄ وأعله البوصيري بالضعف الشديد في أحد رواته
(9) حديث: " من غسل ميتا فأدى فيه الأمانة. . . " أخرجه أحمد (6 / 119 - 120 ط الميمنية) وقال الهيثمي: فيه جابر الجعفي، وفيه كلام كثير
(10) ابن عابدين 1 / 602، ومواهب الجليل2 / 223 ط دار الفكر، وروضة الطالبين 2 / 109 ط المكتب الإسلامي، والمغني لابن قدامة 2 / 455، 456 ط مكتبة الرياض الحديثة
(11) ابن عابدين 1 / 602، والفتاوى الهندية 1 / 159، وغاية المنتهى 1 / 239، والمقنع 1 / 274 ط المطبعة السلفية
(12) حاشية الجمل 2 / 147 ط دار إحياء التراث العربي، وروضة الطالبين 2 / 102، والمغني 2 / 456
(13) ابن عابدين 1 / 574، والاختيار 1 / 91. دار المعرفة، ومواهب الجليل 2 / 223، والشرح الصغير 1 / 548، وروضة الطالبين 2 / 100، والمغني 2 / 457
(14) مواهب الجليل 2 / 223.
(15) ابن عابدين 1 / 577 ط دار إحياء التراث العربي.
(16) مواهب الجليل 2 / 210 ط دار الفكر (بيروت) وحاشية الجمل 2 / 143، وروضة الطالبين 2 / 99، ونهاية المحتاج 2 / 442، وغاية المنتهى 1 / 223 ط مطبعة دار السلام في دمشق.
(17) نهاية المحتاج 2 / 442، وغاية المنتهى 1 / 223، والمغني 2 / 463.
(18) ابن عابدين 1 / 574، والفتاوى الهندية 1 / 158، والاختيار 1 / 91، وبدائع الصنائع 1 / 300، ومواهب الجليل 2 / 223، والشرح الصغير 1 / 543، والقوانين الفقهية / 97، وحاشية الجمل2 / 145، وروضة الطالبين 2 / 99، والمغني 2 / 453، 454
(19) ابن عابدين 1 / 574، والشرح الصغير 1 / 546 ط دار المعارف، وروضة الطالبين 2 / 299، والمغني 2 / 454
(20) بدائع الصنائع 1 / 300 ط دار الكتاب العربي، والفتاوى الهندية 1 / 158 ط المطبعة الأميرية، والاختيار 1 / 91 ط دار المعرفة، ومواهب الجليل 2 / 223، وحاشية الجمل 2 / 145، وروضة الطالبين 2 / 99، والمغني 2 / 457.
(21) ابن عابدين 1 / 574، والاختيار لتعليل المختار 1 / 91، والفتاوى الهندية 1 / 158، والشرح الصغير 1 / 548، وحاشية الجمل2 / 146، ومختصر المزني / 35 ط دار المعرفة، والمغني 2 / 461، والمقنع 1 / 269 ط المطبعة السلفية
(22) بدائع الصنائع 1 / 301، والفتاوى الهندية 1 / 158، والشرح الصغير 1 / 548، ومواهب الجليل 2 / 223، وروضة الطالبين 2 / 102، والمغني 2 / 458
(23) ابن عابدين 1 / 575، وبدائع الصنائع 1 / 301، ومواهب الجليل 2 / 208، 223، والشرح الصغير 1 / 548، وروضة الطالبين 2 / 101، والمغني 2 / 461
(24) ابن عابدين 1 / 575، والشرح الصغير 1 / 549، وروضة الطالبين 2 / 102، وحاشية الجمل 2 / 147، والمغني 2 / 461
(25) حديث: " ابدأن بميامنها. . . " أخرجه البخاري (الفتح 3 / 130 ط السلفية) ، ومسلم (2 / 647، 648 ط الحلبي) من حديث أم عطية ﵂.
(26) مواهب الجليل 2 / 234.
(27) ابن عابدين 1 / 575، والاختيار 1 / 92، والفتاوى الهندية 1 / 158، ومواهب الجليل 2 / 223، والشرح الصغير 1 / 547 ط دار المعارف، وروضة الطالبين 2 / 102، والمغني 2 / 462
(28) روضة الطالبين 2 / 102، والمغني 2 / 462
(29) روضة الطالبين 2 / 103
(30) ابن عابدين 1 / 602، ومواهب الجليل 2 / 223، وروضة الطالبين 2 / 99، والمغني 2 / 455
(31) حديث: " أتانا رسول الله ﷺ. . . . " ورد في المغني لابن قدامة (2 / 455) ولم نجده فيما لدينا من كتب السنة
(32) نيل المآرب 1 / 220 ط مكتبة الفلاح
(33) ابن عابدين 1 / 574، والفتاوى الهندية 1 / 158، والاختيار 1 / 91، 92.
(34) مواهب الجليل 2 / 234.
(35) روضة الطالبين 2 / 99، ومختصر المزني / 35 ط دار المعرفة، والمغني 2 / 459، 460.
(36) الاختيار لتعليل المختار 1 / 91، ومواهب الجليل 2 / 222، 238، وروضة الطالبين 2 / 100، والمغني 2 / 457.
(37) بدائع الصنائع 1 / 301، والفتاوى الهندية 1 / 158، والمدونة 1 / 173، ومواهب الجليل 2 / 238، وروضة الطالبين 2 / 107، والمغني 2 / 542.
(38) حديث: " اصنعوا بموتاكم كما تصنعون بعرائسكم " نقل ابن حجر عن ابن الصلاح أنه قال: بحثت عنه فلم أجده ثابتا (التلخيص 2 / 106 ط شركة الطباعة الفنية)
(39) روضة الطالبين 2 / 107، والمغني 2 / 541، 542
(40) ابن عابدين 1 / 575، والاختيار 1 / 92، ومواهب الجليل 2 / 223، والشرح الصغير 1 / 549، وروضة الطالبين 2 / 102، والمغني 2 / 464
(41) حديث أم سليم: " فإذا فرغت منها فألقي عليها ثوبا نظيفا. . . " أورده الهيثمي في المجمع (3 / 22 ط القدسي) وقال: رواه الطبراني في الكبير بإسنادين، في أحدهما ليث بن أبي سليم وهو مدلس، ولكنه ثقة. وفي الآخر جنيد قد وثق، وفيه بعض كلام
(42) حديث: " فجففوه بثوب. . . " أخرجه أحمد (1 / 260 ط الميمنية) من حديث عبد الله بن عباس ﵁، وفي إسناده ضعف كما في التعليق على مسند أحمد (4 / 104 ط المعارف)
(43) بدائع الصنائع 1 / 2305، والفتاوى الهندية 1 / 160، والشرح الصغير 1 / 545، 546، والمدونة 1 / 186 ط دار صادر، وروضة الطالبين 2 / 105، والمغني 2 / 526
(44) روضة الطالبين 2 / 105، والمغني 2 / 526
(45) الفتاوى الهندية 1 / 160، وابن عابدين 1 / 112، 113، وروضة الطالبين 2 / 105، والمغني 2 / 526.
(46) الفتاوى الهندية 1 / 160، ومواهب الجليل 2 / 210، 212، والشرح الصغير 1 / 545، وحاشية الجمل 2 / 148، وروضة الطالبين 2 / 108.
(47) الفتاوى الهندية 1 / 160.
(48) الشرح الصغير 1 / 544، 545، 546 ط دار المعارف
(49) روضة الطالبين 2 / 103، 104، 106.
(50) نيل المآرب 1 / 220.
(51) غاية المنتهى 1 / 230، 231 ط مطبعة دار السلام بدمشق
(52) ابن عابدين 1 / 576، والفتاوى الهندية 1 / 160، والبدائع 1 / 305 ط دار الكتاب العربي، وشرح الزرقاني 2 / 87 ط دار الفكر، وروضة الطالبين 2 / 104، وحاشية الجمل 2 / 150، والمغني 2 / 524
(53) قول عائشة " لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسله إلا نساؤه " أخرجه أبو داود (3 / 502 تحقيق عزت عبيد دعاس) والحاكم (3 / 60 ط دائرة المعارف العثمانية) وصححه هو وابن حبان (ص 530 موارد الظمآن ط السلفية) .
(54) ابن عابدين 1 / 575، وبدائع الصنائع 1 / 305، والفتاوى 1 / 160، والمغني 2 / 524
(55) حديث: " ما ضرك لو مت قبلي. . . " أخرجه ابن ماجه (1 / 470 ط الحلبي) وقال البوصيري: إسناد رجاله ثقات
(56) الحطاب 2 / 210، والمدونة 1 / 185، والقوانين الفقهية / 97، وحاشية الجمل 2 / 159، وروضة الطالبين 2 / 103، 104، والشرح الصغير 1 / 544، والمغني 2 / 523، 524
(57) المغني 2 / 524
(58) التاج والإكليل 2 / 210، والمدونة الكبرى 1 / 185
(59) ابن عابدين 1 / 575، والبدائع 1 / 305، والفتاوى الهندية 1 / 160.
(60) ابن عابدين 1 / 597، وبدائع الصنائع 1 / 320، والمجموع 5 / 142 ط السلفية، والمغني 2 / 528.
(61) حديث: " اذهب واغسله وادفنه وواره. . . " يدل عليه ما أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (3 / 348 ط السلفية) عن الشعبي قال: لما مات أبو طالب جاء علي إلى النبي ﷺ فقال: إن عمك الشيخ الكافر قد مات، فما ترى فيه قال: " أرى أن تغسله " وأمره بالغسل
(62) المدونة 1 / 187، ونيل المآرب1 / 223، والتاج والإكليل 2 / 211، والحطاب 2 / 211، والمغني 2 / 525.
(63) التاج والإكليل 2 / 211، والمغني 5 / 525
(64) روضة الطالبين 2 / 103، وحاشية الجمل 2 / 149.
(65) ابن عابدين 1 / 575، والبدائع 1 / 305، والفتاوى الهندية 1 / 160
(66) ابن عابدين 1 / 597، وبدائع الصنائع 2 / 303، ومواهب الجليل 2 / 254، والمجموع 5 / 145، وروضة الطالبين 2 / 99، ونيل المآرب 1 / 220، والمغني 2 / 523
(67) روضة الطالبين 2 / 99، ونهاية المحتاج 2 / 442 ط مصطفى البابي الحلبي.
(68) ابن عابدين 1 / 575، والبدائع 1 / 305، والفتاوى الهندية 1 / 160
(69) بدائع الصنائع 1 / 306، والفتاوى 1 / 160، ومواهب الجليل 2 / 234، والمدونة 1 / 186، وحاشية الجمل 2 / 151، والمغني 1 / 526
(70) مواهب الجليل 2 / 234، والمغني 1 / 526
(71) بدائع الصنائع 1 / 306، والفتاوى الهندية 1 / 160، وحاشية الجمل 1 / 160، والمغني 2 / 527.
(72) الشرح الصغير 1 / 565، ومواهب الجليل 2 / 234.
(73) المغني 2 / 527، ومواهب الجليل 2 / 234.
(74) ابن عابدين 1 / 577، ومواهب الجليل 2 / 223، وحاشية الجمل 2 / 148، والمغني 2 / 527، وغاية المنتهى 1 / 230
(75) ابن عابدين 1 / 577، ومواهب الجليل 2 / 223، وحاشية الجمل 2 / 148، والمغني 2 / 527، وغاية المنتهى 1 / 230
(76) الفتاوى الهندية 1 / 161، ومواهب الجليل 2 / 226، وروضة الطالبين 2 / 107، والمغني 2 / 537
(77) ابن عابدين 1 / 112، 113، 578، وعرف ابن عابدين المراهق هنا بمن بلغ الشهوة، وروضة الطالبين 2 / 105، وغاية المنتهى 1 / 231، والمغني 2 / 526.
(78) مواهب الجليل 6 / 433
(79) روضة الطالبين2 / 105
(80) حديث: " ادفنوهم في دمائهم. . . " أخرجه البخاري (الفتح 3 / 212 ط السلفية) .
(81) ابن عابدين 1 / 608، والاختيار 1 / 97، وبدائع الصنائع 1 / 324، والمدونة 1 / 1983، والحطاب 2 / 247، وروضة الطالبين 1 / 119، والمغني 2 / 528، 529
(82) ابن عابدين 1 / 608، وبدائع الصنائع 1 / 322، ومواهب الجليل 2 / 249، والشرح الصغير 1 / 576، وروضة الطالبين 2 / 120، والمغني 2 / 530
(83) ابن عابدين 1 / 608، وبدائع الصنائع 1 / 322، والمغني 2 / 530، 531
(84) ابن عابدين 1 / 608، ومواهب الجليل 2 / 247، وروضة الطالبين 2 / 118، والمغني 2 / 531
(85) ابن عابدين 1 / 609، والمغني 2 / 532 وما بعدها
(86) بدائع الصنائع 1 / 322، والمدونة 1 / 184، ومواهب الجليل 2 / 248، وروضة الطالبين 2 / 119، والمغني 2 / 536
(87) ابن عابدين 1 / 577، وشرح البهجة 2 / 102 ط مطبعة الميمنية، والمغني 2 / 537
(88) مواهب الجليل2 / 250
(89) ابن عابدين 1 / 577، وبدائع الصنائع 1 / 303، ومواهب الجليل 2 / 250، وروضة الطالبين 2 / 118، والمغني 2 / 536.
(90) ابن عابدين 1 / 583، 584، وبدائع الصنائع 1 / 302، وروضة الطالبين 2 / 119، والمغني 8 / 116
(91) ابن عابدين 1 / 594، وبدائع الصنائع 1 / 302، ومواهب الجليل 2 / 240، 250، وروضة الطالبين 2 / 117، والمغني 2 / 522
(92) ابن عابدين 1 / 595، ومواهب الجليل 2 / 208، 240، وروضة الطالبين 2 / 117، والمغني 2 / 523
(93) ابن عابدين 1 / 595، وروضة الطالبين 2 / 117، والمغني 2 / 522
(94) ابن عابدين 1 / 594، وبدائع الصنائع 1 / 302، ومواهب الجليل 2 / 240، 250، وروضة الطالبين 2 / 117، والمغني 2 / 522
(95) حاشية الجمل 1 / 146، والمغني 2 / 539
(96) ابن عابدين 1 / 576، وبدائع الصنائع 1 / 302، والمدونة 1 / 180، ومواهب الجليل 2 / 212
(97) بدائع الصنائع 2 / 302، وشرح البهجة 2 / 102 ط المطبعة الميمنية، والمغني 2 / 539
(98) الشرح الصغير 1 / 551، وحاشية الدسوقي 4 / 458، ونهاية المحتاج 6 / 5 وكشاف القناع 4 / 403، وابن عابدين 1 / 576، والفتاوى الهندية 1 / 159، 160، والاختيار 1 / 91
(99) ابن عابدين 1 / 582، ومواهب الجليل 2 / 234، وروضة الطالبين 2 / 140، والمغني 2 / 553
(100) ابن عابدين 1 / 582، وروضة الطالبين 2 / 140
(101) مواهب الجليل 2 / 233، 234، وروضة الطالبين 2 / 140، وحاشية الجمل 2 / 143.
(102) ابن عابدين 1 / 114، وفتح القدير 1 / 58، ومواهب الجليل 2 / 223، والشرح الصغير 1 / 549، وحاشية الجمل 2 / 40، والمغني 1 / 211، 212
(103) حديث: " من غسل ميتا فليغتسل. . . " أخرجه ابن ماجه (1 / 470 ط الحلبي) ، والترمذي (3 / 309 ط الحلبي) من حديث أبي هريرة ﵁ واللفظ لابن ماجه، وحسنه ابن حجر في التلخيص (1 / 137 ط شركة الطباعة الفنية) .
(104) مواهب الجليل 2 / 223، والشرح الصغير 1 / 549، وحاشية الجمل 2 / 40، والمغني 1 / 549
(105) حديث: " أمر عليا أن يغتسل لما غسل أباه. . . " تقدم تخريجه (ف 14) .
الموسوعة الفقهية الكويتية: 49/ 13
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".