الإله
(الإله) اسمٌ من أسماء الله تعالى؛ يعني استحقاقَه جل وعلا...
الرجوع عن الإسلام إلى الكفر بالنية، أو القول، أو الفعل . كالسجود للصنم تعظيماً، وإلقاء المصحف في القاذورات احتقاراً، والنطق بما يدل على ترك الإسلام . ومن أمثلته حبوط عمل المرتد، وخلوده في نار جهنم . ومن شواهده قوله تَعَالَى : ﭽﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭﭼالبقرة :٢١٧ .
الرِدَّةُ: الرُّجُوعُ والتَّحَوُّلُ، يُقالُ: اِرْتَدَّ عَنْ سَفَرِهِ، أيْ: رَجَعَ عَنْه، وارتَدَّ، وارْتَدَّ عنه: تَحَوَّلَ. واسْتَرَدَّ الشَّيءَ وارْتَدَّهُ: إذا طَلبَ رَدَّه عليه. ومِنْ مَعانِيها أيضاً: العَوْدَةُ والرَّفْضُ والاِمْتِناعُ والاِنْتِقالُ.
يَرِد مُصْطلَح (رِدَّة) في الفقه في كتاب الطَّهارَةِ، باب: الغُسْل، وباب: نَواقِض الوُضوءِ، وفي كتاب الصِّيامِ، باب: مُفْسِدات الصَّوْمِ، وفي كتاب النِّكاح، باب: الطَّلاق. ويرِد في عِلمِ العَقِيدَةِ، باب: تَوْحيد الأُلوهِيَّةِ، عند الكلام عن نَواقِض الإِسْلامِ، كَالسِّحْرِ، وادِّعاءِ عِلْمِ الغَيْبِ، وغَيْرِ ذلك.
ردد
الـخُرُوجُ مِن دِينِ الإِسْلامِ إلى الكُفْرِ.
الرِدَّةُ: هي الخُرُوجُ مِن دِينِ الإِسْلامِ إلى الكُفْرِ، وذلك بِسَبَبِ ارْتِكابِ ناقِضٍ مِن نَواقِضِ الإِسلامِ، والـمُرادُ بِالنّاقِضِ هنا: ما يُبْطِلُ إِسْلامَ العَبْدِ ويُفْسِدُهُ؛ سَواءٌ كان اعْتِقاداً، كاعْتِقادِ الشَّريكِ للهِ تعالى، أو قَوْلاً، كسَبِّ اللهِ تعالى أو سَبِّ رسُولِه صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ، أو عَمَلاً، كالذَّبْحِ لِغَيْرِ اللهِ تعالى، والسِّحْرِ.
الرِدَّةُ: الرُّجُوعُ والتَّحَوُّلُ، يُقالُ: اِرْتَدَّ عَنْ سَفَرِهِ، أيْ: رَجَعَ عَنْه، ومِنْ مَعانِيها أيضاً: العَوْدَةُ والرَّفْضُ والاِمْتِناعُ والاِنْتِقالُ.
تَكَرُّرُ نطق الْكَلِمَةِ الْوَاحِدَةِ عِنْدَ إِرَادَتِهَا مِنْ غَيْرِ تَمَالُكٍ لِلْإِمْسَاكِ عَنْهَا. والواحد الرَّدَادُ.
* معجم مقاييس اللغة : (2/318)
* مختار الصحاح : (ص 121)
* لسان العرب : (3/173)
* المصباح المنير في غريب الشرح الكبير : (2/382)
* المطلع على ألفاظ المقنع : (ص 41)
* التوقيف على مهمات التعاريف : (ص 176)
* حاشية ابن عابدين : (4/221)
* مواهب الجليل في شرح مختصر خليل : (8/62)
* نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج : (7/413)
* معجم مقاليد العلوم في الحدود والرسوم : (ص 59)
* معجم لغة الفقهاء : (ص 221) -
التَّعْرِيفُ:
1 - الرِّدَّةُ لُغَةً: الرُّجُوعُ عَنِ الشَّيْءِ، وَمِنْهُ الرِّدَّةُ عَنِ الإِْسْلاَمِ.
يُقَال: ارْتَدَّ عَنْهُ ارْتِدَادًا أَيْ تَحَوَّل. وَالاِسْمُ الرِّدَّةُ، وَالرِّدَّةُ عَنِ الإِْسْلاَمِ: الرُّجُوعُ عَنْهُ. وَارْتَدَّ فُلاَنٌ عَنْ دِينِهِ إِذَا كَفَرَ بَعْدَ إِسْلاَمِهِ (1) .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: (الرِّدَّةُ: كُفْرُ الْمُسْلِمِ بِقَوْلٍ صَرِيحٍ أَوْ لَفْظٍ يَقْتَضِيهِ أَوْ فِعْلٍ يَتَضَمَّنُهُ (2)) .
شَرَائِطُ الرِّدَّةِ:
2 - لاَ تَقَعُ الرِّدَّةُ مِنَ الْمُسْلِمِ إِلاَّ إِذَا تَوَفَّرَتْ شَرَائِطُ الْبُلُوغِ وَالْعَقْل وَالاِخْتِيَارِ (2) . رِدَّةُ الصَّبِيِّ:
3 - رِدَّةُ الصَّبِيِّ لاَ تُعْتَبَرُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَالشَّافِعِيِّ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى مُقْتَضَى الْقِيَاسِ، وَقَوْلٌ لأَِحْمَدَ (3) .
وَقَال أَبُو حَنِيفَةَ فِي الرِّوَايَةِ الأُْخْرَى وَمُحَمَّدٌ: يُحْكَمُ بِرِدَّةِ الصَّبِيِّ اسْتِحْسَانًا (4) ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ وَالْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ (5) .
الْمُرْتَدُّ قَبْل الْبُلُوغِ لاَ يُقْتَل:
4 - ذَهَبَ الْقَائِلُونَ بِوُقُوعِ رِدَّةِ الصَّبِيِّ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُقْتَل قَبْل بُلُوغِهِ (6) .
وَقَال الشَّافِعِيُّ: إِنَّ الصَّبِيَّ إِذَا ارْتَدَّ لاَ يُقْتَل حَتَّى بَعْدَ بُلُوغِهِ، قَال فِي الأُْمِّ: (فَمَنْ أَقَرَّ بِالإِْيمَانِ قَبْل الْبُلُوغِ وَإِنْ كَانَ عَاقِلاً، ثُمَّ ارْتَدَّ قَبْل الْبُلُوغِ أَوْ بَعْدَهُ، ثُمَّ لَمْ يَتُبْ بَعْدَ الْبُلُوغِ، فَلاَ يُقْتَل؛ لأَِنَّ إِيمَانَهُ لَمْ يَكُنْ وَهُوَ بَالِغٌ، وَيُؤْمَرُ بِالإِْيمَانِ، وَيُجْهَدُ عَلَيْهِ بِلاَ قَتْلٍ (7)) .
رِدَّةُ الْمَجْنُونِ:
5 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لاَ صِحَّةَ لإِِسْلاَمِ مَجْنُونٍ وَلاَ لِرِدَّتِهِ (8) .
وَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ: أَنَّ أَحْكَامَ الإِْسْلاَمِ تَبْقَى سَائِرَةً عَلَيْهِ (9) .
لَكِنْ إِنْ كَانَ يُجَنُّ سَاعَةً وَيُفِيقُ أُخْرَى، فَإِنْ كَانَتْ رِدَّتُهُ فِي إِفَاقَتِهِ وَقَعَتْ، وَإِنْ كَانَتْ فِي جُنُونِهِ لاَ تَقَعُ، كَمَا نَقَل ذَلِكَ الْكَاسَانِيُّ (10) .
رِدَّةُ السَّكْرَانِ:
6 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيَّةِ: إِلَى أَنَّ رِدَّةَ السَّكْرَانِ لاَ تُعْتَبَرُ، وَحُجَّتُهُمْ فِي ذَلِكَ: أَنَّ الرِّدَّةَ تُبْنَى عَلَى الاِعْتِقَادِ، وَالسَّكْرَانُ غَيْرُ مُعْتَقِدٍ لِمَا يَقُول (11) .
وَذَهَبَ أَحْمَدُ فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ، وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْمَذْهَبِ إِلَى وُقُوعِ رِدَّةِ السَّكْرَانِ، وَحُجَّتُهُمْ: أَنَّ الصَّحَابَةَ أَقَامُوا حَدَّ الْقَذْفِ عَلَى السَّكْرَانِ، وَأَنَّهُ يَقَعُ طَلاَقُهُ، فَتَقَعُ رِدَّتُهُ، وَأَنَّهُ مُكَلَّفٌ، وَأَنَّ عَقْلَهُ لاَ يَزُول كُلِّيًّا، فَهُوَ أَشْبَهُ بِالنَّاعِسِ مِنْهُ بِالنَّائِمِ أَوِ الْمَجْنُونِ (12) .
الْمُكْرَهُ عَلَى الرِّدَّةِ:
7 - الإِْكْرَاهُ: اسْمٌ لِفِعْلٍ يَفْعَلُهُ الْمَرْءُ بِغَيْرِهِ، فَيَنْتَفِي بِهِ رِضَاهُ، أَوْ يَفْسُدُ بِهِ اخْتِيَارُهُ، مِنْ غَيْرِ أَنْ تَنْعَدِمَ بِهِ أَهْلِيَّتُهُ، أَوْ يَسْقُطَ عَنْهُ الْخِطَابُ (13) .
وَالإِْكْرَاهُ نَوْعَانِ: نَوْعٌ يُوجِبُ الإِْلْجَاءَ وَالاِضْطِرَارَ طَبْعًا، كَالإِْكْرَاهِ بِالْقَتْل أَوِ الْقَطْعِ أَوِ الضَّرْبِ الَّذِي يُخَافُ فِيهِ تَلَفُ النَّفْسِ أَوِ الْعُضْوِ، قَل الضَّرْبُ أَوْ كَثُرَ. وَهَذَا النَّوْعُ يُسَمَّى إِكْرَاهًا تَامًّا.
وَنَوْعٌ لاَ يُوجِبُ الإِْلْجَاءَ وَالاِضْطِرَارَ، وَهُوَ الْحَبْسُ أَوِ الْقَيْدُ أَوِ الضَّرْبُ الَّذِي لاَ يُخَافُ مِنْهُ التَّلَفُ، وَهَذَا النَّوْعُ مِنَ الإِْكْرَاهِ يُسَمَّى إِكْرَاهًا نَاقِصًا (14) .
8 - وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى الْكُفْرِ فَأَتَى بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ، لَمْ يَصِرْ كَافِرًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى : {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِْيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ (15) } .
وَمَا نُقِل مِنْ أَنَّ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ - ﵄ - حَمَلَهُ الْمُشْرِكُونَ عَلَى مَا يَكْرَهُ فَجَاءَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَال لَهُ: إِنْ عَادُوا فَعُدْ (16) ، وَهَذَا فِي الإِْكْرَاهِ التَّامِّ (17) .
9 - وَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى الإِْسْلاَمِ فَأَسْلَمَ ثُمَّ ارْتَدَّ قَبْل أَنْ يُوجَدَ مِنْهُ مَا يَدُل عَلَى الإِْسْلاَمِ طَوْعًا، مِثْل أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الإِْسْلاَمِ بَعْدَ زَوَال الإِْكْرَاهِ، فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لاَ يَجُوزُ إِكْرَاهُهُمْ عَلَى الإِْسْلاَمِ - وَهُمْ أَهْل الذِّمَّةِ وَالْمُسْتَأْمَنُونَ - فَلاَ يُعْتَبَرُ مُرْتَدًّا، وَلاَ يَجُوزُ قَتْلُهُ وَلاَ إِجْبَارُهُ عَلَى الإِْسْلاَمِ؛ لِعَدَمِ صِحَّةِ إِسْلاَمِهِ ابْتِدَاءً.
أَمَّا إِنْ كَانَ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى الإِْسْلاَمِ مِمَّنْ يَجُوزُ إِكْرَاهُهُ وَهُوَ الْحَرْبِيُّ وَالْمُرْتَدُّ، فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ مُرْتَدًّا بِرُجُوعِهِ عَنِ الإِْسْلاَمِ، وَيُطَبَّقُ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُرْتَدِّينَ (18) . مَا تَقَعُ بِهِ الرِّدَّةُ:
10 - تَنْقَسِمُ الأُْمُورُ الَّتِي تَحْصُل بِهَا الرِّدَّةُ إِلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ:
أ - رِدَّةٌ فِي الاِعْتِقَادِ.
ب - رِدَّةٌ فِي الأَْقْوَال.
ج - رِدَّةٌ فِي الأَْفْعَال.
د - رِدَّةٌ فِي التَّرْكِ.
إِلاَّ أَنَّ هَذِهِ الأَْقْسَامَ تَتَدَاخَل، فَمَنِ اعْتَقَدَ شَيْئًا عَبَّرَ عَنْهُ بِقَوْلٍ، أَوْ فِعْلٍ، أَوْ تَرْكٍ.
مَا يُوجِبُ الرِّدَّةَ مِنْ الاِعْتِقَادِ:
11 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ مَنْ أَشْرَكَ بِاللَّهِ، أَوْ جَحَدَهُ، أَوْ نَفَى صِفَةً ثَابِتَةً مِنْ صِفَاتِهِ، أَوْ أَثْبَتَ لِلَّهِ الْوَلَدَ فَهُوَ مُرْتَدٌّ كَافِرٌ (19) .
وَكَذَلِكَ مَنْ قَال بِقِدَمِ الْعَالَمِ أَوْ بَقَائِهِ، أَوْ شَكَّ فِي ذَلِكَ (20) . وَدَلِيلُهُمْ قَوْله تَعَالَى: {كُل شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ (21) } .
وَقَال ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: (لأَِنَّ حُدُوثَ الْعَالَمِ مِنْ قَبِيل مَا اجْتَمَعَ فِيهِ الإِْجْمَاعُ وَالتَّوَاتُرُ، بِالنَّقْل عَنْ صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ، فَيَكْفُرُ بِسَبَبِ مُخَالَفَتِهِ النَّقْل الْمُتَوَاتِرَ (22)) .
12 - وَيَكْفُرُ مَنْ جَحَدَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ (23) ، وَلَوْ كَلِمَةً. وَقَال الْبَعْضُ: بَل يَحْصُل الْكُفْرُ بِجَحْدِ حَرْفٍ وَاحِدٍ (24) . كَمَا يَقَعُ الْكُفْرُ بِاعْتِقَادِ تَنَاقُضِهِ وَاخْتِلاَفِهِ، أَوِ الشَّكِّ بِإِعْجَازِهِ، وَالْقُدْرَةِ عَلَى مِثْلِهِ، أَوْ إِسْقَاطِ حُرْمَتِهِ (25) ، أَوِ الزِّيَادَةِ فِيهِ (26) .
أَمَّا تَفْسِيرُ الْقُرْآنِ وَتَأْوِيلُهُ، فَلاَ يَكْفُرُ جَاحِدُهُ، وَلاَ رَادُّهُ؛ لأَِنَّهُ أَمْرٌ اجْتِهَادِيٌّ مِنْ فِعْل الْبَشَرِ.
وَقَدْ نَصَّ ابْنُ قُدَامَةَ عَلَى أَنَّ اسْتِحْلاَل دِمَاءِ الْمَعْصُومِينَ وَأَمْوَالِهِمْ، إِنْ جَرَى بِتَأْوِيل الْقُرْآنِ - كَمَا فَعَل الْخَوَارِجُ - لَمْ يَكْفُرْ صَاحِبُهُ (27) . وَلَعَل السَّبَبَ أَنَّ الاِسْتِحْلاَل جَرَى بِاجْتِهَادٍ خَاطِئٍ، فَلاَ يَكْفُرُ صَاحِبُهُ.
13 - وَكَذَلِكَ يُعْتَبَرُ مُرْتَدًّا مَنِ اعْتَقَدَ كَذِبَ النَّبِيِّ ﷺ فِي بَعْضِ مَا جَاءَ بِهِ، وَمَنِ اعْتَقَدَ حِل شَيْءٍ مُجْمَعٍ عَلَى تَحْرِيمِهِ، كَالزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ، أَوْ أَنْكَرَ أَمْرًا مَعْلُومًا مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ (28) .
حُكْمُ سَبِّ اللَّهِ تَعَالَى:
14 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ مَنْ سَبَّ اللَّهَ تَعَالَى كَفَرَ، سَوَاءٌ كَانَ مَازِحًا أَوْ جَادًّا أَوْ مُسْتَهْزِئًا (29) .
وَقَدْ قَال تَعَالَى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُل أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ (30) } .
وَاخْتَلَفُوا فِي قَبُول تَوْبَتِهِ:
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ (31) وَالْحَنَابِلَةُ (32) إِلَى قَبُولِهَا، وَهُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ (33) .
وَلَمْ نَجِدْ لِلشَّافِعِيَّةِ تَفْرِقَةً بَيْنَ الرِّدَّةِ بِذَلِكَ وَبَيْنَ الرِّدَّةِ بِغَيْرِهِ. حُكْمُ سَبِّ الرَّسُول ﷺ:
15 - السَّبُّ هُوَ الْكَلاَمُ الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ الاِنْتِقَادُ وَالاِسْتِخْفَافُ، وَهُوَ مَا يُفْهَمُ مِنْهُ السَّبُّ فِي عُقُول النَّاسِ، عَلَى اخْتِلاَفِ اعْتِقَادَاتِهِمْ، كَاللَّعْنِ وَالتَّقْبِيحِ (34) .
وَحُكْمُ سَابِّهِ ﷺ أَنَّهُ مُرْتَدٌّ بِلاَ خِلاَفٍ (35) .
وَيُعْتَبَرُ سَابًّا لَهُ ﷺ كُل مَنْ أَلْحَقَ بِهِ ﷺ عَيْبًا أَوْ نَقْصًا، فِي نَفْسِهِ، أَوْ نَسَبِهِ، أَوْ دِينِهِ، أَوْ خَصْلَةٍ مِنْ خِصَالِهِ، أَوِ ازْدَرَاهُ، أَوْ عَرَّضَ بِهِ، أَوْ لَعَنَهُ (36) ، أَوْ شَتَمَهُ، أَوْ عَابَهُ، أَوْ قَذَفَهُ، أَوِ اسْتَخَفَّ بِهِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ (37) .
هَل يُقْتَل السَّابُّ رِدَّةً أَمْ حَدًّا؟
16 - قَال الْحَنَفِيَّةُ (38) وَالْحَنَابِلَةُ (39) وَابْنُ تَيْمِيَّةَ (40) : إِنَّ سَابَّ النَّبِيِّ ﷺ يُعْتَبَرُ مُرْتَدًّا، كَأَيِّ مُرْتَدٍّ؛ لأَِنَّهُ بَدَّل دِينَهُ فَيُسْتَتَابُ، وَتُقْبَل تَوْبَتُهُ.
أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ - فِيمَا يَنْقُلُهُ السُّبْكِيُّ - فَيَرَوْنَ أَنَّ سَبَّ النَّبِيِّ ﷺ رِدَّةٌ وَزِيَادَةٌ، وَحُجَّتُهُمْ أَنَّ السَّابَّ كَفَرَ أَوَّلاً، فَهُوَ مُرْتَدٌّ، وَأَنَّهُ سَبَّ النَّبِيَّ ﷺ فَاجْتَمَعَتْ عَلَى قَتْلِهِ عِلَّتَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا تُوجِبُ قَتْلَهُ (41)
وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّ سَابَّ النَّبِيِّ ﷺ لاَ يُسْتَتَابُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ كَافِرًا فَيُسْلِمَ (42) .
حُكْمُ سَبِّ الأَْنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ:
17 - مِنَ الأَْنْبِيَاءِ مَنْ هُمْ مَحَل اتِّفَاقٍ عَلَى نُبُوَّتِهِمْ، فَمَنْ سَبَّهُمْ فَكَأَنَّمَا سَبَّ نَبِيَّنَا ﷺ وَسَابُّهُ كَافِرٌ، فَكَذَا كُل نَبِيٍّ مَقْطُوعٍ بِنُبُوَّتِهِ، وَعَلَى ذَلِكَ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ (43) .
وَإِنْ كَانَ نَبِيًّا غَيْرَ مَقْطُوعٍ بِنُبُوَّتِهِ، فَمَنْ سَبَّهُ زُجِرَ، وَأُدِّبَ وَنُكِّل بِهِ، لَكِنْ لاَ يُقْتَل، صَرَّحَ بِهَذَا الْحَنَفِيَّةُ (44) .
حُكْمُ سَبِّ زَوْجَاتِ النَّبِيِّ ﷺ:
18 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ مَنْ قَذَفَ عَائِشَةَ ﵂، فَقَدْ كَذَّبَ صَرِيحَ الْقُرْآنِ الَّذِي نَزَل بِحَقِّهَا، وَهُوَ بِذَلِكَ كَافِرٌ (45) قَال تَعَالَى فِي حَدِيثِ الإِْفْكِ بَعْدَ أَنْ بَرَّأَهَا اللَّهُ مِنْهُ: {يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (46) } .
فَمَنْ عَادَ لِذَلِكَ فَلَيْسَ بِمُؤْمِنٍ (47) .
وَهَل تُعْتَبَرُ مِثْلَهَا سَائِرُ زَوْجَاتِ النَّبِيِّ ﷺ وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ؟ قَال الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الصَّحِيحِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: إِنَّهُنَّ مِثْلُهَا فِي ذَلِكَ (48) . وَاسْتَدَل لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (49) } .
وَالطَّعْنُ بِهِنَّ يَلْزَمُ مِنْهُ الطَّعْنُ بِالرَّسُول ﷺ وَالْعَارُ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ مَمْنُوعٌ.
وَالْقَوْل الآْخَرُ وَهُوَ مَذْهَبٌ لِلشَّافِعِيَّةِ وَالرِّوَايَةُ الأُْخْرَى لِلْحَنَابِلَةِ: إِنَّهُنَّ - سِوَى عَائِشَةَ - كَسَائِرِ الصَّحَابَةِ، وَسَابُّهُنَّ يُجْلَدُ، لأَِنَّهُ قَاذِفٌ (50) .
أَمَّا سَابُّ الْخُلَفَاءِ فَهُوَ لاَ يَكْفُرُ، وَتَوْبَتُهُ مَقْبُولَةٌ (51) .
حُكْمُ مَنْ قَال لِمُسْلِمٍ يَا كَافِرُ:
19 - عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: أَيُّمَا امْرِئٍ قَال لأَِخِيهِ: يَا كَافِرُ، فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا إِنْ كَانَ كَمَا قَال، وَإِلاَّ رَجَعَتْ عَلَيْهِ (52)
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ بِفِسْقِ الْقَائِل. قَال السَّمَرْقَنْدِيُّ: وَأَمَّا التَّعْزِيرُ فَيَجِبُ فِي جِنَايَةٍ لَيْسَتْ بِمُوجِبَةٍ لِلْحَدِّ، بِأَنْ قَال: يَا كَافِرُ، أَوْ يَا فَاسِقُ، أَوْ يَا فَاجِرُ (53) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ مَنْ أَطْلَقَ الشَّارِعُ كُفْرَهُ، مِثْل قَوْلِهِ ﷺ: مَنْ أَتَى كَاهِنًا أَوْ عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُول فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِل عَلَى مُحَمَّدٍ ﷺ (54) .
فَهَذَا كُفْرٌ لاَ يُخْرِجُ عَنِ الإِْسْلاَمِ بَل هُوَ تَشْدِيدٌ.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: مَنْ كَفَّرَ مُسْلِمًا وَلَوْ لِذَنْبِهِ كَفَرَ؛ لأَِنَّهُ سَمَّى الإِْسْلاَمَ كُفْرًا، وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ: مَنْ دَعَا رَجُلاً بِالْكُفْرِ أَوْ قَال عَدُوَّ اللَّهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إِلاَّ حَارَ عَلَيْهِ (55) . أَيْ رَجَعَ عَلَيْهِ هَذَا إِنْ كَفَّرَهُ بِلاَ تَأْوِيلٍ لِلْكُفْرِ بِكُفْرِ النِّعْمَةِ أَوْ نَحْوِهِ وَإِلاَّ فَلاَ يَكْفُرُ، وَهَذَا مَا نَقَلَهُ الأَْصْل عَنِ الْمُتَوَلِّي، وَأَقَرَّهُ، وَالأَْوْجَهُ مَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَنَّ الْخَبَرَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُسْتَحِل فَلاَ يَكْفُرُ غَيْرُهُ، وَعَلَيْهِ يُحْمَل قَوْلُهُ فِي أَذْكَارِهِ أَنَّ ذَلِكَ يُحَرَّمُ تَحْرِيمًا مُغَلَّظًا (56) .
مَا يُوجِبُ الرِّدَّةَ مِنَ الأَْفْعَال:
20 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ إِلْقَاءَ الْمُصْحَفِ كُلِّهِ فِي مَحَلٍّ قَذِرٍ يُوجِبُ الرِّدَّةَ؛ لأَِنَّ فِعْل ذَلِكَ اسْتِخْفَافٌ بِكَلاَمِ اللَّهِ تَعَالَى، فَهُوَ أَمَارَةُ عَدَمِ التَّصْدِيقِ (57) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ: وَكَذَا إِلْقَاءُ بَعْضِهِ. وَكَذَا كُل فِعْلٍ يَدُل عَلَى الاِسْتِخْفَافِ بِالْقُرْآنِ الْكَرِيمِ (58) .
كَمَا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مَنْ سَجَدَ لِصَنَمٍ، أَوْ لِلشَّمْسِ، أَوْ لِلْقَمَرِ فَقَدْ كَفَرَ (59) .
وَمَنْ أَتَى بِفِعْلٍ صَرِيحٍ فِي الاِسْتِهْزَاءِ بِالإِْسْلاَمِ، فَقَدْ كَفَرَ. قَال بِهَذَا الْحَنَفِيَّةُ (60) وَدَلِيلُهُمْ قَوْله تَعَالَى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُل أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (61) } .
الرِّدَّةُ لِتَرْكِ الصَّلاَةِ:
21 - لاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ مَنْ تَرَكَ الصَّلاَةَ جَاحِدًا لَهَا يَكُونُ مُرْتَدًّا (62) ، وَكَذَا الزَّكَاةُ وَالصَّوْمُ وَالْحَجُّ؛ لأَِنَّهَا مِنَ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ الْمَعْلُومِ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ (63) .
وَأَمَّا تَارِكُ الصَّلاَةِ كَسَلاً فَفِي حُكْمِهِ ثَلاَثَةُ أَقْوَالٍ:
أَحَدُهَا: يُقْتَل رِدَّةً، وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَقَوْل سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَعَامِرٍ الشَّعْبِيِّ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَأَبِي عَمْرٍو، وَالأَْوْزَاعِيِّ، وَأَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ، وَعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَحَكَاهُ الطَّحَاوِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ نَفْسِهِ، وَحَكَاهُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَغَيْرِهِمْ مِنَ الصَّحَابَةِ. وَالْقَوْل الثَّانِي: يُقْتَل حَدًّا لاَ كُفْرًا، وَهُوَ قَوْل مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ، وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ (64) .
وَالْقَوْل الثَّالِثُ: أَنَّ مَنْ تَرَكَ الصَّلاَةَ كَسَلاً يَكُونُ فَاسِقًا وَيُحْبَسُ حَتَّى يُصَلِّيَ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ (65) .
جِنَايَاتُ الْمُرْتَدِّ وَالْجِنَايَةُ عَلَيْهِ:
22 - جِنَايَاتُ الْمُرْتَدِّ عَلَى غَيْرِهِ لاَ تَخْلُو: إِمَّا أَنْ تَكُونَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً، وَكُلٌّ مِنْهَا، إِمَّا أَنْ تَقَعَ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ ذِمِّيٍّ، أَوْ مُسْتَأْمَنٍ، أَوْ مُرْتَدٍّ مِثْلِهِ.
وَهَذِهِ الْجِنَايَاتُ إِمَّا أَنْ تَكُونَ عَلَى النَّفْسِ بِالْقَتْل، أَوْ عَلَى مَا دُونَهَا، كَالْقَطْعِ وَالْجَرْحِ، أَوْ عَلَى الْعِرْضِ كَالزِّنَى وَالْقَذْفِ، أَوْ عَلَى الْمَال كَالسَّرِقَةِ وَقَطْعِ الطَّرِيقِ. وَهَذِهِ الْجِنَايَاتُ قَدْ تَقَعُ فِي بِلاَدِ الإِْسْلاَمِ، ثُمَّ يَهْرُبُ الْمُرْتَدُّ إِلَى بِلاَدِ الْحَرْبِ، أَوْ لاَ يَهْرُبُ، أَوْ تَقَعُ فِي بِلاَدِ الْحَرْبِ، ثُمَّ يَنْتَقِل الْمُرْتَدُّ إِلَى بِلاَدِ الإِْسْلاَمِ.
وَقَدْ تَقَعُ مِنْهُ هَذِهِ كُلُّهَا فِي إِسْلاَمِهِ، أَوْ رِدَّتِهِ، وَقَدْ يَسْتَمِرُّ عَلَى رِدَّتِهِ أَوْ يَعُودُ مُسْلِمًا، وَقَدْ تَقَعُ مِنْهُ مُنْفَرِدًا، أَوْ فِي جَمَاعَةٍ، أَوْ أَهْل بَلَدٍ.
وَمِثْل هَذَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَال فِي الْجِنَايَةِ عَلَى الْمُرْتَدِّ. جِنَايَةُ الْمُرْتَدِّ عَلَى النَّفْسِ:
23 - إِذَا قَتَل مُرْتَدٌّ مُسْلِمًا عَمْدًا فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ، اتِّفَاقًا (66) .
أَمَّا إِذَا قَتَل الْمُرْتَدُّ ذِمِّيًّا أَوْ مُسْتَأْمَنًا عَمْدًا فَيُقْتَل بِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ (67) وَالْحَنَابِلَةِ (68) وَهُوَ أَظْهَرُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ (69) ؛ لأَِنَّهُ أَسْوَأُ حَالاً مِنَ الذِّمِّيِّ، إِذِ الْمُرْتَدُّ مُهْدَرُ الدَّمِ وَلاَ تَحِل ذَبِيحَتُهُ، وَلاَ مُنَاكَحَتُهُ، وَلاَ يُقَرُّ بِالْجِزْيَةِ.
وَلاَ يُقْتَل عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَهُوَ الْقَوْل الآْخَرُ لِلشَّافِعِيِّ لِبَقَاءِ عُلْقَةِ الإِْسْلاَمِ؛ لأَِنَّهُ لاَ يُقَرُّ عَلَى رِدَّتِهِ (70) .
وَإِذَا قَتَل الْمُرْتَدُّ حُرًّا مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا خَطَأً وَجَبَتِ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ، وَلاَ تَكُونُ عَلَى عَاقِلَتِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.
وَالدِّيَةُ يُشْتَرَطُ لَهَا عِصْمَةُ الدَّمِ لاَ الإِْسْلاَمُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ؛ لأَِنَّهُ قَدْ حَل دَمُهُ وَصَارَ بِمَنْزِلَةِ أَهْل الْحَرْبِ (71) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: بِأَنَّ الضَّمَانَ عَلَى بَيْتِ الْمَال؛ لأَِنَّ بَيْتَ الْمَال يَأْخُذُ أَرْشَ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ مِمَّنْ جَنَى فَكَمَا يَأْخُذُ مَالَهُ يَغْرَمُ عَنْهُ. وَهَذَا إِنْ لَمْ يَتُبْ. فَإِنْ تَابَ فَقِيل: فِي مَالِهِ، وَقِيل: عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَقِيل: عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَقِيل: عَلَى مَنِ ارْتَدَّ إِلَيْهِمْ (72) .
جِنَايَةُ الْمُرْتَدِّ عَلَى مَا دُونَ النَّفْسِ:
24 - قَال الْمَالِكِيَّةُ: لاَ فَرْقَ فِي جِنَايَةِ الْمُرْتَدِّ بَيْنَ مَا إِذَا كَانَتْ عَلَى النَّفْسِ أَوْ عَلَى مَا دُونَهَا، وَلاَ يُقْتَل الْمُرْتَدُّ بِالذِّمِّيِّ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ لِزِيَادَتِهِ عَلَى الذِّمِّيِّ بِالإِْسْلاَمِ الْحُكْمِيِّ.
وَقَال ابْنُ قُدَامَةَ: يُقْتَل الْمُرْتَدُّ بِالْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ. وَإِنْ قَطَعَ طَرَفًا مِنْ أَحَدِهِمَا فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ فِيهِ أَيْضًا.
وَقَال بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: لاَ يُقْتَل الْمُرْتَدُّ بِالذِّمِّيِّ وَلاَ يُقْطَعُ طَرَفُهُ بِطَرَفِهِ؛ لأَِنَّ أَحْكَامَ الإِْسْلاَمِ فِي حَقِّهِ بَاقِيَةٌ بِدَلِيل وُجُوبِ الْعِبَادَاتِ عَلَيْهِ وَمُطَالَبَتِهِ بِالإِْسْلاَمِ. قَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَلَنَا: أَنَّهُ كَافِرٌ فَيُقْتَل بِالذِّمِّيِّ كَالأَْصْلِيِّ.
وَفِي مُغْنِي الْمُحْتَاجِ: الأَْظْهَرُ قَتْل الْمُرْتَدِّ بِالذِّمِّيِّ لاِسْتِوَائِهِمَا فِي الْكُفْرِ. بَل الْمُرْتَدُّ أَسْوَأُ حَالاً مِنَ الذِّمِّيِّ لأَِنَّهُ مُهْدَرُ الدَّمِ فَأَوْلَى أَنْ يُقْتَل بِالذِّمِّيِّ (73) .
زِنَى الْمُرْتَدِّ:
25 - إِذَا زَنَى مُرْتَدٌّ أَوْ مُرْتَدَّةٌ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْصَنًا جُلِدَ. وَإِنْ كَانَ مُحْصَنًا فَفِي زَوَال الإِْحْصَانِ بِرِدَّتِهِ خِلاَفٌ. أَسَاسُهُ الْخِلاَفُ فِي شُرُوطِ الإِْحْصَانِ، هَل مِنْ بَيْنِهَا الإِْسْلاَمُ أَمْ لاَ؟
قَال الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ: مَنِ ارْتَدَّ بَطَل إِحْصَانُهُ، إِلاَّ أَنْ يَتُوبَ أَوْ يَتَزَوَّجَ ثَانِيَةً (74) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَأَبُو يُوسُفَ: إِنَّ الرِّدَّةَ لاَ تُؤَثِّرُ فِي الإِْحْصَانِ؛ لأَِنَّ الإِْسْلاَمَ لَيْسَ مِنْ شُرُوطِ الإِْحْصَانِ (75) . قَذْفُ الْمُرْتَدِّ غَيْرَهُ:
26 - إِذَا قَذَفَ الْمُرْتَدُّ غَيْرَهُ، وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِشُرُوطِهِ، إِلاَّ أَنْ يَحْصُل مِنْهُ ذَلِكَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، حَيْثُ لاَ سُلْطَةَ لِلْمُسْلِمِينَ. وَالْقَضِيَّةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى شَرَائِطِ الْقَذْفِ، وَلَيْسَ مِنْ بَيْنِهَا إِسْلاَمُ الْقَاذِفِ (76) .
إِتْلاَفُ الْمُرْتَدِّ الْمَال:
27 - إِذَا اعْتَدَى مُرْتَدٌّ عَلَى مَال غَيْرِهِ - فِي بِلاَدِ الإِْسْلاَمِ - فَهُوَ ضَامِنٌ بِلاَ خِلاَفٍ؛ لأَِنَّ الرِّدَّةَ جِنَايَةٌ، وَهِيَ لاَ تَمْنَحُ صَاحِبَهَا حَقَّ الاِعْتِدَاءِ (77) .
السَّرِقَةُ وَقَطْعُ الطَّرِيقِ:
28 - إِذَا سَرَقَ الْمُرْتَدُّ مَالاً، أَوْ قَطَعَ الطَّرِيقَ، فَهُوَ كَغَيْرِهِ مُؤَاخَذٌ بِذَلِكَ؛ لأَِنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرَائِطِ السَّرِقَةِ أَوْ قَطْعِ الطَّرِيقِ الإِْسْلاَمُ. لِذَا فَالْمُسْلِمُ وَالْمُرْتَدُّ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ (78) .
مَسْئُولِيَّةُ الْمُرْتَدِّ عَنْ جِنَايَاتِهِ قَبْل الرِّدَّةِ:
29 - إِذَا جَنَى مُسْلِمٌ عَلَى غَيْرِهِ، ثُمَّ ارْتَدَّ الْجَانِي يَكُونُ مُؤَاخَذًا بِكُل مَا فَعَل سَوَاءٌ اسْتَمَرَّ عَلَى رِدَّتِهِ أَوْ تَابَ عَنْهَا (79) .
الاِرْتِدَادُ الْجَمَاعِيُّ:
30 - الْمَقْصُودُ بِالاِرْتِدَادِ الْجَمَاعِيِّ: هُوَ أَنْ تُفَارِقَ الإِْسْلاَمَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِهِ، أَوْ أَهْل بَلَدٍ. كَمَا حَدَثَ عَلَى عَهْدِ الْخَلِيفَةِ الرَّاشِدِ أَبِي بَكْرٍ ﵁.
فَإِنْ حَصَل ذَلِكَ، فَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى وُجُوبِ قِتَالِهِمْ مُسْتَدِلِّينَ بِمَا فَعَلَهُ أَبُو بَكْرٍ بِأَهْل الرِّدَّةِ (80) .
ثُمَّ اخْتَلَفُوا بِمَصِيرِ دَارِهِمْ عَلَى قَوْلَيْنِ:
الأَْوَّل لِلْجُمْهُورِ (الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ) : إِذَا أَظْهَرُوا أَحْكَامَ الشِّرْكِ فِيهَا، فَقَدْ صَارَتْ دَارُهُمْ دَارَ حَرْبٍ؛ لأَِنَّ الْبُقْعَةَ إِنَّمَا تُنْسَبُ إِلَيْنَا، أَوْ إِلَيْهِمْ بِاعْتِبَارِ الْقُوَّةِ وَالْغَلَبَةِ. فَكُل مَوْضِعٍ ظَهَرَ فِيهِ أَحْكَامُ الشِّرْكِ فَهُوَ دَارُ حَرْبٍ، وَكُل مَوْضِعٍ كَانَ الظَّاهِرُ فِيهِ أَحْكَامَ الإِْسْلاَمِ، فَهُوَ دَارُ إِسْلاَمٍ.
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ﵁ إِنَّمَا تَصِيرُ دَارُ الْمُرْتَدِّينَ دَارَ حَرْبٍ بِثَلاَثِ شَرَائِطَ: أَوَّلاً: أَنْ تَكُونَ مُتَاخِمَةً أَرْضَ الشِّرْكِ، لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَرْضِ الْحَرْبِ دَارٌ لِلْمُسْلِمِينَ.
ثَانِيًا: أَنْ لاَ يَبْقَى فِيهَا مُسْلِمٌ آمِنٌ بِإِيمَانِهِ، وَلاَ ذِمِّيٌّ آمِنٌ بِأَمَانِهِ.
ثَالِثًا: أَنْ يُظْهِرُوا أَحْكَامَ الشِّرْكِ فِيهَا.
(فَأَبُو حَنِيفَةَ يَعْتَبِرُ تَمَامَ الْقَهْرِ وَالْقُوَّةِ؛ لأَِنَّ هَذِهِ الْبَلْدَةَ كَانَتْ مِنْ دَارِ الإِْسْلاَمِ مُحْرَزَةً لِلْمُسْلِمِينَ فَلاَ يَبْطُل ذَلِكَ الإِْحْرَازُ، إِلاَّ بِتَمَامِ الْقَهْرِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَذَلِكَ بِاسْتِجْمَاعِ الشَّرَائِطِ الثَّلاَثِ (1)) .
الْجِنَايَةُ عَلَى الْمُرْتَدِّ:
31 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا ارْتَدَّ مُسْلِمٌ فَقَدْ أُهْدِرَ دَمُهُ، لَكِنَّ قَتْلَهُ لِلإِْمَامِ أَوْ نَائِبِهِ، وَمَنْ قَتَلَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عُزِّرَ فَقَطْ؛ لأَِنَّهُ افْتَاتَ عَلَى حَقِّ الإِْمَامِ؛ لأَِنَّ إِقَامَةَ الْحَدِّ لَهُ (81) .
وَأَمَّا إِذَا قَتَلَهُ ذِمِّيٌّ، فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ (الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْظْهَرِ) إِلَى أَنَّهُ لاَ يُقْتَصُّ مِنَ الذِّمِّيِّ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الْقَوْل الآْخَرِ إِلَى أَنَّهُ يُقْتَصُّ مِنَ الذِّمِّيِّ (82) . الْجِنَايَةُ عَلَى الْمُرْتَدِّ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ:
32 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْجِنَايَةَ عَلَى الْمُرْتَدِّ هَدَرٌ؛ لأَِنَّهُ لاَ عِصْمَةَ لَهُ (83) .
أَمَّا إِذَا وَقَعَتِ الْجِنَايَةُ عَلَى مُسْلِمٍ ثُمَّ ارْتَدَّ فَسَرَتْ وَمَاتَ مِنْهَا، أَوْ وَقَعَتْ عَلَى مُرْتَدٍّ ثُمَّ أَسْلَمَ فَسَرَتْ وَمَاتَ مِنْهَا فَفِيهَا أَقْوَالٌ (84) تُنْظَرُ فِي بَابِ " الْقِصَاصِ " مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ.
قَذْفُ الْمُرْتَدِّ:
33 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَى قَاذِفِ الْمُرْتَدِّ، لأَِنَّ مِنْ شُرُوطِ وُجُوبِ حَدِّ الْقَذْفِ: أَنْ يَكُونَ الْمَقْذُوفُ مُسْلِمًا (85) . وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ: (قَذْف)
ثُبُوتُ الرِّدَّةِ:
34 - تَثْبُتُ الرِّدَّةُ بِالإِْقْرَارِ أَوْ بِالشَّهَادَةِ.
وَتَثْبُتُ الرِّدَّةُ عَنْ طَرِيقِ الشَّهَادَةِ، بِشَرْطَيْنِ:
أ - شَرْطُ الْعَدَدِ:
اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى الاِكْتِفَاءِ بِشَاهِدَيْنِ فِي ثُبُوتِ الرِّدَّةِ، وَلَمْ يُخَالِفْ فِي ذَلِكَ إِلاَّ الْحَسَنُ، فَإِنَّهُ اشْتَرَطَ شَهَادَةَ أَرْبَعَةٍ (86) .
ب - تَفْصِيل الشَّهَادَةِ:
يَجِبُ التَّفْصِيل فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الرِّدَّةِ بِأَنْ يُبَيِّنَ الشُّهُودُ وَجْهَ كُفْرِهِ، نَظَرًا لِلْخِلاَفِ فِي مُوجِبَاتِهَا، وَحِفَاظًا عَلَى الأَْرْوَاحِ (87) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ: (إِثْبَات، وَشَهَادَة) .
وَإِذَا ثَبَتَتِ الرِّدَّةُ بِالإِْقْرَارِ وَبِالشَّهَادَةِ فَإِنَّهُ يُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابَ وَإِلاَّ قُتِل.
وَإِنْ أَنْكَرَ الْمُرْتَدُّ مَا شُهِدَ بِهِ عَلَيْهِ اعْتُبِرَ إِنْكَارُهُ تَوْبَةً وَرُجُوعًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فَيَمْتَنِعُ الْقَتْل فِي حَقِّهِ (88) .
وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ: يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالشَّهَادَةِ وَلاَ يَنْفَعُهُ إِنْكَارُهُ، بَل يَلْزَمُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِمَا يَصِيرُ بِهِ الْكَافِرُ مُسْلِمًا (89) .
اسْتِتَابَةُ الْمُرْتَدِّ
حُكْمُهَا:
35 - ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ - فِي قَوْلٍ - وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ إِلَى أَنَّ اسْتِتَابَةَ الْمُرْتَدِّ غَيْرُ وَاجِبَةٍ. بَل مُسْتَحَبَّةٌ كَمَا يُسْتَحَبُّ الإِْمْهَال، إِنْ طَلَبَ الْمُرْتَدُّ ذَلِكَ، فَيُمْهَل ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ (90) . وَعِنْدَ مَالِكٍ تَجِبُ الاِسْتِتَابَةُ وَيُمْهَل ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ.
وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ (91) ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي أَظْهَرِ الأَْقْوَال يَجِبُ الاِسْتِتَابَةُ وَتَكُونُ فِي الْحَال فَلاَ يُمْهَل (92) .
وَثَبَتَتْ الاِسْتِتَابَةُ بِمَا وَرَدَ أَنَّ امْرَأَةً يُقَال لَهَا أُمُّ رُومَانَ ارْتَدَّتْ فَأَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ أَنْ يُعْرَضَ عَلَيْهَا الإِْسْلاَمُ فَإِنْ تَابَتْ وَإِلاَّ قُتِلَتْ (93) . وَلأَِثَرٍ عَنْ عُمَرَ ﵁ أَنَّهُ اسْتَتَابَ الْمُرْتَدَّ ثَلاَثًا (94) .
كَيْفِيَّةُ تَوْبَةِ الْمُرْتَدِّ:
36 - قَال الْحَنَفِيَّةُ: تَوْبَةُ الْمُرْتَدِّ أَنْ يَتَبَرَّأَ عَنِ الأَْدْيَانِ سِوَى الإِْسْلاَمِ، أَوْ عَمَّا انْتَقَل إِلَيْهِ بَعْدَ نُطْقِهِ بِالشَّهَادَتَيْنِ، وَلَوْ أَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ عَلَى وَجْهِ الْعَادَةِ أَوْ بِدُونِ التَّبَرِّي لَمْ يَنْفَعْهُ مَا لَمْ يَرْجِعْ عَمَّا قَال إِذْ لاَ يَرْتَفِعُ بِهِمَا كُفْرُهُ.
قَالُوا: إِنْ شَهِدَ الشَّاهِدَانِ عَلَى مُسْلِمٍ بِالرِّدَّةِ وَهُوَ مُنْكِرٌ لاَ يُتَعَرَّضْ لَهُ لاَ لِتَكْذِيبِ الشُّهُودِ، بَل لأَِنَّ إِنْكَارَهُ تَوْبَةٌ وَرُجُوعٌ، فَيَمْتَنِعُ الْقَتْل فَقَطْ وَتَثْبُتُ بَقِيَّةُ أَحْكَامِ الرِّدَّةِ.
قَال ابْنُ عَابِدِينَ: وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُونَ الإِْنْكَارُ مَعَ الإِْقْرَارِ بِالشَّهَادَتَيْنِ (95) .
وَإِذَا نَطَقَ الْمُرْتَدُّ بِالشَّهَادَتَيْنِ: صَحَّتْ تَوْبَتُهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ (96) ، لِقَوْلِهِ ﵊: أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِل النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، فَمَنْ قَال: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلاَّ بِحَقِّهِ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ (97) . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَحَيْثُ إِنَّ الشَّهَادَةَ يَثْبُتُ بِهَا إِسْلاَمُ الْكَافِرِ الأَْصْلِيِّ فَكَذَا الْمُرْتَدُّ. فَإِذَا ادَّعَى الْمُرْتَدُّ الإِْسْلاَمَ، وَرَفَضَ النُّطْقَ بِالشَّهَادَتَيْنِ، لاَ تَصِحُّ تَوْبَتُهُ (98) .
وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ الْمُرْتَدَّ إِنْ مَاتَ، فَأَقَامَ وَارِثُهُ بَيِّنَةً أَنَّهُ صَلَّى بَعْدَ الرِّدَّةِ: حُكِمَ بِإِسْلاَمِهِ (99) . وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ تَحْصُل تَوْبَةُ الْمُرْتَدِّ بِصَلاَتِهِ.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: لاَ بُدَّ فِي إِسْلاَمِ الْمُرْتَدِّ مِنَ الشَّهَادَتَيْنِ فَإِنْ كَانَ كُفْرُهُ لإِِنْكَارِ شَيْءٍ آخَرَ، كَمَنْ خَصَّصَ رِسَالَةَ مُحَمَّدٍ بِالْعَرَبِ أَوْ جَحَدَ فَرْضًا أَوْ تَحْرِيمًا فَيَلْزَمُهُ مَعَ الشَّهَادَتَيْنِ الإِْقْرَارُ بِمَا أَنْكَرَ (100) .
قَال الْحَنَابِلَةُ: وَلَوْ صَلَّى الْمُرْتَدُّ حُكِمَ بِإِسْلاَمِهِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ رِدَّتُهُ بِجَحْدِ فَرِيضَةٍ، أَوْ كِتَابٍ، أَوْ نَبِيٍّ، أَوْ مَلَكٍ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْبِدَعِ الْمُكَفِّرَةِ الَّتِي يَنْتَسِبُ أَهْلُهَا إِلَى الإِْسْلاَمِ، فَإِنَّهُ لاَ يُحْكَمُ بِإِسْلاَمِهِ بِمُجَرَّدِ صَلاَتِهِ؛ لأَِنَّهُ يَعْتَقِدُ وُجُوبَ الصَّلاَةِ وَيَفْعَلُهَا مَعَ كُفْرِهِ. وَأَمَّا لَوْ زَكَّى أَوْ صَامَ فَلاَ يَكْفِي ذَلِكَ لِلْحُكْمِ بِإِسْلاَمِهِ، لأَِنَّ الْكُفَّارَ يَتَصَدَّقُونَ، وَالصَّوْمُ أَمْرٌ بَاطِنٌ لاَ يُعْلَمُ (101) .
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي قَبُول تَوْبَةِ الزِّنْدِيقِ، وَتَوْبَةِ مَنْ تَكَرَّرَتْ رِدَّتُهُ، وَتَوْبَةُ السَّاحِرِ عَلَى أَقْوَالٍ يُنْظَرُ تَفْصِيلُهَا فِي مُصْطَلَحِ: (تَوْبَة) . تَوْبَةُ سَابِّ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ رَسُولِهِ ﷺ:
37 - قَال الْحَنَفِيَّةُ بِقَبُول تَوْبَةِ سَابِّ اللَّهِ تَعَالَى (102) . وَكَذَا الْحَنَابِلَةُ، مَعَ ضَرُورَةِ تَأْدِيبِ السَّابِّ وَعَدَمِ تَكَرُّرِ ذَلِكَ مِنْهُ ثَلاَثًا (103) .
وَفِي الْمَذْهَبِ الْمَالِكِيِّ خِلاَفٌ، الرَّاجِحُ عِنْدَهُمْ قَبُول تَوْبَتِهِ، وَهُوَ رَأْيُ ابْنِ تَيْمِيَّةَ (104) .
أَمَّا سَابُّ رَسُول اللَّهِ ﷺ فَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ (105) ، وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى قَبُول تَوْبَتِهِ (106) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: تُقْبَل تَوْبَةُ قَاذِفِهِ ﷺ عَلَى الأَْصَحِّ، وَقَال أَبُو بَكْرٍ الْفَارِسِيُّ: يُقْتَل حَدًّا وَلاَ يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ، وَقَال الصَّيْدَلاَنِيُّ: يُجْلَدُ ثَمَانِينَ جَلْدَةً؛ لأَِنَّ الرِّدَّةَ ارْتَفَعَتْ بِإِسْلاَمِهِ وَبَقِيَ جَلْدُهُ (107) .
وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: لاَ تُقْبَل تَوْبَتُهُ (108) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: مَنْ شَتَمَ نَبِيًّا مُجْمَعًا عَلَى نُبُوَّتِهِ بِقُرْآنٍ أَوْ نَحْوِهِ فَإِنَّهُ يُقْتَل وَلاَ تُقْبَل تَوْبَتُهُ؛ لأَِنَّ كُفْرَهُ يُشْبِهُ كُفْرَ الزِّنْدِيقِ، وَيُقْتَل حَدًّا لاَ كُفْرًا إِنْ قُتِل بَعْدَ تَوْبَتِهِ لأَِنَّ قَتْلَهُ حِينَئِذٍ لأَِجْل ازْدِرَائِهِ لاَ لأَِجْل كُفْرِهِ (109) . تَوْبَةُ مَنْ تَكَرَّرَتْ رِدَّتُهُ:
38 - مَنْ تَكَرَّرَتْ رِدَّتُهُ وَتَوْبَتُهُ قَال الأَْحْنَافُ وَالشَّافِعِيَّةُ: تُقْبَل تَوْبَتُهُ (110) . لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُل لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ (111) } وَقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِل النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُول اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلاَّ بِحَقِّ الإِْسْلاَمِ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ (112) .
وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَرِوَايَةٍ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: تَوْبَةُ مَنْ تَكَرَّرَتْ رِدَّتُهُ لاَ تُقْبَل (113) .
وَحُجَّتُهُمْ قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً (114) } وَلأَِنَّ تَكْرَارَ الرِّدَّةِ، دَلِيلٌ عَلَى فَسَادِ الْعَقِيدَةِ، وَقِلَّةِ الْمُبَالاَةِ (115) .
تَوْبَةُ السَّاحِرِ:
39 - قَال الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ: بِعَدَمِ قَبُول تَوْبَةِ السَّاحِرِ، وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ (116) (وانْظُرْ مُصْطَلَحَيْ: تَوْبَة، وَسِحْر) .
قَتْل الْمُرْتَدِّ:
40 - إِذَا ارْتَدَّ مُسْلِمٌ، وَكَانَ مُسْتَوْفِيًا لِشَرَائِطِ الرِّدَّةِ، أُهْدِرَ دَمُهُ، وَقَتْلُهُ لِلإِْمَامِ أَوْ نَائِبِهِ بَعْدَ الاِسْتِتَابَةِ (117) . فَلَوْ قُتِل قَبْل الاِسْتِتَابَةِ فَقَاتِلُهُ مُسِيءٌ، وَلاَ يَجِبُ بِقَتْلِهِ شَيْءٌ غَيْرَ التَّعْزِيرِ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ رَسُولاً لِلْكُفَّارِ فَلاَ يُقْتَل؛ لأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمْ يَقْتُل رُسُل مُسَيْلِمَةَ (118) . فَإِذَا قُتِل الْمُرْتَدُّ عَلَى رِدَّتِهِ، فَلاَ يُغَسَّل، وَلاَ يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَلاَ يُدْفَنُ مَعَ الْمُسْلِمِينَ (119) .
وَدَلِيل قَتْل الْمُرْتَدِّ قَوْل النَّبِيِّ ﷺ: مَنْ بَدَّل دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ (120) وَحَدِيثُ: لاَ يَحِل دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنِّي رَسُول اللَّهِ إِلاَّ بِإِحْدَى ثَلاَثٍ: النَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ (121) .
أَمَّا الْمُرْتَدَّةُ فَهِيَ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ كَالْمُرْتَدِّ (122) ، لِعُمُومِ قَوْلِهِ ﷺ: مَنْ بَدَّل دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ، وَلِمَا رَوَى جَابِرٌ أَنَّ امْرَأَةً يُقَال لَهَا أُمُّ رُومَانَ ارْتَدَّتْ فَأَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ أَنْ يُعْرَضَ عَلَيْهَا الإِْسْلاَمُ فَإِنْ تَابَتْ وَإِلاَّ قُتِلَتْ (123) .
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمُرْتَدَّةَ لاَ تُقْتَل، بَل تُحْبَسُ حَتَّى تَتُوبَ أَوْ تَمُوتَ، لِنَهْيِ النَّبِيِّ ﷺ عَنْ قَتْل الْكَافِرَةِ الَّتِي لاَ تُقَاتِل أَوْ تُحَرِّضُ عَلَى الْقِتَال (124) ، فَتُقَاسُ الْمُرْتَدَّةُ عَلَيْهَا (125) .
أَثَرُ الرِّدَّةِ عَلَى مَال الْمُرْتَدِّ وَتَصَرُّفَاتِهِ
:
دُيُونُ الْمُرْتَدِّ:
41 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْمُرْتَدَّ إِذَا مَاتَ أَوْ قُتِل عَلَى رِدَّتِهِ ابْتُدِئَ مِنْ تَرِكَتِهِ بِتَسْدِيدِ دُيُونِهِ (126) . لَكِنْ هَل يُسَدَّدُ مِنْ كَسْبِهِ فِي الإِْسْلاَمِ؟ أَمْ مِنْ كَسْبِهِ فِي الرِّدَّةِ؟ أَمْ مِنْهُمَا مَعًا؟
اخْتَلَفَ الْحَنَفِيَّةُ فِي ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى اخْتِلاَفِهِمْ فِي مَصِيرِ أَمْوَال الْمُرْتَدِّ وَتَصَرُّفَاتِهِ، وَفِي ذَلِكَ يَقُول السَّرَخْسِيُّ: اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَاتُ فِي قَضَاءِ دُيُونِهِ، فَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ﵁ أَنْ تُقْضَى دُيُونُهُ مِنْ كَسْبِ الرِّدَّةِ، فَإِنْ لَمْ يَفِ بِذَلِكَ فَحِينَئِذٍ مِنْ كَسْبِ الإِْسْلاَمِ؛ لأَِنَّ كَسْبَ الإِْسْلاَمِ حَقُّ وَرَثَتِهِ، وَلاَ حَقَّ لِوَرَثَتِهِ فِي كَسْبِ رِدَّتِهِ، بَل هُوَ خَالِصُ حَقِّهِ، فَلِهَذَا كَانَ فَيْئًا إِذَا قُتِل، فَكَانَ وَفَاءُ الدَّيْنِ مِنْ خَالِصِ حَقِّهِ أَوْلَى، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُبْدَأُ بِكَسْبِ الإِْسْلاَمِ فِي قَضَاءِ دُيُونِهِ، فَإِنْ لَمْ تَفِ بِذَلِكَ فَحِينَئِذٍ مِنْ كَسْبِ الرِّدَّةِ؛ لأَِنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ مِنْ مِلْكِ الْمَدْيُونِ. . فَأَمَّا كَسْبُ الرِّدَّةِ لَمْ يَكُنْ مَمْلُوكًا لَهُ، فَلاَ يُقْضَى دَيْنُهُ مِنْهُ، إِلاَّ إِذَا تَعَذَّرَ قَضَاؤُهُ مِنْ مَحَلٍّ آخَرَ.
وَرَوَى زُفَرُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ دُيُونَ إِسْلاَمِهِ تُقْضَى مِنْ كَسْبِ الإِْسْلاَمِ، وَمَا اسْتَدَانَ فِي الرِّدَّةِ يُقْضَى مِنْ كَسْبِ الرِّدَّةِ؛ لأَِنَّ الْمُسْتَحِقَّ لِلْكَسْبَيْنِ مُخْتَلِفٌ، وَحُصُول كُل وَاحِدٍ مِنَ الْكَسْبَيْنِ بِاعْتِبَارِ السَّبَبِ الَّذِي وَجَبَ بِهِ الدَّيْنُ، فَيُقْضَى كُل دَيْنٍ مِنَ الْكَسْبِ الْمُكْتَسَبِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ؛ لِيَكُونَ الْغُرْمُ بِمُقَابَلَةِ الْغُنْمِ، وَبِهِ قَال زُفَرُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ اكْتَسَبَهُ فِي رِدَّتِهِ، كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ فِيهِ؛ لأَِنَّهُ كَسْبُهُ فَيَكُونُ مَصْرُوفًا إِلَى دَيْنِهِ، كَكَسْبِ الْمُكَاتَبِ (127) .
42 - وَإِذَا أَقَرَّ الْمُرْتَدُّ بِدَيْنٍ عَلَيْهِ فَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُول: إِنْ أَسْلَمَ جَازَ، أَمَّا إِنْ قُتِل عَلَى رِدَّتِهِ، فَلاَ يَجُوزُ إِقْرَارُهُ إِلاَّ عَلَى مَا اكْتَسَبَهُ بَعْدَ رِدَّتِهِ. أَمَّا أَبُو يُوسُفَ فَيَرَى أَنَّ إِقْرَارَهُ كُلَّهُ جَائِزٌ إِنْ قُتِل مُرْتَدًّا، أَوْ تَابَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إِنْ قُتِل عَلَى رِدَّتِهِ أَوْ مَاتَ، فَإِنَّ إِقْرَارَهُ بِمَنْزِلَةِ إِقْرَارِ الْمَرِيضِ (128) ، يُبْتَدَأُ أَوَّلاً بِدَيْنِ الإِْسْلاَمِ، فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ كَانَ لأَِصْحَابِ دُيُونِ الرِّدَّةِ؛ لأَِنَّ الْمُرْتَدَّ إِذَا أُهْدِرَ دَمُهُ صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْمَرِيضِ (129) .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إِلَى اعْتِبَارِ إِقْرَارِ الْمُرْتَدِّ عَمَّا قَبْل الرِّدَّةِ وَخِلاَلَهَا، مَا لَمْ يُوقَفْ تَصَرُّفُهُ، فَقَدْ قَال الشَّافِعِيُّ: وَكَذَلِكَ كُل مَا أَقَرَّ بِهِ قَبْل الرِّدَّةِ لأَِحَدٍ، قَال: وَإِنْ لَمْ يُعْرَفِ الدَّيْنُ بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ، وَلاَ بِإِقْرَارٍ مِنْهُ مُتَقَدِّمٍ لِلرِّدَّةِ، وَلَمْ يُعْرَفْ إِلاَّ بِإِقْرَارٍ مِنْهُ فِي الرِّدَّةِ فَإِقْرَارُهُ جَائِزٌ عَلَيْهِ وَمَا دَانَ (130) فِي الرِّدَّةِ، قَبْل وَقْفِ مَالِهِ لَزِمَهُ، وَمَا دَانَ بَعْدَ وَقْفِ مَالِهِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ بَيْعٍ رُدَّ الْبَيْعُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ سَلَفٍ وُقِفَ، فَإِنْ مَاتَ عَلَى الرِّدَّةِ بَطَل، وَإِنْ رَجَعَ إِلَى الإِْسْلاَمِ لَزِمَهُ (131) .
أَمْوَال الْمُرْتَدِّ وَتَصَرُّفَاتُهُ:
43 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ - غَيْرَ أَبِي بَكْرٍ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْظْهَرِ، وَأَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّ مِلْكَ الْمُرْتَدِّ لاَ يَزُول عَنْ مَالِهِ بِمُجَرَّدِ رِدَّتِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى مَالِهِ فَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِل عَلَى الرِّدَّةِ زَال مِلْكُهُ وَصَارَ فَيْئًا، وَإِنْ عَادَ إِلَى الإِْسْلاَمِ عَادَ إِلَيْهِ مَالُهُ؛ لأَِنَّ زَوَال الْعِصْمَةِ لاَ يَلْزَمُ مِنْهُ زَوَال الْمِلْكِ؛ وَلاِحْتِمَال الْعَوْدِ إِلَى الإِْسْلاَمِ.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ يُحْجَرُ عَلَيْهِ وَيُمْنَعُ مِنَ التَّصَرُّفِ، وَلَوْ تَصَرَّفَ تَكُونُ تَصَرُّفَاتُهُ مَوْقُوفَةً فَإِنْ أَسْلَمَ جَازَ تَصَرُّفُهُ، وَإِنْ قُتِل أَوْ مَاتَ بَطَل تَصَرُّفُهُ وَهَذَا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَأَبِي حَنِيفَةَ. وَفَصَّل الشَّافِعِيَّةُ فَقَالُوا: إِنْ تَصَرَّفَ تَصَرُّفًا يَقْبَل التَّعْلِيقَ كَالْعِتْقِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْوَصِيَّةِ كَانَ تَصَرُّفُهُ مَوْقُوفًا إِلَى أَنْ يَتَبَيَّنَ حَالُهُ، أَمَّا التَّصَرُّفَاتُ الَّتِي تَكُونُ مُنَجَّزَةً وَلاَ تَقْبَل التَّعْلِيقَ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالرَّهْنِ فَهِيَ بَاطِلَةٌ بِنَاءً عَلَى بُطْلاَنِ وَقْفِ الْعُقُودِ، وَهَذَا فِي الْجَدِيدِ، وَفِي الْقَدِيمِ تَكُونُ مَوْقُوفَةً أَيْضًا كَغَيْرِهَا.
وَقَال أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: لاَ يَزُول مِلْكُهُ بِرِدَّتِهِ؛ لأَِنَّ الْمِلْكَ كَانَ ثَابِتًا لَهُ حَالَةَ الإِْسْلاَمِ لِوُجُودِ سَبَبِ الْمِلْكِ وَأَهْلِيَّتِهِ وَهِيَ الْحُرِّيَّةُ، وَالْكُفْرُ لاَ يُنَافِي الْمِلْكَ كَالْكَافِرِ الأَْصْلِيِّ، وَبِنَاءً عَلَى هَذَا تَكُونُ تَصَرُّفَاتُهُ جَائِزَةً كَمَا تَجُوزُ مِنَ الْمُسْلِمِ حَتَّى لَوْ أَعْتَقَ، أَوْ دَبَّرَ، أَوْ كَاتَبَ، أَوْ بَاعَ، أَوِ اشْتَرَى، أَوْ وَهَبَ نَفَذَ ذَلِكَ كُلُّهُ، إِلاَّ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ قَال: يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ تَصَرُّفَ الصَّحِيحِ، أَمَّا مُحَمَّدٌ فَقَال: يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ تَصَرُّفَ الْمَرِيضِمَرَضَ الْمَوْتِ؛ لأَِنَّ الْمُرْتَدَّ مُشْرِفٌ عَلَى التَّلَفِ؛ لأَِنَّهُ يُقْتَل فَأَشْبَهَ الْمَرِيضَ مَرَضَ الْمَوْتِ.
وَقَدْ أَجْمَعَ فُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى أَنَّ اسْتِيلاَدَ الْمُرْتَدِّ وَطَلاَقَهُ وَتَسْلِيمَهُ الشُّفْعَةَ صَحِيحٌ وَنَافِذٌ؛ لأَِنَّ الرِّدَّةَ لاَ تُؤَثِّرُ فِي ذَلِكَ.
وَالْقَوْل الثَّالِثُ: عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ - وَصَحَّحَهُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ - وَهُوَ قَوْل أَبِي بَكْرٍ مِنَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ مِلْكَهُ يَزُول بِرِدَّتِهِ لِزَوَال الْعِصْمَةِ بِرِدَّتِهِ فَمَالُهُ أَوْلَى، وَلِمَا رَوَى طَارِقُ بْنُ شِهَابٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ قَال لِوَفْدِ بُزَاخَةَ وَغَطَفَانَ: نَغْنَمُ مَا أَصَبْنَا مِنْكُمْ وَتَرُدُّونَ إِلَيْنَا مَا أَصَبْتُمْ مِنَّا؛ وَلأَِنَّ الْمُسْلِمِينَ مَلَكُوا دَمَهُ بِالرِّدَّةِ فَوَجَبَ أَنْ يَمْلِكُوا مَالَهُ.
وَعَلَى هَذَا فَلاَ تَصَرُّفَ لَهُ أَصْلاً لأَِنَّهُ لاَ مِلْكَ لَهُ.
وَمَا سَبَقَ إِنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُرْتَدِّ الذَّكَرِ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ وَهُوَ كَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُرْتَدَّةِ الأُْنْثَى عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لاَ يَزُول مِلْكُ الْمُرْتَدَّةِ الأُْنْثَى عَنْ أَمْوَالِهَا بِلاَ خِلاَفٍ عِنْدَهُمْ فَتَجُوزُ تَصَرُّفَاتُهَا؛ لأَِنَّهَا لاَ تُقْتَل فَلَمْ تَكُنْ رِدَّتُهَا سَبَبًا لِزَوَال مِلْكِهَا عَنْ أَمْوَالِهَا (132) . أَثَرُ الرِّدَّةِ عَلَى الزَّوَاجِ:
44 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا ارْتَدَّ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ حِيل بَيْنَهُمَا فَلاَ يَقْرَبُهَا بِخَلْوَةٍ وَلاَ جِمَاعٍ وَلاَ نَحْوِهِمَا. ثُمَّ قَال الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا ارْتَدَّ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ بَانَتْ مِنْهُ امْرَأَتُهُ مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ كِتَابِيَّةً، دَخَل بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُل؛ لأَِنَّ الرِّدَّةَ تُنَافِي النِّكَاحَ وَيَكُونُ ذَلِكَ فَسْخًا عَاجِلاً لاَ طَلاَقًا وَلاَ يَتَوَقَّفُ عَلَى قَضَاءٍ.
ثُمَّ إِنْ كَانَتِ الرِّدَّةُ قَبْل الدُّخُول وَكَانَ الْمُرْتَدُّ هُوَ الزَّوْجَ فَلَهَا نِصْفُ الْمُسَمَّى أَوِ الْمُتْعَةُ، وَإِنْ كَانَتْ هِيَ الْمُرْتَدَّةَ فَلاَ شَيْءَ لَهَا.
وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُول فَلَهَا الْمَهْرُ كُلُّهُ سَوَاءٌ كَانَ الْمُرْتَدُّ الزَّوْجَ أَوِ الزَّوْجَةَ (133) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ فِي الْمَشْهُورِ: إِذَا ارْتَدَّ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ كَانَ ذَلِكَ طَلْقَةً بَائِنَةً، فَإِنْ رَجَعَ إِلَى الإِْسْلاَمِ لَمْ تَرْجِعْ لَهُ إِلاَّ بِعَقْدٍ جَدِيدٍ، مَا لَمْ تَقْصِدِ الْمَرْأَةُ بِرِدَّتِهَا فَسْخَ النِّكَاحِ، فَلاَ يَنْفَسِخُ؛ مُعَامَلَةً لَهَا بِنَقِيضِ قَصْدِهَا.
وَقِيل: إِنَّ الرِّدَّةَ فَسْخٌ بِغَيْرِ طَلاَقٍ (134) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: إِذَا ارْتَدَّ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ فَلاَ تَقَعُ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا حَتَّى تَمْضِيَ عِدَّةُ الزَّوْجَةِ قَبْل أَنْ يَتُوبَ وَيَرْجِعَ إِلَى الإِْسْلاَمِ، فَإِذَا انْقَضَتْ بَانَتْ مِنْهُ، وَبَيْنُونَتُهَا مِنْهُ فَسْخٌ لاَ طَلاَقٌ، وَإِنْ عَادَ إِلَى الإِْسْلاَمِ قَبْل انْقِضَائِهَا فَهِيَ امْرَأَتُهُ (135) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِذَا ارْتَدَّ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ قَبْل الدُّخُول انْفَسَخَ النِّكَاحُ فَوْرًا وَتَنَصَّفَ مَهْرُهَا إِنْ كَانَ الزَّوْجُ هُوَ الْمُرْتَدَّ، وَسَقَطَ مَهْرُهَا إِنْ كَانَتْ هِيَ الْمُرْتَدَّةَ.
وَلَوْ كَانَتِ الرِّدَّةُ بَعْدَ الدُّخُول فَفِي رِوَايَةٍ تُنْجَزُ الْفُرْقَةُ. وَفِي أُخْرَى تَتَوَقَّفُ الْفُرْقَةُ عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ (136) .
حُكْمُ زَوَاجِ الْمُرْتَدِّ بَعْدَ الرِّدَّةِ:
45 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا ارْتَدَّ ثُمَّ تَزَوَّجَ فَلاَ يَصِحُّ زَوَاجُهُ؛ لأَِنَّهُ لاَ مِلَّةَ لَهُ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ مُسْلِمَةً، وَلاَ كَافِرَةً، وَلاَ مُرْتَدَّةً (137) .
مَصِيرُ أَوْلاَدِ الْمُرْتَدِّ:
46 - مَنْ حُمِل بِهِ فِي الإِْسْلاَمِ فَهُوَ مُسْلِمٌ، وَكَذَا مَنْ حُمِل بِهِ فِي حَال رِدَّةِ أَحَدِ أَبَوَيْهِ وَالآْخَرُ مُسْلِمٌ، قَال بِذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ؛ لأَِنَّ بِدَايَةَ الْحَمْل كَانَ لِمُسْلِمَيْنِ فِي دَارِ الإِْسْلاَمِ، وَإِنْ وُلِدَ خِلاَل الرِّدَّةِ (138) .
لَكِنْ مَنْ كَانَ حَمْلُهُ خِلاَل رِدَّةِ أَبَوَيْهِ كِلَيْهِمَا، فَفِيهِ خِلاَفٌ، فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَالأَْظْهَرُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، إِلَى أَنَّهُ يَكُونُ مُرْتَدًّا تَبَعًا لأَِبَوَيْهِ فَيُسْتَتَابُ إِذَا بَلَغَ. وَفِي رِوَايَةٍ لِلْحَنَابِلَةِ وَقَوْلٍ لِلشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ يُقَرُّ عَلَى دِينِهِ بِالْجِزْيَةِ كَالْكَافِرِ الأَْصْلِيِّ، وَاسْتَثْنَى الشَّافِعِيَّةُ مَا لَوْ كَانَ فِي أُصُول أَبَوَيْهِ مُسْلِمٌ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُسْلِمًا تَبَعًا لَهُ، وَاسْتَثْنَى الْمَالِكِيَّةُ أَيْضًا مَا لَوْ أَدْرَكَ وَلَدُ الْمُرْتَدِّ قَبْل الْبُلُوغِ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الإِْسْلاَمِ (139) .
إِرْثُ الْمُرْتَدِّ:
47 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي مَال الْمُرْتَدِّ إِذَا قُتِل، أَوْ مَاتَ عَلَى الرِّدَّةِ عَلَى ثَلاَثَةِ أَقْوَالٍ:
أ - أَنَّ جَمِيعَ مَالِهِ يَكُونُ فَيْئًا لِبَيْتِ الْمَال، وَهَذَا قَوْل مَالِكٍ (140) ، وَالشَّافِعِيِّ (141) وَأَحْمَدَ (142) . ب - أَنَّهُ يَكُونُ مَالُهُ لِوَرَثَتِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، سَوَاءٌ اكْتَسَبَهُ فِي إِسْلاَمِهِ أَوْ رِدَّتِهِ، وَهَذَا قَوْل أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ (143) .
ج - أَنَّ مَا اكْتَسَبَهُ فِي حَال إِسْلاَمِهِ لِوَرَثَتِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَمَا اكْتَسَبَهُ فِي حَال رِدَّتِهِ لِبَيْتِ الْمَال، وَهَذَا قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ (144) .
وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَهُمْ فِي أَنَّ الْمُرْتَدَّ لاَ يَرِثُ أَحَدًا مِنْ أَقَارِبِهِ الْمُسْلِمِينَ لاِنْقِطَاعِ الصِّلَةِ بِالرِّدَّةِ. كَمَا لاَ يَرِثُ كَافِرًا؛ لأَِنَّهُ لاَ يُقَرُّ عَلَى الدِّينِ الَّذِي صَارَ إِلَيْهِ. وَلاَ يَرِثُ مُرْتَدٌّ مِثْلَهُ (145) .
وَوَصِيَّةُ الْمُرْتَدِّ بَاطِلَةٌ لأَِنَّهَا مِنَ الْقُرَبِ وَهِيَ تَبْطُل بِالرِّدَّةِ (146) .
أَثَرُ الرِّدَّةِ فِي إِحْبَاطِ الْعَمَل:
48 - قَال تَعَالَى: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآْخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (147) } قَال الأَْلُوسِيُّ تَبَعًا لِلرَّازِيِّ: إِنَّ مَعْنَى الْحُبُوطِ هُوَ الْفَسَادُ (148) .
وَقَال النَّيْسَابُورِيُّ: إِنَّهُ أَتَى بِعَمَلٍ لَيْسَ فِيهِ فَائِدَةٌ، بَل فِيهِ مَضَرَّةٌ، أَوْ أَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ أَعْمَالَهُ السَّابِقَةَ لَمْ يَكُنْ مُعْتَدًّا بِهَا شَرْعًا (149) .
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: بِأَنَّ الْحُبُوطَ يَكُونُ بِإِبْطَال الثَّوَابِ، دُونَ الْفِعْل (150) .
وَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ (151) إِلَى أَنَّ مُجَرَّدَ الرِّدَّةِ يُوجِبُ الْحَبْطَ، مُسْتَدِلِّينَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِْيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ (152) . . .}
أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَقَالُوا: بِأَنَّ الْوَفَاةَ عَلَى الرِّدَّةِ شَرْطٌ فِي حُبُوطِ الْعَمَل، أَخْذًا مِنْ قَوْله تَعَالَى: {فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ (153) }
فَإِنْ عَادَ إِلَى الإِْسْلاَمِ فَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ يَحْبَطُ ثَوَابُ الْعَمَل فَقَطْ، وَلاَ يُطَالَبُ الإِْعَادَةَ إِذَا عَادَ إِلَى الإِْسْلاَمِ وَمَاتَ عَلَيْهِ (154) . أَثَرُ الرِّدَّةِ عَلَى الْعِبَادَاتِ
تَأْثِيرُ الرِّدَّةِ عَلَى الْحَجِّ:
49 - يَجِبُ عَلَى مَنِ ارْتَدَّ وَتَابَ أَنْ يُعِيدَ حَجَّهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ (155) ، وَالْمَالِكِيَّةِ (156) ، وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى مَنِ ارْتَدَّ ثُمَّ تَابَ أَنْ يُعِيدَ حَجَّهُ (157) .
أَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَالصَّحِيحُ مِنَ الْمَذْهَبِ عِنْدَهُمْ: أَنَّهُ لاَ يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ، بَل يُجْزِئُ الْحَجُّ الَّذِي فَعَلَهُ قَبْل رِدَّتِهِ (158) .
تَأْثِيرُ الرِّدَّةِ عَلَى الصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ:
50 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى عَدَمِ وُجُوبِ قَضَاءِ الصَّلاَةِ الَّتِي تَرَكَهَا أَثْنَاءَ رِدَّتِهِ؛ لأَِنَّهُ كَانَ كَافِرًا، وَإِيمَانُهُ يَجُبُّهَا (159) .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى وُجُوبِ الْقَضَاءِ (160) .
وَنُقِل عَنِ الْحَنَابِلَةِ الْقَضَاءُ وَعَدَمُهُ. وَالْمَذْهَبُ عِنْدَهُمْ عَدَمُ وُجُوبِ الْقَضَاءِ.
فَإِنْ كَانَ عَلَى الْمُرْتَدِّ الَّذِي تَابَ صَلاَةٌ فَائِتَةٌ، قَبْل رِدَّتِهِ أَوْ صَوْمٌ أَوْ زَكَاةٌ فَهَل يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ؟
ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ (161) وَالشَّافِعِيَّةِ (162) وَالْحَنَابِلَةِ (163) إِلَى وُجُوبِ الْقَضَاءِ؛ لأَِنَّ تَرْكَ الْعِبَادَةِ مَعْصِيَةٌ، وَالْمَعْصِيَةُ تَبْقَى بَعْدَ الرِّدَّةِ.
وَخَالَفَ الْمَالِكِيَّةُ فِي ذَلِكَ، وَحُجَّتُهُمْ أَنَّ الإِْسْلاَمَ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ، وَهُوَ بِتَوْبَتِهِ أَسْقَطَ مَا قَبْل الرِّدَّةِ (164) .
51 - تَأْثِيرُ الرِّدَّةِ عَلَى الْوُضُوءِ:
ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ (165) وَالْحَنَابِلَةُ (166) إِلَى أَنَّ الْوُضُوءَ يُنْتَقَضُ بِالرِّدَّةِ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْحَنَفِيَّةُ وَلاَ الشَّافِعِيَّةُ الرِّدَّةَ مِنْ بَيْنِ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ (167) .
ذَبَائِحُ الْمُرْتَدِّ:
52 - ذَبِيحَةُ الْمُرْتَدِّ لاَ يَجُوزُ أَكْلُهَا؛ لأَِنَّهُ لاَ مِلَّةَ لَهُ، وَلاَ يُقَرُّ عَلَى دِينٍ انْتَقَل إِلَيْهِ، حَتَّى وَلَوْ كَانَ دِينَ أَهْل الْكِتَابِ (168) .
إِلاَّ مَا نُقِل عَنِ الأَْوْزَاعِيِّ، وَإِسْحَاقَ، مِنْ أَنَّ الْمُرْتَدَّ إِنْ تَدَيَّنَ بِدِينِ أَهْل الْكِتَابِ حَلَّتْ ذَبِيحَتُهُ (169) .
__________
(1) الجمهرة ولسان العرب والصحاح وتاج العروس ومتن اللغة والمعجم الوسيط.
(2) البدائع 7 / 134، المهذب 2 / 222، فيض الإله المالك 2 / 305، الفروع 2 / 160
(3) المبسوط 10 / 122، وابن عابدين 4 / 257، ورحمة الأمة ص 296، والمغني لابن قدامة 8 / 551، والإنصاف 10 / 329.
(4) المبسوط 10 / 622 (يحكم بردته استحسانًا لعلته لا لحكمه) . ويلاحظ أيضًا كشف الأسرار للبزدوي 4 / 1371.
(5) المغني 8 / 551، والإنصاف 10 / 329، جواهر الإكليل 1 / 21، 116
(6) المبسوط 10 / 122، والتحفة 4 / 530، والبدائع 7 / 135، والهداية 2 / 126، وابن عابدين 4 / 257، والإنصاف 10 / 320، ومنار السبيل 2 / 407، والمغني 8 / 551.
(7) الأم 6 / 649.
(8) البدائع 7 / 634، الإقناع 4 / 301، الكافي لابن قدامة 3 / 155، المهذب 2 / 222، والأم 6 / 148، والشامل 2 / 159 و 6 / 102، والقليوبي وعميرة 4 / 176.
(9) المراجع السابقة.
(10) البدائع 7 / 134.
(11) المبسوط 10 / 123، وتحفة الفقهاء 4 / 532، والبدائع 7 / 134، وابن عابدين 4 / 224، والمهذب 2 / 222، والقليوبي 4 / 176.
(12) الإنصاف 10 / 331، والمغني 8 / 563، والأم 6 / 148، والشامل 6 / 102، والقليوبي 6 / 176.
(13) المبسوط 24 / 38، البدائع 7 / 175، ومرآة الأصول ص 359.
(14) البدائع 7 / 170، المجلة (المادة 949) .
(15) سورة النحل / 106.
(16) حديث: " إن عادوا فعد " أخرجه ابن سعد (3 / 219 - ط دار صادر) من حديث محمد بن عمار مرسلاً.
(17) المبسوط 10 / 623، وابن عابدين 4 / 224، والأم 6 / 652، والشامل 6 / 148، وشرح الأنصاري 4 / 249، ومنح الجليل 4 / 407، والمغني 8 / 561، والإقناع 4 / 306.
(18) المبسوط 10 / 123، والبدائع 7 / 110، 111، وابن عابدين 4 / 246، ومواهب الجليل 8 / 282، الزرقاني 8 / 68، والشامل 6 / 648، والمغني 8 / 560، والإقناع 4 / 304، وكشاف القناع 6 / 180 ط الرياض.
(19) ابن عابدين 4 / 223، والقليوبي وعميرة 4 / 174، والشامل 2 / 17، ومنح الجليل 4 / 461، والدسوقي 4 / 302، والإقناع 4 / 297، والإنصاف 10 / 326، المغني 8 / 565.
(20) منح الجليل 4 / 462، والشامل 2 / 102، وكفاية الأخيار 2 / 202، والعدة 4 / 300.
(21) سورة القصص / 88.
(22) العدة 4 / 300، وابن عابدين 4 / 223، والإقناع 4 / 297، والإنصاف 10 / 327، والفروع 2 / 159، ومنار السبيل 2 / 404.
(23) ابن عابدين 4 / 224، 230، والمغني 8 / 548، والإقناع 4 / 297، وفتاوى السبكي 2 / 577.
(24) الإعلام بقواطع الإسلام 2 / 42، إقامة البرهان ص 139.
(25) ابن عابدين 4 / 222.
(26) الفروع 2 / 159، والإقناع 4 / 297، والآداب 2 / 298.
(27) المغني 8 / 548.
(28) ابن عابدين 4 / 223، 224، 230، والمغني 8 / 548، والإقناع 4 / 297، وفتاوى السبكي 2 / 577.
(29) نيل الأوطار 8 / 194 - 195، والسيف المشهور ورقة (2) ، والمغني 8 / 565، والفروع 2 / 160، والخرشي 8 / 74، والصارم المسلول ص 550، والشروط العمرية ص 141.
(30) سورة التوبة / 65 - 66
(31) ابن عابدين 4 / 232.
(32) المغني 8 / 565، والصارم المسلول ص 550، ونقل ابن مفلح قبول التوبة بشرط أن لا تتكرر منه ثلاثًا (الفروع 2 / 160) .
(33) الخرشي 8 / 74.
(34) الصارم المسلول ص 556.
(35) ابن عابدين 4 / 232 - 237، وفتاوى السبكي 2 / 573، والسيف المسلول 4 - 11، 79، والشروط العمرية ص 214، والشامل 2 / 171.
(36) السيف المسلول ورقة 79.
(37) الشامل 2 / 171.
(38) ابن عابدين 4 / 233 - 235، والسيف المشهور ورقة 2.
(39) الهداية للكلوذاني ورقة (202) .
(40) الصارم المسلول ص 53، 245، 293، 423، 527.
(41) السيف المسلول ورقة (2) ، ومنار السبيل 2 / 409.
(42) ، ومنار السبيل 2 / 409.
(43) ابن عابدين 4 / 235، والسيف المشهور ورقة (2) ، والشامل 2 / 171، والصارم المسلول ص 570، والقليوبي 4 / 175.
(44) السيف المشهور ورقة (2) .
(45) ابن عابدين 4 / 237، وفتاوى السبكي 2 / 552، والإقناع 4 / 299، والخرشي 8 / 74، والصارم المسلول 571.
(46) سورة النور / 17.
(47) الصارم المسلول / 571.
(48) السيف المشهور ورقة (2) ، والسيف المسلول ورقة 82، والصارم المسلول 571.
(49) سورة النور / 26.
(50) أسنى المطالب 4 / 117، وانظر المراجع السابقة.
(51) ابن عابدين 4 / 236 - 237.
(52) حديث: " أيما امرئ قال لأخيه: يا كافر. . . " أخرجه مسلم (1 / 79 - ط الحلبي) .
(53) تحفة الفقهاء 3 / 231، الإقناع 4 / 297، والفروع 2 / 161.
(54) حديث: " من أتى كاهنًا أو عرافًا فصدقه بما يقول فقد. . . . " أخرجه أحمد (2 / 429 - ط الميمنية) من حديث أبي هريرة، وقال الذهبي: " إسناده قوي " كذا في فيض القدير 6 / 23 - ط المكتبة التجارية) .
(55) حديث: " من دعا رجلاً بالكفر. . . " أخرجه مسلم 1 / 80، ط الحلبي) من حديث أبي ذر.
(56) أسنى المطالب 4 / 118 - ط المكتبة الإسلامية.
(57) ابن عابدين 4 / 222، والقليوبي 4 / 174، والإعلام 2 / 38، وكفاية الأخيار 2 / 201، ومنار السبيل 2 / 404، وشرح منح الجليل 4 / 461، والخرشي 8 / 62.
(58) الإعلام 2 / 38، وشرح منح الجليل 4 / 461، وشرح الخرشي 8 / 62.
(59) ابن عابدين 4 / 222، القليوبي 4 / 174، والإنصاف 10 / 326، والشامل لبهرام 2 / 170.
(60) ابن عابدين 4 / 222.
(61) سورة التوبة / 65.
(62) ابن القيم في كتابه: " الصلاة وحكم تاركها ".
(63) ابن عابدين 1 / 352 - 353، ورسالة بدر الرشيد ورقة (8) ، وعمدة القاري 24 / 81، والإنصاف 1 / 401، 10 / 327، والمغني 8 / 547، والإقناع 1 / 71، ومنتهى الإرادات 1 / 52، 2 / 299.
(64) كتاب الصلاة لابن القيم 42، القليوبي وعميرة 1 / 319، كفاية الأخيار 2 / 204، والمغني 8 / 444، والشرح الصغير 1 / 238.
(65) ابن عابدين 1 / 352 - 353
(66) الفتاوى الهندية 7 / 2، والبدائع 7 / 233، والمغني 8 / 255، 554، والإقناع 4 / 306، والهداية للكلوذاني 202، والأم 6 / 153، ومنح الجليل 4 / 467، والخرشي 8 / 66.
(67) المسلم يقتل بالذمي عند الحنفية، فمن باب أولى أن يقتل به المرتد. البدائع 7 / 237 والفتاوى الهندية 7 / 3.
(68) المغني 8 / 255، والإقناع 4 / 175.
(69) الأم 6 / 33، وعدم المكافأة يتأتى من أن المرتد لا يقر على ردته، بل يحمل على الإسلام، والشامل لابن الصباغ 6 / 14، ومغني المحتاج 4 / 16.
(70) الشامل لبهرام 8 / 71، والخرشي 8 / 66، ومنح الجليل 4 / 467، ومغني المحتاج 4 / 16.
(71) المبسوط 1 / 108، وابن عابدين 4 / 252، والشامل لابن الصباغ 6 / 66، والأم 6 / 153، والمغني 8 / 554، والإقناع 4 / 306.
(72) الخرشي 8 / 66، والبدائع 7 / 252، والشامل لبهرام 2 / 171.
(73) العدوي على الخرشي 8 / 66، ومنح الجليل 4 / 467، والمواق بهامش الحطاب 6 / 282، والمغني 7 / 657 - 658 و 8 / 149، ومغني المحتاج 4 / 16 - 17، والمهذب 2 / 225، وينظر البدائع 7 / 137 - 236، 253
(74) التحفة 3 / 215، والخرشي 8 / 68، ومنح الجليل 4 / 472.
(75) الشامل للصباغ 6 / 15، وكفاية الأخيار 2 / 179، والإنصاف 10 / 337، والهداية للكلوذاني 204، والتحفة 3 / 215.
(76) البدائع 7 / 40، 45، والخرشي 8 / 66، وكفاية الأخيار 2 / 184
(77) ابن عابدين 4 / 252، والكافي 3 / 163، والخرشي المالكي 8 / 66، والشامل 6 / 602، والهداية للكلوذاني 202، والشامل لابن الصباغ 6 / 102.
(78) ابن عابدين 4 / 252.
(79) المبسوط 1 / 108، وابن عابدين 4 / 252، الأم 6 / 153، والشامل لابن الصباغ 6 / 14، والإقناع 4 / 175 وقد قال بقتل المرتد، تقدمت ردته، أو تأخرت، منح الجليل 4 / 467، والمغني 8 / 564.
(80) المبسوط 10 / 113، والأم 6 / 32، ونيل الأوطار 7 / 218.
(81) المبسوط 10 / 106، والفتاوى الهندية 7 / 3، والأم 6 / 154، والإنصاف 9 / 462، والهداية لأبي الخطاب 203، والشامل لبهرام 2 / 158.
(82) الشامل لبهرام 2 / 158، منح الجليل 4 / 344، الإنصاف 9 / 462، البدائع 7 / 236، مغني المحتاج 4 / 15، 16، 17
(83) المبسوط 10 / 106، والفتاوى الهندية 7 / 3، الأم 6 / 154، الإنصاف 9 / 462، الشامل لبهرام 2 / 158.
(84) 10 / 107، البدائع 7 / 253، والشامل 2 / 159، والمغني 8 / 253.
(85) البدائع 7 / 40، والتحفة 3 / 225، وكفاية الأخيار 2 / 184، والإنصاف 10 / 202، الأم 6 / 151.
(86) المغني 8 / 557.
(87) منح الجليل 4 / 465، الخرشي 8 / 64.
(88) ابن عابدين 4 / 246.
(89) مغني المحتاج 4 / 138، المغني 8 / 140.
(90) التحفة 3 / 530، والبدائع 7 / 134، والمبسوط 10 / 98، وابن عابدين 4 / 225.
(91) لطائف الإشارات 136، وتفسير القرطبي 3 / 47، ورحمة الأمة 269، والخرشي 8 / 65، ومنح الجليل 4 / 465، والشامل لبهرام 2 / 17، والإنصاف 10 / 328، وهداية الراغب 538، ومنار السبيل 2 / 405.
(92) الأم 6 / 32، والمهذب 2 / 223، ومغني المحتاج 4 / 139، 140
(93) حديث: " ورد أن امرأة يقال لها: أم رومان ارتدت " أخرجه الدارقطني (3 / 118 - ط دار المحاسن) ، وضعف إسناده ابن حجر في التلخيص 4 / 49 - ط شركة الطباعة الفنية.
(94) المراجع السابقة.
(95) ابن عابدين 4 / 246.
(96) المبسوط لمحمد 143، المبسوط للسرخسي 10 / 112) ، وابن عابدين 4 / 226، وقال: (يكفي للآخرة التشهد، وللدنيا التبري مما كان يعتقد) والشامل لابن الصباغ 2 / 171، والإنصاف 1 / 335، والإقناع 4 / 303، وهداية الراغب 538، والكافي 3 / 160.
(97) حديث: " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله. . . " رواه مسلم (1 / 52، ط الحلبي) من حديث أبي هريرة ﵁.
(98) الإقناع 4 / 303.
(99) الإنصاف 10 / 337 - ط - 1957
(100) أسنى المطالب 4 / 124، والإنصاف 10 / 335، 336
(101) المغني 8 / 144 ط 3
(102) السيف المشهور ورقة 2، وابن عابدين 4 / 232.
(103) المغني 8 / 565، والفروع 2 / 160.
(104) الخرشي 8 / 74، والصارم المسلول 550
(105) ابن عابدين 4 / 233، والسيف المشهور 2
(106) الهداية لأبي الخطاب ورقة (202) ، والصارم المسلول 53، 245، 293، 423، 527
(107) السيف المسلول ورقة (2) ، ومغني المحتاج 4 / 141.
(108) منار السبيل 2 / 409.
(109) الخرشي 8 / 70.
(110) المبسوط لمحمد 144، وقال ابن عابدين (4 / 225) : تقبل توبته، لكنه يعذب في كل مرة، ويحبس. وقال الكرخي: هذا قول أصحابنا جميعًا، وأسنى المطالب 4 / 122) ، والأم 6 / 147 - 148، والشامل لابن الصباغ 10 / 148، والسيف المسلول 29
(111) سورة الأنفال / 38.
(112) حديث: " أمرت أن أقاتل الناس. . . . " أخرجه البخاري (الفتح 1 / 75 - ط السعادة) من حديث أبي هريرة.
(113) ابن عابدين 4 / 225، والمغني 8 / 543، والكافي 3 / 159، وهداية الراغب 439، ومنار السبيل 2 / 409، ولم نجد عند المالكية تعرضًا لهذه المسألة، وقد نسب إليهم في المغني وحاشية ابن عابدين القول بعدم قبول توبة من تكررت ردته.
(114) سورة النساء / 137.
(115) منار السبيل 2 / 409.
(116) رسالة بدر الرشيد مخطوطة، وابن عابدين 4 / 240، وقد فصل فقال: يكفر الساحر بتعلمه السحر وفعله، فإن لم يعتقده لا يكفر، كأن يستعمله للتجربة. ورحمة الأمة 267، والمغني 8 / 153 ط 3
(117) المبسوط 10 / 106، والأم 6 / 154، والشامل لابن الصباغ 1 / 101، والإنصاف 9 / 462، والشامل لبهرام 2 / 158.
(118) الفروع 2 / 159، وابن عابدين 4 / 668. وحديث أن النبي ﷺ لم يقتل رسل مسيلمة. . . ورد من قوله ﷺ من حديث نعيم بن مسعود الأشجعي لرسولي مسيلمة: " أما والله لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما ". أخرجه أبو داود (3 / 192 - تحقيق عزت عبيد دعاس)
(119) كفاية الأخيار 2 / 204.
(120) حديث: " من بدل دينه فاقتلوه " أخرجه البخاري (الفتح 12 / 267 - ط السلفية) من حديث ابن عباس.
(121) حديث: " لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله ". أخرجه البخاري (الفتح 12 / 201 - ط السلفية) من حديث ابن مسعود.
(122) مغني المحتاج 4 / 139، والمغني لابن قدامة 8 / 123 ط الرياض) ، والدارقطني 3 / 119.
(123) حديث: " ورد أن امرأة يقال لها: أم رومان ارتدت، سبق تخريجه ف 35
(124) حديث: " نهى النبي ﷺ عن قتل الكافرة التي لا تقاتل أو تحرض على القتال ". ورد في حديث رباح بن ربيع قال: كنا مع رسول الله ﷺ في غزوة، فرأى الناس مجتمعين على شيء، فبعث رجلاً فقال: انظر علام اجتمع هؤلاء؟ فجاء فقال: على امرأة قتيل وأخرجه الحاكم (2 / 122 - ط دائرة المعارف العثمانية) مطولاً، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
(125) المبسوط 10 / 108، 109، والبدائع 7 / 135، والتحفة 4 / 530، وابن عابدين 4 / 247، والزرقاني على الموطأ 2 / 295.
(126) المبسوط لمحمد 142، والمهذب 2 / 224، ومغني المحتاج 4 / 142، والإنصاف 10 / 342، والمغني 8 / 545.
(127) المبسوط 10 / 106، والبدائع 7 / 139، وابن عابدين 4 / 248.
(128) المقصود مرض الموت، فلا ينفذ إقراره إلا من الثلث.
(129) المبسوط لمحمد 177، والتحرير مخطوطة غير مرقمة ج 2
(130) دان تأتي بمعنى استدان كما في القاموس.
(131) الأم 6 / 153.
(132) البدائع 7 / 136 - 137، وجواهر الإكليل 1 / 35 و 2 / 279، والمدونة 2 / 318، والدسوقي 4 / 307، والحطاب 6 / 284، ومغني المحتاج 4 / 142 - 143، والمهذب 2 / 224، والمغني 8 / 128 - 129، وكشاف القناع 6 / 181 - 182
(133) المبسوط للسرخسي 5 / 49، والدر وابن عابدين 2 / 392، وبدائع الصنائع 7 / 136.
(134) الشرح الكبير والدسوقي 2 / 270، والشامل لبهرام 2 / 171
(135) الأم 6 / 149، 150
(136) المحرر 2 / 30، والمغني 8 / 99، ومنتهى الإرادات 2 / 198.
(137) المبسوط 5 / 48، والأم 5 / 51، 6 / 115، والمغني 8 / 546، الذخيرة 2 / 213.
(138) البدائع 7 / 139، والشامل لابن الصباغ 6 / 601.
(139) الإنصاف 10 / 347، والخرشي 8 / 66، ومغني المحتاج 4 / 142، وأسنى المطالب 4 / 123.
(140) منح الجليل 4 / 469، والخرشي 8 / 66، الشامل لبهرام 2 / 171
(141) الشامل لابن الصباغ 1 / 101، والأم 6 / 151، 7 / 330.
(142) المغني 6 / 346، والهداية للكلوذاني 203، وقد نقل عن أحمد ثلاثة أقوال كالشافعية، إلا أن صاحب الإنصاف 10 / 339 قال: إن المذهب كون فيئًا حين موته.
(143) المبسوط 10 / 104.
(144) المبسوط 10 / 101، والبدائع 7 / 138، ورحمة للأمة 191
(145) المغني 6 / 343، والإنصاف 7 / 351.
(146) المبسوط لمحمد 142، والمغني 8 / 546، والشامل لبهرام 2 / 171، والخرشي 8 / 68.
(147) سورة البقرة / 217.
(148) روح المعاني 2 / 157.
(149) التفسير الكبير 11 / 148، وغرائب القرآن 2 / 319
(150) ابن عابدين 4 / 400.
(151) روح المعاني 2 / 157، والكشاف 1 / 271، وعمدة القاري 24 / 79، وإرشاد الساري 10 / 76، وتفسير القرطبي 3 / 48.
(152) سورة المائدة / 5.
(153) سورة البقرة / 217.
(154) القليوبي 4 / 174.
(155) الإشارات مخطوطة مجهولة صاحبها 23
(156) الشامل لبهرام 2 / 171، والخرشي 8 / 68.
(157) القليوبي وعميرة 4 / 174، ومغني المحتاج 4 / 133.
(158) الإنصاف 10 / 338.
(159) ابن عابدين 1 / 357، 4 / 252، والخرشي 8 / 68.
(160) القليوبي 1 / 121، والإعلام 2 / 98، ومغني المحتاج 1 / 130.
(161) ابن عابدين 3 / 302.
(162) مغني المحتاج 1 / 130.
(163) الإنصاف 1 / 391.
(164) الشامل لبهرام 2 / 171، والذخيرة 2 / 214، والخرشي 9 / 68.
(165) الخرشي 1 / 157.
(166) الإنصاف 1 / 219.
(167) المغني 1 / 176 - ط الرياض
(168) المبسوط لمحمد 142، والأم 6 / 155، 7 / 231، والمغني 8 / 549، والإنصاف 10 / 389.
(169) المغني 8 / 549.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 180/ 22
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".