المحسن
كلمة (المحسن) في اللغة اسم فاعل من الإحسان، وهو إما بمعنى إحسان...
رجوع العبد عمَّا يكرهه الله ظاهراً، وباطناً إلى ما يحبه الله ظاهراً، وباطناً . والتوبة رجوع إلى الله في الحاضر، والمستقبل، والاستغفار يكون عن شيء مضى . والتوبة تكون من المذنب، والاستغفار يكون من المذنب، ومن غيره . وذكرت التوبة في آيات منها قوله تعالى : ﱫﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﱪالتحريم :8
التَّوْبَةُ: الرُّجُوعُ مِن الذَّنْبِ والإِنابَةُ، يُقال: تابَ إلى اللهِ، يَتُوبُ، تَوْباً وتَوْبةً ومَتاباً، أيْ: أَنابَ ورَجَعَ عن المَعْصيةِ إلى الطَّاعَةِ. وأَصْلُها: الرُّجُوعُ والعَوْدَةُ، يُقال: تابَ اللهُ عليه، أيْ: رَجَعَ عليه بِفَضْلِهِ وقَبُولِهِ. والتَوَّابُ: كَثيرُ التَّوْبَةِ والرُّجُوعِ.
يَرِد مُصْطلَح (تَوْبَة) في عِدَّة مَواطِنَ مِن الفِقْهِ، منها: كِتاب الأقضِيَة، وكتاب الحدود، باب: حدّ الرِّدَّة، وغير ذلك. ويرِد في العَقِيدَةِ في باب: تَوْحِيد الأُلُوهِيَّةِ وغَيْرِهِ. ويُطْلَق أيضاً في العَقِيدَةِ، باب: تَوْحِيد الأسْماءِ والصِّفاتِ مُضافاً إلى اللهِ، ويُراد بِه: رُجوعُ لُطْفِ اللهِ ونِعْمَتِهِ على العَبْدِ، وتَوْفِيقهُ لِلْاسْتِغْفارِ وتَرْكِ المَعْصِيَةِ، وقَبُولُ ذلك مِنْهُ، ومِن أَسْماءِ اللهِ: التَّوابُ. ويُطلَق في علوم القرآن عند الكلام على سُورِ القرآن، ويُراد بِه: اسْمُ سُورَةٍ مِن القُرْآنِ، رَقْمُها: تِسْعَةٌ، وعَدَدُ آياتِها: مِائَةٌ وتِسْعُ وعِشْرونَ آيَةٍ.
توب
تَرْكُ المَعْصِيَّةِ، والنَّدَمُ على فِعْلِها، والعَزْمُ على عَدَمِ العَوْدَةِ إليها، وتَدارُكُ ما أَمْكَنَ أن يُتَدارَكَ مِن الأَعْمالِ بِالإِعادَةِ.
التَّوْبَةُ مِن أَعْظَمِ الأَعْمالِ الصَّالِحَةِ ومِن خِصالِ الأَنْبِياءِ والمُرْسَلِينَ، وهي رُجوعُ العَبْدِ مِمَّا يَكْرَهُهُ اللهُ إلى ما يُحِبُّهُ اللهُ ظاهِراً وباطِناً، وتَنْقَسِمُ التَّوْبَةُ إلى قِسمين: 1- تَوْبَةٌ في الباطِنِ: وهذه تكون بين العَبْدِ وبين رَبِّهِ، واللهُ يَقْبَلُ التّوْبَةَ إذا تَحَقَّقَت شُروطُها. 2- تَوْبَةٌ في الظَّاهِرِ: وهي التّوْبَةُ التي تَتَعَلَّقُ بِها الوِلايةُ، وقبُولُ الشَّهادَةِ، وإِسْقاطُ الحُدودِ، والحُكْم على الأَشْخاصِ ونَحْو ذلك، كتَوْبَةِ السَّاحِرِ والزِّنْدِيقِ. ومِن شُروطِ التَّوبَة: أن تَكونَ خالِصَةً لِوَجْهِ اللهِ تعالى، فلا يُرادُ بِها الدُّنْيا أو مَدْحُ النَّاسِ وثَناؤُهُم، وأن يُقْلِعَ عن المَعْصِيَةِ، وأن يَنْدَمَ على فِعْلِها، مع العَزم أن لا يَعودَ إليها في المُسْتَقْبَلِ، وأن تكون قَبْلَ طُلوعِ الشَّمْسِ مِن مَغْرِبِها، وقَبْلَ غَرْغَرَةِ الرُّوحِ عند حُضورِ المَوْتِ. وإن كانت تَتَعلَّق بِها حُقوقُ الآخَرِين فلا بدَّ مِن إرجاعِ الحُقوقِ إلى أصحابِهِا.
التَّوْبَةُ: الرُّجُوعُ مِن الذَّنْبِ والإِنابَةُ، يُقال: تابَ إلى اللهِ، يَتُوبُ، تَوْباً وتَوْبةً ومَتاباً، أيْ: أَنابَ ورَجَعَ عن المَعْصيةِ إلى الطَّاعَةِ. وأَصْلُها: الرُّجُوعُ والعَوْدَةُ.
رجوع العبد عمَّا يكرهه الله ظاهراً، وباطناً إلى ما يحبه الله ظاهراً، وباطناً. وتكون من المذنب.
* اشتقاق أسماء الله : (ص 63)
* كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم : (1/524)
* مدارج السالكين : (1/307)
* التعريفات للجرجاني : (ص 70)
* الكليات : (ص 308)
* إحياء علوم الدين : (4/2)
* العين : (8/138)
* تهذيب اللغة : (14/236)
* مقاييس اللغة : (1/375)
* لسان العرب : (1/233)
* تاج العروس : (2/77) -
التَّعْرِيفُ:
1 - التَّوْبَةُ فِي اللُّغَةِ الْعَوْدُ وَالرُّجُوعُ، يُقَال: تَابَ إِذَا رَجَعَ عَنْ ذَنْبِهِ وَأَقْلَعَ عَنْهُ. وَإِذَا أُسْنِدَ فِعْلُهَا إِلَى الْعَبْدِ يُرَادُ بِهِ رُجُوعُهُ مِنَ الزَّلَّةِ إِلَى النَّدَمِ، يُقَال: تَابَ إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً وَمَتَابًا: أَنَابَ وَرَجَعَ عَنِ الْمَعْصِيَةِ، وَإِذَا أُسْنِدَ فِعْلُهَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى يُسْتَعْمَل مَعَ صِلَةِ (عَلَى) يُرَادُ بِهِ رُجُوعُ لُطْفِهِ وَنِعْمَتِهِ عَلَى الْعَبْدِ وَالْمَغْفِرَةِ لَهُ، يُقَال: تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ: غَفَرَ لَهُ وَأَنْقَذَهُ مِنَ الْمَعَاصِي (1) . قَال اللَّهُ تَعَالَى: {ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (2) .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ التَّوْبَةُ هِيَ: النَّدَمُ وَالإِْقْلاَعُ عَنِ الْمَعْصِيَةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ مَعْصِيَةٌ لاَ؛ لأَِنَّ فِيهَا ضَرَرًا لِبَدَنِهِ وَمَالِهِ، وَالْعَزْمُ عَلَى عَدَمِ الْعَوْدِ إِلَيْهَا إِذَا قَدَرَ (3) . وَعَرَّفَهَا بَعْضُهُمْ بِأَنَّهَا الرُّجُوعُ عَنِ الطَّرِيقِ الْمُعْوَجِّ إِلَى الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ (4) .
وَعَرَّفَهَا الْغَزَالِيُّ بِأَنَّهَا: الْعِلْمُ بِعَظَمَةِ الذُّنُوبِ، وَالنَّدَمُ وَالْعَزْمُ عَلَى التَّرْكِ فِي الْحَال وَالاِسْتِقْبَال وَالتَّلاَفِي لِلْمَاضِي، وَهَذِهِ التَّعْرِيفَاتُ وَإِنِ اخْتَلَفَتْ لَفْظًا هِيَ مُتَّحِدَةٌ مَعْنًى. وَقَدْ تُطْلَقُ التَّوْبَةُ عَلَى النَّدَمِ وَحْدَهُ إِذْ لاَ يَخْلُو عَنْ عِلْمٍ أَوْجَبَهُ وَأَثْمَرَهُ وَعَنْ عَزْمٍ يَتْبَعُهُ (5) ، وَلِهَذَا قَال النَّبِيُّ ﷺ النَّدَمُ تَوْبَةٌ (6) وَالنَّدَمُ تَوَجُّعُ الْقَلْبِ وَتَحَزُّنُهُ لِمَا فَعَل وَتَمَنِّي كَوْنَهُ لَمْ يَفْعَل (7) .
قَال ابْنُ قَيِّمٍ الْجَوْزِيَّةَ: التَّوْبَةُ فِي كَلاَمِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ كَمَا تَتَضَمَّنُ الإِْقْلاَعَ عَنِ الذَّنْبِ فِي الْحَال وَالنَّدَمَ عَلَيْهِ فِي الْمَاضِي وَالْعَزْمَ عَلَى عَدَمِ الْعَوْدِ فِي الْمُسْتَقْبَل، تَتَضَمَّنُ أَيْضًا الْعَزْمَ عَلَى فِعْل الْمَأْمُورِ وَالْتِزَامِهِ، فَحَقِيقَةُ التَّوْبَةِ: الرُّجُوعُ إِلَى اللَّهِ بِالْتِزَامِ فِعْل مَا يَجِبُ وَتَرْكِ مَا يَكْرَهُ؛ وَلِهَذَا عَلَّقَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْفَلاَحَ الْمُطْلَقَ عَلَى التَّوْبَةِ (8) حَيْثُ قَال: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (9) . الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الاِعْتِذَارُ:
2 - الاِعْتِذَارُ فِي اللُّغَةِ مَصْدَرُ اعْتَذَرَ أَصْلُهُ مِنَ الْعُذْرِ، وَأَصْل الْعُذْرِ إِزَالَةُ الشَّيْءِ عَنْ جِهَتِهِ يُقَال: اعْتَذَرَ عَنْ فِعْلِهِ أَيْ أَظْهَرَ عُذْرَهُ، وَاعْتَذَرَ إِلَيَّ أَيْ طَلَبَ قَبُول مَعْذِرَتِهِ، وَاعْتَذَرَ إِلَى فُلاَنٍ فَعَذَرَهُ أَيْ: أَزَال مَا كَانَ فِي نَفْسِهِ عَلَيْهِ فِي الْحَقِيقَةِ أَوْ فِي الظَّاهِرِ. وَفِي الاِصْطِلاَحِ: الاِعْتِذَارُ إِظْهَارُ نَدَمٍ عَلَى ذَنْبٍ تُقِرُّ بِأَنَّ لَك فِي إِتْيَانِهِ عُذْرًا، وَالتَّوْبَةُ هِيَ النَّدَمُ عَلَى ذَنْبٍ تُقِرُّ بِأَنَّهُ لاَ عُذْرَ لَك فِي إِتْيَانِهِ فَكُل تَوْبَةٍ نَدَمٌ وَلاَ عَكْسَ. وَقَدْ يَكُونُ الْمُعْتَذِرُ مُحِقًّا فِيمَا فَعَلَهُ، بِخِلاَفِ التَّائِبِ مِنَ الذَّنْبِ (10) .
ب - الاِسْتِغْفَارُ:
3 - الاِسْتِغْفَارُ فِي اللُّغَةِ طَلَبُ الْمَغْفِرَةِ، وَأَصْل الْغَفْرِ التَّغْطِيَةُ وَالسَّتْرُ، يُقَال: غَفَرَ اللَّهُ ذُنُوبَهُ أَيْ سَتَرَهَا. وَفِي الاِصْطِلاَحِ طَلَبُ الْمَغْفِرَةِ بِالدُّعَاءِ وَالتَّوْبَةِ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنَ الطَّاعَةِ (11) .
قَال ابْنُ الْقَيِّمِ: الاِسْتِغْفَارُ إِذَا ذُكِرَ مُفْرَدًا يُرَادُ بِهِ التَّوْبَةُ مَعَ طَلَبِ الْمَغْفِرَةِ مِنَ اللَّهِ، وَهُوَ مَحْوُ الذَّنْبِ وَإِزَالَةُ أَثَرِهِ وَوِقَايَةُ شَرِّهِ، وَالسَّتْرُ لاَزِمٌ لِهَذَا الْمَعْنَى، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} (12) ، فَالاِسْتِغْفَارُ بِهَذَا الْمَعْنَى يَتَضَمَّنُ التَّوْبَةَ.
أَمَّا عِنْدَ اقْتِرَانِ إِحْدَى اللَّفْظَتَيْنِ بِالأُْخْرَى فَالاِسْتِغْفَارُ طَلَبُ وِقَايَةِ شَرِّ مَا مَضَى، وَالتَّوْبَةُ الرُّجُوعُ وَطَلَبُ وِقَايَةِ شَرِّ مَا يَخَافُهُ فِي الْمُسْتَقْبَل مِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِهِ (13) ، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} (14) .
أَرْكَانُ وَشُرُوطُ التَّوْبَةِ:
4 - ذَكَرَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ وَالْمُفَسِّرِينَ أَنَّ لِلتَّوْبَةِ أَرْبَعَةَ شُرُوطٍ: الإِْقْلاَعَ عَنِ الْمَعْصِيَةِ حَالاً، وَالنَّدَمَ عَلَى فِعْلِهَا فِي الْمَاضِي، وَالْعَزْمَ عَزْمًا جَازِمًا أَنْ لاَ يَعُودَ إِلَى مِثْلِهَا أَبَدًا. وَإِنْ كَانَتِ الْمَعْصِيَةُ تَتَعَلَّقُ بِحَقِّ آدَمِيٍّ، فَيُشْتَرَطُ فِيهَا رَدُّ الْمَظَالِمِ إِلَى أَهْلِهَا أَوْ تَحْصِيل الْبَرَاءَةِ مِنْهُمْ (15) .
وَصَرَّحُوا كَذَلِكَ بِأَنَّ النَّدَمَ عَلَى الْمَعْصِيَةِ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ؛ وَلِقُبْحِهَا شَرْعًا. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ: النَّدَامَةُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ لِكَوْنِهَا مَعْصِيَةً "؛ لأَِنَّ النَّدَامَةَ عَلَى الْمَعْصِيَةِ لإِِضْرَارِهَا بِبَدَنِهِ، وَإِخْلاَلِهَا بِعِرْضِهِ أَوْ مَالِهِ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ لاَ تَكُونُ تَوْبَةً، فَلَوْ نَدِمَ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ وَالزِّنَا لِلصُّدَاعِ، وَخِفَّةِ الْعَقْل، وَزَوَال الْمَال، وَخَدْشِ الْعِرْضِ لاَ يَكُونُ تَائِبًا.
وَالنَّدَمُ لِخَوْفِ النَّارِ أَوْ طَمَعِ الْجَنَّةِ يُعْتَبَرُ تَوْبَةٌ (16) .
وَاعْتَبَرَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ هَذِهِ الشُّرُوطَ أَوْ أَكْثَرَهَا مِنْ أَرْكَانِ التَّوْبَةِ فَقَالُوا: التَّوْبَةُ النَّدَمُ مَعَ الإِْقْلاَعِ وَالْعَزْمِ عَلَى عَدَمِ الْعَوْدِ، وَرَدِّ الْمَظَالِمِ، وَقَال بَعْضُهُمْ: النَّدَمُ رُكْنٌ مِنَ التَّوْبَةِ، وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ الإِْقْلاَعَ عَنِ الذَّنْبِ وَالْعَزْمَ عَلَى عَدَمِ الْعَوْدَةِ، وَأَمَّا رَدُّ الْمَظَالِمِ لأَِهْلِهَا فَوَاجِبٌ مُسْتَقِلٌّ لَيْسَ شَرْطًا فِي صِحَّةِ التَّوْبَةِ (17) . وَيُؤَيِّدُ هَذَا الرَّأْيَ مَا وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَال: النَّدَمُ تَوْبَةٌ (18) .
وَعَلَى جَمِيعِ الاِعْتِبَارَاتِ لاَ بُدَّ مِنَ التَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ الإِْقْلاَعَ عَنِ الذَّنْبِ لاَ يَتِمُّ إِلاَّ بِرَدِّ الْحُقُوقِ إِلَى أَهْلِهَا، أَوْ بِاسْتِحْلاَلِهِمْ مِنْهَا فِي حَالَةِ الْقُدْرَةِ، وَهَذَا كَمَا يَلْزَمُ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ يَلْزَمُ كَذَلِكَ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، كَدَفْعِ الزَّكَوَاتِ، وَالْكَفَّارَاتِ إِلَى مُسْتَحِقِّيهَا (19) . وَرَدُّ الْحُقُوقِ يَكُونُ حَسَبَ إِمْكَانِهِ، فَإِنْ كَانَ الْمَسْرُوقُ أَوِ الْمَغْصُوبُ مَوْجُودًا رَدَّهُ بِعَيْنِهِ، وَإِلاَّ يَرُدُّ الْمِثْل إِنْ كَانَا مِثْلِيَّيْنِ وَالْقِيمَةَ إِنْ كَانَا قِيَمِيَّيْنِ، وَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ نَوَى رَدَّهُ مَتَى قَدَرَ عَلَيْهِ، وَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ بِنِيَّةِ الضَّمَانِ لَهُ إِنْ وَجَدَهُ. فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ فِيهَا حَقٌّ، فَإِنْ كَانَ حَقًّا لآِدَمِيٍّ كَالْقِصَاصِ اشْتَرَطَ فِي التَّوْبَةِ التَّمْكِينَ مِنْ نَفْسِهِ وَبَذْلَهَا لِلْمُسْتَحِقِّ، وَإِنْ كَانَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى كَحَدِّ الزِّنَى وَشُرْبِ الْخَمْرِ فَتَوْبَتُهُ بِالنَّدَمِ وَالْعَزْمِ عَلَى عَدَمِ الْعَوْدِ، وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ فِي آثَارِ التَّوْبَةِ (20) .
إِعْلاَنُ التَّوْبَةِ:
5 - قَال ابْنُ قُدَامَةَ: التَّوْبَةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ بَاطِنَةٍ وَحُكْمِيَّةٍ، فَأَمَّا الْبَاطِنَةُ: فَهِيَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ تَعَالَى، فَإِنْ كَانَتِ الْمَعْصِيَةُ لاَ تُوجِبُ حَقًّا عَلَيْهِ فِي الْحُكْمِ كَقُبْلَةِ أَجْنَبِيَّةٍ أَوِ الْخَلْوَةِ بِهَا، وَشُرْبِ مُسْكِرٍ، أَوْ كَذِبٍ، فَالتَّوْبَةُ مِنْهُ النَّدَمُ وَالْعَزْمُ عَلَى أَنْ لاَ يَعُودَ وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَال:
النَّدَمُ تَوْبَةٌ (21) وَقِيل: التَّوْبَةُ النَّصُوحُ تَجْمَعُ أَرْبَعَةَ أَشْيَاءَ، النَّدَمَ بِالْقَلْبِ، وَالاِسْتِغْفَارَ بِاللِّسَانِ، وَإِضْمَارَ أَنْ لاَ يَعُودَ، وَمُجَانَبَةَ خُلَطَاءِ السُّوءِ، وَإِنْ كَانَتْ تُوجِبُ عَلَيْهِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لآِدَمِيٍّ كَمَنْعِ الزَّكَاةِ وَالْغَصْبِ، فَالتَّوْبَةُ مِنْهُ بِمَا ذَكَرْنَا، وَتَرْكُ الْمَظْلِمَةِ حَسَبَ إِمْكَانِهِ بِأَنْ يُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ وَيَرُدَّ الْمَغْصُوبَ أَوْ مِثْلَهُ إِنْ كَانَ مِثْلِيًّا، وَإِلاَّ قِيمَتَهُ. وَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ نَوَى رَدَّهُ مَتَى قَدَرَ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ فِيهَا حَقٌّ فِي الْبَدَنِ، فَإِنْ كَانَ حَقًّا لآِدَمِيٍّ كَالْقِصَاصِ وَحَدِّ الْقَذْفِ اشْتَرَطَ فِي التَّوْبَةِ التَّمْكِينَ مِنْ نَفْسِهِ وَبَذْلَهَا لِلْمُسْتَحِقِّ، وَإِنْ كَانَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى كَحَدِّ الزِّنَى، وَشُرْبِ الْخَمْرِ فَتَوْبَتُهُ أَيْضًا بِالنَّدَمِ، وَالْعَزْمِ عَلَى تَرْكِ الْعَوْدِ وَلاَ يُشْتَرَطُ الإِْقْرَارُ بِهِ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لَمْ يَشْتَهِرْ عَنْهُ فَالأَْوْلَى لَهُ سَتْرُ نَفْسِهِ، وَالتَّوْبَةُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، لأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: مَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِ لَنَا صَفْحَتَهُ نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ اللَّهِ (22) فَإِنَّ الْغَامِدِيَّةَ حِينَ أَقَرَّتْ بِالزِّنَى لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهَا النَّبِيُّ ﷺ ذَلِكَ (23) ، وَإِنْ كَانَتْ مَعْصِيَةً مَشْهُورَةً فَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ الأَْوْلَى الإِْقْرَارُ بِهِ لِيُقَامَ عَلَيْهِ الْحَدُّ؛ لأَِنَّهُ إِذَا كَانَ مَشْهُورًا فَلاَ فَائِدَةَ فِي تَرْكِ إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ تَرْكَ الإِْقْرَارِ أَوْلَى؛ لأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ عَرَّضَ لِلْمُقِرِّ عِنْدَهُ بِالرُّجُوعِ عَنِ الإِْقْرَارِ فَعَرَّضَ لِمَاعِزٍ (24) ، وَلِلْمُقِرِّ عِنْدَهُ بِالسَّرِقَةِ (25) بِالرُّجُوعِ مَعَ اشْتِهَارِهِ عَنْهُ بِإِقْرَارِهِ، وَكَرِهَ الإِْقْرَارَ حَتَّى إِنَّهُ قِيل لَمَّا قُطِعَ السَّارِقُ كَأَنَّمَا أَسِفَ وَجْهُهُ رَمَادًا، وَلَمْ يَرِدِ الأَْمْرُ بِالإِْقْرَارِ وَلاَ الْحَثُّ عَلَيْهِ فِي كِتَابٍ وَلاَ سُنَّةٍ، وَلاَ يَصِحُّ لَهُ قِيَاسٌ. إِنَّمَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِالسَّتْرِ وَالاِسْتِتَارِ وَالتَّعْرِيضِ لِلْمُقِرِّ بِالرُّجُوعِ عَنِ الإِْقْرَارِ، وَقَال لِهُزَالٍ وَكَانَ هُوَ الَّذِي أَمَرَ مَاعِزًا بِالإِْقْرَارِ يَا هُزَال لَوْ سَتَرْته بِثَوْبِك كَانَ خَيْرًا لَك (26) .
وَقَال أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: تَوْبَةُ هَذَا إِقْرَارُهُ لِيُقَامَ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِمَا ذَكَرْنَا؛ وَلأَِنَّ التَّوْبَةَ تُوجَدُ حَقِيقَتُهَا بِدُونِ الإِْقْرَارِ وَهِيَ تَجُبُّ مَا قَبْلَهَا، كَمَا وَرَدَ فِي الأَْخْبَارِ مَعَ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الآْيَاتُ فِي مَغْفِرَةِ الذُّنُوبِ بِالاِسْتِغْفَارِ وَتَرْكِ الإِْصْرَارِ. وَأَمَّا الْبِدْعَةُ فَالتَّوْبَةُ مِنْهَا بِالاِعْتِرَافِ بِهَا، وَالرُّجُوعِ عَنْهَا، وَاعْتِقَادِ ضِدِّ مَا كَانَ يَعْتَقِدُ مِنْهَا (27) . عَدَمُ الْعَوْدِ:
6 - لاَ يُشْتَرَطُ فِي التَّوْبَةِ عَدَمُ الْعَوْدِ إِلَى الذَّنْبِ الَّذِي تَابَ مِنْهُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ، وَإِنَّمَا تَتَوَقَّفُ التَّوْبَةُ عَلَى الإِْقْلاَعِ عَنِ الذَّنْبِ وَالنَّدَمِ عَلَيْهِ وَالْعَزْمِ الْجَازِمِ عَلَى تَرْكِ مُعَاوَدَتِهِ، فَإِنْ عَاوَدَهُ مَعَ عَزْمِهِ حَال التَّوْبَةِ عَلَى أَنْ لاَ يُعَاوِدَهُ صَارَ كَمَنْ ابْتَدَأَ الْمَعْصِيَةَ، وَلَمْ تَبْطُل تَوْبَتُهُ الْمُتَقَدِّمَةُ، وَلاَ يَعُودُ إِلَيْهِ إِثْمُ الذَّنْبِ الَّذِي ارْتَفَعَ بِالتَّوْبَةِ، وَصَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ وَذَلِكَ بِنَصِّ الْحَدِيثِ: التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لاَ ذَنْبَ لَهُ (28) .
وَقَال بَعْضُهُمْ يَعُودُ إِلَيْهِ إِثْمُ الذَّنْبِ الأَْوَّل؛ لأَِنَّ التَّوْبَةَ مِنَ الذَّنْبِ بِمَنْزِلَةِ الإِْسْلاَمِ مِنَ الْكُفْرِ، وَالْكَافِرُ إِذَا أَسْلَمَ هَدَمَ إِسْلاَمُهُ مَا قَبْلَهُ مِنْ إِثْمِ الْكُفْرِ وَتَوَابِعِهِ، فَإِذَا ارْتَدَّ عَادَ إِلَيْهِ الإِْثْمُ الأَْوَّل مَعَ الرِّدَّةِ.
وَالْحَقُّ أَنَّ عَدَمَ مُعَاوَدَةِ الذَّنْبِ وَاسْتِمْرَارَ التَّوْبَةِ شَرْطٌ فِي كَمَال التَّوْبَةِ وَنَفْعِهَا الْكَامِل لاَ فِي صِحَّةِ مَا مَضَى مِنْهَا.
هَذَا وَاشْتَرَطَ الشَّافِعِيَّةُ فِي ثُبُوتِ بَعْضِ أَحْكَامِ التَّوْبَةِ إِصْلاَحَ الْعَمَل، فَلاَ تَكْفِي التَّوْبَةُ حَتَّى تَمْضِيَ عَلَيْهِ مُدَّةٌ تَظْهَرُ فِيهَا آثَارُ التَّوْبَةِ وَيَتَبَيَّنُ فِيهَا صَلاَحُهُ عَلَى تَفْصِيلٍ يَأْتِي فِي آثَارِ التَّوْبَةِ (29) .
التَّوْبَةُ مِنْ بَعْضِ الذُّنُوبِ:
7 - تَصِحُّ التَّوْبَةُ مِنْ ذَنْبٍ مَعَ الإِْصْرَارِ عَلَى غَيْرِهِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، فَالتَّوْبَةُ تَتَبَعَّضُ كَالْمَعْصِيَةِ وَتَتَفَاضَل فِي كَمِّيَّتِهَا كَمَا تَتَفَاضَل فِي كَيْفِيَّتِهَا، فَكُل ذَنْبٍ لَهُ تَوْبَةٌ تَخُصُّهُ، وَلاَ تَتَوَقَّفُ التَّوْبَةُ مِنْ ذَنْبٍ عَلَى التَّوْبَةِ مِنْ بَقِيَّةِ الذُّنُوبِ، كَمَا لاَ يَتَعَلَّقُ أَحَدُ الذَّنْبَيْنِ بِالآْخَرِ، وَكَمَا يَصِحُّ إِيمَانُ الْكَافِرِ مَعَ إِدَامَتِهِ شُرْبَ الْخَمْرِ وَالزِّنَى تَصِحُّ التَّوْبَةُ عَنْ ذَنْبٍ مَعَ الإِْصْرَارِ عَلَى آخَرَ (30) .
وَنَقَل ابْنُ الْقَيِّمِ قَوْلاً بِعَدَمِ قَبُول التَّوْبَةِ مِنْ ذَنْبٍ مَعَ الإِْصْرَارِ عَلَى غَيْرِهِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ ثُمَّ قَال: وَاَلَّذِي عِنْدِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ التَّوْبَةَ لاَ تَصِحُّ مِنْ ذَنْبٍ مَعَ الإِْصْرَارِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ نَوْعِهِ، وَأَمَّا التَّوْبَةُ مِنْ ذَنْبٍ مَعَ مُبَاشَرَةِ ذَنْبٍ آخَرَ لاَ تَعَلُّقَ لَهُ بِهِ وَلاَ هُوَ مِنْ نَوْعِهِ فَتَصِحُّ، كَمَا إِذَا تَابَ مِنَ الرِّبَا، وَلَمْ يَتُبْ مِنْ شُرْبِ الْخَمْرِ مَثَلاً فَإِنَّ تَوْبَتَهُ مِنَ الرِّبَا صَحِيحَةٌ، وَأَمَّا إِذَا تَابَ مِنْ رِبَا الْفَضْل وَلَمْ يَتُبْ مِنْ رِبَا النَّسِيئَةِ أَوْ بِالْعَكْسِ، أَوْ تَابَ مِنْ تَنَاوُل الْحَشِيشَةِ وَأَصَرَّ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ أَوْ بِالْعَكْسِ فَهَذَا لاَ تَصِحُّ تَوْبَتُهُ، كَمَنْ يَتُوبُ عَنْ زِنَى بِامْرَأَةٍ وَهُوَ مُصِرٌّ عَلَى الزِّنَى بِغَيْرِهَا (31) .
أَقْسَامُ التَّوْبَةِ:
8 - صَرَّحَ بَعْضُ فُقَهَاءِ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ أَنَّ التَّوْبَةَ نَوْعَانِ: تَوْبَةٌ فِي الْبَاطِنِ، وَتَوْبَةٌ فِي الظَّاهِرِ.
فَأَمَّا التَّوْبَةُ فِي الْبَاطِنِ: فَهِيَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ ﷿، فَيُنْظَرُ فِي الْمَعْصِيَةِ فَإِنْ لَمْ تَتَعَلَّقْ بِهَا مَظْلَمَةٌ لآِدَمِيٍّ، وَلاَ حَدٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، كَالاِسْتِمْتَاعِ بِالأَْجْنَبِيَّةِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ، فَالتَّوْبَةُ مِنْهَا أَنْ يُقْلِعَ عَنْهَا وَيَنْدَمَ عَلَى فِعْل مَا فَعَل، وَيَعْزِمَ عَلَى أَنْ لاَ يَعُودَ إِلَى مِثْلِهَا. وَالدَّلِيل عَلَى، ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا} (32) الآْيَةَ.
وَإِنْ تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ آدَمِيٍّ، فَالتَّوْبَةُ مِنْهَا أَنْ يُقْلِعَ عَنْهَا، وَيَنْدَمَ عَلَى مَا فَعَل، وَيَعْزِمَ عَلَى أَنْ لاَ يَعُودَ إِلَى مِثْلِهَا، وَأَنْ يَبْرَأَ مِنْ حَقِّ الآْدَمِيِّ، إِمَّا بِأَنْ يُؤَدِّيَهُ أَوْ يَسْأَلَهُ حَتَّى يُبْرِئَهُ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى صَاحِبِ الْحَقِّ نَوَى أَنَّهُ إِنْ قَدَرَ أَوْفَاهُ حَقَّهُ.
وَإِنْ تَعَلَّقَ بِالْمَعْصِيَةِ حَدٌّ لِلَّهِ، كَحَدِّ الزِّنَى وَالشُّرْبِ، فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ ذَلِكَ، فَالأَْوْلَى أَنْ يَسْتُرَهُ عَلَى نَفْسِهِ (33) لِقَوْلِهِ ﵊: مَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ (34) .
وَأَمَّا التَّوْبَةُ فِي الظَّاهِرِ - وَهِيَ الَّتِي تَعُودُ بِهَا الْعَدَالَةُ وَالْوِلاَيَةُ وَقَبُول الشَّهَادَةِ، فَإِنْ كَانَتِ الْمَعْصِيَةُ فِعْلاً كَالزِّنَى وَالسَّرِقَةِ لَمْ يَحْكُمْ بِصِحَّةِ التَّوْبَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ حَتَّى يَصْلُحَ عَمَلُهُ، وَقَدَّرُوهَا بِسَنَةٍ أَوْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، أَوْ حَتَّى ظُهُورِ عَلاَمَاتِ الصَّلاَحِ عَلَى اخْتِلاَفِ أَقْوَالِهِمْ خِلاَفًا لِجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَشْتَرِطُوا إِصْلاَحَ الْعَمَل بَعْدَ التَّوْبَةِ، وَإِنْ كَانَتِ الْمَعْصِيَةُ قَذْفًا أَوْ شَهَادَةَ زُورٍ فَلاَ بُدَّ مِنْ إِكْذَابِ نَفْسِهِ كَمَا سَيَأْتِي (35) .
التَّوْبَةُ النَّصُوحُ:
9 - أَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْمُؤْمِنِينَ بِالتَّوْبَةِ النَّصُوحِ لِيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ فَقَال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَْنْهَارُ} (36) .
وَاخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ الْعُلَمَاءِ فِيهَا، وَأَشْهَرُهَا مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ ﵃، وَرُوِيَ مَرْفُوعًا أَنَّ التَّوْبَةَ النَّصُوحَ هِيَ الَّتِي لاَ عَوْدَةَ بَعْدَهَا كَمَا لاَ يَعُودُ اللَّبَنُ إِلَى الضَّرْعِ (37) . وَقِيل: هِيَ النَّدَمُ بِالْقَلْبِ، وَالاِسْتِغْفَارُ بِاللِّسَانِ، وَالإِْقْلاَعُ عَنِ الذَّنْبِ، وَالاِطْمِئْنَانُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَعُودُ (38) .
حُكْمُ التَّوْبَةِ:
10 - التَّوْبَةُ مِنَ الْمَعْصِيَةِ وَاجِبَةٌ شَرْعًا عَلَى الْفَوْرِ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ؛ لأَِنَّهَا مِنْ أُصُول الإِْسْلاَمِ الْمُهِمَّةِ وَقَوَاعِدِ الدِّينِ، وَأَوَّل مَنَازِل السَّالِكِينَ (39) ، قَال اللَّهُ تَعَالَى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (40) .
وَقْتُ التَّوْبَةِ:
11 - إِذَا أَخَّرَ الْمُذْنِبُ التَّوْبَةَ إِلَى آخِرِ حَيَاتِهِ، فَإِنْ ظَل آمِلاً فِي الْحَيَاةِ غَيْرَ يَائِسٍ بِحَيْثُ لاَ يَعْلَمُ قَطْعًا أَنَّ الْمَوْتَ يُدْرِكُهُ لاَ مَحَالَةَ فَتَوْبَتُهُ مَقْبُولَةٌ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، وَإِنْ كَانَ قَرِيبًا مِنَ الْمَوْتِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَل التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ} (41) وَلِقَوْلِهِ ﵊: إِنَّ اللَّهَ يَقْبَل تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ (42) .
وَإِنْ قَطَعَ الأَْمَل مِنَ الْحَيَاةِ وَكَانَ فِي حَالَةِ الْيَأْسِ (مُشَاهَدَةُ دَلاَئِل الْمَوْتِ) فَاخْتَلَفُوا فِيهِ:
قَال الْمَالِكِيَّةُ - وَهُوَ قَوْل بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ: وَوَجْهٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَرَأْيٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَنُسِبَ إِلَى مَذْهَبِ الأَْشَاعِرَةِ: إِنَّهُ لاَ تُقْبَل تَوْبَةُ الْيَائِسِ الَّذِي يُشَاهِدُ دَلاَئِل الْمَوْتِ، بِدَلِيل قَوْله تَعَالَى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَال إِنِّي تُبْتُ الآْنَ} (43) الآْيَةَ.
قَالُوا: إِنَّ الآْيَةَ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ يَرْتَكِبُونَ الذُّنُوبَ وَيُؤَخِّرُونَ التَّوْبَةَ إِلَى وَقْتِ الْغَرْغَرَةِ، بِدَلِيل قَوْله تَعَالَى بَعْدَهُ: {وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ} (44) لأَِنَّهُ تَعَالَى جَمَعَ بَيْنَ مَنْ أَخَّرَ التَّوْبَةَ إِلَى حُضُورِ الْمَوْتِ مِنَ الْفَسَقَةِ وَبَيْنَ مَنْ يَمُوتُ وَهُوَ كَافِرٌ، فَلاَ تُقْبَل تَوْبَةُ الْيَائِسِ كَمَا لاَ يُقْبَل إِيمَانُهُ. وَلِقَوْلِهِ ﷺ: إِنَّ اللَّهَ يَقْبَل التَّوْبَةَ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ وَهَذَا يَدُل عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطْ لِصِحَّةِ التَّوْبَةِ صُدُورُهَا قَبْل الْغَرْغَرَةِ، وَهِيَ حَالَةُ الْيَأْسِ وَبُلُوغُ الرُّوحِ الْحُلْقُومَ (45) .
وَعِنْدَ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ - وَهُوَ وَجْهٌ آخَرُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ - وَعَزَاهُ بَعْضُهُمْ إِلَى مَذْهَبِ الْمَاتُرِيدِيَّةِ أَنَّ الْمُؤْمِنَ الْعَاصِيَ تُقْبَل تَوْبَتُهُ وَلَوْ فِي حَالَةِ الْغَرْغَرَةِ، بِخِلاَفِ إِيمَانِ الْيَائِسِ فَإِنَّهُ لاَ يُقْبَل، وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْكَافِرَ غَيْرُ عَارِفٍ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَيَبْدَأُ إِيمَانًا وَعِرْفَانًا، وَالْفَاسِقُ عَارِفٌ وَحَالُهُ حَال الْبَقَاءِ، وَالْبَقَاءُ أَسْهَل مِنَ الاِبْتِدَاءِ (46) وَلإِِطْلاَقِ قَوْله تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَل التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} (47) .
وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي عَدَمِ قَبُول تَوْبَةِ الْكَافِرِ بِإِسْلاَمِهِ فِي حَالَةِ الْيَأْسِ (48) بِدَلِيل قَوْله تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ حَال فِرْعَوْنَ: {حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَال آمَنْتُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيل وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ الآْنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْل وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} (49) .
مَنْ تُقْبَل تَوْبَتُهُمْ وَمَنْ لاَ تُقْبَل:
12 - تَقَدَّمَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَقْبَل التَّوْبَةَ مِنَ الْكَافِرِ وَالْمُسْلِمِ الْعَاصِي بِفَضْلِهِ وَإِحْسَانِهِ كَمَا وَعَدَ فِي كِتَابِهِ الْمَجِيدِ حَيْثُ قَال: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَل التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ} (50) لَكِنْ هُنَاكَ بَعْضُ الْحَالاَتِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي قَبُول التَّوْبَةِ فِيهَا نَظَرًا لِلأَْدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ الْخَاصَّةِ بِهَا وَمِنْ هَذِهِ الْحَالاَتِ:
أ - تَوْبَةُ الزِّنْدِيقِ:
13 - الزِّنْدِيقُ هُوَ الَّذِي لاَ يَتَمَسَّكُ بِشَرِيعَةٍ وَلاَ يَتَدَيَّنُ بِدِينٍ (51) .
وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ، (الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَرَأْيٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ) عَلَى أَنَّهُ لاَ تُقْبَل تَوْبَةُ الزِّنْدِيقِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا} (52) الآْيَةَ. وَالزِّنْدِيقُ لاَ يَظْهَرُ مِنْهُ بِالتَّوْبَةِ خِلاَفُ مَا كَانَ عَلَيْهِ؛ لأَِنَّهُ كَانَ يُظْهِرُ الإِْسْلاَمَ مُسِرًّا بِالْكُفْرِ؛ وَلأَِنَّ التَّوْبَةَ عِنْدَ الْخَوْفِ عَيْنُ الزَّنْدَقَةِ. لَكِنِ الْمَالِكِيَّةُ صَرَّحُوا بِقَبُول التَّوْبَةِ مِنَ الزِّنْدِيقِ إِذَا أَظْهَرَهَا قَبْل الاِطِّلاَعِ عَلَيْهِ (53) .
وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَهِيَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ أَنَّ الزِّنْدِيقَ تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُرْتَدِّ فَتُقْبَل تَوْبَتُهُ بِشُرُوطِهَا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُل لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} (54) .
وَأَلْحَقَ الشَّافِعِيَّةُ بِالزَّنَادِقَةِ الْبَاطِنِيَّةَ بِمُخْتَلَفِ فِرَقِهِمْ (55) ، كَمَا أَلْحَقَ بِهِمِ الْحَنَابِلَةُ الْحُلُولِيَّةَ وَالإِْبَاحِيَّةَ وَسَائِرَ الطَّوَائِفِ الْمَارِقِينَ مِنَ الدِّينِ (56) .
ب - تَوْبَةُ مَنْ تَكَرَّرَتْ رِدَّتُهُ:
14 - صَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ - وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَنُسِبَ إِلَى مَالِكٍ بِأَنَّهُ لاَ تُقْبَل تَوْبَةُ مَنْ تَكَرَّرَتْ رِدَّتُهُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً} (57) . وَلِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَل تَوْبَتُهُمْ} (58) وَالاِزْدِيَادُ يَقْتَضِي كُفْرًا جَدِيدًا لاَ بُدَّ مِنْ تَقَدُّمِ إِيمَانٍ عَلَيْهِ.
وَلِمَا رُوِيَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ ﵁ أُتِيَ بِرَجُلٍ فَقَال لَهُ: إِنَّهُ أُتِيَ بِك مَرَّةً فَزَعَمْتَ أَنَّك تُبْتَ وَأَرَاكَ قَدْ عُدْتَ فَقَتَلَهُ. وَلأَِنَّ تَكْرَارَ الرِّدَّةِ مِنْهُ يَدُل عَلَى فَسَادِ عَقِيدَتِهِ وَقِلَّةِ مُبَالاَتِهِ بِالدِّينِ فَيُقْتَل (59) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ: إِنَّهُ تُقْبَل تَوْبَةُ الْمُرْتَدِّ وَلَوْ تَكَرَّرَتْ رِدَّتُهُ؛ لإِِطْلاَقِ قَوْله تَعَالَى: {قُل لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} (60) وَلِقَوْلِهِ ﵊: أُمِرْت أَنْ أُقَاتِل النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، فَإِذَا قَالُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلاَّ بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ (61) . لَكِنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْمُرْتَدَّ الْمُتَكَرِّرَةُ مِنْهُ الرِّدَّةُ إِذَا تَابَ ثَانِيًا عُزِّرَ بِالضَّرْبِ أَوْ بِالْحَبْسِ وَلاَ يُقْتَل، قَال ابْنُ عَابِدِينَ: إِذَا ارْتَدَّ ثَانِيًا ثُمَّ تَابَ ضَرَبَهُ الإِْمَامُ وَخَلَّى سَبِيلَهُ، وَإِنِ ارْتَدَّ ثَالِثًا ثُمَّ تَابَ ضَرَبَهُ ضَرْبًا وَجِيعًا وَحَبَسَهُ حَتَّى تَظْهَرَ عَلَيْهِ آثَارُ التَّوْبَةِ وَيَرَى أَنَّهُ مُخْلِصٌ ثُمَّ خَلَّى سَبِيلَهُ، فَإِنْ عَادَ فَعَل بِهِ هَكَذَا أَبَدًا مَا دَامَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الإِْسْلاَمِ،
وَقَدْ جَاءَ مِثْل هَذَا عَنِ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ (62) .
ج - تَوْبَةُ السَّاحِرِ:
15 - السِّحْرُ عِلْمٌ يُسْتَفَادُ مِنْهُ حُصُول مَلَكَةٍ نَفْسَانِيَّةٍ يَقْتَدِرُ بِهَا عَلَى أَفْعَالٍ غَرِيبَةٍ بِأَسْبَابٍ خَفِيَّةٍ.
وَعَرَّفَهُ ابْنُ خَلْدُونٍ بِأَنَّهُ عِلْمٌ بِكَيْفِيَّةِ اسْتِعْدَادَاتٍ تَقْتَدِرُ النُّفُوسُ الْبَشَرِيَّةُ بِهَا عَلَى التَّأْثِيرَاتِ فِي عَالَمِ الْعَنَاصِرِ بِغَيْرِ مُعَيَّنٍ.
وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ تَعْلِيمَهُ وَتَعَلُّمَهُ حَرَامٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} (63) فَذَمَّهُمْ عَلَى تَعْلِيمِهِ؛ وَلأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ عَدَّهُ مِنَ السَّبْعِ الْمُوبِقَاتِ. قَال ابْنُ قُدَامَةَ لاَ نَعْلَمُ فِيهِ خِلاَفًا بَيْنَ أَهْل الْعِلْمِ.
وَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ لاَ تُقْبَل تَوْبَةُ السَّاحِرِ فَيَجِبُ قَتْلُهُ وَلاَ يُسْتَتَابُ، وَذَلِكَ لِسَعْيِهِ بِالْفَسَادِ وَلاَ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ كُفْرِهِ مُطْلَقًا عَدَمُ قَتْلِهِ؛ لأَِنَّ قَتْلَهُ بِسَبَبِ سَعْيِهِ بِالْفَسَادِ، فَإِذَا ثَبَتَ ضَرَرُهُ وَلَوْ بِغَيْرِ مُكَفِّرٍ يُقْتَل دَفْعًا لِشَرِّهِ كَالْخَنَّاقِ وَقَطَّاعِ الطَّرِيقِ. وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ.
وَحَدُّ السَّاحِرِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ الْقَتْل وَيَكْفُرُ بِتَعَلُّمِهِ وَفِعْلِهِ سَوَاءٌ اعْتَقَدَ تَحْرِيمَهُ أَوْ إِبَاحَتَهُ.
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُل عَلَى أَنَّهُ لاَ يَكْفُرُ (64) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِذَا حُكِمَ بِكُفْرِهِ فَإِنْ كَانَ مُجَاهِرًا بِهِ يُقْتَل إِلاَّ أَنْ يَتُوبَ فَتُقْبَل تَوْبَتُهُ، وَإِنْ كَانَ يُخْفِيهِ فَهُوَ كَالزِّنْدِيقِ لاَ تُقْبَل تَوْبَتُهُ (65) .
16 - وَالدَّلِيل عَلَى عَدَمِ قَبُول تَوْبَةِ السَّاحِرِ حَدِيثُ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: حَدُّ السَّاحِرِ ضَرْبَةٌ بِالسَّيْفِ (66) فَسَمَّاهُ حَدًّا وَالْحَدُّ بَعْدَ ثُبُوتِ سَبَبِهِ لاَ يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ. وَلِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ ﵂ قَالَتْ: إِنَّ السَّاحِرَةَ سَأَلَتْ أَصْحَابَ النَّبِيِّ ﷺ - وَهُمْ مُتَوَافِرُونَ - هَل لَهَا مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَمَا أَفْتَاهَا أَحَدٌ (67) ، وَلأَِنَّهُ لاَ طَرِيقَ لَنَا إِلَى إِخْلاَصِهِ فِي تَوْبَتِهِ لأَِنَّهُ يُضْمِرُ السِّحْرَ وَلاَ يَجْهَرُ بِهِ، فَيَكُونُ إِظْهَارُ الإِْسْلاَمِ وَالتَّوْبَةِ خَوْفًا مِنَ الْقَتْل مَعَ بَقَائِهِ عَلَى تِلْكَ الْمَفْسَدَةِ (68) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: إِنْ عَلَّمَ أَوْ تَعَلَّمَ السِّحْرَ وَاعْتَقَدَ تَحْرِيمَهُ لَمْ يَكْفُرْ، وَإِنِ اعْتَقَدَ إِبَاحَتَهُ مَعَ الْعِلْمِ بِتَحْرِيمِهِ كَفَرَ؛ لأَِنَّهُ كَذَّبَ اللَّهَ تَعَالَى فِي خَبَرِهِ وَيُقْتَل كَمَا يُقْتَل الْمُرْتَدُّ (69) .
فَالظَّاهِرُ مِنْ كَلاَمِهِمْ أَنَّهُ تُقْبَل تَوْبَةُ السَّاحِرِ كَمَا تُقْبَل تَوْبَةُ الْمُرْتَدِّ. وَهَذَا مَا قَرَّرَهُ الْحَنَابِلَةُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ عِنْدَهُمْ حَيْثُ قَالُوا: إِنَّ السَّاحِرَ إِنْ تَابَ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ؛ لأَِنَّهُ لَيْسَ بِأَعْظَمَ مِنَ الشِّرْكِ، وَالْمُشْرِكُ يُسْتَتَابُ وَمَعْرِفَةُ السِّحْرِ لاَ تَمْنَعُ قَبُول تَوْبَتِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَبِل تَوْبَةَ سَحَرَةِ فِرْعَوْنَ (70) .
وَفِي الْجُمْلَةِ، فَالْخِلاَفُ فِي قَبُول تَوْبَةِ هَذِهِ الطَّوَائِفِ، إِنَّمَا هُوَ فِي الظَّاهِرِ مِنْ أَحْكَامِ الدُّنْيَا مِنْ تَرْكِ قَتْلِهِمْ وَثُبُوتِ أَحْكَامِ الإِْسْلاَمِ فِي حَقِّهِمْ، وَأَمَّا قَبُول اللَّهِ لَهَا فِي الْبَاطِنِ وَغُفْرَانُهُ لِمَنْ تَابَ وَأَقْلَعَ ظَاهِرًا أَوْ بَاطِنًا فَلاَ خِلاَفَ فِيهِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَسُدَّ بَابَ التَّوْبَةِ عَنْ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ (71) وَقَدْ قَال فِي الْمُنَافِقِينَ: {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاَللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِي اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} (72)
وَتَفْصِيل مَا يَتَّصِل بِالسِّحْرِ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (سِحْرٌ) .
آثَارُ التَّوْبَةِ:
أَوَّلاً: فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ:
17 - التَّوْبَةُ بِمَعْنَى النَّدَمِ عَلَى مَا مَضَى وَالْعَزْمِ عَلَى عَدَمِ الْعَوْدِ لِمِثْلِهِ لاَ تَكْفِي لإِِسْقَاطِ حَقٍّ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ. فَمَنْ سَرَقَ مَال أَحَدٍ أَوْ غَصَبَهُ أَوْ أَسَاءَ إِلَيْهِ بِطَرِيقَةٍ أُخْرَى لاَ يَتَخَلَّصُ مِنَ الْمُسَائِلَةِ بِمُجَرَّدِ النَّدَمِ وَالإِْقْلاَعِ عَنِ الذَّنْبِ وَالْعَزْمِ عَلَى عَدَمِ الْعَوْدِ، بَل لاَ بُدَّ مِنْ رَدِّ الْمَظَالِمِ، وَهَذَا الأَْصْل مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ (73) .
قَال النَّوَوِيُّ: إِنْ كَانَتِ الْمَعْصِيَةُ قَدْ تَعَلَّقَ بِهَا حَقٌّ مَالِيٌّ كَمَنْعِ الزَّكَاةِ وَالْغَصْبِ وَالْجِنَايَاتِ، فِي أَمْوَال النَّاسِ وَجَبَ مَعَ ذَلِكَ تَبْرِئَةُ الذِّمَّةِ عَنْهُ بِأَنْ يُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ، وَيَرُدَّ أَمْوَال النَّاسِ إِنْ بَقِيَتْ، وَيَغْرَمَ بَدَلَهَا إِنْ لَمْ تَبْقَ، أَوْ يَسْتَحِل الْمُسْتَحِقَّ فَيُبَرِّئَهُ، وَيَجِبُ أَنْ يُعْلِمَ الْمُسْتَحِقُّ إِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْحَقِّ وَأَنْ يُوَصِّلَهُ إِلَيْهِ إِنْ كَانَ غَائِبًا إِنْ كَانَ غَصَبَهُ هُنَاكَ. فَإِنْ مَاتَ سَلَّمَهُ إِلَى وَارِثِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ وَانْقَطَعَ خَبَرُهُ رَفَعَهُ إِلَى قَاضٍ تُرْضَى سِيرَتُهُ وَدِيَانَتُهُ، فَإِنْ تَعَذَّرَ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ بِنِيَّةِ الضَّمَانِ لَهُ إِنْ وَجَدَهُ.
وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا نَوَى الضَّمَانَ إِذَا قَدَرَ. فَإِنْ مَاتَ قَبْل الْقُدْرَةِ فَالْمَرْجُوُّ مِنْ فَضْل اللَّهِ تَعَالَى الْمَغْفِرَةُ،
وَإِنْ كَانَ حَقًّا لِلْعِبَادِ لَيْسَ بِمَالِيٍّ كَالْقِصَاصِ وَحَقِّ الْقَذْفِ فَيَأْتِي الْمُسْتَحِقَّ وَيُمَكِّنُهُ مِنَ الاِسْتِيفَاءِ، فَإِنْ شَاءَ اقْتَصَّ وَإِنْ شَاءَ عَفَا (74) .
وَمِثْلُهُ مَا ذَكَرَهُ فُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ مَعَ تَفْصِيلٍ فِي بَعْضِ الْفُرُوعِ حَسَبَ نَوْعِيَّةِ الْمَعْصِيَةِ وَتَنَاسُبِ التَّوْبَةِ مَعَهَا كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي مَوَاضِعِهَا (75) .
ثَانِيًا: فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى:
18 - حُقُوقُ اللَّهِ الْمَالِيَّةُ كَالزَّكَوَاتِ وَالْكَفَّارَاتِ وَالنُّذُورِ لاَ تَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ، بَل يَجِبُ مَعَ التَّوْبَةِ تَبْرِئَةُ الذِّمَّةِ بِأَدَائِهَا كَمَا تَقَدَّمَ (76) .
أَمَّا حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى غَيْرُ الْمَالِيَّةِ كَالْحُدُودِ مَثَلاً فَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ جَرِيمَةَ قَطْعِ الطَّرِيقِ (الْحِرَابَةُ) تَسْقُطُ بِتَوْبَةِ الْقَاطِعِ قَبْل أَنْ يُقْدَرَ عَلَيْهِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْل أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (77) .
فَدَلَّتْ هَذِهِ الآْيَةُ عَلَى أَنَّ قَاطِعَ الطَّرِيقِ إِذَا تَابَ قَبْل أَنْ يُظْفَرَ بِهِ سَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ، وَالْمُرَادُ بِمَا قَبْل الْقُدْرَةِ فِي الآْيَةِ أَنْ لاَ تَمْتَدَّ إِلَيْهِمْ يَدُ الإِْمَامِ بِهَرَبٍ أَوِ اسْتِخْفَاءٍ أَوِ امْتِنَاعٍ.
وَتَوْبَتُهُ بِرَدِّ الْمَال إِلَى صَاحِبِهِ إِذَا كَانَ قَدْ أَخَذَ الْمَال لاَ غَيْرُ، مَعَ الْعَزْمِ عَلَى أَنْ لاَ يَعُودَ لِمِثْلِهِ فِي الْمُسْتَقْبَل. فَيَسْقُطُ عَنْهُ الْقَطْعُ أَصْلاً، وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْقَتْل حَدًّا، وَكَذَلِكَ إِنْ أَخَذَ الْمَال وَقَتَل حَتَّى لَمْ يَكُنْ لِلإِْمَامِ أَنْ يَقْتُلَهُ حَدًّا، وَلَكِنْ يَدْفَعَهُ إِلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُول يَقْتُلُونَهُ قِصَاصًا إِذَا تَحَقَّقَتْ شُرُوطُهُ. وَإِنْ لَمْ يَأْخُذِ الْمَال وَلَمْ يَقْتُل فَتَوْبَتُهُ النَّدَمُ عَلَى مَا فَعَل وَالْعَزْمُ عَلَى التَّرْكِ فِي الْمُسْتَقْبَل (78) .
وَلاَ يَسْقُطُ عَنِ الْمُحَارِبِ حَدُّ الزِّنَى وَالشُّرْبِ وَالسَّرِقَةِ إِذَا ارْتَكَبَهَا حَال الْحِرَابَةِ ثُمَّ تَابَ قَبْل الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي الأَْظْهَرِ، وَهُوَ احْتِمَالٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَمَفْهُومُ إِطْلاَقِ الْحَنَفِيَّةِ فِي هَذِهِ الْحُدُودِ.
وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَهُوَ خِلاَفُ الأَْظْهَرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهَا تَسْقُطُ عَنِ الْمُحَارِبِ إِذَا تَابَ قَبْل الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ لِعُمُومِ الآْيَةِ.
أَمَّا حَدُّ الْقَذْفِ وَمَا عَلَيْهِ مِنْ حُقُوقِ الآْدَمِيِّينَ مِنَ الأَْمْوَال وَالْجِرَاحِ فَلاَ تَسْقُطُ عَنِ الْمُحَارِبِ كَغَيْرِ الْمُحَارِبِ إِلاَّ أَنْ يُعْفَى لَهُ عَنْهَا (79) .
19 - أَمَّا فِي غَيْرِ الْمُحَارَبَةِ فَإِنَّ الْحُدُودَ الْمُخْتَصَّةَ بِاَللَّهِ تَعَالَى كَحَدِّ الزِّنَى وَالسَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ فَلاَ تَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَالأَْظْهَرُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَرِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} (80) وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} (81) وَهَذَا عَامٌّ فِي التَّائِبِينَ وَغَيْرِهِمْ؛ وَلأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ رَجَمَ مَاعِزًا وَالْغَامِدِيَّةَ، وَقَطَعَ الَّذِي أَقَرَّ بِالسَّرِقَةِ، وَقَدْ جَاءُوا تَائِبِينَ يَطْلُبُونَ التَّطْهِيرَ بِإِقَامَةِ الْحَدِّ، وَقَدْ سَمَّى رَسُول اللَّهِ ﷺ فِعْلَهُمْ تَوْبَةً فَقَال فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ: لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ قُسِّمَتْ عَلَى سَبْعِينَ مِنْ أَهْل الْمَدِينَةِ لَوَسِعَتْهُمْ (82)
وَالرَّأْيُ الثَّانِي وَهُوَ خِلاَفُ الأَْظْهَرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَرَأْيٌ لِبَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ إِنْ تَابَ مَنْ عَلَيْهِ حَدٌّ مِنْ غَيْرِ الْمُحَارِبِينَ يَسْقُطُ عَنْهُ الْحَدُّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
{وَاَللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا} (83) وَذَكَرَ حَدَّ السَّارِقِ ثُمَّ قَال:
{فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ} (84) .
عَلَى أَنَّ بَعْضَ الْفُقَهَاءِ فَرَّقُوا بَيْنَ التَّوْبَةِ مِنْ هَذِهِ الْجَرَائِمِ قَبْل الرَّفْعِ لِلإِْمَامِ وَبَعْدَهُ فَيَقُولُونَ بِإِسْقَاطِ التَّوْبَةِ لَهَا قَبْل الرَّفْعِ لاَ بَعْدَهُ (85) . كَمَا فُصِّل فِي مُصْطَلَحَاتِهَا،
وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ عُقُوبَةَ الرِّدَّةِ تَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ قَبْل الرَّفْعِ وَبَعْدَهُ. (ر: رِدَّةٌ) . ثَالِثًا: فِي التَّعْزِيرَاتِ:
20 - يَسْقُطُ التَّعْزِيرُ بِالتَّوْبَةِ عِنْدَ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ، كَتَرْكِ الصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ مَثَلاً؛ لأَِنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ التَّعْزِيرِ التَّأْدِيبُ وَالإِْصْلاَحُ، وَقَدْ ثَبَتَ بِالتَّوْبَةِ، بِخِلاَفِ حُقُوقِ الْعِبَادِ كَالضَّرْبِ وَالشَّتْمِ؛ لأَِنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُشَاحَّةِ كَمَا مَرَّ (86) .
وَلِلتَّفْصِيل اُنْظُرْ مُصْطَلَحَ: (تَعْزِيرٌ) .
رَابِعًا: فِي قَبُول الشَّهَادَةِ:
21 - يُشْتَرَطُ فِي قَبُول الشَّهَادَةِ الْعَدَالَةُ، فَمَنْ ارْتَكَبَ كَبِيرَةً أَوْ أَصَرَّ عَلَى صَغِيرَةٍ سَقَطَتْ عَدَالَتُهُ وَلاَ تُقْبَل شَهَادَتُهُ إِذَا لَمْ يَتُبْ، وَهَذَا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ (87) .
وَإِذَا تَابَ عَنِ الْمَعْصِيَةِ وَقِيل بِقَبُول تَوْبَتِهِ تُقْبَل شَهَادَتُهُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، سَوَاءٌ أَكَانَتِ الْمَعْصِيَةُ مِنَ الْحُدُودِ أَمْ مِنَ التَّعْزِيرَاتِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْحُدُودِ أَمْ قَبْلَهُ.
وَاخْتَلَفُوا فِي قَبُول شَهَادَةِ الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ بَعْدَ التَّوْبَةِ: فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ) إِلَى أَنَّهُ إِذَا تَابَ الْمَحْدُودُ فِي قَذْفٍ تُقْبَل شَهَادَتُهُ، وَتَوْبَتُهُ بِتَكْذِيبِ نَفْسِهِ فِيمَا قَذَفَ بِهِ، وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَال: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا} (88) ، فَاسْتَثْنَى التَّائِبِينَ بِقَوْلِهِ: {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا} وَالاِسْتِثْنَاءُ مِنَ النَّفْيِ إِثْبَاتٌ، فَيَكُونُ تَقْدِيرُهُ {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا} فَاقْبَلُوا شَهَادَتَهُمْ وَلَيْسُوا بِفَاسِقِينَ؛ لأَِنَّ الْجُمَل الْمَعْطُوفَةَ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ بِالْوَاوِ، وَالْوَاوُ لِلْجَمْعِ فَتُجْعَل الْجُمَل كُلُّهَا كَالْجُمْلَةِ الْوَاحِدَةِ، فَيَعُودُ الاِسْتِثْنَاءُ إِلَى جَمِيعِهَا (89) .
وَلأَِنَّ الْقَاذِفَ لَوْ تَابَ قَبْل إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ تُقْبَل شَهَادَتُهُ عِنْدَ الْجَمِيعِ، وَلاَ جَائِزَ أَنْ تَكُونَ إِقَامَةُ الْحَدِّ عَلَيْهِ هِيَ الْمُوجِبَةُ لِرَدِّ الشَّهَادَةِ؛ لأَِنَّهُ فِعْل الْغَيْرِ وَهُوَ مُطَهِّرٌ أَيْضًا. وَلأَِنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ تُقْبَل شَهَادَتُهُ فَهَذَا أَوْلَى (90) .
وَلِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ ﵁ أَنَّهُ كَانَ يَقُول لأَِبِي بَكْرَةَ حِينَ شَهِدَ عَلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ: تُبْ أَقْبَل شَهَادَتَك. وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيْهِ مُنْكِرٌ، فَكَانَ إِجْمَاعًا. وَقَال سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ شَهِدَ عَلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ ثَلاَثَةُ رِجَالٍ، أَبُو بَكْرَةَ، وَنَافِعُ بْنُ الْحَارِثِ، وَشِبْل بْنُ مَعْبَدٍ، وَنَكَل زِيَادٌ، فَجَلَدَ عُمَرُ الثَّلاَثَةَ وَقَال لَهُمْ: تُوبُوا تُقْبَل شَهَادَتُكُمْ، فَتَابَ رَجُلاَنِ وَقَبِل عُمَرُ شَهَادَتَهُمَا وَأَبَى أَبُو بَكْرَةَ فَلَمْ تُقْبَل شَهَادَتُهُ.
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: لاَ تُقْبَل شَهَادَةُ الْمَحْدُودِ فِي قَذْفٍ وَإِنْ تَابَ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلاَ تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (91) ، وَوَجْهُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى رَدَّ شَهَادَتَهُ عَلَى التَّأْبِيدِ نَصًّا، فَمَنْ قَال هُوَ مُؤَقَّتٌ إِلَى وُجُودِ التَّوْبَةِ يَكُونُ رَدًّا لِمَا اقْتَضَاهُ النَّصُّ فَيَكُونُ مَرْدُودًا. وَالْقِيَاسُ عَلَى الْكُفْرِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْجَرَائِمِ لاَ يَجُوزُ؛ لأَِنَّ الْقِيَاسَ الْمُخَالِفَ لِلنَّصِّ لاَ يَصِحُّ. وَلأَِنَّ رَدَّ الشَّهَادَةِ مَعْطُوفٌ عَلَى الْجُمْلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ إِلَى {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} (92) وَهِيَ حَدٌّ فَكَذَا هَذَا، فَصَارَ مِنْ تَمَامِ الْحَدِّ؛ وَلِهَذَا أَمَرَ الأَْئِمَّةُ بِهِ، وَالْحَدُّ لاَ يَرْتَفِعُ بِالتَّوْبَةِ.
وقَوْله تَعَالَى: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (93) لَيْسَ بِحَدٍّ؛ لأَِنَّ الْحَدَّ يَقَعُ بِفِعْل الأَْئِمَّةِ، (أَيِ الْحُكَّامِ) ، وَالْفِسْقُ وَصْفٌ قَائِمٌ بِالذَّاتِ، فَيَكُونُ مُنْقَطِعًا عَنِ الأَْوَّل، فَيَنْصَرِفُ الاِسْتِثْنَاءُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا} (94) إِلَى مَا يَلِيهِ ضَرُورَةً، لاَ إِلَى الْجَمِيعِ. فَالْمَحْدُودُ فِي الْقَذْفِ إِذَا تَابَ لاَ يُسَمَّى فَاسِقًا لَكِنَّهُ لاَ تُقْبَل شَهَادَتُهُ وَذَلِكَ مِنْ تَمَامِ الْحَدِّ (95) .
__________
(1) المصباح المنير ولسان العرب وتاج العروس مادة " توب " ودستور العلماء 1 / 362، 363.
(2) سورة التوبة / 118.
(3) تفسير روح المعاني للألوسي 28 / 158، وبلغة السالك 4 / 738، والفواكه الدواني 1 / 88، والكليات لأبي البقاء 2 / 96، والجمل 5 / 387، وكشاف القناع 1 / 418، والمغني 9 / 200.
(4) القليوبي 4 / 201، والآداب الشرعية 1 / 98.
(5) إحياء علوم الدين للغزالي 4 / 3.
(6) حديث: " الندم توبة ". أخرجه أحمد في المسند (5 / 194، 3568. ط دار المعارف) وصحح إسناده أحمد شاكر.
(7) تفسير الألوسي 28 / 158، والجمل 5 / 387، والإحياء للغزالي 4 / 3.
(8) مدارج السالكين 1 / 305.
(9) سورة النور / 31.
(10) المصباح مادة: " عذر "، والكليات لأبي البقاء 2 / 96، والفروق في اللغة ص229، ومدارج السالكين 1 / 182.
(11) المصباح ولسان العرب مادة: " غفر "، والفروق في اللغة ص229.
(12) سورة نوح / 10.
(13) مدارج السالكين 1 / 307، 309.
(14) سورة هود / 3.
(15) البدائع 7 / 96، والفواكه الدواني 1 / 88، 89، وحاشية القليوبي 4 / 201، والمغني 9 / 201، والآداب الشرعية 1 / 100، وتفسير الألوسي 28 / 159.
(16) تفسير الألوسي 28 / 158، وبلغة السالك 4 / 738، ودستور العلماء 1 / 362، والفواكه الدواني 1 / 88، والجمل على شرح المنهج 5 / 387، وكشاف القناع 6 / 425.
(17) المراجع السابقة.
(18) حديث: " الندم توبة ". سبق تخريجه ف / 1.
(19) تفسير الألوسي 28 / 159، وحاشية العدوي 1 / 67، والروضة 11 / 245، وحاشية القليوبي 4 / 201، ومدارج السالكين لابن القيم 1 / 305.
(20) الفواكه الدواني 1 / 89، والروضة 11 / 245، والمغني 9 / 201.
(21) حديث: " الندم توبة " سبق تخريجه ف / 1.
(22) حديث: " من أصاب من هذه القاذورة. . . " أخرجه الطحاوي في المشكل (1 / 20 ط دائرة المعارف) والبيهقي (8 / 330 ط دار المعرفة) ، والحاكم (4 / 244 ط دار الكتاب العربي) . وقال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين.
(23) حديث: " أن الغامدية حين أقرت بالزنى لم ينكر. . . . . " أخرجه مسلم (3 / 1323ط عيسى الحلبي) .
(24) حديث: " عرض النبي ﷺ الرجوع على المقر بالزنى. . . . " أخرجه البخاري (12 / 135 ط السلفية) .
(25) حديث: " عرض النبي ﷺ الرجوع على المقر بالسرقة. . . " أخرجه أبو داود (4 / 542 ط عزت عبيد الدعاس) . أخرجه الحاكم (4 / 381 ط دار الكتاب العربي) وقال على شرط مسلم.
(26) حديث: " يا هزال لو سترته بثوبك كان خيرا لك ". أخرجه أبو داود (4 / 541 ط عزت عبيد الدعاس) . والحاكم (4 / 362 ط دار الكتاب العربي) وقال حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
(27) ابن عابدين (3 / 140، 4 / 379، والمغني 9 / 200، 201، وكشاف القناع 1 / 99، والفواكه الدواني 1 / 89، والوجيز للغزالي 2 / 271، والجمل 5 / 387، 389.
(28) حديث: " التائب من الذنب كمن لا ذنب له ". أخرجه ابن ماجه (2 / 1418) ط عيسى الحلبي) . قال السخاوي " حسنه شيخنا - يعني ابن حجر - لشواهده ". (المقاصد الحسنة ص249. ط دار الكتاب العربي) .
(29) تفسير الألوسي 28 / 159، والفواكه الدواني 1 / 189، والروضة 11 / 249، 250، والجمل 5 / 387، 389، وكشاف القناع 1 / 425، ومدارج السالكين 1 / 276، والمغني لابن قدامة 9 / 202، والمهذب 2 / 332.
(30) تفسير الألوسي 28 / 159، وبلغة السالك 4 / 738، والفواكه الدواني 1 / 89، والروضة 11 / 249، ومدارج السالكين 1 / 273، 274، والآداب الشرعية 1 / 65، 66.
(31) مدارج السالكين 1 / 275.
(32) سورة آل عمران / 135.
(33) المهذب للشيرازي 2 / 332، والمغني لابن قدامة 9 / 200، 201.
(34) حديث: " من أصاب من هذه القاذورة. . . . " سبق تخريجه ف / 5.
(35) تفسير الألوسي 28 / 159، والفواكه الدواني 1 / 89، والمهذب للشيرازي 2 / 332، والمغني 9 / 201.
(36) سورة التحريم / 8.
(37) حديث: " إن التوبة النصوح هي التي لا عودة بعدها كما لا يعود اللبن إلى الضرع ". قال السيوطي: أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: قال معاذ بن جبل: يا رسول الله ﷺ ما التوبة النصوح؟ قال: أن يندم العبد على الذنب الذي أصاب فيعتذر إلى الله ثم
(38) تفسير الألوسي 28 / 157، والقرطبي 18 / 197، والآداب الشرعية 1 / 101، 105، ومدارج السالكين 1 / 309، 310، والمغني 9 / 201.
(39) الكليات لأبي البقاء 2 / 96، وتفسير الألوسي 28 / 159، والفواكه الدواني 1 / 89، ونهاية المحتاج 2 / 424، والروضة 11 / 249، وكشاف القناع 2 / 81، وبلغة السالك 4 / 738.
(40) سورة النور / 31.
(41) سورة الشورى / 25.
(42) حديث: " إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر ". أخرجه أحمد في المسند (9 / 19 - 20 / 6160. ط دار المعارف) وصحح إسناده أحمد شاكر.
(43) سورة النساء / 18.
(44) سورة النساء / 18.
(45) ابن عابدين 1 / 571، 3 / 289، والفواكه الدواني 1 / 90، وتفسير الماوردي 1 / 372، والآداب الشرعية لابن مفلح 1 / 127.
(46) المراجع السابقة.
(47) سورة الشورى / 25.
(48) تفسير الطبري 8 / 96، 97، وانظر أيضا تفسير الماوردي 1 / 372، 373.
(49) سورة يونس / 90، 91.
(50) سورة الشورى / 25.
(51) ابن عابدين 3 / 296، وحاشية القليوبي 4 / 177، وكشاف القناع 6 / 176، 178.
(52) سورة البقرة / 160.
(53) ابن عابدين 1 / 31، و3 / 290، 296، والحطاب 6 / 282، وجواهر الإكليل 2 / 279، والقليوبي 4 / 177، والمغني 6 / 298، وكشاف القناع 6 / 177، 178.
(54) سورة الأنفال / 38.
(55) الباطنية هم القائلون بأن للقرآن باطنا وظاهرا، والباطن هو المراد منه دون ظاهره. (قليوبي 4 / 177) .
(56) المراجع السابقة.
(57) سورة النساء / 137.
(58) سورة آل عمران / 90.
(59) المغني 8 / 126، 127، وكشاف القناع 6 / 177.
(60) سورة الأنفال / 38.
(61) حديث: " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا. . . . " أخرجه مسلم (1 / 53 ط عيسى الحلبي) وأصله في البخاري.
(62) ابن عابدين 3 / 286، والحطاب 6 / 282، وأسنى المطالب 4 / 122، والجمل على شرح المنهج 5 / 126.
(63) سورة البقرة / 102.
(64) ابن عابدين 1 / 31، المغني 8 / 154، والمقدمة 496 ط دار التراث.
(65) الخرشي 8 / 63، والجواهر 2 / 281.
(66) حديث: " حد الساحر ضربة بالسيف " أخرجه الترمذي (4 / 60 ط مصطفى الحلبي) وقال: لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه وإسماعيل بن مسلم المكي يضعف في الحديث، ثم قال والصحيح عن جندب موقوف، وقال ابن حجر وفي سنده ضعف (فتح الباري 10 / 236 ط السلفية) .
(67) الأثر عن عائشة ﵂: " أن الساحرة سألت أصحاب. . . " أورده المغني (8 / 153 ط مكتبة الرياض) . ولم نعثر عليه في كتب الحديث التي بين أيدينا.
(68) ابن عابدين 1 / 31، و3 / 286، وفتح القدير 4 / 408.
(69) المهذب 2 / 225.
(70) المغني 8 / 154.
(71) المغني 8 / 128.
(72) سورة النساء / 146.
(73) ابن عابدين 3 / 323، والفواكه 1 / 88، 89، والروضة 11 / 245، 246، ونهاية المحتاج 8 / 6، والمغني 9 / 200، 201.
(74) روضة الطالبين 11 / 246.
(75) المراجع السابقة للمذاهب.
(76) الروضة 11 / 246، وكشاف القناع 2 / 257.
(77) سورة المائدة / 34.
(78) البدائع 7 / 96، ابن عابدين 3 / 140، وجواهر الإكليل 2 / 295، والفروق للقرافي 4 / 181، ونهاية المحتاج 8 / 6، والمغني 8 / 296، 297، والقليوبي 4 / 201.
(79) المراجع السابقة، والدسوقي 4 / 2050، وكشاف القناع 6 / 153، وابن عابدين 4 / 479، ومسلم الثبوت 1 / 328، والوجيز 2 / 251، ونهاية المحتاج 8 / 6، والقليوبي 4 / 201، ومغني المحتاج 4 / 184، والفواكه الدواني 2 / 281، والمغني 8 / 296.
(80) سورة النور / 2.
(81) سورة المائدة / 38.
(82) حديث: " لقد تابت توبة لو قسمت على سبعين من. . . . " أخرجه مسلم 3 / 444 ط عيسى الحلبي.
(83) سورة النساء / 16.
(84) سورة المائدة / 39.
(85) البدائع 7 / 96، وبلغة السالك 4 / 489، وحاشية الجمل 2 / 130، ونهاية المحتاج 8 / 6، والمغني 8 / 297، وكشاف القناع 6 / 154.
(86) ابن عابدين 1 / 31، و3 / 191، والفروق للقرافي 4 / 181، ونهاية المحتاج 7 / 398، وجواهر الإكليل 2 / 265، وكشاف القناع 6 / 153، والمغني 10 / 316.
(87) الزيلعي 4 / 226، وروضة الطالبين 11 / 225، وجواهر الإكليل 2 / 233، والمغني 9 / 167 - 170.
(88) سورة النور / 4.
(89) التاج والإكليل للمواق 6 / 161، والوجيز للغزالي 2 / 251، والمغني لابن قدامة 9 / 197، 199.
(90) تبيين الحقائق للزيلعي في سرد أدلة الشافعية 4 / 218.
(91) سورة النور / 4.
(92) سورة النور / 4.
(93) سورة النور / 4.
(94) سورة النور / 4.
(95) تبيين الحقائق للزيلعي 4 / 218، 219، 226، وابن عابدين 4 / 479.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 119/ 14
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".