الجواد
كلمة (الجواد) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فَعال) وهو الكريم...
المتاركة للنكاح بالطلاق، أو الفسخ، أو الخلع . ومن شواهده قول الزيلعي : "الإشهاد مقرون بالمفارقة، والرجعة جميعاً ."
مَصْدَرُ: فَارَقَ الشَّيْءَ يُفَارِقُهُ مُفَارَقَةً، وَفِرَاقاً؛ وَمَعْنَاهَا: المُبَايَنَةُ وَالمُبَاعَدَةُ وَالمُفَاصَلَةُ؛ يُقَالُ: فَارَقَ فُلَانٌ امْرَأَتَهُ مُفَارَقَةً، وَفِرَاقاً: بَايَنَهَا.
وَرَدَ إِطْلاقُ مُصْطَلَحِ المُفَارَقَةِ في مَوَاطِنَ عَدِيْدَةٍ مِنْ كُتُبِ الفِقْهِ وَأَبْوَابِهِ، وَمِنْ ذَلِكَ: بَابُ صَلاَةِ الْمُسَافِرِ مِنْ كِتَابِ الصَّلاةِ عِنْدَ الكَلامِ عَلَى حُكْمِ اشْتِرَاطِ مُفَارَقَةِ عَامِرِ البَلَدِ لِجَوَازِ التَّرَخُّصِ بِرُخَصِ السَّفَرِ، وبَابُ الصَّرْفِ مِنْ كِتَابُ البُيُوْعِ عِنْدَ الكَلامِ عَلَى حُكْمِ الصَّرْفِ حَالَ مُفَارَقَةِ أَحَدِ المُتَبَايِعَيْنِ لِلآخَرِ قَبْلَ التَّقَابُضِ، وعِنْدَ الكَلامِ عَلَى مَعْنى مُفَارَقَةِ الْمُتَبَايِعَيْنِ لمَجْلِسِ الْعَقْدِ المُشْتَرَطِ لِلُزُومِ الْبَيْعِ، وَكِتَابُ النِّكَاحِ عِنْدَ الكَلامِ عَلَى مُفَارَقَةِ الزَّوْجَةِ التي يُمْنَعُ مِنْ اسْتِدَامَةِ نِكَاحِهَا. وَوَرَدَ إِطْلاقُ هَذَا المُصْطَلَحِ في عِلْمِ الأُصُوْلِ عِنْدَ الكَلامِ عَلَى قَوَادِحِ الاسْتِدْلالِ؛ وَمِنْهَا قَادِحُ المُعَارَضَةِ وَيُقَالُ لَهُ المُفَارَقَةُ. وَوَرَدَ إِطْلاقُهُ في عِلْمِ الاعْتِقَادِ عِنْدَ الكَلامِ عَلَى مَعْنى مفارقةِ الْجَمَاعَة؛ وَيُرَادُ بِهِ: تركُ السُّنَّة واتِّباع الْبِدْعَة، والخُرُوْجُ عَنْ طَاعَةِ وَلِيِّ الأَمْرِ الذي تَلْزَمُ طَاعَتُهُ.
فرق
المتاركة للنكاح بالطلاق، أو الفسخ، أو الخلع.
* الإشراف على نكت مسائل الخلاف : (1/ 302)
* الـمجموع شرح الـمهذب : (4/ 245-256)
* الـمغني لابن قدامة : (2/ 171)
* معجم لغة الفقهاء : (ص: 445)
* الموسوعة الفقهية الكويتية : 244/38 -
التَّعْرِيفُ:
1 - الْمُفَارَقَةُ فِي اللُّغَةِ: مَصْدَرُ الْفِعْل فَارَقَ وَمَادَّتُهُ: فَرَّقَ، يُقَال: فَرَّقَ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ فَرْقًا وَفُرْقَانًا: إِذَا فَصَل وَمَيَّزَ أَحَدَهُمَا عَنِ الآْخَرِ وَفَارَقَهُ مُفَارَقَةً وَفَرْقًا: بَاعَدَهُ، وَتَفَارَقَ الْقَوْمُ: فَارَقَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَفَارَقَ فُلاَنٌ امْرَأَتَهُ مُفَارَقَةً: بَايَنَهَا، وَالتَّفَرُّقُ وَالاِفْتِرَاقُ سَوَاءٌ، وَفِي الْحَدِيثِ: الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا (1) .
وَالْفِرَاقُ: الْفُرْقَةُ وَأَكْثَرُ مَا تَكُونُ بِالأَْبْدَانِ، وَيَكُونُ بِالأَْقْوَال مَجَازًا (2) .
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ (3) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْمُتَارَكَةُ:
2 - الْمُتَارَكَةُ فِي اللُّغَةِ: يُقَال: تَرَكَ الشَّيْءَ: خَلاَّهُ، وَتَرَكْتُ الشَّيْءَ: خَلَّيْتُهُ، وَتَارَكْتُهُ الْبَيْعَ مُتَارَكَةً أَيْ صَالَحْتُهُ عَلَى تَرْكِهِ، وَتَرَكْتُ الرَّجُل: فَارَقْتُ ثُمَّ اسْتُعِيرَ لِلإِْسْقَاطِ فِي الْمَعَانِي فَقِيل: تَرَكَ حَقَّهُ إِذَا أَسْقَطَهُ، وَتَرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلاَةِ: إِذَا لَمْ يَأْتِ بِهَا (4) .
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ (5) .
وَعَلَى هَذَا فَالْمُتَارَكَةُ أَعَمُّ مِنَ الْمُفَارَقَةِ.
ب - الْمُجَاوَزَةُ:
3 - الْمُجَاوَزَةُ فِي اللُّغَةِ: يُقَال جَاوَزْتُ الْمَوْضِعَ جَوَازًا وَمُجَاوَزَةً بِمَعْنَى جُزْتُهُ، وَجَاوَزْتُ الشَّيْءَ إِلَى غَيْرِهِ وَتَجَاوَزْتُهُ تَعَدَّيْتُهُ، وَتَجَاوَزْتُ عَنِ الْمُسِيءِ: عَفَوْتُ عَنْهُ (6) .
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ (7) .
وَالْمُجَاوَزَةُ أَعَمُّ مِنَ الْمُفَارَقَةِ.
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْمُفَارَقَةِ:
تَتَعَلَّقُ بِالْمُفَارَقَةِ أَحْكَامٌ مِنْهَا:
أَوَّلاً: الْمُفَارَقَةُ فِي الْعِبَادَاتِ:
الْمُفَارَقَةُ فِي صَلاَةِ الْجَمَاعَةِ.
الْمُرَادُ بِالْمُفَارَقَةِ فِي صَلاَةِ الْجَمَاعَةِ تَرْكُ أَحَدِ الْمُصَلِّينَ صَلاَةَ الْجَمَاعَةِ، وَهَذِهِ الْمُفَارَقَةُ قَدْ تَكُونُ مُمْتَنِعَةً، وَقَدْ تَكُونُ جَائِزَةً، وَقَدْ تَكُونُ وَاجِبَةً، وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:
امْتِنَاعُ مُفَارَقَةِ الْمَأْمُومِ صَلاَةَ الْجَمَاعَةِ بِدُونِ عُذْرٍ:
4 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْقَدِيمِ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَنْ يُفَارِقَ الْمُقْتَدِي إِمَامَهُ بِدُونِ عُذْرٍ فَلاَ يَنْتَقِل مَنْ فِي جَمَاعَةٍ إِلَى الاِنْفِرَادِ، لأَِنَّ الْمَأْمُومِيَّةَ تَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ، وَإِنْ لَمْ تَجِبِ ابْتِدَاءً كَمَا يَقُول الْمَالِكِيَّةُ (8) ، لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: إِنَّمَا جُعِل الإِْمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَلاَ تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ (9) ، وَلأَِنَّهُ تَرَكَ مُتَابَعَةَ إِمَامِهِ وَانْتَقَل مِنَ الأَْعْلَى لِلأَْدْنَى بِغَيْرِ عُذْرٍ أَشْبَهَ مَا لَوْ نَقَلَهَا إِلَى النَّفْل (10) .
وَإِذَا انْتَقَل الْمَأْمُومُ مِنَ الْجَمَاعَةِ إِلَى الاِنْفِرَادِ بِدُونِ عُذْرٍ بَطَلَتْ صَلاَتُهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَفِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَفِي الْقَوْل الْقَدِيمِ لِلشَّافِعِيَّةِ، لأَِنَّهُ مَنْ تَرَكَ الْمُتَابَعَةَ بِغَيْرِ عُذْرٍ أَشْبَهَ مَا لَوْ تَرَكَهَا مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ الْمُفَارَقَةِ. وَلأَِنَّهُ كَمَا يَقُول الشَّافِعِيَّةُ فِي الْقَدِيمِ الْتَزَمَ الْقُدْوَةَ فِي كُل صَلاَتِهِ وَفِيهِ إِبْطَال الْعَمَل (11) ، وَقَدْ قَال اللَّهُ تَعَالَى: {وَلاَ تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} (12) .
وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ الصَّلاَةَ صَحِيحَةٌ لَكِنْ مَعَ الْكَرَاهَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ - أَيْ كَرَاهَةِ الْمُفَارَقَةِ -، وَاسْتَدَل الشَّافِعِيَّةُ عَلَى صِحَّةِ صَلاَةِ الْمَأْمُومِ مَعَ الْمُفَارَقَةِ بِأَنَّ صَلاَةَ الْجَمَاعَةِ إِمَّا سُنَّةٌ عَلَى قَوْلٍ وَالسُّنَنُ لاَ تَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ إِلاَّ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَإِمَّا فَرْضُ كِفَايَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ فَكَذَلِكَ إِلاَّ فِي الْجِهَادِ وَصَلاَةِ الْجِنَازَةِ وَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَلأَِنَّ الْفِرْقَةَ الأُْولَى فَارَقَتِ النَّبِيَّ ﷺ فِي ذَاتِ الرِّقَاعِ (13) ، وَعَلَّل الْحَنَابِلَةُ الصِّحَّةَ - كَمَا قَال ابْنُ قُدَامَةَ - بِأَنَّ الْمُنْفَرِدَ لَوْ نَوَى كَوْنَهُ مَأْمُومًا لَصَحَّ فِي رِوَايَةٍ. فَنِيَّةُ الاِنْفِرَادِ أَوْلَى، فَإِنَّ الْمَأْمُومَ قَدْ يَصِيرُ مُنْفَرِدًا بِغَيْرِ نِيَّةٍ وَهُوَ الْمَسْبُوقُ إِذَا سَلَّمَ إِمَامُهُ، وَغَيْرُهُ لاَ يَصِيرُ مَأْمُومًا بِغَيْرِ نِيَّةٍ بِحَالٍ (14) .
جَوَازُ مُفَارَقَةِ الْمَأْمُومِ صَلاَةَ الْجَمَاعَةِ بِعُذْرٍ:
5 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ - الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ - إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يُفَارِقَ صَلاَةَ الْجَمَاعَةِ وَيَنْوِيَ الاِنْفِرَادَ إِذَا كَانَ ذَلِكَ لِعُذْرٍ، وَلَمْ يُجِزِ الْحَنَفِيَّةُ الْمُفَارَقَةَ مُطْلَقًا وَلَوْ بِعُذْرٍ.
وَاسْتَدَل الْقَائِلُونَ بِجَوَازِ الْمُفَارَقَةِ بِمَا رَوَاهُ جَابِرٌ ﵁ قَال: كَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ ﷺ الْعِشَاءَ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى قَوْمِهِ بَنِي سَلَمَةَ فَيُصَلِّيهَا بِهِمْ، وَأَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ أَخَّرَ الْعِشَاءَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَصَلاَّهَا مُعَاذٌ مَعَهُ ثُمَّ رَجَعَ فَأَمَّ قَوْمَهُ، فَافْتَتَحَ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ فَتَنَحَّى رَجُلٌ مِنْ خَلْفِهِ فَصَلَّى وَحْدَهُ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالُوا: نَافَقْتَ يَا فُلاَنُ. فَقَال: مَا نَافَقْتُ وَلَكِنِّي آتِي رَسُول اللَّهِ ﷺ فَأُخْبِرُهُ. فَأَتَى النَّبِيَّ ﷺ فَقَال: يَا رَسُول اللَّهِ، إِنَّكَ أَخَّرْتَ الْعِشَاءَ الْبَارِحَةَ، وَإِنَّ مُعَاذًا صَلاَّهَا مَعَكَ ثُمَّ رَجَعَ فَأَمَّنَا فَافْتَتَحَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَتَنَحَّيْتُ فَصَلَّيْتُ وَحْدِي وَإِنَّمَا نَحْنُ أَهْل نَوَاضِحَ نَعْمَل بِأَيْدِينَا فَالْتَفَتَ رَسُول اللَّهِ ﷺ إِلَى مُعَاذٍ فَقَال: أَفَتَّانٌ أَنْتَ يَا مُعَاذُ؟ أَفَتَّانٌ أَنْتَ؟ اقْرَأْ بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّك الأَْعْلَى، وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ، وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ، وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا، وَاللَّيْل إِذَا يَغْشَى وَنَحْوِهَا، (15) وَلَمْ يَأْمُرِ النَّبِيُّ ﷺ الرَّجُل بِالإِْعَادَةِ وَلاَ أَنْكَرَ عَلَيْهِ فِعْلَهُ (16) . غَيْرَ أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي الأَْعْذَارِ الَّتِي تَجُوزُ مَعَهَا الْمُفَارَقَةُ، فَمِنَ الأَْعْذَارِ الَّتِي تُجِيزُ مُفَارَقَةَ الإِْمَامِ تَطْوِيل الإِْمَامِ فِي الصَّلاَةِ طُولاً لاَ يَصْبِرُ مَعَهُ الْمَأْمُومُ لِضَعْفٍ أَوْ شُغْلٍ فَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَجُوزُ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يُفَارِقَ الإِْمَامَ وَيَنْوِيَ الاِنْفِرَادَ وَيُتِمَّ صَلاَتَهُ مُنْفَرِدًا لِمَا سَبَقَ فِي قِصَّةِ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ.
وَهَذَا الْعُذْرُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَفِي الصَّحِيحِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ (17) .
وَزَادَ الشَّافِعِيَّةُ مِنَ الأَْعْذَارِ الَّتِي يَجُوزُ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يُفَارِقَ إِمَامَهُ فِي الصَّلاَةِ أَنْ يَتْرُكَ الإِْمَامُ سُنَّةً مَقْصُودَةً كَالتَّشَهُّدِ الأَْوَّل أَوِ الْقُنُوتِ فَلَهُ فِرَاقُهُ لِيَأْتِيَ بِتِلْكَ السُّنَّةِ
وَاعْتَبَرَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنَّ الأَْعْذَارَ الَّتِي يَجُوزُ مَعَهَا تَرْكُ الْجَمَاعَةِ ابْتِدَاءً تَجُوزُ مَعَهَا الْمُفَارَقَةُ أَثَنَاءَ الصَّلاَةِ (18) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: مَنْ أَحْرَمَ مَأْمُومًا ثُمَّ نَوَى الاِنْفِرَادَ لِعُذْرٍ يُبِيحُ تَرْكَ الْجَمَاعَةِ كَتَطْوِيل إِمَامٍ وَكَمَرَضٍ وَكَغَلَبَةِ نُعَاسٍ أَوْ غَلَبَةِ شَيْءٍ يُفْسِدُ صَلاَتَهُ كَمُدَافَعَةِ أَحَدِ الأَْخْبَثَيْنِ أَوْ خَوْفٍ عَلَى أَهْلٍ أَوْ مَالٍ أَوْ خَوْفِ فَوْتِ رُفْقَةٍ أَوْ خَرَجَ مِنَ الصَّفِّ مَغْلُوبًا لِشِدَّةِ زِحَامٍ وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَقِفُ مَعَهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الأَْعْذَارِ صَحَّ انْفِرَادُهُ فَيُتِمُّ صَلاَتَهُ مُنْفَرِدًا لِحَدِيثِ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي قِصَّةِ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، قَالُوا: وَمَحِل إِبَاحَةِ الْمُفَارَقَةِ لِعُذْرٍ إِنِ اسْتَفَادَ مَنْ فَارَقَ لِتَدَارُكِ شَيْءٍ يُخْشَى فَوَاتُهُ أَوْ غَلَبَةِ نُعَاسٍ أَوْ خَوْفِ ضَرَرٍ وَنَحْوِهِ بِمُفَارَقَةِ إِمَامِهِ تَعْجِيل لُحُوقِهِ قَبْل فَرَاغِ إِمَامِهِ مِنْ صَلاَتِهِ لِيَحْصُل مَقْصُودُهُ مِنَ الْمُفَارَقَةِ فَإِنْ كَانَ الإِْمَامُ يَعْجَل وَلاَ يَتَمَيَّزُ انْفِرَادُهُ عَنْهُ بِنَوْعِ تَعْجِيلٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ الاِنْفِرَادُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِيهِ، وَأَمَّا مَنْ عُذْرُهُ الْخُرُوجُ مِنَ الصَّفِّ فَلَهُ الْمُفَارَقَةُ مُطْلَقًا لأَِنَّ عُذْرَهُ خَوْفُ الْفَسَادِ بِالْفِدْيَةِ وَذَلِكَ لاَ يُتَدَارَكُ بِالسُّرْعَةِ، وَفَصَّل الْحَنَابِلَةُ فِيمَا إِذَا نَوَى الْمَأْمُومُ الْمُفَارَقَةَ فَقَالُوا: وَإِذَا فَارَقَ الْمَأْمُومُ الإِْمَامَ لِعُذْرٍ مِمَّا تَقَدَّمَ فِي قِيَامٍ قَبْل قِرَاءَةِ الإِْمَامِ الْفَاتِحَةَ قَرَأَ الْمَأْمُومُ لِنَفْسِهِ لِصَيْرُورَتِهِ مُنْفَرِدًا قَبْل سُقُوطِ فَرْضِ الْقِرَاءَةِ عَنْهُ بِقِرَاءَةِ الإِْمَامِ، وَإِنْ فَارَقَهُ بَعْدَ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فَلَهُ الرُّكُوعُ فِي الْحَال لأَِنَّ قِرَاءَةَ الإِْمَامِ قِرَاءَةٌ لِلْمَأْمُومِ، وَإِنْ فَارَقَهُ فِي أَثْنَاءِ الْقِرَاءَةِ فَإِنَّهُ يُكَمِّل مَا بَقِيَ مِنَ الْفَاتِحَةِ.
وَإِنْ كَانَ فِي صَلاَةِ سِرٍّ كَظُهْرٍ وَعَصْرٍ، أَوْ فِي الأَْخِيرَتَيْنِ مِنَ الْعِشَاءِ مَثَلاً وَفَارَقَ الإِْمَامَ لِعُذْرٍ بَعْدَ قِيَامِهِ وَظَنَّ أَنَّ إِمَامَهُ قَرَأَ لَمْ يَقْرَأْ، أَيْ لَمْ تَلْزَمْهُ الْقِرَاءَةُ إِقَامَةً لِلظَّنِّ مَقَامَ الْيَقِينِ، قَال الْبُهُوتِيُّ: الاِحْتِيَاطُ الْقِرَاءَةُ (19) .
وُجُوبُ الْمُفَارَقَةِ
مِنَ الأَْحْوَال الَّتِي يَجِبُ فِيهَا عَلَى الْمَأْمُومِ مُفَارَقَةُ صَلاَةِ الْجَمَاعَةِ مَا يَلِي:
أ - انْحِرَافُ الإِْمَامِ عَنِ الْقِبْلَةِ
6 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ إِذَا انْحَرَفَ الإِْمَامُ عَنِ الْقِبْلَةِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمَأْمُومِ مُفَارَقَتُهُ وَيُصَلِّي مُنْفَرِدًا (20) .
وَلَوِ اجْتَهَدَ اثْنَانِ فِي الْقِبْلَةِ وَاتَّفَقَ اجْتِهَادُهُمَا وَصَلَّى أَحَدُهُمَا بِالآْخَرِ وَتَغَيَّرَ اجْتِهَادُ أَحَدِهِمَا لَزِمَهُ الاِنْحِرَافُ إِلَى الْجِهَةِ الَّتِي تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ إِلَيْهَا لأَِنَّهَا تَرَجَّحَتْ فِي ظَنِّهِ فَتَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ وَأَتَمَّ صَلاَتَهُ وَيَنْوِي الْمَأْمُومُ الَّذِي ائْتَمَّ بِالآْخَرِ مُفَارَقَةَ إِمَامِهِ لِلْعُذْرِ الْمَانِعِ لَهُ مِنَ اقْتِدَائِهِ بِهِ وَهُوَ التَّغَيُّرُ (21) .
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: وَالْمُقْتَدِي إِذَا ظَهَرَ لَهُ وَهُوَ وَرَاءَ الإِْمَامِ أَنَّ الْقِبْلَةَ غَيْرُ الْجِهَةِ الَّتِي يُصَلِّي إِلَيْهَا الإِْمَامُ لاَ يُمْكِنُهُ إِصْلاَحُ صَلاَتِهِ لأَِنَّهُ إِذَا اسْتَدَارَ خَالَفَ إِمَامَهُ فِي الْجِهَةِ قَصْدًا وَهُوَ يَفْسُدُ وَإِلاَّ كَانَ مُتِمًّا صَلاَتَهُ إِلَى مَا هُوَ غَيْرُ الْقِبْلَةِ عِنْدَهُ وَهُوَ مُفْسِدٌ أَيْضًا (22) .
ب - تَلَبُّسُ الإِْمَامِ بِمَا يُبْطِل صَلاَتَهُ:
7 - لَوْ رَأَى الْمَأْمُومُ فِي أَثْنَاءِ الصَّلاَةِ الإِْمَامَ مُتَلَبِّسًا بِمَا يُبْطِل الصَّلاَةَ كَأَنْ رَأَى عَلَى ثَوْبِهِ أَوْ بَدَنِهِ نَجَاسَةً أَوْ تَبَيَّنَ أَنَّ الإِْمَامَ مُحْدِثٌ أَوْ جُنُبٌ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمَأْمُومِ مُفَارَقَتُهُ وَيُتِمُّ صَلاَتَهُ مُنْفَرِدًا بَانِيًا عَلَى مَا صَلَّى مَعَ الإِْمَامِ، وَهَذَا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي الْجُمْلَةِ.
قَال الْمَالِكِيَّةُ: إِنْ عَلِمَ الْمَأْمُومُ حَدَثَ إِمَامِهِ فِي الصَّلاَةِ وَلَمْ يَسْتَمِرَّ مَعَهُ بَل فَارَقَهُ وَصَلَّى لِنَفْسِهِ مُنْفَرِدًا أَوْ مُسْتَخْلِفًا فَتَصِحُّ لِلْمَأْمُومِينَ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ عَلِمَ بِحَدَثِ إِمَامِهِ فِي الصَّلاَةِ وَاسْتَمَرَّ مَعَهُ بَطَلَتْ عَلَيْهِمْ.
وَقَالُوا: لَوْ رَأَى الْمَأْمُومُ نَجَاسَةً عَلَى إِمَامِهِ وَأَرَاهُ إِيَّاهَا فَوْرًا وَاسْتَخْلَفَ الإِْمَامُ مِنْ حِينِ ذَلِكَ فَتَبْطُل صَلاَةُ الإِْمَامِ دُونَ الْمَأْمُومِينَ وَاخْتَارَ ابْنُ نَاجِي الْبُطْلاَنَ لِلْجَمِيعِ، وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: إِنِ اسْتَمَرَّ الْمَأْمُومُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عَلَى الْمُتَابَعَةِ لَحْظَةً أَوْ لَمْ يَنْوِ الْمُفَارَقَةَ بَطَلَتْ صَلاَتُهُ بِالاِتِّفَاقِ - أَيِ اتِّفَاقِ فُقَهَاءِ الشَّافِعِيَّةِ - لأَِنَّهُ صَلَّى بَعْضَ صَلاَتِهِ خَلْفَ مُحْدِثٍ مَعَ عِلْمِهِ بِحَدَثِهِ، وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِبُطْلاَنِ صَلاَتِهِ إِذَا لَمْ يَنْوِ الْمُفَارَقَةَ وَلَمْ يُتَابِعْهُ فِي الأَْفْعَال الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِمَا وَالْمَحَامِلِيُّ وَخَلاَئِقُ مِنْ كِبَارِ الأَْصْحَابِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الإِْمَامُ عَالِمًا بِحَدَثِ نَفْسِهِ أَمْ لاَ، لأَِنَّهُ لاَ تَفْرِيطَ مِنَ الْمَأْمُومِ فِي الْحَالَيْنِ، وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ كَمَا قَال النَّوَوِيُّ
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ أَيْضًا: لَوْ كَانَ الْمَأْمُومُ قَارِئًا وَكَانَ الإِْمَامُ أُمِّيًّا، أَوْ كَانَ الإِْمَامُ قَدْ قَامَ إِلَى رَكْعَةٍ خَامِسَةٍ أَوْ أَتَى الإِْمَامُ بِمُنَافٍ غَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمَأْمُومِ مُفَارَقَتُهُ وَيُتِمُّ صَلاَتَهُ مُنْفَرِدًا بَانِيًا عَلَى مَا صَلَّى مَعَ الإِْمَامِ (23) .
وَالأَْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ التَّنَحْنُحَ إِنْ ظَهَرَ مِنْهُ حَرْفَانِ يُبْطِل الصَّلاَةَ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا لَوْ تَنَحْنَحَ الإِْمَامُ فَبَانَ مِنْهُ حَرْفَانِ هَل يَجِبُ عَلَى الْمَأْمُومِ مُفَارَقَتُهُ أَمْ لاَ؟ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لاَ يُفَارِقُهُ حَمْلاً عَلَى الْعُذْرِ، لأَِنَّ الظَّاهِرَ تَحَرُّزُ الإِْمَامِ عَنِ الْمُبْطِل وَالأَْصْل بَقَاءُ الْعِبَادَةِ، لَكِنْ قَال السُّبْكِيُّ: إِنْ دَلَّتْ قَرِينَةُ حَال الإِْمَامِ عَلَى خِلاَفِ ذَلِكَ وَجَبَتِ الْمُفَارَقَةُ، وَلَوْ لَحَنَ الإِْمَامُ فِي الْفَاتِحَةِ لَحْنًا يُغَيِّرُ الْمَعْنَى وَجَبَتْ مُفَارَقَتُهُ، كَمَا لَوْ تَرَكَ وَاجِبًا، وَلَكِنْ هَل يُفَارِقُهُ فِي الْحَال أَوْ حَتَّى يَرْكَعَ لِجَوَازِ أَنَّهُ لَحَنَ سَاهِيًا، وَقَدْ يَتَذَكَّرُ فَيُعِيدُ الْفَاتِحَةَ؟ الأَْقْرَبُ الأَْوَّل - أَيِ الْمُفَارَقَةُ فِي الْحَال - لأَِنَّهُ لاَ يَجُوزُ مُتَابَعَتُهُ فِي فِعْل السَّهْوِ كَمَا قَال الزَّرْكَشِيُّ
وَقَال الْخَطِيبُ الشِّرْبِينِيُّ: بَل الأَْقْرَبُ الثَّانِي - أَيْ لاَ يُفَارِقُهُ حَتَّى يَرْكَعَ - لأَِنَّ إِمَامَهُ لَوْ سَجَدَ قَبْل رُكُوعِهِ لَمْ تَجِبْ مُفَارَقَتُهُ فِي الْحَال.
وَلاَ تَصِحُّ الصَّلاَةُ وَرَاءَ السَّكْرَانِ لأَِنَّهُ مُحْدِثٌ، قَال الشَّافِعِيُّ وَالأَْصْحَابُ: فَإِنْ شَرِبَ الْخَمْرَ وَغَسَل فَاهُ وَمَا أَصَابَهُ وَصَلَّى قَبْل أَنْ يَسْكَرَ صَحَّتْ صَلاَتُهُ وَالاِقْتِدَاءُ بِهِ، فَلَوْ سَكِرَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلاَةِ بَطَلَتْ صَلاَتُهُ وَيَجِبُ عَلَى الْمَأْمُومِ مُفَارَقَتُهُ وَيَبْنِي عَلَىصَلاَتِهِ، فَإِنْ لَمْ يُفَارِقْهُ وَتَابَعَ مَعَهُ بَطَلَتْ صَلاَتُهُ (24) .
وَقَال ابْنُ عَقِيلٍ مِنَ الْحَنَابِلَةِ: إِنْ عَجَزَ الإِْمَامُ عَنْ إِتْمَامِ الْفَاتِحَةِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلاَةِ صَحَّتْ صَلاَةُ الأُْمِّيِّ خَلْفَهُ لِمُسَاوَاتِهِ لَهُ، أَمَّا الْقَارِئُ فَإِنَّهُ يُفَارِقُ الإِْمَامَ لِلْعُذْرِ وَيُتِمُّ لِنَفْسِهِ لأَِنَّهُ لاَ يَصِحُّ ائْتِمَامُ الْقَارِئِ بِالأُْمِّيِّ، وَلَكِنْ قَال الْمُوَفَّقُ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ تَفْسُدُ صَلاَتُهُ لأَِنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الصَّلاَةِ بِقِرَاءَتِهَا فَلَمْ تَصِحَّ صَلاَتُهُ لِعُمُومِ قَوْلِهِ: ﷺ: لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ (25) ، وَإِنِ اسْتَخْلَفَ الإِْمَامُ الَّذِي عَجَزَ عَنْ إِتْمَامِ الْفَاتِحَةِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلاَةِ مَنْ يُتِمُّ بِهِمْ صَلاَتَهُمْ وَصَلَّى مَعَهُمْ جَازَ (26) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِذَا قَامَ الإِْمَامُ لِرَكْعَةٍ زَائِدَةٍ وَنَبَّهَهُ الْمَأْمُومُونَ فَلَمْ يَرْجِعْ وَجَبَتْ مُفَارَقَتُهُ وَبَطَلَتْ صَلاَتُهُ لِتَعَمُّدِهِ تَرْكَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ، وَيُسَلِّمُ الْمَأْمُومُ الْمُفَارِقُ لإِِمَامِهِ بَعْدَ قِيَامِهِ لِزَائِدَةٍ وَتَنْبِيهِهِ وَإِبَائِهِ الرُّجُوعَ وَذَلِكَ إِذَا أَتَمَّ التَّشَهُّدَ الأَْخِيرَ (27) .
أَمَّا إِنْ تَرَكَ الإِْمَامُ التَّشَهُّدَ الأَْوَّل مَعَ الْجُلُوسِ لَهُ وَقَامَ لَزِمَ رُجُوعُهُ إِذَا لَمْ يَسْتَتِمَّ قَائِمًا، فَإِنِ اسْتَتَمَّ قَائِمًا كُرِهَ رُجُوعُهُ، وَيَحْرُمُ رُجُوعُهُ إِنْ شَرَعَ فِي الْقِرَاءَةِ أَمَّا الْمَأْمُومُ فَالْمُتَّجَهُ أَنْ يُفَارِقَ إِمَامَهُ وَيُتِمَّ صَلاَتَهُ لِنَفْسِهِ وَيُسَلِّمَ عَلَى قَوْلٍ، وَالْمَنْصُوصُ أَنَّ الْمَأْمُومَ إِذَا سَبَّحَ لإِِمَامِهِ قَبْل أَنْ يَعْتَدِل فَلَمْ يَرْجِعْ تَشَهَّدَ لِنَفْسِهِ وَتَبِعَهُ (28) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: لاَ تَبْطُل صَلاَةُ الْجَمَاعَةِ بِقَطْعِ صَفٍّ مِنْ صُفُوفِهَا سَوَاءٌ كَانَ وَرَاءَ الإِْمَامِ أَوْ عَنْ يَمِينِهِ لَكِنْ لَوْ كَانَ الصَّفُّ الَّذِي انْقَطَعَ عَنْ يَسَارِ الإِْمَامِ وَبَعُدَ بِقَدْرِ مَقَامِ ثَلاَثَةِ رِجَالٍ فَتَبْطُل صَلاَةُ هَذَا الصَّفِّ الْمُنْقَطِعِ وَهَذَا مَا لَمْ تَنْوِ الطَّائِفَةُ الْمُنْقَطِعَةُ مُفَارَقَةَ الإِْمَامِ، فَإِنْ نَوَتْ مُفَارَقَتَهُ صَحَّتْ صَلاَتُهَا (29) .
الْمُفَارَقَةُ فِي صَلاَةِ الْجُمُعَةِ
8 - أَجَازَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يُفَارِقَ الْجَمَاعَةَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ صَلاَةِ الْجُمُعَةِ.
جَاءَ فِي مُغْنِي الْمُحْتَاجِ: لاَ يَجُوزُ قَطْعُ الْجَمَاعَةِ فِي الرَّكْعَةِ الأُْولَى مِنْ صَلاَةِ الْجُمُعَةِ، لأَِنَّ الْجَمَاعَةَ فِي الرَّكْعَةِ الأُْولَى مِنْهَا شَرْطٌ وَأَمَّا فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فَلَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِيهَا خِلاَفًا لِمَا فِي الْكِفَايَةِ مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ، وَلَوْ تَعَطَّلَتِ الْجَمَاعَةُ بِخُرُوجِهِ وَقُلْنَا بِأَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ فَيَنْبَغِي كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَدَمُ الْخُرُوجِ مِنْهَا؛ لأَِنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ إِذَا انْحَصَرَ فِي شَخْصٍ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ (30) .
وَفِي الْمَجْمُوعِ: إِذَا صَلَّى الْمَأْمُومُ رَكْعَةً مِنْ صَلاَةِ الْجُمُعَةِ ثُمَّ فَارَقَ إِمَامَهُ بِعُذْرٍ أَوْ بِغَيْرِهِ وَقُلْنَا: لاَ تَبْطُل صَلاَتُهُ بِالْمُفَارَقَةِ أَتَمَّهَا جُمُعَةً كَمَا لَوْ أَحْدَثَ الإِْمَامُ وَهَذَا لاَ خِلاَفَ فِيهِ (31) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِنْ فَارَقَ الْمَأْمُومُ الْجَمَاعَةَ لِعُذْرٍ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ صَلاَةِ الْجُمُعَةِ وَقَدْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ الأُْولَى مَعَ الإِْمَامِ فَإِنَّهُ يُتِمُّهَا جُمُعَةً؛ لأَِنَّ الْجُمُعَةَ تُدْرَكُ بِرَكْعَةٍ، وَقَدْ أَدْرَكَهَا مَعَ الإِْمَامِ، فَإِنْ فَارَقَهُ فِي الرَّكْعَةِ الأُْولَى مِنَ الْجُمُعَةِ فَكَمَزْحُومٍ فِيهَا حَتَّى تَفُوتَهُ رَكْعَتَانِ فَيُتِمُّهَا نَفْلاً ثُمَّ يُصَلِّي الظُّهْرَ (32) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: لاَ يَجُوزُ الاِنْفِرَادُ فِي صَلاَةِ الْجُمُعَةِ؛ لأَِنَّ الْجَمَاعَةَ شَرْطٌ فِيهَا (33) .
شَرْطُ مُفَارَقَةِ الْبُنْيَانِ فِي قَصْرِ صَلاَةِ الْمُسَافِرِ
9 - يَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ قَصْرُ الصَّلاَةِ الرُّبَاعِيَّةِ، لَكِنْ يُشْتَرَطُ لِلتَّرَخُّصِ بِرُخْصَةِ الْقَصْرِ أَنْ يُفَارِقَ الْمُسَافِرُ مَحَل إِقَامَتِهِ، وَيَتَحَقَّقُ ذَلِكَ بِمُفَارَقَتِهِ بُيُوتَ الْمَكَانِ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْهُ وَتَوَابِعَ الْبُيُوتِ أَيْضًا.
وَذَلِكَ لِمَا رَوَى أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَال: صَلَّيْتُ مَعَ رَسُول اللَّهِ ﷺ الظُّهْرَ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا، وَصَلَّيْتُ مَعَهُ الْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ (34) ، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ ﵁ أَنَّهُ لَمَّا خَرَجَ إِلَى الْبَصْرَةِ رَأَى خُصًّا أَمَامَهُ فَقَال: لَوْلاَ هَذَا الْخُصُّ لَصَلَّيْنَا رَكْعَتَيْنِ (35) .
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (صَلاَةُ الْمُسَافِرِ ف 22) .
الْمُفَارَقَةُ فِي صَلاَةِ الْخَوْفِ:
10 - مِنْ صُوَرِ صَلاَةِ الْخَوْفِ أَنَّ الإِْمَامَ يُفَرِّقُ الْجَيْشَ فِرْقَتَيْنِ: فِرْقَةٌ تُجْعَل فِي مُوَاجَهَةِ الْعَدُوِّ، وَيُصَلِّي الإِْمَامُ بِالْفِرْقَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الْجَيْشِ، فَإِذَا قَامَ الإِْمَامُ إِلَى الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فِي الثُّنَائِيَّةِ وَإِلَى الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ فِي الثُّلاَثِيَّةِ أَوِ الرُّبَاعِيَّةِ فَارَقَهُ الْمَأْمُومُونَ وَلاَ يُتَابِعُونَهُ بَل يُتِمُّونَ الصَّلاَةَ لأَِنْفُسِهِمْ ثُمَّ يَذْهَبُونَ إِلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ، وَتَأْتِي الْفِرْقَةُ الْحَارِسَةُ فَيُصَلِّي بِهِمُ الإِْمَامُ مَا بَقِيَ مِنْ صَلاَتِهِ، فَإِذَا جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ قَامُوا وَأَتَمُّوا صَلاَتَهُمْ وَالإِْمَامُ يَنْتَظِرُهُمْ لِيُسَلِّمَ بِهِمْ. وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (صَلاَةُ الْخَوْفِ ف 6) .
شَرْطُ مُفَارَقَةِ الْبُنْيَانِ فِي فِطْرِ الْمُسَافِرِ
11 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْمُسَافِرَ الَّذِي يُرِيدُ التَّرَخُّصَ بِرُخْصَةِ الْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ لاَ يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ إِلاَّ بَعْدَ مُفَارَقَةِ عُمْرَانِ الْبَلَدِ الَّذِي يُسَافِرُ مِنْهُ.
كَمَا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ سَافَرَ وَفَارَقَ عُمْرَانَ الْبَلَدِ قَبْل الْفَجْرِ جَازَ لَهُ الْفِطْرُ فِي هَذَا الْيَوْمِ.
وَلَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِيمَا لَوْ سَافَرَ وَفَارَقَ عُمْرَانَ الْبَلَدِ بَعْدَ الْفَجْرِ هَل يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَمْ لاَ؟
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ الْمَعْرُوفُ مِنْ نُصُوصِهِ كَمَا قَال النَّوَوِيُّ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنِ الإِْمَامِ أَحْمَدَ إِلَى أَنَّ مَنْ سَافَرَ وَفَارَقَ الْعُمْرَانَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ لاَ يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَهُوَ قَوْل مَكْحُولٍ وَالزُّهْرِيِّ وَيَحْيَى الأَْنْصَارِيِّ وَالأَْوْزَاعِيِّ لأَِنَّ الصَّوْمَ عِبَادَةٌ تَخْتَلِفُ بِالسَّفَرِ وَالْحَضَرِ، فَإِذَا اجْتَمَعَا فِيهَا غَلَبَ حُكْمُ الْحَضَرِ وَيُعْتَبَرُ فِي هَذَا الْيَوْمِ مُقِيمًا فَلَزِمَهُ الصَّوْمُ فَلاَ يُبْطِلُهُ بِاخْتِبَارِهِ، وَلِذَلِكَ لَوْ جَامَعَ فِيهِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ.وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عَنِ الإِْمَامِ أَحْمَدَ أَنَّ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَهُوَ قَوْل عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيل وَالشَّعْبِيِّ وَإِسْحَاقَ وَابْنِ الْمُنْذِرِ لِمَا رَوَى عُبَيْدُ بْنُ جُبَيْرٍ قَال: " كُنْتُ مَعَ أَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيِّ صَاحِبِ النَّبِيِّ ﷺ فِي سَفِينَةٍ مِنَ الْفُسْطَاطِ فِي رَمَضَانَ فَرَفَعَ ثُمَّ قَرَّبَ غَدَاءَهُ، قَال جَعْفَرٌ فِي حَدِيثِهِ: فَلَمْ يُجَاوِزِ الْبُيُوتَ حَتَّى دَعَا بِالسُّفْرَةِ ثُمَّ قَال: اقْتَرِبْ. قُلْتُ: أَلَسْتَ تَرَى الْبُيُوتَ؟ قَال أَبُو بَصْرَةَ: أَتَرْغَبُ عَنْ سُنَّةِ رَسُول اللَّهِ؟ ﷺ قَال جَعْفَرٌ فِي حَدِيثِهِ: فَأَكَل "، (36) وَلأَِنَّ السَّفَرَ مَعْنًى لَوْ وُجِدَ لَيْلاً وَاسْتَمَرَّ فِي النَّهَارِ لأََبَاحَ الْفِطْرَ فَإِذَا وُجِدَ فِي أَثْنَائِهِ أَبَاحَهُ (37) .
ثَانِيًا: الْمُفَارَقَةُ فِي الْعُقُودِ:
أَثَرُ الْمُفَارَقَةِ فِي لُزُومِ الْعَقْدِ
لِمُفَارَقَةِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَثَرٌ فِي لُزُومِ بَعْضِ الْعُقُودِ، وَمِنْ ذَلِكَ:
مُفَارَقَةُ الْمُتَبَايِعَيْنِ مَجْلِسَ الْعَقْدِ:
12 - مِنْ أَسْبَابِ لُزُومِ الْبَيْعِ بَعْدَ انْعِقَادِهِ بِالإِْيجَابِ وَالْقَبُول أَحَدُ أَمْرَيْنِ: إِمَّا التَّخَايُرُ، وَهُوَ أَنْ يُخَيِّرَ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ صَاحِبَهُ فِي إِمْضَاءِ الْعَقْدِ أَوْ إِبْطَالِهِ، وَأَمَّا مُفَارَقَةُ الْمُتَبَايِعَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا مَجْلِسَ الْعَقْدِ، وَكَلاَمُنَا هُنَا فِي الْمُفَارَقَةِ إِذَا لَمْ يُوجَدِ التَّخَايُرُ، فَمُفَارَقَةُ الْمُتَبَايِعَيْنِ مَجْلِسَ الْعَقْدِ مِنْ أَسْبَابِ لُزُومِ الْعَقْدِ، أَمَّا قَبْل الْمُفَارَقَةِ فَإِنَّ عَقْدَ الْبَيْعِ يَكُونُ جَائِزًا وَيَثْبُتُ لِكُل وَاحِدٍ مِنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ الْخِيَارُ فِي فَسْخِ الْعَقْدِ مَا دَامَا فِي الْمَجْلِسِ وَلَمْ يَفْتَرِقَا، وَهَذَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَيُسَمَّى الْخِيَارُ فِي فَسْخِ الْعَقْدِ مَا دَامَا فِي الْمَجْلِسِ خِيَارَ الْمَجْلِسِ (38) .
قَال ابْنُ قُدَامَةَ: يَقَعُ الْبَيْعُ جَائِزًا، وَلِكُلٍّ مِنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ الْخِيَارُ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ مَا دَامَا مُجْتَمِعَيْنِ لَمْ يَتَفَرَّقَا، وَهُوَ قَوْل أَكْثَرِ أَهْل الْعِلْمِ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي بَرْزَةَ ﵃، وَبِهِ قَال سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَشُرَيْحٌ وَالشَّعْبِيُّ وَعَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَالزُّهْرِيُّ وَالأَْوْزَاعِيُّ وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ وَالشَّافِعِيُّ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو ثَوْرٍ
وَاسْتَدَل الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ (39) بِمَا رَوَاهُ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا عَنْ رَسُول اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَال: إِذَا تَبَايَعَ الرَّجُلاَنِ فَكُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا وَكَانَا جَمِيعًا أَوْ يُخَيِّرُ أَحَدُهُمَا الآْخَرَ فَتَبَايَعَا عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ، وَإِنْ تَفَرَّقَا بَعْدَ أَنْ تَبَايَعَا وَلَمْ يَتْرُكْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا الْبَيْعَ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ (40) .
حُكْمُ مُفَارَقَةِ الْمُتَبَايِعَيْنِ
13 - اخْتَلَفَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي حُكْمِ مُفَارَقَةِ الْمُتَبَايِعَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا مَجْلِسَ الْعَقْدِ، وَسَبَبُ اخْتِلاَفِهِمَا هُوَ مَا رَوَاهُ عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا، إِلاَّ أَنْ تَكُونَ صَفْقَةَ خِيَارٍ، وَلاَ يَحِل لَهُ أَنْ يُفَارِقَ صَاحِبَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ (41) .
فَقَال الشَّافِعِيَّةُ: الْمُفَارَقَةُ جَائِزَةٌ لِكُل وَاحِدٍ مِنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَالْحِل الْوَارِدُ فِي الْحَدِيثِ مَحْمُولٌ عَلَى الإِْبَاحَةِ الْمُسْتَوِيَةِ الطَّرَفَيْنِ.
وَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيَّةُ هُوَ رِوَايَةٌ عَنِ الإِْمَامِ أَحْمَدَ، قَال ابْنُ قُدَامَةَ: ذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ ظَاهِرَ كَلاَمِ أَحْمَدَ جَوَازُ مُفَارَقَةِ أَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ لِصَاحِبِهِ، وَدَلِيل هَذِهِ الرِّوَايَةِ مَا وَرَدَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّهُ كَانَ إِذَا اشْتَرَى شَيْئًا يُعْجِبُهُ فَارَقَ صَاحِبَهُ.
أَمَّا الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عَنْ الإِْمَامِ أَحْمَدَ فَقَدْ قَال ابْنُ قُدَامَةَ: ظَاهِرُ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ تَحْرِيمُ مُفَارَقَةِ أَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ لِصَاحِبِهِ خَشْيَةً مِنْ فَسْخِ الْبَيْعِ. قَال: وَهَذَا ظَاهِرُ كَلاَمِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ الأَْثْرَمِ، فَإِنَّهُ ذُكِرَ لَهُ فِعْل ابْنِ عُمَرَ، وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ فَقَال: هَذَا الآْنَ قَوْل النَّبِيِّ ﷺ، وَهُنَا اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ، قَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ هِيَ الأَْصَحُّ؛ لأَِنَّ قَوْل النَّبِيِّ ﷺ يُقَدَّمُ عَلَى فِعْل ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ لَمْ يَبْلُغْهُ هَذَا وَلَوْ عَلِمَهُ لَمَا خَالَفَهُ (42) .
كَيْفِيَّةُ الْمُفَارَقَةِ الَّتِي يَلْزَمُ بِهَا الْبَيْعُ:
14 - الْمُفَارَقَةُ الَّتِي يَلْزَمُ بِهَا الْبَيْعُ هِيَ الْمُفَارَقَةُ بِالأَْبْدَانِ لاَ بِالأَْقْوَال، وَتَخْتَلِفُ الْمُفَارَقَةُ بِاخْتِلاَفِ مَكَانِ الْعَقْدِ، وَيُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ الْعُرْفُ، فَمَا يَعُدُّهُ النَّاسُ تَفَرُّقًا يَلْزَمُ بِهِ الْعَقْدُ وَمَا لاَ فَلاَ؛ لأَِنَّ مَا لَيْسَ لَهُ حَدٌّ شَرْعًا وَلاَ لُغَةً يُرْجَعُ فِيهِ إِلَى الْعُرْفِ، فَإِنْ كَانَا فِي دَارٍ كَبِيرَةٍ فَبِالْخُرُوجِ مِنَ الْبَيْتِ إِلَى الصَّحْنِ أَوْ مِنَ الصَّحْنِ إِلَى الصُّفَّةِ أَوِ الْبَيْتِ، وَإِنْ كَانَا فِي سُوقٍ أَوْ صَحْرَاءَ أَوْ فِي بَيْتٍ مُتَفَاحِشِ السِّعَةِ فَبِأَنْ يُوَلِّيَ أَحَدُهُمَا الآْخَرَ ظَهْرَهُ وَيَمْشِيَ قَلِيلاً.
قَال الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ وَلَوْ لَمْ يَبْعُدْ عَنْ سَمَاعِ خِطَابِهِ، وَقَال الْبُهُوتِيُّ: وَلَوْ لَمْ يَبْعُدْ عَنْهُ بِحَيْثُ لاَ يَسْمَعُ كَلاَمَهُ فِي الْعَادَةِ خِلاَفًا لِلإِْقْنَاعِ.
وَإِنْ كَانَا فِي سَفِينَةٍ أَوْ دَارٍ صَغِيرَةٍ أَوْ مَسْجِدٍ صَغِيرٍ فَبِخُرُوجِ أَحَدِهِمَا مِنْهُ أَوْ صُعُودِهِ السَّطْحَ، وَلاَ يَحْصُل التَّفَرُّقُ بِإِقَامَةِ سِتْرٍ وَلَوْ بِبِنَاءِ جِدَارٍ بَيْنَهُمَا؛ لأَِنَّ الْمَجْلِسَ بَاقٍ (43) .
وَقِيل: لاَ تَكُونُ الْمُفَارَقَةُ إِلاَّ بِأَنْ يَبْعُدَ عَنْ صَاحِبِهِ بِحَيْثُ لَوْ كَلَّمَهُ عَلَى الْعَادَةِ مِنْ غَيْرِ رَفْعِ الصَّوْتِ لَمْ يَسْمَعْ كَلاَمَهُ، وَهُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الإِْصْطَخْرِيُّ وَالشِّيرَازِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، قَال النَّوَوِيُّ: وَالْمَذْهَبُ الأَْوَّل وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ (أَيْ جُمْهُورُ الشَّافِعِيَّةِ) وَنَقَلَهُ الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ عَنْ جَمِيعِ الأَْصْحَابِ سِوَى الإِْصْطَخْرِيِّ، وَاسْتَدَل لِذَلِكَ بِمَا وَرَدَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، فَقَدْ قَال نَافِعٌ: " كَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا بَايَعَ رَجُلاً فَأَرَادَ أَنْ لاَ يُقِيلَهُ قَامَ فَمَشَى هُنَيَّةُ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ " (44) .
وَسُئِل الإِْمَامُ أَحْمَدُ عَنْ تَفْرِقَةِ الأَْبْدَانِ فَقَال: إِذَا أَخَذَ هَذَا كَذَا وَهَذَا كَذَا فَقَدْ تَفَرَّقَا. قَال النَّوَوِيُّ: وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالرُّويَانِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ يَكْفِي أَنْ يُوَلِّيَهُ ظَهْرَهُ، وَنَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ ظَاهِرِ النَّصِّ لَكِنَّهُ مُؤَوَّلٌ (45) .
وَلَوْ فَارَقَ أَحَدُهُمَا مَجْلِسَهُ دُونَ الآْخَرِ لَمْ يَنْقَطِعْ خِيَارُ الآْخَرِ، خِلاَفًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَقَال الْبُهُوتِيُّ: وَإِذَا فَارَقَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ لَزِمَ الْبَيْعُ سَوَاءٌ قَصَدَ بِالْمُفَارَقَةِ لُزُومَ الْبَيْعِ أَوْ قَصَدَ حَاجَةً أُخْرَى؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ السَّابِقِ (46) .
وَاخْتُلِفَ فِي الإِْكْرَاهِ عَلَى الْمُفَارَقَةِ هَل يَبْطُل بِهِ الْخِيَارُ وَيَلْزَمُ الْبَيْعُ أَمْ لاَ؟ قَال ابْنُ قُدَامَةَ: إِنْ فَارَقَ أَحَدُهُمَا الآْخَرَ مُكْرَهًا احْتَمَل بُطْلاَنُ الْخِيَارِ لِوُجُودِ غَايَتِهِ وَهُوَ التَّفَرُّقُ، وَلأَِنَّهُ لاَ يُعْتَبَرُ رِضَاهُ فِي مُفَارَقَةِ صَاحِبِهِ لَهُ، فَكَذَلِكَ فِي مُفَارَقَتِهِ لِصَاحِبِهِ.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ وَالْقَاضِي فِي الْحَنَابِلَةِ: لاَ يَنْقَطِعُ الْخِيَارُ؛ لأَِنَّهُ حُكْمٌ عُلِّقَ عَلَى التَّفَرُّقِ فَلَمْ يَثْبُتْ مَعَ الإِْكْرَاهِ، فَعَلَى قَوْل مَنْ لاَ يَرَى انْقِطَاعَ الْخِيَارِ إِنْ أُكْرِهَ أَحَدُهُمَا عَلَى فُرْقَةِ صَاحِبِهِ انْقَطَعَ خِيَارُ صَاحِبِهِ كَمَا لَوْ هَرَبَ مِنْهُ وَفَارَقَهُ بِغَيْرِ رِضَاهُ وَيَكُونُ الْخِيَارُ لِلْمُكْرَهِ مِنْهُمَا فِي الْمَجْلِسِ الَّذِي يَزُول عَنْهُ فِيهِ الإِْكْرَاهُ حَتَّى يُفَارِقَهُ، وَإِنْ أُكْرِهَا جَمِيعًا عَلَى الْمُفَارَقَةِ انْقَطَعَ خِيَارُهُمَا؛ لأَِنَّ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَنْقَطِعُ خِيَارُهُ بِفُرْقَةِ الآْخَرِ لَهُ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أُكْرِهَ صَاحِبُهُ دُونَهُ (47) .
وَمِنْ صُوَرِ الإِْكْرَاهِ مَا لَوْ تَفَرَّقَا مَعَ فَزَعٍ مِنْ مَخُوفٍ كَسَبُعِ أَوْ ظَالِمٍ خَشَيَاهُ فَهَرَبَا مِنْهُ أَوْ تَفَرَّقَا مَعَ إِلْجَاءٍ كَتَفَرُّقِ بِسَيْل أَوْ نَارٍ أَوْ نَحْوِهِمَا أَوْ تَفَرَّقَا مَعَ حَمْلٍ لَهُمَا لأَِنَّ فِعْل الْمُكْرَهِ وَالْمُلْجَأِ كَعَدَمِهِ فَيَسْتَمِرُّ خِيَارُهُمَا إِلَى أَنْ يَتَفَرَّقَا مِنْ مَجْلِسٍ زَال فِيهِ إِكْرَاهٌ أَوْ إِلْجَاءٌ (48) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ فِيمَا نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ: لَوْ هَرَبَ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ وَلَمْ يَتْبَعْهُ الآْخَرُ فَقَدْ أَطْلَقَ الأَْكْثَرُونَ أَنَّهُ يَنْقَطِعُ خِيَارُهُمَا، وَجَزَمَ بِهِ الْفُورَانِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبَا الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ وَغَيْرِهِمْ، وَقَال الْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ: إِنْ لَمْ يَتْبَعْهُ الآْخَرُ مَعَ التَّمَكُّنِ بَطَل خِيَارُهُمَا، وَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ بَطَل خِيَارُ الْهَارِبِ دُونَ الآْخَرِ، قَال النَّوَوِيُّ: وَالصَّحِيحُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنِ الأَْكْثَرِينَ؛ لأَِنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنَ الْفَسْخِ بِالْقَوْل وَلأَِنَّهُ فَارَقَهُ بِاخْتِيَارِهِ فَأَشْبَهَ إِذَا مَشَى عَلَى الْعَادَةِ، فَلَوْ هَرَبَ وَتَبِعَهُ الآْخَرُ يَدُومُ الْخِيَارُ مَا دَامَا مُتَقَارِبَيْنِ، فَإِنْ تَبَاعَدَا بِحَيْثُ يُعَدُّ فُرْقَةً بَطَل اخْتِيَارُهُمَا (49) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِنْ هَرَبَ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ مِنْ صَاحِبِهِ، بَطَل خِيَارُهُمَا وَلَزِمَ الْعَقْدُ؛ لأَِنَّهُ فَارَقَهُ بِاخْتِيَارِهِ، وَلاَ يَقِفُ لُزُومُ الْعَقْدِ عَلَى رِضَاهُمَا (50) .
وَأَمَّا أَثَرُ الْمُفَارَقَةِ بِالْمَوْتِ أَوِ الْجُنُونِ وَنَحْوِهِ فَفِي إِبْطَال خِيَارِ الْمَجْلِسِ بِهِ خِلاَفٌ يُنْظَرُ تَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ (خِيَارُ الْمَجْلِسِ ف 13) .
وَلَوْ تَنَازَعَ الْعَاقِدَانِ فِي التَّفَرُّقِ بِأَنْ جَاءَا مَعًا وَقَال أَحَدُهُمَا: تَفَرَّقْنَا، وَأَنْكَرَ الآْخَرُ صُدِّقَ النَّافِي بِيَمِينِهِ.
وَلَوِ اتَّفَقَا عَلَى حُصُول التَّفَرُّقِ وَتَنَازَعَا فِي الْفَسْخِ قَبْل التَّفَرُّقِ فَقَال أَحَدُهُمَا: فَسَخْتُ الْبَيْعَ قَبْل التَّفَرُّقِ وَأَنْكَرَ الآْخَرُ صِدْقَ النَّافِي بِيَمِينِهِ؛ لأَِنَّ الأَْصْل دَوَامُ الاِجْتِمَاعِ وَعَدَمُ الْفَسْخِ، وَلَوِ اتَّفَقَا عَلَى عَدَمِ التَّفَرُّقِ وَادَّعَى أَحَدُهُمَا الْفَسْخَ فَدَعْوَاهُ الْفَسْخَ فَسْخٌ (51) .
وَمَا سَبَقَ مِنِ اعْتِبَارِ الْمُفَارَقَةِ إِنَّمَا هُوَ فِيمَا إِذَا تَوَلَّى عَقْدَ الْبَيْعِ طَرَفَانِ، أَمَّا إِذَا تَوَلَّى الْعَقْدَ شَخْصٌ وَاحِدٌ كَالأَْبِ يَبِيعُ مَالَهُ لِوَلَدِهِ أَوْ يَبِيعُ مَال وَلَدِهِ لِنَفْسِهِ فَهَل لاَ بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ الْخِيَارِ وَاعْتِبَارِ الْمُفَارَقَةِ سَبَبًا لِلُزُومِ الْعَقْدِ أَمْ لاَ؟ لِلشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ فِي ذَلِكَ رَأْيَانِ: الأَْوَّل: ثُبُوتُ الْخِيَارِ، قَال النَّوَوِيُّ: أَصَحُّهُمَا ثُبُوتُهُ، فَعَلَى هَذَا يَثْبُتُ خِيَارُ الْوَلَدِ وَخِيَارٌ لِلأَْبِ، وَيَكُونُ الأَْبُ نَائِبَ الْوَلَدِ، فَإِنْ أَلْزَمَ الْبَيْعَ لِنَفْسِهِ وَلِلْوَلَدِ لَزِمَ، وَإِنْ أَلْزَمَ لِنَفْسِهِ بَقِيَ الْخِيَارُ لِلْوَلَدِ، فَإِذَا فَارَقَ الْمَجْلِسَ لَزِمَ الْعَقْدُ عَلَى الأَْصَحِّ مِنَ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، قَال الْمَاوَرْدِيَّ: وَهَذَا قَوْل أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ.
وَالرَّأْيُ الثَّانِي وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنَ الْمَذْهَبِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَمُقَابِل الأَْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: لاَ يَلْزَمُ " أَيِ الْبَيْعُ " إِلاَّ بِالإِْلْزَامِ؛ لأَِنَّهُ لاَ يُفَارِقُ نَفْسَهُ وَإِنْ فَارَقَ الْمَجْلِسَ، قَال الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا قَوْل جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا، قَال: وَعَلَى هَذَا لاَ يَنْقَطِعُ الْخِيَارُ إِلاَّ بِأَنْ يَخْتَارَ الأَْبُ لِنَفْسِهِ وَلِلْوَلَدِ، فَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ ثَبَتَ الْخِيَارُ لِلْوَلَدِ إِذَا بَلَغَ.
وَقَال الْبَغَوِيُّ: وَلَوْ كَانَ الْعَقْدُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَلَدِهِ صَرْفًا فَفَارَقَ الْمَجْلِسَ قَبْل الْقَبْضِ بَطَل الْعَقْدُ عَلَى الْوَجْهِ الأَْوَّل وَلاَ يَبْطُل عَلَى الثَّانِي إِلاَّ بِالتَّخَايُرِ (52) .
اعْتِبَارُ الْمُفَارَقَةِ فِي الْعُقُودِ الأُْخْرَى:
15 - كَمَا تُعْتَبَرُ مُفَارَقَةُ مَجْلِسِ الْعَقْدِ سَبَبًا لِلُزُومِ الْبَيْعِ فَإِنَّهَا تُعْتَبَرُ سَبَبًا لِلُزُومِ بَعْضِ الْعُقُودِ الأُْخْرَى الَّتِي يَثْبُتُ فِيهَا خِيَارُ الْمَجْلِسِ، وَهِيَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: الصَّرْفُ، وَبَيْعُ رِبَوِيٍّ مِنْ مَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ بِجِنْسِهِ كَبُرٍّ بِبُرٍّ وَنَحْوِهِ، وَالسَّلَمُ، وَصُلْحُ الْمُعَاوَضَةِ، وَزَادَ الشَّافِعِيَّةُ: التَّوْلِيَةُ، وَالتَّشْرِيكُ، وَزَادَ الْحَنَابِلَةُ الْهِبَةَ الَّتِي فِيهَا عِوَضٌ مَعْلُومٌ، وَالإِْجَارَةُ (53) .
وَذَلِكَ لِعُمُومِ الْخِيَرَةِ وَلأَِنَّ مَوْضُوعَ الْخِيَارِ النَّظَرُ فِي الأَْحَظَّ وَهُوَ مَوْجُودٌ هُنَا، وَيُنْظَرُ تَفْصِيل هَذِهِ الْعُقُودِ فِي مُصْطَلَحَاتِهَا.
الْمُفَارَقَةُ فِي النِّكَاحِ:
تَقَعُ الْمُفَارَقَةُ فِي النِّكَاحِ لأَِسْبَابٍ، مِنْهَا:
أَوَّلاً: الْجَمْعُ بَيْنَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ زَوْجَاتٍ.
16 - لاَ يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ الْحُرِّ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ زَوْجَاتٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ؛ لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ} (54) ، فَإِذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ وَتَحْتَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِ زَوْجَاتٍ أَسْلَمْنَ مَعَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ مُفَارَقَةُ مَا زَادَ عَلَى الأَْرْبَعِ، وَهَذَا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ (55) .
وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِمَا رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: أَنَّ غَيْلاَنَ بْنَ سَلَمَةَ أَسْلَمَ وَعِنْدَهُ تِسْعُ نِسْوَةٍ، فَأَمَرَ رَسُول اللَّهِ ﷺ: أَنْ يَخْتَارَ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا. (56)
وَتَخْتَلِفُ كَيْفِيَّةُ الْمُفَارَقَةِ بَيْنَ مَنْ كَانَ كَافِرًا وَكَانَ فِي عِصْمَتِهِ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِ زَوْجَاتٍ ثُمَّ أَسْلَمَ وَأَسْلَمْنَ مَعَهُ، وَبَيْنَ الْمُسْلِمِ الَّذِي يَجْمَعُ فِي عِصْمَتِهِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ زَوْجَاتٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ.
فَمَنْ كَانَ كَافِرًا وَأَسْلَمَ وَفِي عِصْمَتِهِ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِ زَوْجَاتٍ وَأَسْلَمْنَ مَعَهُ فَقَدْ ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَمُحَمَّدٌ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ فِيمَنْ يُفَارِقُهُنَّ أَوْ يَخْتَارُهُنَّ تَرَتُّبُ عُقُودِهِنَّ، فَسَوَاءٌ تَزَوَّجَهُنَّ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ أَوْ عُقُودٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَسَوَاءٌ كَانَ مَنْ فَارَقَهُنَّ أَوِ اخْتَارَهُنَّ أَوَائِل فِي الْعَقْدِ أَوْ أَوَاخِرَ، وَوَجْهُ ذَلِكَ كَمَا قَال الإِْمَامُ الشَّافِعِيُّ وَالْقَرَافِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَمَرَ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ أَنْ يُفَارِقَ مَا زَادَ عَلَى الأَْرْبَعِ وَأَطْلَقَ الْحُكْمَ وَلَمْ يَسْتَفْصِل عَنْ كَيْفِيَّةِ نِكَاحِهِنَّ، وَتَرْكُ الاْسْتِفْصَال فِي حِكَايَةِ الأَْحْوَال مَعَ قِيَامِ الاِحْتِمَال مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ الْعُمُومِ فِي الْمَقَال، وَلَوْلاَ أَنَّ الْحُكْمَ يَعُمُّ الْحَالَيْنِ لَمَا أَطْلَقَ ذَلِكَ (57) .
وَقَدْ رَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ نَوْفَل بْنِ مُعَاوِيَةَ قَال: أَسْلَمْتُ وَتَحْتِي خَمْسُ نِسْوَةٍ فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ ﷺ فَقَال: فَارِقْ وَاحِدَةً وَأَمْسِكْ أَرْبَعًا، فَعَمَدْتُ إِلَى أَقْدَمِهِنَّ عِنْدِي عَاقِرٍ مُنْذُ سِتِّينَ سَنَةً فَفَارَقْتُهَا (58) .
وَقَال أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ: لَوْ تَزَوَّجَ كَافِرٌ بِخَمْسِ نِسْوَةٍ ثُمَّ أَسْلَمَ، فَإِنْ كَانَ تَزَوَّجَهُنَّ فِي عُقْدَةٍ وَاحِدَةٍ فُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُنَّ جَمِيعًا، وَإِنْ كَانَ تَزَوَّجَهُنَّ فِي عُقُودٍ مُتَفَرِّقَةٍ صَحَّ نِكَاحُ الأَْرْبَعِ وَبَطَل نِكَاحُ الْخَامِسَةِ؛ لأَِنَّ الْجَمْعَ مُحَرَّمٌ عَلَى الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ جَمِيعًا؛ لأَِنَّ حُرْمَتَهُ ثَبَتَتْ لِمَعْنًى مَعْقُولٍ وَهُوَ خَوْفُ الْجَوْرِ فِي إِيفَاءِ حُقُوقِهِنَّ. وَهَذَا الْمَعْنَى لاَ يُوجِبُ الْفَصْل بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ إِلاَّ أَنَّهُ لاَ يُتَعَرَّضُ لأَِهْل الذِّمَّةِ مَعَ قِيَامِ الْحُرْمَةِ؛ لأَِنَّ ذَلِكَ دِيَانَتُهُمْ وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَثْنًى مِنْ عُهُودِهِمْ، وَقَدْ نُهِينَا عَنِ التَّعَرُّضِ لَهُمْ عَنْ مِثْلِهِ بَعْدَ إِعْطَاءِ الذِّمَّةِ وَلَيْسَ لَنَا التَّعَرُّضُ لأَِهْل الْحَرْبِ، فَإِذَا أَسْلَمَ فَقَدْ زَال الْمَانِعُ، فَلاَ يُمَكَّنُ مِنِ اسْتِيفَاءِ الْجَمْعِ بَعْدَ الإِْسْلاَمِ بَيْنَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ، فَإِذَا كَانَ تَزَوَّجَ الْخَمْسَ فِي عُقْدَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَدْ حَصَل نِكَاحُ كُل وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ جَمِيعًا؛ إِذْ لَيْسَتْ إِحْدَاهُنَّ بِأَوْلَى مِنَ الأُْخْرَى، وَالْجَمْعُ مُحَرَّمٌ وَقَدْ زَال الْمَانِعُ مِنَ التَّعَرُّضِ فَلاَ بُدَّ مِنَ الاِعْتِرَاضِ بِالتَّفْرِيقِ، فَأَمَّا إِنْ كَانَ تَزَوَّجَهُنَّ عَلَى التَّرْتِيبِ فِي عُقُودٍ مُتَفَرِّقَةٍ فَنِكَاحُ الأَْرْبَعِ مِنْهُنَّ وَقَعَ صَحِيحًا؛ لأَِنَّ الْحُرَّ يَمْلِكُ التَّزَوُّجَ بِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا، وَلَمْ يَصِحَّ نِكَاحُ الْخَامِسَةِ لِحُصُولِهِ جَمْعًا، فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بَعْدَ الإِْسْلاَمِ (59) .
وَإِذَا تَزَوَّجَ الْحَرْبِيُّ بِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ ثُمَّ سُبِيَ هُوَ وَسُبِينَ مَعَهُ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكُل سَوَاءٌ تَزَوَّجَهُنَّ فِي عُقْدَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ فِي عُقَدٍ مُتَفَرِّقَةٍ؛ لأَِنَّ نِكَاحَ الأَْرْبَعِ وَقَعَ صَحِيحًا، لأَِنَّهُ كَانَ حُرًّا وَقْتَ النِّكَاحِ، وَالْحُرُّ يَمْلِكُ التَّزَوُّجَ بِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا، إِلاَّ أَنَّهُ تَعَذَّرَ الاِسْتِيفَاءُ بَعْدَ الاِسْتِرْقَاقِ لِحُصُول الْجَمْعِ مِنَ الْعَبْدِ فِي حَال الْبَقَاءِ بَيْنَ أَكْثَرَ مِنَ اثْنَتَيْنِ، وَالْعَبْدُ لاَ يَمْلِكُ الاِسْتِيفَاءَ فَيَقَعُ جَمْعًا بَيْنَ الْكُل فَفُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكُل وَلاَ يُخَيَّرُ فِيهِ كَمَا إِذَا تَزَوَّجَ رَضِيعَتَيْنِ فَأَرْضَعَتْهُمَا امْرَأَةٌ بَطَل نِكَاحُهَا وَلاَ يُخَيَّرُ، كَذَا هَذَا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُخَيَّرُ فِيهِ فَيَخْتَارُ اثْنَتَيْنِ مِنْهُنَّ كَمَا يُخَيَّرُ الْحُرُّ فِي أَرْبَعِ نِسْوَةٍ مِنْ نِسَائِهِ وَيُفَارِقُ الْبَاقِيَ (60) .
17 - وَيُوَضِّحُ ابْنُ قُدَامَةَ صِفَةَ الْمُفَارَقَةِ فَيَقُول:
إِنْ قَال لَمَّا زَادَ عَلَى الأَْرْبَعِ: فَسَخْتُ نِكَاحَهُنَّ كَانَ اخْتِيَارًا لِلأَْرْبَعِ، وَإِنْ طَلَّقَ إِحْدَاهُنَّ كَانَ اخْتِيَارًا لَهَا؛ لأَِنَّ الطَّلاَقَ لاَ يَكُونُ إِلاَّ فِي زَوْجَةٍ، وَإِنْ قَال: قَدْ فَارَقْتُ هَؤُلاَءِ أَوِ اخْتَرْتُ فِرَاقَ هَؤُلاَءِ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ الطَّلاَقَ كَانَ اخْتِيَارًا لِغَيْرِهِنَّ؛ لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ لِغَيْلاَنَ: اخْتَرْ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ (61) وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ لَفْظُ الْفِرَاقِ صَرِيحًا فِيهِ كَمَا كَانَ لَفْظُ الطَّلاَقِ صَرِيحًا فِيهِ، وَكَذَا فِي حَدِيثِ فَيْرُوزَ الدَّيْلَمِيِّ قَال: فَعَمَدْتُ إِلَى أَقْدَمِهِنَّ صُحْبَةً فَفَارَقْتُهَا (62) ، وَهَذَا الْمَوْضِعُ أَخَصُّ بِهَذَا اللَّفْظِ فَيَجِبُ أَنْ يُتَخَصَّصَ فِيهِ بِالْفَسْخِ، وَإِنْ نَوَى بِهِ الطَّلاَقَ كَانَ اخْتِيَارًا لَهُنَّ دُونَ غَيْرِهِنَّ، وَذَكَرَ الْقَاضِي مِنَ الْحَنَابِلَةِ فِيهِ عِنْدَ الإِْطْلاَقِ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَكُونُ اخْتِيَارًا لِلْمُفَارَقَاتِ؛ لأَِنَّ لَفْظَ الْفِرَاقِ صَرِيحٌ فِي الطَّلاَقِ، قَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَالأَْوْلَى مَا ذَكَرْنَاهُ (63) .
وَقَال ابْنُ قُدَامَةَ: إِذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ وَتَحْتَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِ زَوْجَاتٍ قَدْ دَخَل بِهِنَّ فَأَسْلَمْنَ مَعَهُ وَكُنَّ ثَمَانِيًا فَاخْتَارَ أَرْبَعًا مِنْهُنَّ وَفَارَقَ أَرْبَعًا مِنْهُنَّ لَمْ يَطَأْ وَاحِدَةً مِنَ الْمُخْتَارَاتِ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ الْمُفَارَقَاتِ؛ لِئَلاَّ يَكُونَ وَاطِئًا لأَِكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ، فَإِنْ كُنَّ خَمْسًا فَفَارَقَ إِحْدَاهُنَّ فَلَهُ وَطْءُ ثَلاَثٍ مِنَ الْمُخْتَارَاتِ، وَلاَ يَطَأُ الرَّابِعَةَ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ مَنْ فَارَقَهَا، فَإِنْ كُنَّ سِتًّا فَفَارَقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُ وَطْءُ اثْنَتَيْنِ مِنَ الْمُخْتَارَاتِ، فَإِنْ كُنَّ سَبْعًا فَفَارَقَ ثَلاَثًا فَلَهُ وَطْءُ وَاحِدَةٍ مِنَ الْمُخْتَارَاتِ وَلاَ يَطَأُ الْبَاقِيَاتِ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ الْمُفَارَقَاتِ، فَكُلَّمَا انْقَضَتْ عِدَّةُ وَاحِدَةٍ مِنَ الْمُفَارَقَاتِ فَلَهُ وَطْءُ وَاحِدَةٍ مِنَ الْمُخْتَارَاتِ (64) ، وَمَا سَبَقَ إِنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِلْكَافِرِ الَّذِي أَسْلَمَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ. أَمَّا الْمُسْلِمُ الَّذِي يَجْمَعُ بَيْنَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ فِي عِصْمَتِهِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فَإِنَّ الْحُكْمَ يَخْتَلِفُ بَيْنَ مَا إِذَا كَانَ تَزَوَّجَهُنَّ بِعَقْدٍ وَاحِدٍ وَمَا إِذَا كَانَ تَزَوَّجَهُنَّ بِعُقُودِ مُتَفَرِّقَةٍ.
فَإِذَا كَانَ تَزَوَّجَهُنَّ بِعَقْدٍ وَاحِدٍ فَلاَ بُدَّ مِنْ مُفَارَقَةِ جَمِيعِهِنَّ وَهَذَا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ؛ لأَِنَّ النِّكَاحَ يَبْطُل فِي جَمِيعِهِنَّ؛ إِذْ لَيْسَ إِبْطَال نِكَاحِ وَاحِدَةٍ بِأَوْلَى مِنَ الأُْخْرَى فَبَطَل الْجَمِيعُ.
وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ لَوْ كَانَتِ الْعُقُودُ مُتَفَرِّقَةً وَجَهِل تَرْتِيبَهَا وَلَمْ يَدْرِ أَيُّ وَاحِدَةٍ هِيَ الْخَامِسَةُ، فَأَمَّا إِنْ كَانَتِ الْعُقُودُ مُتَرَتِّبَةً فَالأَْخِيرَةُ هِيَ الَّتِي يَجِبُ مُفَارَقَتُهَا وَهَذَا بِاتِّفَاقٍ كَذَلِكَ (65) .
ثَانِيًا: الْجَمْعُ بَيْنَ مَنْ يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُنَّ
18 - إِذَا جَمَعَ الْمُسْلِمُ بَيْنَ مَنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْجَمْعُ بَيْنَهُنَّ كَمَا إِذَا عَقَدَ عَلَى أُخْتَيْنِ أَوْ جَمَعَ بَيْنَ امْرَأَةٍ وَعَمَّتِهَا أَوِ امْرَأَةٍ وَخَالَتِهَا، فَإِنْ كَانَ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ بَطَل نِكَاحُهُمَا، وَإِنْ كَانَا فِي عَقْدَيْنِ بَطَل نِكَاحُ الثَّانِيَةِ، وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (مُحَرَّمَاتُ النِّكَاحِ ف 23) . أَمَّا مَنْ كَانَ كَافِرًا وَأَسْلَمَ وَكَانَ مُتَزَوِّجًا بِمَنْ يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُنَّ كَأُخْتَيْنِ وَأَسْلَمْنَ مَعَهُ فَقَدْ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَخْتَارَ وَاحِدَةً وَيُفَارِقَ الأُْخْرَى، وَسَوَاءٌ أَكَانَ تَزَوَّجَهُمَا بِعَقْدٍ وَاحِدٍ أَوْ بِعَقْدَيْنِ وَسَوَاءٌ أَكَانَ دَخَل بِهِمَا أَوْ دَخَل بِإِحْدَاهُمَا، وَذَلِكَ لِحَدِيثِ فَيْرُوزَ الدَّيْلَمِيِّ قَال: قُلْتُ: يَا رَسُول اللَّهِ، إِنِّي أَسْلَمْت وَتَحْتِي أُخْتَانِ فَقَال رَسُول اللَّهِ ﷺ طَلِّقْ أَيَّتَهُمَا شِئْتَ (66) .
وَلأَِنَّ الْمُبْقَاةَ يَجُوزُ لَهُ ابْتِدَاءُ نِكَاحِهَا، فَجَازَ لَهُ اسْتِدَامَتُهُ كَغَيْرِهَا، وَلأَِنَّ أَنْكِحَةَ الْكُفَّارِ صَحِيحَةٌ وَإِنَّمَا حَرُمَ الْجَمْعُ وَقَدْ أَزَالَهُ، وَلاَ مَهْرَ لِلْمُفَارَقَةِ مِنْهُمَا قَبْل الدُّخُول، وَهَكَذَا الْحُكْمُ فِي الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا لأَِنَّ الْمَعْنَى فِي الْجَمِيعِ وَاحِدٌ (67) ، قَال ابْنُ قُدَامَةَ: إِنْ كَانَ دَخَل بِهِمَا وَاخْتَارَ إِحْدَاهُمَا لَمْ يَطَأْهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ الْمُفَارَقَةِ (68) .
وَهَذَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَيْضًا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَاسْتَدَل بِحَدِيثِ فَيْرُوزَ السَّابِقِ، قَال: لَقَدْ خَيَّرَهُ الرَّسُول ﷺ وَلَمْ يَسْتَفْسِرْ أَنَّ نِكَاحَهُنَّ كَانَ دَفْعَةً وَاحِدَةً أَوْ عَلَى التَّرْتِيبِ، وَلَوْ كَانَ الْحُكْمُ يَخْتَلِفُ لاَسْتَفْسَرَ، فَدَل عَلَى أَنَّ حُكْمَ الشَّرْعِ فِيهِ هُوَ التَّخْيِيرُ مُطْلَقًا (69) .
وَقَال أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ: إِنْ كَانَ تَزَوَّجَ الأُْخْتَيْنِ فِي عُقْدَةٍ وَاحِدَةٍ فَيَجِبُ عَلَيْهِ مُفَارَقَتُهُمَا؛ لأَِنَّ نِكَاحَ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا جُعِل جَمْعًا إِذْ لَيْسَتْ إِحْدَاهُمَا بِأَوْلَى مِنَ الأُْخْرَى، وَالإِْسْلاَمُ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ، وَلاَ مَانِعَ مِنَ التَّفْرِيقِ فَيُفَرَّقَ، وَإِنْ كَانَ تَزَوَّجَهُمَا فِي عَقْدَيْنِ فَنِكَاحُ الأُْولَى وَقَعَ صَحِيحًا إِذْ لاَ مَانِعَ مِنَ الصِّحَّةِ، وَبَطَل نِكَاحُ الثَّانِيَةِ لِحُصُولِهِ جَمْعًا، فَلاَ بُدَّ مِنَ التَّفْرِيقِ بَعْدَ الإِْسْلاَمِ، قَالاَ: وَالنَّبِيُّ ﷺ قَال لِفَيْرُوزَ: طَلِّقْ أَيَّتَهُمَا شِئْتَ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الطَّلاَقَ إِنَّمَا يَكُونُ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ، فَدَل أَنَّ ذَلِكَ الْعَقْدَ وَقَعَ صَحِيحًا فِي الأَْصْل، فَدَل أَنَّهُ كَانَ قَبْل تَحْرِيمِ الْجَمْعِ وَلاَ كَلاَمَ فِيهِ (70) .
ثَالِثًا: السَّلاَمُ بَعْدَ الْمُفَارَقَةِ
19 - قَال النَّوَوِيُّ: الْبَدْءُ بِالسَّلاَمِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَمِنَ السُّنَّةِ أَنَّ مَنْ سَلَّمَ عَلَى إِنْسَانٍ ثُمَّ فَارَقَهُ ثُمَّ لَقِيَهُ عَلَى قُرْبٍ أَوْ حَال بَيْنَهُمْ شَيْءٌ ثُمَّ اجْتَمَعَا فَالسُّنَّةُ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِ، وَهَكَذَا لَوْ تَكَرَّرَ ذَلِكَ ثَالِثًا وَرَابِعًا وَأَكْثَرَ سَلَّمَ عِنْدَ كُل لِقَاءٍ وَإِنْ قَرُبَ الزَّمَانُ. قَال: اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قِصَّةِ الْمُسِيءِ صَلاَتَهُ أَنَّهُ صَلَّى فِي جَانِبِ الْمَسْجِدِ ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلاَمَ، ثُمَّ قَال: ارْجِعْ فَصَل فَإِنَّكَ لَمْ تُصَل. فَرَجَعَ فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ حَتَّى فَعَل ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ (71) .
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَال: إِذَا لَقِيَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَإِنْ حَالَتْ بَيْنَهُمَا شَجَرَةٌ أَوْ جِدَارٌ أَوْ حَجَرٌ ثُمَّ لَقِيَهُ فَلْيُسَلِّمْ عَلَيْهِ (72) .
وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَال: كَانَ أَصْحَابُ رَسُول اللَّهِ ﷺ يَتَمَاشَوْنَ، فَإِذَا اسْتَقْبَلَتْهُمْ شَجَرَةٌ أَوْ أَكَمَةٌ فَتَفَرَّقُوا يَمِينًا وَشِمَالاً ثُمَّ الْتَقَوْا مِنْ وَرَائِهَا سَلَّمَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ (73) .
وَمِنَ السُّنَّةِ إِذَا قَامَ شَخْصٌ مِنَ الْمَجْلِسِ وَأَرَادَ فِرَاقَ الْجَالِسِينَ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِمْ (74) . وَتَفْصِيل هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي (مُصْطَلَحِ سَلاَمٌ ف 25) .
رَابِعًا: مُفَارَقَةُ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ
20 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ طَاعَةُ الإِْمَامِ الْعَادِل وَيَحْرُمُ الْخُرُوجُ عَلَيْهِ، أَمَّا غَيْرُ الْعَادِل فَقَدِ اخْتُلِفَ فِي طَاعَتِهِ وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (الإِْمَامَةُ الْكُبْرَى ف 12، 21) .
خَامِسًا: مُصَالَحَةُ الزَّوْجَةِ زَوْجَهَا حَتَّى لاَ يُفَارِقَهَا:
21 - إِذَا نَفَرَ الزَّوْجُ مِنْ زَوْجَتِهِ وَأَرَادَ فِرَاقَهَا فَيَجُوزُ لِلزَّوْجَةِ مُصَالَحَتُهُ حَتَّى لاَ يُفَارِقَهَا، قَال اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} (75)
قَال ابْنُ كَثِيرٍ: الظَّاهِرُ مِنَ الآْيَةِ أَنَّ صُلْحَهُمَا عَلَى تَرْكِ بَعْضِ حَقِّهَا لِلزَّوْجِ وَقَبُول الزَّوْجِ ذَلِكَ خَيْرٌ مِنَ الْمُفَارَقَةِ بِالْكُلِّيَّةِ، كَمَا أَمْسَكَ النَّبِيُّ ﷺ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ ﵄ عَلَى أَنْ تَرَكَتْ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا وَلَمْ يُفَارِقْهَا بَل تَرَكَهَا مِنْ جُمْلَةِ نِسَائِهِ (76) ، وَفَعَل النَّبِيُّ ﷺ ذَلِكَ لِتَتَأَسَّى بِهِ أُمَّتُهُ فِي مَشْرُوعِيَّةِ ذَلِكَ وَجَوَازِهِ، وَلَمَّا كَانَ الْوِفَاقُ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْفِرَاقِ قَال: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} فَإِذَا أَصَرَّ الزَّوْجُ عَلَى الْفِرَاقِ فَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُمَا إِذَا تَفَرَّقَا فَإِنَّ اللَّهَ يُغْنِيهِ عَنْهَا وَيُغْنِيهَا عَنْهُ (77) قَال تَعَالَى: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ} (78) .
سَادِسًا: مُفَارَقَةُ الْجَالِسِينَ فِي الأَْمْكِنَةِ الْعَامَّةِ أَمَاكِنَهُمْ
22 - يَجُوزُ لِكُل أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ أَنْ يَجْلِسَ فِي الأَْمَاكِنِ الْعَامَّةِ كَالشَّارِعِ وَالْمَسْجِدِ وَالسُّوقِ، وَذَلِكَ لِلْحَاجَةِ مِنْ مُعَامَلَةٍ أَوْ حِرْفَةٍ أَوْ إِقْرَاءٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ لِلْغَيْرِ، وَهَذَا بِاتِّفَاقٍ (79) ، لَكِنْ إِذَا جَلَسَ أَحَدٌ فِي مَكَانٍ مِنْ هَذِهِ الأَْمَاكِنِ ثُمَّ فَارَقَهُ ثُمَّ عَادَ إِلَيْهِ فَهَل يَكُونُ أَحَقَّ بِهِ؟
لِلْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ بَيَانُهُ فِي مُصْطَلَحِ (مَجْلِسٌ ف 7، وَارْتِفَاقٌ 8 - 9، وَطَرِيقٌ ف 9 - 13) .
__________
(1) حديث: " البيعان بالخيار ما لم يتفرقا ". أخرجه البخاري (الفتح 4 / 328) ومسلم (3 / 1164) من حديث حكيم بن حزام.
(2) لسان العرب، والمعجم الوسيط، والمصباح المنير.
(3) الفروق للقرافي 3 / 270.
(4) لسان العرب، والمصباح المنير، ومختار الصحاح، والمعجم الوسيط.
(5) حاشية ابن عابدين 4 / 419، وإعانة الطالبين 3 / 152.
(6) لسان العرب والمصباح المنير ومختار الصحاح.
(7) المغني 3 / 266.
(8) البدائع 1 / 223، والشرح الصغير 1 / 449، 450، ومغني المحتاج 1 / 259، وكشاف القناع 1 / 321، وشرح منتهى الإرادات 1 / 171.
(9) حديث: " إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه " أخرجه البخاري (فتح الباري 2 / 209) ومسلم (1 / 309) من حديث أبي هريرة، واللفظ للبخاري.
(10) كشاف القناع 1 / 321.
(11) البدائع 1 / 223، والشرح الصغير 1 / 450، ومغني المحتاج 1 / 259، والمغني 2 / 233، والإنصاف 2 / 31.
(12) سورة محمد / 33.
(13) حديث: مفارقة الصحابة في الصلاة للنبي ﷺ. أخرجه البخاري (فتح الباري 7 / 421) ومسلم (1 / 575 - 576) .
(14) مغني المحتاج 1 / 259، والمغني 2 / 233، وروضة الطالبين 1 / 374.
(15) حديث جابر: " كان معاذ بن جبل يصلي مع النبي ﷺ. . . " أخرجه البيهقي (3 / 112) وأصله في الصحيحين.
(16) المغني 2 / 233، ومغني المحتاج 1 / 259، وكشاف القناع 1 / 320، والشرح الصغير 1 / 450، وجواهر الإكليل 1 / 82.
(17) جواهر الإكليل 1 / 82، ومغني المحتاج 1 / 259، والمجموع 4 / 247، وكشاف القناع 1 / 320.
(18) المجموع 4 / 247، وفتح العزيز بهامش المجموع 4 / 404.
(19) كشاف القناع 1 / 320، المغني 2 / 233.
(20) الشرح الصغير 1 / 435، ومغني المحتاج 1 / 147، وكشاف القناع 1 / 311، 312.
(21) مغني المحتاج 1 / 147، وكشاف القناع 1 / 311، 312، وشرح منتهى الإرادات 1 / 164.
(22) حاشية ابن عابدين 1 / 291.
(23) الشرح الصغير 1 / 435، 436، والمواق بهامش الحطاب 2 / 97، ومغني المحتاج 1 / 242، 260، والمجموع 4 / 247، 256 وما بعدها، وفتح العزيز بهامش المجموع 4 / 326.
(24) مغني المحتاج 1 / 195، 196، والمجموع 4 / 262.
(25) حديث: " لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ". أخرجه البخاري (الفتح 2 / 237) ومسلم (1 / 295) من حديث عبادة بن الصامت.
(26) كشاف القناع 1 / 379.
(27) مطالب أولي النهى 1 / 513، 514.
(28) مطالب أولي النهى 1 / 515، 516.
(29) مطالب أولي النهى 1 / 695.
(30) مغني المحتاج 1 / 259 - 260.
(31) المجموع 4 / 582.
(32) كشاف القناع 1 / 320.
(33) شرح الزرقاني 1 / 190.
(34) حديث أنس: " صليت مع النبي ﷺ الظهر بالمدينة أربعًا. . . " أخرجه البخاري (الفتح 2 / 569) ومسلم (1 / 480) واللفظ لمسلم.
(35) الأثر عن علي - ﵁ - أخرجه عبد الرزاق في المصنف (2 / 529) .
(36) أثر عبيد بن جبير: " كنت مع أبي بصرة الغفاري. . . . " أخرجه أبو داود (2 / 799 - 800) .
(37) حاشية ابن عابدين 2 / 123، والاختيار 1 / 134، والشرح الصغير 1 / 718، والمجموع 6 / 261، 262، والمغني 3 / 100، 101.
(38) مغني المحتاج 2 / 43 - 45، والمجموع شرح المهذب 9 / 161 وما بعدها تحقيق المطيعي، والمغني 3 / 563، وشرح منتهى الإرادات 2 / 166، 167.
(39) المغني 3 / 563، والمجموع 9 / 171 وما بعدها.
(40) حديث: " إذا تبايع الرجلان فكل منهما. . . " أخرجه البخاري (الفتح 4 / 333) من حديث ابن عمر.
(41) حديث: " البيعان بالخيار ما لم يتفرقا. . . " أخرجه الترمذي (3 / 541) وقال: حديث حسن.
(42) مغني المحتاج 2 / 45، والمغني 3 / 567، وشرح منتهى الإرادات 2 / 168.
(43) مغني المحتاج 2 / 45، ومنتهى الإرادات 2 / 167، 168.
(44) أثر ابن عمر " كان إذا بايع رجلاً فأراد أن لا يقيله. . . " أخرجه مسلم (3 / 1164) .
(45) المجموع شرح المهذب 9 / 168 تحقيق المطيعي، ومغني المحتاج 2 / 45، والمغني 3 / 565، وشرح منتهى الإرادات 2 / 167.
(46) المجموع 9 / 167، 168، ومغني المحتاج 2 / 45، والمغني 3 / 565، وشرح منتهى الإرادات 2 / 167، 168، وكشاف القناع 3 / 201.
(47) المغني 3 / 566، ومغني المحتاج 2 / 45.
(48) شرح منتهى الإرادات 4 / 168، والمغني مع الشرح 4 / 9، ومغني المحتاج 2 / 45.
(49) المجموع 9 / 170، ومغني المحتاج 2 / 45.
(50) المغني 3 / 566.
(51) مغني المحتاج 2 / 46.
(52) المجموع شرح المهذب للنووي 9 / 163 تحقيق المطيعي، والمغني 3 / 565، والإنصاف 4 / 363.
(53) المجموع 9 / 163 تحقيق المطيعي، ومغني المحتاج 2 / 43، وشرح منتهى الإرادات 2 / 167.
(54) سورة النساء / 3.
(55) البدائع للكاساني 2 / 265، 266، وجواهر الإكليل 1 / 297، ومنح الجليل 2 / 73، 74، والفروق للقرافي 2 / 91 و 3 / 111، 112، 132، 133، ومغني المحتاج 3 / 181، 196، والمغني 6 / 539، 540، وشرح منتهى الإرادات 3 / 34، 58.
(56) حديث ابن عمر: " أن غيلان بن سلمة أسلم وعنده تسع نسوة. . . " أخرجه البيهقي في السنن (7 / 183) ، وقال ابن حجر في التلخيص (3 / 169) رجاله ثقات.
(57) البدائع 2 / 314، والفروق للقرافي 2 / 91، 92، ومنح الجليل 2 / 73، 74، ومغني المحتاج 3 / 196، والمغني 6 / 620، ومنتهى الإرادات 3 / 58.
(58) حديث: " نوفل بن معاوية: أسلمت وتحتي خمس نسوة. . . " أخرجه الشافعي في المسند (ترتيب مسند الإمام الشافعي للسندي 2 / 16 ط. دار الكتب العلمية) وفي إسناده جهالة.
(59) بدائع الصنائع 2 / 314.
(60) بدائع الصنائع 2 / 315.
(61) حديث: " اختر منهن أربعًا. . . " تقدم تخريجه في (فقرة 16) .
(62) حديث فيروز الديلمي أخرجه أبو داود (2 / 678) .
(63) المغني 6 / 622، 623، وينظر مغني المحتاج 3 / 199، والمهذب 2 / 53.
(64) المغني 6 / 626، 627، وشرح منتهى الإرادات 3 / 58.
(65) البدائع 2 / 314، ومنح الجليل 2 / 67، والشرح الصغير 1 / 400، 401 ط. الحلبي، ومغني المحتاج 3 / 181، وشرح منتهى الإرادات 3 / 31، والمغني 6 / 584.
(66) حديث: " فيروز الديلمي: قلت: يا رسول الله، إني أسلمت وتحتي أختان. . . " أخرجه أبو داود (2 / 678) والترمذي (3 / 427) واللفظ لأبي داود وقال الترمذي: حسن.
(67) شرح منتهى الإرادات 3 / 60، والمغني 6 / 626، ومنح الجليل 2 / 74، ومغني المحتاج 3 / 197.
(68) المغني 6 / 626.
(69) البدائع 2 / 314.
(70) البدائع 2 / 314، 315.
(71) حديث: قصة المسيء صلاته. أخرجه البخاري (الفتح 2 / 237) ، ومسلم (1 / 298) .
(72) حديث أبي هريرة: " إذا لقي أحدكم أخاه. . " أخرجه أبو داود (5 / 381) ونقل ابن علان في الفتوحات (5 / 318) عن ابن حجر أنه صححه.
(73) أثر أنس: " كان أصحاب رسول الله ﷺ يتماشون. . . " أخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة (ص 123) .
(74) المجموع 4 / 598.
(75) سورة النساء / 128.
(76) حديث: " أن رسول الله ﷺ أمسك سودة بنت زمعة. . . " أخرجه مسلم (2 / 1085) .
(77) مختصر تفسير ابن كثير 1 / 445، ومنح الجليل 2 / 174، والمغني 7 / 38، 39.
(78) سورة النساء / 128.
(79) حاشية ابن عابدين 1 / 445، والشرح الكبير مع حاشية الدسوقي 3 / 368، ومغني المحتاج 2 / 370، وكشاف القناع 4 / 196.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 243/ 38
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".