المتعالي
كلمة المتعالي في اللغة اسم فاعل من الفعل (تعالى)، واسم الله...
من حرم الزواج بهن مُؤبداً، أو مؤقتاً بسبب شرعي . ومن شواهده قول الله تَعَالَى : ﱫﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﱪالنساء :23 ، ومن أمثلته قولهم : " فَصْلُ مُحَرَّمَاتُ النِّكَاحِ . فَصْلٌ فِي الْمُحَرَّمَاتِ . وَيَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ نِكَاحُ أُمِّهِ، وَجَدَّاتِهِ، وَبِنْتِهِ، وَبَنَاتِ وَلَدِهِ، وَأُخْتِهِ وَبِنْتِهَا، وَبِنْتِ أَخِيهِ، وَعَمَّتِهِ، وَخَالَتِهِ، وَأُمِّ امْرَأَتِهِ، وَبِنْتِهَا إِنْ دَخَلَ بِهَا، وَامْرَأَةِ أَبِيهِ، وَأَجْدَادِهِ، وَبَنِيهِ، وَبَنِي أَوْلَادِهِ . وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ نِكَاحًا، وَوَطْئًا بِمِلْكِ يَمِينٍ . وَيَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَنْ ذَكَرْنَا مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ .
يرد مصطلح (محرمات النكاح) في الفقه في كتاب الجنائز، باب: غسل الميت، وكتاب الطلاق، باب: عدة المطلق، وفي كتاب الحدود، باب: حد الزنا.
النساء اللاتي يحرم التزوج بهن، ولا يصح إن وقع.
محرمات النكاح: هن النساء اللاتي لا يحل الزواج بهن ويعتبر باطلًا لو وقع، وهن نوعان: 1- محرمات على التأبيد، وهن مَن تكون حرمة نكاحهن على الدوام كالأم والبنت والأخت وغيرهن؛ لأن سبب التحريم ثابت لا يزول، وأسبابه ثلاثة، وهي: أ - القرابة: كالأمومة. ب - المصاهرة: كأم الزوجة. ج - الرضاع: كالبنت من الرضاع. 2- محرمات على التأقيت، وهن من تكون حرمة نكاحهن مؤقتة؛ لأن سبب التحريم غير دائم، ويحتمل زواله كزوجة الغير، ومعتدته، والمشركة بالله تعالى.
مَن حرم الزواج بهن مُؤبداً، أو مؤقتاً بسبب شرعي.
* مغني الـمحتاج فـي شرح الـمنهاج : (3/174)
* الموسوعة الفقهية الكويتية : (36/209) -
التَّعْرِيفُ:
1 - الْمُحَرَّمَاتُ فِي اللُّغَةِ: جَمْعُ مُحَرَّمٍ، وَالْمُحَرَّمُ وَالْمُحَرَّمَةُ اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ حَرَّمَ، يُقَال: حَرَّمَ الشَّيْءَ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى غَيْرِهِ: جَعَلَهُ حَرَامًا، وَالْمُحَرَّمُ: ذُو الْحُرْمَةِ، وَالْمَحْرَمُ كَذَلِكَ: ذُو الْحُرْمَةِ، وَمِنَ النِّسَاءِ وَالرِّجَال: الَّذِي يَحْرُمُ التَّزَوُّجُ بِهِ لِرَحِمِهِ وَقَرَابَتِهِ (1) .
وَالنِّكَاحُ: مَصْدَرُ نَكَحَ، يُقَال: نَكَحَتِ الْمَرْأَةُ تَنْكِحُ نِكَاحًا: تَزَوَّجَتْ (2) .
قَال الأَْزْهَرِيُّ: أَصْل النِّكَاحِ فِي كَلاَمِ الْعَرَبِ الْوَطْءُ، وَقِيل لِلتَّزَوُّجِ نِكَاحٌ، لأَِنَّهُ سَبَبُ الْوَطْءِ الْمُبَاحِ.
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ لِمُحَرَّمَاتِ النِّكَاحِ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ (3) .
أَنْوَاعُ الْمُحَرَّمَاتِ مِنَ النِّسَاءِ:
2 - الْمُحَرَّمَاتُ مِنَ النِّسَاءِ نَوْعَانِ
أ - مُحَرَّمَاتٌ عَلَى التَّأْبِيدِ، وَهُنَّ اللاَّئِي تَكُونُ حُرْمَةُ نِكَاحِهِنَّ مُؤَبَّدَةً، لأَِنَّ سَبَبَ التَّحْرِيمِ ثَابِتٌ لاَ يَزُول، كَالأُْمُومَةِ، وَالْبُنُوَّةِ، وَالأُْخُوَّةِ.
ب - مُحَرَّمَاتٌ عَلَى التَّأْقِيتِ، وَهُنَّ مَنْ تَكُونُ حُرْمَةُ نِكَاحِهِنَّ مُؤَقَّتَةً؛ لأَِنَّ سَبَبَ التَّحْرِيمِ غَيْرُ دَائِمٍ، وَيُحْتَمَل الزَّوَال كَزَوْجَةِ الْغَيْرِ، وَمُعْتَدَّتِهِ، وَالْمُشْرِكَةِ بِاللَّهِ.
أَوَّلاً: الْمُحَرَّمَاتُ تَحْرِيمًا مُؤَبَّدًا
3 - أَسْبَابُ تَأْبِيدِ حُرْمَةِ التَّزَوُّجِ بِالنِّسَاءِ ثَلاَثَةٌ، هِيَ:
أ - الْقَرَابَةُ.
ب - الْمُصَاهَرَةُ.
ج - الرَّضَاعُ.
أ - الْمُحَرَّمَاتُ بِسَبَبِ الْقَرَابَةِ:
يَحْرُمُ عَلَى الْمُسْلِمِ بِسَبَبِ الْقَرَابَةِ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ
4 - الأَْصْل مِنَ النِّسَاءِ وَإِنْ عَلاَ، وَالْمُرَادُ بِهِ: الأُْمُّ، وَأُمُّ الأُْمِّ، وَإِنْ عَلَتْ، وَأُمُّ الأَْبِ، وَأُمُّ الْجَدِّ، وَإِنْ عَلَتْ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} (4) .
وَتَحْرِيمُ الأُْمِّ بِهَذِهِ الآْيَةِ وَاضِحٌ، وَأَمَّا تَحْرِيمُ الْجَدَّاتِ فَوَاضِحٌ أَيْضًا إِذَا قُلْنَا: إِنَّ لَفْظَ الأُْمِّ يُطْلَقُ عَلَى الأَْصْل، فَيَشْمَل الْجَدَّاتِ، فَيَكُونُ تَحْرِيمُهُنَّ ثَابِتًا بِالآْيَةِ كَتَحْرِيمِ الأُْمَّهَاتِ، أَوْ تَكُونُ حُرْمَةُ الْجَدَّاتِ بِدَلاَلَةِ النَّصِّ؛ لأَِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْعَمَّاتِ وَالْخَالاَتِ، وَهُنَّ أَوْلاَدُ الْجَدَّاتِ، فَتَكُونُ حُرْمَةُ الْجَدَّاتِ مِنْ بَابِ أَوْلَى.
5 - الْفَرْعُ مِنَ النِّسَاءِ وَإِنْ نَزَل، وَالْمُرَادُ بِهِ: الْبِنْتُ وَمَا تَنَاسَل مِنْهَا، وَبِنْتُ الاِبْنِ وَإِنْ نَزَل، وَمَا تَنَاسَل مِنْهَا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ} .
وَتَحْرِيمِ الْبَنَاتِ الصُّلْبِيَّاتِ بِنَصِّ الآْيَةِ، وَأَمَّا تَحْرِيمُ بَنَاتِ أَوْلاَدِهِنَّ فَثَابِتٌ بِالإِْجْمَاعِ، أَوْ بِدَلاَلَةِ النَّصِّ، لأَِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ بَنَاتِ الأَْخِ، وَبَنَاتِ الأُْخْتِ، وَلاَ شَكَّ فِي أَنَّ بَنَاتِ الْبَنَاتِ، وَبَنَاتِ الأَْوْلاَدِ وَإِنْ نَزَلْنَ أَقْوَى قَرَابَةً مِنْ بَنَاتِ الأَْخِ.
وَيَحْرُمُ عَلَى الإِْنْسَانِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِنْتَهُ مِنَ الزِّنَا بِصَرِيحِ الآْيَةِ: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ} لأَِنَّهَا بِنْتُهُ حَقِيقَةً، وَلُغَةً، وَمَخْلُوقَةٌ مِنْ مَائِهِ، وَلِهَذَا حُرِّمَ ابْنُ الزِّنَا عَلَى أُمِّهِ، وَهَذَا هُوَ رَأْيُ الْحَنَفِيَّةِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ، لَمَا رُوِيَ أَنَّ رَجُلاً قَال: يَا رَسُول اللَّهِ: إِنِّي زَنَيْتُ بِامْرَأَةِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَفَأَنْكِحُ ابْنَتَهَا قَال: لاَ أَرَى ذَلِكَ، وَلاَ يَصْلُحُ أَنَّ تَنْكِحَ امْرَأَةً تَطْلُعُ مِنِ ابْنَتِهَا عَلَى مَا تَطْلُعُ عَلَيْهِ مِنْهَا (5) فَالْبِنْتُ مِنَ الزِّنَا جُزْءٌ مِنَ الزَّانِي، فَهِيَ بِنْتُهُ وَإِنْ لَمْ تَرِثْهُ، وَلَمْ تَجِبْ نَفَقَتُهَا عَلَيْهِ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى عَدَمِ حُرْمَتِهَا عَلَيْهِ؛ لأَِنَّ الْبُنُوَّةَ الَّتِي تُبْنَى عَلَيْهَا الأَْحْكَامُ هِيَ الْبُنُوَّةُ الشَّرْعِيَّةُ، وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ هُنَا، لِقَوْلِهِ ﷺ: الْوَلَدُ لِلْفَرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ (6) . وَبِهِ قَال اللَّيْثُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ (7) .
وَالْمُزَنِيِّ بِهَا لَيْسَتْ بِفِرَاشٍ، وَلِذَلِكَ لاَ يَحِل لَهُ أَنْ يَخْتَلِيَ بِهَا وَلاَ وِلاَيَةَ لَهُ عَلَيْهَا، وَلاَ نَفَقَةَ لَهَا عَلَيْهِ وَلاَ تَوَارُثَ.
وَعَلَى هَذَا الْخِلاَفِ أُخْتُهُ مِنَ الزِّنَا وَبِنْتُ أَخِيهِ وَبِنْتُ أُخْتِهِ وَبِنْتُ ابْنِهِ مِنَ الزِّنَا، بِأَنْ زَنَى أَبُوهُ أَوْ أَخُوهُ أَوْ أُخْتُهُ أَوِ ابْنُهُ فَأُولِدُوا بِنْتًا، فَإِنَّهَا تُحَرَّمُ عَلَى الأَْخِ وَالْعَمِّ وَالْخَال وَالْجَدِّ (8) . وَالْمَنْفِيَّةُ بِلِعَانِ لَهَا حُكْمُ الْبِنْتِ، فَلَوْ لاَعَنَ الرَّجُل زَوْجَتَهُ، فَنَفَى الْقَاضِي نَسَبَ ابْنَتِهَا مِنَ الرَّجُل، وَأَلْحَقَهَا بِالأُْمِّ فَتَحْرُمُ عَلَى نَافِيهَا وَلَوْ لَمْ يَدْخُل بِأُمِّهَا؛ لأَِنَّهَا لَمْ تَنْتِفِ عَنْهُ قَطْعًا بِدَلِيل لُحُوقِهَا بِهِ لَوْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ، وَلأَِنَّهَا رَبِيبَةٌ فِي الْمَدْخُول بِهَا، وَتَتَعَدَّى حُرْمَتُهَا إِلَى سَائِرِ مَحَارِمِهِ (9) .
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (لِعَانٌ) .
6 - فُرُوعُ الأَْبَوَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا، وَإِنْ نَزَلْنَ، وَهُنَّ الأَْخَوَاتُ، سَوَاءٌ أَكُنَّ شَقِيقَاتٍ، أَمْ لأَِبٍ، أَمْ لأُِمٍّ، وَفُرُوعُ الإِْخْوَةِ وَالأَْخَوَاتِ، فَيَحْرُمُ عَلَى الرَّجُل أَخَوَاتُهُ جَمِيعًا وَأَوْلاَدُ أَخَوَاتِهِ وَإِخْوَانِهِ وَفُرُوعُهُمْ، مَهْمَا تَكُنِ الدَّرَجَةُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَْخِ وَبَنَاتُ الأُْخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلاَئِل أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُْخْتَيْنِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ} (10) . وَتَحْرِيمُ فُرُوعِ بَنَاتِ الأَْخِ وَبَنَاتِ الأُْخْتِ ثَابِتٌ بِنَصِّ الآْيَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ لَفْظَ بَنَاتِ الأَْخِ وَبَنَاتِ الأُْخْتِ يَشْمَلُهُنَّ، أَوْ يَكُونُ التَّحْرِيمُ ثَابِتًا بِالإِْجْمَاعِ إِذَا كَانَ لَفْظُ بَنَاتِ الأَْخِ وَبَنَاتِ الأُْخْتِ مَقْصُورًا عَلَيْهِمَا (11) .
7 - فُرُوعُ الأَْجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ إِذَا انْفَصَلْنَ بِدَرَجَةِ وَاحِدَةٍ، وَهُنَّ الْعَمَّاتُ، وَالْخَالاَتُ، سَوَاءٌ أَكُنَّ شَقِيقَاتٍ أَمْ لأَِبٍ، أَمْ لأُِمٍّ، وَكَذَلِكَ عَمَّاتُ الأَْصْل، وَإِنْ عَلاَ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي آيَةِ الْمُحَرَّمَاتِ: {وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ} وَتَحْرِيمُ الْعَمَّاتِ وَالْخَالاَتِ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ، وَأَمَّا أُخْتُ الْجَدِّ وَإِنْ عَلَتْ فَتَحْرِيمُهَا ثَابِتٌ إِمَّا بِالنَّصِّ، لأَِنَّ لَفْظَ الْعَمَّةِ يَشْمَل أُخْتَ الأَْبِ، وَأُخْتَ الْجَدِّ وَإِنْ عَلَتْ، وَإِمَّا بِالإِْجْمَاعِ إِذَا كَانَ لَفْظُ الْعَمَّةِ مَقْصُورًا عَلَى أُخْتِ الأَْبِ، وَكَذَا تَحْرِيمُ الْخَالَةِ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ، وَمِثْل أُخْتِ الأُْمِّ أُخْتُ الْجَدَّةِ وَإِنْ عَلَتْ، وَتَحْرِيمُهَا ثَابِتٌ إِمَّا بِالنَّصِّ لأَِنَّ لَفْظَ الْخَالَةِ يَشْمَل أُخْتَ الأُْمِّ وَأُخْتَ الْجَدَّةِ وَإِنْ عَلَتْ، وَإِمَّا بِالإِْجْمَاعِ إِذَا كَانَ لَفْظُ الْخَالَةِ مَقْصُورًا عَلَى أُخْتِ الأُْمِّ.
أَمَّا بَنَاتُ الأَْعْمَامِ وَالأَْخْوَال، وَبَنَاتُ الْعَمَّاتِ وَالْخَالاَتِ، وَفُرُوعُهُنَّ، فَيَجُوزُ التَّزَوُّجُ بِهِنَّ، لِعَدَمِ ذِكْرِهِنَّ فِي الْمُحَرَّمَاتِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُحِل لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} (12) . وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاَّتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاَتِكَ اللاَّتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ} (13) .
وَمَا أَحَلَّهُ اللَّهُ لِلرَّسُول ﷺ يَحِل لأُِمَّتِهِ مَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحِل خَاصٌّ بِالرَّسُول ﷺ وَلاَ يُوجَدُ دَلِيلٌ عَلَى الْخُصُوصِ، فَشَمِل الْحُكْمُ الْمُؤْمِنِينَ جَمِيعًا (14) .
حِكْمَةُ التَّحْرِيمِ
8 - أَمَرَ الإِْسْلاَمُ بِصِلَةِ الرَّحِمِ وَالْحِرْصِ عَلَى الرَّوَابِطِ الَّتِي تَرْبِطُ الأَْفْرَادَ بَعْضُهُمْ بِبَعْضِ وَحِمَايَتِهَا مِنَ الْخُصُومَاتِ وَالْمُنَازَعَاتِ، وَقَدْ قَال الْكَاسَانِيُّ: إِنَّ نِكَاحَ هَؤُلاَءِ يُفْضِي إِلَى قَطْعِ الرَّحِمِ لأَِنَّ النِّكَاحَ لاَ يَخْلُو مِنْ مُبَاسَطَاتٍ تَجْرِي بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ عَادَةً، وَبِسَبَبِهَا تَجْرِي الْخُشُونَةُ بَيْنَهُمَا، وَذَلِكَ يُفْضِي إِلَى قَطْعِ الرَّحِمِ، فَكَانَ النِّكَاحُ سَبَبًا لِقَطْعِ الرَّحِمِ، مُفْضِيًا إِلَيْهِ، وَقَطْعُ الرَّحِمِ حَرَامٌ، وَالْمُفْضِي إِلَى الْحَرَامِ حَرَامٌ، وَقَال: تَخْتَصُّ الأُْمَّهَاتُ بِمَعْنَى آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ احْتِرَامَ الأُْمِّ، وَتَعْظِيمَهَا وَاجِبٌ، وَلِهَذَا أَمَرَ الْوَلَدَ بِمُصَاحَبَةِ الْوَالِدَيْنِ بِالْمَعْرُوفِ، وَخَفْضِ الْجَنَاحِ لَهُمَا، وَالْقَوْل الْكَرِيمِ، وَنَهَى عَنِ التَّأْفِيفِ لَهُمَا، فَلَوْ جَازَ النِّكَاحُ، وَالْمَرْأَةُ تَكُونُ تَحْتَ أَمْرِ الزَّوْجِ وَطَاعَتِهِ، وَخِدْمَتِهِ مُسْتَحَقَّةٌ عَلَيْهَا لَلَزِمَهَا ذَلِكَ، وَإِنَّهُ يُنَافِي الاِحْتِرَامَ، فَيُؤَدِّي إِلَى التَّنَاقُضِ (15) .
ب - الْمُحَرَّمَاتُ بِسَبَبِ الْمُصَاهَرَةِ:
يَحْرُمُ بِالْمُصَاهَرَةِ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ
9 - زَوْجَةُ الأَْصْل وَهُوَ الأَْبُ، وَإِنْ عَلاَ، سَوَاءٌ أَكَانَ مِنَ الْعَصَبَاتِ كَأَبِي الأَْبِ، أَمْ مِنْ ذَوِي الأَْرْحَامِ كَأَبِي الأُْمِّ، وَبِمُجَرَّدِ عَقْدِ الأَْبِ عَلَيْهَا عَقْدًا صَحِيحًا تُصْبِحُ مُحَرَّمَةً عَلَى فَرْعِهِ، وَإِنْ لَمْ يَدْخُل بِهَا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلاَ تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ} (16) .
وَلاَ يَدْخُل فِي التَّحْرِيمِ أُصُول هَذِهِ الْمَرْأَةِ، وَلاَ فُرُوعُهَا.
وَكَمَا تَدُل الآْيَةُ عَلَى حُرْمَةِ زَوْجَةِ الأَْبِ، تَدُل عَلَى حُرْمَةِ زَوْجَةِ الْجَدِّ وَإِنْ عَلاَ، لأَِنَّ لَفْظَ الأَْبِ يُطْلَقُ عَلَى الْجَدِّ وَإِنْ عَلاَ، وَلأَِنَّ زَوَاجَ مَنْ تَزَوَّجَ بِهِنَّ الآْبَاءُ يَتَنَافَى مَعَ الْمُرُوءَةِ، وَتَرْفُضُهُ مَكَارِمُ الأَْخْلاَقِ وَتَأْبَاهُ الطِّبَاعُ السَّلِيمَةُ.
10 - أَصْل الزَّوْجَةِ وَهِيَ أُمُّهَا وَأُمُّ أُمِّهَا، وَأُمُّ أَبِيهَا وَإِنْ عَلَتْ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} (17) .
وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ أُصُول الزَّوْجَةِ تُحَرَّمُ مَتَى دَخَل الزَّوْجُ بِزَوْجَتِهِ، وَلَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِيمَا إِذَا عَقَدَ الزَّوْجُ عَلَى زَوْجَتِهِ وَلَمْ يَدْخُل بِهَا، بِأَنْ طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا قَبْل الدُّخُول بِهَا.
فَذَهَبَ جُمْهُورُ الصَّحَابَةِ وَالْفُقَهَاءُ، وَمِنْهُمْ عُمَرُ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَعِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ ﵃ إِلَى أَنَّ الْعَقْدَ عَلَى الزَّوْجَةِ كَافٍ فِي تَحْرِيمِ أُصُولِهَا، لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: أَيُّمَا رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَطَلَّقَهَا قَبْل أَنْ يَدْخُل بِهَا، أَوْ مَاتَتْ عِنْدَهُ، فَلاَ يَحِل لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُمَّهَا (18) وَهَذَا مَعْنَى قَوْل الْفُقَهَاءِ: الْعَقْدُ عَلَى الْبَنَاتِ يُحَرِّمُ الأُْمَّهَاتِ.
وَقَال الْفُقَهَاءُ: إِنَّ النَّصَّ الدَّال عَلَى التَّحْرِيمِ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} مُطْلَقٌ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِشَرْطِ الدُّخُول لَمْ يَرِدْ فِيهِ شَرْطٌ وَلاَ اسْتِثْنَاءٌ، وَأَنَّ الدُّخُول فِي قَوْله تَعَالَى: {مِنْ نِسَائِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} رَاجِعٌ إِلَى: {وِرِبِائِبُكُمُ} لاَ إِلَى الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، وَهُوَ: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} فَيَبْقَى النَّصُّ عَلَى حُرْمَةِ أُمَّهَاتِ النِّسَاءِ، سَوَاءٌ دَخَل بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُل، وَمَا دَامَ النَّصُّ جَاءَ مُطْلَقًا فَيَجِبُ بَقَاؤُهُ عَلَى إِطْلاَقِهِ مَا لَمْ يَرِدْ دَلِيلٌ يُقَيِّدُهُ، وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ ﵄ أَنَّهُ قَال فِي قَوْله تَعَالَى: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} : أَبْهِمُوا مَا أَبْهَمَهُ اللَّهُ، أَيْ أَطْلِقُوا مَا أَطْلَقَ اللَّهُ، كَمَا رُوِيَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ ﵁ أَنَّهُ قَال: الآْيَةُ مُبْهَمَةٌ، لاَ تُفَرِّقُ بَيْنَ الدُّخُول وَعَدِمِهِ.
وَذَهَبَ عَلِيٌّ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ ﵄ فِي إِحْدَى رِوَايَتَيْنِ عَنْهُ وَغَيْرُهُمَا إِلَى أَنَّ أُصُول الزَّوْجَةِ لاَ تُحَرَّمُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا تُحَرَّمُ بِالدُّخُول بِهَا مُسْتَدِلِّينَ بِأَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ أُمَّهَاتِ النِّسَاءِ، ثُمَّ عَطَفَ الرَّبَائِبَ عَلَيْهِنَّ، ثُمَّ أَتَى بِشَرْطِ الدُّخُول، وَلِذَا يَنْصَرِفُ شَرْطُ الدُّخُول إِلَى أُمَّهَاتِ النِّسَاءِ، وَإِلَى الرَّبَائِبِ، فَلاَ يَثْبُتُ التَّحْرِيمُ إِلاَّ بِالدُّخُول (19) .
وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ مَنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ أَوْ لَمَسَهَا، أَوْ قَبَّلَهَا بِشَهْوَةٍ أَوْ نَظَرَ إِلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ حَرُمَ عَلَيْهِ أُصُولُهَا، وَفُرُوعُهَا، لِقَوْلِهِ ﷺ: مَنْ نَظَرَ إِلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ لَمْ تَحِل لَهُ أُمُّهَا وَلاَ بِنْتُهَا (20) وَتُحَرَّمُ الْمَرْأَةُ عَلَى أُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ؛ لأَِنَّ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ تَثْبُتُ عِنْدَهُمْ بِالزِّنَا وَمُقَدِّمَاتِهِ، وَلاَ تُحَرَّمُ أُصُولُهَا وَلاَ فُرُوعُهَا عَلَى ابْنِ الزَّانِي وَأَبِيهِ.
وَتُعْتَبَرُ الشَّهْوَةُ عِنْدَهُمْ عِنْدَ الْمَسِّ وَالنَّظَرِ، حَتَّى لَوْ وُجِدَا بِغَيْرِ شَهْوَةٍ ثُمَّ اشْتَهَى بَعْدَ التَّرْكِ لاَ تَتَعَلَّقُ بِهِ الْحُرْمَةُ.
وَحَدُّ الشَّهْوَةِ فِي الرَّجُل أَنْ تَنْتَشِرَ آلَتُهُ أَوْ تَزْدَادَ انْتِشَارًا إِنْ كَانَتْ مُنْتَشِرَةً.
وَجَاءَ فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ نَقْلاً عَنِ التَّبْيِينِ: وُجُودُ الشَّهْوَةِ مِنْ أَحَدِهِمَا يَكْفِي عِنْدَ الْمَسِّ أَوِ النَّظَرِ، وَشَرْطُهُ أَنْ لاَ يَنْزِل، حَتَّى لَوْ أَنْزَل عِنْدَ الْمَسِّ أَوِ النَّظَرِ لَمْ تَثْبُتْ بِهِ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ، قَال الصَّدْرُ الشَّهِيدُ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى (21) .
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ يَكُونُ التَّحْرِيمُ بِالزِّنَا دُونَ الْمُقَدِّمَاتِ.
وَمَنَاطُ التَّحْرِيمِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ الْوَطْءُ، حَلاَلاً كَانَ أَوْ حَرَامًا، فَلَوْ زَنَى رَجُلٌ بِأُمِّ زَوْجَتِهِ أَوْ بِنْتِهَا حَرُمَتْ عَلَيْهِ زَوْجَتُهُ حُرْمَةً مُؤَبَّدَةً، وَيَجِبُ عَلَيْهِمَا أَنْ يَفْتَرِقَا مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسَيْهِمَا، وَإِلاَّ فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا.
قَال الْحَنَفِيَّةُ: لَوْ أَيْقَظَ الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ لِيُجَامِعَهَا، فَوَصَلَتْ يَدُهُ إِلَى ابْنَةٍ مِنْهَا، فَقَرَصَهَا بِشَهْوَةٍ، وَهِيَ مِمَّنْ تُشْتَهَى يَظُنُّ أَنَّهَا أُمُّهَا، حَرُمَتْ عَلَيْهِ الأُْمُّ حُرْمَةً مُؤَبَّدَةً (22) .
وَلَمْ يُفَرِّقُ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بَيْنَ حُصُول الزِّنَا قَبْل الزَّوَاجِ أَوْ بَعْدَهُ فِي ثُبُوتِ حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ، وَذَهَبَ مَالِكٌ فِي قَوْلِهِ الرَّاجِحِ، وَالشَّافِعِيُّ إِلَى أَنَّ الزِّنَا لاَ تَثْبُتُ بِهِ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ، فَلاَ تُحَرَّمُ بِالزِّنَا عِنْدَهُمَا أُصُول الْمَزْنِيِّ بِهَا، وَلاَ فُرُوعُهَا عَلَى مَنْ زَنَى بِهَا، كَمَا لاَ تُحَرَّمُ الْمَزْنِيُّ بِهَا عَلَى أُصُول الزَّانِي، وَلاَ عَلَى فُرُوعِهِ، فَلَوْ زَنَى رَجُلٌ بِأُمِّ زَوْجَتِهِ أَوِ ابْنَتِهَا لاَ تُحَرَّمُ عَلَيْهِ زَوْجَتُهُ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ الرَّسُول ﷺ سُئِل عَنِ الرَّجُل يَتْبَعُ الْمَرْأَةَ حَرَامًا ثُمَّ يَنْكِحُ ابْنَتَهَا، أَوِ الْبِنْتَ ثُمَّ يَنْكِحُ أُمَّهَا، فَقَال: لاَ يُحَرِّمُ الْحَرَامُ الْحَلاَل، إِنَّمَا يَحْرُمُ مَا كَانَ بِنِكَاحٍ حَلاَلٍ (23) وَأَنَّ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ نِعْمَةٌ، لأَِنَّهَا تُلْحِقُ الأَْجَانِبَ بِالأَْقَارِبِ، وَالزِّنَا مَحْظُورٌ، فَلاَ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِلنِّعْمَةِ، لِعَدَمِ الْمُلاَءَمَةِ بَيْنَهُمَا، وَلِهَذَا قَال الشَّافِعِيُّ فِي مُنَاظَرَتِهِ لِمُحَمِّدِ بْنِ الْحَسَنِ: وَطْءٌ حُمِدْتَ بِهِ وَأَحْصَنْتَ، وَوَطْءٌ رُجِمْتَ بِهِ، أَحَدُهُمَا نِعْمَةٌ، وَجَعَلَهُ اللَّهُ نَسَبًا وَصِهْرًا، وَأَوْجَبَ بِهِ حُقُوقًا، وَالآْخِرُ نِقْمَةٌ، فَكَيْفَ يَشْتَبِهَانِ (24) ؟ .
وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ مِثْل قَوْل الْحَنَفِيَّةِ: إِنَّهُ يُحَرِّمُ، وَقَال سَحْنُونٌ: أَصْحَابُ مَالِكٍ يُخَالِفُونَ ابْنَ الْقَاسِمِ فِيمَا رَوَاهُ، وَيَذْهَبُونَ إِلَى مَا فِي (الْمُوَطَّأِ) مِنْ أَنَّ الزِّنَا لاَ تَثْبُتُ بِهِ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ (25) .
11 - فُرُوعُ الزَّوْجَةِ، وَهُنَّ بَنَاتُهَا، وَبَنَاتُ بَنَاتِهَا، وَبَنَاتُ أَبْنَائِهَا وَإِنْ نَزَلْنَ، لأَِنَّهُنَّ مِنْ بَنَاتِهَا بِشَرْطِ الدُّخُول بِالزَّوْجَةِ، وَإِذَا لَمْ يَدْخُل فَلاَ تُحَرَّمُ عَلَيْهِ فُرُوعُهَا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ، فَلَوْ طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَتْ عَنْهُ قَبْل الدُّخُول بِهَا، فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِنْتَهَا، وَهَذَا مَعْنَى قَوْل الْفُقَهَاءِ: الدُّخُول بِالأُْمَّهَاتِ يُحَرِّمُ الْبَنَاتِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي آيَةِ الْمُحَرَّمَاتِ: {وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} وَذَلِكَ عُطِفَ عَلَى قَوْله تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} فَيَكُونُ الْمَعْنَى تَحْرِيمَ التَّزَوُّجِ بِالرَّبَائِبِ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ.
وَالرَّبَائِبُ جَمْعُ رَبِيبَةٍ، وَرَبِيبُ الرَّجُل، وَلَدُ امْرَأَتِهِ مِنْ غَيْرِهِ، سُمِّيَ رَبِيبًا لَهُ؛ لأَِنَّهُ يَرُبُّهُ أَيْ يَسُوسُهُ، وَالرَّبِيبَةُ ابْنَةُ الزَّوْجَةِ، وَهِيَ حَرَامٌ عَلَى زَوْجِ أُمِّهَا بِنَصِّ الآْيَةِ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ فِي الْحِجْرِ أَمْ لَمْ تَكُنْ، وَهِيَ تَحْظَى بِمَا تَحْظَى بِهِ الْبِنْتُ الصُّلْبِيَّةُ مِنْ عَطْفٍ وَرِعَايَةٍ، وَأَمَّا تَحْرِيمُ بَنَاتِ الرَّبِيبَةِ وَبَنَاتِ الرَّبِيبِ فَثَابِتٌ بِالإِْجْمَاعِ. وَوَصْفُ الرَّبِيبَةِ بِأَنَّهَا فِي الْحِجْرِ لَيْسَ لِلتَّقْيِيدِ، بَل خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ لِبَيَانِ قُبْحِ التَّزَوُّجِ بِهَا، لأَِنَّهَا غَالِبًا تَتَرَبَّى فِي حِجْرِهِ كَابْنِهِ وَابْنَتِهِ، فَلَهَا مَا لِبِنْتِهِ مِنْ تَحْرِيمٍ.
12 - زَوْجَةُ الْفَرْعِ أَيْ زَوْجَةُ ابْنِهِ، أَوِ ابْنِ ابْنِهِ، أَوِ ابْنِ بِنْتِهِ، مَهْمَا بَعُدَتِ الدَّرَجَةُ، سَوَاءٌ دَخَل الْفَرْعُ بِزَوْجَتِهِ أَوْ لَمْ يَدْخُل بِهَا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي آيَةِ الْمُحَرَّمَاتِ: {وَحَلاَئِل أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ} وَالْحَلاَئِل جَمْعُ حَلِيلَةٍ وَهِيَ الزَّوْجَةُ، سُمِّيَتْ حَلِيلَةً؛ لأَِنَّهَا تَحِل مَعَ الزَّوْجِ حَيْثُ تَحِل، وَقِيل: حَلِيلَةٌ بِمَعْنَى مُحَلَّلَةً، وَلأَِنَّهَا تَحِل لِلاِبْنِ، وَقَيَّدَتِ الآْيَةُ أَنْ يَكُونَ الأَْبْنَاءُ مِنَ الأَْصْلاَبِ، لإِِخْرَاجِ الأَْبْنَاءِ بِالتَّبَنِّي، فَلاَ تُحَرَّمُ زَوْجَاتُهُمْ لأَِنَّهُمْ لَيْسُوا أَبْنَاءَهُ مِنَ الصُّلْبِ، وَعَلَى هَذَا قَصَرَ الأَْئِمَّةُ الأَْرْبَعَةُ فَهْمَهُمْ لِلآْيَةِ، وَلَمْ يُخْرِجُوا بِهَا زَوْجَةَ الاِبْنِ الرَّضَاعِيِّ، بَل هِيَ مُحَرَّمَةٌ كَزَوْجَةِ الاِبْنِالصُّلْبِيِّ (26) ، مُسْتَنِدِينَ إِلَى قَوْل النَّبِيِّ ﷺ: يَحْرُمُ مِنَ الرَّضْعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ (27) .
أَمَّا أُصُول زَوْجَةِ الْفَرْعِ، وَفُرُوعُهَا، فَغَيْرُ مُحَرَّمَاتٍ عَلَى الأَْصْل، فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأُمِّ زَوْجَةِ فَرْعِهِ أَوْ بِابْنَتِهَا.
وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ كَمَا تَثْبُتُ بِالْعَقْدِ الصَّحِيحِ فِي زَوْجَةِ الأَْصْل، وَأَصْل الزَّوْجَةِ، وَزَوْجَةِ الْفَرْعِ، وَفَرْعِ الزَّوْجَةِ بِشَرْطِ الدُّخُول بِأُمِّهَا تَثْبُتُ كَذَلِكَ بِالدُّخُول فِي عَقْدِ الزَّوَاجِ الْفَاسِدِ، وَبِالدُّخُول بِشُبْهَةٍ، كَمَا إِذَا عَقَدَ رَجُلٌ زَوَاجَهُ بِامْرَأَةٍ، ثُمَّ زُفَّتْ إِلَيْهِ غَيْرُهَا فَدَخَل بِهَا، كَانَ هَذَا الدُّخُول بِشُبْهَةٍ، وَبِالدُّخُول بِمِلْكِ الْيَمِينِ، كَمَا إِذَا وَاقَعَ السَّيِّدُ جَارِيَتَهُ الْمَمْلُوكَةَ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أُصُولُهَا وَفُرُوعُهَا، وَتَحْرُمُ هِيَ عَلَى أُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ (28) .
ج - الْمُحَرَّمَاتُ بِسَبَبِ الرَّضَاعِ
13 - يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ:
أ - أُصُول الشَّخْصِ مِنَ الرَّضَاعِ، أَيْ أُمُّهُ رَضَاعًا وَأُمُّهَا، وَإِنْ عَلَتْ، وَأُمُّ أَبِيهِ رَضَاعًا وَأُمُّهَا وَإِنْ عَلَتْ، فَإِذَا رَضَعَ طِفْلٌ مِنِ امْرَأَةٍ صَارَتْ أُمَّهُ مِنَ الرَّضَاعِ، وَصَارَ زَوْجُهَا الَّذِي كَانَ السَّبَبُ فِي دَرِّ لَبَنِهَا أَبًا مِنَ الرَّضَاعِ.
ب - فُرُوعُهُ مِنَ الرَّضَاعِ، أَيْ بِنْتُهُ رَضَاعًا، وَبِنْتُهَا وَإِنْ نَزَلَتْ، وَبِنْتُ ابْنِهَا رَضَاعًا وَبِنْتُهَا، وَإِنْ نَزَلَتْ، فَإِذَا رَضَعَتْ بِنْتٌ مِنِ امْرَأَةٍ صَارَتِ ابْنَةً رَضَاعًا مِنْ هَذِهِ الْمَرْأَةِ، وَلِزَوْجِهَا الَّذِي كَانَ السَّبَبَ فِي دَرِّ لَبَنِهَا.
ج - فُرُوعُ أَبَوَيْهِ مِنَ الرَّضَاعِ أَيْ أَخَوَاتُهُ رَضَاعًا، وَبَنَاتُهُنَّ، وَبَنَاتُ إِخْوَتِهِ رَضَاعًا، وَبَنَاتُهُنَّ، وَإِنْ نَزَلْنَ، فَإِذَا رَضَعَ طِفْلٌ مِنِ امْرَأَةٍ صَارَتْ بَنَاتُهَا أَخَوَاتٍ لَهُ، وَحَرُمْنَ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ الْبِنْتُ الَّتِي رَضَعَتْ مَعَهُ، أَوِ الْبِنْتُ الَّتِي رَضَعَتْ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ.
د - فُرُوعُ جَدَّيْهِ إِذَا انْفَصَلْنَ بِدَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ، أَيْ عَمَّاتُهُ، وَخَالاَتُهُ رَضَاعًا، وَهَؤُلاَءِ يُحَرَّمْنَ نَسَبًا، فَكَذَلِكَ يُحَرَّمْنَ رَضَاعًا.
وَأَمَّا بَنَاتُ عَمَّاتِهِ وَأَعْمَامِهِ رَضَاعًا، وَبَنَاتُ خَالاَتِهِ وَأَخْوَالِهِ رَضَاعًا، فَلاَ يُحَرَّمْنَ عَلَيْهِ (29) .
14 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ الْمُصَاهَرَةِ، لِمَا ثَبَتَ أَنَّ الرَّضَاعَ يُنْشِئُ صِلَةَ أُمُومَةٍ وَبُنُوَّةٍ بَيْنَ الْمُرْضِعِ وَالرَّضِيعِ، فَتَكُونُ الَّتِي أَرْضَعَتْ كَالَّتِي وَلَدَتْ، كُلٌّ مِنْهُمَا أُمٌّ، فَأُمُّ الزَّوْجَةِ رَضَاعًا كَأُمِّهَا نَسَبًا، وَبِنْتُهَا رَضَاعًا كَبِنْتِهَا نَسَبًا، وَكَذَلِكَ يَكُونُ زَوْجُ الْمُرْضِعِ أَبًا لِلرَّضِيعِ، وَالرَّضِيعُ فَرْعٌ لَهُ، فَزَوْجَةُ الأَْبِ الرَّضَاعِيِّ كَزَوْجَةِ الأَْبِ النَّسَبِيِّ، وَزَوْجَةُ الاِبْنِ الرَّضَاعِيِّ كَزَوْجَةِ الاِبْنِ النَّسَبِيِّ، وَلِهَذَا يَحْرُمُ بِالرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ بِالْمُصَاهَرَةِ، وَهُنَّ: أ - الأُْمُّ الرَّضَاعِيَّةُ لِلزَّوْجَةِ، وَأُمُّهَا، وَإِنْ عَلَتْ، سَوَاءٌ دَخَل بِالزَّوْجَةِ أَوْ لَمْ يَدْخُل بِهَا ب - الْبِنْتُ الرَّضَاعِيَّةُ لِلزَّوْجَةِ، وَبِنْتُهَا، وَإِنْ نَزَلَتْ، وَبِنْتُ ابْنِهَا الرَّضَاعِيِّ وَبِنْتُهَا، وَإِنْ نَزَلَتْ بِشَرْطٍ أَنْ يَكُونَ قَدْ دَخَل بِالزَّوْجَةِ. ج - زَوْجَاتُ الأَْبِ الرَّضَاعِيِّ، وَأَبِي الأَْبِ وَإِنْ عَلاَ، بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ الصَّحِيحِ. د - زَوْجَاتُ الاِبْنِ الرَّضَاعِيِّ، وَابْنِ ابْنِهِ، وَإِنْ نَزَل بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ الصَّحِيحِ. وَتَحْرِيمُ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ بِالْمُصَاهَرَةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الأَْئِمَّةِ الأَْرْبَعَةِ (30) .
وَالتَّفْصِيل فِي (رَضَاعٍ ف 19 وَمَا بَعْدَهَا) .
كَيْفِيَّةُ مُعْرِفَةِ قَرَابَةِ الرَّضَاعِ الْمُحَرِّمَةِ
15 - تُعْرَفُ قَرَابَاتُ الرَّضَاعِ الْمُحَرِّمَةِ كُلِّهَا، بِأَنْ يُفْرَضَ انْتِزَاعُ الرَّضِيعُ مِنْ أُسْرَتِهِ النَّسَبِيَّةِ، وَوَضْعُهُ، وَفُرُوعُهُ فَقَطْ فِي أُسْرَتِهِ الرَّضَاعِيَّةِ، بِوَصْفِهِ ابْنًا رَضَاعِيًّا لِمَنْ أَرْضَعَتْهُ، وَلِزَوْجِهَا الَّذِي دَرَّ لَبَنَهَا بِسَبَبِهِ، فَكُل صِلَةٍ تَتَقَرَّرُ لَهُ أَوْ لِفُرُوعِهِ بِهَذَا الْوَضَعِ الْجَدِيدِ فَهِيَ الَّتِي تُجْعَل أَسَاسًا لِلتَّحْرِيمِ أَوِ التَّحْلِيل بِالرَّضَاعِ.
أَمَّا صِلَةُ الأُْسْرَةِ الرَّضَاعِيَّةِ بِأُسْرَةِ الرَّضِيعِ النَّسَبِيَّةِ بِسَبَبِ رَضَاعِهِ فَلاَ أَثَرَ لَهَا فِي تَحْرِيمٍ أَوْ تَحْلِيلٍ، وَلِهَذَا لاَ يَثْبُتُ لأَِقَارِبِهِ النَّسَبِيِّينَ غَيْرُ فُرُوعِهِ مِثْل مَا يَثْبُتُ لَهُ هُوَ بِهَذَا الرَّضَاعِ.
هَذَا، وَتُوجَدُ صُوَرٌ مُسْتَثْنَاةٌ مِنَ التَّحْرِيمِ بِالرَّضَاعِ، وَإِنْ كَانَتْ مُحَرِّمَةً مِنَ النَّسَبِ مِنْهَا
أ - أُمُّ الأَْخِ أَوِ الأُْخْتِ مِنَ الرَّضَاعِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ الزَّوَاجُ بِهَا لأَِنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ عَنْهُ، وَلاَ يَجُوزُ الزَّوَاجُ بِأُمِّ الأَْخِ أَوِ الأُْخْتِ مِنَ النَّسَبِ؛ لأَِنَّهَا إِمَّا أَنْ تَكُونَ أُمُّهُ، أَوْ تَكُونَ زَوْجَةُ أَبِيهِ فَتُحَرَّمُ عَلَيْهِ، وَهَذِهِ الصِّلَةُ مُنْتَفِيَةٌ فِي صُورَةِ أُمِّ الأَْخِ أَوِ الأُْخْتِ رَضَاعًا.
ب - أُخْتُ الاِبْنِ رَضَاعًا، فَإِنَّهَا لاَ تُحَرَّمُ عَلَى الأَْبِ الرَّضَاعِيِّ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ أُخْتَ هَذَا الاِبْنِ أَوِ الْبِنْتِ الرَّضَاعِيَّةِ أُخْتًا لَهُ مِنَ النَّسَبِ أَمْ أُخْتًا لَهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ مِنِ امْرَأَةٍ أُخْرَى، لأَِنَّهَا سَتَكُونُ أَجْنَبِيَّةً عَنْهُ.
فَإِذَا رَضَعَ طِفْلٌ مِنِ امْرَأَةٍ فَلأَِبِي هَذَا الطِّفْل أَنْ يَتَزَوَّجَ بِنْتَ هَذِهِ الْمُرْضِعَةِ، وَهِيَأُخْتُ ابْنِهِ مِنَ الرَّضَاعِ، أَمَّا أُخْتُ الاِبْنِ أَوِ الْبِنْتِ نَسَبًا، فَلاَ يَجُوزُ لأَِنَّهَا سَتَكُونُ بِنْتُهُ أَوْ بِنْتُ زَوْجَتِهِ الْمَدْخُول بِهَا.
ج - جَدَّةُ ابْنِهِ أَوْ بِنْتِهِ رَضَاعًا، فَيَجُوزُ لِلأَْبِ الرَّضَاعِيِّ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا لِعَدَمِ وُجُودِ عِلاَقَةٍ تَرْبِطُهَا بِهِ فِي حِينِ أَنَّ جَدَّةَ الاِبْنِ أَوِ الْبِنْتِ نَسَبًا، إِمَّا أَنْ تَكُونَ أُمَّهُ هُوَ فَتُحَرَّمُ عَلَيْهِ، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ أُمَّ زَوْجَتِهِ فَتُحَرَّمُ عَلَيْهِ أَيْضًا (31) .
قَال الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ: الْحُرْمَةُ تَسْرِي مِنَ الْمُرْضِعَةِ وَالْفَحْل إِلَى أُصُولِهِمَا وَفُرُوعِهِمَا وَحَوَاشِيهِمَا وَمِنَ الرَّضِيعِ إِلَى فُرُوعِهِ فَقَطْ (32) .
وَمَتَى ثَبَتَ الرَّضَاعُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَجَبَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَفْتَرِقَا مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسَيْهِمَا، وَإِلاَّ فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا، حَيْثُ تَبَيَّنَ أَنَّ عَقْدَ الزَّوَاجِ فَاسِدٌ.
وَالتَّفْصِيل فِي (رَضَاع ف 27 - 34) .
ثَانِيًا: الْمُحَرَّمَاتُ تَحْرِيمًا مُؤَقَّتًا
التَّحْرِيمُ عَلَى التَّأْقِيتِ يَكُونُ فِي الأَْحْوَال الآْتِيَةِ:
الأَْوَّل: زَوْجَةُ الْغَيْرِ وَمُعْتَدَّتُهُ
16 - يَحْرُمُ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَتَزَوَّجَ مَنْ تَعَلَّقَ حَقُّ غَيْرِهِ بِهَا بِزَوَاجٍ أَوْ عِدَّةٍ مِنْ طَلاَقٍ أَوْ وَفَاةٍ، أَوْ دُخُولٍ فِي زَوَاجٍ فَاسِدٍ، أَوْ دُخُولٍ بِشُبْهَةٍ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} (33) عَطْفًا عَلَى الْمُحَرَّمَاتِ الْمَذْكُورَاتِ فِي قَوْله تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} (34) وَالْمُرَادُ بِالْمُحْصَنَاتِ مِنَ النِّسَاءِ الْمُتَزَوِّجَاتُ مِنْهُنَّ، سَوَاءٌ أَكَانَ زَوْجُهَا مُسْلِمًا أَمْ غَيْرَ مُسْلِمٍ، كَمَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَتَزَوَّجَ مُعْتَدَّةَ غَيْرِهِ مِنْ طَلاَقٍ رَجْعِيٍّ أَوْ بَائِنٍ أَوْ وَفَاةٍ.
وَالْحِكْمَةُ فِي هَذَا مَنْعُ الإِْنْسَانِ مِنَ الاِعْتِدَاءِ عَلَى غَيْرِهِ بِالتَّزَوُّجِ مِنْ زَوْجَتِهِ أَوْ مُعْتَدَّتِهِ، وَحِفْظُ الأَْنْسَابِ مِنَ الاِخْتِلاَطِ وَالضَّيَاعِ.
وَقَدْ أَلْحَقَ الْفُقَهَاءُ بِعِدَّةِ الطَّلاَقِ عِدَّةَ الدُّخُول فِي زَوَاجٍ فَاسِدٍ، وَعِدَّةَ الدُّخُول بِشُبْهَةٍ؛ لأَِنَّ النَّسْل مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا ثَابِتُ النَّسَبِ (35) .
وَيَتَرَتَّبُ عَلَى نِكَاحِ الْمُعْتَدَّةِ مِنَ الْغَيْرِ آثَارٌ مِنْهَا:
أ - التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا:
17 - نِكَاحُ مُعْتَدَّةِ الْغَيْرِ يُعْتَبَرُ مِنَ الأَْنْكِحَةِ الْفَاسِدَةِ الْمُتَّفَقِ عَلَى فَسَادِهَا وَيَجِبُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا، وَهَذَا بِاتِّفَاقٍ (36) ، وَقَدْ رَوَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ أَنَّ طُلَيْحَةَ كَانَتْ تَحْتَ رُشَيْدٍ الثَّقَفِيِّ فَطَلَّقَهَا فَنَكَحَتْ فِي عِدَّتِهَا فَضَرَبَهَا عُمَرُ ﵁ وَضَرَبَ زَوْجَهَا بِمِخْفَقَةٍ ضَرْبَاتٍ ثُمَّ قَال: أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ فِي عِدَّتِهَا فَإِنْ كَانَ زَوْجُهَا الَّذِي تَزَوَّجَهَا لَمْ يَدْخُل بِهَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ اعْتَدَّتْ بَقِيَّةَ عِدَّتِهَا مِنْ زَوْجِهَا الأَْوَّل، وَكَانَ خَاطِبًا مِنَ الْخُطَّابِ، وَإِنْ كَانَ دَخَل بِهَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ اعْتَدَّتْ بَقِيَّةَ عِدَّتِهَا مِنْ زَوْجِهَا الأَْوَّل، ثُمَّ اعْتَدَّتْ مِنَ الآْخَرِ وَلَمْ يَنْكِحْهَا أَبَدًا.
ب - وُجُوبُ الْمَهْرِ وَالْعِدَّةِ:
18 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْمَهْرِ فِي نِكَاحِ الْمُعْتَدَّةِ فِي عِدَّتِهَا إِذَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا قَبْل الدُّخُول
وَيَتَّفِقُ الْفُقَهَاءُ عَلَى وُجُوبِ الْمَهْرِ فِي هَذَا النِّكَاحِ بِالدُّخُول (أَيْ بِالْوَطْءِ) وَعَلَى وُجُوبِ الْعِدَّةِ كَذَلِكَ، لِمَا رَوَى الشَّعْبِيُّ عَنْ مَسْرُوقٍ قَال: بَلَغَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ﵁ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ قُرَيْشٍ تَزَوَّجَهَا رَجُلٌ مِنْ ثَقِيفٍ فِي عِدَّتِهَا، فَأَرْسَل إِلَيْهِمَا فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَعَاقَبَهُمَا، وَقَال: لاَ تَنْكِحْهَا أَبَدًا وَجَعَل صَدَاقَهَا فِي بَيْتِ الْمَال، وَفَشَا ذَلِكَ فِي النَّاسِ فَبَلَغَ عَلِيًّا ﵁ فَقَال: يَرْحَمُ اللَّهُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! مَا بَال الصَّدَاقِ وَبَيْتِ الْمَال! إِنَّمَا جَهِلاَ فَيَنْبَغِي لِلإِْمَامِ أَنْ يَرُدَّهُمَا إِلَى السُّنَّةِ. قِيل: فَمَا تَقُول أَنْتَ فِيهِمَا؟ فَقَال: لَهَا الصَّدَاقُ بِمَا اسْتَحَل مِنْ فَرْجِهَا، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَلاَ جَلْدَ عَلَيْهِمَا، وَتُكْمِل عِدَّتَهَا مِنَ الأَْوَّل، ثُمَّ تَعْتَدُّ مِنَ الثَّانِي عِدَّةً كَامِلَةً ثَلاَثَةَ أَقْرَاءٍ ثُمَّ يَخْطُبُهَا إِنْ شَاءَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ فَخَطَبَ النَّاسَ فَقَال: أَيُّهَا النَّاسُ، رُدُّوا الْجَهَالاَتِ إِلَى السُّنَّةِ، قَال الْكِيَا الطَّبَرِيِّ: وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ أَنَّ مَنْ عَقَدَ عَلَى امْرَأَةٍ نِكَاحَهَا وَهِيَ فِي عِدَّةٍ مِنْ غَيْرِهِ أَنَّ النِّكَاحَ فَاسِدٌ، وَفِي اتِّفَاقِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ ﵄ عَلَى نَفْيِ الْحَدِّ عَنْهُمَا مَا يَدُل عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ لاَ يُوجِبُ الْحَدَّ، إِلاَّ أَنَّهُ مَعَ الْجَهْل بِالتَّحْرِيمِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَمَعَ الْعِلْمِ بِهِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ (37) .
الثَّانِي: التَّزَوُّجُ بِالزَّانِيَةِ:
19 - التَّزَوُّجُ بِالزَّانِيَةِ إِنْ كَانَ الْعَاقِدُ عَلَيْهَا هُوَ الزَّانِي صَحَّ الْعَقْدُ، وَجَازَ الدُّخُول عَلَيْهَا فِي الْحَال سَوَاءٌ أَكَانَتْ حَامِلاً أَمْ غَيْرَ حَامِلٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، إِذْ لاَ حُرْمَةَ لِلْحَمْل مِنَ الزِّنَا. وَقَال الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا مِنْ مَائِهِ الْفَاسِدِ، حِفَاظًا عَلَى حُرْمَةِ النِّكَاحِ مِنِ اخْتِلاَطِ الْمَاءِ الْحَلاَل بِالْحَرَامِ.
وَإِنْ كَانَ الْعَاقِدُ عَلَيْهَا غَيْرَ الزَّانِي، وَكَانَتْ غَيْرَ حَامِلٍ، جَازَ الْعَقْدُ عَلَيْهَا وَالدُّخُول بِهَا فِي الْحَال عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَالشَّافِعِيَّةِ.
وَيَرَى مُحَمَّدٌ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ يَصِحُّ الْعَقْدُ عَلَى الْمَزْنِيِّ بِهَا، وَيُكْرَهُ الدُّخُول بِهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ؛ لاِحْتِمَال أَنْ تَكُونَ قَدْ حَمَلَتْ مِنَ الزَّانِي (38) .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ عَقْدُ الزَّوَاجِ عَلَيْهَا إِلاَّ بَعْدَ أَنْ تَعْتَدَّ؛ لأَِنَّ الْعِدَّةَ لِمَعْرِفَةِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ، وَلأَِنَّهَا قَبْل الْعِدَّةِ يُحْتَمَل أَنْ تَكُونَ حَامِلاً فَيَكُونَ نِكَاحُهَا بَاطِلاً، كَالْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ.
وَإِنْ كَانَتْ حَامِلاً صَحَّ الْعَقْدُ، وَحَرُمَ عَلَيْهِ قُرْبَانُهَا حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا، وَهَذَا رَأْيُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لِقَوْلِهِ ﵊: مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ فَلاَ يَسْقِي مَاءَهُ وَلَدَ غَيْرِهِ (39) . وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يَجُوزُ نِكَاحُهَا وَوَطْؤُهَا إِنْ كَانَ الْعَاقِدُ عَلَيْهَا غَيْرَ زَانٍ كَمَا هُوَ الْحَال بِالنِّسْبَةِ لِلزَّانِي إِذْ لاَ حُرْمَةَ لِلْحَمْل مِنَ الزِّنَا.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو يُوسُفَ: أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ الْعَقْدُ عَلَى الزَّانِيَةِ الْحَامِل، احْتِرَامًا لِلْحَمْل (40) إِذْ لاَ جِنَايَةَ مِنْهُ، وَلاَ يَحِل الدُّخُول بِهَا حَتَّى تَضَعَ، فَإِذَا مُنِعَ الدُّخُول مُنِعَ الْعَقْدُ، وَلاَ يَحِل الزَّوَاجِ حَتَّى تَضَعَ الْحَمْل.
وَاشْتَرَطَ الْحَنَابِلَةُ لِلزَّوَاجِ مِنَ الزَّانِيَةِ غَيْرَ الْعِدَّةِ أَنْ تَتُوبَ مِنَ الزِّنَا.
وَإِذَا تَزَوَّجَ رَجُلٌ امْرَأَةً وَثَبَتَ أَنَّهَا كَانَتْ حَامِلاً وَقْتَ الْعَقْدِ، بِأَنْ أَتَتْ بِالْوَلَدِ لأَِقَل مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَإِنَّ الْعَقْدَ يَكُونُ فَاسِدًا، لاِحْتِمَال أَنْ يَكُونَ الْحَمْل مِنْ غَيْرِ زِنًا، إِذْ يُحْمَل حَال الْمُؤْمِنِ عَلَى الصَّلاَحِ (41) .
الثَّالِثُ: الْمُطَلَّقَةُ ثَلاَثًا بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ طَلَّقَهَا
20 - يَحْرُمُ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً طَلَّقَهَا ثَلاَثَ تَطْلِيقَاتٍ، لأَِنَّهُ اسْتَنْفَدَ مَا يَمْلِكُهُ مِنْ عَدَدِ طُلَقَاتِهَا، وَبَانَتْ مِنْهُ بَيْنُونَةً كُبْرَى، وَصَارَتْ لاَ تَحِل لَهُ إِلاَّ إِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، مِنْهُ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا زَوْجٌ آخَرُ زَوَاجًا صَحِيحًا، وَدَخَل بِهَا حَقِيقَةً، ثُمَّ فَارَقَهَا هَذَا الآْخَرُ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا مِنْهُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} (42) ثُمَّ قَال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِل لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} (43) .
وَبَيَّنَتِ السُّنَّةُ النَّبَوِيَّةُ أَنَّ الزَّوَاجَ الثَّانِي لاَ يُحِلُّهَا لِلأَْوَّل إِلاَّ إِذَا دَخَل بِهَا الزَّوْجُ الثَّانِي دُخُولاً حَقِيقِيًّا، وَكَانَ الزَّوَاجُ غَيْرَ مُؤَقَّتٍ، وَانْتَهَتِ الْعِدَّةُ بَعْدَ الدُّخُول (44) ، فَقَدْ جَاءَ عَنْ عَائِشَةَ ﵂ أَنَّهَا قَالَتْ: جَاءَتِ امْرَأَةُ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ إِلَى رَسُول اللَّهِ ﷺ فَقَالَتْ: كُنْتُ عِنْدَ رَفَاعَةَ فَطَلَّقَنِي، فَبَتَّ طَلاَقِي، فَتَزَوَّجْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزُّبَيْرِ، وَإِنَّ مَا مَعَهُ مِثْل هُدْبَةِ الثَّوْبِ، فَتَبَسَّمَ رَسُول اللَّهِ ﷺ: وَقَال: أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَةَ؟ لاَ، حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ، وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ (45) . الرَّابِعُ: الْمَرْأَةُ الَّتِي لاَ تَدِينُ بِدِينٍ سَمَاوِيٍّ
21 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَحِل لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً لاَ تَدِينُ بِدِينٍ سَمَاوِيٍّ، وَلاَ تُؤْمِنُ بِرَسُولٍ، وَلاَ كِتَابٍ إِلَهِيٍّ، بِأَنْ تَكُونَ مُشْرِكَةً تَعْبُدُ غَيْرَ اللَّهِ كَالْوَثَنِيَّةِ وَالْمَجُوسِيَّةِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلاَ تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأََمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ} (46) .
وَلِقَوْلِهِ ﷺ فِي الْمَجُوسِ: سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْل الْكِتَابِ غَيْرَ نَاكِحِي نِسَائِهِمْ وَلاَ آكِلِي ذَبَائِحِهِمْ (47) .
وَالْمُشْرِكَةُ مَنْ لاَ تُؤْمِنُ بِكِتَابٍ مِنَ الْكُتُبِ الَّتِي أَنْزَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى، وَلاَ بِرَسُولٍ مِنَ الرُّسُل الَّذِينَ أَرْسَلَهُمُ اللَّهُ لِهِدَايَةِ عِبَادِهِ إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ (48) .
الْخَامِسُ: التَّزَوُّجُ بِالْمُرْتَدَّةِ
22 - الْمُرْتَدَّةُ: مَنْ رَجَعَتْ عَنْ دِينِ الإِْسْلاَمِ اخْتِيَارًا دُونَ إِكْرَاهٍ عَلَى تَرْكِهِ، وَلاَ تَقِرُّ عَلَى الدِّينِ الَّذِي اعْتَنَقَتْهُ، وَلَوْ كَانَ دِينًا سَمَاوِيًّا، وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ نِكَاحُ الْمُرْتَدَّةِ لاَ بِمُسْلِمٍ وَلاَ بِكَافِرٍ غَيْرِ مُرْتَدٍّ وَمُرْتَدٍّ مِثْلِهِ؛ لأَِنَّ الْمُرْتَدَّةَ تَرَكَتِ الإِْسْلاَمَ، وَتُضْرَبُ وَتُحْبَسُ حَتَّى تَعُودَ إِلَى الإِْسْلاَمِ أَوْ تَمُوتَ، فَكَانَتِ الرِّدَّةُ فِي مَعْنَى الْمَوْتِ، وَالْمَيِّتُ لاَ يَكُونُ مَحِلًّا لِلنِّكَاحِ (49) وَلأَِنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ مِلْكٌ مَعْصُومٌ، وَلاَ عِصْمَةَ لِلْمُرْتَدَّةِ.
وَأَمَّا الْمُرْتَدُّ فَيُمْهَل لِيَتُوبَ، وَتُزَال شُبْهَتُهُ إِنْ كَانَتْ لَهُ شُبْهَةٌ فَيَرْجِعُ إِلَى الإِْسْلاَمِ، فَإِنَّ أَبَى قُتِل بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةِ الإِْمْهَال.
وَالْمَرْأَةُ الْمُرْتَدَّةُ مَأْمُورَةٌ بِالْعَوْدَةِ إِلَى الإِْسْلاَمِ، وَبِرِدَّتِهَا صَارَتْ مُحَرَّمَةً، وَالنِّكَاحُ مُخْتَصٌّ بِمَحَل الْحِل ابْتِدَاءً، فَلِهَذَا لاَ يَجُوزُ نِكَاحُهَا لأَِحَدٍ.
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ عَدَمَ جِوَازِ نِكَاحِ الْمُرْتَدَّةِ، كَمَا قَالُوا بِفَسْخِ النِّكَاحِ إِذَا ارْتَدَّ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ وَيَكُونُ الْفَسْخُ بِطَلْقَةٍ بَائِنَةٍ وَإِنْ رَجَعَتِ الْمُرْتَدَّةُ إِلَى الإِْسْلاَمِ (50) .
وَأَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَقَالُوا: إِنَّ الْمُرْتَدَّةَ لاَ تَحِل لأَِحَدٍ، لاَ لِمُسْلِمِ؛ لأَِنَّهَا كَافِرَةٌ لاَ تَقِرُّ، وَلاَ لِكَافِرٍ أَصْلِيٍّ لِبَقَاءِ عَلَقَةِ الإِْسْلاَمِ، وَلاَ لِمُرْتَدٍّ لأَِنَّ الْقَصْدَ مِنَ النِّكَاحِ الدَّوَامُ (51) وَالْمُرْتَدُّ لاَ دَوَامَ لَهُ.
ذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْمُرْتَدَّةَ لاَ يَحِل نِكَاحُهَا حَتَّى تَعُودَ إِلَى الإِْسْلاَمِ؛ لأَِنَّ النِّكَاحَ يَنْفَسِخُ بِالرِّدَّةِ وَيَمْتَنِعُ اسْتِمْرَارُهُ، فَأَوْلَى أَنْ يَمْتَنِعَ ابْتِدَاءً (52) .
أَمَّا أَهْل الْكِتَابِ - وَهُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى - فَلِلْمُسْلِمِ أَنْ يَتَزَوَّجَ مِنْ نِسَائِهِمْ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الْيَوْمَ أُحِل لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} (53) .
السَّادِسُ: الْجَمْعُ بَيْنَ الأُْخْتَيْنِ وَمَنْ فِي حُكْمِهِمَا
23 - يَحْرُمُ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ امْرَأَتَيْنِ بَيْنَهُمَا قَرَابَةٌ مُحَرِّمَةٌ، بِحَيْثُ لَوْ فَرَضْتَ أَيَّتَهُمَا ذَكَرًا حُرِّمَتْ عَلَيْهِ الأُْخْرَى، وَذَلِكَ كَالأُْخْتَيْنِ، فَإِنَّنَا لَوْ فَرَضْنَا إِحْدَاهُمَا ذَكَرًا لاَ تَحِل لِلأُْخْرَى، وَكَذَلِكَ يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا، أَوْ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُْخْتَيْنِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ} (54) وَلِحَدِيثِ أَبِي هَرِيرَةَ: أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ نَهَى أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا، أَوِ الْعَمَّةُ عَلَى ابْنَةِ أَخِيهَا، أَوِ الْمَرْأَةُ عَلَى خَالَتِهَا، أَوِ الْخَالَةُ عَلَى بِنْتِ أُخْتِهَا (55) وَعَلَيْهِ الأَْئِمَّةُ الأَْرْبَعَةُ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ كَمَا لاَ يَصِحُّ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْمُسْلِمُ أُخْتَ زَوْجَتِهِ الَّتِي فِي عِصْمَتِهِ، كَذَلِكَ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَ زَوْجَتِهِ الَّتِي طَلَّقَهَا طَلاَقًا رَجْعِيًّا، أَوْ طَلاَقًا بَائِنًا بَيْنُونَةً صُغْرَى، أَوْ كُبْرَى مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ، لأَِنَّهَا زَوْجَةٌ حُكْمًا (56) .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ تَحْرِيمَ الْجَمْعِ بَيْنَ مَنْ ذُكِرْنَ إِنَّمَا يَكُونُ حَال قِيَامِ الزَّوْجِيَّةِ حَقِيقَةً، أَوْ فِي عِدَّةِ الطَّلاَقِ الرَّجْعِيِّ، أَمَّا لَوْ كَانَ الطَّلاَقُ بَائِنًا بَيْنُونَةً صُغْرَى أَوْ كُبْرَى فَقَدِ انْقَطَعَتِ الزَّوْجِيَّةُ، فَإِنْ تَزَوَّجَ أُخْتَ مُطَلَّقَتِهِ طَلاَقًا بَائِنًا فِي عِدَّتِهَا، فَلاَ يَكُونُ ذَلِكَ جَمْعًا بَيْنَ مَحْرَمَيْنِ (57) .
وَإِذَا جَمَعَ الرَّجُل بَيْنَ أُخْتَيْنِ مَثَلاً، فَإِنْ تَزَوَّجَهُمَا بِعَقْدٍ وَاحِدٍ، وَلَيْسَ يَأْتِيهِمَا مَانِعٌ، كَانَ النِّكَاحُ بَاطِلاً إِذْ لاَ أَوْلَوِيَّةَ لإِِحْدَاهُمَا عَنِ الأُْخْرَى (58) .
أَمَّا إِذَا كَانَ بِإِحْدَاهُمَا مَانِعٌ شَرْعِيٌّ، بِأَنْ كَانَتْ زَوْجَةً لِلْغَيْرِ مَثَلاً، وَالأُْخْرَى لَيْسَ بِهَا مَانِعٌ، فَإِنَّ الْعَقْدَ صَحِيحٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْخَالِيَةِ مِنَ الْمَوَانِعِ، وَبَاطِلٌ بِالنِّسْبَةِ لِلأُْخْرَى.
وَأَمَّا إِذَا تَزَوَّجَهُمَا بِعَقْدَيْنِ مُتَعَاقِبَيْنِ، مُسْتَكْمِلَيْنِ أَرْكَانَ الزَّوَاجِ وَشُرُوطِهِ، وَعُلِمَ أَسْبَقُهُمَا، فَهُوَ الصَّحِيحُ وَالآْخَرُ بَاطِلٌ لأَِنَّ الْجَمْعَ حَصَل بِهِ.
وَإِذَا اسْتَوْفَى أَحَدُهُمَا فَقَطِ الأَْرْكَانَ وَالشُّرُوطَ فَهُوَ الصَّحِيحُ، سَوَاءٌ أَكَانَ الأَْوَّل أَمِ الثَّانِي.
كَمَا يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَ الأُْخْتَيْنِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَ الأُْخْتَيْنِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ عِنْدَ عَامَّةِ الصَّحَابَةِ مِثْل عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ﵃ وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ ﷿: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُْخْتَيْنِ} (59) وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي الْوَطْءِ جَمْعٌ، فَيَكُونُ حَرَامًا، وَبِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ فَلاَ يُجْمِعْنَ مَاءَهُ فِي رَحِمِ أُخْتَيْنِ (60) . وَرُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ ﵁ أَنَّهُ قَال: (كُل شَيْءٍ حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الْحَرَائِرِ حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الإِْمَاءِ إِلاَّ الْجَمْعُ فِي الْوَطْءِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ) وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلاً سَأَل عُثْمَانَ ﵁ عَنْ ذَلِكَ فَقَال: (مَا أُحِبُّ أَنْ أُحِلَّهُ، وَلَكِنْ أَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ وَحَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ، وَأَمَّا أَنَا فَلاَ أَفْعَلُهُ) .
قَال الْكَاسَانِيُّ: وَقَوْل عُثْمَانَ ﵁: (أَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ وَحَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ) عَنَى بِآيَةِ التَّحْلِيل قَوْلَهُ ﷿: {إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} (61) وَبِآيَةِ التَّحْرِيمِ قَوْلَهُ ﷿: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُْخْتَيْنِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ} وَذَلِكَ مِنْهُ إِشَارَةٌ إِلَى تَعَارُضِ دَلِيلَيِ الْحِل وَالْحُرْمَةِ فَلاَ يَثْبُتُ الْحُرْمَةُ مَعَ التَّعَارُضِ.
وَقَال: وَأَمَّا قَوْل عُثْمَانَ ﵁: أَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ وَحَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ، فَالأَْخْذُ بِالْمُحَرَّمِ أَوْلَى عِنْدَ التَّعَارُضِ احْتِيَاطًا لِلْحُرْمَةِ، لأَِنَّهُ يَلْحَقُهُ الْمَأْثَمُ بِارْتِكَابِ الْمُحَرَّمِ وَلاَ مَأْثَمَ فِي تَرْكِ الْمُبَاحِ، وَلأَِنَّ الأَْصْل فِي الإِْبْضَاعِ الْحُرْمَةُ، وَالإِْبَاحَةُ بِدَلِيلٍ، فَإِذَا تَعَارَضَ دَلِيل الْحِل وَالْحُرْمَةِ تَدَافُعًا فَيَجِبُ الْعَمَل بِالأَْصْل.
وَكَمَا لاَ يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي الْوَطْءِ لاَ يَجُوزُ فِي الدَّوَاعِي مِنَ اللَّمْسِ وَالتَّقْبِيل وَالنَّظَرِ إِلَى الْفَرْجِ عَنْ شَهْوَةٍ، لأَِنَّ الدَّوَاعِيَ إِلَى الْحَرَامِ حَرَامٌ (62) .
السَّابِعُ: الْجَمْعُ بَيْنَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ زَوْجَاتٍ
24 - يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُل أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ زَوْجَاتٍ فِي عِصْمَتِهِ، فَلاَ يَتَزَوَّجُ بِخَامِسَةٍ مَا دَامَتْ فِي عِصْمَتِهِ أَرْبَعٌ سِوَاهَا، إِمَّا حَقِيقَةً بِأَنْ لَمْ يُطَلِّقْ إِحْدَاهُنَّ، وَإِمَّا حُكْمًا، كَمَا إِذَا طَلَّقَ إِحْدَاهُنَّ وَلاَ تَزَال فِي عِدَّتِهِ، وَلَوْ كَانَ الطَّلاَقُ بَائِنًا بَيْنُونَةً صُغْرَى أَوْ كُبْرَى، وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ (63) .
وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ، فَقَدْ أَجَازُوا التَّزَوُّجَ بِخَامِسَةٍ إِذَا كَانَتْ إِحْدَى الزَّوْجَاتِ الأَْرْبَعِ فِي الْعِدَّةِ مِنْ طَلاَقٍ بَائِنٍ؛ لأَِنَّ الطَّلاَقَ الْبَائِنَ يَقْطَعُ الزَّوْجِيَّةَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، فَلاَ يَكُونُ قَدْ جَمَعَ بَيْنَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ زَوْجَاتٍ فِي عِصْمَتِهِ (64) .
وَدَلِيل عَدَمِ الْجَمْعِ بَيْنَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ زَوْجَاتٍ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ} (1) .
وَقَدْ أَيَّدَتِ السُّنَّةُ النَّبَوِيَّةُ ذَلِكَ، فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ غَيْلاَنَ الثَّقَفِيَّ ﵁ كَانَ عِنْدَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ فَأَسْلَمَ وَأَسْلَمْنَ مَعَهُ، فَأَمَرَهُ رَسُول اللَّهِ ﷺ: أَنْ يَخْتَارَ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا (2) .
الثَّامِنُ: الزَّوْجَةُ الْمُلاَعَنَةُ
25 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ فِي الْجُمْلَةِ إِلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُل الْمُسْلِمِ أَنْ يَتَزَوَّجَ زَوْجَتَهُ الَّتِي لاَعَنَهَا، وَفَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا، مَا دَامَ مُصِرًّا عَلَى اتِّهَامِهِ لَهَا.
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (لِعَانٌ) .
التَّاسِعُ: تَزَوُّجُ الأَْمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ
26 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ فِي الْجُمْلَةِ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِالأَْمَةِ بِشُرُوطٍ، وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (نِكَاحٌ) .
__________
(1) المصباح المنير، والمعجم الوسيط.
(2) لسان العرب لابن منظور.
(3) مغني المحتاج 3 / 174.
(4) سورة النساء / 23.
(5) حديث: " إني زنيت بامرأة. . . ". قال في فتح القدير: هو مرسل ومنقطع وفيه أبو بكر بن عبد الرحمن بن أم حكيم (فتح القدير 3 / 129 نشر دار إحياء التراث) .
(6) حديث: " الولد للفراش، وللعاهر الحجر ". أخرجه البخاري (فتح الباري 4 / 292) ومسلم (2 / 1080) من حديث عائشة.
(7) بدائع الصنائع 2 / 257، ومغني المحتاج3 / 175، وحاشية الدسوقي 2 / 250، وشرح الزرقاني 3 / 204، والمغني 6 / 578.
(8) فتح القدير 3 / 126، وبدائع الصنائع 2 / 257، ومغني المحتاج 3 / 175، والدسوقي 2 / 250، والزرقاني 3 / 204، والمغني 6 / 578.
(9) فتح القدير 3 / 119، ومغني المحتاج 3 / 175، وكشاف القناع 5 / 69.
(10) سورة النساء / 23، 24.
(11) بدائع الصنائع 2 / 256، 257، والفواكه الدواني 2 / 36، 37، ومغني المحتاج 3 / 174، 175، وكشاف القناع 5 / 69.
(12) سورة النساء / 24.
(13) سورة الأحزاب / 50.
(14) بدائع الصنائع 2 / 257.
(15) انظر المراجع السابقة.
(16) سورة النساء / 22.
(17) سورة النساء / 23.
(18) حديث: " أيما رجل تزوج امرأة. . . ". أخرجه البيهقي (السنن الكبرى 7 / 10) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بهذا المعنى، وفي إسناده ابن لهيعة وهو ضعيف (التلخيص الحبير 3 / 166) .
(19) بدائع الصنائع 2 / 258، والمغني لابن قدامة 6 / 569 - ط: عاطف والناشر مكتبة الجمهورية العربية بمصر، وفتح القدير3 / 118، 119، والأم 5 / 24، والفواكه الدواني 2 / 38.
(20) حديث: " من نظر إلى فرج امرأة لم تحل له. . . ". أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (4 / 165) من حديث أم هانئ، وقال ابن حجر في فتح الباري (9 / 156) : حديث ضعيف.
(21) الفتاوى الهندية 1 / 274 - 275.
(22) ملتقى الأبحر 1 / 324، والمغني 6 / 576 - 577، وكشاف القناع 5 / 72.
(23) حديث: " أن الرسول ﷺ سئل عن الرجل يتبع المرأة. . . ". أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (4 / 268) وقال: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه عثمان بن عبد الرحمن الزهري وهو متروك.
(24) الفواكه الدواني 2 / 42، وإعلام الموقعين لابن قيم الجوزية 3 / 256، ومغني المحتاج 3 / 178.
(25) بداية المجتهد ونهاية المقتصد 2 / 29 - ط: الخانجي، والفواكه الدواني 2 / 42.
(26) المهدية وشروحها فتح القدير والعناية 3 / 120، 121، والفواكه الدواني 2 / 38، وكشاف القناع 5 / 71، ومغني المحتاج 3 / 177.
(27) حديث: " يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب. . ". أخرجه البخاري (الفتح 5 / 253) ومسلم (2 / 1072) من حديث عبد الله بن عباس.
(28) بدائع الصنائع 2 / 260، وملتقى الأبحر 1 / 324، وفتح القدير 3 / 121، ومغني المحتاج 3 / 177، وكشاف القناع 5 / 72، وحاشية الدسوقي 2 / 251.
(29) بدائع الصنائع 4 / 4، وفتح القدير 3 / 121، وحاشية الدسوقي 2 / 503، 504، والفواكه الدواني 2 / 38، 89، ومغني المحتاج 3 / 176، 177، 418، وكشاف القناع 5 / 70، 71، والمغني 6 / 571.
(30) المراجع السابقة، والمغني 6 / 569، 570.
(31) حاشية ابن عابدين 2 / 405 - 407، وفتح القدير 3 / 311، 314، ومغني المحتاج 3 / 176، وكشاف القناع 5 / 443، 444، والفواكه الدواني 2 / 40، 89، 90، وحاشية الدسوقي 2 / 504.
(32) مغني المحتاج 3 / 418.
(33) سورة النساء / 24.
(34) سورة النساء / 23.
(35) بدائع الصنائع 4 / 268، 269، وحاشية الدسوقي 2 / 251، 252، والفواكه الدواني 2 / 34، 35، والمهذب 2 / 46، وكشاف القناع 5 / 82.
(36) حاشية ابن عابدين 2 / 350، 351، والفواكه الدواني 2 / 35، وكشاف القناع 5 / 425، والمهذب 2 / 152.
(37) تفسير القرطبي 3 / 194، 195.
(38) حاشية ابن عابدين 2 / 291، 292، ومغني المحتاج 3 / 388، والمهذب 2 / 146، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي 12 / 169، 170.
(39) حديث: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر. . ". أخرجه الترمذي (3 / 428) من حديث رويفع بن ثابت وقال: حديث حسن.
(40) المغني لابن قدامة 6 / 601 - 603، وحاشية ابن عابدين 2 / 291، 292، والفواكه الدواني 2 / 34، 97، وحاشية الدسوقي 2 / 471، ومغني المحتاج 3 / 388، والمهذب 2 / 146، وكشاف القناع 5 / 83.
(41) حاشية ابن عابدين 2 / 291، 292.
(42) سورة البقرة / 229.
(43) سورة البقرة / 230.
(44) مغني المحتاج 3 / 182، والفواكه الدواني 2 / 61، وكشاف القناع 5 / 84، وبدائع الصنائع 2 / 264، وزاد المعاد لابن القيم 4 / 66.
(45) حديث عائشة: " جاءت امرأة رفاعة القرظي إلى رسول الله ﷺ ". أخرجه البخاري (فتح الباري 5 / 249) ومسلم (2 / 1055 - 1056) واللفظ لمسلم.
(46) سورة البقرة / 221.
(47) حديث: " سنوا بهم سنة أهل الكتاب. . . ". أورده ابن حجر في التلخيص (3 / 172) وعزاه إلى عبد الرزاق وقال: هو مرسل وفي إسناده قيس بن الربيع وهو ضعيف، وأخرجه البيهقي من حديث الحسن بن حمد بن علي بلفظ " كتب رسول الله ﷺ إلى مجوس هجر يعرض عليهم الإسلام فمن أسلم قبل منه، ومن أبى ضربت عليه الجزية على أن لا تؤكل لهم ذبيحة ولا تنكح لهم امرأة " قال البيهقي: هذا مرسل وإجماع أكثر المسلمين عليه يؤكده (السنن الكبرى 9 / 192) .
(48) المغني 6 / 589، 591، 592، والبدائع 2 / 270، والفواكه الدواني 2 / 42، والمهذب 2 / 45.
(49) بدائع الصنائع 2 / 270.
(50) مواهب الجليل للحطاب 3 / 479، 480.
(51) مغني المحتاج 3 / 189، 190.
(52) المغني 6 / 592 مكتبة الجمهورية العربية - مصر.
(53) سورة المائدة / 5.
(54) سورة النساء / 23.
(55) حديث أبي هريرة: " أن رسول الله ﷺ نهى أن تنكح المرأة على عمتها. . ". أخرجه الترمذي (3 / 424) وقال: حسن صحيح.
(56) بدائع الصنائع 2 / 262 - 264، وكشاف القناع 5 / 75، وفتح القدير 3 / 124، 132 - ط: دار إحياء التراث.
(57) حاشية الدسوقي 2 / 255، والأم للشافعي 5 / 403، والمهذب 2 / 44
(58) فتح القدير 3 / 123، وحاشية الدسوقي 2 / 254، ومغني المحتاج 3 / 180.
(59) سورة النساء / 23.
(60) حديث: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجمعن ماءه في رحم أختين ". ذكره ابن حجر في التلخيص الحبير (3 / 166) وقال: لا أصل له. وقال: وفي الباب حديث أم حبيبة في الصحيحين أنها قالت يا رسول الله: انكح أختي قال: " لا تحل لي ". انظر (فتح الباري 9 / 158. ط. السلفية ومسلم 2 / 1072) .
(61) سورة المؤمنون / 6.
(62) بدائع الصنائع 2 / 264.
(63) بدائع الصنائع 2 / 263.
(64) حاشية الدسوقي 2 / 255، ومغني المحتاج 2 / 182.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 209/ 36
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".