المولى
كلمة (المولى) في اللغة اسم مكان على وزن (مَفْعَل) أي محل الولاية...
جمع كبيرة . وهي كل ما كبر من المعاصي، وعظم من الذنوب . وهي كل ذنب قُرِنَ بعقوبة خاصة كالزنا، والسرقة، وعقوق الوالدين، والغش، ومحبة السوء للمسلمين، وغير ذلك . ذكر في قوله تعالى :ﱫﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﱪالنساء :31، وقوله عَزَّ وَجَلَّ :ﱫﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﱪالنجم :32. ومنها ما بَيَّنَه حديث أبي هريرة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قال :"اجتنبوا السبع الموبقات؛ الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات ."البخاري :2766.
الكَبائِرُ: جَمْعُ كَبِيرَةٍ، وهي الشَّيْءُ الجَسِيمُ العَظِيمُ، يُقال: كَبُرَ الشَّيْءُ يَكبُرُ كُبْرًا، أيْ: صارَ عَظِيمًا، وضِدُّ الكَبِيرَةِ: الصَّغِيرَةُ.
يَرِد مُصْطلَح (كَبائِر) في العَقِيدَةِ في عِدَّة مواضِع، منها: باب: تَوْحِيد الأُلُوهِيَّةِ عند الكَلامِ على الشَّفاعَةِ لِأَهْلِ النَّارِ، وفي باب: الفِرَق والأَدْيان عند الكَلامِ على الخَوارِج، والمُعْتَزِلَةِ، والمُرجِئَةِ. ويُطْلَق ويُراد بِه: الذُّ
كبر
كُلُّ مَعصِيَةٍ جاءَ فيها حَدٌّ في الدُّنيا أو وَعِيدٌ في الآخِرَة أو تَرتَّبَ عليها أو لَعْنٌ أو غَضَبٌ أو نَفْيُ إيمانٍ.
الذُّنُوبُ مَراتِبُ ودَرَجاتٌ، فَمِنْها ما يُخْرِجُ مُرتَكِبَها مِن الإِسْلامِ وهي الشِّرْكُ والكُّفْرُ بِاللهِ، ومِنْها ما لا يُخْرِجُ صاحِبَها مِن الإِسْلامِ، ولكِنَّها تُنْقِصُ مِن إِسْلامِهِ وإيمانِهِ، وهذه تَنْقَسِمُ إلى قِسْمَيْنِ: 1- الكَبائِرُ: وقد اختلَف العلماءِ في تعريفها، فقيل: هي كُلُّ ذَنْبٍ خَتَمَهُ اللهُ أو رَسولُه صلَّى الله عليه وسلَّم بِنارٍ أو غَضَبٍ أو لَعْنَةٍ أو عَذابٍ، وقيل: هي ما أوعَدَ اللهُ عليه حَدًّا في الدُّنيا أو عَذابًا في الآخِرَة، وقيل: هي ما كانَت المَظالِم فيه بين العِباد أنفُسِهِم، وقيل: كُلُّ مَعصِيَةٍ يُقْدِمُ المَرْءُ علَيها مِن غير اسْتِشعارِ خَوْفٍ، ولا إحساسٍ بِنَدَمٍ؛ بل يَرتَكِبُها مُتَهاوِناً بها، مُسْتَجرئاً عليها. والمُراد بِالحَدِّ: العُقوبَةُ المُحَدَّدةُ شَرْعًا كعُقوبةِ السَّرِقَة، فإنَّ حَدَّها قَطْعُ اليَدِ، والمُرادُ بِالوَعِيد: التَّهْدِيدُ والتَّخْوِيفُ بِالنَّارِ أو بالغَضَبِ أو الإِبْعادِ مِن رَحْمَةِ اللهِ ونَحْوِ ذلك. 2- الصَّغائِرُ: وهي المَعاصِي التي لم يَرِدْ فيها حَدٌّ ولا وَعِيدٌ، وقد تُصْبِحُ كَبائِرَ بِالإِصْرارِ عليها والاسْتِمْرارِ فيها، كالنَّظَرِ إلى المرأة الأجنبِيَّة ونحو ذلك.
الكَبائِرُ: جَمْعُ كَبِيرَةٍ، وهي الشَّيْءُ الجَسِيمُ العَظِيمُ.
جمع كبيرة. وهي كل ما كبر من المعاصي، وعظم من الذنوب. وهي كل ذنب قُرِنَ بعقوبة خاصة كالزنا، والسرقة، وعقوق الوالدين، والغش، ومحبة السوء للمسلمين، وغير ذلك.
* العين : (5/362)
* مقاييس اللغة : (5/153)
* فتح الباري : (10/410)
* فيض القدير شرح الجامع الصغير : (3/482)
* مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين : (ص 75)
* تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، السعدي : (ص 176)
* الزواجر عن اقتراف الكبائر : (1/5)
* مدارج السالكين : (1/320)
* المحكم والمحيط الأعظم : (7/12)
* لسان العرب : (5/129) -
التَّعْرِيفُ:
1 - الْكَبَائِرُ جَمْعُ كَبِيرَةٍ، وَهِيَ لُغَةً: الإِْثْمُ (1) .
وَاصْطِلاَحًا: كَمَا قَال الْقُرْطُبِيُّ: كُل ذَنْبٍ عَظَّمَ الشَّرْعُ التَّوَعُّدَ عَلَيْهِ بِالْعِقَابِ وَشَدَّدَهُ، أَوْ عَظُمَ ضَرَرُهُ فِي الْوُجُودِ (2) .
وَلَهَا تَعْرِيفَاتٌ أُخْرَى.
وَهُنَاكَ مَنْ عَرَّفَ الْكَبَائِرَ بِالْعَدِّ، قَال الزَّرْكَشِيُّ: اخْتَلَفُوا فِي الْكَبِيرَةِ، هَل تُعَرَّفُ بِالْحَدِّ أَوْ بِالْعَدِّ، عَلَى وَجْهَيْنِ. وَبِالأَْوَّل قَال الْجُمْهُورُ (3) .
وَقَدْ جَاءَ فِي النُّصُوصِ الشَّرْعِيَّةِ وَكَلاَمِ الْفُقَهَاءِ التَّعْبِيرُ عَنِ الْكَبِيرَةِ أَيْضًا بِالْمُوبِقَةِ، كَمَا فِي حَدِيثِ: اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ (4) . . .، وَبِالْفَاحِشَةِ، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِْثْمِ وَالْفَوَاحِشَ} خِلاَفًا لِلْحَلِيمِيِّ، فَإِنَّهُ قَسَّمَ الذُّنُوبَ إِلَى ثَلاَثَةِ أَنْوَاعٍ هِيَ الصَّغَائِرُ، وَالْكَبَائِرُ، وَالْفَوَاحِشُ، وَمَثَّل لِذَلِكَ بِقَتْل النَّفْسِ هُوَ كَبِيرَةٌ، فَإِنْ قَتَل ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ فَهُوَ فَاحِشَةٌ، وَهَكَذَا تَنْقَسِمُ سَائِرُ الذُّنُوبِ عِنْدَهُ بِحَسَبِ مَا يُلاَبِسُ الذَّنْبَ (5) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْمَعْصِيَةُ:
2 - الْمَعْصِيَةُ، أَوِ الْعِصْيَانُ لُغَةً: خِلاَفُ الطَّاعَةِ (6) .
وَاصْطِلاَحًا: مُخَالَفَةُ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى، بِتَرْكِ مَا أَمَرَ بِهِ، أَوْ فِعْل مَا نَهَى عَنْهُ، سَوَاءٌ كَانَ الذَّنْبُ كَبِيرًا أَمْ صَغِيرًا، فَهِيَ أَعَمُّ مِنَ الصَّغَائِرِ وَالْكَبَائِرِ (7) .
ب - اللَّمَمُ:
3 - مِنْ مَعَانِي (اللَّمَمِ) فِي اللُّغَةِ: صِغَارُ الذُّنُوبِ.
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ (8) .
وَالصِّلَةُ بَيْنَهُمَا أَنَّ اللَّمَمَ قَسِيمُ الْكَبَائِرِ الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
4 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي تَحْرِيمِ الْكَبَائِرِ لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} ، وَقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ (9) . . . .
مَنَاطُ تَقْسِيمِ الْمَعَاصِي إِلَى صَغَائِرَ وَكَبَائِرَ.
وَضَابِطُ الْكَبِيرَةِ:
5 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إِلَى تَقْسِيمِ الْمَعَاصِي إِلَى صَغَائِرَ وَكَبَائِرَ، وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.
فَمِنَ الْكِتَابِ قَوْله تَعَالَى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَونَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} ، وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى فِي مَدْحِ الْمُؤْمِنِينَ الأَْتْقِيَاءِ: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِْثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ} .
وَمِنَ السُّنَّةِ قَوْلُهُ ﷺ: أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ (10) . . .، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الأَْحَادِيثِ.
وَقَدْ قَال الْغَزَالِيُّ: إِنْكَارُ الْفَرْقِ بَيْنَ الصَّغِيرَةِ وَالْكَبِيرَةِ لاَ يَلِيقُ بِالْفَقِيهِ (11) .
وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ بَعْضُ الأُْصُولِيِّينَ، كَأَبِي بَكْرِ بْنِ الطَّيِّبِ (الْبَاقِلاَّنِيِّ) ، وَأَبِي إِسْحَاقَ الإِْسْفَرَايِينِيِّ، وَأَبِي الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيِّ، وَأَبِي نَصْرٍ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْقُشَيْرِيِّ، وَهُوَ مَا حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنِ الْمُحَقِّقِينَ، وَنَسَبَهُ ابْنُ بَطَّالٍ إِلَى الأَْشْعَرِيَّةِ، فَذَهَبُوا إِلَى أَنَّ جَمِيعَ الْمَعَاصِي كَبَائِرُ بِالنَّظَرِ إِلَى مَنْ عُصِيَ سُبْحَانَهُ، فَكُلُّهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى جَلاَلِهِ كَبَائِرُ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا أَعْظَمَ وَقْعًا مِنْ بَعْضٍ، وَإِنَّمَا يُقَال لِبَعْضِهَا صَغَائِرُ بِالإِْضَافَةِ إِلَى مَا هُوَ أَكْبَرُ مِنْهَا، كَالْقُبْلَةِ الْمُحَرَّمَةِ صَغِيرَةٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الزِّنَا، لاَ أَنَّهَا صَغِيرَةٌ فِي نَفْسِهَا (12) ، كَمَا اسْتَدَلُّوا بِقَوْل ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄: كُل مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ كَبِيرَةٌ (13) .
وَقَال الْقَرَافِيُّ: الصَّغِيرَةُ وَالْكَبِيرَةُ فِي الْمَعَاصِي لَيْسَ مِنْ جِهَةِ مَنْ عَصَى، بَل مِنْ جِهَةِ الْمَفْسَدَةِ الْكَائِنَةِ فِي ذَلِكَ الْفِعْل، فَالْكَبِيرَةُ مَا عَظُمَتْ مَفْسَدَتُهَا، وَالصَّغِيرَةُ مَا قَلَّتْ مَفْسَدَتُهَا (14) .
أَمَّا ضَابِطُ الْكَبِيرَةِ، فَقَدْ قَال الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ: لَمْ أَقِفْ لأَِحَدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ عَلَى ضَابِطٍ لِلْكَبِيرَةِ لاَ يَسْلَمُ مِنَ الاِعْتِرَاضِ، وَالأَْوْلَى ضَبْطُهَا بِمَا يُشْعِرُ بِتَهَاوُنِ مُرْتَكِبِهَا بِدِينِهِ إِشْعَارًا دُونَ الْكَبَائِرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا، قَال الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: (وَهُوَ ضَابِطٌ جَيِّدٌ (1)) .
وَقَدْ سَلَكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مَسْلَكًا مُشَابِهًا، لَكِنَّهُ عَوَّل عَلَى الْمَفْسَدَةِ، لاَ عَلَى التَّهَاوُنِ، فَكُل مَعْصِيَةٍ سَاوَتْ مَفْسَدَتُهَا أَدْنَى مَفْسَدَةِ كَبِيرَةٍ مَنْصُوصٍ عَلَيْهَا فَهِيَ كَبِيرَةٌ، وَمَثَّل لِذَلِكَ بِدَلاَلَةِ الْكُفَّارِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ هِيَ أَشَدُّ فَسَادًا مِنَ الْفِرَارِ مِنَ الزَّحْفِ الْمَنْصُوصِ عَلَى أَنَّهُ كَبِيرَةٌ (15) . وَمِنَ الضَّوَابِطِ الْمَذْكُورَةِ لِلْكَبِيرَةِ:
قَوْل الزَّيْلَعِيِّ: مَا كَانَ حَرَامًا لِعَيْنِهِ.
وَقَوْل خُوَاهَرْ زَادَهْ: مَا كَانَ حَرَامًا مَحْضًا سَوَاءٌ سُمِّيَ فِي الشَّرْعِ فَاحِشَةً أَمْ لَمْ يُسَمَّ وَلَكِنْ شُرِّعَ عَلَيْهِ عُقُوبَةٌ مَحْضَةٌ بِنَصٍّ قَاطِعٍ إِمَّا فِي الدُّنْيَا بِالْحَدِّ أَوِ الْوَعِيدِ بِالنَّارِ فِي الآْخِرَةِ.
وَقَوْل الْمَاوَرْدِيِّ: مَا أَوْجَبَتِ الْحَدَّ أَوْ تَوَجَّهَ بِسَبَبِهَا إِلَى الْفَاعِل وَعِيدٌ.
وَمَا نَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى عَنِ الإِْمَامِ أَحْمَدَ بِأَنَّهَا: كُل ذَنْبٍ أَوْجَبَ اللَّهُ فِيهِ حَدًّا فِي الدُّنْيَا أَوْ خَتَمَهُ بِنَارٍ فِي الآْخِرَةِ (16) .
وَمِنَ الضَّوَابِطِ قَوْل ابْنِ الصَّلاَحِ: لِلْكَبَائِرِ أَمَارَاتٌ، مِنْهَا: إِيجَابُ الْحَدِّ، وَمِنْهَا: الإِْيعَادُ عَلَيْهَا بِالْعَذَابِ بِالنَّارِ وَنَحْوِهَا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَمِنْهَا: وَصْفُ صَاحِبِهَا بِالْفِسْقِ، وَمِنْهَا: اللَّعْنُ (17) .
وَقَال ابْنُ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيُّ: قَصَدُوا التَّقْرِيبَ وَلَيْسَتْ بِحُدُودٍ جَامِعَةٍ (18) .
وَنَفَى الْوَاحِدِيُّ وُجُودَ ضَابِطٍ لِلْكَبِيرَةِ وَأَنَّهُ بِقَصْدِ الشَّارِعِ فَقَال: الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْكَبَائِرِ حَدٌّ يَعْرِفُهُ الْعِبَادُ وَتَتَمَيَّزُ بِهِ عَنِ الصَّغَائِرِ تَمْيِيزَ إِشَارَةٍ، وَلَوْ عُرِفَ ذَلِكَ لَكَانَتِ الصَّغَائِرُ مُبَاحَةً، وَلَكِنْ أُخْفِيَ ذَلِكَ عَلَى الْعِبَادِ، لِيَجْتَهِدَ كُل وَاحِدٍ فِي اجْتِنَابِ مَا نُهِيَ عَنْهُ، رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ مُجْتَنِبًا لِلْكَبَائِرِ، وَنَظِيرُهُ إِخْفَاءُ الصَّلاَةِ الْوُسْطَى فِي الصَّلَوَاتِ، وَلَيْلَةِ الْقَدْرِ فِي رَمَضَانَ (19) .
قَال ابْنُ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيُّ بَعْدَمَا أَوْرَدَ بَعْضَ الْحُدُودِ: (مُقْتَضَى كَلاَمِ الإِْمَامِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْحُدُودَ السَّابِقَةَ هِيَ لِمَا عَدَا الْكُفْرَ، وَإِنْ صَحَّ أَنْ يُسَمَّى كَبِيرَةً بَل هُوَ أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ (20)) .
تَعْدَادُ الْكَبَائِرِ:
6 - اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي حَصْرِ الْكَبَائِرِ بِعَدَدٍ أَوْ عَدَمِ حَصْرِهَا.
فَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى أَنَّ مَا وَرَدَ مِنْهَا بِعَدَدٍ مُعَيَّنٍ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ الْحَصْرَ، وَأَجَابُوا عَنِ الْحِكْمَةِ فِي الاِقْتِصَارِ فِي بَعْضِ الأَْحَادِيثِ عَلَى عَدَدٍ مُعَيَّنٍ، كَسَبْعٍ مَثَلاً بِأَجْوِبَةٍ عَدِيدَةٍ، مِنْهَا:
أ - أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أُعْلِمَ بِالْكَبَائِرِ الْمَذْكُورَاتِ أَوَّلاً، ثُمَّ أُعْلِمَ بِمَا زَادَ، فَيَجِبُ الأَْخْذُ بِالزَّائِدِ.
ب - أَنَّ الاِقْتِصَارَ وَقَعَ بِحَسَبِ الْمَقَامِ، بِالنِّسْبَةِ لِلسَّائِل أَوْ مَنْ وَقَعَتْ لَهُ وَاقِعَةٌ (21) .
وَذَهَبَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِلَى حَصْرِهَا فِي عَدَدٍ مُعَيَّنٍ هُوَ:
أ - ثَلاَثٌ: رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ﵁ (22) .
ب - أَرْبَعٌ: رُوِيَ أَيْضًا عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ﵁، قَال: الْكَبَائِرُ أَرْبَعٌ: الْيَأْسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ، وَالْقُنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، وَالأَْمْنُ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ، وَالشِّرْكُ بِاللَّهِ، دَل عَلَيْهَا الْقُرْآنُ (23) ، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ﵄ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: الْكَبَائِرُ: الإِْشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَقَتْل النَّفْسِ، وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ (24) ، وَعَنْ أَنَسٍ ﵁، ذَكَرَ رَسُول اللَّهِ ﷺ الْكَبَائِرَ، أَوْ سُئِل عَنِ الْكَبَائِرِ فَقَال: الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَقَتْل النَّفْسِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، فَقَال: أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟ قَال: قَوْل الزُّورِ، أَوْ شَهَادَةُ الزُّورِ (25) .
وَأَشَارَ ابْنُ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيُّ إِلَى ضَبْطِ بَعْضِهِمُ الْكَبَائِرَ بِأَنَّهَا كُل فِعْلٍ نَصَّ الْكِتَابُ عَلَى تَحْرِيمِهِ (أَيْ بِصَرِيحِ التَّحْرِيمِ) وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ: أَكْل لَحْمِ الْمَيْتَةِ، وَالْخِنْزِيرِ، وَمَال الْيَتِيمِ، وَالْفِرَارُ مِنَ الزَّحْفِ (26) .
ج - سَبْعٌ: وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ ﵁ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ قَالُوا: يَا رَسُول اللَّهِ، وَمَا هُنَّ؟ قَال: الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْل النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ، وَأَكْل الرِّبَا، وَأَكْل مَال الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاَتِ الْمُؤْمِنَاتِ (27) .
قَال ابْنُ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيُّ: وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِأَنَّ الْكَبَائِرَ سَبْعٌ: عَلِيٌّ ﵁، وَعَطَاءٌ، وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ (28) .
د - ثَمَانٍ: وَذَلِكَ بِزِيَادَةِ (عُقُوقِ الْوَالِدَيْنِ) عَلَى السَّبْعِ الَّتِي فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ السَّابِقِ.
وَقَدْ وَفَّقَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ بَيْنَ عَدِّ الْكَبَائِرِ سَبْعًا، وَعَدِّهَا ثَمَانِيًا، بِاعْتِبَارِ أَكْل الرِّبَا وَأَكْل مَال الْيَتِيمِ كَبِيرَةً وَاحِدَةً، بِجَامِعِ الظُّلْمِ (29) .
هـ - تِسْعٌ: أَشَارَ إِلَى هَذَا الزَّرْكَشِيُّ (30) لِحَدِيثِ: الْكَبَائِرُ تِسْعٌ، وَزَادَ عَلَى حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ السَّابِقِ: الإِْلْحَادُ فِي الْحَرَمِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ (31) .
و عَشْرٌ: رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ.
ز - أَرْبَعَ عَشْرَةَ: أَشَارَ إِلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ.
ح - خَمْسَ عَشْرَةَ: أَشَارَ إِلَيْهِ ابْنُ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيُّ (32) .
ط - سَبْعَ عَشْرَةَ: نَقَل الْقَوْل بِذَلِكَ الشَّيْخُ عُلَيْشٌ (33) .
ي - سَبْعُونَ: قَال الزَّرْكَشِيُّ: أَنْهَاهَا الذَّهَبِيُّ إِلَى سَبْعِينَ فِي جُزْءٍ صَنَّفَهُ فِي الْكَبَائِرِ.
ك - أَرْبَعُمِائَةٍ وَسَبْعٌ وَسِتُّونَ: أَنْهَى ابْنُ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيُّ الْكَبَائِرَ إِلَى هَذَا الْعَدَدِ، مِنْهَا سِتٌّ وَسِتُّونَ كَبَائِرُ بَاطِنَةٌ مِمَّا لَيْسَ لَهُ مُنَاسَبَةٌ بِخُصُوصِ أَبْوَابِ الْفِقْهِ، أَيْ تَتَعَلَّقُ بِأَعْمَال الْقُلُوبِ، وَالْبَاقِي كَبَائِرُ ظَاهِرَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالْجَوَارِحِ (34) .
ل - سَبْعُمِائَةٍ: رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵁، أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ قِيل لَهُ: الْكَبَائِرُ سَبْعٌ، فَقَال: هِيَ إِلَى السَّبْعِينَ أَقْرَبُ، وَفِي رِوَايَةٍ إِلَى السَّبْعِمِائَةِ، قَال الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: وَيُحْمَل كَلاَمُهُ عَلَى الْمُبَالَغَةِ بِالنِّسْبَةِ لِمَنِ اقْتَصَرَ عَلَى السَّبْعِ (35) .
قَال الْقَرَافِيُّ: مَا وَرَدَتِ السُّنَّةُ أَوِ الْكِتَابُ الْعَزِيزُ بِجَعْلِهِ كَبِيرَةً أَوْ أَجْمَعَتْ عَلَيْهِ الأُْمَّةُ أَوْ ثَبَتَ فِيهِ حَدٌّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى، كَقَطْعِ السَّرِقَةِ وَجَلْدِ الشُّرْبِ وَنَحْوِهِمَا، فَإِنَّهَا كُلَّهَا كَبَائِرُ قَادِحَةٌ فِي الْعَدَالَةِ إِجْمَاعًا وَكَذَلِكَ مَا فِيهِ وَعِيدٌ صُرِّحَ بِهِ فِي الْكِتَابِ أَوْ فِي السُّنَّةِ فَنَجْعَلُهُ أَصْلاً وَنَنْظُرُ، فَمَا سَاوَى أَدْنَاهُ مَفْسَدَةً، أَوْ رَجَحَ عَلَيْهَا مِمَّا لَيْسَ فِيهِ نَصٌّ أَلْحَقْنَاهُ بِهِ (36) . . . .
أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ:
7 - قَسَّمَ الْفُقَهَاءُ الْكَبَائِرَ إِلَى كَبِيرَةٍ وَأَكْبَرَ، وَذَلِكَ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ ﵁، قَال: قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟ قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُول اللَّهِ (قَال ثَلاَثًا) : الإِْشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ فَقَال: أَلاَ وَقَوْل الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ، أَلاَ وَقَوْل الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ " فَمَا زَال يَقُولُهَا حَتَّى قُلْتُ: لاَ يَسْكُتُ، وَفِي رِوَايَةٍ حَتَّى قُلْنَا: لَيْتَهُ سَكَتَ (37) ، أَيْ إِشْفَاقًا عَلَيْهِ ﷺ قَال الْحَافِظُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: يُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِهِ ﷺ: " أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ " انْقِسَامُ الذُّنُوبِ إِلَى كَبِيرٍ وَأَكْبَرَ، وَذَلِكَ بِحَسَبِ تَفَاوُتِ مَفَاسِدِهَا، وَلاَ يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ هَذِهِ أَكْبَرَ الْكَبَائِرِ اسْتِوَاءُ رُتَبِهَا أَيْضًا فِي نَفْسِهَا (38) .
وَقَال الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: حَدِيثُ " أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ " لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ مِنَ الْحَصْرِ، بَل " مِنْ " فِيهِ مُقَدَّرَةٌ، أَيْ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ فَقَدْ ثَبَتَ فِي أَشْيَاءَ أُخَرَ أَنَّهَا مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ (39) ، ثُمَّ ذَكَرَ الأَْحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ، فَبَلَغَتْ عِشْرِينَ كَبِيرَةً، وَبَعْدَ إِسْقَاطِهِ الْمُتَدَاخِل مِنْهَا بَلَغَتْ ثَلاَثَ عَشْرَةَ هِيَ:
أ - الإِْشْرَاكُ بِاللَّهِ.
ب - عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ.
ج - قَوْل الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ (وَهَذِهِ ثَلاَثَةٌ الَّتِي فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ) .
د - قَتْل النَّفْسِ، لِحَدِيثِ أَنَسٍ فِي أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ (40) .
هـ - الزِّنَا بِحَلِيلَةِ الْجَارِ، لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: قُلْتُ: يَا رَسُول اللَّهِ، أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ قَال: أَنْ تَجْعَل لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ، قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَال: أَنْ تَقْتُل وَلَدَكَ مِنْ أَجْل أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ، قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَال. أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ (41) فَأَوْرَدَ هَذِهِ بَيْنَهَا.
و الْيَمِينُ الْغَمُوسُ، لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَال: الْكَبَائِرُ: الإِْشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ أَوْ قَال: الْيَمِينُ الْغَمُوسُ (42) .
ز - اسْتِطَالَةُ الْمَرْءِ فِي عِرْضِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَال: إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ اسْتِطَالَةَ الْمَرْءِ فِي عِرْضِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ (43) .
ح - مَنْعُ فَضْل الْمَاءِ وَمَنْعُ الْفَحْل، لِحَدِيثِ بُرَيْدَةَ ﵁ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَال: إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ الإِْشْرَاكَ بِاللَّهِ، وَعُقُوقَ الْوَالِدَيْنِ، وَمَنْعَ فَضْل الْمَاءِ وَمَنْعَ الْفَحْل (44) .
ط - سُوءُ الظَّنِّ بِاللَّهِ تَعَالَى، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ ﵄ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَال: أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ سُوءُ الظَّنِّ بِاللَّهِ (45) .
ي - مُضَاهَاةُ الْخِلْقَةِ بِالتَّصْوِيرِ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ مَرْفُوعًا: يَقُول اللَّهُ تَعَالَى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ كَخَلْقِي (46) .
ك - اللَّدَدُ فِي الْخُصُومَةِ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ ﵂ مَرْفُوعًا: أَبْغَضُ الرِّجَال إِلَى اللَّهِ الأَْلَدُّ الْخَصِمُ (47) . ل - سَبُّ الأَْبَوَيْنِ، لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ﵄ مَرْفُوعًا: إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ أَنْ يَلْعَنَ الرَّجُل وَالِدَيْهُ (48) . . . . قَال السِّيوَاسِيُّ: أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ الشِّرْكُ، وَأَصْغَرُ الصَّغَائِرِ حَدِيثُ النَّفْسِ، وَبَيْنَهُمَا وَسَائِطُ (49) .
تَرْتِيبُ الْكَبَائِرِ مِنْ حَيْثُ الْمَفْسَدَةُ وَالضَّرَرُ:
8 - قَال الْقَرَافِيُّ: رُتَبُ الْمَفَاسِدِ مُخْتَلِفَةٌ، وَأَدْنَى رُتَبِ الْمَفَاسِدِ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الْكَرَاهَةُ، ثُمَّ كُلَّمَا ارْتَقَتِ الْمَفْسَدَةُ عَظُمَتِ الْكَرَاهَةُ، حَتَّى تَكُونَ أَعْلَى رُتَبِ الْمَكْرُوهَاتِ، تَلِيهَا أَدْنَى رُتَبِ الْمُحَرَّمَاتِ، ثُمَّ تَتَرَقَّى رُتَبُ الْمُحَرَّمَاتِ حَتَّى تَكُونَ أَعْلَى رُتَبِ الصَّغَائِرِ، يَلِيهِ أَدْنَى الْكَبَائِرِ ثُمَّ تَتَرَقَّى رُتَبُ الْكَبَائِرِ بِعِظَمِ الْمَفْسَدَةِ حَتَّى تَكُونَ أَعْلَى رُتَبِ الْكَبَائِرِ، يَلِيهَا الْكُفْرُ (50) .
الْكَبِيرَةُ وَالإِْيمَانُ مِنْ حَيْثُ الزَّوَال وَالنُّقْصَانُ وَالْبَقَاءُ:
9 - لاَ يَخْرُجُ الْمُؤْمِنُ مِنَ الإِْيمَانِ بِارْتِكَابِهِ الْكَبَائِرَ؛ لأَِنَّ أَصْل الإِْيمَانِ مِنَ التَّصْدِيقِ بِاللَّهِ تَعَالَى، وَالإِْيمَانُ وَالتَّصْدِيقُ مَوْجُودَانِ فِي مُرْتَكِبِ الْكَبِيرَةِ، وَإِذَا مَاتَ قَبْل أَنْ يَتُوبَ فَهُوَ فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ وَعَفْوِهِ: إِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِذُنُوبِهِ، وَلاَ يُخَلَّدُ فِي النَّارِ، بَل تَكُونُ عَاقِبَتُهُ إِلَى الْجَنَّةِ، هَذَا مَا عَلَيْهِ أَهْل السُّنَّةِ، وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} ، وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} فَسَمَّاهُمْ مُؤْمِنِينَ مَعَ صُدُورِ الْقِتَال ظُلْمًا مِنْ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ (51) .
انْخِرَامُ الْعَدَالَةِ بِارْتِكَابِ الْكَبَائِرِ:
10 - الْعَدَالَةُ: كَمَا قَال الْغَزَالِيُّ هَيْئَةٌ رَاسِخَةٌ فِي النَّفْسِ تُحْمَل عَلَى مُلاَزَمَةِ التَّقْوَى وَالْمُرُوءَةِ جَمِيعًا، حَتَّى تَحْصُل ثِقَةُ النُّفُوسِ بِصِدْقِهِ، فَلاَ ثِقَةَ بِقَوْل مَنْ لاَ يَخَافُ اللَّهَ تَعَالَى خَوْفًا وَازِعًا عَنِ الْكَذِبِ (52) .
وَقَدْ نَقَل ابْنُ حَزْمٍ الإِْجْمَاعَ عَلَى أَنَّ ارْتِكَابَ الْكَبَائِرِ جُرْحَةٌ تُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ، وَقَال الْكَاسَانِيُّ: الأَْصْل أَنَّ مَنِ ارْتَكَبَ جَرِيمَةً، فَإِنْ كَانَتْ مِنَ الْكَبَائِرِ سَقَطَتْ عَدَالَتُهُ إِلاَّ أَنْ يَتُوبَ (53) . وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّ الْعَدْل هُوَ مَنْ لَمْ يَفْعَل مَعْصِيَةً كَبِيرَةً بِلاَ تَوْبَةٍ مِنْهَا بِأَنْ لَمْ يَفْعَلْهَا أَصْلاً أَوْ تَابَ مِنْهَا، فَإِنْ فَعَلَهَا وَلَمْ يَتُبْ مِنْهَا فَلاَ تُقْبَل شَهَادَتُهُ، فَلاَ يُشْتَرَطُ فِي الْعَدْل عَدَمُ مُبَاشَرَةِ الْمَعْصِيَةِ مُطْلَقًا لِتَعَذُّرِهِ (54) .
وَفِيمَا يَلِي بَعْضُ التَّوْضِيحَاتِ:
أ - صَرَّحَ كُلٌّ مِنْ الْقَرَافِيِّ وَابْنِ الشَّاطِّ أَنَّ انْخِرَامَ الْعَدَالَةِ وَرَدَّ الشَّهَادَةِ بِارْتِكَابِ الْكَبَائِرِ لَيْسَ سَبَبُهُ الاِرْتِكَابَ نَفْسَهُ، بَل مَا يَلْزَمُ عَنْهُ، وَهُوَ أَنَّهُ يَدُل عَلَى الْجُرْأَةِ عَلَى مُخَالَفَةِ الْمُرْتَكِبِ لِلشَّارِعِ فِي أَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ، أَوْ كَمَا اخْتَارَ ابْنُ الشَّاطِّ (احْتِمَال الْجُرْأَةِ) فَمَنْ دَلَّتْ قَرَائِنُ حَالِهِ عَلَى الْجُرْأَةِ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ، كَمُرْتَكِبِ الْكَبِيرَةِ الْمَعْلُومِ مِنْ دَلاَئِل الشَّرْعِ أَنَّهَا كَبِيرَةٌ، أَوِ الْمُصِرِّ عَلَى الصَّغِيرَةِ إِصْرَارًا يُؤْذِنُ بِالْجُرْأَةِ، وَمَنِ احْتَمَل حَالُهُ أَنَّهُ فَعَل مَا فَعَل مِنْ ذَلِكَ جُرْأَةً أَوْ فَلْتَةً تُوُقِّفَ عَنْ قَبُول شَهَادَتِهِ، وَمَنْ دَلَّتْ دَلاَئِل حَالِهِ أَنَّهُ فَعَل مَا فَعَلَهُ مِنْ ذَلِكَ فَلْتَةً غَيْرَ مُتَّصِفٍ بِالْجُرْأَةِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ، وَذَلِكَ؛ لأَِنَّ السَّبَبَ لِرَدِّ الشَّهَادَةِ لَيْسَ إِلاَّ التُّهْمَةَ بِالاِجْتِرَاءِ عَلَى الْكَذِبِ، كَالاِجْتِرَاءِ عَلَى ارْتِكَابِ مَا ارْتَكَبَهُ مِنَ الْمُخَالَفَةِ. فَإِذَا عَرِيَ عَنِ الاِتِّصَافِ بِالْجُرْأَةِ وَاحْتِمَال الاِتِّصَافِ بِهَا بِظَاهِرِ حَالِهِ سَقَطَتِ التُّهْمَةُ (55) .
ب - بَيَّنَ الْخَرَشِيُّ أَنَّ الْعَدَالَةَ الْمُشْتَرَطَ فِيهَا اجْتِنَابُ الْكَبَائِرِ هِيَ مُطْلَقُ الْعَدَالَةِ، فَمَنْ لَمْ يَسْتَوْفِ هَذَا الشَّرْطَ يَكُونُ فَاسِقًا، بِخِلاَفِ الْعَدَالَةِ الْخَاصَّةِ الْمُشْتَرَطَةِ لِلشَّهَادَةِ، فَمِنْ شُرُوطِهَا اجْتِنَابُ مَا يَخِل بِالْمُرُوءَةِ، وَعَدَمُهُ لَيْسَ فِسْقًا (56) .
ج - لاَ يَتَرَتَّبُ انْخِرَامُ الْعَدَالَةِ إِلاَّ عَلَى الاِرْتِكَابِ لِلْكَبِيرَةِ فِعْلاً، فَلَوْ نَوَى الْعَدْل فِعْل كَبِيرَةٍ غَدًا لَمْ يَصِرْ بِذَلِكَ فَاسِقًا، بِخِلاَفِ نِيَّةِ الْكُفْرِ (57) .
تَفْسِيقُ مُرْتَكِبِ الْكَبِيرَةِ:
11 - عُرِفَ مِمَّا سَبَقَ فِي الْكَلاَمِ عَنِ انْخِرَامِ عَدَالَةِ مُرْتَكِبِ الْكَبِيرَةِ أَنَّهُ يَفْسُقُ بِذَلِكَ. قَال الزَّرْكَشِيُّ: مَنْ أَتَى بِشَيْءٍ مِنَ الْكَبَائِرِ فَسَقَ وَسَقَطَتْ عَدَالَتُهُ ثُمَّ نَقَل عَنِ الصَّيْرَفِيِّ التَّصْرِيحَ بِذَلِكَ (58) .
أَثَرُ الإِْصْرَارِ فِي تَحَوُّل الصَّغِيرَةِ إِلَى كَبِيرَةٍ:
12 - قَال الْقَرَافِيُّ: الصَّغِيرَةُ لاَ تَقْدَحُ فِي الْعَدَالَةِ وَلاَ تُوجِبُ فُسُوقًا، إِلاَّ أَنْ يُصِرَّ عَلَيْهَا فَتَكُونُ كَبِيرَةً. . . فَإِنَّهُ لاَ صَغِيرَةَ مَعَ إِصْرَارٍ، وَلاَ كَبِيرَةَ مَعَ اسْتِغْفَارٍ كَمَا قَال السَّلَفُ. . . وَيَعْنُونَ بِالاِسْتِغْفَارِ التَّوْبَةَ بِشُرُوطِهَا، لاَ طَلَبَ الْمَغْفِرَةِ مَعَ بَقَاءِ الْعَزْمِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لاَ يُزِيل كُبْرَ الْكَبِيرَةِ أَلْبَتَّةَ (59) .
وَقَدْ أَوْرَدَ الزَّرْكَشِيُّ فِي عِدَادِ الْكَبَائِرِ إِدْمَانَ الصَّغِيرَةِ (60) .
وَخَالَفَ فِي هَذَا بَعْضُ الْفُقَهَاءِ، كَأَبِي طَالِبٍ الْقُضَاعِيِّ، حَيْثُ نَقَل عَنْهُ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّ الإِْصْرَارَ لَهُ حُكْمُ مَا أَصَرَّ بِهِ عَلَيْهِ فَالإِْصْرَارُ عَلَى الصَّغِيرَةِ صَغِيرَةٌ (61) .
وَاعْتِبَارُ الإِْصْرَارِ عَلَى الصَّغِيرَةِ كَبِيرَةً هُوَ مِنْ بَابِ الإِْلْحَاقِ كَمَا قَال الرَّمْلِيُّ، فَهُوَ لاَ يُصَيِّرُ الصَّغِيرَةَ كَبِيرَةً حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا يُلْحِقُهَا بِهَا فِي الْحُكْمِ، وَبِعِبَارَةِ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ مِنْ شُرَّاحِ الْمَنَارِ: الإِْصْرَارُ عَلَى الصَّغِيرَةِ هُوَ كَبِيرَةٌ لِغَيْرِهَا، أَمَّا الْكَبِيرَةُ بِالضَّابِطِ الأَْصْلِيِّ فَهِيَ كَبِيرَةٌ بِنَفْسِهَا (62) .
جَاءَ فِي حَوَاشِي شَرْحِ الْمَنَارِ أَنَّ الإِْصْرَارَ تَكْرَارُ الْفِعْل تَكَرُّرًا يُشْعِرُ بِقِلَّةِ الْمُبَالاَةِ بِأَمْرِ الدِّينِ، وَقَال أَمِيرُ بَادْشَاهْ: الإِْصْرَارُ أَنْ تَتَكَرَّرَ مِنْهُ الصَّغِيرَةُ تَكْرَارًا يُشْعِرُ بِقِلَّةِ مُبَالاَتِهِ بِأَمْرِ دِينِهِ إِشْعَارَ ارْتِكَابِ الْكَبِيرَةِ بِذَلِكَ (63) . وَأَمَّا حَقِيقَةُ التَّكْرَارِ الْمُشْتَرَطِ فِي تَحَقُّقِ الإِْصْرَارِ فَيُعْرَفُ مِنْ تَقْسِيمِ الزَّرْكَشِيِّ الإِْصْرَارَ إِلَى قِسْمَيْنِ:
(أَحَدِهِمَا) حُكْمِيٌّ، وَهُوَ الْعَزْمُ عَلَى فِعْل الصَّغِيرَةِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا، فَهَذَا حُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ كَرَّرَهَا فِعْلاً، بِخِلاَفِ التَّائِبِ مِنْهَا، فَلَوْ ذَهِل عَنْ ذَلِكَ وَلَمْ يَعْزِمْ عَلَى شَيْءٍ فَهَذَا هُوَ الَّذِي تُكَفِّرُهُ الأَْعْمَال الصَّالِحَةُ.
(وَالثَّانِي) الإِْصْرَارُ بِالْفِعْل، وَعَبَّرَ عَنْهُ بَعْضُهُمْ بِالْمُدَاوَمَةِ أَوِ الإِْدْمَانِ، وَعَنْ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ قَال: لاَ أَجْعَل الْمُقِيمَ عَلَى الصَّغِيرَةِ الْمَعْفُوِّ عَنْهَا مُرْتَكِبًا لِلْكَبِيرَةِ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مُقِيمًا عَلَى الْمَعْصِيَةِ الْمُخَالِفَةِ أَمْرَ اللَّهِ دَائِمًا (64) ، وَنَحْوُهُ فِي الْمُغْنِي لاِبْنِ قُدَامَةَ (65) .
أَثَرُ الْكَبِيرَةِ فِي إِحْبَاطِ الثَّوَابِ:
13 - لاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ الشِّرْكَ الَّذِي هُوَ أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ يُحْبِطُ الثَّوَابَ، قَال اللَّهُ تَعَالَى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} ، فَمَنْ أَشْرَكَ بِاللَّهِ بَعْدَ تَوْحِيدِهِ لَهُ تَعَالَى، أَوْ كَفَرَ مُرْتَدًّا عَنْ إِيمَانِهِ، أَوْ كَانَتْ كَبِيرَتُهُ اسْتِحْلاَل مُحَرَّمٍ أَوْ تَحْرِيمَ حَلاَلٍ كَذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَحْبَطُ ثَوَابُ أَعْمَالِهِ لِلرِّدَّةِ، وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ.
وَاخْتُلِفَ هَل يَحْبَطُ الْعَمَل أَيْضًا، بِحَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ إِعَادَةُ الْحَجِّ بَعْدَ عَوْدَتِهِ لِلإِْسْلاَمِ، وَهَل يَتَرَتَّبُ الْحُبُوطُ عَلَى مُجَرَّدِ الرِّدَّةِ أَوْ بِالْمَوْتِ عَلَيْهَا، فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ - خِلاَفًا لِلْحَنَفِيَّةِ - إِلَى أَنَّ الْحُبُوطَ بِالْمَوْتِ عَلَى الرِّدَّةِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآْخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} ، فَعَلَيْهِ لاَ يَجِبُ إِعَادَةُ الْحَجِّ الَّذِي فَعَلَهُ قَبْل رِدَّتِهِ إِذَا أَسْلَمَ بَعْدَهَا، قَال الْقَلْيُوبِيُّ: قَيَّدَ بَعْضُهُمُ الْعَمَل الَّذِي تُحْبِطُهُ الرِّدَّةُ بِمَا وَقَعَ حَال التَّكْلِيفِ لاَ قَبْلَهُ (66) .
وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ (رِدَّةٌ ف 48) .
أَمَّا الْكَبَائِرُ الأُْخْرَى فَقَدْ وَرَدَتْ نُصُوصٌ فِي شَأْنِ بَعْضِهَا بِأَنَّهُ يُحْبِطُ ثَوَابَ الْعَمَل، مِثْل:
الْقَذْفِ: عَنْ حُذَيْفَةَ ﵁ قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: إِنَّ قَذْفَ الْمُحْصَنَةِ يَهْدِمُ عَمَل مِائَةِ سَنَةٍ (67) .
الرِّبَا: وَفِيهِ حَدِيثُ عَائِشَةَ ﵂ وَقَوْلُهَا لأُِمِّ وَلَدِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ ﵁: لَقَدْ أَبْطَل جِهَادَهُ مَعَ رَسُول اللَّهِ ﷺ (68) "، وَذَلِكَ فِي شَأْنِ مُعَامَلَةٍ فِيهَا رِبًا.
سُؤَال الْعَرَّافِ: عَنْ صَفِيَّةَ ﵂ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ ﵅ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَل لَهُ صَلاَةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً (69) .
الْعَفْوُ عَنِ الْكَبَائِرِ:
14 - يَخْتَلِفُ الْمَقْصُودُ بِالْعَفْوِ عَنِ الْكَبَائِرِ بِحَسَبِ نَوْعِ الْكَبِيرَةِ، هَل هِيَ اعْتِدَاءٌ عَلَى مَا هُوَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، كَشُرْبِ الْخَمْرِ، أَوِ اعْتِدَاءٌ عَلَى مَا فِيهِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِلْعَبْدِ، كَالْقَذْفِ وَالسَّرِقَةِ:
فَالْعَفْوُ بِالنِّسْبَةِ لِلنَّوْعِ الأَْوَّل هُوَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالآْخِرَةِ، فَإِذَا لَمْ يَتُبْ مُرْتَكِبُ الْكَبِيرَةِ فَهُوَ عِنْدَ أَهْل السُّنَّةِ فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ وَعَفْوِهِ (70) ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} ، وَقَوْلُهُ ﷺ: تُبَايِعُونِي عَلَى أَنْ لاَ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا، وَلاَ تَسْرِقُوا، وَلاَ تَزْنُوا، وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ، وَلاَ تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ، وَلاَ تَعْصُوا فِي مَعْرُوفٍ، فَمَنْ وَفَّى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَسَتَرَهُ اللَّهُ فَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ: إِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ وَإِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ قَال: فَبَايَعْنَاهُ عَلَى ذَلِكَ (71) .
قَال الْقُرْطُبِيُّ: الْكَبَائِرُ عِنْدَ أَهْل السُّنَّةِ تُغْفَرُ لِمَنْ أَقْلَعَ عَنْهَا قَبْل الْمَوْتِ، وَقَدْ يَغْفِرُ لِمَنْ مَاتَ عَلَيْهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَمَا قَال تَعَالَى: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} ، وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ مَنْ مَاتَ عَلَى الذُّنُوبِ، فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ مَنْ تَابَ قَبْل الْمَوْتِ لَمْ تَكُنْ لِلتَّفْرِقَةِ بَيْنَ الإِْشْرَاكِ وَغَيْرِهِ مَعْنًى، إِذِ التَّائِبُ مِنَ الشِّرْكِ أَيْضًا مَغْفُورٌ لَهُ (72) .
وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْكَبَائِرِ الَّتِي فِيهَا اعْتِدَاءٌ عَلَى حَقِّ اللَّهِ وَحُقُوقِ الْعِبَادِ فَالْحُكْمُ فِي الْعَفْوِ عَنْهَا فِيهِ تَفْصِيلٌ:
أ - إِنْ كَانَتِ الْكَبِيرَةُ جِنَايَةً عَلَى النَّفْسِ أَوْ مَا دُونَهَا عَمْدًا عُدْوَانًا فَلأَِوْلِيَاءِ الدَّمِ - أَوِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ إِنْ بَقِيَ حَيًّا - الْمُطَالَبَةُ بِالْقِصَاصِ أَوِ الدِّيَةِ أَوِ الْعَفْوِ (73) ، وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ عَفْوٌ. ف 18 وَمَا بَعْدَهَا) .
ب - وَإِذَا كَانَتِ الْكَبِيرَةُ سَرِقَةً يَجُوزُ عَفْوُ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ عَنِ السَّارِقِ قَبْل بُلُوغِ الإِْمَامِ، فَيَسْقُطُ الْحَدُّ (74) ، وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ (سَرِقَةٌ ف 72) .
ج - وَإِذَا كَانَتِ الْكَبِيرَةُ حِرَابَةً وَتَابَ الْمُحَارِبُونَ قَبْل أَنْ يُقْدَرَ عَلَيْهِمْ سَقَطَ عَنْهُمْ حَدُّ الْحِرَابَةِ مِنَ الْقَتْل أَوِ الصَّلْبِ أَوِ الْقَطْعِ أَوِ النَّفْيِ، لاَ إِنْ تَابُوا بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ، وَفِي الْحَالَتَيْنِ لاَ تَسْقُطُ عَنْهُمْ حُقُوقُ الْعِبَادِ مِنَ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا وَالدِّيَاتِ وَغَرَامَةِ الْمَال فِيمَا لاَ قِصَاصَ فِيهِ.
وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ (حِرَابَةٌ ف 24) .
د - لاَ يَجُوزُ الْعَفْوُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْحُدُودِ بَعْدَ أَنْ تَبْلُغَ الإِْمَامَ، كَمَا تَحْرُمُ الشَّفَاعَةُ وَطَلَبُ الْعَفْوِ (75) ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ ﵂ أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّتْهُمُ الْمَرْأَةُ الْمَخْزُومِيَّةُ الَّتِي سَرَقَتْ، فَقَالُوا: مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُول اللَّهِ ﷺ وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلاَّ أُسَامَةُ حِبُّ رَسُول اللَّهِ ﷺ؟ فَكَلَّمَ رَسُول اللَّهِ ﷺ فَقَال: أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ؟ ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ فَقَال: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا ضَل مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ الضَّعِيفُ فِيهِمْ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعَ مُحَمَّدٌ يَدَهَا (76) .
هـ - الْعَفْوُ فِي الْكَبَائِرِ الَّتِي فِيهَا تَعْزِيرٌ جَائِزٌ لِلإِْمَامِ إِذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي الْعَفْوِ، وَاسْتَثْنَى ابْنُ قُدَامَةَ مَا لَوْ كَانَ التَّعْزِيرُ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ (77) ، وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ (عَفْوٌ ف 32) .
أَثَرُ التَّوْبَةِ فِي انْتِفَاءِ الْفِسْقِ عَنْ مُرْتَكِبِ الْكَبِيرَةِ، وَأَثَرُهَا فِي تَكْفِيرِ الْكَبَائِرِ:
15 - ذَهَبَ الْجُمْهُورُ، وَهُوَ رَأْيُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَصَفْوَانِ بْنِ سُلَيْمٍ، إِلَى أَنَّ إِقَامَةَ الْحَدِّ لَيْسَ بِكَفَّارَةٍ، وَلاَ بُدَّ مَعَهُ مِنَ التَّوْبَةِ؛ لأَِنَّهَا فَرْضٌ لاَزِمٌ عَلَى الْعِبَادِ، قَال ابْنُ رُشْدٍ (الْجَدُّ) الْحَدُّ يَرْفَعُ الإِْثْمَ وَيَبْقَى عَلَيْهِ حُكْمُ الْفِسْقِ، مَا لَمْ يَتُبْ وَتَظْهَرْ تَوْبَتُهُ.
وَذَهَبَ مُجَاهِدٌ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ إِلَى أَنَّ إِقَامَةَ الْحَدِّ بِمُجَرَّدِهِ كَفَّارَةٌ (78) ، وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رَوَاهُ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ ﵁ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ (79) .
قَال الْمِنْهَاجِيُّ: التَّوْبَةُ فِيمَا بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَهِيَ تُسْقِطُ الإِْثْمَ، وَيُشْتَرَطُ فِيهَا إِقْلاَعٌ، وَنَدَمٌ، وَعَزْمٌ أَنْ لاَ يَعُودَ، وَتَبْرِئَةُ ذِمَّتِهِ مِنْ حَقٍّ مَالِيٍّ إِنْ تَعَلَّقَتْ بِهِ، كَمَنْعِ زَكَاةٍ أَوْ غَصْبٍ، بِرَدِّهِ أَوْ بَدَلِهِ إِنْ تَلِفَ، قَال ابْنُ مُفْلِحٍ: وَيُعْتَبَرُ رَدُّ الْمَظْلِمَةِ وَأَنْ يَسْتَحِلَّهُ أَوْ يَسْتَمْهِلَهُ، وَهَذَا فِي الأَْمْوَال، أَمَّا فِي مِثْل الْقَذْفِ وَالْغِيبَةِ فَقَدْ قَال الْكَرْمِيُّ: لاَ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ التَّوْبَةِ مِنْهَا إِعْلاَمُهُ وَالتَّحَلُّل مِنْهُ، بَل يَحْرُمُ إِعْلاَمُهُ (أَيْ: لِدَرْءِ الْفِتْنَةِ) ثُمَّ قَال الْمِنْهَاجِيُّ: أَمَّا التَّوْبَةُ الظَّاهِرَةُ الَّتِي تَعُودُ بِهَا الشَّهَادَةُ وَالْوِلاَيَةُ فَالْمَعَاصِي إِنْ كَانَتْ قَوْلِيَّةً شُرِطَ فِيهَا الْقَوْل، فَيَقُول فِي الْقَذْفِ: قَذْفِي بَاطِلٌ وَلاَ أَعُودُ إِلَيْهِ، أَوْ مَا كُنْتَ مُحِقًّا فِي قَذْفِي (80) .
وَهَل مِنْ شُرُوطِ تَوْبَتِهِ إِصْلاَحُ الْعَمَل وَالْكَفُّ عَنِ الْمَعْصِيَةِ سَنَةً؟ قَال أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: مُجَرَّدُ التَّوْبَةِ كَافٍ، وَقَال مَالِكٌ: يُشْتَرَطُ صَلاَحُ حَالِهِ أَوِ الزِّيَادَةُ فِي صَلاَحِهَا.
وَقَال بَعْضُهُمْ: ظُهُورُ أَفْعَال الْخَيْرِ عَلَيْهِ وَالتَّقَرُّبُ بِالطَّاعَاتِ مِنْ غَيْرِ حَدٍّ بِسَنَةٍ وَلاَ غَيْرِهَا (81) .
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَقْوَالٌ: فَفِي الْخَانِيَّةِ: الْفَاسِقُ إِذَا تَابَ لاَ تُقْبَل شَهَادَتُهُ مَا لَمْ يَمْضِ عَلَيْهِ زَمَنٌ تَظْهَرُ فِيهِ التَّوْبَةُ، ثُمَّ بَعْضُهُمْ قَدَّرَهُ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَبَعْضُهُمْ قَدَّرَهُ بِسَنَةٍ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ ذَلِكَ مُفَوَّضٌ إِلَى رَأْيِ الْقَاضِي وَالْمُعَدِّل، وَفِي الْخُلاَصَةِ: وَلَوْ كَانَ عَدْلاً فَشَهِدَ بِزُورٍ ثُمَّ تَابَ وَشَهِدَ تُقْبَل تَوْبَتُهُ مِنْ غَيْرِ مُدَّةٍ (82) .
وَهَذَا فِي الْكَبَائِرِ كُلِّهَا عَدَا الْقَذْفَ فَفِيهِ خِلاَفٌ، بَعْدَ الاِتِّفَاقِ عَلَى زَوَال اسْمِ الْفِسْقِ عَنْهُ بِالتَّوْبَةِ:
ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ تُقْبَل شَهَادَةُ الْقَاذِفِ إِنْ تَابَ سَوَاءٌ أَكَانَتْ تَوْبَتُهُ قَبْل الْحَدِّ أَمْ بَعْدَهُ.
وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلاَ تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا} وَقَالُوا: الاِسْتِثْنَاءُ فِي سِيَاقِ الْكَلاَمِ عَلَى أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ إِلاَّ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ ذَلِكَ خَبَرٌ، وَلأَِنَّ رَدَّ الشَّهَادَةِ مُسْتَنِدٌ إِلَى الْفِسْقِ، وَقَدِ ارْتَفَعَ بِالتَّوْبَةِ، لَكِنَّ مَالِكًا اشْتَرَطَ أَنْ لاَ تُقْبَل شَهَادَتُهُ فِي مِثْل الْحَدِّ الَّذِي أُقِيمَ عَلَيْهِ.
وَذَهَبَ الشَّعْبِيُّ وَالْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ وَمَسْرُوقٌ وَشُرَيْحٌ وَالْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ تُقْبَل شَهَادَةُ الْقَاذِفِ وَإِنْ تَابَ إِذَا كَانَتْ تَوْبَتُهُ بَعْدَ الْحَدِّ، وَقَالُوا: إِنَّ الاِسْتِثْنَاءَ فِي الآْيَةِ عَائِدٌ إِلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ، وَهُوَ الْفِسْقُ، وَلاَ يَرْجِعُ إِلَى مَا قَبْلَهُ، وَهُوَ عَدَمُ قَبُول الشَّهَادَةِ، لأَِنَّهُ مُقْتَرِنٌ بِالتَّأْبِيدِ، وَلأَِنَّ الْمَنْعَ مِنْ قَبُول الشَّهَادَةِ جُعِل مِنْ تَمَامِ عُقُوبَةِ الْقَاذِفِ، وَلِهَذَا لاَ يَتَرَتَّبُ الْمَنْعُ - عِنْدَهُمْ - إِلاَّ بَعْدَ الْحَدِّ، وَمَا كَانَ مِنَ الْحُدُودِ وَلَوَازِمِهَا لاَ يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ، فَلَوْ قَذَفَ وَلَمْ يُحَدَّ لَمْ تُرَدَّ شَهَادَتُهُ (83) ، وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ (قَذْفٌ ف 21) .
تَكْفِيرُ الصَّغَائِرِ بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ:
16 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَجَمَاعَةُ أَهْل التَّفْسِيرِ إِلَى أَنَّ الصَّغَائِرَ تُكَفَّرُ بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيمًا} ، وقَوْله تَعَالَى: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِْثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ} .
كَمَا اسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَال: الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتُنِبَتِ الْكَبَائِرُ (84) .
وَذَهَبَ الأُْصُولِيُّونَ - كَمَا قَال الْقُرْطُبِيُّ - إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجِبُ عَلَى الْقَطْعِ تَكْفِيرُ الصَّغَائِرِ بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ، وَإِنَّمَا مَحْمَل ذَلِكَ عَلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ وَقُوَّةِ الرَّجَاءِ، وَالْمَشِيئَةُ ثَابِتَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} ، قَالُوا وَلاَ ذَنْبَ عِنْدَنَا يُغْفَرُ وَاجِبًا بِاجْتِنَابِ ذَنْبٍ آخَرَ، وَدَل عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ قَطَعْنَا لِمُجْتَنِبِ الْكَبَائِرِ وَمُمْتَثِل الْفَرَائِضِ بِتَكْفِيرِ صَغَائِرِهِ قَطْعًا لَكَانَتْ لَهُ فِي حُكْمِ الْمُبَاحِ الَّذِي نَقْطَعُ بِأَنَّهُ لاَ تِبَاعَةَ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ نَقْضٌ لِعُرَى الشَّرِيعَةِ، كَمَا اسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ: مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ، فَقَال لَهُ رَجُلٌ: وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُول اللَّهِ؟ قَال: وَإِنْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ (85) فَقَدْ جَاءَ الْوَعِيدُ الشَّدِيدُ عَلَى الْيَسِيرِ كَمَا جَاءَ عَلَى الْكَثِيرِ.
قَال الْقُرْطُبِيُّ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَغْفِرُ الصَّغَائِرَ بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ لَكِنْ بِضَمِيمَةٍ أُخْرَى إِلَى الاِجْتِنَابِ، وَهِيَ إِقَامَةُ الْفَرَائِضِ (86) .
وَاخْتُلِفَ هَل شَرْطُ التَّكْفِيرِ لِلصَّغَائِرِ عَدَمُ مُلاَبَسَتِهِ لِشَيْءٍ مِنَ الْكَبَائِرِ أَوْ لاَ يُشْتَرَطُ؟ حَكَى ابْنُ عَطِيَّةَ وَغَيْرُهُ عَنِ الْجُمْهُورِ الاِشْتِرَاطَ، لِظَاهِرِ حَدِيثِ: الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتُ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتُنِبَتِ الْكَبَائِرُ (87) وَاخْتَارَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ، قَالُوا: وَالشَّرْطُ فِي الْحَدِيثِ بِمَعْنَى الاِسْتِثْنَاءِ، وَالتَّقْدِيرُ: مُكَفِّرَاتُ مَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ الْكَبَائِرَ.
وَيُسَاعِدُ ذَلِكَ مُطْلَقُ الأَْحَادِيثِ الْمُصَرِّحَةِ بِالتَّكْفِيرِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ (88) .
تَكْفِيرُ الْحَجِّ لِلْكَبَائِرِ:
17 - رَوَى عَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ ﵁ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ دَعَا لأُِمَّتِهِ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ بِالْمَغْفِرَةِ فَأُجِيبَ: إِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ مَا خَلاَ الظَّالِمَ فَإِنِّي آخِذٌ لِلْمَظْلُومِ مِنْهُ، قَال: أَيْ رَبِّ، إِنْ شِئْتَ أَعْطَيْتَ الْمَظْلُومَ مِنَ الْجَنَّةِ وَغَفَرْتَ لِلظَّالِمِ، فَلَمْ يُجَبْ عَشِيَّتَهُ، فَلَمَّا أَصْبَحَ بِالْمُزْدَلِفَةِ أَعَادَ الدُّعَاءَ، فَأُجِيبَ إِلَى مَا سَأَل (89) . . .، وَرَوَى ابْنُ الْمُبَارَكِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: إِنَّ اللَّهَ ﷿ غَفَرَ لأَِهْل عَرَفَاتٍ وَأَهْل الْمَشْعَرِ وَضَمِنَ عَنْهُمُ التَّبِعَاتِ، فَقَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ﵁ فَقَال: يَا رَسُول اللَّهِ، هَذَا لَنَا خَاصَّةً؟ قَال: هَذَا لَكُمْ وَلِمَنْ أَتَى مِنْ بَعْدِكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَقَال عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ﵁: كَثُرَ خَيْرُ اللَّهِ وَطَابَ (90) ، قَال ابْنُ عَابِدِينَ: وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ وَسَاقَ فِيهِ أَحَادِيثَ أُخَرَ، وَالْحَاصِل أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ مَاجَهْ - وَإِنْ ضُعِّفَ - فَلَهُ شَوَاهِدُ تُصَحِّحُهُ، وَالآْيَةُ أَيْضًا تُؤَيِّدُهُ، وَمِمَّا يَشْهَدُ لَهُ أَيْضًا حَدِيثُ: مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ (91) ، وَقَوْلُهُ ﷺ لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الإِْسْلاَمَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ، وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهَا، وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ (92) .
لَكِنْ ذَكَرَ الأَْكْمَل فِي شَرْحِ الْمَشَارِقِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْحَرْبِيَّ تَحْبَطُ ذُنُوبُهُ كُلُّهَا بِالإِْسْلاَمِ وَالْهِجْرَةِ وَالْحَجِّ حَتَّى لَوْ قَتَل وَأَخَذَ الْمَال وَأَحْرَزَهُ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ أَسْلَمَ لَمْ يُؤَاخَذْ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَعَلَى هَذَا كَانَ الإِْسْلاَمُ كَافِيًا فِي تَحْصِيل مُرَادِهِ وَلَكِنْ ذَكَرَ ﷺ الْهِجْرَةَ وَالْحَجَّ تَأْكِيدًا فِي بِشَارَتِهِ وَتَرْغِيبًا فِي مُبَايَعَتِهِ فَإِنَّ الْهِجْرَةَ وَالْحَجَّ لاَ يُكَفِّرَانِ الْمَظَالِمَ وَلاَ يُقْطَعُ فِيهِمَا بِمَحْوِ الْكَبَائِرِ وَإِنَّمَا يُكَفِّرَانِ الصَّغَائِرَ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَال وَالْكَبَائِرَ الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ حُقُوقِ أَحَدٍ كَإِسْلاَمِ الذِّمِّيِّ، وَكَذَا ذَكَرَ الإِْمَامُ الطِّيبِيُّ فِي شَرْحِهِ وَقَال: إِنَّ الشَّارِحِينَ اتَّفَقُوا عَلَيْهِ، وَهَكَذَا ذَكَرَ النَّوَوِيُّ وَالْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ.
قَال ابْنُ عَابِدِينَ: وَفِي شَرْحِ اللُّبَابِ: وَمَشَى الطِّيبِيُّ عَلَى أَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ الْكَبَائِرَ وَالْمَظَالِمَ، وَوَقَعَ مُنَازَعَةٌ غَرِيبَةٌ بَيْنَ أَمِيرِ بَادْشَاهْ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ حَيْثُ مَال إِلَى قَوْل الطِّيبِيِّ، وَبَيْنَ الشَّيْخِ ابْنِ حَجَرٍ الْمَكِّيِّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَقَدْ مَال إِلَى قَوْل الْجُمْهُورِ، وَكَتَبْتُ رِسَالَةً فِي بَيَانِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَظَاهِرُ كَلاَمِ الْفَتْحِ الْمَيْل إِلَى تَكْفِيرِ الْمَظَالِمِ أَيْضًا، وَعَلَيْهِ مَشَى الإِْمَامُ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْقُرْطُبِيُّ.
وَقَال عِيَاضٌ: هُوَ مَحْمُولٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَظَالِمِ عَلَى مَنْ تَابَ وَعَجَزَ عَنْ وَفَائِهَا، وَالْحَاصِل أَنَّ تَأْخِيرَ الدَّيْنِ وَغَيْرِهِ، وَتَأْخِيرَ نَحْوِ الصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ مِنْ حُقُوقِهِ تَعَالَى، فَيَسْقُطُ إِثْمُ التَّأْخِيرِ فَقَطْ عَمَّا مَضَى دُونَ الأَْصْل وَدُونَ التَّأْخِيرِ الْمُسْتَقْبَل، وَنَقَلَهُ عَنِ التِّرْمِذِيِّ وَاللَّقَانِيِّ، وَاسْتَظْهَرَ ابْنُ عَابِدِينَ سُقُوطَ الدَّيْنِ أَيْضًا عِنْدَ الْعَجْزِ كَمَا قَال عِيَاضٌ لَكِنَّ تَقْيِيدَ عِيَاضٍ بِالتَّوْبَةِ وَالْعَجْزِ غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لأَِنَّ التَّوْبَةَ مُكَفِّرَةٌ بِنَفْسِهَا، وَهِيَ إِنَّمَا تُسْقِطُ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى لاَ حَقَّ الْعَبْدِ، فَتَعَيَّنَ كَوْنُ الْمُسْقِطِ هُوَ الْحَجَّ كَمَا اقْتَضَتْهُ الأَْحَادِيثُ (93) .
قَال ابْنُ نُجَيْمٍ: وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْحَجَّ لاَ يُكَفِّرُ الْكَبَائِرَ، وَلَيْسَ مُرَادُ الْقَائِل بِأَنَّهُ يُكَفِّرُهَا أَنَّهُ يُسْقِطُ عَنْهُ قَضَاءَ مَا لَزِمَهُ مِنَ الْعِبَادَاتِ وَتَرَكَهُ وَالْمَظَالِمَ وَالدَّيْنَ، وَإِنَّمَا مُرَادُهُ أَنَّهُ يُكَفِّرُ إِثْمَ تَأْخِيرِ ذَلِكَ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْهُ طُولِبَ بِقَضَاءِ مَا لَزِمَهُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَل مَعَ قُدْرَتِهِ فَقَدِ ارْتَكَبَ الآْنَ الْكَبِيرَةَ الأُْخْرَى (94) ، وَالْمَسْأَلَةُ ظَنِّيَّةٌ، فَلاَ يُقْطَعُ بِتَكْفِيرِ الْحَجِّ لِلْكَبَائِرِ مِنْ حُقُوقِهِ تَعَالَى، فَضْلاً عَنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ (95) . شَفَاعَتُهُ ﷺ لأَِهْل الْكَبَائِرِ وَعَدَمُ خُلُودِهِمْ فِي النَّارِ.
18 - لِلنَّبِيِّ ﷺ مِنَ الشَّفَاعَاتِ الْخَاصَّةِ بِهِ شَفَاعَتُهُ فِي قَوْمٍ اسْتَوْجَبُوا النَّارَ بِأَعْمَالِهِمْ، فَيَشْفَعُ فِيهِمْ، فَلاَ يَدْخُلُونَهَا، هَذَا مَذْهَبُ أَهْل السُّنَّةِ.
وَقَدْ جَزَمَ السُّيُوطِيُّ فِي الْخَصَائِصِ بِأَنَّ هَذِهِ الشَّفَاعَةَ مِنْ خَصَائِصِهِ ﷺ وَجَزَمَ الْقَاضِي وَابْنُ السُّبْكِيِّ بِعَدَمِ اخْتِصَاصِهِ ﷺ بِهَا، وَأَشَارَ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ إِلَى أَنَّهُ يُشَارِكُهُ فِيهِ ﷺ الْمَلاَئِكَةُ وَالأَْنْبِيَاءُ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَالْمُؤْمِنُونَ.
وَهَذِهِ الشَّفَاعَةُ هِيَ غَيْرُ الشَّفَاعَةِ الْعَامَّةِ أَوِ الْعُظْمَى لِفَصْل الْقَضَاءِ بَيْنَ النَّاسِ بَعْدَ الْمَحْشَرِ، فَتِلْكَ تَعُمُّ جَمِيعَ الْخَلْقِ، وَهِيَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا بَيْنَ الأُْمَّةِ أَنَّهَا مِنْ خَصَائِصِهِ (96) .
قَال الأَْشْعَرِيُّ: أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّ لِرَسُول اللَّهِ ﷺ شَفَاعَةً. . . وَهِيَ لِلْمُذْنِبِينَ الْمُرْتَكِبِينَ الْكَبَائِرَ (97) .
وَاسْتَدَلُّوا لِشَفَاعَتِهِ ﷺ فِي أَهْل الْكَبَائِرِ بِمَا رَوَى أَنَسٌ ﵁ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: شَفَاعَتِي لأَِهْل الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي (98) . قَال ابْنُ أَبِي الْعِزِّ: تَوَاتَرَتِ الأَْحَادِيثُ فِي شَفَاعَتِهِ ﷺ فِي أَهْل الْكَبَائِرِ، وَقَدْ خَفِيَ عِلْمُ ذَلِكَ عَنِ الْخَوَارِجِ وَالْمُعْتَزِلَةِ (1) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (شَفَاعَةٌ ف 6)
__________
(1) المصباح المنير للفيومي مادة (كبر) .
(2) النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير 4 / 5، وتفسير القرطبي 5 / 161 و17 / 106.
(3) البحر المحيط في أصول الفقه للزركشي 4 / 276.
(4) حديث: " اجتنبوا السبع الموبقات. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 5 / 393) ومسلم (1 / 92) من حديث أبي هريرة.
(5) البحر المحيط للزركشي 4 / 276.
(6) القاموس، والنهاية.
(7) الفروق للقرافي 4 / 66.
(8) الصحاح والنهاية وتفسير القرطبي 17 / 106 - 107، والمغني 10 / 235.
(9) حديث: " اجتنبوا السبع الموبقات. . . ". سبق تخريجه ف1.
(10) حديث: " ألا أنبئكم بأكبر الكبائر. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 10 / 405) ومسلم (1 / 91) من حديث أبي بكرة.
(11) فتح الباري 10 / 423، والزواجر 1 / 5.
(12) تفسير القرطبي 5 / 159، والفروق للقرافي 4 / 66، والزواجر 1 / 5، وفتح الباري 10 / 424.
(13) أثر ابن عباس: " كل ما نهى الله عنه كبيرة ". أخرجه ابن جرير في تفسيره (5 / 40) .
(14) الفروق للقرافي 4 / 66.
(15) إحكام الأحكام لابن دقيق العيد 2 / 294.
(16) تبيين الحقائق للزيلعي 4 / 222، وفتح القدير لابن الهمام 6 / 38، وجواهر العقود للمنهاجي 2 / 436.
(17) مطالب أولي النهى 6 / 612، وفتح الباري 10 / 150، والفروع لابن مفلح 6 / 564، والزاوجر للهيتمي 1 / 5 - 8.
(18) نهاية المحتاج بحاشية الشبراملسي 8 / 278، والزواجر 1 / 7.
(19) البحر المحيط 4 / 276.
(20) الزواجر / 6.
(21) تفسير ابن كثير 1 / 481 - 486، وفتح الباري 10 / 149، وتفسير القرطبي 5 / 160، والبحر المحيط للزركشي 4 / 276.
(22) الزواجر 1 / 9.
(23) تفسير القرطبي 5 / 160.
(24) حديث عبد الله بن عمرو: " الكبائر: الإشراك بالله. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 16 / 555) .
(25) حديث أنس: " ذكر رسول الله ﷺ الكبائر. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 10 / 405) ومسلم (1 / 92) .
(26) الزواجر 1 / 7.
(27) حديث: " اجتنبوا السبع الموبقات. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 5 / 393) ومسلم (1 / 92) .
(28) الزواجر 1 / 7.
(29) فتح الباري 10 / 149.
(30) البحر المحيط للزركشي 4 / 276 - 277، والكبائر للذهبي ص2.
(31) حديث: " الكبائر تسع. . . ". أخرجه البخاري في الأدب المفرد (ص13) من حديث ابن عمر موقوفًا عليه.
(32) الزواجر 1 / 9.
(33) منح الجليل شرح مختصر خليل للشيخ عليش 4 / 219.
(34) الزواجر 1 / 4.
(35) فتح الباري 10 / 148.
(36) الفروق للقرافي 4 / 66.
(37) حديث أبي بكرة: " ألا أنبئكم بأكبر الكبائر. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 10 / 405) ومسلم (1 / 91) ، والرواية الأخرى أخرجها البخاري (5 / 261) .
(38) إحكام الأحكام لابن دقيق العيد 2 / 294.
(39) فتح الباري 10 / 425.
(40) حديث أنس. . . سبق تخريجه ف6.
(41) حديث ابن مسعود: " أي الذنب أعظم. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 12 / 114) .
(42) حديث عبد الله بن عمرو في الكبائر. أخرجه الترمذي (5 / 236) وقال: " حديث حسن صحيح ".
(43) حديث " استطالة المرء. . . ". عزاه ابن حجر في فتح الباري (10 / 114) إلى ابن أبي حاتم وحسن إسناده.
(44) حديث بريدة في منع فضل الماء والفحل. عزاه ابن حجر في الفتح (10 / 411) إلى البزار وضعف إسناده.
(45) حديث ابن عمر في سوء الظن بالله. عزاه ابن حجر في الفتح (10 / 411) إلى ابن مردويه وضعف إسناده.
(46) حديث أبي هريرة: " ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 13 / 528) .
(47) حديث عائشة: " أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم ". أخرجه البخاري (فتح الباري 13 / 180) ومسلم (4 / 2054) .
(48) حديث عبد الله بن عمرو: " إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه ". أخرجه البخاري (فتح الباري 10 / 403) ومسلم (1 / 92) واللفظ للبخاري.
(49) شرح السيواسي لرسالة الصغائر والكبائر 39.
(50) الفروق 4 / 66.
(51) لوامع الأنوار البهية للسفاريني 2 / 368، وشرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز 247، 301.
(52) المستصفى للغزالي 1 / 100.
(53) مراتب الإجماع لابن حزم 23، والبدائع 6 / 270.
(54) جواهر الإكليل 2 / 233، وكفاية الطالب لأبي الحسن 2 / 316.
(55) الفروق وحاشية ابن الشاط 4 / 65، وتهذيب الفروق 4 / 111.
(56) الخرشي 7 / 677.
(57) مغني المحتاج 4 / 428.
(58) البحر المحيط للزركشي 4 / 274.
(59) الفروق للقرافي وحاشية ابن الشاط 4 / 67.
(60) البحر المحيط 4 / 277.
(61) البحر المحيط 4 / 277.
(62) نهاية المحتاج 8 / 279، وشرح المنار وحواشيه 2 / 636.
(63) حواشي شرح المنار نقلاً عن قمر الأقمار 2 / 636، وتيسير التحرير لأمير بادشاه 3 / 44، وتقرير التحبير لابن أمير حاج 2 / 242.
(64) البحر المحيط للزركشي 4 / 274، 277.
(65) المغني لابن قدامة 10 / 235 وذكر أن القاضي أبا يعلى ضبطه بالمداومة.
(66) القليوبي 4 / 174.
(67) حديث حذيفة: " إن قذف المحصنة يهدم عمل مائة سنة ". أورده الهيثمي في المجمع (6 / 279) وقال: رواه الطبراني والبزار، وفيه ليث بن أبي سليم وهو ضعيف، وقد يحسن حديثه، وبقية رجاله رجال الصحيح.
(68) حديث عائشة وقولها: " لقد أبطل جهاده مع رسول الله ﷺ ". أخرجه عبد الرزاق في المصنف (8 / 185) .
(69) الزواجر 2 / 102، وحديث: " من أتى عرافًا فسأله. . . ". أخرجه مسلم (4 / 1751) .
(70) لوامع الأنوار للسفاريني 1 / 368، وشرح العقيدة الطحاوية 303.
(71) حديث: " تبايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئًا. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 13 / 203) من حديث عبادة بن الصامت. وانظر لوامع الأنوار للسفاريني 1 / 368، وشرح العقيدة الطحاوية 303.
(72) تفسير القرطبي 5 / 161.
(73) المبسوط 26 / 158، والدسوقي 2 / 307، والمهذب 2 / 201، والسياسة الشرعية لابن تيمية 148، والمغني 9 / 463، 469.
(74) السياسة الشرعية لابن تيمية 65، والمغني 10 / 294، 300، 304.
(75) السياسة الشرعية لابن تيمية 65.
(76) حديث عائشة: " أن قريشًا أهمتهم المرأة المخزومية. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 12 / 87) ومسلم (3 / 1315) واللفظ للبخاري.
(77) المغني لابن قدامة 10 / 349.
(78) لوامع الأنوار للسفاريني 1 / 376، البيان والتحصيل لابن رشد 10 / 149.
(79) حديث عبادة بن الصامت: " ومن أصاب من ذلك. . . ". تقدم تخريجه ف14.
(80) جواهر العقود للمنهاجي 2 / 437، والبيان والتحصيل لابن رشد 10 / 149، والفروع لابن مفلح 6 / 569، وعناية المنتهي للكرمي 3 / 474، ورحمة الأمة 2 / 232.
(81) شرح زروق على الرسالة 2 / 284.
(82) حاشية ابن عابدين 5 / 474، ورحمة الأمة 2 / 233 - 235، والميزان للشعراني 2 / 215.
(83) بداية المجتهد 2 / 462، وإعلام الموقعين 1 / 104 - 109، والفروع لابن مفلح 6 / 568، ورحمة الأمة 2 / 235، والمحرر بحاشية ابن مفلح 2 / 251 - 256، والمبسوط للسرخسي 16 / 125 - 129 وقد أطال السرخسي وابن مفلح وابن القيم في مناقشات القولين.
(84) حديث أبي هريرة: " الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة. . . ". أخرجه مسلم (1 / 209) .
(85) حديث: " من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه. . . ". أخرجه مسلم (1 / 122) من حديث أبي أمامة.
(86) تفسير القرطبي 5 / 158، وفتح الباري 10 / 423، والمحلي لابن حزم 9 / 393، والبحر المحيط للزركشي 4 / 278.
(87) حديث: " الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة. . . ". تقدم تخريجه ف16.
(88) البحر المحيط للزركشي 4 / 278، وتفسير القرطبي 5 / 158.
(89) حديث عباس بن مرداس: " أن رسول الله ﷺ دعا لأمته عشية عرفة بالمغفرة. . . ". أخرجه ابن ماجه (2 / 1002) وضعف إسناده البوصيري في مصباح الزجاجة (2 / 140) . وقال البيهقي: له شواهد كثيرة ذكرناها في كتاب الشعب، فإن صح بشواهده ففيه الحجة، وإلا فقد قال تعالى: (ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) وظلم بعضهم بعضًا دون الشرك (ابن عابدين 2 / 623) .
(90) حديث: " إن الله ﷿ غفر لأهل عرفات. . . ". عزاه المنذري في الترغيب (2 / 157) إلى ابن المبارك، وقال ابن حجر في قوة الحجاج ص29: إن ثبت سنده إلى عبد الله بن المبارك فهو على شرط الصحيح.
(91) حديث: " من حج ولم يرفث ولم يفسق. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 3 / 382) ومسلم (2 / 983) من حديث أبي هريرة.
(92) حديث: " أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله. . . ". أخرجه مسلم (1 / 112) .
(93) حاشية ابن عابدين 2 / 622 - 623.
(94) رسالة الصغائر والكبائر لابن نجيم بشرح السيواسي 54.
(95) حاشية ابن عابدين (2 / 624) نقلاً عن البحر الرائق.
(96) شرح العقيدة الطحاوية 165 - 167، ولوامع الأنوار للسفاريني 2 / 218.
(97) الإبانة للأشعري 294.
(98) حديث أنس: " شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي. . . ". أخرجه الترمذي (4 / 625) وقال: حديث حسن صحيح.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 148/ 34
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".