الرب
كلمة (الرب) في اللغة تعود إلى معنى التربية وهي الإنشاء...
المكث في المكان على سبيل الاستقرار، والدوام . ومن أمثلته سكنى الزوجة على الزوج . قال تعالى : ﱫﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﱪ الطلاق :٦ .
السُكْنَى -بِضَمِّ السِّيْنِ وَإِسْكَانِ الكَافِ وَالأَلِفِ الـمَقْصُوْرَةِ-: مصدرُ سَكَنَ بالـمَكَانِ يَسْكُنُ سُكْنَىً وَسُكُوْناً، أَيْ أَقَامَ، فَمَعْنى السُّكْنى الإِقَامَةُ وَالاسْتِقْرَارُ، وَقَدْ تُطْلَقُ عَلَى الـمَسْكَنِ نَفْسِهِ.
يَرِدُ إِطْلاقُ مُصْطَلَحِ السُكْنى بِـمَعْنى الإِقَامَةِ في الـمَكانِ، في مَواطِنَ مِنْ كُتُبِ الفقهِ وَأَبْوَابِهِ، منها: كِتابُ الصَلاةِ في بابِ قَصْرِ الصَّلاةِ، وكِتابُ الزَّكاةِ في بابِ إِخْراجِ الزَّكاةِ، وكِتابُ الحَجِّ في بابِ مَواقيتِ الحَجِّ، وكِتابُ النِّكاحِ في بابِ عِدَةِ الـمُطَلَّقَةِ، وبابِ الإِحْدادِ، وكِتابُ البيعِ في بابِ الإِجارَةِ، وبابِ الرَهْنِ، وبابِ الهِبَةُ و الصَدَقَةِ، وَغَيْرِهَا.
سكن
المكث في المكان على سبيل الاستقرار، والدوام.
* تهذيب اللغة : 10/ 40 - المحكم والمحيط الأعظم : 6/ 719 - الصحاح : 6/ 719 - طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية : 2/ 283 - التوقيف على مهمات التعاريف : 411 - تهذيب اللغة : 10/ 40 - المحكم والمحيط الأعظم : 6/ 719 - الصحاح : 5/ 2136 - طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية : 2/ 283 - التوقيف على مهمات التعاريف : 411 -
التَّعْرِيفُ:
1 - السُّكْنَى اسْمُ مَصْدَرٍ مِنَ السَّكَنِ، وَهُوَ الْقَرَارُ فِي الْمَكَانِ الْمُعَدِّ لِذَلِكَ، وَالْمَسْكَنُ بِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِهَا، الْمَنْزِل أَوِ الْبَيْتُ، وَالْجَمْعُ مَسَاكِنُ. وَالسُّكُونُ ضِدُّ الْحَرَكَةِ، يُقَال: سَكَنَ بِمَعْنَى هَدَأَ وَسَكَتَ (1) .
وَاصْطِلاَحًا هِيَ الْمُكْثُ فِي مَكَانٍ عَلَى سَبِيل الاِسْتِقْرَارِ وَالدَّوَامِ (2) .
طَبِيعَةُ حَقِّ السُّكْنَى:
2 - مِنَ الْمُسَلَّمِ بِهِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ أَنَّ السُّكْنَى مَنْفَعَةٌ مِنَ الْمَنَافِعِ، وَأَنَّهَا مَنْفَعَةٌ عَرَضِيَّةٌ قَائِمَةٌ بِالْعَيْنِ مُتَعَلِّقَةٌ بِهَا، وَأَنَّ السُّكْنَى لَهَا وُجُودٌ وَإِنْ كَانَ لاَ يَسْتَمِرُّ زَمَنًا طَوِيلاً.
وَعَلَى ذَلِكَ فَحَقُّ السُّكْنَى - لِكَوْنِهِ حَقَّ مَنْفَعَةٍ - أَعَمُّ وَأَشْمَل مِنْ حَقِّ الاِنْتِفَاعِ، وَأَنَّ الْمِلْكَ فِي حَقِّ السُّكْنَى يَنْشَأُ عَنْ عَقْدٍ مُمَلِّكٍ، كَالْوَقْفِ وَالإِْجَارَةِ وَالإِْعَارَةِ وَالْوَصِيَّةِ بِالْمَنَافِعِ، فَهُوَ حَقٌّ يُمَكِّنُ صَاحِبَهُ مِنْ مُبَاشَرَتِهِ وَالاِنْتِفَاعِ، بِنَفْسِهِ أَوْ تَمْكِينِ غَيْرِهِ مِنَ الاِنْتِفَاعِ بِعِوَضٍ. بِخِلاَفِ حَقِّ الاِنْتِفَاعِ، فَإِنَّهُ يَنْشَأُ عَنْ عَقْدٍ، كَهِبَةِ الدَّارِ لِلسُّكْنَى، أَوْ إِذْنٍ وَإِبَاحَةٍ فَقَطْ مِنَ الْمَالِكِ، فَلاَ يَصِحُّ لِصَاحِبِهِ أَنْ يُمَكِّنَ أَحَدًا غَيْرَهُ مِنَ الاِنْتِفَاعِ بِهِ.
حَقُّ اللَّهِ وَحَقُّ الْعَبْدِ فِي السُّكْنَى:
3 - يَتَمَثَّل حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فِي السُّكْنَى فِي كُل مَا لاَ يَكُونُ لِلْعَبْدِ إِسْقَاطُهُ. وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ:
(1) حَقُّ السُّكْنَى لِلْمُطَلَّقَةِ رَجْعِيًّا، لاَ يَجُوزُ إِسْقَاطُهُ، فَيَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ إِسْكَانُهَا فِي مَكَانٍ تَقْضِي فِيهِ عِدَّتَهَا، وَهُوَ الْمَكَانُ الَّذِي وَجَبَتِ الْعِدَّةُ فِيهِ.
وَفِي الْمُطَلَّقَاتِ الْبَائِنَاتِ، وَالْمُتَوَفَّى عَنْهُنَّ يَكُونُ حَقُّ السُّكْنَى حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى عِنْدَ بَعْضِالْفُقَهَاءِ، أَوْ حَقًّا لِلْعَبْدِ عِنْدَ فَرِيقٍ آخَرَ مِنْهُمْ، لَكِنِ الْجَمِيعُ يَتَّفِقُونَ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الْخُرُوجِ مِنَ الْمَسْكَنِ الَّذِي أَلْزَمَتْ نَفْسَهَا بِالْقَرَارِ فِيهِ.
(3) وَفِي الْمُخْتَلِعَاتِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حَقِّ السُّكْنَى، فَيَرَى الْجُمْهُورُ أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ الْمُخَالِعُ الْبَرَاءَةَ مِنَ السُّكْنَى لَمْ يَجُزِ الشَّرْطُ؛ إِذِ السُّكْنَى فِي بَيْتِ الزَّوْجِ فِي الْعِدَّةِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، فَلاَ يَجُوزُ لأَِحَدٍ إِسْقَاطُهُ، لاَ بِعِوَضٍ وَلاَ غَيْرِهِ
وَخَالَفَ الْحَنَابِلَةُ مَذْهَبَ الْجُمْهُورِ وَقَالُوا بِجَوَازِ أَنْ يُخَالِعَ الرَّجُل امْرَأَتَهُ الْحَامِل عَلَى سُكْنَاهَا وَنَفَقَتِهَا، وَيَبْرَأَ مِنْهَا (4) .
وَأَمَّا حَقُّ الْعَبْدِ فِي السُّكْنَى فَيَتَمَثَّل فِي كُل تَصَرُّفٍ يَكُونُ الْقَصْدُ مِنْهُ مَصْلَحَةَ الْعَبْدِ، كَهِبَةِ السُّكْنَى أَوْ بَيْعِهَا أَوْ إجَارَتِهَا، وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ جَرَيَانُ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ مُتَّفِقًا مَعَ الْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ الْمُنَظِّمَةِ لَهَا؛ لأَِنَّ تَنْظِيمَ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى. الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالسُّكْنَى:
أَوَّلاً: السُّكْنَى كَحَقٍّ عَلَى الْغَيْرِ:
سُكْنَى الزَّوْجَةِ:
4 - السُّكْنَى لِلزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا وَاجِبَةٌ، وَهَذَا الْحُكْمُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ؛ لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَل لِلْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ السُّكْنَى عَلَى زَوْجِهَا. قَال تَعَالَى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} (5) فَوُجُوبُ السُّكْنَى لِلَّتِي هِيَ فِي صُلْبِ النِّكَاحِ أَوْلَى. وَلأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ الْمُعَاشَرَةَ بَيْنَ الأَْزْوَاجِ بِالْمَعْرُوفِ، قَال تَعَالَى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (6) وَمِنَ الْمَعْرُوفِ الْمَأْمُورِ بِهِ أَنْ يُسْكِنَهَا فِي مَسْكَنٍ تَأْمَنُ فِيهِ عَلَى نَفْسِهَا وَمَالِهَا، كَمَا أَنَّ الزَّوْجَةَ لاَ تَسْتَغْنِي عَنِ الْمَسْكَنِ؛ لِلاِسْتِتَارِ عَنِ الْعُيُونِ وَالاِسْتِمْتَاعِ وَحِفْظِ الْمَتَاعِ. فَلِذَلِكَ كَانَتِ السُّكْنَى حَقًّا لَهَا عَلَى زَوْجِهَا، وَهُوَ حَقٌّ ثَابِتٌ بِإِجْمَاعِ أَهْل الْعِلْمِ (7) .
الْجَمْعُ بَيْنَ زَوْجَتَيْنِ فِي مَسْكَنٍ وَاحِدٍ أَوْ فِي دَارٍ لِكُل وَاحِدَةٍ بَيْتٌ فِيهِ:
5 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ امْرَأَتَيْنِ فِي مَسْكَنٍ وَاحِدٍ؛ لأَِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنَ الْمُعَاشَرَةِ بِالْمَعْرُوفِ، وَلأَِنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى الْخُصُومَةِ الَّتِي نَهَى الشَّارِعُ عَنْهَا، وَمَنْعُ الْجَمْعِ بَيْنَ امْرَأَتَيْنِ فِي مَسْكَنٍ وَاحِدٍ حَقٌّ خَالِصٌ لَهُمَا فَيَسْقُطُ بِرِضَاهُمَا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ.
وَذَهَبَ ابْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى أَنَّ هَذَا الْحَقَّ لاَ يَسْقُطُ وَلَوْ رَضِيَتِ الزَّوْجَةُ بِهِ، وَأَمَّا الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي دَارٍ لِكُل وَاحِدَةٍ مِنَ الزَّوْجَتَيْنِ بَيْتٌ فِيهَا فَذَهَبَ إِلَى جَوَازِ ذَلِكَ الْجُمْهُورُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ الْقَوْل الرَّاجِحُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ. وَاشْتَرَطَ الْجُمْهُورُ لِصِحَّةِ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ لِكُل بَيْتٍ مَرَافِقُهُ الْخَاصَّةُ بِهِ، وَغَلْقٌ يُغْلَقُ بِهِ، وَلاَ يُشْتَرَطُ رِضَاهُمَا فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا (8) .
وَذَهَبَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ (وَهُوَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ فِي مَذْهَبِهِمْ) إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي هَذِهِ الدَّارِ إِلاَّ بِرِضَاهُمَا. فَإِنْ أَبَيْنَ مِنْهُ أَوْ كَرِهَتْهُ إِحْدَاهُمَا فَلاَ يَصِحُّ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا.
الْجَمْعُ بَيْنَ الزَّوْجَةِ وَأَقَارِبِ الزَّوْجِ فِي مَسْكَنٍ وَاحِدٍ:
6 - الْمُرَادُ بِأَقَارِبِ الزَّوْجِ هُنَا الْوَالِدَانِ وَوَلَدُ الزَّوْجِ مِنْ غَيْرِ الزَّوْجَةِ. فَالْجَمْعُ بَيْنَ الأَْبَوَيْنِ وَالزَّوْجَةِ فِي مَسْكَنٍ وَاحِدٍ لاَ يَجُوزُ (وَكَذَا غَيْرُهُمَا مِنَ الأَْقَارِبِ) وَلِذَلِكَ يَكُونُ لِلزَّوْجَةِ الاِمْتِنَاعُ عَنِ السُّكْنَى مَعَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لأَِنَّ الاِنْفِرَادَ بِمَسْكَنٍ تَأْمَنُ فِيهِ عَلَى نَفْسِهَا وَمَالِهَا حَقُّهَا، وَلَيْسَ لأَِحَدٍ جَبْرُهَا عَلَى ذَلِكَ. وَهَذَا مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى التَّفْرِيقِ بَيْنَ الزَّوْجَةِ الشَّرِيفَةِ وَالْوَضِيعَةِ، وَقَالُوا بِعَدَمِ جَوَازِ الْجَمْعِ بَيْنَ الزَّوْجَةِ الشَّرِيفَةِ وَالْوَالِدَيْنِ، وَبِجَوَازِ ذَلِكَ مَعَ الزَّوْجَةِ الْوَضِيعَةِ، إِلاَّ إِذَا كَانَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْوَضِيعَةِ وَالْوَالِدَيْنِ ضَرَرٌ عَلَيْهَا.
وَإِذَا اشْتَرَطَ الزَّوْجُ عَلَى زَوْجَتِهِ السُّكْنَى مَعَ الأَْبَوَيْنِ فَسَكَنَتْ، ثُمَّ طَلَبَتْ الاِنْفِرَادَ بِمَسْكَنٍ، فَلَيْسَ لَهَا ذَلِكَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، إِلاَّ إِذَا أَثْبَتَتِ الضَّرَرَ مِنَ السَّكَنِ مَعَ الْوَالِدَيْنِ.
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِنْ كَانَ عَاجِزًا لاَ يَلْزَمُهُ إِجَابَةُ طَلَبِهَا، وَإِنْ كَانَ قَادِرًا يَلْزَمُهُ. وَقِيل: لاَ يَلْزَمُهُ غَيْرُ مَا شَرَطَتْهُ عَلَيْهِ (9) . وَأَمَّا الْجَمْعُ بَيْنَ الزَّوْجَةِ وَوَلَدِ الزَّوْجِ مِنْ غَيْرِهَا فِي مَسْكَنٍ وَاحِدٍ، فَلاَ يَجُوزُ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ إِذَا كَانَ وَلَدُ الزَّوْجِ مِنْ غَيْرِهَا كَبِيرًا يَفْهَمُ الْجِمَاعَ؛ لأَِنَّ السُّكْنَى مَعَهُ فِيهَا إِضْرَارٌ بِالزَّوْجَةِ، وَهَذَا حَقٌّ لِلزَّوْجَةِ فَيَسْقُطُ بِرِضَاهَا.
وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ صَغِيرًا لاَ يَفْهَمُ الْجِمَاعَ، فَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ إِسْكَانَهُ مَعَهَا جَائِزٌ، وَلَيْسَ لَهَا الْحَقُّ فِي الاِمْتِنَاعِ مِنَ السُّكْنَى مَعَهُ.
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ الزَّوْجَةَ لاَ يَجُوزُ لَهَا الاِمْتِنَاعُ مِنَ السُّكْنَى مَعَ وَلَدِ زَوْجِهَا مِنْ غَيْرِهَا إِذَا كَانَتْ تَعْلَمُ بِهِ حَال الْبِنَاءِ. فَإِنْ كَانَتْ لاَ تَعْلَمُ بِهِ عِنْدَ الْبِنَاءِ بِهَا وَكَانَ لَهُ حَاضِنَةٌ، فَلِلزَّوْجَةِ الْحَقُّ فِي الاِمْتِنَاعِ مِنَ السُّكْنَى مَعَهُ.
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِوَلَدِ زَوْجِهَا مِنْ غَيْرِهَا حَاضِنَةٌ غَيْرُ أَبِيهِ فَلَيْسَ لَهَا الاِمْتِنَاعُ عَنِ السُّكْنَى مَعَهُ (10) .
خُلُوُّ الْمَسْكَنِ مِنْ أَهْل الزَّوْجَةِ:
7 - الْمُرَادُ بِالأَْهْل هُنَا الأَْبَوَانِ أَوْ غَيْرُهُمَا مِنْ مَحَارِمِهَا وَوَلَدِهَا مِنْ غَيْرِ الزَّوْجِ. فَإِذَا أَرَادَتِ الزَّوْجَةُ أَنْ تُسْكِنَ أَحَدًا مِنَ الأَْهْل غَيْرِ وَلَدِهَا مِنْ غَيْرِ الزَّوْجِ فَلَيْسَ لَهَا ذَلِكَ. وَلِلزَّوْجِ مَنْعُ الزَّوْجَةِ مِنْ إِسْكَانِهَا أَحَدًا مِنْ أَهْلِهَا مَعَهَا؛ لأَِنَّ الْمَنْزِل إِمَّا مِلْكُهُ أَوْ لَهُ حَقُّ الاِنْتِفَاعِ بِهِ، وَحَقُّ الزَّوْجِ فِي زَوْجَتِهِ مِنْ إِسْكَانِ أَقَارِبِهَا مَعَهَا يَسْقُطُ بِرِضَاهُ، فَإِذَا رَضِيَ الزَّوْجُ بِسُكْنَى أَحَدٍ مِنْ أَهْلِهَا مَعَهَا فَلاَ شَيْءَ فِي ذَلِكَ.
يَقُول الزَّيْلَعِيُّ: " وَهَذَا لأَِنَّهُمَا يَتَضَرَّرَانِ بِالسُّكْنَى مَعَ النَّاسِ، فَإِنَّهُمَا لاَ يَأْمَنَانِ عَلَى مَتَاعِهِمَا، وَيَمْنَعُهُمَا ذَلِكَ مِنْ كَمَال الاِسْتِمْتَاعِ وَالْمُعَاشَرَةِ، إِلاَّ أَنْ يَخْتَارَا ذَلِكَ؛ لأَِنَّ الْحَقَّ لَهُمَا، فَلَهُمَا أَنْ يَتَّفِقَا عَلَيْهِ ".
وَإِذَا كَانَ الْمَسْكَنُ مِلْكًا لَهُمَا فَلاَ يَجُوزُ لِلزَّوْجِ مَنْعُ أَهْلِهَا مِنَ السُّكْنَى مَعَهَا إِذَا أَرَادَتْ ذَلِكَ.
وَإِنْ كَانَتْ تُرِيدُ إِسْكَانَ وَلَدِهَا مِنْ غَيْرِ الزَّوْجِ، فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ (الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ) إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لَهَا إِسْكَانُهُ إِلاَّ بِرِضَا الزَّوْجِ، فَإِنْ لَمْ يَرْضَ فَلاَ يَجُوزُ لَهَا إِسْكَانُهُ مَعَهُمَا. وَلَمْ يُفَرِّقِ الْجُمْهُورُ بَيْنَ عِلْمِ الزَّوْجِ بِوُجُودِ وَلَدٍ لَهَا وَقْتَ الْبِنَاءِ وَعَدَمِ عِلْمِهِ، أَوْ بَيْنَ وُجُودِ حَاضِنَةٍ لِلْوَلَدِ أَمْ لاَ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِلزَّوْجِ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ إِسْكَانِ وَلَدِهَا مِنْ غَيْرِهِ إِنْ كَانَ يَعْلَمُ بِهِ وَقْتَ الْبِنَاءِ، أَوْ كَانَ لاَ يَعْلَمُ بِهِ وَلاَحَاضِنَ لَهُ، فَإِنْ كَانَ لاَ يَعْلَمُ بِهِ وَلَهُ حَاضِنٌ فَلَيْسَ لِلزَّوْجَةِ أَنْ تُسْكِنَهُ مَعَهَا عِنْدَهُمْ (11) .
زِيَارَةُ الأَْبَوَيْنِ أَوِ الْمَحَارِمِ لِلزَّوْجَةِ فِي مَسْكَنِهَا:
8 - يَجُوزُ لأَِبَوَيِ الزَّوْجَةِ وَوَلَدِهَا الْكَبِيرِ مِنْ غَيْرِ الزَّوْجِ زِيَارَتُهَا فِي مَسْكَنِهَا الَّذِي يُسْكِنُهَا فِيهِ الزَّوْجُ فِي كُل جُمُعَةٍ مَرَّةً. وَأَمَّا وَلَدُهَا الصَّغِيرُ فَلَهُ حَقُّ الدُّخُول فِي كُل يَوْمٍ لِتَتَفَقَّدَ حَالَهُ، وَأَمَّا غَيْرُ الأَْبَوَيْنِ مِنَ الْمَحَارِمِ فَلَهُمْ حَقُّ زِيَارَتِهَا فِي كُل شَهْرٍ مَرَّةً. وَقِيل: فِي كُل عَامٍ مَرَّةً، وَهَذَا قَوْل الْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ الْمُفْتَى بِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ. وَقَال الشَّافِعِيَّةُ، وَهُوَ قَوْل بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ: لِلزَّوْجِ مَنْعُ أَقَارِبِ الْمَرْأَةِ مِنَ الدُّخُول عَلَيْهَا مَعَ الْكَرَاهَةِ.
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: لَيْسَ لِلزَّوْجِ مَنْعُ أَبَوَيْهَا مِنْ زِيَارَتِهَا؛ لِمَا فِيهِ مِنْ قَطِيعَةِ الرَّحِمِ، لَكِنْ إِنْ عَرَفَ بِقَرَائِنِ الْحَال حُدُوثَ ضَرَرٍ بِزِيَارَتِهِمَا، أَوْ زِيَارَةِ أَحَدِهِمَا فَلَهُ الْمَنْعُ (12) .
وَيُنْظَرُ التَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (زِيَارَة) . الْمَسْكَنُ الشَّرْعِيُّ لِلزَّوْجَةِ:
9 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَأَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْمَسْكَنِ الشَّرْعِيِّ لِلزَّوْجَةِ هُوَ سَعَةُ الزَّوْجِ وَحَال الزَّوْجَةِ، قِيَاسًا عَلَى النَّفَقَةِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا حَقٌّ مُتَرَتِّبٌ عَلَى عَقْدِ الزَّوَاجِ، وَلَمَّا كَانَ الْمُعْتَبَرُ فِي النَّفَقَةِ هُوَ حَال الزَّوْجَيْنِ فَكَذَلِكَ السُّكْنَى وَانْظُرْ مُصْطَلَحَ: (نَفَقَة) .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ - غَيْرَ الشِّيرَازِيِّ - إِلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْمَسْكَنِ الشَّرْعِيِّ هُوَ حَال الزَّوْجَةِ فَقَطْ. عَلَى خِلاَفِ قَوْلِهِمْ فِي النَّفَقَةِ؛ لأَِنَّ الزَّوْجَةَ مُلْزَمَةٌ بِمُلاَزَمَةِ الْمَسْكَنِ، فَلاَ يُمْكِنُهَا إِبْدَالُهُ، فَإِذَا لَمْ يُعْتَبَرْ حَالُهَا فَذَلِكَ إِضْرَارٌ بِهَا، وَالضَّرَرُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ شَرْعًا. أَمَّا النَّفَقَةُ فَيُمْكِنُهَا إِبْدَالُهَا.
وَذَهَبَ الشِّيرَازِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي تَقْدِيرِ الْمَسْكَنِ هُوَ سَعَةُ الزَّوْجِ فَقَطْ. لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} (13) وقَوْله تَعَالَى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ} (14) وَهَاتَانِ الآْيَتَانِ فِي الْمُطَلَّقَةِ، فَالزَّوْجَةُ أَوْلَى.
قَال: إِنَّ النَّفَقَةَ يُفَرَّقُ فِيهَا بَيْنَ الْمُوسِرِ وَالْمُعْسِرِ، وَالْوَاجِبُ يَكُونُ بِقَدْرِ حَال الْمُنْفِقِ يُسْرًا وَعُسْرًا وَتَوَسُّطًا، كَمَا جَاءَ فِي الآْيَةِ، كَذَلِكَ السُّكْنَى تَكُونُ عَلَى قَدْرِ يَسَارِهِ وَإِعْسَارِهِ وَتَوَسُّطِهِ (15) .
اخْتِيَارُ مَكَانِ السُّكْنَى:
10 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ لِلزَّوْجِ السُّكْنَى بِزَوْجَتِهِ حَيْثُ شَاءَ، غَيْرَ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ يَنُصُّونَ عَلَى أَنْ تَكُونَ السُّكْنَى بَيْنَ جِيرَانٍ.
وَقَال الْفُقَهَاءُ: وَإِذَا اشْتَكَتِ الزَّوْجَةُ مِنْ إِضْرَارِ الزَّوْجِ بِهَا يُسْكِنُهَا الْحَاكِمُ بَيْنَ قَوْمٍ صَالِحِينَ؛ لِيَعْلَمُوا صِحَّةَ دَعْوَاهَا (16) .
سُكْنَى الْمُؤْنِسَةِ:
11 - الْمُؤْنِسَةُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ: هِيَ الَّتِي تُؤْنِسُ الزَّوْجَةَ إِذَا خَرَجَ الزَّوْجُ وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهَا أَحَدٌ. وَالْمُؤْنِسَةُ وَاجِبَةٌ لِلزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا عِنْدَمَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إِلَى ذَلِكَ، كَخَوْفِ مَكَانِهَا أَوْ خَوْفِهَا عَلَى نَفْسِهَا مِنْ عَدُوٍّ يَتَرَبَّصُ بِهَا.
هَذَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ فِي الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ وَالْحَنَابِلَةُ (17) . وَيَسْتَدِلُّونَ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ إِلْزَامَ الزَّوْجَةِ بِالإِْقَامَةِ بِمَكَانٍ لاَ تَأْمَنُ فِيهِ عَلَى نَفْسِهَا، وَلاَ يُوجَدُ مَعَهَا فِيهِ مُؤْنِسٌ مِنَ الْمُضَارَّةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلاَ تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ} (18) كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ الْمُعَاشَرَةُ بِالْمَعْرُوفِ الْمَأْمُورُ بِهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (19) .
وَحَمَل صَاحِبُ هَذَا الْقَوْل مِنَ الْحَنَفِيَّةِ قَوْل مَنْ قَال بِعَدَمِ اللُّزُومِ عَلَى مَا إِذَا أَسْكَنَهَا بَيْنَ جِيرَانٍ صَالِحِينَ، وَعَلَى عَدَمِ الاِسْتِيحَاشِ.
قَال الشُّرُنْبُلاَلِيُّ: قَال فِي النَّهْرِ: لَمْ نَجِدْ مِنْ كَلاَمِهِمْ ذِكْرَ الْمُؤْنِسَةِ، إِلاَّ أَنَّهُ يُسْكِنُهَا بَيْنَ قَوْمٍ صَالِحِينَ بِحَيْثُ لاَ تَسْتَوْحِشُ. وَهَذَا ظَاهِرٌ مِنْ وُجُوبِهَا فِيمَا إِذَا كَانَ الْبَيْتُ خَالِيًا مِنَ الْجِيرَانِ، وَلاَ سِيَّمَا إِذَا كَانَتْ تَخْشَى عَلَى عَقْلِهَا مِنْ سَعَتِهِ. وَالْمُقَرَّرُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَبِهِ قَال بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ، أَنَّ الْمُؤْنِسَةَ لَيْسَتْ بِلاَزِمَةٍ عَلَى الزَّوْجِ (20) .
سُكْنَى الْمُعْتَدَّةِ عَنْ طَلاَقٍ رَجْعِيٍّ:
12 - الْمُعْتَدَّةُ عَنْ طَلاَقٍ رَجْعِيٍّ تُعْتَبَرُ زَوْجَةً؛ لأَِنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ قَائِمٌ، فَكَانَ الْحَال بَعْدَ الطَّلاَقِ كَالْحَال قَبْلَهُ، وَلِهَذَا اتَّفَقَ أَهْل الْعِلْمِ جَمِيعًا عَلَى وُجُوبِ السُّكْنَى فِيهَا (21) ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} (22) .
سُكْنَى الْمُعْتَدَّةِ عَنْ طَلاَقٍ بَائِنٍ:
13 - إِنْ كَانَتِ الْمُعْتَدَّةُ عَنْ طَلاَقٍ بَائِنٍ حَامِلاً فَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي وُجُوبِ السُّكْنَى لَهَا. وَذَكَرَ ابْنُ قُدَامَةَ وَغَيْرُهُ أَنَّ هُنَاكَ إِجْمَاعًا بَيْنَ أَهْل الْعِلْمِ عَلَى وُجُوبِ السُّكْنَى لَهَا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} (23)
قَال ابْنُ الْعَرَبِيِّ: أَطْلَقَ اللَّهُ تَعَالَى السُّكْنَى لِكُل مُطَلَّقَةٍ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ، فَكَانَتْ حَقًّا لَهُنَّ؛ لأَِنَّهُ لَوْ أَرَادَ غَيْرَ ذَلِكَ لَقَيَّدَ كَمَا فَعَل فِي النَّفَقَةِ إِذْ قَيَّدَهَا بِالْحَمْل فِي قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كُنَّ أُولاَتِ حَمْلٍ فَأَنْفَقُوا عَلَيْهِنَّ} (24) وَإِذَا كَانَتِ الْمُعْتَدَّةُ عَنْ طَلاَقٍ بَائِنٍ غَيْرَ حَامِلٍ فَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ، وَالْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ، وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ وُجُوبَ السُّكْنَى لَهَا، وَهُوَ رَأْيُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عُمَرَ، - ﵃ - وَعَائِشَةَ - ﵂ - وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالْقَاسِمِ، وَسَالِمٍ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَخَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ.
وَالآْيَةُ السَّابِقَةُ عَامَّةٌ فِي جَمِيعِ الْمُطَلَّقَاتِ، لأَِنَّهَا ذُكِرَتْ بَعْدَ قَوْله تَعَالَى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} (25) وَهَذِهِ انْتَظَمَتِ الرَّجْعِيَّةَ وَالْبَائِنَ. بِدَلِيل أَنَّ مَنْ بَقِيَ مِنْ طَلاَقِهَا وَاحِدَةٌ فَعَلَيْهِ أَنْ يُطَلِّقَهَا لِلْعِدَّةِ إِذَا أَرَادَ طَلاَقَهَا بِالآْيَةِ.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ ﷺ لِعُمَرِ بْنِ الْخَطَّابِ - لَمَّا أَخْبَرَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ طَلَّقَ زَوْجَهُ وَهِيَ حَائِضٌ: لِيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا أَوْ حَامِلاً (26) وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ التَّطْلِيقَةِ الأُْولَى وَالثَّانِيَةِ، فَإِذَنْ يَكُونُ قَوْله تَعَالَى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} قَدْ تَضَمَّنَ الْبَائِنَ وَالرَّجْعِيَّ (27) .
وَاحْتَجُّوا أَيْضًا (28) بِمَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي مُوَطَّئِهِ مِنْ حَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ، وَفِيهِ: فَقَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: لَيْسَ لَكِ عَلَيْهِ نَفَقَةٌ (29) . وَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ فِي بَيْتِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ إِسْقَاطَ السُّكْنَى، فَبَقِيَ عَلَى عُمُومِهِ فِي قَوْله تَعَالَى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ} (30) .
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى إِلَى أَنَّ الْمُعْتَدَّةَ عَنْ طَلاَقٍ بَائِنٍ غَيْرَ حَامِلٍ، لاَ سُكْنَى لَهَا. وَبِهَذَا قَال ابْنُ عَبَّاسٍ، وَجَابِرٌ، وَعَطَاءٌ، وَطَاوُوسٌ، وَالْحَسَنُ وَعَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ، وَعِكْرِمَةُ، وَالشَّعْبِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَدَاوُدُ، لَكِنْ إِنْ أَرَادَ الْمُطَلِّقُ إِسْكَانَ الْبَائِنِ فِي مَنْزِلِهِ، أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا يَصْلُحُ لَهَا تَحْصِينًا لِفِرَاشِهِ وَلاَ مَحْذُورَ فِيهِ، لَزِمَهَا ذَلِكَ؛ لأَِنَّ الْحَقَّ لَهُ فِيهِ. وَذَلِكَ لِمَا رُوِيَ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ أَنَّهَا قَالَتْ: إِنَّهُ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا فِي عَهْدِ النَّبِيِّ ﷺ وَكَانَ أَنْفَقَ عَلَيْهَا نَفَقَةَ دُونٍ، فَلَمَّا رَأَتْ ذَلِكَ قَالَتْ: وَاَللَّهِ لأَُعْلِمَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ فَإِنْ كَانَ لِي نَفَقَةٌ أَخَذْتُ الَّذِي يُصْلِحُنِي، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لِي نَفَقَةٌ لَمْ آخُذْ مِنْهُ شَيْئًا. قَالَتْ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُول اللَّهِ ﷺ فَقَال: لاَ نَفَقَةَ لَكِ وَلاَ سُكْنَى (31) .
سُكْنَى الْمُعْتَدَّةِ عَنْ وَفَاةٍ:
14 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وُجُوبِ السُّكْنَى فِي مَال الْمُتَوَفَّى أَيَّامَ عِدَّتِهَا.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ - وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيَّةِ خِلاَفُ الأَْظْهَرِ - إِلَى أَنَّهُ لاَ سُكْنَى لَهَا عَلَى الْمُتَوَفَّى مِنْ مَالِهِ، وَهُوَ قَوْل عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأُمِّ سَلَمَةَ. وَاسْتَدَلُّوا بِمَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: إِنَّمَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى لِلْمَرْأَةِ إِذَا كَانَ لِزَوْجِهَا عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ (32) . وَيَقُول ابْنُ عَبَّاسٍ ﵄ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لأَِزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْل غَيْرَ إِخْرَاجٍ} (33) نُسِخَ ذَلِكَ بِآيَةِ الْمِيرَاثِ، بِمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُنَّ مِنَ الرُّبُعِ وَالثُّمُنِ، وَنُسِخَ أَجَل الْحَوْل بِأَنْ جَعَل أَجَلَهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا (34) . وَقَالُوا: إِنَّ الْمَنْزِل الَّذِي تَرَكَهُ الْمَيِّتُ لاَ يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ مِلْكًا لِلْمَيِّتِ، أَوْ مِلْكًا لِغَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ مِلْكًا لِغَيْرِهِ لِكَوْنِهِ مُسْتَأْجَرًا أَوْ مُعَارًا فَقَدْ بَطَل الْعَقْدُ بِمَوْتِهِ فَلاَ يَحِل لأَِحَدٍ سُكْنَاهُ، إِلاَّ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ وَطِيبِ نَفْسِهِ لِقَوْلِهِ ﷺ: إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ (35) . وَإِنْ كَانَ مِلْكًا لِلْمَيِّتِ فَقَدْ صَارَ لِلْغُرَمَاءِ، أَوْ لِلْوَرَثَةِ، أَوْ لِلْوَصِيَّةِ، وَلاَ يَحِل لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا مَال الْغُرَمَاءِ وَالْوَرَثَةِ وَالْمُوصَى لَهُمْ، لِلْحَدِيثِ الَّذِي تَقَدَّمَ. وَعَلَى ذَلِكَ فَلَيْسَ لَهَا إِلاَّ مِقْدَارُ مِيرَاثِهَا إِنْ كَانَتْ وَارِثَةً فَقَطْ (36) . وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى الأَْظْهَرِ أَنَّ لَهَا السُّكْنَى وَكَذَلِكَ الْمَالِكِيَّةُ بِشَرْطَيْنِ: الشَّرْطُ الأَْوَّل أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ قَدْ دَخَل بِهَا، الشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمَسْكَنُ لِلْمَيِّتِ إِمَّا بِمِلْكٍ أَوْ بِمَنْفَعَةٍ مُؤَقَّتَةٍ، أَوْ بِإِجَارَةٍ وَقَدْ نَقَدَ كِرَاءَهُ قَبْل مَوْتِهِ. فَإِنْ كَانَ نَقَدَ الْبَعْضَ فَلَهَا السُّكْنَى بِقَدْرِ مَا نَقَدَ فَقَطْ.
وَقَال عَبْدُ الْحَقِّ مِنْهُمْ: إِنْ كَانَ أَكْرَاهَا سَنَةً مُعَيَّنَةً فَهِيَ أَحَقُّ بِالسُّكْنَى، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَقَدَ.
وَقَدْ حَكَى هَذَا الْقَوْل مِنْ مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاَللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (37) . وَلِحَدِيثِ الْفُرَيْعَةِ بِنْتِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَمَّا تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا وَأَخْبَرَتْ بِذَلِكَ رَسُول اللَّهِ ﷺ وَأَرَادَتِ التَّحَوُّل إِلَى أَهْلِهَا وَإِخْوَتِهَا قَال لَهَا النَّبِيُّ ﷺ: امْكُثِي فِي بَيْتِكِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ (38) . وَقَال الْحَنَابِلَةُ: لاَ سُكْنَى لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا إِنْ كَانَتْ حَائِلاً رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَإِنْ كَانَتْ حَامِلاً فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ (39) .
سُكْنَى الْمُعْتَدَّةِ عَنْ فَسْخٍ:
15 - وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ - عَلَى الرَّاجِحِ فِي مَذْهَبِهِمْ - إِلَى أَنَّ لِلْمُعْتَدَّةِ عَنْ فَسْخٍ مِنْ نِكَاحٍ صَحِيحٍ السُّكْنَى. وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ مَا إِذَا كَانَ الْفَسْخُ بِسَبَبِهَا أَوْ بِسَبَبِهِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ السَّبَبُ الَّذِي تَرَتَّبَ الْفَسْخُ عَلَيْهِ مَعْصِيَةً مِنْهَا أَمْ غَيْرَ مَعْصِيَةٍ؛ لأَِنَّ الْقَرَارَ مِنَ الْبَيْتِ مُسْتَحَقٌّ لَهَا، وَلأَِنَّهَا مُعْتَدَّةٌ عَنْ نِكَاحٍ صَحِيحٍ بِفُرْقَةٍ فِي الْحَيَاةِ، فَأَشْبَهَتِ الْمُطَلَّقَةَ تَحْصِينًا لِلْمَاءِ.
أَمَّا إِذَا كَانَتِ الْمُعْتَدَّةُ عَنْ فَسْخٍ مِنْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ أَوْ وَطْءِ شُبْهَةٍ فَلاَ سُكْنَى لَهَا؛ لأَِنَّهُ لاَ سُكْنَى فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ، فَحَال الْعَقْدِ كَحَال النِّكَاحِ، فَلاَ سُكْنَى لَهَا عَلَى الْوَاطِئِ أَوِ الزَّوْجِ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمُعْتَدَّةَ عَنْ فَسْخٍ لَهَا السُّكْنَى فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ وَالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ، وَسَوَاءٌ اطَّلَعَ عَلَى مُوجِبِ الْفَسْخِ فِي حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ مَمَاتِهِ، فَمَتَى كَانَتِ الْمَرْأَةُ مَحْبُوسَةً عَنِ النِّكَاحِ بِسَبَبِهِ فَلَهَا السُّكْنَى.
وَقَالُوا: إِنَّ الْمَوْطُوءَةَ بِشُبْهَةٍ لَهَا السُّكْنَى فِي صُورَتَيْنِ: إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ، أَوْ كَانَ لَهَا زَوْجٌ وَلَمْ يَدْخُل بِهَا. وَلَهَا السُّكْنَى عَلَى الزَّوْجِ إِذَا دَخَل بِهَا، سَوَاءٌ حَمَلَتْ مِنَ الْغَالِطِ أَمْ لَمْ تَحْمِل، إِلاَّ إِذَا نَفَى الزَّوْجُ حَمْلَهَا بِلِعَانٍ وَالْتَحَقَ الْحَمْل بِالْغَالِطِ، فَإِنَّ السُّكْنَى تَكُونُ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ لِلْمُعْتَدَّةِ عَنْ فَسْخٍ السُّكْنَى إِذَا كَانَتْ حَامِلاً. أَمَّا إِذَا لَمْ تَكُنْ حَامِلاً فَلاَ سُكْنَى لَهَا. وَلَوْ وُطِئَتِ الرَّجْعِيَّةُ بِشُبْهَةٍ، أَوْ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ، ثُمَّ بَانَ بِهَا حَمْلٌ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الزَّوْجِ أَوْ مِنَ الْوَاطِئِ فَعَلَيْهِمَا الأُْجْرَةُ حَتَّى تَضَعَ، وَالنَّفَقَةُ بَعْدَ الْوَضْعِ حَتَّى يَنْكَشِفَ الأَْبُ مِنْهُمَا، فَيَرْجِعَ مَنْ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ عَلَى الآْخَرِ بِمَا أَنْفَعَهُ؛ لأَِنَّهُ أَدَّى عَنْهُ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ (40) . السُّكْنَى مَعَ الْمُعْتَدَّةِ:
16 - يَرَى الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِلرَّجُل الْمُطَلِّقِ مُسَاكَنَةُ الْمُعْتَدَّةِ، وَلَمْ يُفَرِّقُوا فِي ذَلِكَ بَيْنَ الرَّجْعِيَّةِ وَالْبَائِنِ، إِلاَّ إِذَا كَانَتِ الدَّارُ لَهُمَا وَمَعَهُمَا مَحْرَمٌ، يُشْتَرَطُ فِيهِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنْ يَكُونَ مُمَيِّزًا بَصِيرًا، ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى.
فَإِنْ كَانَ الَّذِي مَعَهُمَا مَحْرَمًا لَهُ، فَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ أُنْثَى، وَلاَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَعَهُمَا مَحْرَمٌ لَهُ إِنْ كَانَ ذَكَرًا (41) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: لاَ يَجُوزُ لِلرَّجُل الدُّخُول عَلَى مُطَلَّقَتِهِ الرَّجْعِيَّةِ وَلَوْ كَانَ مَعَهَا مَنْ يَحْفَظُهَا، وَلاَ يُبَاحُ لَهُ السَّكَنُ مَعَهَا فِي دَارٍ جَامِعَةٍ لَهَا وَلِلنَّاسِ. وَحُجَّتُهُمْ فِي تَحْرِيمِ الاِخْتِلاَءِ بِهَا أَنَّ الطَّلاَقَ مُضَادٌّ لِلنِّكَاحِ الَّذِي قَدْ سَبَّبَ الإِْبَاحَةَ وَالإِْبْقَاءَ لِلضِّدِّ مَعَ وُجُودِ ضِدِّهِ.
وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّهُ إِذَا وَجَبَ الاِعْتِدَادُ فِي مَنْزِل الزَّوْجِ فَلاَ بَأْسَ بِأَنْ يَسْكُنَا فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ إِذَا كَانَ الْمُطَلِّقُ عَدْلاً، سَوَاءٌ كَانَ الطَّلاَقُ رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا أَوْ ثَلاَثًا. وَالأَْفْضَل أَنْ يُحَال بَيْنَهُمَا فِي الْبَيْنُونَةِ بِسِتْرٍ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ فَاسِقًا فَيُحَال بَيْنَهُمَا بِامْرَأَةٍ ثِقَةٍ تَقْدِرُ عَلَى الْحَيْلُولَةِ بَيْنَهُمَا. وَإِنْ تَعَذَّرَ فَلْتَخْرُجْ هِيَ وَتَعْتَدَّ فِي مَنْزِلٍ آخَرَ. وَكَذَا لَوْ ضَاقَ الْبَيْتُ. وَإِنْ خَرَجَ هُوَ كَانَ أَوْلَى، وَلَهُمَا أَنْ يَسْكُنَا بَعْدَ الثَّلاَثِ، إِذَا لَمْ يَلْتَقِيَا الْتِقَاءَ الأَْزْوَاجِ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ خَوْفُ فِتْنَةٍ.
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ كَمَا يَظْهَرُ مِنْ كَلاَمِهِمْ أَنَّ لِلْمُطَلِّقِ السُّكْنَى مَعَ الْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ، كَمَا أَنَّ لَهَا أَنْ تَتَزَيَّنَ لَهُ، وَلاَ تَحْصُل الرَّجْعَةُ بِمُبَاشَرَتِهَا مِنَ الْقُبْلَةِ وَنَحْوِهَا، لَكِنْ تَحْصُل بِالْوَطْءِ، وَأَمَّا الْبَائِنُ فَلاَ سُكْنَى لَهَا، وَتَعْتَدُّ حَيْثُ شَاءَتْ. فَلَوْ كَانَتْ دَارُ الْمُطَلِّقِ مُتَّسَعَةً لَهُمَا، وَأَمْكَنَهَا السُّكْنَى فِي غُرْفَةٍ مُنْفَرِدَةٍ، وَبَيْنَهُمَا بَابٌ مُغْلَقٌ (أَيْ بِمَرَافِقِهَا) وَسَكَنَ الزَّوْجُ فِي الْبَاقِي جَازَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا بَابٌ مُغْلَقٌ وَوُجِدَ مَعَهَا مَحْرَمٌ تَتَحَفَّظُ بِهِ جَازَ، وَإِلاَّ لَمْ يَجُزْ (42) .
سَكَنُ الْحَاضِنَةِ:
17 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي سُكْنَى الْحَاضِنَةِ، إِذَا لَمْ تَكُنْ هِيَ الأُْمَّ فِي حَال كَوْنِهَا فِي عِصْمَةِ الأَْبِ.
فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ تَجِبُ لَهَا السُّكْنَى فِي مَال الْمَحْضُونِ إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، وَإِلاَّ فَعَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ. وَقَال آخَرُونَ: لاَ سُكْنَى لَهَا عَلَى مَنْ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ، وَلَيْسَ لَهَا إِلاَّ أُجْرَةُ الْحَضَانَةِ (43) .
وَانْظُرِ التَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ: (حَضَانَة) .
سُكْنَى الْقَرِيبِ:
18 - تَجِبُ سُكْنَى الْقَرِيبِ الْمُعْسِرِ الْعَاجِزِ عَنِ الْكَسْبِ حَيْثُ تَجِبُ نَفَقَتُهُ بِشُرُوطٍ.
وَتَفْصِيلُهُ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (نَفَقَة) .
السُّكْنَى بِاعْتِبَارِهَا مُتَرَتِّبَةً عَلَى تَصَرُّفٍ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ:
19 - (43) إجَارَةُ السُّكْنَى.
(45) بَيَانُ مَحِل السُّكْنَى.
السُّكْنَى مَنْفَعَةٌ مِنَ الْمَنَافِعِ لاَ بُدَّ لَهَا مِنْ مَحَلٍّ تُسْتَوْفَى مِنْهُ. وَهَذَا الْمَحَل هُوَ الدُّورُ، وَبَيَانُ الْمَحَل شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الإِْجَارَةِ.
وَيَتَحَقَّقُ بَيَانُهُ بِبَيَانِ الْعَيْنِ الَّتِي وَقَعَتِ الإِْجَارَةُ عَلَى مَنْفَعَتِهَا، كَمَا إِذَا قَال: اسْتَأْجَرْتُ هَذِهِ الدَّارَ لِلسُّكْنَى، أَوْ يَقُول الْمُؤَجِّرُ: أَجَّرْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ. فَلَوْ قَال: أَجَّرْتُكَ إِحْدَى هَاتَيْنِ الدَّارَيْنِ لِلسُّكْنَى، لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ؛ لِجَهَالَةِ مَحَل الْعَقْدِ جَهَالَةً مُفْضِيَةً لِلنِّزَاعِ (46) .
وَلاَ يُشْتَرَطُ بَيَانُ مَنْ يَسْكُنُهَا، وَلاَ مَا سَيَعْمَل فِيهَا؛ لأَِنَّ الْعُرْفَ كَافٍ فِي ذَلِكَ. وَلأَِنَّ مَنَافِعَ السُّكْنَى غَيْرُ مُتَفَاوِتَةٍ، وَالتَّفَاوُتُ فِيهَا مُتَسَامَحٌ فِيهِ عُرْفًا.
يَقُول الْكَاسَانِيُّ: وَلَمْ يُشْتَرَطْ بَيَانُ مَا يُعْمَل فِيهِ؛ لأَِنَّ الإِْجَارَةَ شُرِعَتْ لِلاِنْتِفَاعِ، وَالدُّورُ وَالْمَنَازِل وَالْبُيُوتُ وَنَحْوُهَا مُعَدَّةٌ لِلاِنْتِفَاعِ بِهَا لِلسُّكْنَى، وَمَنَافِعُ الْعَقَارِ الْمُعَدِّ لِلسُّكْنَى مُتَقَارِبَةٌ؛ لأَِنَّ النَّاسَ لاَ يَتَفَاوَتُونَ فِي السُّكْنَى، فَكَانَتْ مَعْلُومَةً مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَةٍ، وَكَذَا الْمَنْفَعَةُ لاَ تَتَفَاوَتُ بِكَثْرَةِ السُّكَّانِ وَقِلَّتِهِمْ إِلاَّ تَفَاوُتًا يَسِيرًا، وَإِنَّهُ مُلْحَقٌ بِالْعَدَمِ، وَكَذَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُسْكِنَ نَفْسَهُ وَأَنْ يُسْكِنَ غَيْرَهُ (47) .
وَتُرَاعَى فِي ذَلِكَ أَحْكَامُ الإِْجَارَةِ، انْظُرْ (إِجَارَة) .
الْوَصِيَّةُ بِالسُّكْنَى:
20 - الْوَصِيَّةُ بِالسُّكْنَى نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْوَصِيَّةِ، وَهِيَ إِمَّا أَنْ تَكُونَ مُطْلَقَةً عَنِ الْوَقْتِ أَوْ مُقَيَّدَةً بِوَقْتٍ، وَفِي كُلٍّ إِمَّا أَنْ تَكُونَ لِمُعَيَّنٍ كَزَيْدٍ، أَوْ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ كَفُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ. فَإِذَا كَانَتِ الْوَصِيَّةُ بِالسُّكْنَى مُطْلَقَةً وَهِيَ لِمُعَيَّنٍ، فَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ لِلْمُوصَى لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِسُكْنَى الدَّارِ مَا عَاشَ، فَإِذَا مَاتَ انْتَقَلَتِ السُّكْنَى إِلَى مِلْكِ صَاحِبِ الْعَيْنِ - وَهُمْ وَرَثَةُ الْمُوصِي - لِبُطْلاَنِهَا بِمَوْتِ الْمُوصَى لَهُ.
وَيُشْتَرَطُ لاِنْتِفَاعِ الْمُوصَى لَهُ بِالسُّكْنَى أَنْ تَكُونَ الْعَيْنُ الْمُوصَى بِسُكْنَاهَا تَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَال الْمُوصِي، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ سِوَى هَذِهِ الدَّارِ الْمُوصَى بِسُكْنَاهَا، فَإِنَّ الْمُوصَى لَهُ يَسْكُنُ ثُلُثَهَا وَوَرَثَةُ الْمُوصِي يَسْكُنُونَ ثُلُثَيْهَا، مَا دَامَ الْمُوصَى لَهُ حَيًّا، فَإِنْ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ تُرَدُّ إِلَيْهِمِ الْمَنْفَعَةُ كَامِلَةً. وَإِنْ كَانَتِ الْوَصِيَّةُ بِالسُّكْنَى مُطْلَقَةً وَلِغَيْرِ مُعَيَّنٍ فَفِي جَوَازِهَا خِلاَفٌ فِي الْمَذْهَبِ الْحَنَفِيِّ، فَأَبُو حَنِيفَةَ يَرَى عَدَمَ جَوَازِ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ، وَيَرَى صَاحِبَاهُ جَوَازَهَا.
أَمَّا إِذَا كَانَتِ الْوَصِيَّةُ بِالسُّكْنَى مُؤَقَّتَةً بِمُدَّةٍ مُحَدَّدَةٍ كَسَنَةٍ مَثَلاً، فَيُنْظَرُ: هَل لِلْمُوصِي مَالٌ آخَرُ غَيْرُ هَذِهِ الدَّارِ الَّتِي أَوْصَى بِسُكْنَاهَا سَنَةً مُعَيَّنَةً؟ فَإِنْ أَجَازَ الْوَرَثَةُ هَذِهِ الْوَصِيَّةَ سُلِّمَتِ الدَّارُ إِلَى الْمُوصَى لَهُ لِيَسْكُنَهَا السَّنَةَ الْمَذْكُورَةَ، وَإِنْ لَمْ يُجِزْهَا الْوَرَثَةُ قُسِمَتْ سُكْنَى الدَّارِ بَيْنَ الْمُوصَى لَهُ وَالْوَرَثَةِ أَثْلاَثًا، ثُلُثُهَا لِلْمُوصَى لَهُ، وَثُلُثَاهَا لِوَرَثَةِ الْمُوصَى. وَإِنْأَوْصَى بِسُكْنَاهَا سَنَةً غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ فَإِنَّ الدَّارَ تُسَلَّمُ لِلْمُوصَى لَهُ لِيَسْكُنَهَا إِذَا أَجَازَ ذَلِكَ الْوَرَثَةُ، فَإِنْ لَمْ يُجِيزُوهَا قُسِمَتِ الدَّارُ أَثْلاَثًا يَسْكُنُ الْمُوصَى لَهُ ثُلُثَهَا لِمُدَّةِ ثَلاَثِ سَنَوَاتٍ.
فَإِذَا انْتَهَتِ الْمُدَّةُ الْمَذْكُورَةُ رَدَّ الثَّلاَثَ إِلَى الْوَرَثَةِ، وَتَكُونُ بِذَلِكَ الدَّارُ جَمِيعُهَا لِلْوَرَثَةِ.
أَمَّا إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهَا، فَإِنْ كَانَ الثُّلُثُ يَسَعُ هَذِهِ الْوَصِيَّةَ سُلِّمَتِ الدَّارُ إِلَى الْمُوصَى لَهُ لِيَسْكُنَهَا السَّنَةَ الْمُحَدَّدَةَ، وَإِنْ كَانَ الثُّلُثُ لاَ يَسَعُ هَذِهِ الْوَصِيَّةَ فَإِنْ أَجَازَهَا الْوَرَثَةُ سُلِّمَتِ الدَّارُ لِلْمُوصَى لَهُ لِيَسْكُنَهَا السَّنَةَ الْمُحَدَّدَةَ وَإِنْ لَمْ يُجِيزُوهَا فَإِنَّهُ يَسْكُنُ بِمِقْدَارِ الثُّلُثِ حَسَبَ التَّفْصِيل الْمُتَقَدِّمِ.
وَإِنْ عَيَّنَ الْمُوصِي السَّنَةَ الَّتِي أَوْصَى بِسُكْنَاهَا فَمَضَتْ تِلْكَ السَّنَةُ قَبْل وَفَاةِ الْمُوصِي، فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ تَبْطُل بِفَوَاتِهَا؛ لأَِنَّ الْوَصِيَّةَ لاَ تُنْتِجُ أَثَرَهَا إِلاَّ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي. وَإِذَا مَاتَ فِي أَثْنَاءِ تِلْكَ السَّنَةِ الْمُعَيَّنَةِ فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ تَبْطُل فِيمَا مَضَى قَبْل وَفَاتِهِ. أَمَّا مَا يَبْقَى مِنَ السَّنَةِ بَعْدَ وَفَاةِ الْمُوصِي فَيَكُونُ لِلْمُوصَى لَهُ الْحَقُّ فِي سُكْنَى هَذِهِ الْعَيْنِ (48) . وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالسُّكْنَى لِدَارٍ مُعَيَّنَةٍ إِنْ كَانَتْ مُطْلَقَةً فَإِنَّ الْمُوصَى لَهُ يَسْتَحِقُّ الثُّلُثَ، وَأَمَّا إِذَا كَانَتِ الْوَصِيَّةُ مُؤَقَّتَةً فَيُنْظَرُ إِنْ كَانَ يَحْمِل الثُّلُثُ قِيمَتَهَا فَيَتَعَيَّنُ تَسْلِيمُ الْمُوصَى بِهِ إِلَى الْمُوصَى لَهُ لِيَسْكُنَهُ. وَإِنْ لَمْ يَحْمِل الثُّلُثُ قِيمَةَ الْعَيْنِ الْمُوصَى بِسُكْنَاهَا خُيِّرَ الْوَارِثُ بَيْنَ أَنْ يُجِيزَ الْوَصِيَّةَ أَوْ يَخْلَعَ ثُلُثَ جَمِيعِ التَّرِكَةِ مِنَ الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ عِوَضًا أَوْ عَيْنًا أَوْ غَيْرَهُمَا، وَيُعْطِيَهُ لِلْمُوصَى لَهُ، وَبِهَذَا يَكُونُ لِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثُ جَمِيعِ مَا تَرَكَهُ الْمُوصِي (49) .
وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ (50) أَنَّهُ إِذَا كَانَتِ الْوَصِيَّةُ لِلسُّكْنَى مُطْلَقَةً عَنِ التَّأْقِيتِ بِزَمَنٍ مُعَيَّنٍ، فَإِنَّ الْمُوصَى لَهُ يَمْلِكُ سَكَنَ الدَّارِ، وَلَهُ حَقُّ تَأْجِيرِهَا وَإِعَارَتِهَا لِغَيْرِهِ وَالإِْيصَاءِ بِمَنْفَعَتِهَا وَتُورَثُ عَنْهُ مَنْفَعَتُهَا بَعْدَ مَوْتِهِ. وَإِذَا كَانَتْ مُؤَقَّتَةً بِوَقْتٍ مُعَيَّنٍ، كَسَنَةٍ أَوْ كَحَيَاةِ الْمُوصَى لَهُ، فَإِنَّ الْمُوصَى لَهُ يَنْتَفِعُ بِالسُّكْنَى بِنَفْسِهِ الْمُدَّةَ الْمُعَيَّنَةَ أَوْ مُدَّةَ حَيَاتِهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَاجِرَ أَوْ أَنْ يُعِيرَ، وَلاَ تُورَثُ عَنْهُ إِذَا مَاتَ، لأَِنَّ الْوَصِيَّةَ بِالسُّكْنَى هُنَا مِنْ قَبِيل الإِْبَاحَةِ وَلَيْسَتْ تَمْلِيكًا.
وَالْقَوْل بِأَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِلْمُوصَى لَهُ تَأْجِيرُ الْمُوصَى بِهِ إِذَا كَانَتِ الْوَصِيَّةُ مُقَيَّدَةً بِالاِسْتِعْمَال كَالسُّكْنَى؛ هُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ أَيْضًا؛ وَعِلَّةُ ذَلِكَ أَنَّ الْمِلْكَ هُنَا بِالْمَجَّانِ وَالتَّمْلِيكُ بِالإِْجَارَةِ تَمْلِيكٌ بِعِوَضٍ، وَهَذَا أَقْوَى مِنَ التَّمْلِيكِ مَجَّانًا، وَمَنْ مَلَكَ الأَْضْعَفَ لاَ يَمْلِكُ الأَْقْوَى (51) .
وَأَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَيَقُولُونَ: إِنَّ الْمُوصَى لَهُ بِسُكْنَى الدَّارِ تُسَلَّمُ لَهُ الدَّارُ لِيَسْكُنَهَا، وَذَلِكَ إِذَا كَانَتِ الْوَصِيَّةُ يَسَعُهَا الثُّلُثُ، سَوَاءٌ أَكَانَتِ الْوَصِيَّةُ مُطْلَقَةً أَمْ كَانَتْ مُؤَقَّتَةً بِمُدَّةٍ مُحَدَّدَةٍ، أَمَّا إِذَا كَانَتِ الْوَصِيَّةُ لاَ يَسَعُهَا الثُّلُثُ فَإِنَّ الَّذِي يَجُوزُ مِنْهَا هُوَ مَا يَخْرُجُ مِنَ الثُّلُثِ فَقَطْ.
وَأَجَازَ الْحَنَابِلَةُ لِلْمُوصَى لَهُ بِسُكْنَى الدَّارِ أَنْ يُؤَجِّرَ مَا لَهُ حَقُّ السُّكْنَى فِيهِ (52) .
هِبَةُ السُّكْنَى:
21 - هِبَةُ الدَّارِ لِلسُّكْنَى إِمَّا أَنْ يَكُونَ الإِْيجَابُ فِيهَا بِلَفْظٍ مُطْلَقٍ، كَقَوْل الْوَاهِبِ لِشَخْصٍ آخَرَ: وَهَبْتُ لَكَ دَارِي لِلسُّكْنَى، أَوْ: مَلَّكْتُكَ سُكْنَى عِمَارَتِي. فَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ تَكُونُ سُكْنَى الدَّارِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ إِذَا تَمَّتِ الْهِبَةُ مُسْتَوْفِيَةً لِلشُّرُوطِ وَالأَْرْكَانِ اللاَّزِمِ تَوَافُرُهَا فِيهَا. وَيَجُوزُ لَهُ كَذَلِكَ أَنْ يُسْكِنَهَا لِغَيْرِهِ بِالإِْجَارَةِ أَوْ بِالإِْعَارَةِ (53) . وَمَلَكِيَّةُ الْمَوْهُوبِ لَهُ فِي هَذِهِ الْحَال لِلْهِبَةِ غَيْرُ لاَزِمَةٍ، فَيَجُوزُ لِلْوَاهِبِ الرُّجُوعُ فِي هِبَتِهِ.
وَأَمَّا إِنْ كَانَ الإِْيجَابُ مُقَيَّدًا فَفِيهِ خِلاَفٌ وَتَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي (هِبَة، وَعُمْرَى، وَرُقْبَى) . وَاخْتَلَفُوا فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَجُوزُ لِلْوَاهِبِ اسْتِرْجَاعُ السُّكْنَى فِيهِ إِذَا لَمْ يُقَيِّدْ بِوَقْتٍ. فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ (54) فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَهُمْ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْوَاهِبِ اسْتِرْجَاعُ الْعَيْنِ الْمَوْهُوبَةِ لِلسُّكْنَى أَيَّ وَقْتٍ شَاءَ، وَلاَ تَتَقَيَّدُ فِي الرُّجُوعِ بِوَقْتٍ مُعَيَّنٍ؛ لأَِنَّهَا فِي الْحَقِيقَةِ مِنْ قَبِيل الْعَارِيَّةِ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ (55) فِي قَوْلِهِمُ الثَّانِي إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِلْوَاهِبِ هِبَةَ السُّكْنَى أَنْ يَسْتَرْجِعَ السُّكْنَى إِلاَّ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْهُوبِ لَهُ. فَإِذَا مَاتَ (الْوَاهِبُ) قَبْل مَوْتِ (الْمَوْهُوبِ لَهُ) فَإِنَّ الْمَسْكَنَ يَرْجِعُ إِلَى الْوَرَثَةِ بَعْدَ مَوْتِ (الْمَوْهُوبِ لَهُ) . وَأَصْحَابُ هَذَا الرَّأْيِ يَعْتَبِرُونَ الْمَسْكَنَ كَالْمُعَمَّرِ.
حِيَازَةُ الدَّارِ الْمَوْهُوبَةِ:
22 - الْمِلْكِيَّةُ لِلدَّارِ الْمَوْهُوبَةِ تَثْبُتُ بِالْقَبْضِ بِإِذْنِ الْوَاهِبِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ (56) ، وَتَثْبُتُ الْمِلْكِيَّةُ (57) عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ، غَيْرَ أَنَّهُمْ يَشْتَرِطُونَ لِتَمَامِ الْعَقْدِ الْحِيَازَةَ لِلدَّارِ الْمَوْهُوبَةِ.
وَعَلَى ذَلِكَ فَإِذَا وَهَبَ شَخْصٌ لآِخَرَ دَارًا فَإِنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ تَثْبُتُ لَهُ مَلَكِيَّةُ الدَّارِ، وَتُصْبِحُ نَافِذَةً عِنْدَ جَمِيعِ الْفُقَهَاءِ بِحِيَازَةِ هَذِهِ الدَّارِ، وَهَذَا إِذَا كَانَ الْمَوْهُوبُ لَهُ بَالِغًا رَشِيدًا.
فَإِذَا كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ فَيَقُومُ وَلِيُّهُ مَقَامَهُ نِيَابَةً عَنْهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ هُوَ الْوَاهِبَ. فَإِنْ كَانَ الْوَلِيُّ هُوَ الْوَاهِبَ فَإِنَّ الْمَالِكِيَّةَ يَقُولُونَ تُخْلَى الدَّارُ الْمَوْهُوبَةُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ، وَلاَ يَسْكُنُهَا الْوَلِيُّ، فَإِنْ سَكَنَهَا بَطَلَتِ الْهِبَةُ (58) . وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّ الأَْبَ لَوْ وَهَبَ ابْنَهُ الصَّغِيرَ الدَّارَ الَّتِي يَسْكُنُهَا، وَكَانَتْ مَشْغُولَةً بِمَتَاعِهِ (أَيِ الْوَاهِبِ) فَإِنَّ هَذَا جَائِزٌ لَهُ، وَلاَ يَمْنَعُ ذَلِكَ صِحَّةَ الْهِبَةِ. لَكِنْ لَوْ أَسْكَنَهَا الأَْبُ لِغَيْرِهِ بِأَجْرٍ فَإِنَّ هَذَا لاَ يَجُوزُ. وَلَوْ أَسْكَنَهَا لِغَيْرِهِ بِدُونِ أَجْرٍ جَازَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ (59) .
وَاتَّفَقَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ وَهَبَتْ دَارَهَا لِزَوْجِهَا وَهِيَ سَاكِنَةٌ فِيهَا وَلَهَا أَمْتِعَةٌ فِيهَا، وَالزَّوْجُ سَاكِنٌ مَعَهَا، فَإِنَّ هَذِهِ الْهِبَةَ صَحِيحَةٌ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَهَبَ الزَّوْجُ دَارَ سُكْنَاهُ لِزَوْجَتِهِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ؛ لأَِنَّ السُّكْنَى لِلرَّجُل لاَ لِلْمَرْأَةِ، فَإِنَّهَا تَبَعٌ لِزَوْجِهَا (60) .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْ خُلُوِّ الدَّارِ الْمَوْهُوبَةِ مِنْ أَمْتِعَةِ غَيْرِ الْمَوْهُوبِ لَهُ، فَإِنْ كَانَتْ مَشْغُولَةً بِهَا، وَاسْتَمَرَّتْ فِيهَا فَإِنَّ الْهِبَةَ لاَ تَصِحُّ. وَلاَ فَرْقَ عِنْدَهُمْ بَيْنَ الْهِبَةِ لِلأَْجْنَبِيِّ أَوْ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ، وَيَقُولُونَ بِجَوَازِ أَنْ يَسْكُنَ الأَْبُ فِي دَارِ سُكْنَاهُ الْمَوْهُوبَةِ لِوَلَدِهِ الْمَشْمُول بِوِلاَيَتِهِ، وَعَلَيْهِ الأُْجْرَةُ بَعْدَ تَمَامِ الْهِبَةِ (61) . وَقْفُ الْعَيْنِ لِلسُّكْنَى:
23 - الْوَقْفُ مَشْرُوعٌ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، وَهُوَ جَائِزٌ لاَزِمٌ إِنْ وَقَعَ، وَوَقْفُ السُّكْنَى مُخْتَلَفٌ فِيهِ عِنْدَهُمْ؛ لاِخْتِلاَفِهِمْ فِي وَقْفِ الْمَنَافِعِ.
فَيَرَى الْجُمْهُورُ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَبَعْضُ الْحَنَابِلَةِ وَمَنْ قَال بِجَوَازِ الْوَقْفِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ وَقْفَ الْمَنَافِعِ دُونَ الذَّاتِ لاَ يَصِحُّ.
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ وَقْفَ السُّكْنَى بِاعْتِبَارِهَا مَنْفَعَةً مِنَ الْمَنَافِعِ جَائِزٌ وَصَحِيحٌ شَرْعًا.
وَاخْتَلَفَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي وَقْفِ الْخُلُوِّ، فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى صِحَّةِ وَقْفِهِ وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى عَدَمِ صِحَّةِ وَقْفِهِ (62) .
وَانْظُرْ بَحْثَ (خُلُوف 22) (وَوَقْف) .
سُكْنَى الْمُرْتَهِنِ لِلْعَيْنِ الْمَرْهُونَةِ:
24 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ الْمُرْتَهِنَ لاَ يَحِل لَهُ سُكْنَى الدَّارِ الْمَرْهُونَةِ إِذَا لَمْ يَأْذَنِ الرَّاهِنُ؛ لأَِنَّ الْمَنْفَعَةَ إِنَّمَا تُمْلَكُ بِمِلْكِ الأَْصْل، وَالأَْصْل مَمْلُوكٌ لِلرَّاهِنِ، فَالْمَنْفَعَةُ تَكُونُ عَلَى مِلْكِهِ، وَلاَ يَسْتَوْفِيهَا غَيْرُهُ إِلاَّ بِإِيجَابِهَا لَهُ. وَعَقْدُ الرَّهْنِ لاَ يَتَضَمَّنُ إِلاَّ مِلْكَ الْيَدِ لِلْمُرْتَهِنِ لاَ مِلْكَ الْمَنْفَعَةِ فَكَانَ مَالُهُ فِي الاِنْتِفَاعِ بَعْدَ عَقْدِ الرَّاهِنِ كَمَا كَانَ قَبْلَهُ.
وَهَذَا إِذَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الرَّاهِنُ، فَإِنْ أَذِنَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ بِالسُّكْنَى فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي سُكْنَى الرَّاهِنِ لِلدَّارِ الْمَرْهُونَةِ (63) . وَانْظُرْ مُصْطَلَحَ (رَهْن) .
غَصْبُ السُّكْنَى:
25 - ذَهَبَ الْجُمْهُورُ مِنَ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الْغَصْبَ يَقَعُ عَلَى السُّكْنَى؛ لأَِنَّهَا مَنْفَعَةُ عَقَارٍ وَغَصْبُ الْعَقَارِ مُمْكِنٌ، فَمَنْ مَنَعَ آخَرَ مِنْ سُكْنَى دَارِهِ يَكُونُ غَاصِبًا لِلسُّكْنَى، لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: مَنْ ظَلَمَ قَيْدَ شِبْرٍ مِنَ الأَْرْضِ طَوَّقَهُ اللَّهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ وَفِي لَفْظٍ: مَنْ غَصَبَ شِبْرًا مِنَ الأَْرْضِ (64) . فَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُل بِمَنْطُوقِهِ عَلَى إِمْكَانِ وُقُوعِ الْغَصْبِ عَلَى الْعَقَارِ؛ لأَِنَّهُ أَسْنَدَ الْغَصْبَ إِلَى الأَْرْضِ، وَالإِْسْنَادُ دَلِيل الْوُقُوعِ وَإِمْكَانُهُ فَإِذَا ثَبَتَ وُقُوعُ الْغَصْبِ عَلَى الْعَقَارِ فَيَثْبُتُ عَلَى مَنَافِعِهِ الَّتِي مِنْهَا سُكْنَى الدُّورِ.
وَلأَِنَّ الْغَصْبَ يَتَحَقَّقُ بِإِثْبَاتِ يَدِ الْغَاصِبِ وَإِزَالَةِ يَدِ الْمَالِكِ، وَهَذَا يَتَحَقَّقُ فِي الدَّارِ وَالْعَقَارِ. فَالْغَاصِبُ يُثْبِتُ يَدَهُ الْمُعْتَدِيَةَ وَيُزِيل يَدَ الْمَالِكِ الْمُحِقَّةَ، وَالْيَدُ هِيَ الْقُدْرَةُ عَلَى التَّصَرُّفِ، وَعَدَمُهَا يَتَمَثَّل فِي عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّصَرُّفِ. فَإِنْ أَثْبَتَ الْغَاصِبُ يَدَهُ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ السُّكْنَى لاَ يَتَحَقَّقُ فِيهَا الْغَصْبُ؛ لأَِنَّهَا مَنْفَعَةٌ وَلَيْسَتْ بِمَالٍ، وَالْغَصْبُ لاَ يَكُونُ إِلاَّ فِي الْمَال. فَلَوْ غَصَبَ دَارًا لَمْ يَضْمَنْ مَنَافِعَهَا بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ. وَاسْتَثْنَوْا صُوَرًا، مِنْهَا: الْوَقْفُ، وَدَارُ الْيَتِيمِ، وَالْمُعَدُّ لِلاِسْتِغْلاَل (65) . وَانْظُرْ (ضَمَان) (وَغَصْب) .
مَتَى يَتَحَقَّقُ الْغَصْبُ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهِ:
26 - الْمَالِكِيَّةُ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الاِسْتِيلاَءِ عَلَى الذَّاتِ وَالاِسْتِيلاَءِ عَلَى الْمَنْفَعَةِ. وَتَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْغَاصِبَ لِلدَّارِ لاَ يَضْمَنُ الأُْجْرَةَ إِلاَّ إِذَا سَكَنَ بِالْفِعْل أَوْ أَسْكَنَهَا لِغَيْرِهِ. أَمَّا الْمُتَعَدِّي (وَهُوَ مَنْ يَتَصَرَّفُ فِي شَيْءٍ بِغَيْرِ إِذْنِ صَاحِبِهِ دُونَ قَصْدِ التَّمَلُّكِ (1)) فَيَجِبُ عَلَيْهِ الأُْجْرَةُ فِي جَمِيعِ الْحَالاَتِ لِمَالِكِ الْمَنْفَعَةِ (66) .
وَالشَّافِعِيَّةُ يَرَوْنَ أَنَّ الْغَصْبَ يَقَعُ بِدُخُول الدَّارِ، وَإِزْعَاجِ سُكَّانِهَا، سَوَاءٌ كَانَ عِنْدَهُ نِيَّةٌ فِي الاِسْتِيلاَءِ عَلَيْهَا وَالْحِيَازَةِ لِمَنَافِعِهَا أَمْ لَمْ يَكُنْ.
وَهَذَا بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِمْ بِتَحَقُّقِ الْغَصْبِ عِنْدَ إِثْبَاتِ الْيَدِ الْمُتَعَدِّيَةِ. وَدَلِيل ثُبُوتِ الْيَدِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَنَّهُ لَوْ تَنَازَعَ الْخَارِجُ وَالدَّاخِل فِيهَا حُكِمَ لِمَنْ هُوَ فِيهَا دُونَ الْخَارِجِ عَنْهَا (67) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِنَّ الْغَصْبَ لاَ يَتَحَقَّقُ إِلاَّ بِالدُّخُول لِلدَّارِ بِقَصْدِ الاِسْتِيلاَءِ عَلَيْهَا، أَمَّا الدُّخُول بِدُونِ هَذِهِ النِّيَّةِ فَلاَ يُسَمَّى غَصْبًا، وَلِهَذَا قَالُوا فِي كُتُبِهِمْ: " لاَ يَحْصُل الْغَصْبُ مِنْ غَيْرِ اسْتِيلاَءٍ، فَلَوْ دَخَل أَرْضَ إِنْسَانٍ أَوْ دَارَهُ لَمْ يَضْمَنْهَا بِدُخُولِهِ، سَوَاءٌ دَخَلَهَا بِإِذْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ صَاحِبُهَا فِيهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ (68) ". الصُّلْحُ عَلَى السُّكْنَى عَنْ دَعْوَى غَيْرِ مَنْفَعَةٍ:
27 - يَجُوزُ الصُّلْحُ عَنْ دَعْوَى الْمَال عَلَى السُّكْنَى، وَهَذَا الصُّلْحُ إجَارَةٌ لِلْمَصَالِحِ بِهِ فَيُشْتَرَطُ فِيهَا شُرُوطُهَا؛ لأَِنَّ الْعَيْنَ الْمُدَّعَى بِهَا أُجْرَةٌ لِلسُّكْنَى (سَوَاءٌ أَكَانَ الصُّلْحُ عَنْ إِقْرَارٍ أَمْ عَنْ إِنْكَارٍ أَمْ عَنْ سُكُوتِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) .
وَمِثَالُهُ: أَنْ يَقُول: صَالَحْتُكَ عَنْ هَذِهِ الدَّارِ عَلَى سُكْنَى دَارٍ أُخْرَى مُدَّةً مَعْلُومَةً.
وَعَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ الْمُدَّعِي يَتْرُكُ الدَّارَ الْمُدَّعَى بِهَا وَيَسْكُنُ الدَّارَ الْمُصَالَحَ عَلَيْهَا فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ.
وَاشْتَرَطَ الْمَالِكِيَّةُ لِصِحَّةِ الصُّلْحِ عَلَى السُّكْنَى عِدَّةَ شُرُوطٍ ذُكِرَتْ عِنْدَهُمْ فِي الصُّلْحِ عَلَى الْمَنَافِعِ، مِنْهَا: أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعَى بِهِ مُعَيَّنًا حَاضِرًا، كَأَنْ يَدَّعِيَ بِهَذَا الْعَبْدِ أَوْ هَذَا الْكِتَابِ وَهُوَ بِيَدِهِ، فَيُصَالِحَهُ بِسُكْنَى دَارِهِ.
فَلَوْ كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ كَدَرَاهِمَ، فَلاَ يَجُوزُ الصُّلْحُ عَلَيْهَا بِالسُّكْنَى لأَِنَّهُ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ (69) .
وَذَهَبَ الْمُتَيْطِيُّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى عَدَمِ جَوَازِ الصُّلْحِ عَلَى سُكْنَى دَارٍ (70) . وَاشْتَرَطَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَلاَّ يَكُونَ الصُّلْحُ عَلَى سُكْنَى الْعَيْنِ الْمُدَّعَى بِهَا، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِلَى الْمُدَّعِي. وَعَلَيْهِ فَلَوْ صَالَحَهُ عَلَى أَنْ يَسْكُنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الَّذِي فِي يَدِهِ الدَّارَ سَنَةً فِيهَا. ثُمَّ يَدْفَعَهَا إِلَى الْمُدَّعِي لَمْ يَجُزْ؛ لأَِنَّ الْعَيْنَ وَمَنَافِعَهَا مِلْكٌ لِلْمُقَرِّ لَهُ. فَكَيْفَ يَتَعَوَّضُ مِنْ مِلْكِهِ أَوْ مَنْفَعَتِهِ. فَإِذَا أَسْكَنَ الْمُدَّعِي الْمُقِرُّ - الْمُدَّعَى عَلَيْهِ - فَيَكُونُ هَذَا تَبَرُّعًا مِنْ صَاحِبِ الْبَيْتِ بِمَنَافِعِهِ لَهُ، فَلَهُ أَنْ يُخْرِجَهُ مِنَ الدَّارِ مَتَى شَاءَ (71) .
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى جَوَازِ الصُّلْحِ عَلَى أَنْ يَسْكُنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الَّذِي فِي يَدِهِ الدَّارُ سَنَةً أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَل بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ الْمُدَّةُ مَعْلُومَةً.
وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مُتَصَرِّفٌ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ بِاسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ لِنَفْسِهِ فِي الْمُدَّةِ الْمَشْرُوطَةِ، فَكَانَ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَصَرِّفًا فِي مِلْكِ نَفْسِهِ فِي زَعْمِهِ، فَيَجُوزُ (72) .
الصُّلْحُ عَنِ السُّكْنَى:
28 - يَجُوزُ الصُّلْحُ عَنِ السُّكْنَى عَلَى مَالٍ، أَوْ عَلَى خِدْمَةٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَنَافِعِ إِذَا كَانَا مُخْتَلِفَيِ الْجِنْسِ (73) .
وَأَمَّا الصُّلْحُ عَنِ السُّكْنَى بِالسُّكْنَى فَفِيهَا خِلاَفٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (صُلْح) .
سُكْنَى أَهْل الذِّمَّةِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ:
29 - سُكْنَى أَهْل الذِّمَّةِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ إِنْ كَانَتْ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ فَلاَ تَجُوزُ بِاتِّفَاقٍ (74) .
لَمَا رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ ﵄ قَال: أَوْصَى رَسُول اللَّهِ ﷺ بِثَلاَثَةِ أَشْيَاءَ، قَال: أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَأَجِيزُوا الْوُفُودَ بِنَحْوِ مَا كُنْتُ أُجِيزُهُمْ، وَسَكَتَ عَنِ الثَّالِثِ (75) ، وَلِمَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: لاَ يَبْقَيَنَّ دِينَانِ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ (76) . وَهَذَا الْحُكْمُ وَإِنْ كَانَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ بَيْنَ فُقَهَاءِ الْمَذَاهِبِ الأَْرْبَعَةِ، إِلاَّ أَنَّ الْخِلاَفَ وَقَعَ فِي الْمُرَادِ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ.
وَأَمَّا سُكْنَى أَهْل الذِّمَّةِ فِي غَيْرِ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ فَهِيَ جَائِزَةٌ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ الْمَذْكُورِينَ، نَظِيرُ مَا يَدْفَعُونَهُ مِنْ جِزْيَةٍ، عَلَى التَّفْصِيل الآْتِي:
أَوَّلاً: مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ:
30 - إِذَا أَرَادَ الذِّمِّيُّ السُّكْنَى مَعَ الْمُسْلِمِينَ فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ سُكْنَاهُ بِالشِّرَاءِ لِدَارٍ، أَوْ بِاسْتِئْجَارِهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
فَإِذَا أَرَادَ الذِّمِّيُّ أَنْ يَشْتَرِيَ دَارًا فِي الْمِصْرِ فَلاَ يَنْبَغِي أَنْ تُبَاعَ مِنْهُ، وَإِنِ اشْتَرَاهَا يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهَا مِنْ مُسْلِمٍ، وَقِيل: لاَ يُجْبَرُ.
وَقَال السَّرَخْسِيُّ: إِنْ مَصَّرَ الإِْمَامُ فِي أَرَاضِيهِمْ لِلْمُسْلِمِينَ - كَمَا مَصَّرَ عُمَرُ ﵁ الْبَصْرَةَ وَالْكُوفَةَ - فَاشْتَرَى بِهَا أَهْل الذِّمَّةِ دُورًا وَسَكَنُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ، لَمْ يُمْنَعُوا مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّا قَبِلْنَا مِنْهُمْ عَقْدَ الذِّمَّةِ لِيَقِفُوا عَلَى مَحَاسِنِ الدِّينِ، فَعَسَى أَنْ يُؤْمِنُوا، وَاخْتِلاَطُهُمْ بِالْمُسْلِمِينَ وَالسَّكَنُ مَعَهُمْ يُحَقِّقُ هَذَا الْمَعْنَى.
وَقَيَّدَ شَمْسُ الأَْئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ جَوَازَ السُّكْنَى بِقَوْلِهِ: هَذَا إِذَا قَلُّوا وَكَانُوا بِحَيْثُ لاَ تَتَعَطَّلجَمَاعَاتُ الْمُسْلِمِينَ، وَلاَ تَتَقَلَّل الْجَمَاعَةُ بِسُكْنَاهُمْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ. فَأَمَّا إِذَا كَثُرُوا عَلَى وَجْهٍ يُؤَدِّي إِلَى تَعْطِيل بَعْضِ الْجَمَاعَاتِ أَوْ تَقْلِيلِهَا مُنِعُوا مِنَ السُّكْنَى وَأُمِرُوا أَنْ يَسْكُنُوا نَاحِيَةً لَيْسَ فِيهَا لِلْمُسْلِمِينَ جَمَاعَةٌ. قَال: وَهَذَا مَحْفُوظٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الأَْمَالِي.
قَال ابْنُ عَابِدِينَ: قَال الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ: إِنَّ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يُعَوَّل عَلَيْهِ التَّفْصِيل، فَلاَ نَقُول بِالْمَنْعِ مُطْلَقًا، وَلاَ بِعَدَمِهِ مُطْلَقًا، بَل يَدُورُ الْحُكْمُ عَلَى الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ، وَالضَّرَرِ وَالْمَنْفَعَةِ، وَهَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِلْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ.
وَإِذَا تَكَارَى أَهْل الذِّمَّةِ دُورًا فِي الْمِصْرِ فِيمَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ لِيَسْكُنُوا فِيهَا جَازَ؛ لِعَوْدِ نَفْعِهِ إِلَيْنَا؛ وَلِيَرَوْا أَفْعَالَنَا فَيُسْلِمُوا. وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ الْكِرَاءِ وَالشِّرَاءِ، فَكُل مَا قِيل فِي الشِّرَاءِ يَأْتِي هُنَا فِي الْكِرَاءِ (77) .
وَاشْتَرَطَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ لِصِحَّةِ سُكْنَى الذِّمِّيِّ أَنْ تَكُونَ حَيْثُ يَنَالُهُ حُكْمُ الإِْسْلاَمِ، وَلاَ يَسْكُنُ الذِّمِّيُّ حَيْثُ يُخْشَى مِنْهُ أَنْ يَنْكُثَ. فَإِذَا سَكَنَ فِي أَمَاكِنَ بِحَيْثُ لاَ تَنَالُهُ أَحْكَامُنَا، فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِالاِنْتِقَال. فَإِنْ أَبَوْا قُوتِلُوا. وَنَقَل الْحَطَّابُ قَوْل بَعْضِ الْمُحَقِّقِينَ: إِنَّهُ إِذَا أَسْلَمَ أَهْل جِهَةٍ، وَخِفْنَا عَلَيْهِمُ الاِرْتِدَادَ إِذَا فُقِدَ الْجَيْشُ، فَإِنَّهُمْ يُؤْمَرُونَ بِالاِنْتِقَال (78) .
بَيْعُ مَكَانِ سُكْنَى الْمُفْلِسِ لِحَقِّ غُرَمَائِهِ:
31 - إِذَا كَانَ لِلْمُفْلِسِ دَارٌ فَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنْ تُبَاعَ فِي دَيْنِهِ وَيُكْتَرَى لَهُ بَدَلُهَا، وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّهَا لاَ تُبَاعُ إِلاَّ إِذَا كَانَتْ نَفِيسَةً، فَتُبَاعُ وَيُشْتَرَى بِبَعْضِ ثَمَنِهَا مَسْكَنٌ، وَيُصْرَفُ الْبَاقِي إِلَى الْغُرَمَاءِ. وَانْظُرْ بَحْثَ (إِفْلاَس) ف 49.
حُكْمُ بَيْعِ مَحَل السُّكْنَى لِلْحَجِّ:
32 - الْحَجُّ فَرْضٌ عَلَى كُل مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ حُرٍّ بِشَرْطِ الاِسْتِطَاعَةِ، وَهِيَ الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ مَعَ الرُّفْقَةِ الآْمِنَةِ، وَعَلَى ذَلِكَ فَهَل يَكُونُ مَنْ كَانَ لَهُ بَيْتٌ يَسْكُنُهُ قَادِرًا عَلَى الْحَجِّ بِأَنْ يَبِيعَهُ وَيَحُجَّ بِثَمَنِهِ؟ .
قَال الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ الْقَوْل الأَْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: إِنَّ السَّكَنَ إِذَا كَانَ عَلَى قَدْرِ حَاجَتِهِ، بِأَنْ كَانَ لاَ بُدَّ مِنْهُ لِسُكْنَاهُ أَوْ لِسُكْنَى مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ إِسْكَانُهُ، لاَ يُبَاعُ لِلْحَجِّ.
وَأَمَّا إِذَا كَانَ الْمَسْكَنُ فَاضِلاً عَنْ حَاجَتِهِ، أَوْ كَانَ نَفِيسًا، وَلَوْ أَبْدَلَهُ لَوَفَّى التَّفَاوُتُ بِنَفَقَةِ الْحَجِّ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ بَيْعُ الْفَاضِل، أَوِ اسْتِبْدَال النَّفِيسِ بِمَسْكَنٍ يَلِيقُ بِمِثْلِهِ لِلْحَجِّ. وَالرَّأْيُ الثَّانِي عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: لاَ يُشْتَرَطُ كَوْنُ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ وَالْمُؤْنَةِ فَاضِلاً عَنْ مَسْكَنِهِ اللاَّئِقِ الْمُسْتَغْرِقِ لِحَاجَتِهِ. وَلِهَذَا قَالُوا بِبَيْعِ الْمَسْكَنِ لِلْحَجِّ، قِيَاسًا عَلَى بَيْعِهِ فِي الدَّيْنِ.
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: لاَ يَلْزَمُهُ بَيْعُ مَسْكَنِهِ لأَِجْل الْحَجِّ مُطْلَقًا (79) .
حُرْمَةُ مَحَل السُّكْنَى:
33 - جَعَل اللَّهُ لِلْمَسْكَنِ حُرْمَةً، فَلاَ يَجُوزُ الدُّخُول فِيهِ بِغَيْرِ إِذْنِ صَاحِبِهِ. يَقُول اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا} (80) . وَيَقُول النَّبِيُّ ﷺ: مَنِ اطَّلَعَ فِي دَارِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ فَفَقَأُوا عَيْنَهُ فَقَدْ أُهْدِرَتْ عَيْنُهُ (81) . وَقَال ﷺ: الاِسْتِئْذَانُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، فَإِنْ أُذِنَ لَكَ فَادْخُل وَإِلاَّ فَارْجِعْ (82) . فَالسُّنَّةُ فِي الاِسْتِئْذَانِ ثَلاَثُ مَرَّاتٍ لاَ يُزَادُ عَلَيْهَا، قَال مَالِكٌ: الاِسْتِئْذَانُ ثَلاَثٌ لاَ أُحِبُّ أَنْ يَزِيدَ أَحَدٌ عَلَيْهِ، إِلاَّ مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُسْمَعْ، فَلاَ أَرَى بَأْسًا أَنْ يَزِيدَ إِذَا تَيَقَّنَ أَنَّهُ لَمْ يُسْمَعْ.
وَتُنْظَرُ التَّفَاصِيل فِي مُصْطَلَحِ (اسْتِئْذَان) .
حُكْمُ دُخُول مَحَل سُكْنَى الْغَيْرِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ:
34 - مَنْ دَخَل دَارَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَلِصَاحِبِ الدَّارِ أَنْ يَأْمُرَهُ بِالْخُرُوجِ مِنْ مَنْزِلِهِ؛ لأَِنَّهُ مُتَعَدٍّ بِدُخُول مِلْكِ غَيْرِهِ دُونَ إِذْنٍ، فَكَانَ لِصَاحِبِ الدَّارِ مُطَالَبَتُهُ بِتَرْكِ التَّعَدِّي. كَمَا لَوْ غَصَبَ مِنْهُ شَيْئًا، فَإِنْ خَرَجَ بِالأَْمْرِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ضَرْبُهُ؛ لأَِنَّ الْمَقْصُودَ إِخْرَاجُهُ وَإِزَالَةُ الْعُدْوَانِ بِغَيْرِ الْقَتْل. كَمَا لَوْ غَصَبَ مِنْهُ شَيْئًا فَأَمْكَنَ أَخْذُهُ بِغَيْرِ الْقَتْل. فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ بِالأَْمْرِ كَانَ لَهُ دَفْعُهُ بِأَسْهَل مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ يَنْدَفِعُ بِهِ؛ لأَِنَّ الْمَقْصُودَ دَفْعُهُ، فَإِذَا انْدَفَعَ بِقَلِيلٍ فَلاَ حَاجَةَ إِلَى أَكْثَرَ مِنْهُ، فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَخْرُجُ بِالْعَصَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ضَرْبُهُ بِالْحَدِيدِ؛ لأَِنَّ الْحَدِيدَ آلَةٌ لِلْقَتْل بِخِلاَفِ الْعَصَا، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ دَفْعُهُ إِلاَّ بِالْقَتْل أَوْ خَافَ أَنْ يَبْدُرَهُ بِالْقَتْل إِنْ لَمْ يَقْتُلْهُ، فَلَهُ دَفْعُهُ بِمَا يَقْتُلُهُ أَوْ يَقْطَعُ طَرَفَهُ، وَمَا أَتْلَفَ مِنْهُ فَهُوَ هَدَرٌ إِنْ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّ الدَّاخِل كَابَرَ صَاحِبَ الدَّارِ وَأَنَّهُ لَمْ يَسْتَطِعْ دَفْعَهُ إِلاَّ بِذَلِكَ (83) . وَهَذَا بِاتِّفَاقٍ فِي الْجُمْلَةِ.
35 - وَإِذَا كَانَ الأَْصْل عَدَمَ جَوَازِ دُخُول بَيْتِ الْغَيْرِ إِلاَّ بِإِذْنٍ، فَإِنَّهُ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ بَعْضُ الأَْحْوَال الْخَاصَّةِ الَّتِي يَجُوزُ فِيهَا الدُّخُول بِغَيْرِ إِذْنٍ، وَمِنْ ذَلِكَ مَا قَال الْحَنَفِيَّةُ:
أ - حَالَةُ الْغَزْوِ، فَإِنْ كَانَ الْبَيْتُ مُشْرِفًا عَلَى الْعَدُوِّ فَلِلْغُزَاةِ دُخُولُهُ لِيُقَاتِلُوا الْعَدُوَّ مِنْهُ دُونَ حَاجَةٍ إِلَى إِذْنِ صَاحِبِ الْبَيْتِ.
ب - مَنْ نَهَبَ مِنْ غَيْرِهِ ثَوْبًا، وَدَخَل النَّاهِبُ دَارَهُ جَازَ لِصَاحِبِ الثَّوْبِ أَنْ يَدْخُل دُونَ إِذْنٍ لأَِخْذِ حَقِّهِ (84) .
ج - وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: مَنْ عَلِمَ أَنَّ بَيْتًا يُشْرَبُ فِيهِ الْخَمْرُ أَوْ يُضْرَبُ فِيهِ الطُّنْبُورُ فَلَهُ الْهُجُومُ عَلَيْهِ وَإِزَالَةُ الْمُنْكَرِ وَلَوْ بِالْقِتَال، وَهَذَا عِنْدَ أَمْنِ الْفِتْنَةِ (85) .
حُكْمُ النَّظَرِ فِي مَحَل سُكْنَى الْغَيْرِ دُونَ إِذْنٍ:
36 - قَال الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: مَنِ اطَّلَعَ فِي بَيْتِ غَيْرِهِ - دُونَ إِذْنٍ - مِنْ ثَقْبٍ أَوْ كُوَّةٍ فَرَمَاهُ صَاحِبُ الْبَيْتِ بِحَصَاةٍ أَوْ طَعَنَهُ بِعُودٍ فَقَلَعَ عَيْنَهُ، لَمْ يَضْمَنْهَا. وَكَذَا لَوْ أَصَابَ قُرْبَ عَيْنِهِ فَجَرَحَهُ، فَسَرَى الْجُرْحُ فَمَاتَ فَهَدَرٌ، لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ الْمَرْفُوعِ: لَوِ اطَّلَعَ أَحَدٌ فِي بَيْتِكَ وَلَمْ تَأْذَنْ لَهُ فَحَذَفْتَهُ بِحَصَاةٍ فَفَقَأْتَ عَيْنَهُ مَا كَانَ عَلَيْكَ جُنَاحٌ (86) .
وَعَنْ سَهْل بْنِ سَعْدٍ أَنَّ رَجُلاً اطَّلَعَ فِي جُحْرٍ مِنْ بَابِ النَّبِيِّ ﷺ وَرَسُول اللَّهِ ﷺ يَحُكُّ رَأْسَهُ بِمِدْرَى فِي يَدِهِ، فَقَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: لَوْ أَعْلَمُ أَنَّكَ تَنْتَظِرُنِي لَطَعَنْتُ بِهِ فِي عَيْنَيْكَ (87) وَإِنْ تَرَكَ النَّاظِرُ الاِطِّلاَعَ وَانْصَرَفَ لَمْ يَجُزْ رَمْيُهُ؛ لأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمْ يَطْعَنِ الَّذِي اطَّلَعَ ثُمَّ انْصَرَفَ؛ لأَِنَّهُ تَرَكَ الْجِنَايَةَ.
وَلَيْسَ لِصَاحِبِ الدَّارِ رَمْيُ النَّاظِرِ بِمَا يَقْتُلُهُ ابْتِدَاءً. فَإِنْ رَمَاهُ بِحَجَرٍ يَقْتُلُهُ أَوْ حَدِيدَةٍ ثَقِيلَةٍ ضَمِنَهُ؛ لأَِنَّهُ إِنَّمَا لَهُ مَا يَقْلَعُ بِهِ الْعَيْنَ الْمُبْصِرَةَ الَّتِي حَصَل الأَْذَى مِنْهَا، دُونَ مَا يَتَعَدَّى إِلَى غَيْرِهَا، فَإِنْ لَمْ يَنْدَفِعِ الْمُطَّلِعُ بِرَمْيِهِ بِالشَّيْءِ الْيَسِيرِ جَازَ رَمْيُهُ بِأَكْثَرَ مِنْهُ وَلَوْ أَتَى ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ. وَعَلَى صَاحِبِ الدَّارِ ابْتِدَاءً أَنْ يَدْفَعَهُ بِأَسْهَل مَا يُمْكِنُ دَفْعُهُ، بِأَنْ يَقُول لَهُ انْصَرِفْ، أَوْ يُخَوِّفَهُ أَوْ يَصِيحَ عَلَيْهِ صَيْحَةً مُزْعِجَةً. فَإِنْ لَمْ يَنْصَرِفْ أَشَارَ إِلَيْهِ يُوهِمُهُ أَنَّهُ يَحْذِفُهُ. فَإِنْ لَمْ يَنْصَرِفْ فَلَهُ حَذْفُهُ حِينَئِذٍ.
وَظَاهِرُ كَلاَمِ أَحْمَدَ أَنَّهُ لاَ يُعْتَبَرُ فِي هَذَا أَنَّهُ لاَ يُمْكِنُهُ دَفْعُهُ إِلاَّ بِذَلِكَ؛ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ. قَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَاتِّبَاعُ السُّنَّةِ أَوْلَى.
قَال الشَّافِعِيَّةُ: وَلاَ يَجُوزُ رَمْيُ مَنْ نَظَرَ مِنَ الْبَابِ الْمَفْتُوحِ؛ لأَِنَّ التَّفْرِيطَ مِنْ صَاحِبِ الدَّارِ بِفَتْحِهِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ وَالأَْوْلَى عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ.
وَعِنْدَ بَعْضِ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ الْبَابَ الْمَفْتُوحَ كَالْكُوَّةِ، وَالْكُوَّةُ الْكَبِيرَةُ كَالْبَابِ الْمَفْتُوحِ، وَفِي مَعْنَاهَا الشُّبَّاكُ الْوَاسِعُ، فَلاَ يَجُوزُ رَمْيُهُ مِنْهُ؛ لِتَقْصِيرِ صَاحِبِ الدَّارِ إِلاَّ أَنْ يُنْذِرَهُ فَيَرْمِيَهُ، وَهَذَا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.أَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَقَالُوا: يَسْتَوِي أَنْ يَكُونَ الثُّقْبُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا، أَوْ كَانَ الشَّقُّ وَاسِعًا فَلِصَاحِبِ الدَّارِ رَمْيُهُ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الدَّارِ نِسَاءٌ، وَكَانَ فِيهَا صَاحِبُ الْبَيْتِ وَحْدَهُ فَالأَْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ رَمْيُ النَّاظِرِ إِلاَّ إِذَا كَانَ صَاحِبُ الدَّارِ مَكْشُوفَ الْعَوْرَةِ، فَلَهُ الرَّمْيُ. وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: لِصَاحِبِ الدَّارِ رَمْيُ النَّاظِرِ، سَوَاءٌ أَكَانَ فِي الدَّارِ نِسَاءٌ أَمْ لَمْ يَكُنْ لأَِنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ أَنَّهُ كَانَ فِي الدَّارِ الَّتِي اطَّلَعَ فِيهَا عَلَى النَّبِيِّ ﷺ نِسَاءٌ، وَقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: لَوْ أَنَّ امْرَأً اطَّلَعَ عَلَيْكَ بِغَيْرِ إِذْنٍ فَحَذَفْتَهُ. . (88) . عَامٌّ فِي الدَّارِ الَّتِي فِيهَا نِسَاءٌ وَغَيْرِهَا، وَهُوَ اخْتِيَارُ الأَْذْرَعِيِّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ.
وَاسْتَثْنَى الشَّافِعِيَّةُ مَا إِذَا كَانَ النَّاظِرُ أَحَدَ أُصُول صَاحِبِ الدَّارِ الَّذِينَ لاَ قِصَاصَ عَلَيْهِمْ وَلاَ حَدَّ قَذْفٍ، فَلاَ يَجُوزُ رَمْيُهُ، فَإِنْ رَمَاهُ ضَمِنَ.
وَاسْتَثْنَوْا كَذَلِكَ مَا إِذَا كَانَ النَّظَرُ مُبَاحًا لِلنَّاظِرِ لِخُطْبَةٍ وَنَحْوِهَا.
وَحُكْمُ نَظَرِ النَّاظِرِ مِنْ سَطْحِ نَفْسِهِ وَنَظَرِ الْمُؤَذِّنِ مِنَ الْمَنَارَةِ كَالنَّظَرِ مِنَ الْكُوَّةِ عَلَى الأَْصَحِّ كَمَا يَقُول الشَّافِعِيَّةُ؛ إِذْ لاَ تَفْرِيطَ مِنْ صَاحِبِ الدَّارِ (89) .
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: مَنْ قَصَدَ عَيْنَ النَّاظِرِ بِرَمْيِهَا بِحَصَاةٍ أَوْ نَخَسَهَا بِعُودٍ فَفَقَأَهَا، فَالْقِصَاصُ مِنْ عَيْنِ الْمَنْظُورِ لَهُ حَقٌّ لِلنَّاظِرِ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ عَيْنَ الْمَنْظُورِ بِأَنْ قَصَدَ مُجَرَّدَ زَجْرِهِ فَصَادَفَ عَيْنَهُ، فَلاَ قَوَدَ عَلَى الْمَنْظُورِ. وَفِي غَيْرِ النَّاظِرِ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْمَنْظُورِ. وَيُحْمَل حَدِيثُ النَّبِيِّ ﷺ فِي رَمْيِ النَّاظِرِ عَلَى أَنَّهُ يَرْمِيهِ لِيُنَبِّهَهُ عَلَى أَنَّهُ فَطِنَ بِهِ، أَوْ لِيَدْفَعَهُ عَنْ ذَلِكَ غَيْرَ قَاصِدٍ فَقْءَ عَيْنِهِ فَانْفَقَأَتْ عَيْنُهُ خَطَأً فَالْجُنَاحُ مُنْتَفٍ، وَهُوَ الَّذِي نُفِيَ فِي الْحَدِيثِ.
وَلأَِنَّهُ لَوْ نَظَرَ إِنْسَانٌ إِلَى عَوْرَةِ آخَرَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَلاَ يَسْتَبِيحُ فَقْءَ عَيْنِهِ فَالنَّظَرُ إِلَيْهِ فِي بَيْتِهِ أَوْلَى أَنْ لاَ يُسْتَبَاحَ بِهِ (90) .
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: مَنْ نَظَرَ فِي بَيْتِ إِنْسَانٍ فَفَقَأَ صَاحِبُ الْبَيْتِ عَيْنَهُ لاَ يَضْمَنُ إِنْ لَمْ يُمْكِنْ تَنْحِيَتُهُ مِنْ غَيْرِ فَقْئِهَا، وَإِنْ أَمْكَنَ ضَمِنَ. وَلَوْ أَدْخَل رَأْسَهُ فَرَمَاهُ بِحَجَرٍ فَفَقَأَهَا لاَ يَضْمَنُ إِجْمَاعًا، لأَِنَّهُ شَغَل مِلْكَهُ كَمَا لَوْ قَصَدَ أَخْذَ ثِيَابِهِ فَدَفَعَهُ حَتَّى قَتَلَهُ لَمْ يَضْمَنْ (91) .
__________
(1) القاموس، والمصباح، ولسان العرب.
(2) المبسوط لشمس الأئمة السرخسي 8 / 160 طبع مطبعة دار المعرفة للطباعة والنشر بدائع الصنائع للكاساني 4 / 1728 طبع مطبعة الإمام بمصر، مواهب الجليل شرح مختصر خليل للحطاب 3 / 303 وما بعدها، حاشية البجيرمي على شرح منهج الطلاب 4 / 296 طبع المطبعة الأميرية ببولاق مصر، كشاف القناع على متن الإقناع 4 ص 2154.
(3)
(4) رد المحتار على الدر المختار لابن عابدين 3 / 611، جامع الفصولين لابن قاضي شحاده 1 / 200، 201 شرح الخرشي على مختصر خليل 3 / 155، نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج 6 / 398، وإعلام الموقعين عن رب العالمين لابن قيم الجوزية 4 / 37.
(5) سورة الطلاق / 6.
(6) سورة النساء / 19.
(7) بدائع الصنائع 4 / 15، المجموع شرح المهذب ص 256، تحفة المحتاج 7 / 443. مع حاشية الشرواني، والشرح الكبير للدردير 2 / 509، الفروع لابن مفلح 5 / 577.
(8) مجمع الأنهر 1 / 493 فتح القدير 4 / 207، نهاية المحتاج 7 / 186، كشاف القناع 5 / 196، الفروع 5 / 324، مواهب الجليل 4 / 13، الشرح الكبير 2 / 316.
(9) بدائع الصنائع 5 / 2213، بستان العارفين للإمام النووي ص 34، كشاف القناع 3 / 53، الشرح الكبير 2 / 474.
(10) البحر الرائق 4 / 210، فتح القدير 3 / 335، العقود الدرية 1 / 71، الشرح الصغير 1 / 581، حاشية الدسوقي 2 / 474.
(11) تبيين الحقائق 3 / 58، البحر الرائق 4 / 210، نهاية المحتاج 7 / 597، كشاف القناع 3 / 117، البهجة شرح التحفة 1 / 412.
(12) قال الدسوقي في حاشيته معلقا على هذا التعبير: وهذا إذا كان الزوج يتضرر من دخولهم لها فإن كان لا يتضرر فليس لها منعهم من الدخول لها 2 / 473، الشرح الكبير مع الدسوقي عليه 2 / 473 البحر الرائق 2 / 412، والفتاوى الهندية 1 / 557، فتاوى خانية 1 / 429 مع الفتاوى الهندية، مغني المحتاج 3 / 432، كشاف القناع 2 / 117، ورد المحتار 3 / 664، شرح منتهى الإرادات 3 / 99.
(13) سورة الطلاق / 6.
(14) سورة الطلاق / 7.
(15) إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري 8 / 229، شرح منهج الطلاب 2 / 102 مع البجيرمي عليه، ومغني المحتاج 3 / 432.
(16) البحر الرائق 4 / 211، التاج والإكليل 4 / 16 مع مواهب الجليل، تحفة المحتاج بشرح المنهاج 7 / 456 مع حواشي الشرواني وابن قاسم العبادي عليها، كشاف القناع 3 / 125، شرح منتهى الإرادات للبهوتي 3 / 183.
(17) البحر الرائق 4 / 211، رد المحتار على الدر المختار 2 / 914، كشاف القناع 3 / 300.
(18) سورة الطلاق / 6.
(19) سورة النساء / 19.
(20) عينة ذوي الأحكام هامش درر الحكام 1 / 416.
(21) بداية المجتهد لابن رشد 2 / 65.
(22) سورة الطلاق / 6.
(23) سورة الطلاق / 6.
(24) سورة الطلاق / 6.
(25) سورة الطلاق / 1.
(26) حديث: " ليطلقها طاهرا أو حاملا ". أخرجه مسلم (2 / 1093 ط. الحلبي) من حديث ابن عمر.
(27) قوانين الأحكام الشرعية لابن جزي ص 251، بدائع الصنائع 2 / 238، وأحكام القرآن 3 / 459، 4 / 2038، التاج والإكليل 4 / 162 مع مواهب الجليل، مغني المحتاج 3 / 401، المغني لابن قدامة 7 / 528.
(28) القائلين بوجوب السكن لها.
(29) حديث: " ليس لك عليه نفقة ". أخرجه مسلم (2 / 1114 ط الحلبي) من حديث فاطمة بنت قيس.
(30) سورة الطلاق / 6.
(31) موطأ مالك بشرح الزرقاني 3 / 63، كشاف القناع 3 / 301.
(32) حديث: " إنما النفقة والسكنى للمرأة إذا كان لزوجها عليها الرجعة ". أخرجه أحمد (6 / 373 ط الميمنية) والنسائي (6 / 143 - 144 ط. المكتبة التجارية) من حديث فاطمة بنت قيس أصل الحديث في الصحيحين من غير هذه الزيادة وقد ضعفها الزيلعي (نصب الراية 3 / 272 ط المجلس العلمي) .
(33) سورة البقرة / 240.
(34) كشاف القناع ط الرياض 5 / 434، المغني لابن قدامة 7 / 528، نيل الأوطار للشوكاني 6 / 340.
(35) صحيح البخاري 2 / 226 (باب الخطبة) وحديث: " فإن دماءكم وأموالكم عليكم حرام " أخرجه البخاري (فتح - 3 / 574 ط السلفية) من حديث ابن عباس وأبي بكرة، ومسلم (2 / 889 ط الحلبي) من حديث جابر، واللفظ للبخاري.
(36) بدائع الصنائع 1 / 2042.
(37) سورة البقرة / 234.
(38) حديث: " امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب ". أخرجه أبو داود (2 / 723 - 724 تحقيق عزت عبيد الدعاس) والترمذي (3 / 508 - 509 ط الحلبي) من حديث زينب بنت كعب قال الحافظ: (وأعله عبد الحق تبعا لابن حزم بجهالة حال زينب) التلخيص الحبير (3 / 240 ط شركة الطباعة الفنية) .
(39) التاج والإكليل مختصر خليل 4 / 162 من مواهب الجليل، المدونة الكبرى 5 / 157، شرح أبي عبد الله محمد الخرشي (4 / 156، مغني المحتاج 3 / 402، حاشية ابن عابدين 3 / 622، زاد المعاد 4 / 218، 219، نيل الأوطار للشوكاني 6 / 336، المغني 7 / 532.
(40) فتح القدير 3 / 342، بدائع الصنائع 4 / 2041، 2042، نهاية المحتاج 7 / 145، 146، شرح التحرير 2 / 347 من حاشية الشرقاوي. حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 2 / 452، حاشية الشيخ علي العدوي على الإمام أبي الحسن 2 / 105، كشاف القناع 3 / 301، 5 / 466 ط الرياض.
(41) ` زاد المعاد 4 / 219، البجيرمي 4 / 85، كشاف القناع 3 / 276.
(42) البحر الرائق 4 / 168، تبيين الحقائق للزيلعي 3 / 37، الخرشي 4 / 85، 86، كشاف القناع ط الرياض 5 / 343، 434، المبسوط للسرخسي 5 / 209، البحر الرائق 4 / 220.
(43) مواهب الجليل 2 / 220، 4 / 40، ورد المحتار مع حاشية ابن عابدين 2 / 877، والفتاوى الكبرى لابن حجر المكي 4 / 216.
(44) مواهب الجليل 2 / 220، 4 / 40، ورد المحتار مع حاشية ابن عابدين 2 / 877، والفتاوى الكبرى لابن حجر المكي 4 / 216.
(45)
(46) البدائع 5 / 2569، الدسوقي على الشرح الكبير 4 / 20، حاشية الرشيدي 2 / 12، والمقنع 2 / 202.
(47) البدائع المرجع السابق.
(48) بدائع الصنائع 1 / 4888، وما بعدها، تبيين الحقائق للزيلعي 6 / 201 - 203، المبسوط 27 / 182، البحر الرائق 8 / 513، 514، الفتاوى الهندية 6 / 122.
(49) مواهب الجليل للحطاب 6 / 384، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 4 / 412، الصاوي على الشرح الصغير 2 / 433.
(50) نهاية المحتاج 6 / 83، حاشية الشرواني وابن قاسم العبادي على تحفة المحتاج 7 / 562.
(51) الدر المختار 5 / 607.
(52) المقنع مع حاشيته 2 / 380.
(53) تحفة المحتاج 6 / 296.
(54) بدائع الصنائع للكاساني 8 / 3673، المقنع لابن قدامة المقدسي 2 / 336، مغني المحتاج 2 / 2399.
(55) مواهب الجليل للحطاب 6 / 61، 62، مغني المحتاج 4 / 399.
(56) المبسوط 12 / 48، مغني المحتاج 2 / 400، المقنع 2 / 332.
(57) كفاية الطالب الرباني 2 / 215، الخرشي 7 / 105.
(58) التاج والإكليل للمواق هامش مواهب الجليل للحطاب 6 / 60.
(59) منحة الخالق على البحر الرائق 7 / 288.
(60) انظر الخرشي 7 / 110، 111، منحة الخالق على البحر الرائق 7 / 288.
(61) الفتاوى الكبرى لابن حجر 7 / 362.
(62) نهاية المحتاج 4 / 259، شرح منتهى الإرادات 2 / 478، المبسوط 12 / 27 وما بعدها، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 4 / 71، فتح العلي المالك 4 / 250، 251، حاشية الشيخ علي العدوي على الخرشي 7 / 79.
(63) الشرح الكبير للدردير 3 / 208، 218، وحاشية الدسوقي عليه، المبسوط 21 / 106، تحفة المحتاج 5 / 76 كشاف القناع 2 / 155، والمغني 4 / 434، ومجمع الضمانات ص 604، 609.
(64) حديث: " من ظلم قيد شبر من الأرض ". أخرجه البخاري (الفتح 6 / 292، 293 ط - السلفية) ومسلم (3 / 1231 - 1232 ط الحلبي) من حديث عائشة.
(65) بداية المجتهد لابن رشد ص 342، نهاية المحتاج 4 ص 109، كشاف القناع 2 / 340، رد المحتار على الدر المختار 5 / 162.
(66) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 3 / 414.
(67) مغني المحتاج 2 / 276.
(68) كشاف القناع 4 / 77 ط الرياض.
(69) ويظهر من شرط المالكية لصحة الصلح على السكنى أن الصلح بالسكن عن السكنى لا يصلح عندهم، انظر حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 3 / 280، 281.
(70) التاج والإكليل 5 / 81.
(71) حاشية الشرقاوي على التحرير 4 / 66 مع الشرح المذكور، كشاف القناع 2 / 191.
(72) البدائع 7 / 3511.
(73) حاشية العلامة محمد أبي السعود 3 / 179، وبدائع الصنائع 7 / 3528، وكشاف القناع 2 / 192.
(74) حاشية ابن عابدين 4 / 29، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 2 / 201، الأم 4 / 100، (طبع كتاب الشعب) ، والمغني لابن قدامة 8 / 527.
(75) حديث: " أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ". أخرجه البخاري (فتح60 / 170 - ط السلفية) من حديث ابن عباس.
(76) حديث: " لا يبقين دينان في جزيرة العرب ". أخرجه مالك في الموطأ (2 / 892 - ط الحلبي) ومن طريق البيهقي (9 / 208 ط دائرة المعارف الهندية) عن عمر بن عبد العزيز مرسلا.
(77) حاشية ابن عابدين 4 / 209، 210.
(78) الحطاب مع التاج والإكليل 3 / 381، ونهاية المحتاج 8 / 81، 85، المغني لابن قدامة 8 / 527.
(79) الدر المختار شرح تنوير الأبصار بحاشية ابن عابدين 2 / 196، والحطاب وبهامشه التاج والإكليل 2 / 504، ومغني المحتاج لمعرفة ألفاظ المنهاج 1 / 449، المغني لابن قدامة 3 / 172.
(80) سورة النور / 27.
(81) حديث: " من اطلع في دار قوم بغير إذنهم ففقأوا عينه فقد هدرت عينه ". أخرجه أبو داود (5 / 366 - تحقيق عزت عبيد الدعاس) وبنحوه أخرجه مسلم (3 / 1699 - ط الحلبي) والنسائي (8 / 61 - ط المكتبة التجارية) من حديث أبي هريرة.
(82) حديث: " الاستئذان ثلاث فإن أذن لك فادخل وإلا فارجع ". أخرجه البخاري (فتح 11 / 26 - 27 ط السلفية) ومسلم (3 / 1694 - ط الحلبي) والطحاوي في مشكل الآثار (1 / 499 - ط دائرة المعارف العثمانية) واللفظ له وجميعهم من حديث أبي سعيد الخدري.
(83) ابن عابدين 5 / 351، العدوي على الخرشي 8 / 112، ونهاية المحتاج 8 / 24، ومغني المحتاج 4 / 199، والمهذب 2 / 227، والمغني 8 / 329 - 330.
(84) ابن عابدين 5 / 126 - 127.
(85) نهاية المحتاج 8 / 24.
(86) حديث: " لو اطلع في بيتك أحد ولم تأذن له حذفته بحصاة ففقأت عينه ما كان عليك من جناح ". أخرجه البخاري (فتح12 / 216 - ط السلفية) ومسلم (3 / 1699 - ط الحلبي) واللفظ للبخاري من حديث أبي هريرة
(87) حديث: " لو أعلم أنك تنتظرني لطعنت به في عينيك ". أخرجه البخاري (الفتح 12 / 243 - ط السلفية) ومسلم (3 / 1698 - ط الحلبي) واللفظ لهما من حديث سهل بن سعد الساعدي.
(88) حديث: " لو أن امرأ اطلع عليك ". أخرجه البخاري (فتح12 / 243 - ط السلفية) ومسلم (3 / 1699 ط الحلبي) واللفظ للبخاري من حديث أبي هريرة.
(89) مغني المحتاج 4 / 197 - 199، والمغني 8 / 335 - 336.
(90) منح الجليل 4 / 560 - 561، وجواهر الإكليل 2 / 297.
(91) ابن عابدين 5 / 353.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 107/ 25
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".