الحق
كلمة (الحَقِّ) في اللغة تعني: الشيءَ الموجود حقيقةً.و(الحَقُّ)...
جعْلُ عين مالية كعقار وثيقةً بديْن، يستوفى منها، أو من ثمنها إذا تعذَّر وفاء الدين . ومن أمثلته رجل استلف مبلغاً من آخر، وترك عنده ساعته رهناً . ومن شواهده قوله تَعَالَى : ﭽﭙ ﭚﭼالبقرة :٢٨٣ .
الرَّهْنُ: الثُّبُوتُ والدَّوامُ، يُقال: ماءٌ راهِنٌ، أيْ: دائِمٌ وثابِتٌ، ورَهَنَ بِالمَكانِ، يَرْهَنُ، رُهُوناً: إذا أَقامَ فيه وثَبَتَ، ويأْتي بِمعنى الحَبْسِ، فَيُقال: رَهَنْتُهُ المَتاعَ بِالدَّيْنِ رَهْناً، أيْ: حَبَسْتُهُ بِهِ، فهو مَرْهُونٌ، أي: مَحْبوسٌ، ومنه سُـمِّيَ الرَّهْنُ رَهْناً؛ لأنَّ المالَ المَرْهُونَ مَحْبوسٌ عن التَّصَرُّفِ فِيهِ حتّى يَأْخُذَ صاحِبُ الدَّيْنِ حَقَّهُ. ومِن مَعانِيه أيضاً: الاِسْتِقْرارُ واللُّزُومُ والـمَنْعُ. وجَـمْعُه: رُهُونٌ ورِهانٌ.
يَرِد مُصْطلَح (رَهْن) في الفِقْهِ في كتاب الزَّكَاةِ، باب: زَكاة الدَّيْنِ، وفي كتاب البُيوعِ، باب: القَرْض، وفي كتاب الفَرائِض، باب: الـحُقوق المُتَعَلِّقَةِ بِالتَّرِكَةِ، وفي كتاب الرَّهْنِ، وفي كتاب الفَرائِضِ.
رهن
حَبْسُ شَيْءٍ مالِيٍّ بِحَقٍّ يُـمْكِنُ اسْتيفاؤُهُ مِنْهُ.
الرَّهْنُ: عَقْدٌ بين طَرَفَيْنِ مِن خِلالِ حَبْسِ شَيْءٍ لَهُ قِيمَةٌ مالِيَّةٌ وثِيقَةً لِلْحَقِّ، يَضْمَنُ بِهِ صاحِبُ الحَقِّ حَقَّهُ إِن عَجَزَ المَدِينُ عن السَّدادِ، أو تَعَذَّرَ اسْتِيفاؤُهُ منه، وذلك بِبَيْعِ الرَّهْنِ وأَخْذِ الحَقِّ منه كامِلاً. فحَقِيقَةُ الرَّهْنِ: حَبْسُ شَيْءٍ ماليٍّ ضَماناً لِحَقٍّ على الغَيْرِ، كأن يَقْتَرِضَ شَخْصٌ مِن آخَرَ مالاً، فَيَجْعَلَ الشَّخْصُ الذي اقْتَرَضَ عقاراً أو حَيواناً يُحْبَسُ عند المُقْرِضِ إلى وَقْتِ سَدادِ القَرْضِ.
الرَّهْنُ: الثُّبُوتُ والدَّوامُ، ويأْتي بِمعنى الحَبْسِ والاِسْتِقْرارُ واللُّزُومُ.
جعْلُ عين مالية كعقار وثيقةً بديْن، يستوفى منها، أو من ثمنها إذا تعذَّر وفاء الدين.
* المحكم والمحيط الأعظم : (4/300)
* المفردات في غريب القرآن : (ص 204)
* مختار الصحاح : (ص 267)
* لسان العرب : (13/188)
* المصباح المنير في غريب الشرح الكبير : (1/242)
* المطلع على ألفاظ المقنع : (ص 247)
* أنيس الفقهاء في تعريفات الألفاظ المتداولة بين الفقهاء : (ص 107)
* حاشية ابن عابدين : (5/307)
* نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج : (4/233)
* شرح حدود ابن عرفة : (2/126)
* القاموس الفقهي : (ص 154)
* الموسوعة الفقهية الكويتية : (23/175)
* معجم لغة الفقهاء : (ص 273) -
. التَّعْرِيفُ:
1 - الرَّهْنُ فِي اللُّغَةِ: الثُّبُوتُ وَالدَّوَامُ، يُقَال: مَاءٌ رَاهِنٌ أَيْ: رَاكِدٌ وَدَائِمٌ، وَنِعْمَةٌ رَاهِنَةٌ أَيْ: ثَابِتَةٌ دَائِمَةٌ.
وَيَأْتِي بِمَعْنَى الْحَبْسِ (1) . وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى: قَوْله تَعَالَى: {كُل امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} (2) وَحَدِيثُ: نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مَرْهُونَةٌ - أَيْ مَحْبُوسَةٌ - بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ دَيْنُهُ (3) .
وَشَرْعًا: جَعْل عَيْنٍ مَالِيَّةٍ وَثِيقَةً بِدَيْنٍ يُسْتَوْفَى مِنْهَا أَوْ مِنْ ثَمَنِهَا إِذَا تَعَذَّرَ الْوَفَاءُ (4) . الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الضَّمَانُ:
2 - وَهُوَ فِي اللُّغَةِ الاِلْتِزَامُ (5) .
وَشَرْعًا هُوَ الْتِزَامٌ بِحَقٍّ ثَابِتٍ فِي ذِمَّةِ الْغَيْرِ، أَوْ بِإِحْضَارِ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ، وَيُسَمَّى الْمُلْتَزِمُ ضَامِنًا، وَكَفِيلاً، وَقَال الْمَاوَرْدِيُّ: إِنَّ الْعُرْفَ جَارٍ بِاسْتِعْمَال لَفْظِ الضَّمَانِ فِي الأَْمْوَال وَالْكَفَالَةِ فِي النُّفُوسِ (6) .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ كُلًّا مِنَ الرَّهْنِ وَالضَّمَانِ عَقْدُ وَثِيقَةٍ لِلدَّيْنِ، لَكِنَّ الضَّمَانَ يَكُونُ ضَمُّ ذِمَّةٍ إِلَى ذِمَّةٍ فِي الْمُطَالَبَةِ، أَمَّا الرَّهْنُ فَلاَ بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِ عَيْنٍ مَالِيَّةٍ يُسْتَوْفَى مِنْهَا الدَّيْنُ عِنْدَ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْوَفَاءِ.
مَشْرُوعِيَّةُ الرَّهْنِ:
3 - الأَْصْل فِي مَشْرُوعِيَّةِ الرَّهْنِ قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} (7) ، وَالْمَعْنَى: فَارْهَنُوا، وَاقْبِضُوا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} (8) .
وَخَبَرُ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ: اشْتَرَى طَعَامًا مِنْ يَهُودِيٍّ إِلَى أَجَلٍ وَرَهَنَهُ دِرْعًا مِنْ حَدِيدٍ (9) . وَقَدْ أَجْمَعَتِ الأُْمَّةُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الرَّهْنِ، وَتَعَامَلَتْ بِهِ مِنْ لَدُنْ عَهْدِ النَّبِيِّ ﷺ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا، وَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ (10) .
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
4 - الرَّهْنُ جَائِزٌ وَلَيْسَ وَاجِبًا. وَقَال صَاحِبُ الْمُغْنِي: لاَ نَعْلَمُ خِلاَفًا فِي ذَلِكَ، لأَِنَّهُ وَثِيقَةٌ بِدَيْنٍ، فَلَمْ يَجِبْ كَالضَّمَانِ، وَالْكَفَالَةِ. وَالأَْمْرُ الْوَارِدُ بِهِ أَمْرُ إِرْشَادٍ، لاَ أَمْرُ إِيجَابٍ، بِدَلِيل قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} (11) وَلأَِنَّهُ أَمْرٌ بَعْدَ تَعَذُّرِ الْكِتَابَةِ، وَالْكِتَابَةُ غَيْرُ وَاجِبَةٍ، فَكَذَلِكَ بَدَلُهَا (12) .
جَوَازُ الرَّهْنِ فِي الْحَضَرِ:
5 - الرَّهْنُ فِي الْحَضَرِ جَائِزٌ جَوَازُهُ فِي السَّفَرِ، وَنَقَل صَاحِبُ الْمُغْنِي عَنِ ابْنِ الْمُنْذِرِ أَنَّهُ قَال: لاَ نَعْلَمُ أَحَدًا خَالَفَ ذَلِكَ إِلاَّ مُجَاهِدًا، وَقَال الْقُرْطُبِيُّ: وَخَالَفَ فِيهِ الضَّحَّاكُ أَيْضًا (13) . وَاسْتَدَلُّوا بِخَبَرِ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ: تُوُفِّيَ وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ بِثَلاَثِينَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ (14) " وَلأَِنَّهَا وَثِيقَةٌ تَجُوزُ فِي السَّفَرِ، فَجَازَتْ فِي الْحَضَرِ كَالضَّمَانِ، وَقَدْ تَتَرَتَّبُ الأَْعْذَارُ فِي الْحَضَرِ أَيْضًا فَيُقَاسُ عَلَى السَّفَرِ.
وَالتَّقْيِيدُ بِالسَّفَرِ فِي الآْيَةِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فَلاَ مَفْهُومَ لَهُ، لِدَلاَلَةِ الأَْحَادِيثِ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهِ فِي الْحَضَرِ، وَأَيْضًا السَّفَرُ مَظِنَّةُ فَقْدِ الْكَاتِبِ، فَلاَ يُحْتَاجُ إِلَى الرَّهْنِ غَالِبًا إِلاَّ فِيهِ (15) .
أَرْكَانُ الرَّهْنِ:
أ - مَا يَنْعَقِدُ بِهِ الرَّهْنُ:
6 - يَنْعَقِدُ الرَّهْنُ بِالإِْيجَابِ وَالْقَبُول وَهَذَا مَحَل اتِّفَاقٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ، وَاخْتَلَفُوا فِي انْعِقَادِهِ بِالْمُعَاطَاةِ، فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الْمُعْتَمَدِ إِلَى أَنَّ الرَّهْنَ لاَ يَنْعَقِدُ إِلاَّ بِإِيجَابِ وَقَبُول قَوْلِيَّيْنِ كَالْبَيْعِ. وَقَالُوا: لأَِنَّهُ عَقْدٌ مَالِيٌّ فَافْتَقَرَ إِلَيْهِمَا.
وَلأَِنَّ الرِّضَا أَمْرٌ خَفِيٌّ لاَ اطِّلاَعَ لَنَا عَلَيْهِ فَجُعِلَتِ الصِّيغَةُ دَلِيلاً عَلَى الرِّضَا، فَلاَ يَنْعَقِدُ بِالْمُعَاطَاةِ، وَنَحْوِهِ (16) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِنَّ الرَّهْنَ يَنْعَقِدُ بِكُل مَا يَدُل عَلَى الرِّضَا عُرْفًا فَيَصِحُّ بِالْمُعَاطَاةِ، وَالإِْشَارَةِ الْمُفْهِمَةِ، وَالْكِتَابَةِ، لِعُمُومِ الأَْدِلَّةِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ، وَلأَِنَّهُ لَمْ يُنْقَل عَنِ النَّبِيِّ ﷺ وَلاَ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ اسْتِعْمَال إِيجَابٍ وَقَبُولٍ فِي مُعَامَلاَتِهِمْ، وَلَوِ اسْتَعْمَلُوا ذَلِكَ لَنُقِل إِلَيْنَا شَائِعًا، وَلَمْ يَزَل الْمُسْلِمُونَ يَتَعَامَلُونَ فِي عُقُودِهِمْ بِالْمُعَاطَاةِ (17) .
وَيُشْتَرَطُ فِي الصِّيغَةِ مَا يُشْتَرَطُ فِي صِيغَةِ الْبَيْعِ. (ر: بَيْع) .
ب - الْعَاقِدُ:
7 - شُرِطَ فِي كُلٍّ مِنَ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ أَنْ يَكُونَ مُطْلَقَ التَّصَرُّفِ فِي الْمَال بِأَنْ يَكُونَ عَاقِلاً بَالِغًا رَشِيدًا، غَيْرَ مَحْجُورٍ مِنَ التَّصَرُّفِ، فَأَمَّا الصَّبِيُّ، وَالْمَجْنُونُ، وَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ فِي التَّصَرُّفِ الْمَالِيِّ فَلاَ يَصِحُّ مِنْهُ الرَّهْنُ، وَلاَ الاِرْتِهَانُ لأَِنَّهُ عَقْدٌ عَلَى الْمَال فَلَمْ يَصِحَّ مِنْهُمْ (18) .
وَالرَّهْنُ نَوْعُ تَبَرُّعٍ؛ لأَِنَّهُ حَبْسُ مَالٍ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَلَمْ يَصِحَّ إِلاَّ مِنْ أَهْل التَّبَرُّعِ، فَيَصِحُّ رَهْنُ الْبَالِغِ الْعَاقِل الرَّشِيدِ مَالَهُ، أَوْ مَال مُوَلِّيهِ بِشَرْطِ وُقُوعِهِ عَلَى وَجْهِ الْغِبْطَةِ الظَّاهِرَةِ، فَيَكُونُ بِهَا مُطْلَقَ التَّصَرُّفِ فِي مَال مُوَلِّيهِ، بِأَنْ تَكُونَ فِي رَهْنِهِ إِيَّاهُ غِبْطَةٌ ظَاهِرَةٌ أَوْ ضَرُورَةٌ (19) .
وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّ الصَّبِيَّ الْمَأْذُونَ يَجُوزُ لَهُ الرَّهْنُ وَالاِرْتِهَانُ؛ لأَِنَّ الرَّهْنَ مِنْ تَوَابِعِ التِّجَارَةِ فَيَمْلِكُهُ مَنْ يَمْلِكُ التِّجَارَةَ.
وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّ الصَّبِيَّ الْمُمَيِّزَ وَالسَّفِيهَ يَصِحُّ رَهْنُهُمَا وَيَكُونُ مَوْقُوفًا عَلَى إِجَازَةِ الْوَلِيِّ (20) .
ج - الْمَرْهُونُ بِهِ:
8 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَخْذُ الرَّهْنِ بِكُل حَقٍّ لاَزِمٍ فِي الذِّمَّةِ، أَوْ آيِلٍ إِلَى اللُّزُومِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي بَعْضِ التَّفَاصِيل.
فَقَال الشَّافِعِيَّةُ: يُشْتَرَطُ فِيمَا يَجُوزُ أَخْذُ الرَّهْنِ بِهِ ثَلاَثَةُ شُرُوطٍ:
1 - أَنْ يَكُونُ دَيْنًا، فَلاَ يَصِحُّ أَخْذُ الرَّهْنِ بِالأَْعْيَانِ مَضْمُونَةً كَانَتْ أَوْ أَمَانَةً، وَسَوَاءٌ كَانَ ضَمَانُ الْعَيْنِ بِحُكْمِ الْعَقْدِ أَوْ بِحُكْمِ الْيَدِ، كَالْمُسْتَعَارِ، وَالْمَأْخُوذِ بِالسَّوْمِ، وَالْمَغْصُوبِ، وَالأَْمَانَاتِ الشَّرْعِيَّةِ كَالْوَدِيعَةِ وَنَحْوِهَا، وَقَالُوا: لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ الرَّهْنَ فِي الْمُدَايَنَةِ فَلاَ يَثْبُتُ فِي غَيْرِهَا؛ وَلأَِنَّ الأَْعْيَانَ لاَ تُسْتَوْفَى مِنْ ثَمَنِ الْمَرْهُونِ، وَذَلِكَ مُخَالِفٌ لِقَرْضِ الرَّهْنِ عِنْدَ بَيْعِهِ.
2 - أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ ثَابِتًا، فَلاَ يَصِحُّ أَخْذُ الرَّهْنِ بِمَا لَيْسَ بِثَابِتٍ، وَإِنْ وُجِدَ سَبَبُ وُجُوبِهِ، فَلاَ يَصِحُّ بِمَا سَيُقْرِضُهُ غَدًا، أَوْ نَفَقَةِ زَوْجَتِهِ غَدًا؛ لأَِنَّ الرَّهْنَ وَثِيقَةُ حَقٍّ فَلاَ يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ، وَهُوَ رَأْيُ الْحَنَابِلَةِ.
3 - أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ لاَزِمًا أَوْ آيِلاً إِلَى اللُّزُومِ، فَلاَ يَصِحُّ بِجَعْل الْجِعَالَةِ قَبْل الْفَرَاغِ مِنَ الْعَمَل؛ لأَِنَّهُ لاَ فَائِدَةَ فِي الْوَثِيقَةِ مَعَ تَمَكُّنِ الْمَدْيُونِ مِنْ إِسْقَاطِهَا.
فَيَصِحُّ عِنْدَهُمْ أَخْذُ الرَّهْنِ بِكُل حَقٍّ لاَزِمٍ فِي الذِّمَّةِ ثَابِتٍ غَيْرِ مُعَرَّضٍ لِلإِْسْقَاطِ مِنَ الرَّاهِنِ، كَدَيْنِ السَّلَمِ، وَعِوَضِ الْقَرْضِ، وَثَمَنِ الْمَبِيعَاتِ، وَقِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ، وَالْمَهْرِ، وَعِوَضِ الْخُلْعِ غَيْرِ الْمُعَيَّنَيْنِ، وَالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ بَعْدَ حُلُول الْحَوْل، وَالأُْجْرَةِ فِي إِجَارَةِ الْعَيْنِ (21) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يَجُوزُ أَخْذُ الرَّهْنِ بِجَمِيعِ الأَْثْمَانِ الْوَاقِعَةِ فِي جَمِيعِ الْبُيُوعَاتِ، إِلاَّ الصَّرْفَ، وَرَأْسَ مَال السَّلَمِ؛ لأَِنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِمَا التَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ، وَيَجُوزُ أَخْذُ الرَّهْنِ بِدَيْنِ السَّلَمِ وَالْقَرْضِ، وَالْمَغْصُوبِ، وَقِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ، وَأَرْشِ الْجِنَايَاتِ فِي الأَْمْوَال، وَجِرَاحِ الْعَمْدِ الَّذِي لاَ قَوَدَ فِيهِ كَالْمَأْمُومَةِ، وَالْجَائِفَةِ، وَارْتِهَانٌ قَبْل الدَّيْنِ مِنْ قَرْضٍ أَوْ بَيْعٍ، وَمَا يَلْزَمُ الْمُسْتَأْجِرَ مِنَ الأُْجْرَةِ بِسَبَبِ عَمَلٍ يَعْمَلُهُ الأَْجِيرُ لَهُ بِنَفْسِهِ أَوْ دَابَّتِهِ، وَمَا يَلْزَمُ بِسَبَبِ جِعَالَةِ مَا يَلْزَمُ بِالْعَارِيَّةِ الْمَضْمُونَةِ (22) .
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: يَجُوزُ أَخْذُ الرَّهْنِ بِعِوَضِ الْقَرْضِ وَإِنْ كَانَ قَبْل ثُبُوتِهِ، بِأَنْ يَرْهَنَهُ لِيُقْرِضَهُ مَبْلَغًا مِنَ النُّقُودِ فِي الشَّهْرِ الْقَادِمِ، فَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ كَانَ مَضْمُونًا بِمَا وَعَدَ مِنَ الدَّيْنِ، وَبِرَأْسِ مَال السَّلَمِ، وَثَمَنِ الصَّرْفِ، وَالْمُسَلَّمِ فِيهِ، فَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي الْمَجْلِسِ تَمَّ الصَّرْفُ وَالسَّلَمُ، وَصَارَ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا حَقَّهُ حُكْمًا، وَإِنِ افْتَرَقَا قَبْل نَقْدٍ (قَبْضٍ) أَوْ هَلاَكٍ بَطَلاَ.
وَيَجُوزُ الرَّهْنُ بِالأَْعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِعَيْنِهَا كَالْمَغْصُوبَةِ، وَبَدَل الْخُلْعِ، وَالصَّدَاقِ، وَبَدَل الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ؛ لأَِنَّ الضَّمَانَ مُتَقَرِّرٌ، فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ قَائِمًا وَجَبَ تَسْلِيمُهُ، وَإِنْ كَانَ هَالِكًا تَجِبُ قِيمَتُهُ، فَكَانَ رَهْنًا بِمَا هُوَ مَضْمُونٌ.
أَمَّا الأَْعْيَانُ الْمَضْمُونَةُ بِغَيْرِهَا كَالْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ، وَالأَْمَانَاتِ الشَّرْعِيَّةِ كَالْوَدَائِعِ، وَالْعَوَارِيِّ، وَالْمُضَارَبَاتِ، وَمَال الشَّرِكَةِ، فَلاَ يَجُوزُ أَخْذُ الرَّهْنِ بِهَا (23) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: يَصِحُّ الرَّهْنُ بِكُل دَيْنٍ وَاجِبٍ أَوْ مَآلُهُ إِلَى الْوُجُوبِ، كَقَرْضٍ، وَقِيمَةِ مُتْلَفٍ، وَثَمَنٍ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ، وَعَلَى الْعَيْنِ الْمَضْمُونَةِ كَالْمَغْصُوبِ وَالْعَوَارِيِّ، وَالْمَقْبُوضِ عَلَى وَجْهِ السَّوْمِ، وَالْمَقْبُوضِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ.
لأَِنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الرَّهْنِ الْوَثِيقَةُ بِالْحَقِّ، وَهُوَ حَاصِلٌ، فَإِنَّ الرَّهْنَ بِهَذِهِ الأَْعْيَانِ يَحْمِل الرَّاهِنَ عَلَى أَدَائِهَا، فَإِنْ تَعَذَّرَ أَدَاؤُهَا اسْتَوْفَى بَدَلَهَا مِنْ ثَمَنِ الرَّهْنِ، فَأَشْبَهَتْ مَا فِي الذِّمَّةِ.
وَيَجُوزُ أَخْذُ الرَّهْنِ عَلَى مَنْفَعَةٍ إِجَارَةً فِي الذِّمَّةِ، كَمَنِ اسْتُؤْجِرَ لِبِنَاءِ دَارٍ، وَحَمْل شَيْءٍ مَعْلُومٍ إِلَى مَحَلٍّ مُعَيَّنٍ، فَإِنْ لَمْ يَعْمَل الأَْجِيرُ الْعَمَل بِيعَ الرَّهْنُ، وَاسْتُؤْجِرَ مِنْهُ مَنْ يَعْمَلُهُ. وَيَجُوزُ أَخْذُ الرَّهْنِ بِدِيَةٍ عَلَى عَاقِلَةٍ بَعْدَ حُلُول الْحَوْل لِوُجُوبِهَا، أَمَّا قَبْل حُلُول الْحَوْل فَلاَ يَصِحُّ لِعَدَمِ وُجُوبِهَا. وَلاَ يَجُوزُ أَخْذُ الرَّهْنِ عَلَى جُعْل الْجِعَالَةِ قَبْل الْعَمَل، وَلاَ عَلَى عِوَضِ مُسَابَقَةٍ قَبْل الْعَمَل لِعَدَمِ وُجُوبِ ذَلِكَ، وَلاَ يَتَحَقَّقُ أَنَّهُ يَئُول إِلَى الْوُجُوبِ. وَبَعْدَ الْعَمَل جَازَ فِيهِمَا.
وَلاَ يَصِحُّ أَخْذُ الرَّهْنِ بِعِوَضٍ غَيْرِ ثَابِتٍ فِي الذِّمَّةِ كَالثَّمَنِ الْمُعَيَّنِ كَقِطْعَةٍ مِنَ الذَّهَبِ جُعِلَتْ بِعَيْنِهَا ثَمَنًا، وَالأُْجْرَةِ الْمُعَيَّنَةِ فِي الإِْجَارَةِ، وَالْمَنْفَعَةِ الْمُعَيَّنَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا فِي الإِْجَارَةِ، كَدَارٍ مُعَيَّنَةٍ، وَدَابَّةٍ مُعَيَّنَةٍ، لِحَمْل شَيْءٍ مُعَيَّنٍ إِلَى مَكَانٍ مَعْلُومٍ؛ لأَِنَّ الذِّمَّةَ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا فِي هَذِهِ الصُّوَرِ حَقٌّ وَاجِبٌ، وَلاَ يَئُول إِلَى الْوُجُوبِ؛ وَلأَِنَّ الْحَقَّ يَتَعَلَّقُ بِأَعْيَانِ هَذِهِ الأَْشْيَاءِ (24) . د - الْمَرْهُونُ:
9 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّهُ يَجُوزُ رَهْنُ كُل مُتَمَوَّلٍ يُمْكِنُ أَخْذُ الدَّيْنِ مِنْهُ، أَوْ مِنْ ثَمَنِهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ وَفَاءِ الدَّيْنِ مِنْ ذِمَّةِ الرَّاهِنِ.
ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي بَعْضِ التَّفَاصِيل. فَقَال الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِنَّ كُل عَيْنٍ جَازَ بَيْعُهَا جَازَ رَهْنُهَا، لأَِنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الرَّهْنِ أَنْ يُبَاعَ وَيُسْتَوْفَى الْحَقُّ مِنْهُ إِذَا تَعَذَّرَ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ ذِمَّةِ الرَّاهِنِ، وَهَذَا يَتَحَقَّقُ فِي كُل عَيْنٍ جَازَ بَيْعُهَا، وَلأَِنَّ مَا كَانَ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ كَانَ مَحَلًّا لِحِكْمَةِ الرَّهْنِ، فَيَصِحُّ عِنْدَهُمْ بَيْعُ الْمَشَاعِ سَوَاءٌ رَهَنَ عِنْدَ شَرِيكِهِ أَمْ عِنْدَ غَيْرِهِ قَبِل الْقِسْمَةَ أَمْ لَمْ يَقْبَلْهَا، وَمَا لاَ يَصِحُّ بَيْعُهُ لاَ يَصِحُّ رَهْنُهُ، فَلاَ يَصِحُّ رَهْنُ الْمُسْلِمِ، أَوِ ارْتِهَانُهُ كَلْبًا، أَوْ خِنْزِيرًا، أَوْ خَمْرًا.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يَجُوزُ رَهْنُ مَا فِيهِ غَرَرٌ يَسِيرٌ، كَبَعِيرٍ شَارِدٍ، وَثَمَرٍ لَمْ يَبْدُ صَلاَحُهُ، لأَِنَّ لِلْمُرْتَهِنِ دَفْعُ مَالِهِ بِغَيْرِ وَثِيقَةٍ، فَسَاغَ أَخْذُهُ بِمَا فِيهِ غَرَرٌ، لأَِنَّهُ شَيْءٌ فِي الْجُمْلَةِ وَهُوَ خَيْرٌ مِنْ لاَ شَيْءٍ، بِخِلاَفِ مَا فِيهِ غَرَرٌ شَدِيدٌ كَالْجَنِينِ، وَزَرْعٍ لَمْ يُخْلَقْ (25) .
وَاشْتَرَطَ الْحَنَفِيَّةُ فِي الْمَرْهُونِ مَا يَلِي:
1 - أَنْ يَكُونَ مَحُوزًا أَيْ مَقْسُومًا، فَلاَ يَجُوزُ رَهْنُ الْمَشَاعِ. 2 - وَأَنْ يَكُونَ مُفْرَغًا عَنْ مِلْكِ الرَّاهِنِ، فَلاَ يَجُوزُ رَهْنٌ مَشْغُولٌ بِحَقِّ الرَّاهِنِ، كَدَارٍ فِيهَا مَتَاعُهُ.
3 - وَأَنْ يَكُونَ مُمَيَّزًا، فَلاَ يَجُوزُ رَهْنُ الْمُتَّصِل بِغَيْرِهِ اتِّصَال خِلْقَةٍ كَالثَّمَرِ عَلَى الشَّجَرِ بِدُونِ الشَّجَرِ، لأَِنَّ الْمَرْهُونَ مُتَّصِلٌ بِغَيْرِ الْمَرْهُونِ خِلْقَةً فَصَارَ كَالشَّائِعِ (26) .
رَهْنُ الْمُسْتَعَارِ:
10 - لاَ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمَرْهُونُ مِلْكًا لِلرَّاهِنِ، فَيَصِحُّ رَهْنُ الْمُسْتَعَارِ بِإِذْنِ الْمُعِيرِ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ.
وَنَقَل صَاحِبُ الْمُغْنِي عَنِ ابْنِ الْمُنْذِرِ إِجْمَاعَ أَهْل الْعِلْمِ عَلَى جَوَازِ الاِسْتِعَارَةِ لِلرَّهْنِ، لأَِنَّهُ تَوَثُّقٌ، وَهُوَ يَحْصُل بِمَا لاَ يَمْلِكُهُ الرَّاهِنُ بِدَلِيل صِحَّةِ الإِْشْهَادِ وَالْكَفَالَةِ، وَلأَِنَّ لِلْمُعِيرِ أَنْ يُلْزِمَ ذِمَّتَهُ دَيْنَ غَيْرِهِ، فَيَمْلِكُ أَنْ يُلْزِمَ عَيْنَ مَالِهِ؛ لأَِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَحَل حَقِّهِ، وَتَصَرُّفِهِ (27) .
شُرُوطُ صِحَّةِ رَهْنِ الْمُسْتَعَارِ لِلرَّهْنِ:
11 - يُشْتَرَطُ فِي عَقْدِ الْعَارِيَّةِ لِلرَّهْنِ: ذِكْرُ قَدْرِ الدَّيْنِ، وَجِنْسِهِ وَصِفَتِهِ، وَحُلُولِهِ وَتَأْجِيلِهِ، وَالشَّخْصِ الْمَرْهُونِ عِنْدَهُ، وَمُدَّةِ الرَّهْنِ لأَِنَّ الْغَرَرَ يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ فَاحْتِيجَ إِلَيْهِ. وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ (28) . وَقَال الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلاَمِ الْمَالِكِيَّةِ: لاَ يَجِبُ ذِكْرُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ، فَإِنْ أَطْلَقَ وَلَمْ يُقَيِّدْ بِشَيْءٍ صَحَّ الْعَقْدُ، وَلِلرَّاهِنِ أَنْ يَرْهَنَ بِمَا شَاءَ؛ لأَِنَّ الإِْطْلاَقَ وَاجِبُ الاِعْتِبَارِ خُصُوصًا فِي الإِْعَارَةِ؛ لأَِنَّ الْجَهَالَةَ لاَ تُفْضِي فِيهَا إِلَى الْمُنَازَعَةِ؛ لأَِنَّ مَبْنَاهَا عَلَى الْمُسَامَحَةِ، وَالْمَالِكُ قَدْ رَضِيَ بِتَعَلُّقِ دَيْنِ الْمُسْتَعِيرِ بِمَالِهِ، وَهُوَ يَمْلِكُ ذَلِكَ كَمَا يَمْلِكُ تَعَلُّقَهُ بِذِمَّتِهِ بِالْكَفَالَةِ (29) .
وَإِنْ شَرَطَ شَيْئًا مِمَّا ذُكِرَ فَخَالَفَ الْمُسْتَعِيرَ لَمْ يَصِحَّ الرَّهْنُ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ؛ لأَِنَّهُ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي هَذَا الرَّهْنِ، فَأَشْبَهَ مَنْ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي أَصْل الرَّهْنِ.
إِلاَّ أَنْ يُخَالِفَ إِلَى خَيْرٍ مِنْهُ، كَأَنْ يُؤْذَنَ لَهُ بِقَدْرٍ، وَيَرْهَنَ بِأَقَل مِنْهُ فَيَصِحُّ؛ لأَِنَّ مَنْ رَضِيَ بِقَدْرٍ فَقَدْ رَضِيَ بِمَا دُونَهُ (30) .
ضَمَانُ الْمُسْتَعَارِ:
12 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ضَمَانِ الْعَيْنِ الْمُسْتَعَارَةِ لِلرَّهْنِ، وَفِيمَنْ يَضْمَنُهَا.
فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلاَمِ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى أَنَّ الأَْصْل فِي الْعَيْنِ الْمُسْتَعَارَةِ لِلرَّهْنِ الضَّمَانُ، ثُمَّ قَال الشَّافِعِيَّةُ: إِذَا هَلَكَتْ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ قَبْل أَنْ يَرْهَنَهَا ضَمِنَ؛ لأَِنَّهُ مُسْتَعِيرٌ، وَالْعَارِيَّةُ مَضْمُونَةٌ. وَإِنْ تَلِفَتْ بَعْدَ قَبْضِ الْمُرْتَهِنِ بِلاَ تَعَدٍّ وَلاَ تَفْرِيطٍ فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِمَا، وَلاَ يَسْقُطُ الْحَقُّ عَنْ ذِمَّةِ الرَّاهِنِ. لأَِنَّ الْمُرْتَهِنَ أَمِينٌ؛ وَلأَِنَّ الْعَقْدَ عَقْدُ ضَمَانٍ أَيْ ضَمَانِ الدَّيْنِ عَلَى رَقَبَةِ الْمَرْهُونِ، فَتَكُونُ يَدُ الْمُرْتَهِنِ يَدَ أَمَانَةٍ بَعْدَ الرَّهْنِ، فَلاَ ضَمَانَ بِالتَّعَدِّي (31) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِنَّ الاِسْتِعَارَةَ لِلرَّهْنِ عَقْدُ ضَمَانٍ، فَيَضْمَنُ الرَّاهِنُ الْمَرْهُونَ إِنْ هَلَكَتْ، بِتَفْرِيطٍ أَوْ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ؛ لأَِنَّ الْعَقْدَ لاَ يَخْرُجُ عَنْ أَنْ يَكُونَ عَقْدَ عَارِيَّةٍ وَالْعَارِيَّةُ مَضْمُونَةٌ، فَيَضْمَنُ الْمُسْتَعِيرُ وَهُوَ الرَّاهِنُ (32) .
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّ يَدَ الْمُسْتَعِيرِ لِلرَّهْنِ يَدُ أَمَانَةٍ، فَلاَ يَضْمَنُ الْعَيْنَ الْمُسْتَعَارَةَ لِلرَّهْنِ إِنْ هَلَكَتْ قَبْل رَهْنِهِ أَوْ بَعْدَ فَكِّهِ، وَإِنِ اسْتَخْدَمَهُ أَوْ رَكِبَهُ مِنْ قَبْل؛ لأَِنَّهُ أَمِينٌ خَالَفَ ثُمَّ عَادَ إِلَى الْوِفَاقِ، أَمَّا الْمُرْتَهِنُ فَيَدُهُ يَدُ ضَمَانٍ، فَإِذَا هَلَكَتِ الْعَيْنُ الْمُسْتَعَارَةُ لِلرَّهْنِ فِي يَدِهِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا حَقَّهُ وَوَجَبَ لِلْمُعِيرِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ الرَّاهِنِ مِثْل الدَّيْنِ (33) . لُزُومُ الرَّهْنِ:
13 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا يَلْزَمُ بِهِ الرَّهْنُ: فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ لاَ يَلْزَمُ إِلاَّ بِالْقَبْضِ وَالإِْقْبَاضِ مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ، وَلِلرَّاهِنِ الرُّجُوعُ عَنْهُ قَبْل الْقَبْضِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} (34) .
فَلَوْ لَزِمَ عَقْدُ الرَّهْنِ بِدُونِ قَبْضٍ لَمَا كَانَ لِلتَّقْيِيدِ بِهِ فَائِدَةٌ؛ وَلأَِنَّهُ عَقْدُ إِرْفَاقٍ يَفْتَقِرُ إِلَى الْقَبُول فَافْتَقَرَ إِلَى الْقَبْضِ (35) .
وَقَال بَعْضُ أَصْحَابِ أَحْمَدَ: إِنْ كَانَ الْمَرْهُونُ مَكِيلاً أَوْ مَوْزُونًا لاَ يَلْزَمُ رَهْنُهُ إِلاَّ بِالْقَبْضِ، وَفِيمَا عَدَاهُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ إِحْدَاهُمَا: لاَ يَلْزَمُ إِلاَّ بِالْقَبْضِ، وَالأُْخْرَى: يَلْزَمُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ كَالْبَيْعِ (36) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يَلْزَمُ عَقْدُ الرَّهْنِ بِالْعَقْدِ، ثُمَّ يُجْبَرُ الرَّاهِنُ عَلَى التَّسْلِيمِ لِلْمُرْتَهِنِ، لأَِنَّهُ عَقْدٌ يَلْزَمُ بِالْقَبْضِ، فَيَلْزَمُ بِالْعَقْدِ قَبْلَهُ كَالْبَيْعِ (37) .
هَذَا، وَإِذَا شُرِطَ الرَّهْنُ أَوِ الْكَفِيل فِي عَقْدٍ مَا ثُمَّ لَمْ يَفِ الْمُلْتَزِمُ بِالشَّرْطِ فَلِلآْخَرِ الْفَسْخُ. رَهْنُ الْعَيْنِ عِنْدَ مَنْ هِيَ بِيَدِهِ:
14 - إِذَا كَانَتِ الْعَيْنُ الْمَرْهُونَةُ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ عَارِيَّةً أَوْ وَدِيعَةً، أَوْ مَغْصُوبَةً، فَرَهَنَهَا مِنْهُ صَحَّ الرَّهْنُ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، لأَِنَّهُ مَالُهُ، لَهُ أَخْذُهُ فَصَحَّ رَهْنُهُ كَمَا لَوْ كَانَ بِيَدِهِ (38) .
وَيَلْزَمُ الرَّهْنُ فِي الصُّوَرِ السَّابِقَةِ بِالْعَقْدِ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إِلَى أَمْرٍ زَائِدٍ؛ لأَِنَّ الْيَدَ ثَابِتَةٌ، وَالْقَبْضَ حَاصِلٌ، فَلَمْ يُحْتَجْ إِلَى إِقْبَاضٍ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ (39) . وَقَال الشَّافِعِيَّةُ يُشْتَرَطُ فِيهِ الإِْقْبَاضُ، أَوِ الإِْذْنُ بِهِ إِنْ كَانَ الْمَرْهُونُ حَاضِرًا، وَإِنْ كَانَ الْمَرْهُونُ غَائِبًا عَنْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ يُشْتَرَطُ مَعَ إِذْنِ الْقَبْضِ مُضِيُّ مُدَّةِ إِمْكَانِ الْقَبْضِ، وَقَالُوا: لأَِنَّ الْيَدَ كَانَتْ عَنْ غَيْرِ جِهَةِ الرَّهْنِ، فَلَمْ يَحْصُل الْقَبْضُ بِهَا (40) .
ثُمَّ عَلَى قَوْل الْجُمْهُورِ بِعَدَمِ الْحَاجَةِ لِتَجْدِيدِ الْقَبْضِ يَزُول الضَّمَانُ بِالرَّهْنِ؛ لأَِنَّهُ مَأْذُونٌ فِي إِمْسَاكِهِ رَهْنًا، وَلَمْ يَتَجَدَّدْ مِنْهُ عُدْوَانٌ، فَلَمْ يَضْمَنْهُ كَمَا لَوْ أَخَذَهُ الرَّاهِنُ مِنْهُ، ثُمَّ أَقْبَضَهُ أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْ ضَمَانِهِ؛ وَلأَِنَّ سَبَبَ الضَّمَانِ: الْغَصْبُ، وَالإِْعَارَةُ، وَلَمْ يُعَدَّ الْمُرْتَهِنُ غَاصِبًا أَوْ مُسْتَعِيرًا (41) . وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: لاَ يَبْرَأُ الْغَاصِبُ الْمُرْتَهِنُ، وَلاَ الْمُسْتَعِيرُ عَنِ الضَّمَانِ وَإِنْ لَزِمَ الْعَقْدُ، لأَِنَّهُ وَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ عَقْدَ أَمَانَةٍ: الْغَرَضُ مِنْهُ التَّوَثُّقُ - وَهُوَ لاَ يُنَافِي الضَّمَانَ - فَإِنَّ الْمُرْتَهِنَ لَوْ تَعَدَّى فِي الْمَرْهُونِ ضَمِنَهُ مَعَ بَقَاءِ الرَّهْنِ، فَإِذَا كَانَ لاَ يَرْفَعُ الضَّمَانَ فَلأََنْ لاَ يَدْفَعَهُ ابْتِدَاءً أَوْلَى، وَلِلْغَاصِبِ إِجْبَارُ الرَّاهِنِ عَلَى إِيقَاعِ يَدِهِ عَلَى الْمَرْهُونِ (أَيْ وَضْعِ يَدِهِ عَلَيْهِ) لِيَبْرَأَ مِنَ الضَّمَانِ، ثُمَّ يَسْتَعِيدُهُ مِنْهُ بِحُكْمِ الرَّهْنِ، فَإِنْ لَمْ يَقْبَل رُفِعَ إِلَى الْحَاكِمِ لِيَأْمُرَهُ بِالْقَبْضِ، فَإِنِ امْتَنَعَ قَبَضَهُ الْحَاكِمُ أَوْ مَأْذُونُهُ، وَيَرُدُّهُ إِلَى الْمُرْتَهِنِ (42) .
زَوَائِدُ الْمَرْهُونِ، وَنَمَاؤُهُ:
15 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ زِيَادَةَ الْمَرْهُونِ الْمُتَّصِلَةَ كَالسِّمَنِ وَكِبَرِ الشَّجَرِ تَتْبَعُ الأَْصْل. أَمَّا الزِّيَادَةُ الْمُنْفَصِلَةُ فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي حُكْمِهَا.
فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الزِّيَادَةَ الْمُنْفَصِلَةَ بِأَنْوَاعِهَا لاَ يَسْرِي عَلَيْهَا الرَّهْنُ؛ لأَِنَّ الرَّهْنَ لاَ يُزِيل الْمِلْكَ فَلَمْ يَسْرِ عَلَيْهَا كَالإِْجَارَةِ (43) .
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّ نَمَاءَ الْمَرْهُونِ كَالْوَلَدِ، وَالثَّمَرِ، وَاللَّبَنِ، وَالصُّوفِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ رَهْنٌ مَعَ الأَْصْل، بِخِلاَفِ مَا هُوَ بَدَلٌ عَنِ الْمَنْفَعَةِ كَالأُْجْرَةِ، وَالصَّدَقَةِ، وَالْهِبَةِ، فَلاَ تَدْخُل فِي الرَّهْنِ، وَهِيَ لِلرَّاهِنِ (44) .
وَيَقُول الْمَالِكِيَّةُ: إِنَّ مَا تَنَاسَل مِنَ الرَّهْنِ، أَوْ نَتَجَ مِنْهُ كَالْوَلَدِ يَسْرِي إِلَيْهِ الرَّهْنُ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ مِنَ الزَّوَائِدِ كَالصُّوفِ وَاللَّبَنِ، وَثِمَارِ الأَْشْجَارِ وَسَائِرِ الْغَلاَّتِ فَلاَ يَسْرِي عَلَيْهَا الرَّهْنُ (45) .
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ زَوَائِدَ الْعَيْنِ الْمَرْهُونَةِ الْمُنْفَصِلَةِ رَهْنٌ كَالأَْصْل، لاَ فَرْقَ بَيْنَ مَا تَنَاسَل مِنْهَا أَوْ نَتَجَ مِنْهَا كَالْوَلَدِ، وَبَيْنَ غَيْرِهِ كَالأُْجْرَةِ، وَالثَّمَرِ، وَاللَّبَنِ، وَالصُّوفِ، وَقَالُوا: لأَِنَّهُ حُكْمٌ ثَبَتَ فِي الْعَيْنِ بِعَقْدِ الْمَالِكِ، فَيَدْخُل فِيهِ النَّمَاءُ وَالْمَنَافِعُ بِأَنْوَاعِهَا، كَالْمِلْكِ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ؛ وَلأَِنَّ النَّمَاءَ حَادِثٌ مِنْ عَيْنِ الرَّهْنِ فَيَدْخُل فِيهَا كَالْمُتَّصِل. وَقَالُوا فِي سِرَايَةِ الرَّهْنِ عَلَى الْوَلَدِ: إِنَّهُ حُكْمٌ مُسْتَقِرٌّ فِي الأُْمِّ ثَبَتَ بِرِضَا الْمَالِكِ فَيَسْرِي إِلَى الْوَلَدِ كَالتَّدْبِيرِ، وَالاِسْتِيلاَدِ (46) .
الاِنْتِفَاعُ بِالْمَرْهُونِ:
16 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ الاِنْتِفَاعِ بِالْمَرْهُونِ، وَفِيمَنْ لَهُ ذَلِكَ.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلرَّاهِنِ وَلاَ لِلْمُرْتَهِنِ الاِنْتِفَاعُ بِالْمَرْهُونِ مُطْلَقًا، لاَ بِالسُّكْنَى وَلاَ بِالرُّكُوبِ، وَلاَ غَيْرِهِمَا، إِلاَّ بِإِذْنِ الآْخَرِ، وَفِي قَوْلٍ عِنْدَهُمْ: لاَ يَجُوزُ الاِنْتِفَاعُ لِلْمُرْتَهِنِ وَلَوْ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ؛ لأَِنَّهُ رِبًا، وَفِي قَوْلٍ: إِنْ شَرَطَهُ فِي الْعَقْدِ كَانَ رِبًا، وَإِلاَّ جَازَ انْتِفَاعُهُ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ (47) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: غَلاَّتُ الْمَرْهُونِ لِلرَّاهِنِ، وَيَنُوبُ فِي تَحْصِيلِهَا الْمُرْتَهِنُ، حَتَّى لاَ تَجُول يَدُ الرَّاهِنِ فِي الْمَرْهُونِ، وَيَجُوزُ لِلْمُرْتَهِنِ الاِنْتِفَاعُ بِالْمَرْهُونِ بِشُرُوطٍ هِيَ:
1 - أَنْ يُشْتَرَطَ ذَلِكَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ.
2 - وَأَنْ تَكُونُ الْمُدَّةُ مُعَيَّنَةً.
3 - أَلاَّ يَكُونَ الْمَرْهُونُ بِهِ دَيْنُ قَرْضٍ.
فَإِنْ لَمْ يَشْرِطْ فِي الْعَقْدِ وَأَبَاحَ لَهُ الرَّاهِنُ الاِنْتِفَاعَ بِهِ مَجَّانًا لَمْ يَجُزْ؛ لأَِنَّهُ هَدِيَّةُ مِدْيَانٍ، وَهِيَ غَيْرُ جَائِزَةٍ، وَكَذَا إِنْ شَرَطَ مُطْلَقًا وَلَمْ يُعَيِّنْ مُدَّةً لِلْجَهَالَةِ، أَوْ كَانَ الْمَرْهُونُ بِهِ دَيْنُ قَرْضٍ، لأَِنَّهُ سَلَفٌ جَرَّ نَفْعًا (48) .
وَفَرَّقَ الْحَنَابِلَةُ بَيْنَ الْمَرْهُونِ الْمَرْكُوبِ أَوِ الْمَحْلُوبِ وَبَيْنَ غَيْرِهِمَا، وَقَالُوا: إِنْ كَانَ الْمَرْهُونُ غَيْرَ مَرْكُوبٍ أَوْ مَحْلُوبٍ، فَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ وَلاَ لِلرَّاهِنِ الاِنْتِفَاعُ بِهِ إِلاَّ بِإِذْنِ الآْخَرِ.
أَمَّا الْمُرْتَهِنُ فَلأَِنَّ الْمَرْهُونَ وَنَمَاءَهُ وَمَنَافِعَهُ مِلْكٌ لِلرَّاهِنِ، فَلَيْسَ لِغَيْرِهِ أَخْذُهَا بِدُونِ إِذْنِهِ، وَأَمَّا الرَّاهِنُ فَلأَِنَّهُ لاَ يَنْفَرِدُ بِالْحَقِّ، فَلاَ يَجُوزُ لَهُ الاِنْتِفَاعُ إِلاَّ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ.
فَإِنْ أَذِنَ الْمُرْتَهِنُ لِلرَّاهِنِ بِالاِنْتِفَاعِ بِالْمَرْهُونِ جَازَ، وَكَذَا إِنْ أَذِنَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ بِشَرْطِ:
1 - أَنْ لاَ يَكُونَ الْمَرْهُونُ بِهِ دَيْنُ قَرْضٍ.
2 - وَأَنْ لاَ يَأْذَنَ بِغَيْرِ عِوَضٍ، فَإِنْ أَذِنَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ بِالاِنْتِفَاعِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَكَانَ الْمَرْهُونُ بِهِ دَيْنُ قَرْضٍ، فَلاَ يَجُوزُ لَهُ الاِنْتِفَاعُ بِهِ؛ لأَِنَّهُ قَرْضٌ جَرَّ نَفْعًا، وَهُوَ حَرَامٌ، أَمَّا إِنْ كَانَ الْمَرْهُونُ بِثَمَنِ مَبِيعٍ أَوْ أُجْرَةِ دَارٍ، أَوْ دَيْنِ غَيْرِ الْقَرْضِ جَازَ لِلْمُرْتَهِنِ الاِنْتِفَاعُ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ، وَكَذَا إِنْ كَانَ الاِنْتِفَاعُ بِعِوَضٍ، كَأَنْ يَسْتَأْجِرَ الدَّارَ الْمَرْهُونَةَ مِنَ الرَّاهِنِ بِأُجْرَةِ مِثْلِهَا فِي غَيْرِ مُحَابَاةٍ؛ لأَِنَّهُ لَمْ يَنْتَفِعْ بِالْقَرْضِ بَل بِالإِْجَارَةِ، وَإِنْ شَرَطَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا الْمُرْتَهِنُ فَالشَّرْطُ فَاسِدٌ؛ لأَِنَّهُ يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ.
أَمَّا الْمَرْكُوبُ، وَالْمَحْلُوبُ، فَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ، وَيَرْكَبَ، وَيَحْلُبَ بِقَدْرِ نَفَقَتِهِ مُتَحَرِّيًا الْعَدْل - مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ مِنَ الرَّاهِنِ بِالإِْنْفَاقِ، أَوْ الاِنْتِفَاعِ - سَوَاءٌ تَعَذَّرَ إِنْفَاقُ الرَّاهِنِ أَمْ لَمْ يَتَعَذَّرْ. وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ الظَّهْرُ يُرْكَبُ بِنَفَقَتِهِ إِذَا كَانَ مَرْهُونًا، وَلَبَنُ الدَّرِّ يُشْرَبُ بِنَفَقَتِهِ إِذَا كَانَ مَرْهُونًا، وَعَلَى الَّذِي يَرْكَبُ وَيَشْرَبُ النَّفَقَةُ (49) . وَقَالُوا: إِنَّ قَوْلَهُ ﷺ: بِنَفَقَتِهِ يُشِيرُ إِلَى الاِنْتِفَاعِ بِعِوَضِ النَّفَقَةِ، وَيَكُونُ هَذَا فِي حَقِّ الْمُرْتَهِن، أَمَّا الرَّاهِنُ فَإِنْفَاقُهُ وَانْتِفَاعُهُ لَيْسَا بِسَبَبِ الرُّكُوبِ وَشُرْبِ الدَّرِّ، بَل بِسَبَبِ الْمِلْكِ. فَإِنْ لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى الاِنْتِفَاعِ بِالْعَيْنِ الْمَرْهُونَةِ فِي غَيْرِهِمَا لَمْ يَجُزْ الاِنْتِفَاعُ بِهَا، فَإِنْ كَانَ دَارًا أُغْلِقَتْ، وَإِنْ كَانَتْ حَيَوَانًا تَعَطَّلَتْ مَنَافِعُهُ حَتَّى يُفَكَّ الرَّهْنُ (50) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: لَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ فِي الْمَرْهُونِ إِلاَّ حَقُّ الاِسْتِيثَاقِ فَيُمْنَعُ مِنْ كُل تَصَرُّفٍ أَوِ انْتِفَاعٍ بِالْعَيْنِ الْمَرْهُونَةِ، أَمَّا الرَّاهِنُ فَلَهُ عَلَيْهَا كُل انْتِفَاعٍ لاَ يُنْقِصُ الْقِيمَةَ كَالرُّكُوبِ وَدَرِّ اللَّبُونِ، وَالسُّكْنَى وَالاِسْتِخْدَامِ، لِحَدِيثِ: الظَّهْرُ يُرْكَبُ بِنَفَقَتِهِ إِذَا كَانَ مَرْهُونًا، وَحَدِيثِ: الرَّهْنُ مَرْكُوبٌ وَمَحْلُوبٌ (51) .
وَقِيسَ عَلَى ذَلِكَ مَا أَشْبَهَهُ مِنْ الاِنْتِفَاعَاتِ.
أَمَّا مَا يُنْقِصُ الْقِيمَةَ كَالْبِنَاءِ عَلَى الأَْرْضِ الْمَرْهُونَةِ وَالْغَرْسِ فِيهَا فَلاَ يَجُوزُ لَهُ إِلاَّ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ؛ لأَِنَّ الرَّغْبَةَ تَقِل بِذَلِكَ عِنْدَ الْبَيْعِ (52) . تَصَرُّفُ الرَّاهِنِ فِي الْمَرْهُونِ:
17 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّهُ لَيْسَ لِلرَّاهِنِ التَّصَرُّفُ فِي الْمَرْهُونِ بَعْدَ لُزُومِ الْعَقْدِ بِمَا يُزِيل الْمِلْكَ كَالْبَيْعِ، وَالْهِبَةِ وَالْوَقْفِ، أَوْ يَزْحَمُ الْمُرْتَهِنَ فِي مَقْصُودِ الرَّهْنِ، كَالرَّهْنِ عِنْدَ آخَرَ، أَوْ يُقَلِّل الرَّغْبَةَ فِي الْمَرْهُونِ، إِلاَّ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ (53) .
فَإِنْ تَصَرَّفَ بِمَا ذُكِرَ فَتَصَرُّفُهُ مَوْقُوفٌ عَلَى إِجَازَةِ الْمُرْتَهِنِ، لأَِنَّهُ تَصَرُّفٌ يُبْطِل حَقَّ الْمُرْتَهِنِ فِي الْوَثِيقَةِ، فَلَمْ يَصِحَّ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ صَحَّ التَّصَرُّفُ، وَبَطَل الرَّهْنُ إِنْ كَانَ التَّصَرُّفُ مِمَّا لَيْسَ فِيهِ لِلْمَرْهُونِ بَدَلٌ كَالْوَقْفِ، وَالْهِبَةِ، وَيَسْقُطُ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ فِي حَبْسِ الْمَرْهُونِ. لأَِنَّ الْمَنْعَ كَانَ لِحَقِّهِ وَقَدْ زَال بِإِذْنِهِ (54) .
وَإِنْ كَانَ لِلْمَرْهُونِ بَدَلٌ كَالْبَيْعِ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ: فَإِنْ كَانَ الإِْذْنُ مُطْلَقًا، وَالدَّيْنُ مُؤَجَّلاً صَحَّ الْبَيْعُ وَبَطَل الرَّهْنُ لِخُرُوجِ الْمَرْهُونِ مِنْ مِلْكِ الرَّاهِنِ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ، وَلاَ يَحِل ثَمَنُ الْعَيْنِ الْمَرْهُونَةِ مَحَلَّهَا لِعَدَمِ حُلُول الدَّيْنِ.
أَمَّا إِذَا كَانَ حَالًّا عِنْدَ الإِْذْنِ قَضَى حَقَّ الْمُرْتَهِنِ مِنْ ثَمَنِ الْمَرْهُونِ، وَحُمِل إِذْنُهُ عَلَى الْبَيْعِ مِنْ غَرَضِهِ لِمَجِيءِ وَقْتِهِ؛ وَلأَِنَّ مُقْتَضَى الرَّهْنِ بَيْعُهُ وَالاِسْتِيفَاءُ مِنْهُ، وَلاَ يَبْطُل الرَّهْنُ، فَيَكُونُ الرَّاهِنُ مَحْجُورًا فِي ثَمَنِ الْمَرْهُونِ إِلَى وَفَاءِ الدَّيْنِ (55) . وَإِنْ شَرَطَ فِي الإِْذْنِ أَنْ يُقْضَى الدَّيْنُ مِنْ ثَمَنِ الْمَرْهُونِ صَحَّ الْبَيْعُ لِلإِْذْنِ، وَلَغَا الشَّرْطُ؛ لأَِنَّ التَّأْجِيل أَخَذَ قِسْطًا مِنَ الثَّمَنِ وَهُوَ لاَ يَجُوزُ، وَيَكُونُ الثَّمَنُ رَهْنًا مَكَانَ الْمَرْهُونِ؛ لأَِنَّ الْمُرْتَهِنَ لَمْ يَأْذَنْ فِي الْبَيْعِ إِلاَّ طَامِعًا فِي وَفَاءِ الدَّيْنِ مِنْ ثَمَنِهِ فَلَمْ يَسْقُطْ حَقُّهُ مِنْهُ مُطْلَقًا، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ (56) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: إِنْ شَرَطَ فِي إِذْنِ الْبَيْعِ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ رَهْنًا لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ سَوَاءٌ أَكَانَ الدَّيْنُ حَالًّا أَمْ مُؤَجَّلاً لِفَسَادِ الإِْذْنِ بِفَسَادِ الشَّرْطِ (57) .
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا بَاعَ الرَّاهِنُ وَأَجَازَ الْمُرْتَهِنُ الْبَيْعَ جَازَ؛ لأَِنَّ تَوْقِيفَ الْبَيْعِ لِحَقِّهِ، وَقَدْ رَضِيَ بِسُقُوطِهِ، وَإِنْ نَفَذَ الْبَيْعُ بِإِجَازَةِ الْمُرْتَهِنِ يَنْتَقِل حَقُّهُ إِلَى بَدَلِهِ لأَِنَّ حَقَّهُ بِالْمَالِيَّةِ، وَلِلْبَدَل حُكْمُ الْبَدَل، وَإِنْ لَمْ يُجِزِ الْمُرْتَهِنُ الْبَيْعَ يَبْقَى مَوْقُوفًا فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْمَذْهَبِ، وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ بَيْنَ أَنْ يَصْبِرَ حَتَّى يَفُكَّ الرَّاهِنُ الْمَرْهُونَ، وَبَيْنَ أَنْ يَرْفَعَ الأَْمْرَ إِلَى الْحَاكِمِ فَيَفْسَخَ الْبَيْعَ لِفَوَاتِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ، وَفِي رِوَايَةٍ: لِلْمُرْتَهِنِ فَسْخُ الْبَيْعِ لأَِنَّ الْحَقَّ الثَّابِتَ لِلْمُرْتَهِنِ بِمَنْزِلَةِ الْمِلْكِ فَصَارَ كَالْمَالِكِ، لَهُ أَنْ يَفْسَخَ أَوْ يُجِيزَ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: إِنْ شَرَطَ الْمُرْتَهِنُ فِي الإِْجَازَةِ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ رَهْنًا فَهُوَ رَهْنٌ، لأَِنَّهُ إِذَا أَجَازَ بِهَذَا الشَّرْطِ لَمْ يَرْضَ بِبُطْلاَنِ حَقِّهِ عَنِ الْعَيْنِ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِالْبَدَل، فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ فَقَدْ سَقَطَ حَقُّهُ عَنِ الْمَرْهُونِ، وَالثَّمَنُ لَيْسَ بِمَرْهُونٍ حَتَّى يَتَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ (58) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِنْ أَذِنَ الْمُرْتَهِنُ لِلرَّاهِنِ بِالْبَيْعِ بَطَل الرَّهْنُ عَنِ الْعَيْنِ الْمَرْهُونَةِ، وَحَل مَكَانَهَا الثَّمَنُ رَهْنًا إِنْ لَمْ يَأْتِ الرَّاهِنُ بِرَهْنٍ كَالأَْوَّل (59) .
الْيَدُ عَلَى الْمَرْهُونِ:
18 - الْيَدُ عَلَى الْمَرْهُونِ بَعْدَ لُزُومِ الْعَقْدِ لِلْمُرْتَهِنِ؛ لأَِنَّ الرَّهْنَ الرُّكْنُ الأَْعْظَمُ لِلتَّوْثِيقِ، وَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ اسْتِرْدَادُهُ إِلاَّ بِرِضَا الْمُرْتَهِنِ أَوْ بِأَدَاءِ الدَّيْنِ وَإِنِ اتَّفَقَا عَلَى أَنْ يَجْعَلاَهُ فِي يَدِ ثَالِثٍ جَازَ، وَكَانَ وَكِيلاً لِلْمُرْتَهِنِ فِي قَبْضِهِ؛ لأَِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قَدْ لاَ يَثِقُ بِصَاحِبِهِ، وَهَذَا مَحَل اتِّفَاقٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ (60) .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ يَدَ الْمُرْتَهِنِ عَلَى الْعَيْنِ الْمَرْهُونَةِ يَدُ أَمَانَةٍ، فَلاَ يَضْمَنُ إِنْ تَلِفَتْ بِغَيْرِ تَعَدٍّ مِنْهُ لِحَدِيثِ: لاَ يَغْلَقُ الرَّهْنُ لِصَاحِبِهِ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ (61) . لأَِنَّنَا لَوْ ضَمَّنَّاهُ لاَمْتَنَعَ النَّاسُ مِنْ فِعْلِهِ خَوْفًا مِنَ الضَّمَانِ، وَلَتَعَطَّلَتِ الْمُدَايَنَاتُ وَفِيهِ ضَرَرٌ عَظِيمٌ، وَلأَِنَّهُ وَثِيقَةٌ بِالدَّيْنِ فَلاَ يُضْمَنُ كَالزِّيَادَةِ عَلَى الدَّيْنِ، إِلاَّ بِالتَّعَدِّي أَوِ التَّفْرِيطِ (62) .
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّهَا يَدُ ضَمَانٍ، فَيَضْمَنُ الْمُرْتَهِنُ إِنْ هَلَكَ بِيَدِهِ بِالأَْقَل مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنَ الدَّيْنِ، فَإِنْ تَسَاوَيَا كَانَ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا حَقَّهُ، وَإِنْ زَادَتْ قِيمَةُ الْمَرْهُونِ كَانَتِ الزِّيَادَةُ أَمَانَةً بِيَدِهِ، وَإِنْ نَقَصَتْ عَنْهَا سَقَطَ بِقَدْرِهِ مِنَ الدَّيْنِ، وَرَجَعَ الْمُرْتَهِنُ بِالْفَضْل عَلَى الرَّاهِنِ.
وَاسْتَدَلُّوا بِمَا وَرَدَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّهُ حَدَّثَ أَنَّ رَجُلاً رَهَنَ فَرَسًا، فَنَفَقَ فِي يَدِهِ، فَقَال رَسُول اللَّهِ ﷺ لِلْمُرْتَهِنِ: ذَهَبَ حَقُّكَ (63) . وَقَالُوا أَيْضًا: أَجْمَعَ الصَّحَابَةُ ﵃ عَلَى أَنَّ الرَّهْنَ مَضْمُونٌ، وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّتِهِ.
وَلاَ فَرْقَ عِنْدَهُمْ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَرْهُونُ مَالاً ظَاهِرًا كَالْحَيَوَانِ وَالْعَقَارِ، وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَالاً بَاطِنًا يُمْكِنُ إِخْفَاؤُهُ كَالْحُلِيِّ وَالْعُرُوضِ، وَبَيْنَ أَنْ يُقِيمَ شَهَادَةً بِهَلاَكِهَا بِلاَ تَفْرِيطٍ، وَبَيْنَ أَلاَّ يُقِيمَ عَلَى ذَلِكَ شَهَادَةً.
أَمَّا إِنْ هَلَكَ الْمَرْهُونُ بِتَعَدٍّ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ ضَمَانَ الْغَصْبِ (64) .
وَفَرَّقَ الْمَالِكِيَّةُ بَيْنَ مَا يُمْكِنُ إِخْفَاؤُهُ كَالْحُلِيِّ وَالْعُرُوضِ، وَبَيْنَ مَا لاَ يُمْكِنُ إِخْفَاؤُهُ كَالْحَيَوَانِ وَالْعَقَارِ، فَيَضْمَنُ الأَْوَّل إِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَرْهُونُ عِنْدَ أَمِينٍ، أَوْ لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً عَلَى هَلاَكِهِ بِلاَ تَفْرِيطٍ مِنْهُ، وَلاَ يَضْمَنُ الثَّانِيَ إِلاَّ بِتَفْرِيطٍ مِنْهُ (65) .
مُؤْنَةُ الْمَرْهُونِ:
19 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ مُؤْنَةَ الْمَرْهُونِ عَلَى الرَّاهِنِ كَعَلَفِ الْحَيَوَانِ، وَسَقْيِ الأَْشْجَارِ، وَجُذَاذِ الثِّمَارِ وَتَجْفِيفِهَا، وَأُجْرَةِ مَكَانِ الْحِفْظِ، وَالْحَارِسِ، وَرَعِي الْمَاشِيَةِ وَأُجْرَةِ الرَّاعِي وَنَحْوِ ذَلِكَ، لِقَوْلِهِ ﷺ: لاَ يَغْلَقُ الرَّهْنُ مِنْ رَاهِنِهِ الَّذِي رَهَنَهُ، عَلَيْهِ غُرْمُهُ، وَلَهُ غُنْمُهُ (66) . وَلأَِنَّهُ مِلْكُهُ، فَوَجَبَ عَلَيْهِ مَا يَحْتَاجُ لِبَقَاءِ الرَّهْنِ (67) .
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ لِمَصْلَحَةِ الرَّهْنِ بِنَفْسِهِ أَوْ تَبَعِيَّتِهِ كَعَلَفِ الدَّابَّةِ، وَأُجْرَةِ الرَّاعِي، وَسَقْيِ الْبُسْتَانِ فَعَلَى الرَّاهِنِ، وَمَا يُحْتَاجُ لِحِفْظِ الْمَرْهُونِ كَمَأْوَى الْمَاشِيَةِ، وَأُجْرَةِ الْحِفْظِ فَعَلَى الْمُرْتَهِنِ، لأَِنَّ حَبْسَ الْمَرْهُونِ لَهُ (68) .
الاِمْتِنَاعُ مِنْ بَذْل مَا وَجَبَ:
20 - إِذَا امْتَنَعَ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ مُؤْنَةُ الْمَرْهُونِ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَصَرَّ فَعَلَهُ الْحَاكِمُ مِنْ مَالِهِ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ، وَإِنْ قَامَ الْمُرْتَهِنُ بِالْمُؤْنَةِ بِغَيْرِ إِذْنِ الْحَاكِمِ صَارَ مُتَطَوِّعًا فَلاَ يَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِشَيْءٍ، وَإِنْ قَامَ بِالْمُؤْنَةِ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ، أَوْ أَشْهَدَ عَلَى الإِْنْفَاقِ عِنْدَ فَقْدِ الْحَاكِمِ وَامْتِنَاعِ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْمُؤْنَةُ أَوْ كَانَ غَائِبًا عَنِ الْبَلَدِ رَجَعَ بِمَا أَنْفَقَهُ عَلَيْهِ (69) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ بِمَا أَنْفَقَهُ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْحَاكِمُ أَوِ الرَّاهِنُ (70) . مَا يَبْطُل بِهِ عَقْدُ الرَّهْنِ قَبْل اللُّزُومِ:
21 - يَبْطُل الرَّهْنُ قَبْل الْقَبْضِ بِرُجُوعِ الرَّاهِنِ عَنِ الرَّهْنِ بِالْقَوْل وَبِتَصَرُّفٍ يُزِيل الْمِلْكَ كَالْبَيْعِ وَالإِْصْدَاقِ، وَجَعْلِهِ أُجْرَةً وَرَهْنِهِ عِنْدَ آخَرَ مَعَ الْقَبْضِ، وَهِبَةٍ، وَوَقْفٍ؛ لأَِنَّهُ أَخْرَجَهُ عَنْ إِمْكَانِ اسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ مِنْ ثَمَنِهِ، أَمَّا مَوْتُ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ قَبْل الْقَبْضِ وَجُنُونُهُ، وَتَخَمُّرُ الْعَصِيرِ، وَشُرُودُ الْعَيْنِ الْمَرْهُونَةِ قَبْل اللُّزُومِ فَلاَ يُبْطِل، أَمَّا فِي الْمَوْتِ: فَلأَِنَّ مَصِيرَ الرَّهْنِ إِلَى اللُّزُومِ فَلاَ يَتَأَثَّرُ بِمَوْتِهِ كَالْبَيْعِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ، فَيَقُومُ وَارِثُ الرَّاهِنِ مَقَامَهُ فِي الإِْقْبَاضِ، وَوَارِثُ الْمُرْتَهِنِ فِي الْقَبْضِ، أَمَّا الْمَجْنُونُ وَنَحْوُهُ فَكَالْمَوْتِ بَل أَوْلَى فَيَعْمَل الْوَلِيُّ بِمَا فِيهِ الْمَصْلَحَةُ لَهُ، مِنَ الإِْجَازَةِ أَوِ الْفَسْخِ وَالرُّجُوعِ عَنِ الْعَقْدِ (71) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يَبْطُل الْعَقْدُ بِمَوْتِ الرَّاهِنِ، وَفَلَسِهِ وَمَرَضِهِ وَجُنُونِهِ الْمُتَّصِلَيْنِ بِالْمَوْتِ قَبْل الْحَوْزِ، وَإِذْنِهِ بِسُكْنَى الدَّارِ أَوْ إِجَارَةِ الْعَيْنِ الْمَرْهُونَةِ، وَلَوْ لَمْ يَسْكُنْ (72) .
مَا يَبْطُل بِهِ الرَّهْنُ بَعْدَ لُزُومِ الْعَقْدِ:
22 - يَبْطُل الْعَقْدُ بَعْدَ لُزُومِهِ: بِتَلَفِ الْمَرْهُونِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ بِفِعْل مَنْ لاَ يَضْمَنُ كَحَرْبِيٍّ، لِفَوَاتِهِ بِلاَ بَدَلٍ، وَبِفَسْخِ الْمُرْتَهِنِ لأَِنَّ الْحَقَّ لَهُ، وَالْعَقْدَ جَائِزٌ مِنْ جِهَتِهِ، وَبِالْبَرَاءَةِ مِنَ الدَّيْنِ بِأَدَاءٍ أَوْ إِبْرَاءٍ أَوْ حَوَالَةٍ بِهِ أَوْ عَلَيْهِ، وَبِتَصَرُّفِ الرَّاهِنِ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ بِمَا يُزِيل الْمِلْكَ، كَالْهِبَةِ، وَالْوَقْفِ، وَالْبَيْعِ، أَوْ إِجَارَةٍ يَحِل الدَّيْنُ قَبْل انْقِضَاءِ مُدَّتِهَا، وَرَهْنٍ عِنْدَ غَيْرِ الْمُرْتَهِنِ بِإِذْنِهِ أَيْضًا (73) .
الشَّرْطُ فِي عَقْدِ الرَّهْنِ:
23 - الشَّرْطُ فِي عَقْدِ الرَّهْنِ كَالشَّرْطِ فِي الْبَيْعِ فَإِنْ شُرِطَ فِيهِ مُقْتَضَى الْعَقْدِ كَتَقَدُّمِ الْمُرْتَهِنِ بِالْمَرْهُونِ عِنْدَ تَزَاحُمِ الْغُرَمَاءِ وَكَوْنِ الْمَرْهُونِ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ، صَحَّ الْعَقْدُ، وَإِنْ شُرِطَ فِيهِ مَا يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ، كَأَنْ لاَ يُبَاعَ عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَى الْبَيْعِ أَوْ لاَ يُبَاعُ إِلاَّ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْل، أَوْ أَنْ يَكُونَ الْمَرْهُونُ بِيَدِ الرَّاهِنِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يَضُرُّ الْمُرْتَهِنَ أَوِ الرَّاهِنَ بَطَل الشَّرْطُ لِمُنَافَاتِهِ مَقْصُودَ الرَّهْنِ وَمُقْتَضَاهُ، وَيَبْطُل الْعَقْدُ لِفَسَادِ الشَّرْطِ (74) .
اسْتِحْقَاقُ بَيْعِ الْمَرْهُونِ:
24 - إِذَا حَل الدَّيْنُ لَزِمَ الرَّاهِنَ بِطَلَبِ الْمُرْتَهِنِ إِيفَاءُ الدَّيْنِ لأَِنَّهُ دَيْنٌ حَالٌّ فَلَزِمَ إِيفَاؤُهُ كَاَلَّذِي لاَ رَهْنَ بِهِ، فَإِنْ وَفَى الدَّيْنَ جَمِيعَهُ فِي مَالِهِ غَيْرِ الْمَرْهُونِ انْفَكَّ الْمَرْهُونُ، فَإِنْ لَمْ يُوفِ كُل الدَّيْنِ أَوْ بَعْضَهُ، وَجَبَ عَلَيْهِ بَيْعُ الْمَرْهُونِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِوَكِيلِهِ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ؛ لأَِنَّ لَهُ حَقًّا فِيهِ، وَيُقَدِّمُ فِي ثَمَنِهِ الْمُرْتَهِنَ عَلَى سَائِرِ الْغُرَمَاءِ، وَهَذَا مَحَل اتِّفَاقٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ (75) . فَإِنِ امْتَنَعَ عَنْ وَفَاءِ الدَّيْنِ وَبَيْعِ الْمَرْهُونِ لأَِدَاءِ الدَّيْنِ مِنْ ثَمَنِهِ أَمَرَهُ الْحَاكِمُ بِوَفَاءِ الدَّيْنِ مِنْ مَالِهِ، أَوْ بَيْعِ الْمَرْهُونِ، وَأَدَائِهِ مِنْ ثَمَنِهِ فَإِنْ أَصَرَّ عَلَى الاِمْتِنَاعِ مِنْ كِلاَ الأَْمْرَيْنِ عَزَّرَهُ الْحَاكِمُ بِالْحَبْسِ أَوِ الضَّرْبِ لِيَبِيعَ الْمَرْهُونَ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَل بَاعَ الْحَاكِمُ الْمَرْهُونَ، وَقَضَى الدَّيْنَ مِنْ ثَمَنِهِ لأَِنَّهُ تَعَيَّنَ طَرِيقًا لأَِدَاءِ الْوَاجِبِ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ (76) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: لاَ يُضْرَبُ، وَلاَ يُحْبَسُ، وَلاَ يُهَدَّدُ بِهِمَا، بَل يَقْتَصِرُ الْحَاكِمُ عَلَى بَيْعِ الْمَرْهُونِ وَأَدَاءِ الدَّيْنِ مِنْ ثَمَنِهِ (77) .
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: لِلْمُرْتَهِنِ مُطَالَبَةُ الرَّاهِنِ بِدَيْنِهِ، وَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ بِيَدِهِ، وَأَنْ يُطَالِبَ بِحَبْسِهِ لِدَيْنِهِ لأَِنَّ حَقَّهُ بَاقٍ بَعْدَ الرَّهْنِ، وَالرَّهْنُ لِزِيَادَةِ التَّوْثِيقِ وَالصِّيَانَةِ فَلاَ تَمْتَنِعُ بِهِ الْمُطَالَبَةُ، وَالْحَبْسُ جَزَاءُ الظُّلْمِ، وَحَبَسَهُ الْقَاضِي إِنْ ظَهَرَ مَطْلُهُ، وَلاَ يَبِيعُ الْقَاضِي الْمَرْهُونَ لأَِنَّهُ نَوْعُ حَجْرٍ، وَفِي الْحَجْرِ إِهْدَارُ أَهْلِيَّتِهِ، فَلاَ يَجُوزُ، وَلَكِنَّهُ يُدِيمُ الْحَبْسَ عَلَيْهِ حَتَّى يَبِيعَهُ دَفْعًا لِلظُّلْمِ (1) . (ر: حَجْر) .
__________
(1) لسان العرب، وأسنى المطالب 2 / 144، وابن عابدين 5 / 307، وحاشية الدسوقي 3 / 231، والمغني 4 / 361، ونهاية المحتاج 4 / 233
(2) سورة الطور / 21
(3) حديث: " نفس المؤمن مرهونة بدينه حتى يقضى عنه دينه ". ورد بلفظ: " معلقة " بدلاً من " مرهونة " أخرجه الترمذي (3 / 380 - ط الحلبي) وقال: " حديث حسن "
(4) المصادر السابقة مع اختلافات لفظية بين تعريفاتهم
(5) المصباح المنير
(6) أسنى المطالب 2 / 235
(7) سورة البقرة / 283
(8) سورة النساء / 92
(9) حديث: " أن رسول الله ﷺ اشترى طعامًا من يهودي " أخرجه البخاري (الفتح 5 / 53 - ط السلفية) من حديث عائشة
(10) المغني 4 / 362، المجموع 13 / 177، نيل الأوطار 5 / 352
(11) سورة البقرة / 283
(12)
(13) المغني 4 / 362، نيل الأوطار 5 / 352، المجموع 13 / 177
(14) حديث: " أن النبي ﷺ توفي ودرعه مرهونة عند يهودي ". أخرجه البخاري (الفتح 6 / 99 - ط السلفية)
(15) المصادر السابقة
(16) نهاية المحتاج 3 / 375، 4 / 234، وحاشية ابن عابدين 5 / 307
(17) شرح الزرقاني 5 / 3 - 4، 232، الإنصاف 5 / 137، كشاف القناع 3 / 148 - 322
(18) المجموع 13 / 179، الإنصاف 5 / 139، الزرقاني 5 / 233
(19) نهاية المحتاج 4 / 236، المغني 4 / 364، كشاف القناع 3 / 322
(20) البدائع 5 / 135، والخرشي 5 / 236
(21) روضة الطالبين 4 / 53، أسنى المطالب 2 / 150، نهاية المحتاج 4 / 248
(22) بداية المجتهد 2 / 244، بلغة السالك 2 / 116
(23) حاشية الطحطاوي 4 / 240، الهداية 4 / 133
(24) كشاف القناع 3 / 324، الإنصاف 5 / 137 - 138
(25) المغني 4 / 374، المجموع 13 / 198، نهاية المحتاج 4 / 238، بلغة السالك 2 / 109، وشرح الزرقاني 5 / 237
(26) حاشية الطحطاوي 4 / 235، والهداية 4 / 126، وفتح الباري 9 / 69 - 70
(27) المغني 4 / 380، روضة الطالبين 4 / 50، ابن عابدين 5 / 330، شرح الزرقاني 5 / 240
(28) نهاية المحتاج 4 / 245، والقليوبي 2 / 265
(29) المغني 4 / 380، ابن عابدين 5 / 330، بلغة السالك 2 / 111
(30) المصادر السابقة
(31) نهاية المحتاج 4 / 245، أسنى المطالب 2 / 249، حاشية الدسوقي 3 / 239، وجواهر الإكليل 2 / 79.
(32) المغني 4 / 383
(33) حاشية ابن عابدين 5 / 331، حاشية الطحطاوي 4 / 250
(34) سورة البقرة / 283
(35) أسنى المطالب 2 / 155، نهاية المحتاج 4 / 253، المغني 4 / 364، وحاشية ابن عابدين 5 / 308
(36) المغني 4 / 364
(37) بداية المجتهد 2 / 245، وحاشية البناني على شرح الزرقاني 5 / 233
(38) المغني 4 / 370، وحاشية الدسوقي 3 / 236، وحاشية الطحطاوي 4 / 235، وأسنى المطالب 2 / 155، ونهاية المحتاج 4 / 250
(39) المصادر السابقة
(40) أسنى المطالب 2 / 155، نهاية المحتاج 4 / 255
(41) المغني 4 / 371، حاشية الدسوقي 3 / 236، حاشية الطحطاوي 4 / 235
(42) نهاية المحتاج 4 / 255، روضة الطالبين 4 / 68، أسنى المطالب 2 / 156
(43) نهاية المحتاج 4 / 289، أسنى المطالب 2 / 173
(44) ابن عابدين 5 / 335، وفتح القدير 9 / 129.
(45) بداية المجتهد 2 / 246، القوانين الفقهية ص319
(46) المغني 4 / 430، الإنصاف 5 / 158، كشاف القناع 3 / 338
(47) حاشية الطحطاوي 4 / 236، ابن عابدين 5 / 310
(48) بلغة السالك على الشرح الصغير 2 / 112، حاشية الدسوقي 3 / 246، والقوانين الفقهية ص 319
(49) حديث: " الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهونًا ". أخرجه البخاري (الفتح 5 / 143 - ط السلفية) من حديث أبي هريرة
(50) المغني 4 / 426 - 432
(51) حديث: " الرهن مركوب محلوب ". أخرجه البيهقي (6 / 38 - ط دائرة المعارف العثمانية) من حديث أبي هريرة، ورجح البيهقي وقفه على أبي هريرة، ولكن يشهد له الحديث المتقدم
(52) روضة الطالبين 4 / 79 - 99، أسنى المطالب 2 / 161
(53) المغني 4 / 401، أسنى المطالب 2 / 158، وكشاف القناع 3 / 334، القوانين الفقهية 319، حاشية الطحطاوي 4 / 247
(54) كشاف القناع 3 / 334 - 335، نهاية المحتاج 4 / 259 - 268
(55) كشاف القناع 3 / 337، نهاية المحتاج 4 / 269، المجموع 3 / 240
(56) كشاف القناع 3 / 338
(57) أسنى المطالب 2 / 163، نهاية المحتاج 4 / 269
(58) تكملة فتح القدير وحاشية سعدي جلبي 9 / 111، وابن عابدين 5 / 327
(59) حاشية الدسوقي 3 / 243، وشرح الزرقاني 5 / 243
(60) القليوبي 2 / 272، الإنصاف 5 / 149، أسنى المطالب 2 / 162 - 165، وبلغة السالك 2 / 151، الهداية 4 / 141، حاشية الطحطاوي 4 / 245
(61) حديث: " لا يغلق الرهن لصاحبه غنمه ". أخرجه البيهقي (6 / 39 - ط دائرة المعارف العثمانية) من حديث أبي هريرة، ورجح إرساله من حديث سعيد بن المسيب، وكذا نقل ابن حجر في التلخيص (3 / 36 - ط شركة الطباعة الفنية) عن أبي داود والبزار والدارقطني وغيرهم أنهم رجحوا إرساله
(62) القليوبي 2 / 275، كشاف القناع 3 / 341، الإنصاف 5 / 155، نهاية المحتاج 4 / 181
(63) حديث: " ذهب حقك ". أخرجه أبو داود في المراسيل (ص 172 - ط الرسالة) من حديث عطاء بن أبي رباح مرسلاً، ونقل كذلك الزيلعي في نصب الراية (4 / 321 - ط المجلس العلمي) عن ابن القطان أنه ضعف الراوي عن عطاء، وهو مصعب بن ثابت بن عبد الله
(64) حاشية الطحطاوي 4 / 235، فتح القدير 9 / 70
(65) بداية المجتهد 2 / 247، حاشية الدسوقي 3 / 253
(66) حديث: " لا يغلق الرهن من راهنه الذي رهنه. . . " تقدم تخريجه (ف / 18)
(67) كشاف القناع 3 / 333، نهاية المحتاج 4 / 279، القليوبي 2 / 275، حاشية الدسوقي 3 / 251، بلغة السالك 2 / 120
(68) الطحطاوي 4 / 238، وابن عابدين 5 / 316
(69) حاشية ابن عابدين 5 / 313، أسنى المطالب 2 / 169، المغني 4 / 438
(70) بلغة السالك 2 / 120
(71) ابن عابدين 5 / 308، الهداية 2 / 126، المغني 4 / 366، روضة الطالبين 4 / 69، نهاية المحتاج 4 / 156
(72) شرح الزرقاني 5 / 242 - 243، بلغة السالك 2 / 113
(73) نهاية المحتاج 4 / 254 - 259 و268 - 269، روضة الطالبين 4 / 82 - 83، المغني 4 / 366، الهداية 2 / 147، 157، بلغة السالك 2 / 113
(74) شرح الزرقاني 5 / 241، أسنى المطالب 2 / 153، المغني 4 / 421 - 423، نهاية المحتاج 4 / 235
(75) الهداية 4 / 128، كشاف القناع 3 / 342، المغني 4 / 447، نهاية المحتاج 4 / 274، روضة الطالبين 4 / 88
(76) حاشية البجيرمي 2 / 380، نهاية المحتاج 4 / 274، القليوبي 2 / 274، كشاف القناع 3 / 342، المغني 4 / 447
(77) شرح الزرقاني 5 / 153
الموسوعة الفقهية الكويتية: 175/ 23
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".