المجيب
كلمة (المجيب) في اللغة اسم فاعل من الفعل (أجاب يُجيب) وهو مأخوذ من...
إعطاء الحرف حقه، ومستحقه، وإخراجه من مخرجه أثناء النطق به .
التَّعْرِيفُ:
1 - التَّجْوِيدُ لُغَةً: تَصْيِيرُ الشَّيْءِ جَيِّدًا. وَالْجَيِّدُ: ضِدُّ الرَّدِيءِ، يُقَال: جَوَّدَ فُلاَنٌ كَذَا: أَيْ فَعَلَهُ جَيِّدًا، وَجَوَّدَ الْقِرَاءَةَ: أَيْ أَتَى بِهَا بَرِيئَةً مِنَ الرَّدَاءَةِ فِي النُّطْقِ. (1)
وَاصْطِلاَحًا: إِعْطَاءُ كُل حَرْفٍ حَقَّهُ وَمُسْتَحَقَّهُ. وَالْمُرَادُ بِحَقِّ الْحَرْفِ: الصِّفَةُ الذَّاتِيَّةُ الثَّابِتَةُ لَهُ كَالشِّدَّةِ وَالاِسْتِعْلاَءِ، وَالْمُرَادُ بِمُسْتَحَقِّ الْحَرْفِ: مَا يَنْشَأُ عَنْ تِلْكَ الصِّفَاتِ الذَّاتِيَّةِ اللاَّزِمَةِ كَالتَّفْخِيمِ، فَإِنَّهُ نَاشِئٌ عَنْ كُلٍّ مِنَ الاِسْتِعْلاَءِ وَالتَّكْرِيرِ؛ لأَِنَّهُ يَكُونُ فِي الْحَرْفِ حَال سُكُونِهِ وَتَحْرِيكِهِ بِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ فَقَطْ، وَلاَ يَكُونُ فِي حَال الْكَسْرِ. (2) وَهَذَا كُلُّهُ بَعْدَ إِخْرَاجِ كُل حَرْفٍ مِنْ مَخْرَجِهِ. وَاعْتَبَرَهُ بَعْضُهُمْ غَيْرَ دَاخِلٍ فِي تَعْرِيفِ التَّجْوِيدِ، لأَِنَّهُ مَطْلُوبٌ لِحُصُول أَصْل الْقِرَاءَةِ، لَكِنْ قَال الشَّيْخُ عَلِيٌّ الْقَارِيُّ: وَلاَ يَخْفَى أَنَّ إِخْرَاجَ الْحَرْفِ مِنْ مَخْرَجِهِ أَيْضًا دَاخِلٌ فِي تَعْرِيفِ التَّجْوِيدِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْجَزَرِيِّ فِي كِتَابِ التَّمْهِيدِ، (3) أَيْ لأَِنَّ الْمُعَرَّفَ هُوَ الْقِرَاءَةُ الْمُجَوَّدَةُ، وَلَيْسَ مُطْلَقَ الْقِرَاءَةِ، وَتَجْوِيدُ الْقِرَاءَةِ لاَ يَكُونُ إِلاَّ بِإِخْرَاجِ كُل حَرْفٍ مِنْ مَخْرَجِهِ.
قَال ابْنُ الْجَزَرِيِّ: التَّجْوِيدُ: إِعْطَاءُ الْحُرُوفِ حُقُوقَهَا وَتَرْتِيبَهَا مَرَاتِبَهَا، وَرَدُّ الْحَرْفِ إِلَى مَخْرَجِهِ وَأَصْلِهِ وَإِلْحَاقُهُ بِنَظِيرِهِ، وَتَصْحِيحُ لَفْظِهِ وَتَلْطِيفُ النُّطْقِ بِهِ عَلَى حَال صِيغَتِهِ وَكَمَال هَيْئَتِهِ، مِنْ غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلاَ تَعَسُّفٍ وَلاَ إِفْرَاطٍ وَلاَ تَكَلُّفٍ (4) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - التِّلاَوَةُ، وَالأَْدَاءُ، وَالْقِرَاءَةُ:
2 - التِّلاَوَةُ اصْطِلاَحًا: قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ مُتَتَابِعًا كَالأَْجْزَاءِ وَالأَْسْدَاسِ. أَمَّا الأَْدَاءُ فَهُوَ: الأَْخْذُ عَنِ الشُّيُوخِ بِالسَّمَاعِ مِنْهُمْ أَوِ الْقِرَاءَةِ بِحَضْرَتِهِمْ.
وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ فَهِيَ أَعَمُّ مِنَ التِّلاَوَةِ وَالأَْدَاءِ (5) . وَلاَ يَخْفَى أَنَّ التَّجْوِيدَ أَمْرٌ زَائِدٌ عَلَى هَذِهِ الأَْلْفَاظِ الثَّلاَثَةِ، فَهُوَ أَخَصُّ مِنْهَا جَمِيعِهَا. ب - التَّرْتِيل:
3 - التَّرْتِيل لُغَةً: مَصْدَرُ رَتَّل، يُقَال: رَتَّل فُلاَنٌ كَلاَمَهُ: إِذَا أَتْبَعَ بَعْضَهُ بَعْضًا عَلَى مُكْثٍ وَتَفَهُّمٍ مِنْ غَيْرِ عَجَلٍ.
وَاصْطِلاَحًا: هُوَ رِعَايَةُ مَخَارِجِ الْحُرُوفِ وَحِفْظُ الْوُقُوفِ. وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ عَلِيٍّ ﵁ حَيْثُ قَال: التَّرْتِيل تَجْوِيدُ الْحُرُوفِ وَمَعْرِفَةُ الْوُقُوفِ (6) .
فَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّجْوِيدِ: أَنَّ التَّرْتِيل وَسِيلَةٌ مِنْ وَسَائِل التَّجْوِيدِ، وَأَنَّ التَّجْوِيدَ يَشْمَل مَا يَتَّصِل بِالصِّفَاتِ الذَّاتِيَّةِ لِلْحُرُوفِ، وَمَا يَلْزَمُ عَنْ تِلْكَ الصِّفَاتِ، أَمَّا التَّرْتِيل فَيَقْتَصِرُ عَلَى رِعَايَةِ مَخَارِجِ الْحُرُوفِ وَضَبْطِ الْوُقُوفِ لِعَدَمِ الْخَلْطِ بَيْنَ الْحُرُوفِ فِي الْقِرَاءَةِ السَّرِيعَةِ، وَلِذَلِكَ أَطْلَقَ الْعُلَمَاءُ (التَّرْتِيل) عَلَى مَرْتَبَةٍ مِنْ مَرَاتِبِ الْقِرَاءَةِ مِنْ حَيْثُ إِتْمَامُ الْمَخَارِجِ وَالْمُدُودِ، وَهُوَ يَأْتِي بَعْدَ مَرْتَبَةِ (التَّحْقِيقِ) وَأَدْنَى مِنْهُمَا مَرْتَبَةٌ وُسْطَى تُسَمَّى (التَّدْوِيرَ) ثُمَّ (الْحَدْرَ) وَهُوَ الْمَرْتَبَةُ الأَْخِيرَةُ (7) .
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
4 - لاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ الاِشْتِغَال بِعِلْمِ التَّجْوِيدِ فَرْضُ كِفَايَةٍ (8) أَمَّا الْعَمَل بِهِ، فَقَدْ ذَهَبَ الْمُتَقَدِّمُونَ مِنْ عُلَمَاءِ الْقِرَاءَاتِ وَالتَّجْوِيدِ إِلَى أَنَّ الأَْخْذَ بِجَمِيعِ أُصُول التَّجْوِيدِ وَاجِبٌ يَأْثَمُ تَارِكُهُ، سَوَاءٌ أَكَانَ مُتَعَلِّقًا بِحِفْظِ الْحُرُوفِ - مِمَّا يُغَيِّرُ مَبْنَاهَا أَوْ يُفْسِدُ مَعْنَاهَا - أَمْ تَعَلَّقَ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا أَوْرَدَهُ الْعُلَمَاءُ فِي كُتُبِ التَّجْوِيدِ، كَالإِْدْغَامِ وَنَحْوِهِ. قَال مُحَمَّدُ بْنُ الْجَزَرِيِّ فِي النَّشْرِ نَقْلاً عَنِ الإِْمَامِ نَصْرٍ الشِّيرَازِيِّ: حُسْنُ الأَْدَاءِ فَرْضٌ فِي الْقِرَاءَةِ، وَيَجِبُ عَلَى الْقَارِئِ أَنْ يَتْلُوَ الْقُرْآنَ حَقَّ تِلاَوَتِهِ (9) .
وَذَهَبَ الْمُتَأَخِّرُونَ إِلَى التَّفْصِيل بَيْنَ مَا هُوَ (وَاجِبٌ شَرْعِيٌّ) مِنْ مَسَائِل التَّجْوِيدِ، وَهُوَ مَا يُؤَدِّي تَرْكُهُ إِلَى تَغْيِيرِ الْمَبْنَى أَوْ فَسَادِ الْمَعْنَى، وَبَيْنَ مَا هُوَ (وَاجِبٌ صِنَاعِيٌّ) أَيْ أَوْجَبَهُ أَهْل ذَلِكَ الْعِلْمِ لِتَمَامِ إِتْقَانِ الْقِرَاءَةِ، وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الْعُلَمَاءُ فِي كُتُبِ التَّجْوِيدِ مِنْ مَسَائِل لَيْسَتْ كَذَلِكَ، كَالإِْدْغَامِ وَالإِْخْفَاءِ إِلَخْ. فَهَذَا النَّوْعُ لاَ يَأْثَمُ تَارِكُهُ عِنْدَهُمْ.
قَال الشَّيْخُ عَلِيٌّ الْقَارِيُّ بَعْدَ بَيَانِهِ أَنَّ مَخَارِجَ الْحُرُوفِ وَصِفَاتِهَا، وَمُتَعَلِّقَاتِهَا مُعْتَبَرَةٌ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ: فَيَنْبَغِي أَنْ تُرَاعَى جَمِيعُ قَوَاعِدِهِمْ وُجُوبًا فِيمَا يَتَغَيَّرُ بِهِ الْمَبْنَى وَيَفْسُدُ الْمَعْنَى، وَاسْتِحْبَابًا فِيمَا يَحْسُنُ بِهِ اللَّفْظُ وَيُسْتَحْسَنُ بِهِ النُّطْقُ حَال الأَْدَاءِ. ثُمَّ قَال عَنِ اللَّحْنِ الْخَفِيِّ الَّذِي لاَ يَعْرِفُهُ إِلاَّ مَهَرَةُ الْقُرَّاءِ: لاَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ فَرْضَ عَيْنٍ يَتَرَتَّبُ الْعِقَابُ عَلَى قَارِئِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ حَرَجٍ عَظِيمٍ. (10) وَلَمَّا قَال مُحَمَّدُ بْنُ الْجَزَرِيِّ فِي مَنْظُومَتِهِ فِي التَّجْوِيدِ، وَفِي الطَّيِّبَةِ أَيْضًا:
وَالأَْخْذُ بِالتَّجْوِيدِ حَتْمٌ لاَزِمُ
مَنْ لَمْ يُجَوِّدِ الْقُرْآنَ آثِمُ
قَال ابْنُهُ أَحْمَدُ فِي شَرْحِهَا:
ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَى مَنْ يَقْدِرُ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَال: لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَل بِهِ كِتَابَهُ الْمَجِيدَ، وَوَصَل مِنْ نَبِيِّهِ ﷺ مُتَوَاتِرًا بِالتَّجْوِيدِ.
وَكَرَّرَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَزَرِيِّ هَذَا التَّقْيِيدَ بِالْقُدْرَةِ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ. (11) وَيَدُل لِذَلِكَ الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ عَائِشَةَ ﵂ أَنَّهَا قَالَتْ: قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ، وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيُتَعْتِعُ فِيهِ، وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ لَهُ أَجْرَانِ (12)
وَقَدِ اعْتَبَرَ ابْنُ غَازِيٍّ فِي شَرْحِهِ لِلْجَزَرِيَّةِ (13) مِنَ الْوَاجِبِ الصِّنَاعِيِّ: كُل مَا كَانَ مِنْ مَسَائِل الْخِلاَفِ مِنَ الْوُجُوهِ الْمُخْتَارَةِ لِكُل قَارِئٍ مِنَ الْقُرَّاءِ الْمَشْهُورِينَ، حَيْثُ يَرَى بَعْضُهُمُ التَّفْخِيمَ وَيَرَى غَيْرُهُ التَّرْقِيقَ فِي مَوْطِنٍ وَاحِدٍ، فَهَذَا لاَ يَأْثَمُ تَارِكُهُ، وَلاَ يَتَّصِفُ بِالْفِسْقِ. وَكَذَلِكَ مَا كَانَ مِنْ جِهَةِ الْوَقْفِ، فَإِنَّهُ لاَ يَجِبُ عَلَى الْقَارِئِ الْوَقْفُ عَلَى مَحَلٍّ مُعَيَّنٍ بِحَيْثُ لَوْ تَرَكَهُ يَأْثَمُ، وَلاَ يَحْرُمُ الْوَقْفُ عَلَى كَلِمَةٍ بِعَيْنِهَا إِلاَّ إِذَا كَانَتْ مُوهِمَةً وَقَصَدَهَا، فَإِنِ اعْتَقَدَ الْمَعْنَى الْمُوهِمَ لِلْكُفْرِ كَفَرَ - وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ - كَأَنْ وَقَفَ عَلَى قَوْله تَعَالَى: (إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِ) دُونَ قَوْلِهِ: (أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا) ، أَوْ عَلَى قَوْلِهِ: (وَمَا مِنْ إِلَهٍ) دُونَ (إِلاَّ اللَّهُ) .
أَمَّا قَوْل عُلَمَاءِ الْقِرَاءَةِ: الْوَقْفُ عَلَى هَذَا وَاجِبٌ، أَوْ لاَزِمٌ، أَوْ حَرَامٌ، أَوْ لاَ يَحِل، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الأَْلْفَاظِ الدَّالَّةِ عَلَى الْوُجُوبِ أَوِ التَّحْرِيمِ فَلاَ يُرَادُ مِنْهُ مَا هُوَ مُقَرَّرٌ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ، مِمَّا يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ، وَيُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ، أَوْ عَكْسُهُ، بَل الْمُرَادُ: أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْقَارِئِ أَنْ يَقِفَ عَلَيْهِ لِمَعْنًى يُسْتَفَادُ مِنَ الْوَقْفِ عَلَيْهِ، أَوْ لِئَلاَّ يُتَوَهَّمَ مِنَ الْوَصْل تَغْيِيرُ الْمَعْنَى الْمَقْصُودِ، أَوْ لاَ يَنْبَغِي الْوَقْفُ عَلَيْهِ وَلاَ الاِبْتِدَاءُ بِمَا بَعْدَهُ، لِمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ تَغْيِيرِ الْمَعْنَى أَوْ رَدَاءَةِ التَّلَفُّظِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَقَوْلُهُمْ: لاَ يُوقَفُ عَلَى كَذَا، مَعْنَاهُ: أَنَّهُ لاَ يَحْسُنُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ صِنَاعَةً، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّالْوَقْفَ عَلَيْهِ حَرَامٌ أَوْ مَكْرُوهٌ، بَل خِلاَفُ الأَْوْلَى، إِلاَّ إِنْ تَعَمَّدَ قَاصِدًا الْمَعْنَى الْمُوهِمَ. (14)
ثُمَّ تَطَرَّقَ ابْنُ غَازِيٍّ إِلَى حُكْمِ تَعَلُّمِ التَّجْوِيدِ بِالنِّسْبَةِ لِمُرِيدِ الْقِرَاءَةِ، فَقَرَّرَ عَدَمَ وُجُوبِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ أَخَذَ الْقِرَاءَةَ عَلَى شَيْخٍ مُتْقِنٍ، وَلَمْ يَتَطَرَّقِ اللَّحْنُ إِلَيْهِ، مِنْ غَيْرِ مَعْرِفَةٍ عِلْمِيَّةٍ بِمَسَائِلِهِ، وَكَذَلِكَ عَدَمُ وُجُوبِ تَعَلُّمِهِ عَلَى الْعَرَبِيِّ الْفَصِيحِ الَّذِي لاَ يَتَطَرَّقُ اللَّحْنُ إِلَيْهِ، بِأَنْ كَانَ طَبْعُهُ عَلَى الْقِرَاءَةِ بِالتَّجْوِيدِ، فَإِنَّ تَعَلُّمَ هَذَيْنِ لِلأَْحْكَامِ أَمْرٌ صِنَاعِيٌّ. أَمَّا مَنْ أَخَل بِشَيْءٍ مِنَ الأَْحْكَامِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا، أَوْ لَمْ يَكُنْ عَرَبِيًّا فَصِيحًا، فَلاَ بُدَّ فِي حَقِّهِ مِنْ تَعَلُّمِ الأَْحْكَامِ وَالأَْخْذِ بِمُقْتَضَاهَا مِنْ أَفْوَاهِ الْمَشَايِخِ. (15)
قَال الإِْمَامُ الْجَزَرِيُّ فِي النَّشْرِ: وَلاَ شَكَّ أَنَّ الأُْمَّةَ كَمَا هُمْ مُتَعَبَّدُونَ بِفَهْمِ مَعَانِي الْقُرْآنِ وَإِقَامَةِ حُدُودِهِ، كَذَلِكَ هُمْ مُتَعَبِّدُونَ بِتَصْحِيحِ أَلْفَاظِهِ وَإِقَامَةِ حُرُوفِهِ عَلَى الصِّفَةِ الْمُتَلَقَّاةِ مِنْ أَئِمَّةِ الْقِرَاءَةِ وَالْمُتَّصِلَةِ بِالنَّبِيِّ ﷺ. (16)
مَا يَتَنَاوَلُهُ التَّجْوِيدُ مِنْ أُمُورٍ:
5 - التَّجْوِيدُ عِلْمٌ مِنْ عُلُومِ الْقُرْآنِ، وَلَكِنَّهُ يَتَمَيَّزُ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ تِلْكَ الْعُلُومِ الْمُتَّصِلَةِ بِالْقُرْآنِ بِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْخَاصَّةُ وَالْعَامَّةُ، لِحَاجَتِهِمْ إِلَى تِلاَوَةِ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا أُنْزِل، حَسْبَمَا نُقِل عَنْ رَسُول اللَّهِ ﷺ. وَهُوَ إِمَّا أَنْ يُحَصَّل بِالتَّعَلُّمِ لِمَسَائِلِهِ، أَوْ يُؤْخَذَ بِالتَّلَقِّي مِنْ أَفْوَاهِ الْعُلَمَاءِ، وَلاَ بُدَّ فِي الْحَالَيْنِ مِنَ التَّمْرِينِ وَالتَّكْرَارِ.
قَال أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ: لَيْسَ بَيْنَ التَّجْوِيدِ وَتَرْكِهِ إِلاَّ رِيَاضَةٌ لِمَنْ تَدَبَّرَهُ بِفَكَهٍ. وَقَال أَحْمَدُ بْنُ الْجَزَرِيِّ: لاَ أَعْلَمُ سَبَبًا لِبُلُوغِ نِهَايَةِ الإِْتْقَانِ وَالتَّجْوِيدِ وَوُصُول غَايَةِ التَّصْحِيحِ وَالتَّسْدِيدِ مِثْل رِيَاضَةِ الأَْلْسُنِ وَالتَّكْرَارِ عَلَى اللَّفْظِ الْمُتَلَقَّى مِنْ فَمِ الْمُحْسِنِ.
وَيَشْتَمِل عِلْمُ التَّجْوِيدِ عَلَى أَبْحَاثٍ كَثِيرَةٍ أَهَمُّهَا:
أ - مَخَارِجُ الْحُرُوفِ، لِلتَّوَصُّل إِلَى إِخْرَاجِ كُل حَرْفٍ مِنْ مَخْرَجِهِ الصَّحِيحِ.
ب - صِفَاتُ الْحُرُوفِ، مِنْ جَهْرٍ وَهَمْسٍ مَعَ مَعْرِفَةِ الْحُرُوفِ الْمُشْتَرَكَةِ فِي الصِّفَةِ.
ج - التَّفْخِيمُ وَالتَّرْقِيقُ وَمَا يَتَّصِل بِذَلِكَ مِنْ أَحْكَامٍ لِبَعْضِ الْحُرُوفِ كَالرَّاءِ وَاللاَّمِ.
د - أَحْوَال النُّونِ السَّاكِنَةِ وَالتَّنْوِينِ وَالْمِيمِ السَّاكِنَةِ.
هـ - الْمَدُّ وَالْقَصْرُ وَأَنْوَاعُ الْمَدِّ.
و الْوَقْفُ وَالاِبْتِدَاءُ وَالْقَطْعُ وَمَا يَتَّصِل بِذَلِكَ مِنْ أَحْكَامٍ.
ز - أَحْكَامُ الاِبْتِدَاءِ بِالْقِرَاءَةِ، مِنْ تَعَوُّذٍ وَبَسْمَلَةٍ وَأَحْكَامِ خَتْمِ الْقُرْآنِ وَآدَابِ التِّلاَوَةِ.وَمَوْطِنُ تَفْصِيل ذَلِكَ هُوَ كُتُبُ عِلْمِ التَّجْوِيدِ، وَكَذَلِكَ كُتُبُ الْقِرَاءَاتِ فِي آخِرِ أَبْحَاثِهَا كَمَا فِي مَنْظُومَةِ حِرْزِ الأَْمَانِي لِلشَّاطِبِيِّ، أَوْ فِي أَوَائِلِهَا كَمَا فِي " الطَّيِّبَةِ " لِمُحَمَّدِ بْنِ الْجَزَرِيِّ، وَفِي بَعْضِ الْمُطَوَّلاَتِ مِنْ كُتُبِ عُلُومِ الْقُرْآنِ كَالْبُرْهَانِ لِلزَّرْكَشِيِّ، وَالإِْتْقَانِ لِلسُّيُوطِيِّ.
مَا يُخِل بِالتَّجْوِيدِ، وَحُكْمُهُ:
6 - يَقَعُ الإِْخْلاَل بِالتَّجْوِيدِ إِمَّا فِي أَدَاءِ الْحُرُوفِ، وَإِمَّا فِيمَا يُلاَبِسُ الْقِرَاءَةَ مِنَ التَّغْيِيرَاتِ الصَّوْتِيَّةِ الْمُخَالِفَةِ لِكَيْفِيَّةِ النُّطْقِ الْمَأْثُورَةِ.
فَالنَّوْعُ الأَْوَّل يُسَمَّى (اللَّحْنَ) أَيِ الْخَطَأَ وَالْمَيْل عَنِ الصَّوَابِ، وَهُوَ نَوْعَانِ: جَلِيٌّ وَخَفِيٌّ.
وَاللَّحْنُ الْجَلِيُّ: خَطَأٌ يَطْرَأُ عَلَى الأَْلْفَاظِ فَيُخِل بِعُرْفِ الْقِرَاءَةِ، سَوَاءٌ أَخَل بِالْمَعْنَى أَمْ لَمْ يُخِل. وَسُمِّيَ جَلِيًّا لأَِنَّهُ يُخِل إِخْلاَلاً ظَاهِرًا يَشْتَرِكُ فِي مَعْرِفَتِهِ عُلَمَاءُ الْقُرْآنِ وَغَيْرُهُمْ، وَهُوَ يَكُونُ فِي مَبْنَى الْكَلِمَةِ كَتَبْدِيل حَرْفٍ بِآخَرَ، أَوْ فِي حَرَكَتِهَا بِتَبْدِيلِهَا إِلَى حَرَكَةٍ أُخْرَى أَوْ سُكُونٍ، سَوَاءٌ أَتَغَيَّرَ الْمَعْنَى بِالْخَطَأِ فِيهَا أَمْ لَمْ يَتَغَيَّرْ.
وَهَذَا النَّوْعُ يَحْرُمُ عَلَى مَنْ هُوَ قَادِرٌ عَلَى تَلاَفِيهِ، سَوَاءٌ أَوْهَمَ خَلَل الْمَعْنَى أَوِ اقْتَضَى تَغْيِيرَ الإِْعْرَابِ.
وَأَمَّا اللَّحْنُ الْخَفِيُّ: فَهُوَ خَطَأٌ يَطْرَأُ عَلَى اللَّفْظِ، فَيُخِل بِعُرْفِ الْقِرَاءَةِ وَلاَ يُخِل بِالْمَعْنَى. وَسُمِّيَ خَفِيًّا لأَِنَّهُ يَخْتَصُّ بِمَعْرِفَتِهِ عُلَمَاءُ الْقُرْآنِوَأَهْل التَّجْوِيدِ. وَهُوَ يَكُونُ فِي صِفَاتِ الْحُرُوفِ (17) ، وَهَذَا اللَّحْنُ الْخَفِيُّ قِسْمَانِ:
أَحَدُهُمَا: لاَ يَعْرِفُهُ إِلاَّ عُلَمَاءُ الْقِرَاءَةِ كَتَرْكِ الإِْخْفَاءِ، وَهُوَ لَيْسَ بِفَرْضِ عَيْنٍ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ عِقَابٌ كَمَا سَبَقَ، بَل فِيهِ خَوْفُ الْعِتَابِ وَالتَّهْدِيدِ (18) .
وَالثَّانِي: لاَ يَعْرِفُهُ إِلاَّ مَهَرَةُ الْقُرَّاءِ كَتَكْرِيرِ الرَّاءَاتِ وَتَغْلِيظِ اللاَّمَاتِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهَا، وَمُرَاعَاةُ مِثْل هَذَا مُسْتَحَبَّةٌ تَحْسُنُ فِي حَال الأَْدَاءِ.
وَأَمَّا النَّوْعُ الثَّانِي مِنَ الإِْخْلاَل فَهُوَ مَا يَحْصُل مِنَ الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ عَنِ الْحَدِّ الْمَنْقُول مِنْ أَوْضَاعِ التِّلاَوَةِ، سَوَاءٌ فِي أَدَاءِ الْحَرْفِ أَوِ الْحَرَكَةِ عِنْدَ الْقِرَاءَةِ، وَسَبَبُ الإِْخْلاَل الْقِرَاءَةُ بِالأَْلْحَانِ الْمُطْرِبَةِ الْمُرَجِّعَةِ كَتَرْجِيعِ الْغِنَاءِ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ لِمَا فِيهِ مِنْ إِخْرَاجِ التِّلاَوَةِ عَنْ أَوْضَاعِهَا الصَّحِيحَةِ، وَتَشْبِيهِ الْقُرْآنِ بِالأَْغَانِي الَّتِي يُقْصَدُ بِهَا الطَّرَبُ (19) .
وَاسْتَدَلُّوا لِمَنْعِ ذَلِكَ بِحَدِيثِ عَابِسٍ ﵁ قَال: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُول اللَّهِ ﷺ يَقُول: بَادِرُوا بِالْمَوْتِ سِتًّا: إِمْرَةَ السُّفَهَاءِ، وَكَثْرَةَ الشُّرَطِ، وَبَيْعَ الْحُكْمِ، وَاسْتِخْفَافًا بِالدَّمِ، وَقَطِيعَةَ الرَّحِمِ، وَنَشْئًا يَتَّخِذُونَ الْقُرْآنَ مَزَامِيرَ يُقَدِّمُونَهُ يُغَنِّيهِمْ، وَإِنْ كَانَ أَقَل مِنْهُمْ فِقْهًا (20) .
قَال الشَّيْخُ زَكَرِيَّا الأَْنْصَارِيُّ: وَالْمُرَادُ بِلُحُونِ الْعَرَبِ: الْقِرَاءَةُ بِالطَّبْعِ وَالسَّلِيقَةِ كَمَا جُبِلُوا عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلاَ نَقْصٍ، وَالْمُرَادُ بِلُحُونِ أَهْل الْفِسْقِ وَالْكَبَائِرِ: الأَْنْغَامُ الْمُسْتَفَادَةُ مِنْ عِلْمِ الْمُوسِيقَى، وَالأَْمْرُ فِي الْخَبَرِ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ، وَالنَّهْيُ عَلَى الْكَرَاهَةِ إِنْ حَصَلَتِ الْمُحَافَظَةُ عَلَى صِحَّةِ أَلْفَاظِ الْحُرُوفِ، وَإِلاَّ فَعَلَى التَّحْرِيمِ (21) .
قَال الرَّافِعِيُّ: الْمَكْرُوهُ أَنْ يُفَرِّطَ فِي الْمَدِّ وَفِي إِشْبَاعِ الْحَرَكَاتِ، حَتَّى يَتَوَلَّدَ مِنَ الْفَتْحَةِ أَلِفٌ وَمِنَ الضَّمَّةِ وَاوٌ. . . إِلَخْ قَال النَّوَوِيُّ: الصَّحِيحُ أَنَّ الإِْفْرَاطَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ حَرَامٌ يَفْسُقُ بِهِ الْقَارِئُ وَيَأْثَمُ بِهِ الْمُسْتَمِعُ، لأَِنَّهُ عَدَل بِهِ عَنْ مَنْهَجِهِ الْقَوِيمِ، وَهَذَا مُرَادُ الشَّافِعِيِّ بِالْكَرَاهَةِ.
وَقَدْ أَوْرَدَ عُلَمَاءُ التَّجْوِيدِ نَمَاذِجَ مِنْ ذَلِكَ، فَمِنْهَا مَا يُسَمَّى بِالتَّرْقِيصِ، وَالتَّحْزِينِ، وَالتَّرْعِيدِ، وَالتَّحْرِيفِ، وَالْقِرَاءَةِ بِاللِّينِ وَالرَّخَاوَةِ فِي الْحُرُوفِ، وَالنَّقْرِ بِالْحُرُوفِ وَتَقْطِيعِهَا. . . (1) إِلَخْ.
وَتَفْصِيل الْمُرَادِ بِذَلِكَ فِي مَرَاجِعِهِ، وَمِنْهَا شُرُوحُ الْجَزَرِيَّةِ، وَنِهَايَةُ الْقَوْل الْمُفِيدِ، وَقَدْ أَوْرَدَ أَبْيَاتًا فِي ذَلِكَ مِنْ مَنْظُومَةٍ لِلإِْمَامِ عَلَمِ الدِّينِ السَّخَاوِيِّ، ثُمَّ نَقَل عَنْ شَرْحِهَا قَوْلَهُ: فَكُل حَرْفٍ لَهُ مِيزَانٌ يُعْرَفُ بِهِ مِقْدَارُ حَقِيقَتِهِ، وَذَلِكَ الْمِيزَانُ هُوَ مَخْرَجُهُ وَصِفَتُهُ، وَإِذَا خَرَجَ عَنْ مَخْرَجِهِ مُعْطًى مَا لَهُ مِنَ الصِّفَاتِ عَلَى وَجْهِ الْعَدْل فِي ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ إِفْرَاطٍ وَلاَ تَفْرِيطٍ فَقَدْ وُزِنَ بِمِيزَانِهِ، وَهَذَا هُوَ حَقِيقَةُ التَّجْوِيدِ (2) . وَسَبِيل ذَلِكَ التَّلَقِّي مِنْ أَفْوَاهِ الْقُرَّاءِ الْمُتْقِنِينَ.
__________
(1) لسان العرب، وطيبة النشر في القراءات العشر لمحمد بن محمد بن الجزري المتوفى 833 هـ ص 36.
(2) المقدمة الجزرية وشرحها لزكريا الأنصاري ولعلي القارئ ص 21، ونهاية القول المفيد للشيخ محمد بن مكي بن نصر ص 11، والإتقان للسيوطي 1 / 100.
(3) شرح المقدمة الجزرية للشيخ علي القاري ص 21.
(4) النشر لمحمد بن محمد بن الجزري 1 / 212.
(5) شرح المقدمة الجزرية للقاضي زكريا الأنصاري، وكشاف مصطلحات الفنون 1 / 171، وشرح مسلم الثبوت 2 / 15 - 16.
(6) التعريفات للجرجاني.
(7) شرح طيبة النشر ص 35، وشرح الجزرية للأنصاري ص 20.
(8) نهاية القول المفيد ص 7، وشرح الجزرية للقاري ص 19.
(9) النشر 1 / 211.
(10) شرح الجزرية للشيخ علي القاري ص 20، ونهاية القول المفيد ص 25.
(11) شرح الطيبة لأحمد بن محمد بن الجزري المتوفى 859 وهو ولد مصنف الجزرية والطيبة والنشر ص 36.
(12) حديث: " الماهر بالقرآن مع السفرة. . . " أخرجه البخاري ومسلم واللفظ له (فتح الباري 8 / 691 ط السلفية، وصحيح مسلم 1 / 550 ط الحلبي) .
(13) نهاية القول المفيد ص 25 - 26 نقلا عن شرح الجزرية لابن غازي.
(14) نهاية القول المفيد نقلا عن ابن غازي ص 26.
(15) نهاية القول المفيد ص 26.
(16) النشر للجزري 1 / 210، والإتقان للسيوطي 1 / 100.
(17) نهاية القول المفيد ص 22 - 24، والإتقان للسيوطي 1 / 100
(18) أي في حق القادر على ذلك
(19) نهاية القول المفيد ص 24.
(20) حديث عابس أخرجه أحمد من طريق شريك عن أبي اليقظان ابن عمير. والحديث صحيح بشواهده. (مسند أحمد بن حنبل 3 / 494، و 6 / 22 ط الميمنية، والمستدرك 3 / 443 نشر دار الكتاب العربي، وزاد المعاد بتحقيق شعيب الأرناؤوط وعبد القادر الأرناؤوط 1 / 491 نشر مؤسسة الرسالة) .
(21) شرح الجزرية للأنصاري ص 21.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 177/ 10
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".