الأول
(الأوَّل) كلمةٌ تدل على الترتيب، وهو اسمٌ من أسماء الله الحسنى،...
الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله .
الإسلام: الانقياد والإذعان والخضوع، يقال: أسلم أمره، يسلم، إسلاما، أي: انقاد وخضع. وأصل الإسلام: الخلوص والنجاة، ومنه سمي الانقياد إسلاما؛ لأن صاحبه ينجو به ويخلص من الإباء والامتناع والكفر.
يرد مصطلح (إسلام) في العقيدة في عدة أبواب، منها: باب: الإيمان ومسائله، وباب: توحيد الربوبية، وباب: الولاء والبراء، وباب: الفرق والأديان، وغير ذلك.
سلم
الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله.
ينقسم الإسلام إلى قسمين: الأول: الانقياد والاستسلام لأمر الله الكوني القدري طوعا وكرها، وهذا لا خيار فيه لأحد ولا ثواب فيه. الثاني: الانقياد والاستسلام لشرع الله، وهذا هو الإسلام الذي يحمد عليه الإنسان ويثاب، وهذا القسم ينقسم إلى عام وخاص: 1- العام: وهو الدين الذي جاء به الأنبياء جميعا من نوح إلى محمد عليهم الصلاة والسلام، وهو عبادة الله وحده لا شريك له والقيام بشرعه. 2- الخاص: وهو ما جاء به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وله إطلاقان: إحداهما: الأقوال والأعمال الظاهرة، وهي الأركان الخمسة وما يتبعها. والثانية: ما يشمل الأعمال الظاهرة والاعتقادات الباطنة، كأركان الإيمان الستة وما يتبعها.
الإسلام: الانقياد والإذعان والخضوع، يقال: أسلم أمره، يسلم، إسلاما، أي: انقاد وخضع. وأصله: الخلوص والنجاة.
الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله.
* مجموع فتاوى ابن تيمية : (1/14)
* تهذيب اللغة : (12/312)
* مقاييس اللغة : (3/90)
* المحكم والمحيط الأعظم : (8/514)
* مختار الصحاح : (ص 153)
* لسان العرب : (12/289)
* تاج العروس : (32/371)
* لوامع الأنوار البهية : (1/422)
* معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول : (2/605)
* القول المفيد على كتاب التوحيد : (1/219)
* حصول المأمول بشرح ثلاثة الأصول : (ص 91)
* زيادة الإيمان ونقصانه وحكم الاستثناء فيه : (ص 267)
* أصول الإيمان : (ص 55)
* الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد والرد على أهل الشرك والإلحاد : (ص 194) -
التَّعْرِيفُ:
1 - مِنْ مَعَانِي الإِْسْلاَمِ فِي اللُّغَةِ: الإِْذْعَانُ وَالاِنْقِيَادُ، وَالدُّخُول فِي السِّلْمِ، أَوْ فِي دِينِ الإِْسْلاَمِ. وَالإِْسْلاَمُ يَكُونُ أَيْضًا بِمَعْنَى: الإِْسْلاَفُ، أَيْ عَقْدُ السَّلَمِ (1) ، يُقَال: أَسْلَمْتُ إِلَى فُلاَنٍ فِي عِشْرِينَ صَاعًا مَثَلاً، أَيِ اشْتَرَيْتُهَا مِنْهُ مُؤَجَّلَةً بِثَمَنٍ حَالٍّ.
أَمَّا فِي الشَّرْعِ فَيَخْتَلِفُ مَعْنَاهُ تَبَعًا لِوُرُودِهِ مُنْفَرِدًا، أَوْ مُقْتَرِنًا بِالإِْيمَانِ.
فَمَعْنَاهُ مُنْفَرِدًا: الدُّخُول فِي دِينِ الإِْسْلاَمِ، أَوْ دِينُ الإِْسْلاَمِ نَفْسُهُ. وَالدُّخُول فِي الدِّينِ هُوَ اسْتِسْلاَمُ الْعَبْدِ لِلَّهِ ﷿ بِاتِّبَاعِ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُول ﷺ مِنَ الشَّهَادَةِ بِاللِّسَانِ، وَالتَّصْدِيقِ بِالْقَلْبِ، وَالْعَمَل بِالْجَوَارِحِ.
وَمَعْنَاهُ إِذَا وَرَدَ مُقْتَرِنًا بِالإِْيمَانِ هُوَ: أَعْمَال الْجَوَارِحِ الظَّاهِرَةُ، مِنَ الْقَوْل وَالْعَمَل كَالشَّهَادَتَيْنِ وَالصَّلاَةِ وَسَائِرِ أَرْكَانِ الإِْسْلاَمِ.
وَإِذَا انْفَرَدَ الإِْيمَانُ يَكُونُ حِينَئِذٍ بِمَعْنَى: الاِعْتِقَادِ بِالْقَلْبِ وَالتَّصْدِيقِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ وَالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ مَعَ الاِنْقِيَادِ (2) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الإِْيمَانُ:
2 - سَبَقَ تَعْرِيفُ الإِْسْلاَمِ مُنْفَرِدًا وَمُقْتَرِنًا بِالإِْيمَانِ. وَهَذَا يَتَأَتَّى فِي تَعْرِيفِ الإِْيمَانِ أَيْضًا. فَالإِْيمَانُ مُنْفَرِدًا: هُوَ تَصْدِيقُ الْقَلْبِ بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُول ﷺ. وَالإِْقْرَارُ بِاللِّسَانِ وَالْعَمَل بِهِ. أَمَّا إِذَا اقْتَرَنَ بِالإِْسْلاَمِ فَإِنَّ مَعْنَاهُ يَقْتَصِرُ عَلَى تَصْدِيقِ الْقَلْبِ (3) ، كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ سُؤَال جِبْرِيل وَنَصُّهُ: عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ﵁ قَال: بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ رَسُول اللَّهِ ﷺ ذَاتَ يَوْمٍ، إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعْرِ، لاَ يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ، وَلاَ يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ، حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ، وَقَال: يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنِ الإِْسْلاَمِ، فَقَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: الإِْسْلاَمُ: أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُول اللَّهِ، وَتُقِيمَ الصَّلاَةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلاً. قَال: صَدَقْتَ. قَال: فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ، قَال: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الإِْيمَانِ، قَال: أَنْ تُؤْمِنَ بِاَللَّهِ، وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الآْخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدْرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، قَال: صَدَقْتَ. الْحَدِيثَ (4) . إِطْلاَقُ الإِْسْلاَمِ عَلَى مِلَل الأَْنْبِيَاءِ السَّابِقِينَ وَأَتْبَاعِهِمْ:
3 - اخْتَلَفَ عُلَمَاءُ الإِْسْلاَمِ فِي ذَلِكَ، فَبَعْضُهُمْ يَرَى أَنَّ الإِْسْلاَمَ يُطْلَقُ عَلَى الْمِلَل السَّابِقَةِ. وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَاَلَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} (5) الآْيَةَ، وَآيَاتٍ أُخْرَى.
وَيَرَى آخَرُونَ: أَنَّهُ لَمْ تُوصَفْ بِهِ الأُْمَمُ السَّابِقَةُ، وَإِنَّمَا وُصِفَ بِهِ الأَْنْبِيَاءُ فَقَطْ، وَشُرِّفَتْ هَذِهِ الأُْمَّةُ بِأَنْ وُصِفَتْ بِمَا وُصِفَ بِهِ الأَْنْبِيَاءُ، تَشْرِيفًا لَهَا وَتَكْرِيمًا.
وَوَجْهُ اخْتِصَاصِ الأُْمَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ بِهَذَا الاِسْمِ " الإِْسْلاَمِ " هُوَ: أَنَّ الإِْسْلاَمَ اسْمٌ لِلشَّرِيعَةِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى الْعِبَادَاتِ الْمُخْتَصَّةِ بِهَذِهِ الأُْمَّةِ، مِنَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ، وَالْغُسْل مِنَ الْجَنَابَةِ، وَالْجِهَادِ، وَنَحْوِهَا. وَذَلِكَ كُلُّهُ مَعَ كَثِيرٍ غَيْرِهِ خَاصٍّ بِهَذِهِ الأُْمَّةِ، وَلَمْ يُكْتَبْ عَلَى غَيْرِهَا مِنَ الأُْمَمِ، وَإِنَّمَا كُتِبَ عَلَى الأَْنْبِيَاءِ فَقَطْ.
وَيُؤَكِّدُ هَذَا الْمَعْنَى - وَهُوَ اخْتِصَاصُ الأُْمَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ بِاسْمِ الإِْسْلاَمِ - قَوْله تَعَالَى: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ} . (6) فَالضَّمِيرُ (هُوَ) يَرْجِعُ لإِِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، كَمَا يَرَاهُ عُلَمَاءُ السَّلَفِ لِسَابِقِيَّةِ قَوْلِهِ فِي الآْيَةِ الأُْخْرَى: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ} . (7) فَدَعَا بِذَلِكَ لِنَفْسِهِ وَلِوَلَدِهِ، ثُمَّ دَعَا لأُِمَّةٍ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ، وَهِيَ هَذِهِ الأُْمَّةُ فَقَال: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ} الآْيَةَ (8) ، وَهُوَ سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ ﷺ فَاسْتَجَابَ اللَّهُ دُعَاءَهُ، فَبَعَثَ مُحَمَّدًا إِلَيْهِمْ، وَسَمَّاهُمْ مُسْلِمِينَ (9) .
فَاتَّفَقَ أَئِمَّةُ السَّلَفِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَذْكُرْ أُمَّةً بِالإِْسْلاَمِ غَيْرَ هَذِهِ الأُْمَّةِ، وَلَمْ يُسْمَعْ بِأُمَّةٍ ذُكِرَتْ بِهِ غَيْرُهَا.
4 - وَقَال الإِْمَامُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ (10) : وَقَدْ تَنَازَعَ النَّاسُ فِيمَنْ تَقَدَّمَ مِنْ أُمَّةِ مُوسَى وَعِيسَى هَل هُمْ مُسْلِمُونَ أَمْ لاَ؟ فَالإِْسْلاَمُ الْحَاضِرُ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ مُحَمَّدًا ﷺ الْمُتَضَمِّنُ لِشَرِيعَةِ الْقُرْآنِ، لَيْسَ عَلَيْهِ إِلاَّ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ ﷺ وَالإِْسْلاَمُ الْيَوْمَ عِنْدَ الإِْطْلاَقِ يَتَنَاوَل هَذَا.
وَأَمَّا الإِْسْلاَمُ الْعَامُّ الْمُتَنَاوِل لِكُل شَرِيعَةٍ بَعَثَ اللَّهُ بِهَا نَبِيًّا، فَإِنَّهُ إِسْلاَمُ كُل أُمَّةٍ مُتَّبِعَةٍ لِنَبِيٍّ مِنَ الأَْنْبِيَاءِ.
وَعَلَى هَذَا الأَْسَاسِ يُمْكِنُ أَنْ تُفْهَمَ كُل الآْيَاتِ الْكَرِيمَةِ الَّتِي تَعَرَّضَ فِيهَا الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ لِهَذِهِ الْكَلِمَةِ مُسْتَعْمَلَةً بِالنِّسْبَةِ لِلأُْمَمِ الأُْخْرَى، إِمَّا عَلَى أَنَّهَا تُشِيرُ إِلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ لِمَادَّةِ أَسْلَمَ، أَوْ أَنَّهَا تُشِيرُ إِلَى الْمَعْنَى الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الشَّرَائِعِ السَّمَاوِيَّةِ كُلِّهَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ جَمِيعَ الرُّسُل، وَإِلَيْهِ الإِْشَارَةُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الآْيَاتِ، وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُل أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} . (11) أَثَرُ الدُّخُول فِي الإِْسْلاَمِ فِي التَّصَرُّفَاتِ السَّابِقَةِ:
5 - الأَْصْل أَنَّ تَصَرُّفَاتِ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ صَحِيحَةٌ إِلاَّ مَا جَاءَ الإِْسْلاَمُ بِإِبْطَالِهِ، كَمَا يُعْلَمُ فِي أَبْوَابِ الْفِقْهِ الْمُخْتَلِفَةِ.
وَإِذَا كَانَ مَنْ دَخَل فِي الإِْسْلاَمِ مُتَزَوِّجًا بِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ، أَوْ بِمَنْ يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُنَّ، كَأُخْتَيْنِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُفَارِقَ مَا زَادَ عَلَى أَرْبَعٍ، أَوْ إِحْدَى الأُْخْتَيْنِ. وَاسْتَدَل لَهُ الْقَرَافِيُّ (12) بِقَوْل النَّبِيِّ ﵊ لِغَيْلاَنَ لَمَّا أَسْلَمَ عَلَى عَشْرِ نِسْوَةٍ: أَمْسِكْ أَرْبَعًا وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ. (13) وَهَل يَلْزَمُهُ فِرَاقُ مَنْ عَدَا الأَْرْبَعِ الَّتِي تَزَوَّجَهُنَّ أَوَّلاً، أَوْ مَنْ شَاءَ؟ فِي ذَلِكَ خِلاَفٌ يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي بَابِهِ. وَكَذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ فِرَاقِ أَيِّ الأُْخْتَيْنِ شَاءَ.
وَإِذَا أَسْلَمَ الزَّوْجَانِ الْكَافِرَانِ مَعًا، قَبْل الدُّخُول أَوْ بَعْدَهُ، فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا، وَلاَ خِلاَفَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَهْل الْعِلْمِ. (14)
إِذَا أَسْلَمَ زَوْجُ الْكِتَابِيَّةِ قَبْل الدُّخُول أَوْ بَعْدَهُ، أَوْ أَسْلَمَا مَعًا، فَالنِّكَاحُ بَاقٍ بِحَالِهِ، سَوَاءٌ أَكَانَ زَوْجُهَا كِتَابِيًّا أَوْ غَيْرَ كِتَابِيٍّ، لأَِنَّ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَبْتَدِئَ نِكَاحَ كِتَابِيَّةٍ، فَاسْتِدَامَتُهُ أَوْلَى، وَلاَ خِلاَفَ فِي هَذَا بَيْنَ الْقَائِلِينَ بِإِجَازَةِ نِكَاحِ الْكِتَابِيَّةِ.
وَأَمَّا إِنْ أَسْلَمَتِ الْكِتَابِيَّةُ قَبْلَهُ وَقَبْل الدُّخُول،
تَعَجَّلَتِ الْفُرْقَةُ، سَوَاءٌ أَكَانَ زَوْجُهَا كِتَابِيًّا أَوْ غَيْرَ كِتَابِيٍّ، إِذْ لاَ يَجُوزُ لِكَافِرٍ نِكَاحُ مُسْلِمَةٍ. قَال ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ عَلَى هَذَا كُل مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْل الْعِلْمِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلاَفَ أَبِي حَنِيفَةَ، إِذَا كَانَ فِي دَارِ الإِْسْلاَمِ، فَإِنَّهُ لاَ فُرْقَةَ إِلاَّ بَعْدَ أَنْ يُعْرَضَ عَلَيْهِ الإِْسْلاَمُ فَيَأْبَى.
وَإِنْ كَانَ إِسْلاَمُهُمَا بَعْدَ الدُّخُول فَالْحُكْمُ فِيهِ كَالْحُكْمِ فِيمَا لَوْ أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ الْوَثَنِيَّيْنِ عَلَى مَا يَأْتِي:
6 - وَإِذَا أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ الْوَثَنِيَّيْنِ، أَوِ الْمَجُوسِيَّيْنِ، أَوْ كِتَابِيٌّ مُتَزَوِّجٌ بِوَثَنِيَّةٍ، أَوْ مَجُوسِيَّةٌ قَبْل الدُّخُول، تَعَجَّلَتِ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا مِنْ حِينِ إِسْلاَمِهِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ فَسْخًا لاَ طَلاَقًا. وَهَذَا مَذْهَبُ أَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ.
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: لاَ تَتَعَجَّل الْفُرْقَةُ، بَل إِنْ كَانَا فِي دَارِ الإِْسْلاَمِ عُرِضَ الإِْسْلاَمُ عَلَى الآْخَرِ، فَإِنْ أَبَى وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ حِينَئِذٍ، وَإِنْ أَسْلَمَ اسْتَمَرَّتِ الزَّوْجِيَّةُ، وَإِنْ كَانَا فِي دَارِ الْحَرْبِ وَقَفَ ذَلِكَ عَلَى انْقِضَاءِ ثَلاَثِ حِيَضٍ، أَوْ مُضِيِّ ثَلاَثَةِ أَشْهُرٍ، وَلَيْسَتْ عِدَّةً، فَإِنْ لَمْ يُسْلِمِ الآْخَرُ وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ. وَقَال مَالِكٌ: إِنْ كَانَتْ هِيَ الْمُسْلِمَةُ عُرِضَ عَلَيْهِ الإِْسْلاَمُ، فَإِنْ أَسْلَمَ وَإِلاَّ وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُسْلِمُ تَعَجَّلَتِ الْفُرْقَةُ. (15) أَمَّا إِنْ كَانَ إِسْلاَمُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ الْوَثَنِيَّيْنِ أَوِ الْمَجُوسِيَّيْنِ أَوْ زَوْجَةِ الْكِتَابِيِّ، بَعْدَ الدُّخُول، فَفِي الْمَسْأَلَةِ ثَلاَثَةُ اتِّجَاهَاتٍ:
الأَْوَّل: يَقِفُ الأَْمْرُ عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، فَإِنْ أَسْلَمَ الآْخَرُ قَبْل انْقِضَائِهَا فَهُمَا عَلَى النِّكَاحِ، وَإِنْ أَسْلَمَ حَتَّى انْقَضَتِ الْعِدَّةُ وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ مُنْذُ اخْتَلَفَ الدِّينَانِ، فَلاَ يَحْتَاجُ إِلَى اسْتِئْنَافِ الْعِدَّةِ. وَهَذَا قَوْل الشَّافِعِيِّ، وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ.
الثَّانِي. تَتَعَجَّل الْفُرْقَةُ. وَهَذَا رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَقَوْل الْحَسَنِ وَطَاوُوسٍ.
الثَّالِثُ: يُعْرَضُ الإِْسْلاَمُ عَلَى الآْخَرِ إِنْ كَانَ فِي دَارِ الإِْسْلاَمِ، وَهُوَ قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ، كَقَوْلِهِ فِي إِسْلاَمِ أَحَدِهِمَا قَبْل الدُّخُول، إِلاَّ أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا كَانَتْ فِي دَارِ الْحَرْبِ، فَانْقَضَتْ مُدَّةُ التَّرَبُّصِ، وَهِيَ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ أَوْ ثَلاَثَةُ حِيَضٍ، وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ، وَلاَ عِدَّةَ عَلَيْهَا بَعْدَ ذَلِكَ، لأَِنَّهُ لاَ عِدَّةَ عَلَى الْحَرْبِيَّةِ.
وَإِنْ كَانَتْ هِيَ الْمُسْلِمَةُ، فَخَرَجَتْ إِلَيْنَا مُهَاجِرَةً، فَتَمَّتِ الْحِيَضُ هُنَا، فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَال الصَّاحِبَانِ: عَلَيْهَا الْعِدَّةُ. (16)
مَا يَلْزَمُ الْكَافِرَ إِذَا أَسْلَمَ مِنَ التَّكَالِيفِ السَّابِقَةِ عَلَى الإِْسْلاَمِ:
7 - قَال الْقَرَافِيُّ: إِنَّ أَحْوَال الْكَافِرِ مُخْتَلِفَةٌ إِذَا أَسْلَمَ، فَيَلْزَمُهُ ثَمَنُ الْبِيَاعَاتِ، وَأَجْرُ الإِْجَارَاتِ، وَدَفْعُ الدُّيُونِ الَّتِي اقْتَرَضَهَا وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَلاَ يَلْزَمُهُ مِنْ حُقُوقِ الآْدَمِيِّينَ الْقِصَاصُ، وَلاَ الْغَصْبُ وَالنَّهْبُ إِنْ كَانَ حَرْبِيًّا. وَأَمَّا الذِّمِّيُّ فَيَلْزَمُهُ جَمِيعُ الْمَظَالِمِ وَرَدُّهَا، لأَِنَّهُ عَقَدَ الذِّمَّةَ وَهُوَ رَاضٍ بِمُقْتَضَى عَقْدِ الذِّمَّةِ. وَأَمَّا الْحَرْبِيُّ فَلَمْ يَرْضَ بِشَيْءٍ، فَلِذَلِكَ أَسْقَطْنَا عَنْهُ الْغُصُوبَ وَالنُّهُوبَ وَالْغَارَاتِ وَنَحْوَهَا.
وَأَمَّا حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى مِمَّا تَقَدَّمَ فِي كُفْرِهِ، فَلاَ تَلْزَمُهُ وَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا لاَ ظِهَارٌ وَلاَ نَذْرٌ وَلاَ يَمِينٌ مِنَ الأَْيْمَانِ، وَلاَ قَضَاءُ الصَّلَوَاتِ، وَلاَ الزَّكَوَاتِ، وَلاَ شَيْءٍ فَرَّطَ فِيهِ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، لِقَوْلِهِ ﵊: الإِْسْلاَمُ يَجُبُّ مَا كَانَ قَبْلَهُ (17) وَضَابِطُ الْفَرْقِ: أَنَّ حُقُوقَ الْعِبَادِ قِسْمَانِ: مِنْهَا مَا رَضِيَ بِهِ حَالَةَ كُفْرِهِ، وَاطْمَأَنَّتْ نَفْسُهُ بِدَفْعِهِ لِمُسْتَحِقِّهِ، هَذَا لاَ يَسْقُطُ بِالإِْسْلاَمِ، لأَِنَّ إِلْزَامَهُ إِيَّاهُ لَيْسَ مُنَفِّرًا لَهُ عَنِ الإِْسْلاَمِ لِرِضَاهُ. وَمَا لَمْ يَرْضَ بِدَفْعِهِ لِمُسْتَحِقِّهِ، كَالْقَتْل وَالْغَصْبِ وَنَحْوِهِ، فَإِنَّ هَذِهِ الأُْمُورَ إِنَّمَا دَخَل عَلَيْهَا مُعْتَمِدًا عَلَى أَنَّهُ لاَ يُوَفِّيهَا أَهْلَهَا، فَهَذَا كُلُّهُ يَسْقُطُ، لأَِنَّ فِي إِلْزَامِهِ مَا لَمْ يَعْتَقِدْ لُزُومَهُ تَنْفِيرًا لَهُ عَنِ الإِْسْلاَمِ، فَقُدِّمَتْ مَصْلَحَةُ الإِْسْلاَمِ عَلَى مَصْلَحَةِ ذَوِي الْحُقُوقِ. وَأَمَّا حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى فَتَسْقُطُ مُطْلَقًا رَضِيَ بِهَا أَمْ لاَ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حُقُوقِ الآْدَمِيِّينَ مِنْ وَجْهَيْنِ:
(أَحَدُهُمَا) أَنَّ الإِْسْلاَمَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى،
وَالْعِبَادَاتُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، فَلَمَّا كَانَ الْحَقَّانِ لِجِهَةٍ وَاحِدَةٍ نَاسَبَ أَنْ يُقَدِّمَ أَحَدَهُمَا عَلَى الآْخَرِ، وَيُسْقِطُ أَحَدُهُمَا الآْخَرَ، لِحُصُول الْحَقِّ الثَّانِي لِجِهَةِ الْحَقِّ السَّاقِطِ.
وَأَمَّا حَقُّ الآْدَمِيِّينَ فَلِجِهَةِ الآْدَمِيِّينَ، وَالإِْسْلاَمُ لَيْسَ حَقًّا لَهُمْ، بَل لِجِهَةِ اللَّهِ تَعَالَى، فَنَاسَبَ أَلاَّ يَسْقُطَ حَقُّهُمْ بِتَحْصِيل حَقِّ غَيْرِهِمْ.
(وَثَانِيهِمَا) أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَرِيمٌ جَوَادٌ، تُنَاسِبُ رَحْمَتَهُ الْمُسَامَحَةُ، وَالْعَبْدُ بَخِيلٌ ضَعِيفٌ، فَنَاسَبَ ذَلِكَ التَّمَسُّكُ بِحَقِّهِ، فَسَقَطَتْ حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى مُطْلَقًا، وَإِنْ رَضِيَ بِهَا، كَالنُّذُورِ وَالأَْيْمَانِ، أَوْ لَمْ يَرْضَ بِهَا كَالصَّلَوَاتِ. وَلاَ يَسْقُطُ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ إِلاَّ مَا تَقَدَّمَ الرِّضَى بِهِ، فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ. (18)
الآْثَارُ اللاَّحِقَةُ لِدُخُول الإِْسْلاَمِ:
8 - إِذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ أَصْبَحَ كَغَيْرِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، لَهُ مَا لَهُمْ مِنَ الْحُقُوقِ، وَعَلَيْهِ مَا عَلَيْهِمْ مِنَ الْوَاجِبَاتِ.
فَتَلْزَمُهُ التَّكَالِيفُ الشَّرْعِيَّةُ، كَالْعِبَادَاتِ وَالْجِهَادِ. إِلَخْ. وَتَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الإِْسْلاَمِ، كَإِبَاحَةِ تَوَلِّي الْوِلاَيَاتِ الْعَامَّةِ كَالإِْمَامَةِ، وَالْقَضَاءِ، وَالْوِلاَيَاتِ الْخَاصَّةِ الْوَاقِعَةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ. . . إِلَخْ
الأَْثَرُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَى الإِْسْلاَمِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالتَّكَالِيفِ الشَّرْعِيَّةِ كَالْعِبَادَاتِ وَالْجِهَادِ وَغَيْرِهَا:
9 - الْكَافِرُ فِي حَال كُفْرِهِ هَل هُوَ مُخَاطَبٌ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ وَمُكَلَّفٌ بِهَا أَمْ لاَ؟ قَال النَّوَوِيُّ: الْمُخْتَارُ أَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ الْمَأْمُورِ بِهَا، وَالْمَنْهِيِّ عَنْهَا، لِيَزْدَادَ عَذَابُهُمْ فِي الآْخِرَةِ. (19) وَيَسْتَوْفِي الْمَسْأَلَةَ عُلَمَاءُ الأُْصُول فِي مَبَاحِثِ التَّكْلِيفِ، فَلْيُرْجَعْ إِلَيْهَا.
فَإِذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ فَإِنَّهُ يَعْصِمُ بِذَلِكَ نَفْسَهُ وَمَالَهُ وَأَوْلاَدَهُ الصِّغَارَ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْمَعْرُوفِ: أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِل النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لاَ إِلَهَ إِلاَّ؛ اللَّهُ، فَمَنْ قَالَهَا فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلاَّ بِحَقِّهِ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ (20) وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ حَرُمَتْ عَلَيْنَا دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ، إِلاَّ بِحَقِّهَا، لَهُمْ مَا لِلْمُسْلِمِينَ، وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ (21) فَتَثْبُتُ هَذِهِ الْعِصْمَةُ لِلنَّفْسِ مُبَاشَرَةً، وَلِلْمَال تَبَعًا لِعِصْمَةِ النَّفْسِ، وَتَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الشَّرِيعَةِ الْجَارِيَةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ تِلْكَ الَّتِي كَانَتْ مَمْنُوعَةً عَنْهُ بِالْكُفْرِ. وَيَحْصُل التَّوَارُثُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَقَارِبِهِ الْمُسْلِمِينَ، فَيَرِثُهُمْ إِنْ مَاتُوا، وَيَرِثُونَهُ كَذَلِكَ. لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: لاَ يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلاَ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ (22) وَلاِنْعِقَادِ الإِْجْمَاعِ عَلَى ذَلِكَ. (23) كَمَا أَنَّهُ يُحْرَمُ مِنْ إِرْثِ أَقَارِبِهِ الْكُفَّارِ، وَيَحِل لَهُ تَزَوُّجُ الْمُسْلِمَةِ، كَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ تَزَوُّجُ الْمُشْرِكَةِ مِنْ غَيْرِ أَهْل الْكِتَابِ، أَيِ الْوَثَنِيَّةِ.
وَتَبْطُل - فِي حَقِّ مَنْ أَسْلَمَ - مَالِيَّةُ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ بَعْدَمَا كَانَ لَهُ ذَلِكَ، وَتَلْزَمُهُ جَمِيعُ التَّكَالِيفِ الشَّرْعِيَّةِ وَفِي مُقَدِّمَتِهَا أَرْكَانُ الإِْسْلاَمِ: الصَّلاَةُ وَالزَّكَاةُ وَالصَّوْمُ وَالْحَجُّ، أُصُولاً وَفُرُوعًا، بِالنِّسْبَةِ لِجَمِيعِ التَّكَالِيفِ.
وَكَذَلِكَ يُفْرَضُ عَلَيْهِ الْجِهَادُ، بَعْدَمَا كَانَ غَيْرَ مُطَالَبٍ بِهِ، لِحَدِيثِ: مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ، وَلَمْ يُحَدِّثْ بِهِ نَفْسَهُ، مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ (24) وَتَحِل الصَّلاَةُ خَلْفَهُ، وَالصَّلاَةُ عَلَيْهِ إِذَا مَاتَ، وَغُسْلُهُ وَكَفَنُهُ وَدَفْنُهُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ، إِلَى غَيْرِ هَذَا مِنْ أَحْكَامٍ تَعَرَّضَتْ لَهَا كُتُبُ الْفِقْهِ فِي كُل الْمَذَاهِبِ.
10 - إِذَا بَاعَ ذِمِّيٌّ لآِخَرَ خَمْرًا وَخِنْزِيرًا، ثُمَّ أَسْلَمَا، أَوْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا قَبْل الْقَبْضِ، يُفْسَخُ الْبَيْعُ، لأَِنَّهُ بِالإِْسْلاَمِ حَرُمَ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ، فَيَحْرُمُ الْقَبْضُ وَالتَّسْلِيمُ أَيْضًا، (25) أَخْذًا مِنْ قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} . (26)
وَقَال ابْنُ رُشْدٍ: لَوْ أَسْلَمُوا لأََحْرَزُوا بِإِسْلاَمِهِمْ مَا بِأَيْدِيهِمْ مِنَ الرِّبَا وَثَمَنِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ، (27) لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ} . (28) كَمَا يَجِبُ عَلَى الَّذِي أَسْلَمَ أَنْ يَهْجُرَ بَلَدَ الْكُفْرِ وَبَلَدَ الْحَرْبِ.
قَال ابْنُ رُشْدٍ: لَقَدْ وَجَبَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالإِْجْمَاعِ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ بِبَلَدِ الْكُفْرِ أَنْ يَهْجُرَهُ، وَيَلْحَقَ بِدَارِ الْمُسْلِمِينَ، وَلاَ يَسْكُنَ بَيْنَ الْمُشْرِكِينَ، وَيُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، وَذَلِكَ إِذَا كَانَ لاَ يَتَمَكَّنُ مِنْ إِقَامَةِ شَعَائِرِ دِينِهِ، أَوْ يُجْبَرُ عَلَى أَحْكَامِ الْكُفْرِ. وَانْظُرْ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (هِجْرَة) .
مَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ الإِْسْلاَمُ:
11 - مِمَّا يُشْتَرَطُ الإِْسْلاَمُ لِصِحَّتِهِ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ:
(26) الْعَقْدُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ.
(27) وِلاَيَةُ عَقْدِ نِكَاحِهَا.
(28) الشَّهَادَةُ عَلَى عَقْدِ نِكَاحِهَا.
(32) شَرِكَةُ الْمُفَاوَضَةِ، وَهِيَ أَنْ يَتَسَاوَى الشُّرَكَاءُ فِي الْمَال وَالدَّيْنِ وَالتَّصَرُّفِ. وَأَجَازَهَا أَبُو يُوسُفَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ.
(33) الْوَصِيَّةُ بِمُصْحَفٍ أَوْ مَا بِمَعْنَاهُ، فَلاَ بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْمُوصَى لَهُ مُسْلِمًا.
(34) النَّذْرُ، فَيُشْتَرَطُ إِسْلاَمُ النَّاذِرِ، لأَِنَّ النَّذْرَ لاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ قُرْبَةً، وَفِعْل الْكَافِرِ لاَ يُوصَفُ بِكَوْنِهِ قُرْبَةً. وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ. وَيَصِحُّ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ. قَال صَاحِبُ كَشَّافِ الْقِنَاعِ: (35) وَيَصِحُّ النَّذْرُ مِنْ كَافِرٍ وَلَوْ بِعِبَادَةٍ، لِحَدِيثِ عُمَرَ ﵁ قَال: قُلْتُ يَا رَسُول اللَّهِ: إِنِّي كُنْتُ نَذَرْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً، فَقَال النَّبِيُّ ﷺ: أَوْفِ بِنَذْرِكَ. (36)
(37) الْقَضَاءُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ.
(38) الْوِلاَيَاتُ الْعَامَّةُ كُلُّهَا، وَهِيَ الْخِلاَفَةُ، وَمَا تَفَرَّعَ مِنْهَا، مِنَ الْوِلاَيَةِ وَإِمَارَةِ الْجُيُوشِ، وَالْوَزَارَةِ وَالشُّرْطَةِ، وَالدَّوَاوِينِ الْمَالِيَّةِ، وَالْحِسْبَةِ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَنْ يَجْعَل اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} (39)
(40) الشَّهَادَةُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي غَيْرِ حَال ضَرُورَةِ الْوَصِيَّةِ فِي السَّفَرِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} (41) أَيْ مِنْ رِجَال الْمُسْلِمِينَ.
وَقَال الإِْمَامُ ابْنُ قَيِّمِ الْجَوْزِيَّةِ الْحَنْبَلِيُّ: أَجَازَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ شَهَادَةَ الْكُفَّارِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي السَّفَرِ فِي الْوَصِيَّةِ لِلْحَاجَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَْرْضِ} . (42) ثُمَّ قَال: وَقَوْل الإِْمَامِ أَحْمَدَ فِي قَبُول شَهَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ ضَرُورَةٌ حَضَرًا وَسَفَرًا، وَلَوْ قِيل تُقْبَل شَهَادَتُهُمْ مَعَ أَيْمَانِهِمْ فِي كُل شَيْءٍ عُدِمَ فِيهِ الْمُسْلِمُونَ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ، وَيَكُونُ بَدَلاً مُطْلَقًا. (43)
ب - الدِّينُ، أَوِ الْمِلَّةُ:
12 - مِنْ مَعَانِي الدِّينِ لُغَةً: الْعَادَةُ وَالسِّيرَةُ وَالْحِسَابُ وَالطَّاعَةُ وَالْمِلَّةُ. (44)
وَقَدْ وَرَدَتْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ بِمَعَانٍ مُتَعَدِّدَةٍ.
التَّوْحِيدُ: كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِْسْلاَمُ} . (45)
الْحِسَابُ: كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ} . (46)
الْحُكْمُ: كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ} . (47)
الْمِلَّةُ: كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَل رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ} . (48)
وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} (49) يَعْنِي الْمِلَّةَ الْمُسْتَقِيمَةَ.
وَاصْطِلاَحًا: يُطْلَقُ الدِّينُ عَلَى الشَّرْعِ، كَمَا يُطْلَقُ عَلَى مِلَّةِ كُل نَبِيٍّ. وَقَدْ يُخَصُّ بِمِلَّةِ الإِْسْلاَمِ، كَمَا قَال تَعَالَى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِْسْلاَمُ} .
13 - وَعَلَى ضَوْءِ هَذِهِ الْمَعَانِي اللُّغَوِيَّةِ، وَعَلَى ضَوْءِ التَّوْجِيهِ الْقُرْآنِيِّ الَّذِي سَلَكَ فِي اسْتِعْمَال هَذِهِ الْكَلِمَةِ بِالْمَعَانِي الَّتِي ذَكَرْنَاهَا، أَوْ بِغَيْرِهَا الَّتِي اشْتَمَل عَلَيْهَا الْقُرْآنُ، لاَ نَكَادُ نَلْمِسُ فَرْقًا جَوْهَرِيًّا بَيْنَ مُسَمَّى الإِْسْلاَمِ وَمُسَمَّى الدِّينِ، مَا عَدَا الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ.
مَا يُخْرِجُ الْمَرْءَ عَنِ الإِْسْلاَمِ:
14 - كُل مَا يَصِيرُ الْكَافِرُ بِالإِْقْرَارِ بِهِ مُسْلِمًا يَكْفُرُ الْمُسْلِمُ بِإِنْكَارِهِ. (50) وَكَذَا كُل مَا يَقْطَعُ الإِْسْلاَمَ مِنْ نِيَّةِ كُفْرٍ، أَوْ قَوْل كُفْرٍ، أَوْ فِعْل كُفْرٍ، سَوَاءٌ اسْتِهْزَاءً أَمِ اعْتِقَادًا أَمْ عِنَادًا. (51) وَقَال الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ: كُل مَنْ فَعَل فِعْلاً مِنْ خَصَائِصِ الْكُفَّارِ عَلَى أَنَّهُ دِينٌ، أَوْ تَرَكَ فِعْلاً مِنْ أَفْعَال الْمُسْلِمِينَ يَدُل عَلَى إِخْرَاجِهِ مِنَ الدِّينِ، فَهُوَ كَافِرٌ بِهَذَيْنِ الاِعْتِقَادَيْنِ لاَ بِالْفِعْلَيْنِ. (52)
وَفِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ: لاَ يُخْرِجُ الرَّجُل مِنَ الإِْيمَانِ إِلاَّ جُحُودُ مَا أَدْخَلَهُ فِيهِ، ثُمَّ مَا تَيَقَّنَ أَنَّهُ رِدَّةٌ يُحْكَمُ بِهَا، وَمَا يُشَكُّ أَنَّهُ رِدَّةٌ لاَ يُحْكَمُ بِهِ، إِذِ الإِْسْلاَمُ الثَّابِتُ لاَ يَزُول بِالشَّكِّ، مَعَ أَنَّ الإِْسْلاَمَ يَعْلُو وَلاَ يُعْلَى عَلَيْهِ. (53)
وَفِي الْخُلاَصَةِ وَغَيْرِهَا، إِذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ وُجُوهٌ تُوجِبُ التَّكْفِيرَ وَوَجْهٌ وَاحِدٌ يُمَانِعُهُ فَعَلَى الْمُفْتِي أَنْ يَمِيل إِلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَمْنَعُ التَّكْفِيرَ تَحْسِينًا لِلظَّنِّ بِالْمُسْلِمِ، إِلاَّ إِذَا صَرَّحَ بِإِرَادَةِ مُوجِبِ الْكُفْرِ فَلاَ يَنْفَعُ التَّأْوِيل. وَلِلتَّفْصِيل يُرْجَعُ إِلَى مُصْطَلَحِ (رِدَّة) . مَا يَصِيرُ بِهِ الْكَافِرُ مُسْلِمًا:
15 - ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ أَنَّ هُنَاكَ طُرُقًا ثَلاَثَةً يُحْكَمُ بِهَا عَلَى كَوْنِ الشَّخْصِ مُسْلِمًا وَهِيَ: النَّصُّ - وَالتَّبَعِيَّةُ - وَالدَّلاَلَةُ.
أَمَّا النَّصُّ فَهُوَ أَنْ يَأْتِيَ بِالشَّهَادَتَيْنِ صَرِيحًا. وَأَمَّا التَّبَعِيَّةُ فَهِيَ أَنْ يَأْخُذَ التَّابِعُ حُكْمَ الْمَتْبُوعِ فِي الإِْسْلاَمِ، كَمَا يَتَّبِعُ ابْنُ الْكَافِرِ الصَّغِيرِ أَبَاهُ إِذَا أَسْلَمَ مَثَلاً، وَسَيَأْتِي الْكَلاَمُ عَلَيْهَا مُسْتَوْفًى.
وَأَمَّا طَرِيقُ الدَّلاَلَةِ فَهِيَ سُلُوكُ طَرِيقِ الْفِعْل لِلدُّخُول فِي الإِْسْلاَمِ.
أَوَّلاً: الإِْسْلاَمُ النَّصُّ:
وَهُوَ النُّطْقُ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَمَا يَقُومُ مَقَامَ النُّطْقِ، وَالْبُرْءُ مِنْ كُل دِينٍ غَيْرِ دِينِ الإِْسْلاَمِ.
16 - يَكْفِي كُل الْكِفَايَةِ التَّصْرِيحُ بِالشَّهَادَةِ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَقْدِيسِهِ، مُدَعَّمًا بِالتَّصْدِيقِ الْبَاطِنِيِّ وَالاِعْتِقَادِ الْقَلْبِيِّ الْجَازِمِ بِالرُّبُوبِيَّةِ وَالإِْقْرَارِ بِالْعُبُودِيَّةِ لَهُ تَعَالَى، وَالتَّصْرِيحُ كَذَلِكَ بِكَلِمَةِ الشَّهَادَةِ بِرِسَالَةِ مُحَمَّدٍ ﷺ وَبِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مِنْ أُصُول الْعَقَائِدِ وَشَرَائِعِ الإِْسْلاَمِ، مِنْ صَلاَةٍ وَزَكَاةٍ وَصِيَامٍ وَحَجٍّ، فَلَيْسَ هُنَاكَ عُنْوَانٌ فِي قُوَّتِهِ وَدَلاَلَتِهِ عَلَى التَّحَقُّقِ مِنْ هَذِهِ الْعَقِيدَةِ الْكَامِلَةِ أَصْرَحُ مِنَ النُّطْقِ بِصِيغَتَيِ الشَّهَادَتَيْنِ: " أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُول اللَّهِ.
فَالْكَافِرُ الَّذِي أَنَارَ اللَّهُ بَصِيرَتَهُ وَأَشْرَقَتْ عَلَى قَلْبِهِ أَنْوَارُ الْيَقِينِ، وَيُرِيدُ أَنْ يَعْتَنِقَ الإِْسْلاَمَ فَلاَ بُدَّ لَهُ مِنَ التَّلَفُّظِ بِالشَّهَادَتَيْنِ عِنْدَ التَّمَكُّنِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى ذَلِكَ، بِخِلاَفِ غَيْرِ الْقَادِرِ كَالأَْخْرَسِ، وَمِنْ غَيْرِالْمُتَمَكِّنِ كَالْخَائِفِ وَالشَّرِقِ (54) وَمَنْ عَاجَلَتْهُ الْمَنِيَّةُ، وَكُل مَنْ قَامَ بِهِ عُذْرٌ يَمْنَعُهُ النُّطْقَ، فَنُصَدِّقُ عُذْرَهُ إِنْ تَمَسَّكَ بِهِ بَعْدَ زَوَال الْمَانِعِ. وَلاَ لُزُومَ لأَِنْ تَكُونَ صِيغَتُهُمَا بِالْعَرَبِيَّةِ حَتَّى بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ يُحْسِنُهَا.
وَأَمَّا مَنْ يَرَى اخْتِصَاصَ رِسَالَةِ مُحَمَّدٍ ﷺ بِالْعَرَبِ، فَلاَ بُدَّ أَنْ يُقِرَّ بِعُمُومِ رِسَالَتِهِ.
وَأَمَّا الْمُسْلِمُ أَصَالَةً، أَيْ مَنْ كَانَ مِنْ أَبْنَاءِ الْمُسْلِمِينَ، فَهُوَ مُسْلِمٌ تَبَعًا لِوَالِدَيْهِ، وَمَحْمُولٌ عَلَى ذَلِكَ، وَلَوْ لَمْ يَنْطِقْ بِالشَّهَادَتَيْنِ طِوَال عُمُرِهِ. وَأَوْجَبَهَا عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ وَلَوْ مَرَّةً فِي الْعُمُرِ.
17 - وَقَدْ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْمُحَقِّقِينَ إِلَى أَنَّ التَّصْدِيقَ بِالْقَلْبِ كَافٍ فِي صِحَّةِ مُطْلَقِ الإِْيمَانِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ.
وَأَمَّا الإِْقْرَارُ بِالشَّهَادَتَيْنِ فَإِنَّهُ شَرْطٌ لإِِجْرَاءِ الأَْحْكَامِ الدُّنْيَوِيَّةِ عَلَيْهِ فَقَطْ، وَلاَ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِكُفْرٍ إِلاَّ إِنِ اقْتَرَنَ بِهِ فِعْلٌ يَدُل عَلَى كُفْرِهِ كَالسُّجُودِ لِلصَّنَمِ. (55) إِذَنْ فَحُكْمُ الإِْسْلاَمِ فِي الظَّاهِرِ يَثْبُتُ بِالشَّهَادَتَيْنِ، أَوْ مَا يُؤَدِّي مَعْنَاهُمَا لِتُقَامَ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الشَّرِيعَةِ فِيمَا لَهُ وَمَا عَلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي. (56)
وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ عَنِ الشَّرِيدِ بْنِ سُوَيْدٍ الثَّقَفِيِّ قَال: قُلْتُ يَا رَسُول اللَّهِ: إِنَّ أُمِّي أَوْصَتْ أَنْ أُعْتِقَ عَنْهَا رَقَبَةً مُؤْمِنَةً، وَعِنْدِي جَارِيَةٌ سَوْدَاءُ نُوبِيَّةٌ أَفَأَعْتِقُهَا؟ قَال: اُدْعُهَا، فَدَعَوْتُهَا فَجَاءَتْ فَقَال: مَنْ رَبُّكِ؟ قَالَتِ: اللَّهُ، قَال: فَمَنْ أَنَا؟ قَالَتْ: رَسُول اللَّهِ، قَال: اعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ. (57)
وَقَدْ قَال الإِْمَامُ النَّوَوِيُّ (58) : اتَّفَقَ أَهْل السُّنَّةِ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ عَلَى أَنَّ الْمُؤْمِنَ الَّذِي يُحْكَمُ بِأَنَّهُ مِنْ أَهْل الْقِبْلَةِ وَلاَ يُخَلَّدُ فِي النَّارِ لاَ يَكُونُ إِلاَّ مَنِ اعْتَقَدَ بِقَلْبِهِ دِينَ الإِْسْلاَمِ اعْتِقَادًا جَازِمًا خَالِيًا مِنَ الشُّكُوكِ وَنَطَقَ بِالشَّهَادَتَيْنِ.
18 - فَإِنِ اقْتَصَرَ عَلَى إِحْدَاهُمَا لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْل الْقِبْلَةِ إِلاَّ إِذَا عَجَزَ عَنِ النُّطْقِ لِخَلَلٍ فِي لِسَانِهِ، أَوْ لِعَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنْهُ لِمُعَاجَلَةِ الْمَنِيَّةِ لَهُ، أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُؤْمِنًا، أَمَّا إِذَا أَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ فَلاَ يُشْتَرَطُ مَعَهُمَا أَنْ يَقُول: أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُل دِينٍ خَالَفَ الإِْسْلاَمَ، إِلاَّ إِذَا كَانَ مِنَ الْكُفَّارِ الَّذِينَ يَعْتَقِدُونَ اخْتِصَاصَ رِسَالَةِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ ﷺ لِلْعَرَبِ، فَإِنَّهُ لاَ يُحْكَمُ بِإِسْلاَمِهِ إِلاَّ بِأَنْ يُسْتَبْرَأَ. أَمَّا إِذَا اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَلَمْ يَقُل: مُحَمَّدٌ رَسُول اللَّهِ، فَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَمَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لاَ يَكُونُ مُسْلِمًا، وَمِنْ أَصْحَابِنَا الشَّافِعِيَّةِ مَنْ قَال: يَكُونُ مُسْلِمًا، وَيُطَالَبُ بِالشَّهَادَةِ الأُْخْرَى، فَإِنْ أَبَى جُعِل مُرْتَدًّا، وَيُحْتَجُّ لِهَذَا الْقَوْل بِقَوْلِهِ ﷺ: أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِل النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، فَمَنْ قَالَهَا فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلاَّ بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ. (59)
وَهَذَا مَحْمُولٌ عِنْدَ الْجَمَاهِيرِ عَلَى قَوْل الشَّهَادَتَيْنِ، وَاسْتُغْنِيَ بِذِكْرِ إِحْدَاهُمَا عَنِ الأُْخْرَى لاِرْتِبَاطِهِمَا وَشُهْرَتِهِمَا.
وَجَاءَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: (60) سُئِل أَبُو يُوسُفَ عَنِ الرَّجُل كَيْفَ يُسْلِمُ، فَقَال: يَقُول أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُول اللَّهِ، وَيُقِرُّ بِمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَيَتَبَرَّأُ مِنَ الدِّينِ الَّذِي انْتَحَلَهُ. وَفِيهِ أَنَّ النَّصْرَانِيَّ يَقُول: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَيَتَبَرَّأُ مِنَ النَّصْرَانِيَّةِ، وَكَذَا الْيَهُودِيَّةُ وَغَيْرُهَا.
وَأَمَّا مَنْ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَيُحْمَل عَلَى الإِْسْلاَمِ إِذَا قَال: مُحَمَّدٌ رَسُول اللَّهِ، أَوْ قَال: دَخَلْتُ دِينَ الإِْسْلاَمِ، أَوْ دَخَلْتُ دِينَ مُحَمَّدٍ ﷺ فَهُوَ دَلِيل إِسْلاَمِهِ، فَكَيْفَ إِذَا أَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ.
وَأَمَّا تَوْبَةُ الْمُرْتَدِّ فَهُوَ أَنْ يَتَبَرَّأَ مِنْ كُل دِينٍ غَيْرِ دِينِ الإِْسْلاَمِ، بَعْدَ أَنْ يَأْتِيَ بِالشَّهَادَتَيْنِ، وَأَنْ يَتَبَرَّأَ مِمَّا انْتَقَل إِلَيْهِ.
أَرْكَانُ الإِْسْلاَمِ
أَرْكَانُ الإِْسْلاَمِ خَمْسَةٌ:
19 - جَاءَتِ الآْيَاتُ الْقُرْآنِيَّةُ الْكَرِيمَةُ مُجْمَلَةً بِالأَْوَامِرِ وَالأَْحْكَامِ فِيمَا يَخُصُّ هَذِهِ الأَْرْكَانَ، وَكَذَلِكَ فِي السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ، فَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَال: " سَمِعْتُ رَسُول اللَّهِ ﷺ يَقُول: بُنِيَ الإِْسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُول اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (61) .
وَأَيْضًا الْحَدِيثُ السَّابِقُ الْمَشْهُورُ بِحَدِيثِ جِبْرِيل.
الرُّكْنُ الأَْوَّل: شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُول اللَّهِ:
20 - هَذِهِ الشَّهَادَةُ مِنْ أَوَّل مَا يَدْخُل بِهِ الْمَرْءُ فِي الإِْسْلاَمِ، فَكَانَتْ أَوَّل وَاجِبٍ عَلَى الْمُكَلَّفِ يَتَحَتَّمُ عَلَيْهِ أَدَاؤُهُ تَصْدِيقًا وَاعْتِقَادًا وَنُطْقًا.
وَأَئِمَّةُ السَّلَفِ كُلُّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ أَوَّل مَا يُؤْمَرُ بِهِ الْعَبْدُ الشَّهَادَتَانِ. (62) وَقَدْ كَانَتْ رِسَالاَتُ كُل الرُّسُل تَدْعُو إِلَى التَّوْحِيدِ الَّذِي تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْكَلِمَةُ، وَالإِْقْرَارُ بِالأُْلُوهِيَّةِ وَالرُّبُوبِيَّةِ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. وَقَدْ جَاءَ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ} (63) فَكَانَتْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ أَوَّل مَا يَدْخُل بِهِ الْمَرْءُ فِي الإِْسْلاَمِ، وَإِذَا كَانَتْ آخِرَ مَا يَخْرُجُ بِهِ الْمُسْلِمُ مِنَ الدُّنْيَا دَخَل بِهَا الْجَنَّةَ، كَمَا قَال ﷺ: مَنْ كَانَ آخِرُ كَلاَمِهِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ دَخَل الْجَنَّةَ. (64) . وَالإِْيمَانُ أَيْضًا بِرِسَالَةِ مُحَمَّدٍ ﷺ هُوَ إِيمَانٌ بِجَمِيعِ مَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا تَتَضَمَّنُهُ رِسَالَتُهُ، وَإِيمَانٌ بِجَمِيعِ الرُّسُل، وَتَصْدِيقٌ بِرِسَالاَتِهِمْ.
وَالْجَمْعُ بَيْنَ هَذَيْنِ الأَْصْلَيْنِ فِي هَذَا الرُّكْنِ الرَّكِينِ الَّذِي يَسْبِقُ كُل الأَْرْكَانِ تَتَحَقَّقُ بِهِ بَاقِي الأَْرْكَانِ.
الرُّكْنُ الثَّانِي: إِقَامُ الصَّلاَةِ.
21 - الصَّلاَةُ لُغَةً بِمَعْنَى الدُّعَاءِ، وَقَدْ أَضَافَ الشَّرْعُ إِلَى الدُّعَاءِ مَا شَاءَ مِنْ أَقْوَالٍ وَأَفْعَالٍ وَسُمِّيَ مَجْمُوعُ ذَلِكَ الصَّلاَةَ، أَوْ هِيَ مَنْقُولَةٌ مِنَ الصِّلَةِ الَّتِي تَرْبِطُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ، فَهِيَ بِذَلِكَ صِلَةٌ بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ، وَفُرِضَتْ لَيْلَةَ الإِْسْرَاءِ بِمَكَّةَ قَبْل الْهِجْرَةِ بِسَنَةٍ.
وَوُجُوبُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ مِنَ الْمَعْلُومِ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالإِْجْمَاعِ.
فَمَنْ جَحَدَهَا كُلَّهَا أَوْ بَعْضَهَا فَهُوَ كَافِرٌ مُرْتَدٌّ.
أَمَّا مَنْ أَقَرَّ بِوُجُوبِهَا وَامْتَنَعَ مِنْ أَدَائِهَا، فَقِيل: فَاسِقٌ يُقْتَل حَدًّا إِنْ تَمَادَى عَلَى الاِمْتِنَاعِ، وَقِيل: مَنْ تَرَكَهَا مُتَعَمِّدًا أَوْ مُفَرِّطًا فَهُوَ كَافِرٌ يُقْتَل كُفْرًا. وَقَدْ جَاءَتِ الآْيَاتُ الْكَثِيرَةُ مِنَ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ دَالَّةً عَلَى ذَلِكَ، مِنْهَا قَوْله تَعَالَى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} (65)
وقَوْله تَعَالَى: {إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} (66) ، وَغَيْرُهَا كَثِيرٌ.
أَمَّا الأَْحَادِيثُ النَّبَوِيَّةُ فَمِنْهَا سُئِل ﷺ: أَيُّ الأَْعْمَال أَفْضَل؟ فَقَال: الصَّلاَةُ لِمَوَاقِيتِهَا (67) إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ. ر: (صَلاَةٌ) .
الرُّكْنُ الثَّالِثُ: إِيتَاءُ الزَّكَاةِ.
22 - الزَّكَاةُ لُغَةً: النُّمُوُّ وَالزِّيَادَةُ. يُقَال: زَكَا الشَّيْءُ إِذَا نَمَا وَكَثُرَ، إِمَّا حِسًّا كَالنَّبَاتِ وَالْمَال، أَوْ مَعْنًى كَنُمُوِّ الإِْنْسَانِ بِالْفَضَائِل وَالصَّلاَحِ.
وَشَرْعًا: إِخْرَاجُ جُزْءٍ مِنْ مَالٍ مَخْصُوصٍ لِقَوْمٍ مَخْصُوصِينَ بِشَرَائِطَ مَخْصُوصَةٍ، وَسُمِّيَتْ صَدَقَةُ الْمَال زَكَاةً، لأَِنَّهَا تَعُودُ بِالْبَرَكَةِ فِي الْمَال الَّذِي أُخْرِجَتْ مِنْهُ وَتُنَمِّيهِ. وَرُكْنِيَّتُهَا وَوُجُوبُهَا ثَابِتَانِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالإِْجْمَاعِ. فَمَنْ جَحَدَ وُجُوبَهَا مُرْتَدٌّ، لإِِنْكَارِهِ مَا قَامَ مِنَ الدِّينِ ضَرُورَةً.
وَمَنْ أَقَرَّ بِوُجُوبِهَا وَامْتَنَعَ مِنْ أَدَائِهَا أُخِذَتْ مِنْهُ كَرْهًا، بِأَنْ يُقَاتَل وَيُؤَدَّبَ عَلَى امْتِنَاعِهِ عَنْ أَدَائِهَا. وَقُرِنَتْ بِالصَّلاَةِ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ فِي اثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ آيَةً. وَفُرِضَتْ فِي مَكَّةَ مُطْلَقَةً أَوَّلاً، وَفِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ حُدِّدَتِ الأَْنْوَاعُ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا، وَمِقْدَارُ النِّصَابِ فِي كُلٍّ ر: (زَكَاة) .
الرُّكْنُ الرَّابِعُ: الصِّيَامُ.
23 - الصَّوْمُ لُغَةً: مُطْلَقُ الإِْمْسَاكِ وَالْكَفِّ، فَكُل مَنْ أَمْسَكَ عَنْ شَيْءٍ يُقَال فِيهِ: صَامَ عَنْهُ. وَفِي الشَّرْعِ: الإِْمْسَاكُ عَنْ شَهْوَتَيِ الْفَرْجِ وَالْبَطْنِ يَوْمًا كَامِلاً بِنِيَّةِ التَّقَرُّبِ.
وَوُجُوبُهَا وَرُكْنِيَّتُهَا ثَابِتَانِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالإِْجْمَاعِ. قَال اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ} (68) . وقَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} . (69)
وَمِنَ السُّنَّةِ قَوْلُهُ ﷺ: صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ (70) ر: (صِيَام) .
الرُّكْنُ الْخَامِسُ: الْحَجُّ.
24 - الْحَجُّ فِي اللُّغَةِ: الْقَصْدُ. وَشَرْعًا: الْقَصْدُ إِلَى الْبَيْتِ الْحَرَامِ بِشَرَائِطَ مَخْصُوصَةٍ وَفِي أَيَّامٍ مَخْصُوصَةٍ. وَالأَْصْل فِي وُجُوبِهِ قَوْله تَعَالَى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} (71) وقَوْله تَعَالَى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} (72) .
وَمِنَ السُّنَّةِ قَوْلُهُ ﷺ: إِنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ فَحُجُّوا (73) . فَرُكْنِيَّتُهُ وَوُجُوبُهُ ثَابِتَانِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالإِْجْمَاعِ، وَهُوَ مَعْلُومٌ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ، فَمَنْ جَحَدَ ذَلِكَ فَهُوَ كَافِرٌ. وَمَنْ أَقَرَّ بِهِ وَتَرَكَهُ فَاَللَّهُ حَسْبُهُ، لاَ يُتَعَرَّضُ إِلَيْهِ بِشَيْءٍ، لِتَوَقُّفِهِ عَلَى الاِسْتِطَاعَةِ وَسُقُوطِهِ بِعَدَمِهَا.
ر: (حَجّ) .
ثَانِيًا: الإِْسْلاَمُ بِالتَّبَعِيَّةِ
إِسْلاَمُ الصَّغِيرِ بِإِسْلاَمِ أَحَدِ أَبَوَيْهِ:
25 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا أَسْلَمَ الأَْبُ وَلَهُ أَوْلاَدٌ صِغَارٌ، أَوْ مَنْ فِي حُكْمِهِمْ - كَالْمَجْنُونِ إِذَا بَلَغَ مَجْنُونًا - فَإِنَّ هَؤُلاَءِ يُحْكَمُ بِإِسْلاَمِهِمْ تَبَعًا لأَِبِيهِمْ.
وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ (الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ) إِلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ بِإِسْلاَمِ أَحَدِ الأَْبَوَيْنِ، أَبًا كَانَ أَوْ أُمًّا، فَيُحْكَمُ بِإِسْلاَمِ الصِّغَارِ بِالتَّبَعِيَّةِ، لأَِنَّ الإِْسْلاَمَ يَعْلُو وَلاَ يُعْلَى عَلَيْهِ، لأَِنَّهُ دِينُ اللَّهِ الَّذِي ارْتَضَاهُ لِعِبَادِهِ. وَقَال مَالِكٌ: لاَ عِبْرَةَ بِإِسْلاَمِ الأُْمِّ أَوِ الْجَدِّ، لأَِنَّ الْوَلَدَ يَشْرُفُ بِشَرَفِ أَبِيهِ وَيَنْتَسِبُ إِلَى قَبِيلَتِهِ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ إِسْلاَمَ الْجَدِّ - وَإِنْ عَلاَ - يَسْتَتْبِعُ الْحُكْمَ بِإِسْلاَمِ الأَْحْفَادِ الصِّغَارِ وَمَنْ فِي حُكْمِهِمْ، وَلَوْ كَانَ الأَْبُ حَيًّا كَافِرًا، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} (74) .
وَقَال الثَّوْرِيُّ: إِذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ يُخَيَّرُ بَيْنَ دِينِ أَبَوَيْهِ، فَأَيُّهُمَا اخْتَارَ كَانَ عَلَى دِينِهِ (75) .
الإِْسْلاَمُ بِالتَّبَعِيَّةِ لِدَارِ الإِْسْلاَمِ:
26 - يَدْخُل فِي ذَلِكَ الصَّغِيرُ إِذَا سُبِيَ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَحَدٌ مِنْ أَبَوَيْهِ، إِذَا أَدْخَلَهُ السَّابِي إِلَى دَارِ الإِْسْلاَمِ. وَكَذَلِكَ لَقِيطُ دَارِ الإِْسْلاَمِ، حَتَّى لَوْ كَانَ مُلْتَقِطُهُ ذِمِّيًّا. وَكَذَلِكَ الْيَتِيمُ الَّذِي مَاتَ أَبَوَاهُ وَكَفَلَهُ أَحَدُ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّهُ يَتَّبِعُ كَافِلَهُ وَحَاضِنَهُ فِي الدِّينِ، كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ الْقَيِّمِ. (76)
وَانْفَرَدَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ الْوَلَدَ يُحْكَمُ بِإِسْلاَمِهِ إِذَا مَاتَ وَاحِدٌ مِنْ أَبَوَيْهِ الذِّمِّيِّينَ، وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: كُل مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ (77) .
ثَالِثًا: الإِْسْلاَمُ بِالدَّلاَلَةِ:
27 - قَال ابْنُ نُجَيْمٍ: الأَْصْل أَنَّ الْكَافِرَ مَتَى فَعَل عِبَادَةً فَإِنْ كَانَتْ مَوْجُودَةً فِي سَائِرِ الأَْدْيَانِ لاَ يَكُونُ بِهَا مُسْلِمًا، كَالصَّلاَةِ مُنْفَرِدًا، وَالصَّوْمِ، وَالْحَجِّ الَّذِي لَيْسَ بِكَامِلٍ، وَالصَّدَقَةِ، وَمَتَى فَعَل مَا اخْتَصَّ بِشَرْعِنَا، وَلَوْ مِنَ الْوَسَائِل كَالتَّيَمُّمِ. وَكَذَلِكَ مَا كَانَ مِنَ الْمَقَاصِدِ أَوْ مِنَ الشَّعَائِرِ، كَالصَّلاَةِ بِجَمَاعَةٍ وَالْحَجِّ الْكَامِل وَالأَْذَانِ فِي الْمَسْجِدِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، يَكُونُ بِهِ مُسْلِمًا، وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ (78) . وَقَدِ اعْتَبَرَ الْفُقَهَاءُ جُمْلَةً مِنَ الأَْفْعَال تَقُومُ دَلاَلَةً عَلَى كَوْنِ الشَّخْصِ مُسْلِمًا، وَلَوْ لَمْ يُعْرَفْ عَنْهُ النُّطْقُ بِالشَّهَادَتَيْنِ.
أ - الصَّلاَةُ
28 - يَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّهُ يُحْكَمُ بِإِسْلاَمِ الْكَافِرِ بِفِعْل الصَّلاَةِ. لَكِنْ قَال الْحَنَابِلَةُ: يُحْكَمُ بِإِسْلاَمِهِ بِالصَّلاَةِ سَوَاءٌ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ دَارِ الإِْسْلاَمِ، وَسَوَاءٌ صَلَّى جَمَاعَةً أَوْ فَرْدًا، فَإِنْ أَقَامَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الإِْسْلاَمِ، وَإِلاَّ فَهُوَ مُرْتَدٌّ تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُرْتَدِّينَ.
وَإِنْ مَاتَ قَبْل ظُهُورِ مَا يُنَافِي الإِْسْلاَمَ فَهُوَ مُسْلِمٌ، يَرِثُهُ وَرَثَتُهُ الْمُسْلِمُونَ دُونَ الْكَافِرِينَ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: إِنِّي نُهِيتُ عَنْ قَتْل الْمُصَلِّينَ (79) وَقَوْلِهِ: الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الصَّلاَةُ (80) وَقَوْلُهُ: مَنْ صَلَّى صَلاَتَنَا، وَاسْتَقْبَل قِبْلَتَنَا، وَأَكَل ذَبِيحَتَنَا فَذَلِكَ الْمُسْلِمُ الَّذِي لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ، فَلاَ تَخْفِرُوا اللَّهَ فِي ذِمَّتِهِ (81) . فَجَعَلَهَا حَدًّا بَيْنَ الإِْيمَانِ وَالْكُفْرِ، فَمَنْ صَلَّى فَقَدْ دَخَل فِي حَدِّ الإِْسْلاَمِ، وَلأَِنَّهَا عِبَادَةٌ تَخْتَصُّ بِالْمُسْلِمِينَ فَالإِْتْيَانُ بِهَا إِسْلاَمٌ، كَالشَّهَادَتَيْنِ.
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: لاَ يُحْكَمُ بِإِسْلاَمِهِ بِالصَّلاَةِ إِلاَّ إِنْ صَلاَّهَا كَامِلَةً فِي الْوَقْتِ مَأْمُومًا فِي جَمَاعَةٍ، إِلاَّ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ يَرَى أَنَّهُ حَتَّى لَوْ صَلَّى وَحْدَهُ مُسْتَقْبِل الْقِبْلَةِ فَإِنَّهُ يُحْكَمُ بِإِسْلاَمِهِ، وَقَال الْمَالِكِيَّةُ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: لاَ يُحْكَمُ بِإِسْلاَمِ الْكَافِرِ بِمُجَرَّدِ صَلاَتِهِ، لأَِنَّ الصَّلاَةَ مِنْ فُرُوعِ الإِْسْلاَمِ، فَلَمْ يَصِرْ مُسْلِمًا بِفِعْلِهَا، كَالْحَجِّ وَالصِّيَامِ، وَلأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِل النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنِّي رَسُول اللَّهِ، فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلاَّ بِحَقِّهَا (82) . وَقَال بَعْضُهُمْ: إِنْ صَلَّى فِي دَارِ الإِْسْلاَمِ فَلَيْسَ بِمُسْلِمٍ، لأَِنَّهُ قَدْ يَقْصِدُ الاِسْتِتَارَ بِالصَّلاَةِ وَإِخْفَاءَ دِينِهِ، وَإِنْ صَلَّى فِي دَارِ الْحَرْبِ فَهُوَ مُسْلِمٌ، لأَِنَّهُ لاَ تُهْمَةَ فِي حَقِّهِ (83) . وَالدَّلِيل لِذَلِكَ قَوْلُهُ ﷺ: مَنْ صَلَّى صَلاَتَنَا، وَاسْتَقْبَل قِبْلَتَنَا، وَأَكَل ذَبِيحَتَنَا فَذَلِكَ الْمُسْلِمُ الَّذِي لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ فَلاَ تَخْفِرُوا اللَّهَ فِي ذِمَّتِهِ (84) . وَقَوْلُهُ ﷺ: إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُل يَتَعَاهَدُ الْمَسَاجِدَ فَاشْهَدُوا لَهُ بِالإِْيمَانِ (85) فَإِنَّ اللَّهَ يَقُول: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} (86) .
قَال ابْنُ قُدَامَةَ (87) : مَنْ صَلَّى حَكَمْنَا بِإِسْلاَمِهِ ظَاهِرًا، أَمَّا صَلاَتُهُ فِي نَفْسِهِ فَأَمْرٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى. فَالرَّجُل يَتَعَهَّدُ الْمَسَاجِدَ وَيَرْتَادُهَا لإِِقَامَةِ الصَّلَوَاتِ فِي أَوْقَاتِهَا وَالإِْنْصَاتِ فِيهَا لِمَا يُتْلَى مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، وَمَا يُلْقَى فِيهَا مِنَ الْعِبَرِ وَالْعِظَاتِ، وَالأَْمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ الْمَسَاجِدَ لاَ يَرْتَادُهَا إِلاَّ الْمُؤْمِنُونَ الطَّائِعُونَ وَالْمُخْلِصُونَ فِي إِيمَانِهِمْ لِلَّهِ، فَلاَ جَرَمَ إِنْ كَانَ هَذَا الْحَدِيثُ النَّبَوِيُّ يُشِيرُ إِلَى أَنَّ هَذَا الاِرْتِيَادَ هُوَ أَمَارَةٌ عَلَى الإِْيمَانِ، يَشْهَدُ لَهُ قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ} . الآْيَةَ.
ب - الأَْذَانُ:
29 - وَيُحْكَمُ بِإِسْلاَمِ الْكَافِرِ بِالأَْذَانِ فِي الْمَسْجِدِ وَفِي الْوَقْتِ، لأَِنَّهُ مِنْ خَصَائِصِ دِينِنَا وَشِعَارِ شَرْعِنَا، وَلَيْسَ لِمُجَرَّدِ أَنَّهُ يَشْتَمِل عَلَى الشَّهَادَتَيْنِ، بَل لأَِنَّهُ مِنْ قَبِيل الإِْسْلاَمِ بِالْفِعْل.
ج - سُجُودُ التِّلاَوَةِ:
30 - وَيُحْكَمُ بِإِسْلاَمِ الْكَافِرِ بِسُجُودِ التِّلاَوَةِ، لأَِنَّهُ مِنْ خَصَائِصِنَا، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ أَخْبَرَ عَنِ الْكُفَّارِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لاَ يَسْجُدُونَ} (88) .
د - الْحَجُّ:
31 - وَكَذَلِكَ لَوْ حَجَّ، وَتَهَيَّأَ لِلإِْحْرَامِ. وَلَبَّى وَشَهِدَ الْمَنَاسِكَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّهُ يُحْكَمُ بِإِسْلاَمِهِ. وَإِنْ لَبَّى وَلَمْ يَشْهَدِ الْمَنَاسِكَ، أَوْ شَهِدَهَا وَلَمْ يُلَبِّ، فَلاَ يُحْكَمُ بِإِسْلاَمِهِ (89) .
__________
(1) لسان العرب، والمصباح، والمغرب مادة: (سلم) .
(2) جامع العلوم والحكم ص 22 - 26 ط دار المعرفة.
(3) المرجع السابق.
(4) حديث سؤال جبريل: أخرجه مسلم من حديث عمر بن الخطاب ﵁ (صحيح مسلم بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي 1 / 36، 37 ط عيسى الحلبي 1374 هـ) .
(5) سورة الشورى / 13.
(6) سورة الحج / 78.
(7) سورة البقرة / 128.
(8) سورة البقرة / 129.
(9) عن فتاوى أحمد بن حجر الهيثمي ص 126.
(10) مجموعة فتاوى ابن تيمية 3 / 94 طبع المملكة السعودية.
(11) سورة النحل / 36.
(12) الفروق 3 / 91.
(13) حديث غيلان: " أمسك. . . " أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه بهذا المعنى، من حديث ابن عمر ﵄ مرفوعا، وصححه ابن حبان، وأعله البخاري وأبو زرعة وأبو حاتم. قال ابن كثير فيما نقله عنه الصنعاني: وهذا الإسناد رجاله على شرط الشيخين، إلا أن الترمذي (مسند أحمد بن حنبل بتحقيق أحمد شاكر 6 / 277 - 278 ط دار المعارف بمصر 1370 هـ، وتحفة الأحوذي 4 / 278 ط السلفية، وسنن ابن ماجه بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي 1 / 628، وسبل السلام 3 / 132 ط مصطفى الحلبي، ومشكاة المصابيح بتحقيق محمد ناصر الدين الألباني 2 / 948 نشر المكتب الإسلامي) .
(14) المغني 7 / 534.
(15) المغني 7 / 532، 558، وابن عابدين 2 / 390.
(16) المغني 7 / 534، وابن عابدين 2 / 390.
(17) حديث: " الإسلام يجب ما كان قبله " أخرجه أحمد بهذا اللفظ من حديث عمرو بن العاص ﵁ مرفوعا. وأخرجه مسلم بلفظ: " أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله ". (مسند أحمد بن حنبل 4 / 199 نشر المكتب الإسلامي، وصحيح مسلم بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي 1 / 112 ط عيسى الحلبي 1374 هـ) .
(18) الفروق 3 / 184 - 185 ط دار المعرفة.
(19) شرح مسلم بهامش القسطلاني 1 / 279.
(20) حديث: " أمرت أن أقاتل. . . " أخرجه البخاري ومسلم من حديث عمر بن الخطاب ﵁ مرفوعا واللفظ للبخاري (فتح الباري 3 / 262 ط السلفية، وصحيح مسلم بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي 1 / 15، 52 ط عيسى الحلبي 1374 هـ) .
(21) ) حديث: " فإذا فعلوا ذلك. . . " أخرجه الترمذي وأبو داود بهذا اللفظ من حديث أنس بن مالك ﵄ مرفوعا، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه. وأخرجه البخاري بهذا المعنى تعليقا، من حديث أنس بن مالك ﵄ (تحفة الأحوذي 7 / 339، 340 نشر المكتبة السلفية، وسنن أبي داود 3 / 101، 102 ط استنابول، وفتح الباري 1 / 497 ط السلفية) .
(22) ) حديث " لا يرث المسلم الكافر. . . " أخرجه البخاري ومسلم من حديث أسامة بن زيد ﵄ مرفوعا (فتح الباري 12 / 50 ط السلفية، وصحيح مسلم بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي 3 / 1233 ط عيسى الحلبي 1375 هـ) .
(23) حسبما تضافرت عليه دواوين المذاهب الفقهية كلها، إلا ما شذ (الشرح الكبير للإمام اللقاني على جوهرة التوحيد مخطوط، وشرح الكنز للزيلعي 3 / 292) .
(24) حديث: " من مات ولم يغز ولم يحدث به. . . " أخرجه مسلم والنسائي وأبو داود من حديث أبي هريرة ﵁ مرفوعا، واللفظ لمسلم (صحيح مسلم بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي 3 / 1517 ط عيسى الحلبي 1375 هـ، وسنن النسائي 6 / 8 ط المطبعة المصرية بالأزهر، وسنن أبي داود بتحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد 3 / 15، 16 نشر المكتبة الكبرى 1369 هـ) .
(25) البدائع 5 / 72.
(26) سورة البقرة / 278.
(27) مقدمات ابن رشد من كتاب التجارة إلى أرض الحرب - مخطوطة، والنص من القسم الذي لم يطبع منها.
(28) سورة البقرة / 275.
(29) سورة البقرة / 278.
(30) مقدمات ابن رشد من كتاب التجارة إلى أرض الحرب - مخطوطة، والنص من القسم الذي لم يطبع منها.
(31) سورة البقرة / 275.
(32)
(33)
(34)
(35) كشاف القناع 6 / 273 ط الرياض.
(36) ) حديث: " أوف بنذرك " أخرجه البخاري ومسلم واللفظ له، وأبو داود والترمذي والنسائي من حديث عمر بن الخطاب ﵁ مرفوعا (فتح الباري 4 / 284 ط السلفية، وصحيح مسلم بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي 3 / 1277 ط عيسى الحلبي 1375 هـ، وجامع الأصول 11 / 543 نشر مكتبة الحلواني) .
(37)
(38)
(39) سورة النساء / 141.
(40)
(41) سورة البقرة / 282.
(42) سورة المائدة / 106.
(43) الطرق الحكيمة في السياسة الشرعية ص 159 - 171.
(44) كشاف المصطلحات للتهانوي 1 / 552، طبعة استنابول.
(45) سورة آل عمران / 19، وانظر البيضاوي وحواشيه عند تفسيره هذه الآية 2 / 9 ط مصطفى محمد، وكتاب الوجوه والنظائر للدامقاني.
(46) سورة المطففين / 11.
(47) سورة يوسف / 76.
(48) سورة التوبة / 32.
(49) سورة البينة / 5.
(50) شرح مسلم للنووي بهامش القسطلاني 1 / 201.
(51) شرح الإقناع للخطيب بحاشية البجيرمي 4 / 111.
(52) سنن الترمذي بشرح أبي بكر بن العربي، والتبصرة لابن فرحون 2 / 203.
(53) ابن عابدين 3 / 393.
(54) الشرق: بفتحتين الشجا والغصة.
(55) القسطلاني على صحيح البخاري 1 / 103، والإحياء للغزالي 1 / 116 وما بعدها.
(56) الشرح الكبير على الجوهرة للشيخ اللقاني مخطوط - وشرح ابن حجر على الأربعين عند الكلام على الحديث الثاني " حديث جبريل ".
(57) حديث: الشريد بن سويد الثقفي. أخرجه أبو داود واللفظ له والنسائي من حديث الشريد، قال أبو داود: خالد بن عبد الله أرسله، لم يذكر الشريد، قال عبد القادر الأرناؤوط محقق جامع الأصول: وإسناده حسن (عون المعبود 3 / 227 ط الهند، وسنن النسائي 6 / 252 نشر المكتبة التجارية، وجامع الأصول بتحقيق عبد القادر الأرناؤوط 1 / 228، 229 نشر مكتبة الحلواني) .
(58) شرح مسلم 1 / 201. تنبيه: " على أن من آمن بقلبه ولم ينطق بلسانه مع قدرته كان مخلدا في النار. . إلخ. معترض بأنه لا إجماع على ذلك، وأنه مؤمن عاص من أقوال المذاهب الأربعة، على أن بعض محققي الحنفية يرى أن الإقرار باللسان إنما هو شرط لإجراء أحكام الدنيا فحسب " انتهى من شرح ابن حجر الهيثمي على الحديث الثاني - من الأربعين النووية.
(59) حديث: " أمرت أن أقاتل الناس. . . " سبق تخريجه (ف / 9) .
(60) فتح القدير شرح الهداية 4 / 383.
(61) حديث: " بني الإسلام. . . " أخرجه البخاري واللفظ له ومسلم والترمذي والنسائي من حديث عبد الله بن عمر ﵄ مرفوعا (فتح الباري 1 / 49 ط السلفية، وصحيح مسلم بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي 1 / 45 ط عيسى الحلبي 1374 هـ، وجامع الأصول في أحاديث الرسول 1 / 207، 208 نشر مكتبة الحلواني 1389 هـ) .
(62) راجع تفاصيل ذلك في عنوان: ما يصير به المرء مسلما وتوابعه من هذا البحث.
(63) سورة الأنبياء / 25.
(64) ) حديث: " من كان آخر كلامه. . . . " أخرجه أبو داود والحاكم من حديث معاذ بن جبل ﵁ مرفوعا، قال الحاكم، هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. قال شعيب الأرناؤوط: وفيه صالح بن أبي غريب - أحد رواته - روى عنه جماعة من الثقات، ووثقه ابن حبان، وباقي رجاله ثقات (سنن أبي داود 3 / 486 ط استانبول، والمستدرك 1 / 351 نشر دار الكتاب العربي، وشرح السنة للبغوي بتحقيق شعيب الأرناؤوط 5 / 296 نشر المكتب الإسلامي) .
(65) سورة النور / 56.
(66) سورة النساء / 102.
(67) حديث " الصلاة لمواقيتها " أخرجه البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن مسعود ﵁ بلفظ " سألت النبي ﷺ أي العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها. . . " (فتح الباري 2 / 9 ط السلفية، وصحيح مسلم بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي 1 / 90 ط عيسى الحلبي 1374 هـ) .
(68) سورة البقرة / 183.
(69) سورة البقرة / 185.
(70) حديث: " صوموا لرؤيته. . . " أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة ﵁ مرفوعا (فتح الباري 4 / 119 ط السلفية، وصحيح مسلم بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي 2 / 762 ط عيسى الحلبي 1374 هـ) .
(71) سورة آل عمران / 97.
(72) سورة البقرة / 196.
(73) حديث: " إن الله فرض عليكم الحج فحجوا " أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة ﵁ مرفوعا بلفظ " أيها الناس: قد فرض الله عليكم الحج فحجوا. . . " (صحيح مسلم بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي 2 / 975 ط عيسى الحلبي 1374 هـ) .
(74) سورة الطور / 21.
(75) البدائع 4 / 104، وابن عابدين 4 / 348، والشربيني 4 / 206 - 207، والدسوقي على الشرح الكبير 4 / 308، والزرقاني على خليل 2 / 69، والمغني 8 / 139 - 140، وكشاف القناع 6 / 183.
(76) شفاء العليل ص 298، والمغني 8 / 140.
(77) حديث " كل مولود. . . " أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة ﵁ مرفوعا بلفظ " ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه. . . " (فتح الباري 11 / 493 ط السلفية، وصحيح مسلم بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي 4 / 2047 ط عيسى الحلبي 1375 هـ) .
(78) الدر المختار 1 / 7364، 3 / 390، والمغني 2 / 201.
(79) حديث: " إني نهيت عن قتل المصلين " أخرجه أبو داود من حديث أبي هريرة ﵁ مرفوعا، قال المنذري: وفي إسناده أبو يسار القرشي، سئل عنه أبو حاتم الرازي، فقال: مجهول، وأبو هاشم قيل هو ابن عم أبي هريرة، وهو كما قال الحافظ ابن حجر: مجهول الحال أيضا (عون المعبود 4 / 438 ط الهند، وجامع الأصول 4 / 744 نشر مكتبة الحلواني 1390 هـ، وتقريب التهذيب 2 / 482 نشر دار المعرفة 1395 هـ) .
(80) حديث: " العهد. . . " أخرجه الترمذي والنسائي من حديث بريدة ﵁ مرفوعا، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. قال المباركفوري: وأخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه وقال: صحيح، ولا نعرف له علة (تحفة الأحوذي 7 / 369 ط السلفية، وسنن النسائي 1 / 231 نشر المكتبة التجارية، وجامع الأصول 5 / 203 نشر مكتبة الحلواني، وشرح السنة للبغوي 2 / 180 نشر المكتب الإسلامي) .
(81) حديث: " من صلى صلاتنا. . . " أخرجه البخاري من حديث أنس بن مالك ﵁ مرفوعا (فتح الباري 1 / 496 ط السلفية) .
(82) حديث: " أمرت أن أقاتل. . . " أخرجه البخاري ومسلم من حديث ابن عمر ﵄ مرفوعا بلفظ " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا اله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام " وفي رواية مسلم " إلا بحقها وحسابهم على الله ". (فتح الباري 1 / 75 ط السلفية، وصحيح مسلم 1 / 53 ط استانبول، وجامع الأصول 1 / 245 نشر مكتبة الحلواني) .
(83) بدائع الصنائع 4 / 103، والمغني 2 / 201 والدسوقي على الشرح الكبير 1 / 325.
(84) حديث: " من صلى صلاتنا. . . " سبق تخريجه (ف / 27) .
(85) حديث: " إذا رأيتم الرجل يتعاهد المساجد. . . . " أخرجه الترمذي وابن ماجه وأحمد والحاكم وابن حبان والدارمي من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعا، قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، قال الحاكم: هذه ترجمة للمصريين، لم يختلفوا في صحتها وصدق رواتها، غير أن شيخي الصحيح البخاري ومسلم لم يخرجاه، وتعقبه الذهبي بقوله: في إسناده دراج وهو كثير المناكير (تحفة الأحوذي 1 / 365 - 366 ط السلفية، وسنن ابن ماجه بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي 1 / 263 ط عيسى الحلبي 1372 هـ، ومسند أحمد بن حنبل 3 / 68 ط الميمنية، والمستدرك 1 / 212، 213 نشر دار الكتاب العربي، وسنن الدارمي 1 / 278 ط مطبعة الاعتدال 1349 هـ) .
(86) سورة التوبة / 18.
(87) المغني 2 / 201.
(88) سورة الانشقاق / 21.
(89) بدائع الصنائع 7 / 103.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 259/ 4
اُنْظُرْ: سَلَم__________
الموسوعة الفقهية الكويتية: 273/ 4
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".