العليم
كلمة (عليم) في اللغة صيغة مبالغة من الفعل (عَلِمَ يَعلَمُ) والعلم...
عن رَافِع بْن خَدِيج رضي الله عنه قال: «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهﷺ بِذِي الْحُلَيْفَةِ مِنْ تِهَامَةَ، فَأَصَابَ النَّاسَ جُوعٌ فَأَصَابُوا إبِلاً وَغَنَماً، وَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ فِي أُخْرَيَاتِ الْقَوْمِ، فَعَجِلُوا وَذَبَحُوا وَنَصَبُوا الْقُدُورَ فَأَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ بِالْقُدُورِ فَأُكْفِئَتْ، ثُمَّ قَسَمَ فَعَدَلَ عَشَرَةً مِنْ الْغَنَمِ بِبَعِيرٍ، فَنَدَّ مِنْهَا بَعِيرٌ فَطَلَبُوهُ فَأَعْيَاهُمْ، وَكَانَ فِي الْقَوْمِ خَيْلٌ يَسِيرَةٌ، فَأَهْوَى رَجُلٌ مِنْهُمْ بِسَهْمٍ، فَحَبَسَهُ الله، فَقَالَ: إنَّ لِهَذِهِ الْبَهَائِمِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ، فَمَا نَدَّ عَلَيْكُمْ مِنْهَا فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا، قُلْتُ: يَا رَسُولُ الله، إنَّا لاقُو الْعَدُوِّ غَداً، وَلَيْسَ مَعَنَا مُدىً، أَفَنَذْبَحُ بِالْقَصَبِ؟ قَالَ: مَا أَنْهَرَ الدَّمَ، وَذُكِرَ اسْمُ الله عَلَيْهِ، فَكُلُوهُ، لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفْرَ، وَسَأُحَدِّثُكُمْ عَنْ ذَلِكَ، أَمَّا السِّنُّ: فَعَظْمٌ، وَأَمَّا الظُّفْرُ: فَمُدَى الْحَبَشَةِ».
[صحيح.] - [متفق عليه.]
يخبر رافع بن خديج رضي الله عنهما أنهم كانوا في غزوة من الغزوات مع النبي ﷺ بمكان يقال له: ذو الحليفة، وأنهم أصابوا نعماً كثيرة، فذبحوا من تلك النعم قبل قسمته ولم ينتظروا القسمة، وكان النبي ﷺ متأخراً فأتى إليهم وقد نصبوا القدور، فعمد إلى القدور فكفأها ورملها، أي: حشاها بالتراب، وقال: إن النهبة ليست بأحل من الميتة، ثم قسم فعدل البعير بعشر من الغنم، وحينئذ ذبح كل منهم مما أصاب، أي: من نصيبه الخاص به، ففر بعير منها ولم يقدروا عليه؛ لقلة الخيل، ورماه رجل بسهم فحبسه الله، فقال النبي ﷺ: إن لهذه البهائم أوابد كأوابد الوحش، فما ند عليكم منها فاصنعوا به هكذا. ثم سألوا النبي ﷺ عن الذبح بأي وسيلة، فأخبرهم أن كل ما يسيل الدم، واقترن مع الذبح التسمية، فهو مما يجوز الأكل به، ولكن الظفر سواء كان متصلًا بيد الإنسان أو منفصلًا من إنسان أو غيره فلا يجوز؛ لأنها سكاكين الكفار، وكذلك السن لا تجوز التذكية به؛ لأنه عظم.
فأهوى رجل منهم بسهم فحبسه الله | أي: رمى أحدهم سهمًا فأصابه بإذن الله -تعالى- وبقي مكانه. |
بالقصب | بالعصا المجوفة. |
الحُليفة | تصغير حلفة، وهي نبت معروف، سميت المنطقة به؛ لأنها من منابته. |
تِهَامة | وهي ما تصوب من جبال الحجاز إلى البحر. |
نَدَّ | بمعنى: هرب على وجهه شارداً. |
فأعياهم | أعجزهم. |
أوابد | الغريبة المتوحشة، والمراد: أن لها توحشا ونفوراً. |
مُدَى الحبشة | وهى: السكين. |
أنهر الدم | بمعنى فتح الدم وأساله. |
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".