تَكْرِيتُ
بفتح التاء والعامة يكسرونها: بلدة مشهورة بين بغداد والموصل، وهي إلى بغداد أقرب، بينها وبين بغداد ثلاثون فرسخا، ولها قلعة حصينة في طرفها الأعلى راكبة على دجلة، وهي غربي دجلة وفي كتاب الملحمة المنسوب إلى بطليموس: مدينة تكريت طولها ثمان وتسعون درجة وأربعون دقيقة، وعرضها سبع وثلاثون درجة وثلاث دقائق، وقال غيره: طولها تسع وستون درجة وثلث، وعرضها خمس وثلاثون درجة ونصف، وتعديل نهارها ثماني عشرة درجة، وأطول نهارها أربع عشرة ساعة وثلث. وكان أول من بنى هذه القلعة سابور بن أردشير ابن بابك لما نزل الهد، وهو بلد قديم مقابل تكريت في البرّيّة، يذكر إن شاء الله تعالى إن انتهينا إلى موضعه، وقيل: سمّيت بتكريت بنت وائل وحدثني العباس بن يحيى التكريتي، وهو معروف بالعلم والفضل في الموصل، قال: مستفيض عند المحصلين بتكريت أن بعض ملوك الفرس أول ما بنى قلعة تكريت على حجر عظيم من جصّ وحصى كان بارزا في وسط دجلة ولم يكن هناك بناء غيره بالقلعة، وجعل بها مسالح وعيونا وربايا تكون بينهم وبين الروم لئلا يدهمهم من جهتهم أمر فجأة، وكان بها مقدّم على من بها قائد من قوّاد الفرس ومرزبان من مرازبتهم، فخرج ذلك المرزبان يوما يتصيّد في تلك الصحارى فرأى حيّا من أحياء العرب نازلا في تلك البادية، فدنا منهم فوجد الحيّ خلوفا وليس فيه غير النساء، فجعل يتأمل النساء وهنّ يتصرفن في أشغالهن، فأعجب بامرأة منهن وعشقها عشقا مبرّحا فدنا من النساء وأخبرهن بأمره وعرّفهن أنه مرزبان هذه القلعة وقال: إنني قد هويت فتاتكم هذه وأحبّ أن تزوجونيها، فقلن: هذه بنت سيد هذا الحي ونحن قوم نصارى وأنت رجل مجوسيّ ولا يسوغ في ديننا أن نزوّج بغير أهل ملّتنا، فقال: أنا أدخل في دينكم، فقلن له: إنه خير إن فعلت ذلك، ولم يبق إلا أن يحضر رجالنا وتخطب إليهم كريمتهم فإنهم لا يمنعونك، فأقام إلى أن رجع رجالهن وخطب إليهم فزوجوه، فنقلها إلى القلعة وانتقل معها عشيرتها إكراما لها، فنزلوا حول القلعة، فلما طال مقامهم. بنوا هناك أبنية ومساكن، وكان اسم المرأة تكريت فسمي الربض باسمها، ثم قيل قلعة تكريت نسبوها إلى الربض وقال عبيد الله بن الحر وكان قد وقع بينه وبين أصحاب مصعب وقعة بتكريت قتل بها أكثر أصحابه ونجا بنفسه فقال: فإن تك خيلي يوم تكريت أحجمت، وقتّل فرساني، فما كنت وانيا وما كنت وقّافا، ولكن مبارزا، . .. أقاتلهم وحدي فرادى وثانيادعاني الفتى الأزديّ عمرو بن جندب، فقلت له: لبّيك! لما دعانيا فعزّ على ابن الحرّ أن راح راجعا، وخلّفت في القتلى بتكريت ثاويا ألا ليت شعري! هل أرى بعد ما أرى جماعة قومي نصرة والمواليا وهل أزجرن بالكوفة الخيل شزبا، ضوامر تردى بالكماة عواديا فألقى عليها مصعبا وجنوده، فأقتل أعدائي وأدرك ثاريا؟ وقال عبيد الله بن قيس الرّقيّات: أتقعد في تكريت لا في عشيرة شهود، ولا السلطان منك قريب وقد جعلت أبناؤنا ترتمي بنا بقتل بوار، والحروب حروب وأنت امرؤ للحزم عندك منزل، وللدين والإسلام منك نصيب فدع منزلا أصبحت فيه، فإنه به جيف أودت بهنّ خطوب وافتتحها المسلمون في أيام عمر بن الخطاب في سنة 16، أرسل إليها سعد بن أبي وقاص جيشا عليه عبد الله بن المعتم فحاربهم حتى فتحها عنوة وقال في ذلك: ونحن قتلنا يوم تكريت جمعها، فلله جمع يوم ذاك تتابعوا ونحن أخذنا الحصن، والحصن شامخ، وليس لنا فيما هتكنا مشايع وقال البلاذري: وجّه عتبة بن فرقد من الموصل بعد ما افتتحها في سنة عشرين مسعود بن حريث بن الأبجر أحد بني تيم بن شيبان إلى تكريت ففتح قلعتها صلحا، وكانت المرأة من الفرس شريفة فيهم يقال لها داري، ثم نزل مسعود القلعة فولده بها، وابتنى بتكريت مسجدا جامعا وجعله مرتفعا من الأرض لأنه أمنهم على خنازيرهم فكره أن تدخل المسجد وينسب إليها من أهل العلم والرواية جماعة، منهم: أبو تمام كامل بن سالم بن الحسين بن محمد التكريتي الصوفي شيخ رباط الزّوزني ببغداد، سمع الحديث من أبي القاسم الحسين، توفي في شوال سنة 548، وغيره.
[معجم البلدان]
تكريت (1) :
بالعراق بين دجلة والفرات، وقيل هي من كور الموصل، من سر من رأى إلى تكريت، وهي مدينة قديمة كبيرة واسعة الأرجاء جميلة الأسواق كثيرة المساجد غاصة بالأهل، أهلها أحسن أخلاقاً وقسطاً في الموازين من أهل بغداد، ودجلة منها في جوفها ولها قلعة حصينة على الشط هي قصبتها المنيعة ويطيف بالبلد سور، وهي من المدن العتيقة، وهي على شاطئ دجلة في الجانب الغربي ينزلها قوم يقال لهم الجرامقة وبها تجار مياسير، ومنها تأخذ فوهة النهر الإسحاقي (2) الذي حفره المعتصم إلى الضياع التي استنبطها في الجانب الغربي بسر من رأى، وبين تكريت والموصل ثلاث مراحل، والغالب على أهل تكريت أنهم نصارى وأبنيتهم بالجص والآجر، ومن تكريت يشق نهر دجيل الآخذ من الدجلة فيشق ربضها ويمر إلى سواد سر من رأى فيعبره إلى قرب بغداد. قال الخبريون (3) : كتب سعد بن أبي وقاص إلى عمر
رضي الله عنهما باجتماع أهل الموصل إلى الانطاق وإقباله بهم إلى تكريت حتى نزل بها وخندق عليه ليحموا أرضه، فأمر عمر سعداً
رضي الله عنهما أن يسرح إلى الانطاق عبد الله بن المعتمر (4) ففصل إليه عبد الله من المدائن في آلاف، فسار إلى تكريت حتى نزل على الأنطاق ومعه الروم وتغلب وإياد والنمر (5) وقد خندقوا فحصرهم أربعين يوماً وتزاحفوا أربعة وعشرين زحفاً في كلها يهزم الله تعالى المشركين ولا يخرجون خرجة إلا كانت عليهم، فلما رأت الروم ذلك تركوا أمراءهم ونقلوا متاعهم إلى السفن. وقد كان عبد الله بن المعتمر وكل بالعرب ليدعوهم إليه وإلى نصرته على الروم رجالاً من تغلب وإياد والنمر فكانوا لا يخفون عنه شيئاً، فأقبلت إليه العيون منهم بما فعلته الروم وسألوه للعرب السلم وقد أخبروه أنهم قد استجابوا، فأرسل إليهم: إن كنتم صادقين فاشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله
ﷺ وأقروا بما جاء به من عند الله ثم أعلمونا رأيكم (6)، فردوا إليه رسله بالإسلام، فأرسل إليهم إذا سمعتم تكبيرنا فاعلموا أنا قد نهدنا إلى الأبواب التي تلينا لندخل عليهم منها فخذوا بالأبواب التي تلي دجلة (7) وكبروا وقاتلوا واقتلوا من قدرتم عليه، فانطلقوا حتى واطأوهم على ذلك، ونهد عبد الله والمسلمون لما يليهم وكبروا وكبرت تغلب وإياد والنمر وقد أخذوا بالأبواب، فحسب القوم أن المسلمين أتوهم من خلفهم فابتدروا الأبواب التي أمامهم، فأخذتهم سيوف المسلمين مستقبليهم وسيوف الذين أسلموا ليلتئذ من خلفهم، فلم يفلت من أهل الخندق إلا من أسلم من تغلب وإياد والنمر، واقتسم المسلمون بتكريت ما أفاء الله عليهم على أن لكل سهم ألف درهم: للفارس ثلاثة آلاف وللراجل ألف، وبعثوا بالأخماس مع فرات بن حيان وبالفتح مع الحارث بن حسان، وولي حرب الموصل ربعي بن الأفكل والخراج عرفطة (8) بن هرثمة. وقد ملح بعض المتأخرين في تسفيه رأي أميره والتهكم به في رميه الغرض الأقصى وهو مقصر عن أدناه في قوله (9) : تكريت تعجزنا ونحن لسخفنا. .. نمضي لنأخذ ترمذاً من سنجر والحيص بيص أمير جمع وافر. .. وأنا بشعوذتي طبيب العسكر (1) بعضه عند ابن جبير: 232. (2) نسبة غلى إسحاق بن إبراهيم صاحب شرطة المتوكل (انظر بسط الأرض: 91). (3) الطبري 1: 2474. (4) الطبري: المعتم؛ وفي بعض أصوله ((المعتمر)). (5) ص ع: واليمن. (6) ص ع: أعلموا ما رأيكم. (7) ص ع: دجيلة. (8) ص ع: والجراح بن عرفطة. (9) هذا الشاعر هو ابن القطان البغدادي، توفي ببغداد سنة 585 (انظر ابن خلكان 6: 53 والمنتظم 10: 207، وابن أبي أصبيعة 1: 283 - 290، ومصادر أخرى مذكورة في حاشية ابن خلكان).
[الروض المعطار في خبر الأقطار]