البحث

عبارات مقترحة:

المحسن

كلمة (المحسن) في اللغة اسم فاعل من الإحسان، وهو إما بمعنى إحسان...

المهيمن

كلمة (المهيمن) في اللغة اسم فاعل، واختلف في الفعل الذي اشتقَّ...

الجبار

الجَبْرُ في اللغة عكسُ الكسرِ، وهو التسويةُ، والإجبار القهر،...

شروط الزواج (1) الولاية في النكاح

العربية

المؤلف ملتقى الخطباء - الفريق العلمي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات النكاح - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة
عناصر الخطبة
  1. أهمية الولاية في النكاح.
  2. حكم الولاية في النكاح.
  3. أهل الولاية في النكاح وترتيبهم .
  4. حكم تزويج المرأة نفسها. .

اقتباس

فَالْمَرْأَةُ لَا تَعْرِفُ الرِّجَالَ كَالرِّجَالِ، وَلَا تُدْرِكُ مَصْلَحَتَهَا كَمَا يُدْرِكُهَا وَلِيُّهَا؛ فَلِهَذَا جَعَلَ اللهُ -تَعَالَى- لِلْمَرْأَةِ فِي الزَّوَاجِ وَلِيًّا مِنْ أَقَارِبِهَا الرِّجَالِ؛ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهَا، وَإِجْلَالاً لِحَيَائِهَا وَشَرَفِهَا، وَصِيَانَةً لِحَقِّهَا..

الْخُطْبَةُ الْأُولَى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَتُوبُ إِلَيْهِ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71]، أَمَّا بَعْدُ:

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ النِّكَاحَ عَلَاقَةٌ سَامِيَةٌ، وَرَابِطَةٌ طَاهِرَةٌ عَالِيَةٌ، بِهَا تُبْنَى الْحَيَاةُ، وَتَسْتَقِيمُ أَحْوَالُهَا، وَيَبْقَى بِهَا النَّسْلُ الْبَشَرِيُّ مُمْتَدًّا يَحُفُّهُ النَّقَاءُ، وَيَفُوحُ مِنْ جَوَانِبِهِ الْعَفَافُ وَالزَّكَاءُ، وَلِذَلِكَ كَانَ لِهَذَا اللِّقَاءِ الطَّاهِرِ أَرْكَانٌ وَشُرُوطٌ يُبْنَى عَلَيْهَا، وَيَصِحُّ بِهَا؛ فَمِنْ ذَلِكَ: الْوِلَايَةُ؛ فَالْوِلَايَةُ فِي النِّكَاحِ لَهَا أَهَمِّيَّةٌ كَبِيرَةٌ، تَأْتِي مِنْ عِنَايَةِ الْإِسْلَامِ بِالزَّوَاجِ وَرَفْعِ مَكَانَتِهِ وَالْحِرْصِ عَلَى تَحْقِيقِ أَهْدَافِهِ.

 

فَالْمَرْأَةُ لَا تَعْرِفُ الرِّجَالَ كَالرِّجَالِ، وَلَا تُدْرِكُ مَصْلَحَتَهَا كَمَا يُدْرِكُهَا وَلِيُّهَا؛ فَلِهَذَا جَعَلَ اللهُ -تَعَالَى- لِلْمَرْأَةِ فِي الزَّوَاجِ وَلِيًّا مِنْ أَقَارِبِهَا الرِّجَالِ؛ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهَا، وَإِجْلَالاً لِحَيَائِهَا وَشَرَفِهَا، وَصِيَانَةً لِحَقِّهَا. وَلِأَنَّ هَذِهِ الْمُصَاهَرَةَ يَعُودُ غُنْمُهَا أَوْ غُرْمُهَا عَلَى عَائِلَتِهَا؛ كَانَتْ لِهَذِهِ الْوِلَايَةِ أَهَمِّيَّةٌ عَظِيمَةٌ حَتَّى يَخْتَارَ الْوِلِيُّ مَنْ يُكْرِمُ مُولِيَتَهُ، وَتُسْعِدَ الْعَائِلَةَ مُصَاهَرَتُهُ.

 

وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْوِلَايَةِ هَضْمٌ لِلْمَرْأَةِ، بَلْ تَكْرِيمٌ لَهَا وَحِفْظٌ لِحُقُوقِهَا، وَإِعْلَاءٌ لِشَأْنِهَا، قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ)[النساء:34]؛ " أَيِ: الرَّجُلُ قَيِّمٌ عَلَى الْمَرْأَةِ، أَيْ: هُوَ رَئِيسُهَا وَكَبِيرُهَا وَالْحَاكِمُ عَلَيْهَا"(تفسير ابن كثير).

 

عِبَادَ اللهِ: وَالْوِلَايَةُ عَلَى الْمَرْأَةِ تَكُونُ مِنْ قِبَلِ أَقَارِبِهَا الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ؛ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ النِّكَاحِ لَا يَصِحُّ النِّكَاحُ بِدُونِهِ، قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ)[البقرة:232]؛ "قَالَ الشَّافِعِيُّ: هِيَ أَصْرَحُ آيَةٍ فِي اعْتِبَارِ الْوَلِيِّ، وَإِلَّا لَمَا كَانَ لِعَضْلِهِ مَعْنًى".

 

وَقَدْ جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا يُبَيِّنُ بُطْلَانَ أَيِّ نِكَاحٍ لَيْسَ فِيهِ هَذَا الشَّرْطُ؛ فَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ"(رَوَاهُ الخمسة إلا النسائي)، وَالْمَعْنَى: "لَا صِحَّةَ لَهُ إِلَّا بِعَقْدِ وَلِيٍّ، فَلَا تُزَوِّجُ امْرَأَةٌ نَفْسَهَا، فَإِنْ فَعَلَتْ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ أَذِنَ وَلِيُّهَا".

 

وَعَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهَا؛ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ"(رواه أبو داود).

 

وَلَا يُكَرِّرُ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْجُمْلَةَ بِالْبُطْلَانِ لِلنِّكَاحِ الَّذِي فُقِدَ فِيهِ الْوَلِيُّ؛ إِلَّا لِتَأْكِيدِ فَسْخِ هَذَا النِّكَاحِ مِنْ أَصْلِهِ.

 

إِنَّ هَذِهِ الْوِلَايَةَ الْوَاجِبَةَ -مَعْشَرَ الْفُضَلَاءِ- فِي حَقِّ الْأَوْلِيَاءِ هِيَ وِلَايَةٌ عَلَى الْمُوَافَقَةِ أَوِ الرَّفْضِ، وَوِلَايَةٌ كَذَلِكَ عَلَى إِنْجَازِ الْعَقْدِ عِنْدَ الْمُوَافَقَةِ؛ فَالْوَلِيُّ يَنْظُرُ فِي الْمُتَقَدِّمِ لِمُولِيَتِهِ، فَإِنْ وَجَدَهُ مُنَاسِبًا لَهَا وَافَقَ عَلَيْهِ، وَإِنْ رَآهُ غَيْرَ مُوَافِقٍ رَدَّهُ. بَلْ رُبَّمَا بَحَثَ الْوَلِيُّ عَنِ الزَّوْجِ الْمُنَاسِبِ لِمُولِيَتِهِ فَزَوَّجَهُ إِيَّاهُ؛ فَقَدْ جَاءَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ: أَنَّ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- لَمَّا تَأَيَّمَتْ بِنْتُهُ حَفْصَةُ عَرَضَهَا عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُثْمَانَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-.

 

وَحَقُّ الْوِلَايَةِ لِلْأَوْلِيَاءِ هُوَ عَلَى جَمِيعِ مُولِيَاتِهِمْ: صَغِيرِهِنَّ وَكَبِيرِهِنَّ، بِكْرِهِنَّ وَثَيّبِهِنَّ، عَدِيمَةِ الْأَهْلِيَّةِ مِنْهُنَّ وَمَنْ لَهَا أَهْلِيَّةٌ، لَكِنْ هُنَاكَ مَنْ عَلَيْهَا وِلَايَةُ إِجْبَارٍ، وَمَنْ عَلَيْهَا وِلَايَةُ اخْتِيَارٍ؛ فَالصَّغِيرَةُ وَمَنْ بِهَا شَيْءٌ فِي عَقْلِهَا فَلِلْأَبِ أَنْ يُزَوِّجَهَا بِمَنْ يَرَاهُ كُفْؤًا لَهَا؛ لِأَنَّهُ شَفِيقٌ بِهَا، وَأَعْلَمُ بِمَصْلَحَتِهَا، وَأَحْرَصُ عَلَى اخْتِيَارِ مَا يُنَاسِبُهَا، وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ إِلَّا لِمَا فِيهِ الْخَيْرُ لَهَا؛ فَقَدْ وَرَدَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- زَوَّجَ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دُونَ اسْتِئْذَانِهَا، وَكَذَلِكَ وَرَدَ عَنْ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّهُ زَوَّجَ ابْنَتَهُ أُمَّ كُلْثُومٍ بِعُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- مِنْ غَيْرِ رِضَاهَا؛ لِكَوْنِهَا صَغِيرَةً.

 

فَإِذَا كَانَتِ الْمَرْأَةُ بَالِغَةً فَعَلَى الْوَلِيِّ أَنْ يَسْتَأْذِنَ الْبِكْرَ؛ فَلَا يُزَوِّجُهَا إِلَّا بِرِضَاهَا وَإِذْنِهَا؛ تَطْيِيبًا لِخَاطِرِهَا، وَقَدْ حَثَّ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى ذَلِكَ وَبَيَّنَ عَلَامَاتِ الرِّضَا؛ فَعَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ" قُلْتُ: إِنَّ الْبِكْرَ تَسْتَحِيي؟ قَالَ: "إِذْنُهَا صُمَاتُهَا"(متفق عليه)؛ لِأَنَّ إِجْبَارَهَا عَلَى الزَّوَاجِ بِرَجُلٍ لَا تَرْغَبُ فِيهِ عَمَلٌ تَنْشَأُ عَنْهُ مُشْكِلَاتٌ أُسَرِيَّةٌ كَثِيرَةٌ، وَخِلَافَاتٌ زَوْجِيَّةٌ لَا يَطِيبُ مَعَهَا طَعْمُ الْحَيَاةِ.

 

وَلَا يَخْفَى عَلَيْكُمْ -أَيُّهَا الْكِرَامُ- أَخْبَارَ زِيجَاتٍ قَامَتْ عَلَى إِجْبَارِ النِّسَاءِ فَكَانَتْ نَتِيجَةُ ذَلِكَ عَدَمَ اسْتِقْرَارِ الْأُسْرَةِ، وَعَدَمَ تَوَافُقِ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ؛ فَكَانَ الطَّلَاقُ السَّرِيعُ نِهَايَةَ هَذَا الزَّوَاجِ.

 

فَانْتَبِهُوا -أَيُّهَا الْآبَاءُ الْكِرَامُ- أَنْ تُزَوِّجُوا بَنَاتِكُمْ أَوْ أَخَوَاتِكُمْ مُجْبِرِينَ لَهُنَّ عَلَى الزَّوَاجِ بِأُنَاسٍ لَا يَرْغَبْنَ فِيهِمْ، بَلْ لَوْ تَمَّ عَقْدُ النِّكَاحِ بِدُونِ رِضَا الْمَرْأَةِ فَهُوَ عَقْدٌ بَاطِلٌ، إِلَّا إِذَا أَجَازَتْهُ؛ فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: جَاءَتْ فَتَاةٌ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: "إِنَّ أَبِي زَوَّجَنِي مِنِ ابْنِ أَخِيهِ لِيَدْفَعَ بِي خَسِيسَتَهُ، قَالَ: فَجَعَلَ الْأَمْرَ إِلَيْهَا. فَقَالَتْ: قَدْ أَجَزْتُ مَا صَنَعَ أَبِي، وَلَكِنْ أَرَدْتُ أَنْ تَعْلَمَ النِّسَاءُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْآبَاءِ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ"(رواه ابن ماجه).

 

وَأَمَّا إِذَا كَانَتِ الْمَرْأَةُ ثَيِّبًا فَإِنَّهَا بِمُخَالَطَةِ الزَّوْجِ قَدْ خَفَّ خَجَلُهَا؛ فَلِذَلِكَ لَا تَتَزَوَّجُ حَتَّى تَنْطِقَ بِالْإِذْنِ، بِخِلَافِ الْبِكْرِ؛ فَيَكْفِي فِي حَقِّهَا السُّكُوتُ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "لَا تُنْكَحُ الْأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَكَيْفَ إِذْنُهَا؟ قَالَ: "أَنْ تَسْكُتَ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 

نَسْأَلُ اللهَ –تَعَالَى- أَنْ يُرْشِدَ الْأَوْلِيَاءَ إِلَى مَا فِيهِ الْخَيْرُ لِبَنَاتِهِمْ وَأَخَوَاتِهِمْ.

 

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

 

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ الْأَمِينِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، أَمَّا بَعْدُ:

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ الْوِلَايَةَ عَلَى الْمَرْأَةِ فِي الزَّوَاجِ حَقٌّ لِأَقَارِبِهَا؛ لِأَنَّهُمْ أَحْرَصُ مِنْ غَيْرِهِمْ عَلَى شَرَفِهَا وَرَاحَتِهَا، وَجَلْبِ الْخَيْرِ لَهَا، وَدَفْعِ الشَّرِّ عَنْهَا.

وَالْمُرَادُ بِأَقَارِبِهَا هُنَا: أَقَارِبُهَا مِنَ النَّسَبِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى تَقْدِيمِ أَقَارِبِ النَّسَبِ فِي الزَّوَاجِ: قَوْلُهُ تَعَالَى-: (وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)[الأنفال:75].

 

وَجَاءَ عَنْ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: "النِّكَاحُ إِلَى الْعَصَبَاتِ"، "وَأَوْلَى النَّاسِ بِالتَّزْوِيجِ الْأَبُ، ثُمَّ الْجَدُّ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَإِنْ عَلَا، إِنْ كَانَ لَهَا جَدٌّ مِنْ قِبَلِ أَبِيهَا فَهُوَ أَوْلَى؛ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَبٌ وَلَا جَدٌّ مِنْ أَبِيهَا انْتَقَلَتِ الْوِلَايَةُ إِلَى أَبْنَائِهَا، إِنْ كَانَ لَهَا أَبْنَاءٌ، وَإِلَّا فَإِلَى إِخْوَتِهَا الْأَشِقَّاءِ، ثُمَّ الْإِخْوَةِ لِأَبٍ، ثُمَّ أَبْنَاءِ الْإِخْوَةِ الْأَشِقَّاءِ، ثُمَّ أَبْنَاءِ الْإِخْوَةِ لِأَبٍ، ثُمَّ لِلْأَعْمَامِ الْأَشِقَّاءِ، ثُمَّ الْأَعْمَامِ لِأَبٍ، ثُمَّ أَبْنَاءِ الْأَعْمَامِ الْأَشِقَّاءِ، ثُمَّ أَبْنَاءِ الْأَعْمَامِ لِأَبٍ. فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ لَهَا عَصَبَةٌ أَوْ كَانَ عَصَبَتُهَا فِي مَكَانٍ بَعِيدٍ لَا يُمْكِنُ الِاتِّصَالُ بِهِمْ، أَوْ كَانَ عَصَبَتُهَا قَدِ امْتَنَعُوا مِنْ تَزْوِيجِهَا بِمَنْ هُوَ كُفْءٌ؛ زَوَّجَهَا قَاضِي الْمَحْكَمَةِ. وَأَيُّ الْإِخْوَةِ الْأَشِقَّاءِ يَتَوَلَّى ذَلِكَ؟ كُلُّهُمْ لَهُ وِلَايَةٌ، لَكِنْ مِنَ الْأَدَبِ أَنْ يَجْعَلُوا الَّذِي يَتَوَلَّى ذَلِكَ الْأَكْبَرَ مِنْهُمْ"(ابن عثيمين).

 

فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ هَؤُلَاءِ الْأَوْلِيَاءُ فَإِنَّ السُّلْطَانَ يَقُومُ مَقَامَ الْوَلِيِّ؛ فَعَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا؛ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا، وَإِنِ اشْتَجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهَا"(رواه الخمسة إلا النسائي).

 

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: بِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ أَوْلِيَاءَ الْمَرْأَةِ هُمُ الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَ الْوِلَايَةَ عَلَيْهَا فِي تَزْوِيجِهَا، وَلَا يَحِقُّ لَهَا أَنْ تُزَوِّجَ نَفْسَهَا بِدُونِ وَلِيٍّ، أَوْ تَكِلُ تَزْوِيجَهَا إِلَى امْرَأَةٍ؛ فَقَدْ جَاءَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ، وَلَا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا"(رواه ابن ماجه).

 

فَيَا عِبَادَ اللهِ: هَذِهِ الْوِلَايَةُ، وَهَذَا حُكْمُهَا وَأَهْلُهَا، فَاعْرِفُوا قَدْرَهَا، وَلْتَعْلَمِ الْمَرْأَةُ أَنَّهَا شُرِعَتْ لِمَصْلَحَتِهَا؛ فَلَا تَغْتَرَّ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْأَصْوَاتِ النَّشَازِ الَّتِي تُحَاوِلُ إِبْعَادَهَا عَنْ هَذَا الْحِصْنِ الْحَصِينِ وَالرُّكْنِ الْمَكِينِ.

 

نَسْأَلُ اللهَ –تَعَالَى- التَّوْفِيقَ لِمَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ.

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْمَبْعُوثِ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ؛ (إِنَّ اللَّه وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِي يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)[الأحزاب:٥٦].