البحث

عبارات مقترحة:

المقدم

كلمة (المقدِّم) في اللغة اسم فاعل من التقديم، وهو جعل الشيء...

الودود

كلمة (الودود) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعول) من الودّ وهو...

الجبار

الجَبْرُ في اللغة عكسُ الكسرِ، وهو التسويةُ، والإجبار القهر،...

نعمة الهداية

العربية

المؤلف محمد بن سليمان المهوس
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المنجيات
عناصر الخطبة
  1. الباحث عن الهداية .
  2. نعمة الهداية من أجل النعم .
  3. شدة حاجة الخلائق إلى الهداية .
  4. من أهم أسباب التوفيق إلى الهداية. .

اقتباس

فَالْهِدَايَةُ بِمَشِيئَةِ اللهِ، وَلاَ يُمْكِنُ لِعَبْدٍ أَنْ يَهْتَدِيَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللهُ، وَلَكِنَّ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- جَعَلَ مَقَالِيدَ أُمُورِ الْعَبْدِ الاِخْتِيَارِيَّةِ بِيَدِهِ، وَأَزِمَّتَهَا فِي عِصْمَتِهِ، وَأَسْبَابَ الْهِدَايَةِ بِصَنِيعِهِ وَعَمَلِهِ. وَمِنْ فَضْلِ اللهِ وَكَرَمِهِ وَمِنَّتِهِ أَنْ خَلَقَنَا عَلَى الْفِطْرَةِ الإِسْلاَمِيَّةِ...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ؛ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا النَّاسُ: أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ -تَعَالَى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُمْ مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: رَجُلٌ مِنْ بِلاَدِ فَارِسَ مِنْ أَهْلِ أَصْبَهَانَ دَكَّ مَجَالِدَ الأَرْضِ، وَطَوَى أَصْقَاعَهَا، تَقَلَّبَ مِنْ دَلِيلٍ إِلَى دَلِيلٍ، وَمِنْ رَاهِبٍ إِلَى رَاهِبٍ، وَمِنْ دِينٍ إِلَى دِيِنِ؛ الْمَجُوسِيَّةُ بِدَايَتُهَا، ثُمَّ النَّصْرَانِيَّةُ، فَالْيَهُودِيَّةُ، بَعْدَ مَا سُلِبَتْ حُرِّيَّتُهُ، وَبِيعَ بِثَمَنٍ بِخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ، وَهُوَ لاَ يَلْوِيهِ عَنْ مَآتِيهِ شَيْءٌ، وَلاَ يَثْنِيهِ عَنْ مُرَادِهِ مُرَادٌ، حَتَّى اسْتَقَرَّ بِهِ الأَمْرُ، وَآلَ بِهِ الْمَآلُ إِلَى بُسْتَانٍ مِنْ بَسَاتِينِ أَحَدِ الْيَهُودِ بِالْمَدِينَةِ.

فَجَاءَ الْبَشِيرُ بِقُدُومِ الْبَشِيرِ النَّذِيرِ، وَهُوَ فِي فَرْعِ نَخْلَةٍ يَخْرِفُهَا لِسَيِّدِهِ، فَانْسَلَخَ مِنْهَا وَخَرَجَ، قَالَ لَهُ سَيِّدُهُ: إِلَى أَيْنَ؟ لِمَ تَرَكْتَ النَّخْلَةَ؟ قَالَ: "مَا أَتَيْتُ لِقَطْفِ الثِّمَارِ، وَلاَ لِخَرْفِ النَّخْيلِ، إِنَّمَا لِلِقَاءِ الْخَلِيلِ"، أَتَيْتُ لأَلْقَى مُحَمَّدًا، وَأَدْخُلَ فِي دِينِهِ، سُبْحَانَ اللهِ! فَأَيُّ هِمَّةٍ تِلْكَ عِنْدَ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-؟! وَأَيُّ صَبْرٍ عَلَى مُعَافَرَةِ الأَسْفَارِ ذَلِكَ؟!

نِعْمَةُ الْهِدَايَةِ -عِبَادَ اللهِ- نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ؛ إِذِ الْهِدَايَةُ الَّتِي يَسْعَى النَّاسُ إِلَيْهَا لَيْسَتْ نَامُوسًا يَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ، وَلَيْسَتْ طِبَاعَةً تُطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ، وَلاَ سِلْعَةً تُشْتَرَى، وَلاَ مِنْحَةً تُمْنَحُ إِيَّاهُمْ، فَلَوْ كَانَتْ كَذَلِكَ لَكَانَ أَبُو طَالِبٍ وَغَيْرُهُ مِنْ قَرَابَةِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أَحَقَّ بِهَذِهِ الْمِنَحِ، لَكِنَّهَا مِنَّةٌ وَفَضْلٌ لاَ يُوَفَّقُ لَهَا إِلاَّ مَنْ سَعَى إِلَيْهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: (وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا)، وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيمَا يَرْوِي عَنِ اللهِ -تَبَاركَ وَتَعَالَى-: "يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلاَّ مَنْ هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ… الْـحَديِثُ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

فَالْهِدَايَةُ بِمَشِيئَةِ اللهِ، وَلاَ يُمْكِنُ لِعَبْدٍ أَنْ يَهْتَدِيَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللهُ، وَلَكِنَّ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- جَعَلَ مَقَالِيدَ أُمُورِ الْعَبْدِ الاِخْتِيَارِيَّةِ بِيَدِهِ، وَأَزِمَّتَهَا فِي عِصْمَتِهِ، وَأَسْبَابَ الْهِدَايَةِ بِصَنِيعِهِ وَعَمَلِهِ.

وَمِنْ فَضْلِ اللهِ وَكَرَمِهِ وَمِنَّتِهِ أَنْ خَلَقَنَا عَلَى الْفِطْرَةِ الإِسْلاَمِيَّةِ، قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ؛ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-).

فَعَلَيْنَا أَنْ نَشْكُرَ اللهَ عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ، وَأَنْ لاَ نَنْتَظِرَ غَيْثَ الْهِدَايَةِ أَنْ يُمْطِرَ عَلَيْنَا، دُونَ أَنْ نَرْفَعَ أَكُفَّ الاِسْتِغَاثَةِ وَالاِسْتِهْدَاءِ، وَطَلَبِ رَبِّ الأَرْضِ وَالسَّمَاءِ، وَالْجِهَادِ وَالاِجْتِهَادِ بِفِعْلِ أَسْبَابِ الْهِدَايَةِ ؛ كَمَا فَعَلَ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-.

قَالَ الله -تبارك وتَعَالَى-: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)[العنكبوت:69]، وَقَالَ -جل وعلا-: (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ)[محمد: 17].

اللَّهُمَّ يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ، نَسْأَلُكَ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ الْمُبَارَكَةِ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى، وَأَنْ تَهْدِيَنَا صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِمَا مِنَ الآيَاتِ وَالْحِكْمَةِ. أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيْهَا مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا".

فِي هَذَا الْحَدِيثِ يُبَيِّنُ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَاجَةَ النَّاسِ لِهِدَايَةِ رَبِّهِمْ، وَالْتِمَاسِ أَسْبَابِهَا، وَالَّتِي مِنْ أَهَمِّهَا: الْفَرَحُ بِنِعْمَةِ الإِسْلاَمِ وَانْشِرَاحِ الصَّدْرِ لِتَعَالِيمِهِ، قَالَ -تَعَالَى-: (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا)[الأنعام:125].

وَمِنْهَا: تَحْقِيقُ التَّوْحِيدِ للهِ -تَعَالَى-، قَالَ -تَعَالَى-: (الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ)[الأنعام:82].

وَمِنْ أَسْبَابِ الْهِدَايَةِ: الإِنَابَةُ وَالتَّوْبَةُ إِلَى اللهِ: (اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ)[الشورى:13].

وَمِنْهَا: الاِسْتِجَابَةُ للهِ وَرَسُولِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ)[الأنفال:24].

وَمِنْهَا: الدُّعَاءُ وَالاِعْتِصَامُ باللهِ؛ كَمَا قَالَ -تَعَالَى-: (وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)[آل عمران:101].

فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى -عِبَادَ اللهِ-، وَاسْلُكُوا سُبُلَ الْهِدَايَةِ؛ فَإِنَّ أَعْظَمَ نِعَمِ اللهِ عَلَى عَبْدِهِ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا: أَنْ يَرْزُقَهُ الْهِدَايَةَ وَالاِسْتِقَامَةَ عَلَى صِرَاطِهِ الْمُسْتَقِيمِ.

هَذَا، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ: (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:56]، وَقَالَ ‏-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا"(رَوَاهُ مُسْلِم).