الجميل
كلمة (الجميل) في اللغة صفة على وزن (فعيل) من الجمال وهو الحُسن،...
مواجهة الشيء بالوجه، والجسد .
الجاهزية للتلقي، والأخذ.
التَّعْرِيفُ:
1 - الاِسْتِقْبَال فِي اللُّغَةِ: مَصْدَرُ اسْتَقْبَل الشَّيْءَ إِذَا وَاجَهَهُ، وَالسِّينُ وَالتَّاءُ فِيهِ لَيْسَتَا لِلطَّلَبِ، فَاسْتَفْعَل هُنَا بِمَعْنَى فَعَل، كَاسْتَمَرَّ وَاسْتَقَرَّ وَمِثْلُهُ الْمُقَابَلَةُ. (1)
وَيُقَابِلُهُ بِهَذَا الْمَعْنَى الاِسْتِدْبَارُ.
وَيَرِدُ الاِسْتِقْبَال فِي اللُّغَةِ أَيْضًا بِمَعْنَى: الاِسْتِئْنَافِ، يُقَال اقْتَبَل الأَْمْرَ وَاسْتَقْبَلَهُ: إِذَا اسْتَأْنَفَهُ. (2)
وَقَدِ اسْتَعْمَلَهُ الْفُقَهَاءُ بِهَذَيْنِ الإِْطْلاَقَيْنِ فَيَقُولُونَ: اسْتِقْبَال الْقِبْلَةِ أَيْ مُقَابَلَتُهَا وَيَقُولُونَ: اسْتَقْبَل حَوْل الزَّكَاةِ أَيِ: ابْتَدَأَهُ وَاسْتَأْنَفَهُ. (3)
وَزَادَ الشَّافِعِيَّةُ إطْلاَقَهُ عَلَى طَلَبِ الْقَبُول الَّذِي يُقَابِل الإِْيجَابَ فِي الْعُقُودِ، فَقَالُوا: يَصِحُّ الْبَيْعُ بِالاِسْتِقْبَال، وَمَثَّلُوا لَهُ بِنَحْوِ: اشْتَرِ مِنِّي، فَإِنَّهُ اسْتِقْبَالٌ قَائِمٌ مَقَامَ الإِْيجَابِ، وَمِثْل الْبَيْعِ الرَّهْنُ، فَيَصِحُّ بِنَحْوِ: ارْتَهِنْ دَارِي بِكَذَا. (4) الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ
أ - الاِسْتِئْنَافُ:
2 - الاِسْتِئْنَافُ: ابْتِدَاءُ الأَْمْرِ، (5) وَعَلَيْهِ فَهُوَ مُرَادِفٌ لِلاِسْتِقْبَال فِي أَحَدِ إطْلاَقَاتِهِ.
ب - الْمُسَامَتَةُ:
3 - الْمُسَامَتَةُ بِمَعْنَى: الْمُقَابَلَةِ وَالْمُوَازَاةِ، وَهِيَ مُرَادِفَةٌ لِلاِسْتِقْبَال عِنْدَ الَّذِينَ فَسَّرُوا الاِسْتِقْبَال بِمَعْنَى التَّوَجُّهِ إلَى الشَّيْءِ بِعَيْنِهِ بِلاَ انْحِرَافٍ يَمْنَةً وَلاَ يَسْرَةً. وَأَمَّا الَّذِينَ لَمْ يَشْتَرِطُوا فِي الاِسْتِقْبَال هَذَا الشَّرْطَ كَالْمَالِكِيَّةِ فَإِنَّهُمْ فَرَّقُوا بَيْنَهُمَا، فَخَصُّوا الْمُسَامَتَةَ بِاسْتِقْبَال عَيْنِ الشَّيْءِ تَمَامًا بِجَمِيعِ الْبَدَنِ، وَجَعَلُوا الاِسْتِقْبَال أَعَمَّ مِنْ ذَلِكَ، لِصِدْقِهِ بِخُرُوجِ شَيْءٍ مِنَ الْبَدَنِ عَنْ مُحَاذَاةِ الْعَيْنِ.
ج - الْمُحَاذَاةُ:
4 - الْمُحَاذَاةُ بِمَعْنَى: الْمُوَازَاةِ. (6) وَمَا قِيل فِي الْمُسَامَتَةِ يُقَال هُنَا أَيْضًا.
د - الاِلْتِفَاتُ:
5 - الاِلْتِفَاتُ صَرْفُ الْوَجْهِ ذَاتَ الْيَمِينِ أَوِ الشِّمَال. وَقَدْ يُرَادُ بِهِ الاِنْحِرَافُ بِالْوَجْهِ وَالصَّدْرِ أَيْضًا كَمَا وَرَدَ فِي مُسْنَدِ الإِْمَامِ أَحْمَدَ: " فَجَعَلَتْ تَلْتَفِتُ خَلْفَهَا " وَمَعْلُومٌ أَنَّ التَّحَوُّل إلَى خَلْفٍ لاَ يَكُونُ إلاَّ بِالْوَجْهِ وَالصَّدْرِ (7) . 6 - هَذَا وَالاِسْتِقْبَال عِنْدَ الْفُقَهَاءِ قَدْ يَكُونُ إلَى الْقِبْلَةِ، وَقَدْ يَكُونُ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ. وَاسْتِقْبَال الْقِبْلَةِ قَدْ يَكُونُ فِي الصَّلاَةِ، وَقَدْ يَكُونُ فِي غَيْرِهَا
وَسَيَأْتِي بَيَانُ هَذِهِ الأَْقْسَامِ وَاحِدًا بَعْدَ الآْخَرِ.
اسْتِقْبَال الْقِبْلَةِ فِي الصَّلاَةِ:
7 - الْمُرَادُ بِالْقِبْلَةِ مَوْضِعُ الْكَعْبَةِ، لأَِنَّهُ لَوْ نُقِل بِنَاؤُهَا إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ وَصُلِّيَ إلَيْهِ لَمْ يَجُزْ. (8) وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لأَِنَّ النَّاسَ يُقَابِلُونَهَا فِي صَلاَتِهِمْ. وَمَا فَوْقَ الْكَعْبَةِ إلَى السَّمَاءِ يُعَدُّ قِبْلَةً، وَهَكَذَا مَا تَحْتَهَا مَهْمَا نَزَل، فَلَوْ صَلَّى فِي الْجِبَال الْعَالِيَةِ وَالآْبَارِ الْعَمِيقَةِ جَازَ مَا دَامَ مُتَوَجِّهًا إلَيْهَا، لأَِنَّهَا لَوْ زَالَتْ صَحَّتِ الصَّلاَةُ إلَى مَوْضِعِهَا، وَلأَِنَّ الْمُصَلِّي عَلَى الْجَبَل يُعَدُّ مُصَلِّيًا إلَيْهَا (9) .
اسْتِقْبَال الْحِجْرِ:
8 - ذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ أَنَّهُ لَوْ اسْتَقْبَل الْمُصَلِّي الْحِجْرَ دُونَ الْكَعْبَةِ لَمْ يُجْزِهِ، لأَِنَّ كَوْنَهُ مِنَ الْبَيْتِ مَظْنُونٌ لاَ مَقْطُوعٌ بِهِ، وَهُوَ لاَ يُكْتَفَى بِهِ فِي الْقِبْلَةِ احْتِيَاطًا، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ وَاللَّخْمِيُّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ إلَى جَوَازِ الصَّلاَةِ إلَى الْحِجْرِ، لأَِنَّهُ مِنَ الْبَيْتِ، لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَال: الْحِجْرُ مِنَ الْبَيْتِ. (10) وَفِي رِوَايَةٍ: سِتُّ أَذْرُعٍ مِنَ الْحِجْرِ مِنَ الْبَيْتِ (11) وَلأَِنَّهُ لَوْ طَافَ فِيهِ لَمْ يَصِحَّ طَوَافُهُ. وَهُوَ وَجْهٌ مَشْهُورٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ خِلاَفَ الأَْصَحِّ فِي مَذْهَبِهِمْ، وَقَدَّرَهُ الْحَنَابِلَةُ بِسِتِّ أَذْرُعٍ وَشَيْءٍ، فَمَنِ اسْتَقْبَل عِنْدَهُمْ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ لَمْ تَصِحَّ صَلاَتُهُ أَلْبَتَّةَ. عَلَى أَنَّ هَذَا التَّقْدِيرَ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ الطَّوَافِ، أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لَهُ فَلاَ بُدَّ مِنْ خُرُوجِهِ عَنْ جَمِيعِهِ احْتِيَاطًا (12) .
حُكْمُ اسْتِقْبَال الْقِبْلَةِ فِي الصَّلاَةِ:
9 - لاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الصَّلاَةِ اسْتِقْبَال الْقِبْلَةِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَوَل وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} أَيْ جِهَتَهُ. (13)
وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ أَحْوَالٌ لاَ يُشْتَرَطُ فِيهَا الاِسْتِقْبَال، كَصَلاَةِ الْخَوْفِ، وَالْمَصْلُوبِ، وَالْغَرِيقِ، وَنَفْل السَّفَرِ الْمُبَاحِ وَغَيْرِهَا، (14) وَنَصُّوا عَلَى أَنَّ نِيَّةَ الاِسْتِقْبَال لَيْسَتْ بِشَرْطٍ عَلَى الرَّاجِحِ، اُنْظُرِ الْكَلاَمَ عَلَى النِّيَّةِ فِي الصَّلاَةِ. (15)
تَرْكُ الاِسْتِقْبَال:
10 - ذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ مِنْ مُفْسِدَاتِ الصَّلاَةِ تَحْوِيل الْمُصَلِّي صَدْرَهُ عَنِ الْقِبْلَةِ بِغَيْرِ عُذْرٍ اتِّفَاقًا، وَإِنْ تَعَمَّدَ الصَّلاَةَ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ عَلَى سَبِيل الاِسْتِهْزَاءِ يَكْفُرُ، وَهَذَا مُتَّفَقٌ مَعَ الْقَوَاعِدِ الْعَامَّةِ لِلشَّرِيعَةِ.
وَفَصَّل الْحَنَفِيَّةُ فِيمَا إِذَا صَلَّى بِلاَ تَحَرٍّ فَظَهَرَ أَنَّهُ أَصَابَ الْقِبْلَةَ أَثْنَاءَ الصَّلاَةِ بَطَلَتْ صَلاَتُهُ، لِبِنَاءِ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ، فَإِنْ ظَهَرَ ذَلِكَ بَعْدَ الصَّلاَةِ صَحَّتْ صَلاَتُهُ، لأَِنَّ مَا فُرِضَ لِغَيْرِهِ - كَالاِسْتِقْبَال الْمَشْرُوطِ لِصِحَّةِ الصَّلاَةِ - يُشْتَرَطُ حُصُولُهُ لاَ تَحْصِيلُهُ، وَقَدْ حَصَل وَلَيْسَ فِيهِ بِنَاءُ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ. (16)
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إنْ أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ لِجِهَةٍ فَخَالَفَهَا وَصَلَّى مُتَعَمِّدًا بَطَلَتْ صَلاَتُهُ وَإِنْ صَادَفَ الْقِبْلَةَ، وَيُعِيدُ أَبَدًا. وَأَمَّا لَوْ صَلَّى لِغَيْرِهَا نَاسِيًا وَصَادَفَ الْقِبْلَةَ فَهَل يَجْرِي فِيهِ مِنَ الْخِلاَفِ مَا يَجْرِي فِي النَّاسِي إِذَا أَخْطَأَ، أَوْ يُجْزَمُ بِالصِّحَّةِ لأَِنَّهُ صَادَفَ وَهُوَ الظَّاهِرُ؟ .
وَذَكَرَ الشَّافِعِيَّةُ أَنَّهُ لاَ يَسْقُطُ اسْتِقْبَالُهَا بِجَهْلٍ وَلاَ غَفْلَةٍ وَلاَ إكْرَاهٍ وَلاَ نِسْيَانٍ، فَلَوْ اسْتَدْبَرَ نَاسِيًا لَمْ يَضُرَّ (17) لَوْ عَادَ عَنْ قُرْبٍ. (18) وَيُسَنُّ عِنْدَ ذَلِكَ أَنْ يَسْجُدَ لِلسَّهْوِ لأَِنَّ تَعَمُّدَ الاِسْتِدْبَارِ مُبْطِلٌ. وَهَذَا بِخِلاَفِ مَا لَوْ أُمِيل عَنْهَا قَهْرًا فَإِنَّهَا تَبْطُل، وَإِنْ قَل الزَّمَنُ لِنُدْرَةِ ذَلِكَ. (19) وَلَوْ دَخَل فِي الصَّلاَةِ بِاجْتِهَادٍ ثُمَّ ظَهَرَ الْخَطَأُ بَطَلَتْ صَلاَتُهُ.
وَأَطْلَقَ الْحَنَابِلَةُ الْقَوْل بِأَنَّ مِنْ مُبْطِلاَتِ الصَّلاَةِ اسْتِدْبَارَ الْقِبْلَةِ حَيْثُ شُرِطَ اسْتِقْبَالُهَا. كَمَا نَصُّوا فِي بَابِ شُرُوطِ الصَّلاَةِ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الشُّرُوطَ لاَ تَسْقُطُ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا أَوْ جَهْلاً. (20)
هَذَا، وَلاَ بُدَّ مِنَ الْقَوْل أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ وَالْحَنَابِلَةَ نَصُّوا عَلَى أَنَّ الْمُصَلِّيَ إِذَا حَوَّل وَجْهَهُ وَصَدْرَهُ عَنِ الْقِبْلَةِ لَمْ تَفْسُدْ صَلاَتُهُ، حَيْثُ بَقِيَتْ رِجْلاَهُ إلَى الْقِبْلَةِ. وَنَصَّ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ بِلاَ ضَرُورَةٍ، وَقَالُوا: إنَّ هَذِهِ الْكَرَاهَةَ فِي حَقِّ مُعَايِنِ الْكَعْبَةِ حَيْثُ لَمْ يَخْرُجْ شَيْءٌ مِنْ بَدَنِهِ، فَإِنْ خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ أُصْبُعًا مِنْ سَمْتِهَا بَطَلَتْ صَلاَتُهُ. (21) مَا يَتَحَقَّقُ بِهِ اسْتِقْبَال الْقِبْلَةِ فِي الصَّلاَةِ:
11 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي اسْتِقْبَال الْقِبْلَةِ فِي الصَّلاَةِ أَنْ يَكُونَ بِالصَّدْرِ لاَ بِالْوَجْهِ، خِلاَفًا لِمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْ ظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى: {فَوَل وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} لأَِنَّ الْمُرَادَ بِالْوَجْهِ هُنَا الذَّاتُ، وَالْمُرَادُ مِنَ الذَّاتِ بَعْضُهَا وَهُوَ الصَّدْرُ فَهُوَ مَجَازٌ مَبْنِيٌّ عَلَى مَجَازٍ. (22) وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ الاِسْتِقْبَال بِالْقَدَمَيْنِ.
أَمَّا الاِسْتِقْبَال بِالْوَجْهِ فَهُوَ سُنَّةٌ، وَتَرْكُهُ مَكْرُوهٌ عِنْدَ الأَْئِمَّةِ الأَْرْبَعَةِ.
وَهَذَا فِي حَقِّ الْقَائِمِ وَالْقَاعِدِ. أَمَّا الَّذِي يُصَلِّي مُسْتَلْقِيًا أَوْ مُضْطَجِعًا لِعَجْزِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِمَا الاِسْتِقْبَال بِالْوَجْهِ، عَلَى تَفْصِيلٍ يُذْكَرُ فِي صَلاَةِ الْمَرِيضِ. (23)
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إلَى أَنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ فِي الاِسْتِقْبَال التَّوَجُّهُ بِالصَّدْرِ أَيْضًا، وَإِنَّمَا الَّذِي لاَ بُدَّ مِنْهُ فَهُوَ التَّوَجُّهُ بِالرِّجْلَيْنِ.
عَلَى أَنَّ الْفُقَهَاءَ تَعَرَّضُوا لأَِعْضَاءٍ أُخْرَى يَسْتَقْبِل بِهَا الْمُصَلِّي الْقِبْلَةَ فِي مُنَاسِبَاتٍ كَثِيرَةٍ فِي كِتَابِ الصَّلاَةِ، نَكْتَفِي بِالإِْشَارَةِ إلَى بَعْضِهَا دُونَ تَفْصِيلٍ لِكَوْنِهَا بِتِلْكَ الْمَوَاطِنِ أَلْصَقَ، وَلِسِيَاقِ الْفُقَهَاءِ أَنْسَبَ مِنْ جِهَةٍ، وَتَفَادِيًا لِلتَّكْرَارِ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى. وَمِنْ ذَلِكَ:
اسْتِحْبَابِ الاِسْتِقْبَال بِبُطُونِ أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ فِي تَكْبِيرَةِ الإِْحْرَامِ وَبِالْيَدَيْنِ وَبِأَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ فِي السُّجُودِ، وَبِأَصَابِعِ يُسْرَاهُ فِي التَّشَهُّدِ. وَذَلِكَ حِينَ الْكَلاَمِ عَلَى " صِفَةِ الصَّلاَةِ ". (24) فَمَنْ أَرَادَهَا بِالتَّفْصِيل فَلْيَرْجِعْ إلَى مَوَاطِنِهَا هُنَاكَ.
اسْتِقْبَال الْمَكِّيِّ لِلْقِبْلَةِ:
اسْتِقْبَال الْمَكِّيِّ الْمُعَايِنِ:
12 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ الأَْرْبَعَةِ فِي أَنَّ مَنْ كَانَ يُعَايِنُ الْكَعْبَةَ فَعَلَيْهِ إصَابَةُ عَيْنِهَا فِي الصَّلاَةِ، أَيْ مُقَابَلَةُ ذَاتِ بِنَاءِ الْكَعْبَةِ يَقِينًا، وَلاَ يَكْفِي الاِجْتِهَادُ وَلاَ اسْتِقْبَال جِهَتِهَا، لأَِنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الْيَقِينِ وَالْعَيْنِ تَمْنَعُ مِنْ الاِجْتِهَادِ وَالْجِهَةِ الْمُعَرَّضَيْنِ لِلْخَطَأِ. وَأَيْضًا فَإِنَّ مَنِ انْحَرَفَ عَنْ مُقَابَلَةِ شَيْءٍ فَهُوَ لَيْسَ مُتَوَجِّهًا نَحْوَهُ. (25)
وَذَكَرَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَابْنُ عَقِيلٍ مِنَ الْحَنَابِلَةِ - وَأَقَرُّوهُ - أَنَّ الْمُصَلِّيَ فِي مَكَّةَ وَمَا فِي حُكْمِهَا مِمَّنْ تُمْكِنُهُ الْمُسَامَتَةُ لَوِ اسْتَقْبَل طَرَفًا مِنَ الْكَعْبَةِ بِبَعْضِ بَدَنِهِ وَخَرَجَ بَاقِيهِ - لَوْ عُضْوًا وَاحِدًا - عَنِ اسْتِقْبَالِهَا لَمْ تَصِحَّ صَلاَتُهُ. وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ يَكْفِي التَّوَجُّهُ بِبَعْضِ بَدَنِهِ. (26) صَلاَةُ الْجَمَاعَةِ قُرْبَ الْكَعْبَةِ:
13 - ذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ - وَهُوَ مَا يُسْتَفَادُ مِنْ كَلاَمِ الْحَنَابِلَةِ - أَنَّهُ إنِ امْتَدَّ صَفٌّ طَوِيلٌ بِقُرْبِ الْكَعْبَةِ وَخَرَجَ بَعْضُهُمْ عَنِ الْمُحَاذَاةِ بَطَلَتْ صَلاَتُهُ، لِعَدَمِ اسْتِقْبَالِهِمْ لَهَا، بِخِلاَفِ الْبُعْدِ عَنْهَا، فَيُصَلُّونَ فِي حَالَةِ الْقُرْبِ دَائِرَةً أَوْ قَوْسًا إنْ قَصُرُوا عَنِ الدَّائِرَةِ، لأَِنَّ الصَّلاَةَ بِمَكَّةَ تُؤَدَّى هَكَذَا مِنْ لَدُنْ رَسُول اللَّهِ ﷺ إلَى يَوْمِنَا هَذَا (27) .
اسْتِقْبَال الْمَكِّيِّ غَيْرِ الْمُعَايِنِ:
14 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إلَى أَنَّ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ حَائِلٌ فَهُوَ كَالْغَائِبِ عَلَى الأَْصَحِّ، فَيَكْفِيهِ اسْتِقْبَال الْجِهَةِ، وَسَيَأْتِي تَفْصِيل مَذْهَبِهِمْ فِي إصَابَةِ الْجِهَةِ فِي " اسْتِقْبَال الْبَعِيدِ عَنْ مَكَّةَ ". وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يُصَل بِالْمَسْجِدِ مِنْ أَهْل مَكَّةَ وَمَنْ أُلْحِقَ بِهِمْ عَلَيْهِ إصَابَةُ الْعَيْنِ، وَهُوَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ. (28)
وَتَفْصِيل مَذْهَبِ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُمْ أَوْجَبُوا إصَابَةَ الْعَيْنِ يَقِينًا عَلَى مَنْ كَانَ مِنْ أَهْل مَكَّةَ أَوْ نَاشِئًا بِهَا مِنْ وَرَاءِ حَائِلٍ مُحْدَثٍ كَالْحِيطَانِ.
وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِهَا وَهُوَ غَائِبٌ عَنِ الْكَعْبَةِ فَفَرْضُهُ الْخَبَرُ، كَمَا إِذَا وَجَدَ مُخْبِرًا يُخْبِرُهُ عَنْ يَقِينٍ، أَوْ كَانَ غَرِيبًا نَزَل بِمَكَّةَ فَأَخْبَرَهُ أَهْل الدَّارِ بِهَا. (29) وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يَجِبُ عَلَى مَنْ نَشَأَ بِمَكَّةَ وَهُوَ غَائِبٌ عَنِ الْكَعْبَةِ إصَابَةُ الْعَيْنِ إنْ تَيَقَّنَ إصَابَتَهَا، وَإِلاَّ جَازَ لَهُ الاِجْتِهَادُ لِمَا فِي تَكْلِيفِهِ الْمُعَايَنَةَ مِنَ الْمَشَقَّةِ إِذَا لَمْ يَجِدْ ثِقَةً يُخْبِرُهُ عَنْ عِلْمٍ. (30)
15 - الاِسْتِقْبَال عِنْدَ صَلاَةِ الْفَرِيضَةِ فِي الْكَعْبَةِ:
ذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إلَى صِحَّةِ صَلاَةِ الْفَرِيضَةِ دَاخِل الْكَعْبَةِ. مِنْهُمُ الْحَنَفِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ، وَالثَّوْرِيُّ، لِحَدِيثِ بِلاَلٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ صَلَّى فِي الْكَعْبَةِ. (31) قَال الْحَنَفِيَّةُ: وَلأَِنَّ الْوَاجِبَ اسْتِقْبَال جُزْءٍ مِنْهَا غَيْرِ مُعَيَّنٍ، وَإِنَّمَا يَتَعَيَّنُ الْجُزْءُ قِبْلَةً بِالشُّرُوعِ فِي الصَّلاَةِ وَالتَّوَجُّهِ إلَيْهِ. وَمَتَى صَارَ قِبْلَةً فَاسْتِدْبَارُ غَيْرِهِ لاَ يَكُونُ مُفْسِدًا. وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ صَلَّى رَكْعَةً إلَى جِهَةٍ أُخْرَى لَمْ يَصِحَّ، لأَِنَّهُ صَارَ مُسْتَدْبِرًا الْجِهَةَ الَّتِي صَارَتْ قِبْلَةً فِي حَقِّهِ بِيَقِينٍ بِلاَ ضَرُورَةٍ.
وَمَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ لاَ تُصَلَّى الْفَرِيضَةُ وَالْوِتْرُ فِي الْكَعْبَةِ، لأَِنَّهَا مِنَ الْمَوَاطِنِ السَّبْعِ الَّتِي نَهَى عَنْهَا رَسُول اللَّهِ ﷺ كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا، وَلِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الإِْخْلاَل بِالتَّعْظِيمِ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} (32) قَالُوا: وَالشَّطْرُ: الْجِهَةُ. وَمَنْ صَلَّى فِيهَا أَوْ عَلَى سَطْحِهَا فَهُوَ غَيْرُ مُسْتَقْبِلٍ لِجِهَتِهَا، وَلأَِنَّهُ قَدْ يَكُونُ مُسْتَدْبِرًا مِنَ الْكَعْبَةِ مَا لَوِ اسْتَقْبَلَهُ مِنْهَا وَهُوَ فِي خَارِجِهَا صَحَّتْ صَلاَتُهُ، وَلأَِنَّ النَّهْيَ عَنِ الصَّلاَةِ عَلَى ظَهْرِهَا قَدْ وَرَدَ صَرِيحًا فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: سَبْعُ مَوَاطِنَ لاَ تَجُوزُ فِيهَا الصَّلاَةُ: ظَهْرُ بَيْتِ اللَّهِ وَالْمَقْبَرَةُ. . إِلَخْ (33) ، وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى النَّهْيِ عَنِ الصَّلاَةِ فِيهَا لأَِنَّهَا سَوَاءٌ فِي الْمَعْنَى. وَتَوَجُّهُ الْمُصَلِّي فِي دَاخِلِهَا إلَى الْجِدَارِ لاَ أَثَرَ لَهُ، إذِ الْمَقْصُودُ الْبُقْعَةُ، بِدَلِيل أَنَّهُ يُصَلِّي لِلْبُقْعَةِ حَيْثُ لاَ جِدَارَ. وَإِنَّمَا جَازَ عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ مَعَ أَنَّهُ أَعْلَى مِنْ بِنَائِهَا لأَِنَّ الْمُصَلِّي عَلَيْهِ مُصَلٍّ لَهَا، وَأَمَّا الْمُصَلِّي عَلَى ظَهْرِهَا فَهُوَ فِيهَا.
وَهُنَاكَ قَوْلٌ لِلْمَالِكِيَّةِ بِجَوَازِ الصَّلاَةِ فِي الْكَعْبَةِ مَعَ الْكَرَاهَةِ. (34)
الاِسْتِقْبَال عِنْدَ صَلاَةِ الْفَرِيضَةِ فَوْقَ الْكَعْبَةِ:
16 - وَأَمَّا صَلاَةُ الْفَرِيضَةِ عَلَى ظَهْرِ الْكَعْبَةِ فَقَدْ أَجَازَهَا الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ، لَكِنْ مَعَ الْكَرَاهَةِ عِنْدَهُمْ. وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إلَى عَدَمِ جَوَازِ الْفَرْضِ وَالْوِتْرِ عَلَيْهَا لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ.
صَلاَةُ النَّافِلَةِ فِي الْكَعْبَةِ وَعَلَيْهَا:
17 - ذَهَبَ الأَْئِمَّةُ الأَْرْبَعَةُ إلَى جَوَازِ صَلاَةِ النَّفْل الْمُطْلَقِ دَاخِل الْكَعْبَةِ، لأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ صَلَّى فِيهَا، وَلِلأَْدِلَّةِ السَّابِقَةِ عَلَى صِحَّةِ صَلاَةِ الْفَرِيضَةِ، وَأَمَّا السُّنَنُ الرَّوَاتِبُ فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إلَى جَوَازِهَا فِي الْكَعْبَةِ كَذَلِكَ. وَلِلْمَالِكِيَّةِ ثَلاَثَةُ أَقْوَالٍ: الْحُرْمَةُ بِأَدِلَّتِهِمْ عَلَى مَنْعِ الْفَرِيضَةِ، وَالْجَوَازُ قِيَاسًا عَلَى النَّفْل الْمُطْلَقِ، وَالثَّالِثُ الْكَرَاهَةُ وَهُوَ الرَّاجِحُ.
وَذَهَبَ أَصْبَغُ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَمُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ ﵄ فِيمَا حُكِيَ عَنْهُ إلَى أَنَّهُ لاَ تَصِحُّ صَلاَةُ النَّافِلَةِ فِيهَا.
أَمَّا صَلاَةُ النَّافِلَةِ عَلَى ظَهْرِهَا فَتَجُوزُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ، وَفِي قَوْلٍ لِلْمَالِكِيَّةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَكْفِي اسْتِقْبَال الْهَوَاءِ أَوِ اسْتِقْبَال قِطْعَةٍ مِنَ الْبِنَاءِ وَلَوْ مِنْ حَائِطِ السَّطْحِ.
هَذَا، وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى جَوَازِهَا مَعَ الْكَرَاهَةِ لِبُعْدِهِ عَنِ الأَْدَبِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْفَرِيضَةِ.
هَذَا، وَمَا وَرَدَ فِي شَأْنِ الصَّلاَةِ فِي الْكَعْبَةِ يَرِدُ فِي الْحِجْرِ (الْحَطِيمِ) لأَِنَّهُ جُزْءٌ مِنَ الْكَعْبَةِ. (35)
18 - وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ، إلَى أَنَّ الصَّلاَةَ الَّتِي تَجُوزُ فِي الْكَعْبَةِ، تَصِحُّ لأَِيِّ جِهَةٍ وَلَوْ لِجِهَةِ بَابِهَا مَفْتُوحًا، وَلَوْ لَمْ يَسْتَقْبِل شَيْئًا فِي هَذِهِ الْحَال، لأَِنَّ الْقِبْلَةَ هِيَ الْعَرْصَةُ وَالْهَوَاءُ إلَى عَنَانِ السَّمَاءِ، وَلَيْسَتْ هِيَ الْبِنَاءُ، بِدَلِيل أَنَّهُ لَوْ نُقِل إلَى عَرْصَةٍ أُخْرَى وَصَلَّى إلَيْهِ لَمْ يَجُزْ، وَلأَِنَّهُ لَوْ صَلَّى عَلَى جَبَل أَبِي قُبَيْسٍ جَازَتْ بِالإِْجْمَاعِ، مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُصَل إلَى الْبِنَاءِ. (36) وَشَرَطَ الشَّافِعِيَّةُ لِجَوَازِ الصَّلاَةِ فِي الْكَعْبَةِ وَعَلَيْهَا أَنْ يَسْتَقْبِل جِدَارًا مِنْهَا أَيًّا كَانَ، أَوْ يَسْتَقْبِل الْبَابَ إنْ كَانَ مَفْتُوحًا وَكَانَ لَهُ عَتَبَةٌ قَدْرَ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ بِذِرَاعِ الآْدَمِيِّ تَقْرِيبًا عَلَى الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ، لأَِنَّ هَذَا الْمِقْدَارَ هُوَ سُتْرَةُ الْمُصَلِّي فَاعْتُبِرَ فِيهِ قَدْرُهَا. (37)
وَاخْتَارَ أَكْثَرُ الْحَنَابِلَةِ أَنْ يُشْتَرَطَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ شَيْءٌ مِنْهَا شَاخِصٌ يَتَّصِل بِهَا، كَالْبِنَاءِ وَالْبَابِ وَلَوْ مَفْتُوحًا، فَلاَ اعْتِبَارَ بِالآْجُرِّ غَيْرِ الْمَبْنِيِّ، وَلاَ الْخَشَبِ غَيْرِ الْمَسْمُورِ، لأَِنَّهُ غَيْرُ مُتَّصِلٍ، لَكِنَّهُمْ لَمْ يُقَدِّرُوا ارْتِفَاعَ الشَّاخِصِ. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَكْفِي أَنْ يَكُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ شَيْءٌ مِنَ الْكَعْبَةِ إِذَا سَجَدَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَاخِصٌ، اخْتَارَهَا الْمُوَفَّقُ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ وَهِيَ الْمَذْهَبُ. (38)
اسْتِقْبَال الْبَعِيدِ عَنْ مَكَّةَ:
19 - مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ الأَْظْهَرُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ: أَنَّهُ يَكْفِي الْمُصَلِّي الْبَعِيدَ عَنْ مَكَّةَ اسْتِقْبَال جِهَةِ الْكَعْبَةِ بِاجْتِهَادٍ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ إصَابَةُ الْعَيْنِ، فَيَكْفِي غَلَبَةُ ظَنِّهِ أَنَّ الْقِبْلَةَ فِي الْجِهَةِ الَّتِي أَمَامَهُ، وَلَوْ لَمْ يُقَدَّرْ أَنَّهُ مُسَامِتٌ وَمُقَابِلٌ لَهَا.
وَفَسَّرَ الْحَنَفِيَّةُ جِهَةَ الْكَعْبَةِ بِأَنَّهَا الْجَانِبُ الَّذِي إِذَا تَوَجَّهَ إلَيْهِ الإِْنْسَانُ يَكُونُ مُسَامِتًا لِلْكَعْبَةِ، أَوْ هَوَائِهَا تَحْقِيقًا أَوْ تَقْرِيبًا.
وَاسْتَدَلُّوا بِالآْيَةِ الْكَرِيمَةِ: {وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} (39) وَقَالُوا: شَطْرَ الْبَيْتِ نَحْوَهُ وَقِبَلَهُ، كَمَا اسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ: مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ (40)
وَهَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ، وَمَا فِي حُكْمِهَا مِنَ الأَْمَاكِنِ الْمَقْطُوعِ بِقِبْلَتِهَا، عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي اسْتِقْبَال الْمَحَارِيبِ إنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَالأَْظْهَرُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ قَوْلٌ لاِبْنِ الْقَصَّارِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ اخْتَارَهَا أَبُو الْخَطَّابِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ: أَنَّهُ تَلْزَمُ إصَابَةُ الْعَيْنِ.
وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} أَيْ جِهَتَهُ، وَالْمُرَادُ بِالْجِهَةِ هُنَا الْعَيْنُ؛ وَكَذَا الْمُرَادُ بِالْقِبْلَةِ هُنَا الْعَيْنُ أَيْضًا، لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ: أَنَّهُ ﷺ رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ قِبَل الْكَعْبَةِ، وَقَال: هَذِهِ الْقِبْلَةُ فَالْحَصْرُ هُنَا يَدْفَعُ حَمْل الآْيَةِ عَلَى الْجِهَةِ. وَإِطْلاَقُ الْجِهَةِ عَلَى الْعَيْنِ حَقِيقَةٌ لُغَوِيَّةٌ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا (41) .
اسْتِقْبَال أَهْل الْمَدِينَةِ وَمَا فِي حُكْمِهَا:
20 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ فِي الأَْصَحِّ، وَهُوَ قَوْلٌ لِلْحَنَابِلَةِ إلَى أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى أَهْل الْمَدِينَةِ - كَغَيْرِهَا - الاِجْتِهَادُ لإِِصَابَةِ جِهَةِ الْكَعْبَةِ، وَهُوَ جَارٍ مَعَ الأَْصْل فِي أَمْرِ الْقِبْلَةِ. وَقَال الْحَنَفِيَّةُ فِي الرَّاجِحِ، وَالْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ، وَهُوَ قَوْلٌ لِلْحَنَابِلَةِ (وَأَرَادُوا بِالْمَدَنِيِّ مَنْ فِي مَسْجِدِهِ ﷺ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ) : يَجِبُ عَلَى الْمُصَلِّي فِي الْمَدِينَةِ إصَابَةُ عَيْنِ الْقِبْلَةِ لِثُبُوتِ مِحْرَابِ مَسْجِدِ النَّبِيِّ ﷺ بِالْوَحْيِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ كَانَ مُشَاهِدًا لِلْبَيْتِ، بَل أَوْرَدَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الشِّفَاءِ أَنَّهُ رُفِعَتْ لَهُ الْكَعْبَةُ حِينَ بَنَى مَسْجِدَهُ ﷺ (42) .
اسْتِقْبَال مَحَارِيبِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ:
21 - ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّ مَحَارِيبَ الصَّحَابَةِ، كَجَامِعِ دِمَشْقَ، وَجَامِعِ عَمْرٍو بِالْفُسْطَاطِ، وَمَسْجِدِ الْكُوفَةِ وَالْقَيْرَوَانِ وَالْبَصْرَةِ، لاَ يَجُوزُ الاِجْتِهَادُ مَعَهَا فِي إثْبَاتِ الْجِهَةِ، لَكِنْ لاَ يَمْنَعُ ذَلِكَ مِنْ الاِنْحِرَافِ الْيَسِيرِ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً، وَلاَ تَلْحَقُ بِمَحَارِيبِ النَّبِيِّ ﷺ إذْ لاَ يَجُوزُ فِيهَا أَدْنَى انْحِرَافٍ.
وَكَذَلِكَ مَحَارِيبُ الْمُسْلِمِينَ، وَمَحَارِيبُ جَادَّتِهِمْ أَيْ مُعْظَمُ طَرِيقِهِمْ وَقُرَاهُمُ الْقَدِيمَةُ الَّتِي أَنْشَأَتْهَا قُرُونٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، أَيْ جَمَاعَاتٌ مِنْهُمْ صَلُّوا إلَى هَذَا الْمِحْرَابِ وَلَمْ يُنْقَل عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ طَعَنَ فِيهَا، لأَِنَّهَا لَمْ تُنْصَبْ إلاَّ بِحَضْرَةِ جَمْعٍ مِنْ أَهْل الْمَعْرِفَةِ بِالأَْدِلَّةِ، فَجَرَى ذَلِكَ مَجْرَى الْخَبَرِ.
لَكِنْ قَال الْحَنَابِلَةُ: إنْ فَرَضَ مَنْ كَانَ فِيهَا إصَابَةَ الْعَيْنِ بِبَدَنِهِ بِالتَّوَجُّهِ إلَى قِبْلَتِهِ، مُعَلِّلِينَ ذَلِكَ بِاتِّفَاقِ الصَّحَابَةِ عَلَيْهِ. (43) الإِْخْبَارُ عَنِ الْقِبْلَةِ:
22 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إلَى أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ مَحَارِيبُ مَنْصُوبَةً فِي الْحَضَرِ، فَيَسْأَل مَنْ يَعْلَمُ بِالْقِبْلَةِ مِمَّنْ تُقْبَل شَهَادَتُهُ مِنْ أَهْل ذَلِكَ الْمَكَانِ مِمَّنْ يَكُونُ بِحَضْرَتِهِ. أَمَّا غَيْرُ مَقْبُول الشَّهَادَةِ، كَالْكَافِرِ وَالْفَاسِقِ وَالصَّبِيِّ فَلاَ يُعْتَدُّ بِإِخْبَارِهِ فِيمَا هُوَ مِنْ أُمُورِ الدِّيَانَاتِ مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُهُ.
وَأَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْل ذَلِكَ الْمَكَانِ فَلأَِنَّهُ يُخْبِرُ عَنِ اجْتِهَادٍ، فَلاَ يُتْرَكُ اجْتِهَادُهُ بِاجْتِهَادِ غَيْرِهِ.
وَأَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ بِحَضْرَتِهِ مِنْ أَهْل الْمَسْجِدِ أَحَدٌ فَإِنَّهُ يَتَحَرَّى وَلاَ يَجِبُ عَلَيْهِ قَرْعُ الأَْبْوَابِ.
وَأَمَّا فِي الْمَفَازَةِ فَالدَّلِيل عَلَيْهَا النُّجُومُ كَالْقُطْبِ، وَإِلاَّ فَمِنْ أَهْلِهَا الْعَالِمِ بِهَا مِمَّنْ لَوْ صَاحَ بِهِ سَمِعَهُ، وَالاِسْتِدْلاَل بِالنُّجُومِ فِي الْمَفَازَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى السُّؤَال، وَالسُّؤَال مُقَدَّمٌ عَلَى التَّحَرِّي (44) .
اخْتِلاَفُ الْمُخْبِرِينَ:
23 - صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ عِنْدَ اخْتِلاَفِ اثْنَيْنِ فِي الإِْخْبَارِ عَنِ الْقِبْلَةِ: أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ فَيَأْخُذُ بِقَوْل أَحَدِهِمَا، وَقِيل: يَتَسَاقَطَانِ وَيَجْتَهِدُ لِنَفْسِهِ، وَلاَ يَأْخُذُ بِقَوْل أَحَدِهِمَا إلاَّ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الاِجْتِهَادِ، وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ اُضْطُرَّ لِلأَْخْذِ بِقَوْل أَحَدِهِمَا، أَمَّا فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ فَالْمُخْبِرَانِ اخْتَلَفَا فِي عَلاَمَةٍ وَاحِدَةٍ لِعَارِضٍ فِيهَا وَهُوَ مُوجِبٌ لِلتَّسَاقُطِ (45) .
وَمَا صَرَّحُوا بِهِ لاَ تَأْبَاهُ قَوَاعِدُ الْمَذَاهِبِ الأُْخْرَى. أَدِلَّةُ الْقِبْلَةِ:
24 - سَبَقَ مَا يَتَّصِل بِالاِسْتِدْلاَل عَلَى الْقِبْلَةِ بِالْمَحَارِيبِ، فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ فَهُنَاكَ عَلاَمَاتٌ يُمْكِنُ الاِعْتِمَادُ عَلَيْهَا عِنْدَ أَهْل الْخِبْرَةِ بِهَا، مِنْهَا:
أ - النُّجُومُ:
وَأَهَمُّهَا الْقُطْبُ، لأَِنَّهُ نَجْمٌ ثَابِتٌ وَيُمْكِنُ بِهِ مَعْرِفَةُ الْجِهَاتِ الأَْرْبَعِ، وَبِذَلِكَ يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ الْقِبْلَةِ وَلَوْ عَلَى سَبِيل التَّقْرِيبِ. وَتَخْتَلِفُ قِبْلَةُ الْبِلاَدِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ اخْتِلاَفًا كَبِيرًا. (46)
ب - الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ:
يُمْكِنُ التَّعَرُّفُ بِمَنَازِل الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ عَلَى الْجِهَاتِ الأَْرْبَعِ، وَذَلِكَ فِي أَيَّامِ الاِعْتِدَالَيْنِ (الرَّبِيعِيِّ وَالْخَرِيفِيِّ) بِالنِّسْبَةِ لِلشَّمْسِ، وَاسْتِكْمَال الْبَدْرِ فِيهِ بِالنِّسْبَةِ لِلْقَمَرِ. وَفِي غَيْرِ الاِعْتِدَالَيْنِ يُنْظَرُ إلَى اتِّجَاهِ تِلْكَ الْمَنَازِل، وَهُوَ مَعْرُوفٌ لأَِهْل الْخِبْرَةِ فَيُرْجَعُ إلَيْهِمْ فِيهِ، وَفِي كُتُبِ الْفِقْهِ تَفَاصِيل عَنْ ذَلِكَ (47) . وَيُتَّبَعُ ذَلِكَ الاِسْتِدْلاَل بِمَطَالِعِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَمَغَارِبِهِمَا.
ج - الإِْبْرَةُ الْمِغْنَاطِيسِيَّةُ:
مِنْ الاِسْتِقْرَاءِ الْمُفِيدِ لِلْيَقِينِ تَبَيَّنَ أَنَّهَا تُحَدِّدُ جِهَةَ الشَّمَال تَقْرِيبًا، وَبِذَلِكَ تُعْرَفُ الْجِهَاتُ الأَْرْبَعُ وَتُحَدَّدُ الْقِبْلَةُ. (48) تَرْتِيبُ أَدِلَّةِ الْقِبْلَةِ:
25 - ذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ الدَّلِيل عَلَى الْقِبْلَةِ فِي الْمَفَاوِزِ وَالْبِحَارِ النُّجُومُ كَالْقُطْبِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ لِوُجُودِ غَيْمٍ أَوْ لِعَدَمِ مَعْرِفَتِهِ بِهَا فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْأَل عَالِمًا بِهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَنْ يَسْأَلُهُ أَوْ لَمْ يُخْبِرْهُ الْمَسْئُول عَنْهَا فَيَتَحَرَّى.
وَذَكَرَ الشَّافِعِيَّةُ أَنَّهُ لَوْ تَعَارَضَتْ الأَْدِلَّةُ عَلَى الْقِبْلَةِ فَيَنْبَغِي تَقْدِيمُ خَبَرِ جَمْعٍ بَلَغَ عَدَدُهُمْ حَدَّ التَّوَاتُرِ، لإِِفَادَتِهِ الْيَقِينَ، ثُمَّ الإِْخْبَارُ عَنْ عِلْمٍ بِرُؤْيَةِ الْكَعْبَةِ، ثُمَّ رُؤْيَةُ الْمَحَارِيبِ الْمُعْتَمَدَةِ، ثُمَّ رُؤْيَةُ الْقُطْبِ.
وَأَمَّا بَيْتُ الإِْبْرَةِ فَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ مُخَيَّرٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الاِجْتِهَادِ.
وَأَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَإِنَّهُمْ قَالُوا: إنَّ خَبَرَ الْمُخْبِرِ عَنْ يَقِينٍ مُقَدَّمٌ عَلَى الاِجْتِهَادِ. (49)
تَعَلُّمُ أَدِلَّةِ الْقِبْلَةِ:
26 - تَعَلُّمُ الْعَلاَمَاتِ الَّتِي تُعْرَفُ بِهَا الْقِبْلَةُ مَطْلُوبٌ شَرْعًا، وَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْصَحِّ عِنْدَهُمْ بِأَنَّ هَذَا وَاجِبٌ عَلَى سَبِيل الْكِفَايَةِ. وَقَدْ يُصْبِحُ تَعَلُّمُ هَذِهِ الْعَلاَمَاتِ وَاجِبًا عَيْنِيًّا، كَمَنْ سَافَرَ سَفَرًا يَجْهَل مَعَهُ اتِّجَاهَ الْقِبْلَةِ، وَيَقِل فِيهَا الْعَارِفُونَ بِهَا، وَكَانَتْ عِنْدَهُ قُدْرَةٌ عَلَى تَعَلُّمِ هَذِهِ الْعَلاَمَاتِ، وَكُل ذَلِكَ تَحْقِيقًا لإِِصَابَةِ الْقِبْلَةِ.
وَهَل يَجُوزُ تَعَلُّمُهَا مِنْ كَافِرٍ؟ قَوَاعِدُ الشَّرِيعَةِ لاَ تَمْنَعُ ذَلِكَ. لأَِنَّهُ لاَ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِي اتِّجَاهِ الْقِبْلَةِ، وَإِنَّمَا فِي مَعْرِفَةِ الْعَلاَمَاتِ الَّتِي لاَ يَخْتَلِفُ فِيهَا الْكَافِرُ عَنِ الْمُسْلِمِ، وَذَلِكَ كَتَعَلُّمِ سَائِرِ الْعُلُومِ (50) .
الاِجْتِهَادُ فِي الْقِبْلَةِ:
27 - اتَّفَقَتِ الْمَذَاهِبُ الأَْرْبَعَةُ عَلَى وُجُوبِ الاِجْتِهَادِ فِي الْقِبْلَةِ فِي الْجُمْلَةِ. (51)
قَال الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إنْ فَقَدَ الْمُصَلِّي مَا ذُكِرَ مِنَ الرُّؤْيَةِ وَالْمَحَارِيبِ وَالْمُخْبِرِ وَأَمْكَنَهُ الاِجْتِهَادُ، بِأَنْ كَانَ بَصِيرًا يَعْرِفُ أَدِلَّةَ الْقِبْلَةِ وَجَبَ عَلَيْهِ الاِجْتِهَادُ وَإِنْ كَانَ جَاهِلاً بِأَحْكَامِ الشَّرْعِ، إذْ كُل مَنْ عَلِمَ أَدِلَّةَ شَيْءٍ كَانَ مُجْتَهِدًا فِيهِ، وَلأَِنَّ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ اتِّبَاعُهُ عِنْدَ وُجُودِهِ وَجَبَ الاِسْتِدْلاَل عَلَيْهِ عِنْدَ خَفَائِهِ، وَذَكَرُوا أَيْضًا أَنَّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الاِجْتِهَادُ حَرُمَ عَلَيْهِ التَّقْلِيدُ، لأَِنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنِ اسْتِقْبَالِهَا بِدَلِيلِهِ.
وَقَالُوا: أَنَّهُ إِذَا ضَاقَ عَلَيْهِ الْوَقْتُ عَنْ الاِجْتِهَادِ صَلَّى حَسَبَ حَالِهِ وَلاَ يُقَلِّدُ، كَالْحَاكِمِ لاَ يَسَعُهُ تَقْلِيدُ غَيْرِهِ، وَلَكِنَّهُ يُعِيدُ الصَّلاَةَ. وَصَرَّحَ ابْنُ قُدَامَةَ بِأَنَّ شَرْطَ الاِجْتِهَادِ لاَ يَسْقُطُ بِضِيقِ الْوَقْتِ مَعَ إمْكَانِهِ. (52)
الشَّكُّ فِي الاِجْتِهَادِ وَتَغَيُّرُهُ:
28 - ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا تَغَيَّرَ اجْتِهَادُ الْمُجْتَهِدِ عَمِل بِالاِجْتِهَادِ الثَّانِي حَتْمًا، إِنْ تَرَجَّحَ عَلَى الأَْوَّل، وَعَمِل بِالأَْوَّل إِنْ تَرَجَّحَ عَلَى الثَّانِي. وَقَال الْحَنَابِلَةُ: وَإِنْ شَكَّ فِي اجْتِهَادِهِ لَمْ يَزُل عَنْ جِهَتِهِ، لأَِنَّ الاِجْتِهَادَ ظَاهِرٌ فَلاَ يَزُول عَنْهُ بِالشَّكِّ. وَلاَ يُعِيدُ مَا صَلَّى بِالاِجْتِهَادِ الأَْوَّل، كَالْحَاكِمِ لَوْ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ فِي الْحَادِثَةِ الثَّانِيَةِ عَمِل فِيهَا بِالاِجْتِهَادِ الثَّانِي، وَلَمْ يُنْقَضْ حُكْمُهُ الأَْوَّل بِغَيْرِ خِلاَفٍ، لأَِنَّ الاِجْتِهَادَ لاَ يُنْقَضُ بِالاِجْتِهَادِ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إلَى أَنَّ الْمُصَلِّيَ بِالاِجْتِهَادِ فِي الْقِبْلَةِ إِذَا تَحَوَّل رَأْيُهُ اسْتَدَارَ وَبَنَى عَلَى مَا مَضَى مِنْ صَلاَتِهِ.
وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ تَغَيُّرِ اجْتِهَادِهِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلاَةِ وَبَعْدَهَا، فَإِنْ كَانَ فِيهَا اسْتَدَارَ وَبَنَى عَلَى مَا مَضَى مِنْ صَلاَتِهِ، حَتَّى إنَّهُ لَوْ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ لأَِرْبَعِ جِهَاتٍ بِالاِجْتِهَادِ جَازَ، لأَِنَّهُ مُجْتَهِدٌ أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَى جِهَةٍ، فَلَمْ تَجُزْ لَهُ الصَّلاَةُ إلَى غَيْرِهَا، كَمَا لَوْ أَرَادَ صَلاَةً أُخْرَى، وَلَيْسَ فِيهِ نَقْضٌ لاِجْتِهَادِهِ، لأَِنَّا لَمْ نُلْزِمْهُ إعَادَةَ مَا مَضَى، وَإِنَّمَا نُلْزِمُهُ الْعَمَل بِهِ فِي الْمُسْتَقْبَل. (53)
أَمَّا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فَإِنْ تَبَيَّنَ لِمَنْ صَلَّى بِالاِجْتِهَادِ خَطَأُ اجْتِهَادِهِ فِي الصَّلاَةِ يَقِينًا أَوْ ظَنًّا وَهُوَ فِي الصَّلاَةِ قَطَعَهَا وُجُوبًا. أَمَّا بَعْدَ إتْمَامِ الصَّلاَةِ فَإِنَّهُ يُعِيدُهَا نَدْبًا لاَ وُجُوبًا. قِيَاسًا عَلَى الْقَاضِي إِذَا تَبَيَّنَ لَهُ خَطَأُ الدَّلِيل قَبْل بَتِّ الْحُكْمُ، فَإِنَّهُ لاَ يَجُوزُ لَهُ الْحُكْمُ بِاجْتِهَادِهِ الأَْوَّل، وَإِنْ حَكَمَ بِهِ نُقِضَ. أَمَّا إنْ شَكَّ وَهُوَ فِي الصَّلاَةِ فَإِنَّهُ يُتِمُّ صَلاَتَهُ عَلَى اجْتِهَادِهِ الأَْوَّل. (54) الاِخْتِلاَفُ فِي الاِجْتِهَادِ فِي الْقِبْلَةِ:
29 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ، وَالْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ إلَى أَنَّهُ إِذَا اخْتَلَفَ اجْتِهَادُ مُجْتَهِدَيْنِ لَمْ يَتَّبِعْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ وَلاَ يَؤُمُّهُ، لأَِنَّ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَعْتَقِدُ خَطَأَ الآْخَرِ فَلَمْ يَجُزْ الاِئْتِمَامُ.
وَعِنْدَ ابْنِ قُدَامَةَ أَنَّ قِيَاسَ الْمَذْهَبِ جَوَازُ ذَلِكَ. وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي ثَوْرٍ، ذَلِكَ أَنَّ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَعْتَقِدُ صِحَّةَ صَلاَةِ الآْخَرِ، وَأَنَّ فَرْضَهُ التَّوَجُّهُ إلَى مَا تَوَجَّهَ إلَيْهِ، فَلَمْ يَمْنَعْ اخْتِلاَفُ الْجِهَةِ الاِقْتِدَاءَ بِهِ، كَالْمُصَلِّينَ حَوْل الْكَعْبَةِ.
وَلَوِ اتَّفَقَا فِي الْجِهَةِ وَاخْتَلَفَا فِي الاِنْحِرَافِ يَمِينًا أَوْ شِمَالاً فَالْمَذْهَبُ صِحَّةُ الاِئْتِمَامِ بِلاَ خِلاَفٍ لاِتِّفَاقِهِمَا فِي الْجِهَةِ، وَهِيَ كَافِيَةٌ فِي الاِسْتِقْبَال.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: لَوِ اجْتَهَدَ اثْنَانِ فِي الْقِبْلَةِ، وَاتَّفَقَ اجْتِهَادُهُمَا، فَاقْتَدَى أَحَدُهُمَا بِالآْخَرِ، ثُمَّ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَزِمَهُ الاِنْحِرَافُ إلَى الْجِهَةِ الثَّانِيَةِ، وَيَنْوِي الْمَأْمُومُ الْمُفَارَقَةَ وَإِنْ اخْتَلَفَا تَيَامُنًا وَتَيَاسُرًا، وَذَلِكَ عُذْرٌ فِي الْمُفَارَقَةِ فَلاَ تَفُوتُهُ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ، وَمَحَل ذَلِكَ حَيْثُ عَلِمَ الْمَأْمُومُ بِانْحِرَافِ إمَامِهِ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ إلاَّ بَعْدَ السَّلاَمِ فَالأَْقْرَبُ وُجُوبُ الإِْعَادَةِ.
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: لَوْ سَلَّمَ الإِْمَامُ فَتَحَوَّل رَأْيُ مَسْبُوقٍ وَلاَحِقٍ (55) اسْتَدَارَ الْمَسْبُوقُ، لأَِنَّهُ مُنْفَرِدٌ فِيمَا يَقْضِيهِ، وَاسْتَأْنَفَ اللاَّحِقُ، لأَِنَّهُ مُقْتَدٍ فِيمَا يَقْضِيهِ. وَالْمُقْتَدِي إِذَا ظَهَرَ لَهُ وَرَاءَ الإِْمَامِ أَنَّ الْقِبْلَةَ غَيْرُ الْجِهَةِ الَّتِي يُصَلِّي إلَيْهَا الإِْمَامُ لاَ يُمْكِنُهُ إصْلاَحُ صَلاَتِهِ، لأَِنَّهُ إنِ اسْتَدَارَ خَالَفَ إمَامَهُ فِي الْجِهَةِ قَصْدًا وَهُوَ مُفْسِدٌ، وَإِلاَّ كَانَ مُتِمًّا صَلاَتَهُ إلَى مَا هُوَ غَيْرُ الْقِبْلَةِ عِنْدَهُ وَهُوَ مُفْسِدٌ أَيْضًا. (56)
خَفَاءُ الْقِبْلَةِ عَلَى الْمُجْتَهِدِ:
30 - خَفَاءُ الْقِبْلَةِ عَلَى الْمُجْتَهِدِ إمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْل الصَّلاَةِ أَوْ فِي أَثْنَائِهَا، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْل التَّحَرِّي أَوْ بَعْدَهُ، وَسَنَتَنَاوَل بِالْبَحْثِ كُلًّا عَلَى حِدَةٍ.
خَفَاءُ الْقِبْلَةِ قَبْل الصَّلاَةِ وَالتَّحَرِّي:
31 - ذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ، وَالْمَالِكِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّ مَنْ عَجَزَ عَنْ مَعْرِفَةِ الْقِبْلَةِ بِالاِسْتِدْلاَل، وَخَفِيَتْ عَلَيْهِ الأَْدِلَّةُ لِفَقْدِهَا أَوْ لِغَيْمٍ أَوْ حَبْسٍ أَوِ الْتِبَاسٍ مَعَ ظُهُورِهَا، حَيْثُ تَعَارَضَتْ عِنْدَهُ الأَْمَارَاتُ، فَإِنَّهُ يَتَحَرَّى وَيُصَلِّي، وَتَصِحُّ صَلاَتُهُ عِنْدَئِذٍ، لأَِنَّهُ بَذَل وُسْعَهُ فِي مَعْرِفَةِ الْحَقِّ مَعَ عِلْمِهِ بِأَدِلَّتِهِ، أَشْبَهَ الْحَاكِمَ إِذَا خَفِيَتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ، وَقَدْ رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ أَبِيهِ قَال: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فِي سَفَرٍ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ، فَلَمْ نَدْرِ أَيْنَ الْقِبْلَةُ، فَصَلَّى كُل رَجُلٍ مِنَّا حِيَالَهُ، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا ذَكَرْنَا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ ﷺ فَنَزَل: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} } (57) وَعَرَّفَ الْحَنَفِيَّةُ التَّحَرِّيَ بِأَنَّهُ بَذْل الْجُهُودِ لِنَيْل الْمَقْصُودِ. وَأَفَادَ ابْنُ عَابِدِينَ بِأَنَّ قِبْلَةَ التَّحَرِّي مَبْنِيَّةٌ عَلَى مُجَرَّدِ شَهَادَةِ الْقَلْبِ مِنْ غَيْرِ أَمَارَةٍ، وَعَبَّرَ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّهُ يَتَخَيَّرُ جِهَةً مِنَ الْجِهَاتِ الأَْرْبَعِ يُصَلِّي إلَيْهَا صَلاَةً وَاحِدَةً، وَلاَ إعَادَةَ لِسُقُوطِ الطَّلَبِ عَنْهُ، وَهَذَا مَا رَجَّحَهُ ابْنُ عَابِدِينَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى قَوْل بَعْضِهِمْ بِتَكْرَارِ الصَّلاَةِ إلَى الْجِهَاتِ الأَْرْبَعِ فِي حَالَةِ التَّحَرِّي وَعَدَمِ الرُّكُونِ إلَى جِهَةٍ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إلَى أَنَّهُ يُصَلِّي كَيْفَ كَانَ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ، وَيَقْضِي لِنُدْرَتِهِ (58) .
تَرْكُ التَّحَرِّي:
32 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إلَى أَنَّ الْعَاجِزَ عَنْ مَعْرِفَةِ الْقِبْلَةِ بِالأَْدِلَّةِ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَشْرَعَ فِي الصَّلاَةِ دُونَ أَنْ يَتَحَرَّى وَإِنْ أَصَابَ، لِتَرْكِهِ فَرْضَ التَّحَرِّي، إلاَّ أَنَّهُ لاَ يُعِيدُ إنْ عَلِمَ إصَابَتَهُ بَعْدَ فَرَاغِهِ اتِّفَاقًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، بِخِلاَفِ إِذَا عَلِمَ الإِْصَابَةَ قَبْل التَّمَامِ، فَإِنَّ صَلاَتَهُ تَبْطُل لأَِنَّهُ بَنَى قَوِيًّا عَلَى ضَعِيفٍ خِلاَفًا لأَِبِي يُوسُفَ.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ الْمُجْتَهِدَ الَّذِي تَخْفَى عَلَيْهِ أَدِلَّةُ الْقِبْلَةِ يَتَخَيَّرُ جِهَةً مِنَ الْجِهَاتِ الأَْرْبَعِ، وَيُصَلِّي إلَيْهَا وَيَسْقُطُ عَنْهُ الطَّلَبُ لِعَجْزِهِ، وَقَال الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: يُعِيدُ مَنْ صَلَّى بِلاَ تَحَرٍّ أَوْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ التَّحَرِّي، سَوَاءٌ ظَهَرَ لَهُ الصَّوَابُ أَثْنَاءَ الصَّلاَةِ أَوْ بَعْدَهَا (59) .
ظُهُورُ الصَّوَابِ لِلْمُتَحَرِّي:
33 - ذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ الْمُتَحَرِّيَ إنْ ظَهَرَ صَوَابُهُ فِي أَثْنَاءِ الصَّلاَةِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لاَ تَفْسُدُ، وَعِنْدَ بَقِيَّةِ الْمَذَاهِبِ لاَ خِلاَفَ فِي صِحَّتِهَا.
وَعِبَارَةُ الْبَحْرِ الرَّائِقِ: وَالصَّحِيحُ كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالْخَانِيَّةِ أَنَّهُ لاَ يَلْزَمُهُ اسْتِئْنَافُ الصَّلاَةِ، لأَِنَّ صَلاَتَهُ كَانَتْ جَائِزَةً مَا لَمْ يَظْهَرِ الْخَطَأُ، فَإِذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَصَابَ لاَ يَتَغَيَّرُ حَالُهُ. وَقِيل: تَفْسُدُ، لأَِنَّ افْتِتَاحَ الصَّلاَةِ كَانَ ضَعِيفًا، وَقَدْ قَوِيَ حَالُهُ بِظُهُورِ الصَّوَابِ، وَلاَ يُبْنَى الْقَوِيُّ عَلَى الضَّعِيفِ (60) .
التَّقْلِيدُ فِي الْقِبْلَةِ:
34 - ذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ، وَالْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّهُ لاَ يُقَلِّدُ الْمُجْتَهِدُ مُجْتَهِدًا غَيْرَهُ، لأَِنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الاِجْتِهَادِ تَمْنَعُ مِنَ التَّقْلِيدِ.
وَمَنْ عَلِمَ أَدِلَّةَ الْقِبْلَةِ لاَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُقَلِّدَ غَيْرَهُ مُطْلَقًا، وَأَمَّا غَيْرُ الْمُجْتَهِدِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُقَلِّدَ الْمُجْتَهِدَ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاسْأَلُوا أَهْل الذِّكْرِ إنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} . (61)
وَإِذَا كَانَ هُنَاكَ أَكْثَرُ مِنْ مُجْتَهِدٍ فَالْمُقَلِّدُ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ أَحَدَهُمْ، وَالأَْوْلَى أَنْ يَخْتَارَ مَنْ يَثِقُ بِهِ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِ. (62)
تَرْكُ التَّقْلِيدِ:
35 - لَيْسَ لِمَنْ فَرْضُهُ التَّقْلِيدُ وَوَجَدَ مَنْ يُقَلِّدُهُ أَنْ يَسْتَقْبِل بِمُجَرَّدِ مَيْل نَفْسِهِ إلَى جِهَةٍ، فَقَدْ ذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ، وَالْمَالِكِيَّةُ: أَنَّهُ إنْ تَرَكَ التَّقْلِيدَ وَاخْتَارَ لَهُ جِهَةً تَرْكَنُ لَهَا نَفْسُهُ وَصَلَّى لَهَا كَانَتْ صَلاَتُهُ صَحِيحَةً إنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ خَطَؤُهُ، وَزَادَ الْمَالِكِيَّةُ: فَإِنْ تَبَيَّنَ الْخَطَأُ فِي الصَّلاَةِ قَطَعَهَا حَيْثُ كَانَ كَثِيرًا، وَإِنْ تَبَيَّنَ بَعْدَهَا فَقَوْلاَنِ بِالإِْعَادَةِ أَبَدًا أَوْ فِي الْوَقْتِ، كَمَا سَيَأْتِي فِي " تَبَيُّنِ الْخَطَأِ فِي الصَّلاَةِ ".
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّهُ تَلْزَمُهُ الإِْعَادَةُ مُطْلَقًا وَإِنْ صَادَفَ الْقِبْلَةَ (63) .
اسْتِقْبَال الأَْعْمَى وَمَنْ فِي ظُلْمَةٍ لِلْقِبْلَةِ:
36 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ إلَى أَنَّ الأَْعْمَى عَلَيْهِ أَنْ يَسْأَل عَنِ الْقِبْلَةِ، لأَِنَّ مُعْظَمَ الأَْدِلَّةِ تَتَعَلَّقُ بِالْمُشَاهَدَةِ.
قَال الْحَنَفِيَّةُ: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَسْأَلُهُ عَنْهَا تَحَرَّى، وَكَذَا لَوْ سَأَلَهُ عَنْهَا فَلَمْ يُخْبِرْهُ، حَتَّى إنَّهُ لَوْ أَخْبَرَهُ بَعْدَمَا صَلَّى لاَ يُعِيدُ.
وَلَوْ لَمْ يَسْأَلْهُ وَتَحَرَّى: إنْ أَصَابَ جَازَ وَإِلاَّ لاَ.
وَلَوْ شَرَعَ فِي الصَّلاَةِ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ فَسَوَّاهُ رَجُلٌ إلَيْهَا، فَإِنْ كَانَ وَجَدَ الأَْعْمَى وَقْتَ الشُّرُوعِ مَنْ يَسْأَلُهُ عَنْهَا فَلَمْ يَسْأَلْهُ لَمْ تَجُزْ صَلاَتُهُ، وَإِلاَّ بَنَى عَلَى مَا مَضَى مِنْهَا، وَلاَ يَجُوزُ لِهَذَا الرَّجُل الاِقْتِدَاءُ بِهِ.
وَذَكَرَ الْمَالِكِيَّةُ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لَهُ تَقْلِيدُ الْمُجْتَهِدِ بَل عَلَيْهِ أَنْ يَسْأَل عَنِ الأَْدِلَّةِ عَدْلاً فِي الرِّوَايَةِ لِيَهْتَدِيَ بِهَا إلَى الْقِبْلَةِ. (64)
تَبَيُّنُ الْخَطَأِ فِي الْقِبْلَةِ:
37 - أَطْلَقَ الْحَنَفِيَّةُ الْقَوْل بِأَنَّ الْمُصَلِّيَ الَّذِي لَمْ يَشُكَّ فِي الْقِبْلَةِ وَلَمْ يَتَحَرَّ إِذَا ظَهَرَ لَهُ خَطَؤُهُ فِي الْقِبْلَةِ وَهُوَ فِي الصَّلاَةِ فَسَدَتْ صَلاَتُهُ، بِخِلاَفِ مَنْ خَفِيَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ فَشَكَّ فِيهَا وَتَحَرَّى، ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ خَطَؤُهُ وَهُوَ فِي الصَّلاَةِ اسْتَدَارَ إلَى الْجِهَةِ الَّتِي انْتَهَى إلَيْهَا تَحَرِّيهِ، أَمَّا إِذَا ظَهَرَ لَهُ خَطَؤُهُ بَعْدَ انْتِهَاءِ الصَّلاَةِ فَإِنَّ صَلاَتَهُ صَحِيحَةٌ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى وُجُوبِ الإِْعَادَةِ عَلَى الْمُجْتَهِدِ وَالْمُقَلِّدِ إِذَا كَانَتْ عَلاَمَاتُ الْقِبْلَةِ ظَاهِرَةً ثُمَّ تَبَيَّنَ الْخَطَأُ فِيهَا، لأَِنَّهُ لاَ عُذْرَ لأَِحَدٍ فِي الْجَهْل بِالأَْدِلَّةِ الظَّاهِرَةِ. أَمَّا دَقَائِقُ عِلْمِ الْهَيْئَةِ وَصُوَرُ النُّجُومِ الثَّوَابِتِ فَهُوَ مَعْذُورٌ فِي الْجَهْل بِهَا فَلاَ إعَادَةَ عَلَيْهِ. وَلَمْ يُفَرِّقِ الْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي مُقَابِل الأَْظْهَرِ عِنْدَهُمْ بَيْنَ مَا إِذَا كَانَتِ الأَْدِلَّةُ ظَاهِرَةً فَاشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ أَوْ خَفِيَتْ، وَبَيْنَ مَا إِذَا كَانَتْ أَدِلَّةٌ خَفِيَّةٌ، لأَِنَّهُ أَتَى بِمَا أُمِرَ فِي الْحَالَيْنِ وَعَجَزَ عَنِ اسْتِقْبَال الْقِبْلَةِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ فَاسْتَوَيَا فِي عَدَمِ الإِْعَادَةِ. أَمَّا فِي الْقَوْل الأَْظْهَرِ لِلشَّافِعِيَّةِ فَتَلْزَمُهُ الإِْعَادَةُ لأَِنَّهُ أَخْطَأَ فِي شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ الصَّلاَةِ. (65)
الْعَجْزُ عَنِ اسْتِقْبَال الْقِبْلَةِ فِي الصَّلاَةِ.
38 - ذَهَبَ الأَْئِمَّةُ الأَْرْبَعَةُ إلَى أَنَّ مَنْ بِهِ عُذْرٌ حِسِّيٌّ يَمْنَعُهُ مِنْ الاِسْتِقْبَال كَالْمَرِيضِ، وَالْمَرْبُوطِ يُصَلِّي عَلَى حَسَبِ حَالِهِ، وَلَوْ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ، لأَِنَّ الاِسْتِقْبَال شَرْطٌ لِصِحَّةِ الصَّلاَةِ وَقَدْ عَجَزَ عَنْهُ فَأَشْبَهَ الْقِيَامَ.
وَاشْتَرَطَ الشَّافِعِيَّةُ، وَالصَّاحِبَانِ مِنِ الْحَنَفِيَّةِ لِسُقُوطِ الْقِبْلَةِ عَنْهُ أَنْ يَعْجِزَ أَيْضًا عَمَّنْ يُوَجِّهُهُ وَلَوْ بِأَجْرِ الْمِثْل، كَمَا اسْتَظْهَرَهُ. الشَّيْخُ إسْمَاعِيل النَّابُلُسِيُّ وَابْنُ عَابِدِينَ. وَبِالنِّسْبَةِ لإِِعَادَةِ الصَّلاَةِ فَإِنَّ فِي ذَلِكَ خِلاَفًا تَفْصِيلُهُ فِي مَبَاحِثِ الصَّلاَةِ.
وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَذَهَبَ إلَى أَنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ ذَلِكَ، لأَِنَّ الْقَادِرَ بِقُدْرَةِ غَيْرِهِ عَاجِزٌ. وَبِقَوْلِهِمَا جَزَمَ فِي الْمُنْيَةِ وَالْمِنَحِ وَالدُّرِّ وَالْفَتْحِ بِلاَ حِكَايَةِ خِلاَفٍ.
وَلَوْ وَجَدَ أَجِيرًا بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَهُ اسْتِئْجَارُهُ إِذَا كَانَتِ الأُْجْرَةُ دُونَ نِصْفِ دِرْهَمٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أُجْرَةُ الْمِثْل كَمَا فَسَّرُوهُ فِي التَّيَمُّمِ. (66)
أَمَّا مَنْ بِهِ عُذْرٌ شَرْعِيٌّ يَمْنَعُهُ مِنْ الاِسْتِقْبَال فَقَدْ تَعَرَّضَ الْفُقَهَاءُ لِلصُّوَرِ الآْتِيَةِ مِنْهُ وَهِيَ:
الْخَوْفُ عَلَى النَّفْسِ، وَذَكَرَهُ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَذَلِكَ كَالْخَوْفِ مِنْ سَبُعٍ وَعَدُوٍّ، فَلَهُ حِينَئِذٍ أَنْ يَتَوَجَّهَ إلَى جِهَةٍ قَدَرَ عَلَيْهَا، وَمِثْلُهُ الْهَارِبُ مِنَ الْعَدُوِّ رَاكِبًا يُصَلِّي عَلَى دَابَّتِهِ.
وَذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ مِنْ صُوَرِ الْعُذْرِ: الْخَوْفَ مِنْ الاِنْقِطَاعِ عَنْ رُفْقَتِهِ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الضَّرَرِ.
وَذَكَرَ الشَّافِعِيَّةُ مِنْ ذَلِكَ: الاِسْتِيحَاشَ وَإِنْ لَمْ يَتَضَرَّرْ بِانْقِطَاعِهِ عَنْ رُفْقَتِهِ.
وَذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ مِنَ الأَْعْذَارِ: الْخَوْفَ مِنْ أَنْ تَتَلَوَّثَ ثِيَابُهُ بِالطِّينِ وَنَحْوِهِ لَوْ نَزَل عَنْ دَابَّتِهِ.
وَاشْتَرَطَ الْحَنَفِيَّةُ عَجْزَهُ عَنِ النُّزُول، فَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ نَزَل وَصَلَّى وَاقِفًا بِالإِْيمَاءِ، وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْقُعُودِ دُونَ السُّجُودِ أَوْمَأَ قَاعِدًا.
وَعَدَّ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ مِنَ الأَْعْذَارِ: مَا لَوْ خَافَ عَلَى مَالِهِ - مِلْكًا أَوْ أَمَانَةً - لَوْ نَزَل عَنْ دَابَّتِهِ.
وَذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ مِنَ الأَْعْذَارِ: الْعَجْزَ عَنِ الرُّكُوبِ فِيمَنْ احْتَاجَ فِي رُكُوبِهِ بَعْدَ نُزُولِهِ لِلصَّلاَةِ إلَى مُعِينٍ وَلاَ يَجِدُهُ، كَأَنْ كَانَتْ الدَّابَّةُ جَمُوحًا، أَوْ كَانَ هُوَ ضَعِيفًا فَلَهُ أَلاَّ يَنْزِل. (67)
وَمِنَ الأَْعْذَارِ: الْخَوْفُ وَقْتَ الْتِحَامِ الْقِتَال، فَقَدِ اتَّفَقَتِ الْمَذَاهِبُ الأَْرْبَعَةُ عَلَى أَنْ يَسْقُطَ شَرْطُ الاِسْتِقْبَال فِي حَال الْمُسَايَفَةِ وَقْتَ الْتِحَامِ الصُّفُوفِ فِي شِدَّةِ الْخَوْفِ إِذَا عَجَزَ الْمُصَلِّي عَنْهُ (68) . وَلِمَعْرِفَةِ مَاهِيَّةِ هَذَا الْقِتَال، وَمَا يَلْحَقُ بِهِ، وَوَقْتُ صَلاَتِهِ، وَإِعَادَتُهَا حِينَ الأَْمْنِ، وَبَقِيَّةُ أَحْكَامِهَا (ر: صَلاَةُ الْخَوْفِ) . اسْتِقْبَال الْمُتَنَفِّل عَلَى الرَّاحِلَةِ فِي السَّفَرِ:
39 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى جَوَازِ التَّنَفُّل عَلَى الرَّاحِلَةِ فِي السَّفَرِ لِجِهَةِ سَفَرِهِ وَلَوْ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ وَلَوْ بِلاَ عُذْرٍ، لأَِنَّهُ ﷺ: كَانَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ فِي السَّفَرِ حَيْثُمَا تَوَجَّهَتْ بِهِ (69) وَفُسِّرَ قَوْله تَعَالَى: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} بِالتَّوَجُّهِ فِي نَفْل السَّفَرِ (70) .
وَفِي الشُّرُوطِ الْمُجَوِّزَةِ لِذَلِكَ خِلاَفٌ فَصَّلَهُ الْفُقَهَاءُ فِي مَبْحَثِ صَلاَةِ الْمُسَافِرِ، وَالصَّلاَةِ عَلَى الرَّاحِلَةِ.
اسْتِقْبَال الْمُتَنَفِّل مَاشِيًا فِي السَّفَرِ:
40 - مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ، وَهُوَ كَلاَمُ الْخِرَقِيِّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ: أَنَّهُ لاَ يُبَاحُ لِلْمُسَافِرِ الْمَاشِي الصَّلاَةُ فِي حَال مَشْيِهِ، لأَِنَّ النَّصَّ إنَّمَا وَرَدَ فِي الرَّاكِبِ، فَلاَ يَصِحُّ قِيَاسُ الْمَاشِي عَلَيْهِ، لأَِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى عَمَلٍ كَثِيرٍ، وَمَشْيٌ مُتَتَابِعٌ يُنَافِي الصَّلاَةَ فَلَمْ يَصِحَّ الإِْلْحَاقُ.
وَمَذْهَبُ عَطَاءٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَهُوَ ثَانِيَةُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ اخْتَارَهَا الْقَاضِي مِنَ الْحَنَابِلَةِ: أَنَّ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ مَاشِيًا قِيَاسًا عَلَى الرَّاكِبِ، لأَِنَّ الْمَشْيَ إحْدَى حَالَتَيْ سَيْرِ الْمُسَافِرِ، وَلأَِنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي صَلاَةِ الْخَوْفِ فَكَذَا فِي النَّافِلَةِ. وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ النَّاسَ مُحْتَاجُونَ إلَى الأَْسْفَارِ، فَلَوْ شَرَطَا فِيهَا الاِسْتِقْبَال لِلتَّنَفُّل لأََدَّى إلَى تَرْكِ أَوْرَادِهِمْ أَوْ مَصَالِحِ مَعَايِشِهِمْ.
وَمَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ، وَالأَْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَقْبِل الْقِبْلَةَ لاِفْتِتَاحِ الصَّلاَةِ، ثُمَّ يَنْحَرِفُ إلَى جِهَةِ سَيْرِهِ، قَال الشَّافِعِيَّةُ: وَلاَ يَلْزَمُهُ الاِسْتِقْبَال فِي السَّلاَمِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ. (71)
اسْتِقْبَال الْمُفْتَرِضِ عَلَى السَّفِينَةِ وَنَحْوِهَا:
41 - اتَّفَقَتِ الْمَذَاهِبُ الأَْرْبَعَةُ عَلَى وُجُوبِ اسْتِقْبَال الْمُفْتَرِضِ عَلَى السَّفِينَةِ فِي جَمِيعِ أَجْزَاءِ صَلاَتِهِ، وَذَلِكَ لِتَيَسُّرِ الاِسْتِقْبَال عَلَيْهِ. وَنَصَّ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ يَدُورُ مَعَهَا إِذَا دَارَتْ. (72)
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (الصَّلاَةُ فِي السَّفِينَةِ) .
اسْتِقْبَال الْقِبْلَةِ فِي غَيْرِ الصَّلاَةِ:
42 - قَرَّرَ الْفُقَهَاءُ أَنَّ جِهَةَ الْقِبْلَةِ هِيَ أَشْرَفُ الْجِهَاتِ، وَلِذَا يُسْتَحَبُّ الْمُحَافَظَةُ عَلَيْهَا حِينَ الْجُلُوسِ، لِقَوْلِهِ ﷺ: إنَّ سَيِّدَ الْمَجَالِسِ مَا اسْتَقْبَل الْقِبْلَةَ. (73)
قَال صَاحِبُ الْفُرُوعِ: وَيُتَّجَهُ فِي كُل طَاعَةٍ إلاَّ لِدَلِيلٍ. (74)
وَقَدْ يَكُونُ الْمُرَادُ مِنَ التَّوَجُّهِ إلَيْهَا تَغْلِيطُ الأَْمْرِ وَإِلْقَاءُ الرَّهْبَةِ فِي قَلْبِ مَنْ طُلِبَ مِنْهُ التَّوَجُّهُ إلَيْهَا، كَمَا فِي تَغْلِيظِ الْقَاضِي الْيَمِينَ عَلَى حَالِفِهَا بِذَلِكَ (ر: إثْبَاتٌ ف 26) .
عَلَى أَنَّهُ قَدْ يَعْرِضُ لِلإِْنْسَانِ أَحْوَالٌ تَرْفَعُ هَذَا الاِسْتِحْبَابَ، بَل قَدْ يَكُونُ اسْتِقْبَالُهَا حَرَامًا أَوْ مَكْرُوهًا (ر: قَضَاءُ الْحَاجَةِ. اسْتِنْجَاء) .
وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ زَائِرَ قَبْرِ النَّبِيِّ ﷺ يَسْتَدْبِرُ الْقِبْلَةَ وَيَسْتَقْبِل الْقَبْرَ الشَّرِيفَ (75) .
اسْتِقْبَال غَيْرِ الْقِبْلَةِ فِي الصَّلاَةِ:
43 - الأَْصْل فِي اسْتِقْبَال الْمُصَلِّي لِلأَْشْيَاءِ الإِْبَاحَةُ، مَا دَامَ مُتَوَجِّهًا إلَى جِهَةِ الْقِبْلَةِ، لَكِنْ هُنَاكَ أَشْيَاءُ مُعَيَّنَةٌ نُهِيَ الْمُصَلِّي عَنْ أَنْ يَجْعَلَهَا أَمَامَهُ لاِعْتِبَارَاتٍ خَاصَّةٍ فِيهَا، كَأَنْ يَكُونَ فِي وُجُودِهَا أَمَامَهُ تَشَبُّهٌ بِالْمُشْرِكِينَ، كَمَا فِي الصَّنَمِ وَالنَّارِ وَالْقَبْرِ، أَوْ لِكَوْنِهَا قَذِرَةً أَوْ نَجِسَةً يُصَانُ وَجْهُ الْمُصَلِّي وَنَظَرُهُ عَنْهَا، كَمَا فِي الصَّلاَةِ إلَى الْحَشِّ (76) وَالْمَجْزَرَةِ، أَوْ قَدْ يَكُونُ أَمَامَهُ مَا يُشَوِّشُ عَلَيْهِ فِكْرَهُ كَمَا فِي الصَّلاَةِ إلَى الطَّرِيقِ. وَقَدْ تَنَاوَلَهَا الْفُقَهَاءُ بِالْبَحْثِ فِي الْكَلاَمِ عَلَى مَكْرُوهَاتِ الصَّلاَةِ. (77)
وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ الشَّيْءُ الَّذِي أَمَامَ الْمُصَلِّي أَمْرًا مَرْغُوبًا فِيهِ، لِكَوْنِهِ عَلاَمَةً عَلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ لِمَنْعِ الْمَارِّينَ مِنَ الْمُرُورِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، كَمَا فِي الصَّلاَةِ إلَى السُّتْرَةِ. وَقَدْ بَحَثَهَا الْفُقَهَاءُ ضِمْنَ سُنَنِ الصَّلاَةِ. (78)
اسْتِقْبَال غَيْرِ الْقِبْلَةِ فِي غَيْرِ الصَّلاَةِ:
44 - الأَْصْل فِي تَوَجُّهِ الإِْنْسَانِ إلَى الأَْشْيَاءِ فِي غَيْرِ الصَّلاَةِ الإِْبَاحَةُ أَيْضًا، وَلَكِنْ قَدْ يُطْلَبُ التَّوَجُّهُ إلَى الْمَوَاطِنِ الشَّرِيفَةِ فِي الأَْحْوَال الشَّرِيفَةِ طَلَبًا لِخَيْرِهَا وَفَضْلِهَا، كَاسْتِقْبَال السَّمَاءِ بِالْبَصَرِ وَبِبُطُونِ الْكَفَّيْنِ فِي الدُّعَاءِ. (79)
كَمَا يُطْلَبُ عَدَمُ التَّوَجُّهِ إلَيْهَا فِي الأَْحْوَال الْخَسِيسَةِ، كَاسْتِقْبَال قَاضِي الْحَاجَةِ بَيْتَ الْمَقْدِسِ أَوِ الْمُصْحَفَ الشَّرِيفَ (ر: قَضَاءُ الْحَاجَةِ) .
وَقَدْ يُطْلَبُ تَجَنُّبُ اسْتِقْبَالِهَا صِيَانَةً لَهُ عَنْهَا لِنَجَاسَتِهَا أَوْ حِفْظًا لِبَصَرِهِ عَنِ النَّظَرِ إلَيْهَا، كَاسْتِقْبَال قَاضِي الْحَاجَةِ مَهَبَّ الرِّيحِ، وَاسْتِقْبَال الْمُسْتَأْذِنِ لِلدُّخُول بَابَ الْمَكَانِ الَّذِي يُرِيدُ الدُّخُول إلَيْهِ. (80)
وَقَدْ يُطْلَبُ الاِسْتِقْبَال حِفَاظًا عَلَى الآْدَابِ وَمَكَارِمِ الأَْخْلاَقِ وَتَوْفِيرًا لِحُسْنِ الإِْصْغَاءِ، كَمَا فِي اسْتِقْبَال الْخَطِيبِ لِلْقَوْمِ وَاسْتِقْبَالِهِمْ لَهُ، وَاسْتِقْبَال الإِْمَامِ النَّاسَ بَعْدَ الصَّلاَةِ الْمَكْتُوبَةِ (81) .
وَكَمَا فِي اسْتِقْبَال الضُّيُوفِ وَالْمُسَافِرِينَ إبْقَاءً عَلَى الرَّوَابِطِ الاِجْتِمَاعِيَّةِ مَتِينَةً. (82)
وَمِنْ هَذِهِ الطَّاعَاتِ: الْوُضُوءُ، وَالتَّيَمُّمُ، وَالأَْذَانُ وَالإِْقَامَةُ، وَمِنْهُ الدُّعَاءُ بَعْدَ الْوُضُوءِ، وَالدُّعَاءُ فِي الاِسْتِسْقَاءِ، وَالذِّكْرُ، وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ، وَانْتِظَارُ الصَّلاَةِ فِي الْمَسْجِدِ، وَالْحَجُّ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ، تُعْلَمُ بِتَتَبُّعِ كِتَابِ الْحَجِّ كَالإِْهْلاَل، وَشُرْبِ مَاءِ زَمْزَمَ، وَتَوْجِيهِ الْهَدْيِ حِينَ الذَّبْحِ لِلْقِبْلَةِ، وَقَضَاءِ الْقَاضِي بَيْنَ الْخُصُومِ، كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي مَوَاضِعِهَا.
كَمَا يُسْتَحَبُّ اسْتِقْبَال الْقِبْلَةِ فِي مَوَاطِنَ خَاصَّةٍ طَلَبًا لِبَرَكَتِهَا وَكَمَال الْعَمَل بِاسْتِقْبَالِهَا، كَمَا فِي تَوْجِيهِ الْمُحْتَضَرِ إلَيْهَا، وَكَذَا الْمَيِّتُ فِي قَبْرِهِ عِنْدَ الدَّفْنِ (ر: كِتَابُ الْجَنَائِزِ) ، وَمِثْلُهُ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنَامَ، أَوْ أَرَادَ أَنْ يَذْبَحَ ذَبِيحَةً فَيُسَنُّ لَهُ أَنْ يَسْتَقْبِل بِهَا الْقِبْلَةَ (ر: كِتَابُ الذَّبَائِحِ) .
__________
(1) المصباح واللسان (قبل) ، والبحر الرائق 1 / 299 ط المطبعة العلمية، ورد المحتار 1 / 286 ط أولى.
(2) الأساس للزمخشري (قبل) .
(3) منح الجليل 1 / 348 ط بولاق.
(4) البجيرمي على المنهج 2 / 167 ط التجارية، والشرواني 5 / 51 ط الميمنية.
(5) المصباح (أنف) .
(6) المصباح (حذو) ، والزرقاني 3 / 185.
(7) المصباح (لفت) ، ومسند أحمد 6 / 11 ط الميمنية، وفتح الباري 2 / 234 ط السلفية.
(8) نهاية المحتاج 6 / 406 ط الحلبي، ورد المحتار 1 / 290.
(9) البحر الرائق 1 / 299، 300، ونهاية المحتاج 1 / 407، 417، 418، ورد المحتار 1 / 290، وحاشية الدسوقي 1 / 224، 299، والشرح الكبير مع المغني 1 / 490 ط الأولى، وكشاف القناع 1 / 274، والجمل على المنهج 1 / 313، والتاج والمصباح (كعب) .
(10) حديث " الحجر من البيت ". أخرجه البخاري ومسلم ومالك والترمذي والنسائي بهذا المعنى من حديث عائشة ﵂ مرفوعا، ولفظ الشيخين في إحدى الروايات عن عائشة ﵂ أنها قالت: " سألت النبي ﷺ عن الحجر أمن البيت هو؟ قال: نعم، قلت: فما لهم لم يدخلوه في البيت؟ قال: إن قومك قصرت بهم النفقة " وفي رواية لمسلم أن عائشة ﵂ قالت: " سألت ر (فتح الباري 3 / 439 - 443 ط السلفية، وصحيح مسلم بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي 2 / 973 ط عيسى الحلبي 1374 هـ، وجامع الأصول 9 / 294 وما بعدها نشر مكتبة الحلواني 1392 هـ) .
(11) حديت " ست أذرع من الحجر. . ". أخرجه مسلم من حديث عائشة مرفوعا بلفظ " يا عائشة لولا أن قومك حديثو عهد بشرك، لهدمت الكعبة فألزقتها بالأرض وجعلت لها بابين بابا شرقيا وبابا غربيا، وزدت فيها ستة أذرع من الحجر، فإن قريشا اقتصرتها حيث بنت الكعبة " (صحيح مسلم بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي 2 / 969، 970 ط عيسى الحلبي، وجامع الأصول 9 / 296 نشر مكتبة الحلواني 1392 هـ) .
(12) رد المحتار 1 / 286 ط الأولى، ونهاية المحتاج 1 / 418، وحاشية الدسوقي 1 / 229، والمجموع للنووي 3 / 192 ط المنيرية، وكشاف القناع 1 / 274.
(13) سورة البقرة / 144.
(14) شرح الروض 1 / 133، والبحر الرائق 1 / 299، والمغني 1 / 431 ط الرياض، ومواهب الجليل 1 / 507.
(15) ابن عابدين 1 / 285.
(16) ابن عابدين 1 / 55، 292.
(17) عبارة حاشية الجمل " المطبوعة ": مطبوع حاشية الجمل: " لم يصح " وهو تحريف عما أثبت. ر: القليوبي 1 / 132 ط الحلبي.
(18) الجمل 1 / 312.
(19) نهاية المحتاج 1 / 418، 428، وانظر حكم استقبال النساء لجماعة العراة (شرح الروض 1 / 177 شروط الصلاة - ستر العورة) .
(20) مطالب أولي النهى 1 / 536.
(21) الزرقاني 1 / 219، ومواهب الجليل 1 / 508 وكشاف القناع 1 / 369 ط الرياض.
(22) ابن عابدين 1 / 432، ونهاية المحتاج 1 / 406، والجمل على المنهج 1 / 312.
(23) نهاية المحتاج 1 / 406، والجمل على المنهج 1 / 312، وشرح الروض 1 / 147، وانظر صلاة الجالس والمستلقي. المغني 1 / 783، وكشاف القناع 1 / 370.
(24) كشاف القناع 1 / 307، 323، 356، 360 ط الرياض، والزرقاني 1 / 213، وشرح الروض 1 / 162.
(25) رد المحتار 1 / 287، والدسوقي 1 / 223، ونهاية المحتاج 1 / 408، والشرح الكبير مع المغني 1 / 489، والطحطاوي على مراقي الفلاح ص 115.
(26) نهاية المحتاج 1 / 417، 418، والدسوقي 1 / 223، والشرح الكبير مع المغني 1 / 489، والفروع 1 / 278، والمجموع 1 / 192 ط الأولى.
(27) رد المحتار 1 / 288، 613، والدسوقي 1 / 223، ونهاية المحتاج 1 / 418.
(28) قال الرافعي في تقريره على ابن عابدين 1 / 52: " ليس في عبارته (يعني عبارة الفتح) دلالة على أنه لا يصار إلى الجهة مع إمكان التعيين. واستقبال الجهة فيه إصابة جزء من العين كما يأتي عن المعراج، والتصحيح الصريح أقوى ".
(29) رد المحتار 1 / 287، والدسوقي 1 / 223، والمغني 1 / 456.
(30) نهاية المحتاج 1 / 420.
(31) حديث بلال: " أن النبي ﷺ صلى في الكعبة ". أخرجه البخاري (1 / 500 - الفتح ط السلفية) ومسلم (2 / 967 ط الحلبي) .
(32) سورة البقرة / 144.
(33) حديث: " سبع مواطن. . . " أخرجه ابن ماجه (1 / 246 ط الحلبي) ، ونقل المناوي تضعيفه عن الذهبي في الفيض (4 / 88 ط المكتبة التجارية) .
(34) رد المحتار 1 / 612، والدسوقي 1 / 229، والمجموع للنووي 1 / 194، ونهاية المحتاج 1 / 417 فما بعدها، 2 / 61، وكشاف القناع 1 / 270، 274.
(35) رد المحتار 1 / 290، 612، والدسوقي 1 / 229، والمجموع للنووي 1 / 194، ونهاية المحتاج 1 / 417 فما بعدها، وكشاف القناع 1 / 274.
(36) قال الرافعي في تقريره 1 / 125: لم يظهر عدم صحة الاقتداء في صورة ما إذا قام المقتدي في داخل الكعبة أمام الإمام، وهو في خارجها وجهه لظهر المقتدي، إذ الجهة مختلفة، فإن الإمام إذا استقبل باب الكعبة مثلا يكون مستقبلا جهة الباب، والمقتدي مستدبر لها مستقبل وانظر الدسوقي 1 / 228.
(37) نهاية المحتاج 1 / 406، والمجموع 3 / 194.
(38) كشاف القناع 1 / 274.
(39) سورة البقرة / 144 ص.
(40) رد المحتار 1 / 287، والدسوقي 1 / 224، والشرح الكبير مع المغني 1 / 489. وحديث " ما بين المشرق. . . إلخ " أخرجه الترمذي (2 / 171، 173 ط الحلبي) وقواه الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على الترمذي.
(41) الدسوقي 1 / 224، ونهاية المحتاج 1 / 407، 418، والجمل 1 / 313، والشرح الكبير مع المغني 1 / 489. وحديث: " ركع ركعتين قبل الكعبة. . . إلخ " أخرجه البخاري (1 / 501 - الفتح ط السلفية) ومسلم (2 / 968 ط الحلبي) .
(42) رد المحتار 1 / 287، والدسوقي 1 / 224، والمغني مع الشرح الكبير 1 / 457 طبعة أولى، ونهاية المحتاج 1 / 421، والشرح الكبير 1 / 485.
(43) رد المحتار 1 / 288، والدسوقي 1 / 224، وكشاف القناع 1 / 280، ونهاية المحتاج 1 / 420.
(44) نهاية المحتاج 1 / 425
(45)
(46) نهاية المحتاج 1 / 422، ورد المحتار 1 / 288، والمغني 1 / 459، والرهوني على الزرقاني 1 / 353.
(47) المغني 1 / 465، والشرح الكبير المطبوع مع المغني 1 / 492.
(48) نهاية المحتاج 1 / 423.
(49) رد المحتار 1 / 288، والدسوقي 1 / 227، ونهاية المحتاج 1 / 422 - 424، والمغني 1 / 480، والشرح الكبير مع المغني 1 / 494.
(50) نهاية المحتاج 1 / 422 - 427.
(51) نهاية المحتاج 1 / 422، والشرح الكبير مع المغني 1 / 490، ورد المحتار 1 / 288، والدسوقي 1 / 224.
(52) نهاية المحتاج 1 / 423، والمغني 1 / 469، والشرح الكبير مع المغني 1 / 490، 493، 494.
(53) نهاية المحتاج 1 / 422 - 427، والشرح الكبير مع المغني 1 / 497.
(54) الدسوقي 1 / 227.
(55) المسبوق من فاتته ركعة فأكثر مع الإمام. أما اللاحق فهو من ابتدأ صلاته مع الإمام، ثم عرض له عارض منعه من متابعة الإمام حتى فاتته ركعة أو أكثر.
(56) رد المحتار 1 / 291، الدسوقي 1 / 226، ونهاية المحتاج 1 / 429، والمغني 1 / 474، والشرح الكبير مع المغني 1 / 493، وغنية المتملي شرح منية المصلي ص 225.
(57) حديث: " كنا مع النبي ﷺ في سفر في ليلة مظلمة. . . " أخرجه الترمذي واللفظ له وابن ماجه من حديث ربيعة. قال الترمذي: هذا حديث ليس إسناده بذاك - أي ليس بالقوي - لا نعرفه إلا من حديث أشعث السمان، وأشعث بن سعيد أبو الربيع السمان يضعف في الح (تحفة الأحوذي 2 / 321، 322 نشر السلفية 1384 هـ وسنن ابن ماجه بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي 1 / 326 ط عيسى الحلبي 1372 هـ) . والآية من سورة البقرة / 115.
(58) رد المحتار 1 / 289، 291، والبحر الرائق 1 / 303، والزرقاني 1 / 189، والدسوقي 1 / 225، ونهاية المحتاج 1 / 422، والشرح الكبير مع المغني 1 / 493.
(59) رد المحتار 1 / 290، 291، والفروع 1 / 383، وكشاف القناع 1 / 307، 313، ومغني المحتاج 1 / 146، والروضة 1 / 218، والدسوقي 1 / 227.
(60) رد المحتار 1 / 292، والبحر الرائق 1 / 305، والدسوقي 1 / 227، ومغني المحتاج 1 / 146، والروضة 1 / 218، وكشاف القناع 1 / 312.
(61) سورة النحل / 43.
(62) نهاية المحتاج 1 / 424، 425، والمغني 1 / 472، 474، والدسوقي 1 / 226، وابن عابدين 1 / 291، والشرح الكبير مع المغني 1 / 493.
(63) الدسوقي 1 / 226، 227، ونهاية المحتاج 1 / 425، والمغني 1 / 489 ط ثانية، ورد المحتار 1 / 290.
(64) رد المحتار 1 / 289، 291، والدسوقي 1 / 226، ونهاية المحتاج 1 / 422، 425، والمغني 1 / 469، 474، والشرح الكبير مع المغني 1 / 490، 494.
(65) رد المحتار 1 / 289، 292، والدسوقي 1 / 224، 226 - 228، ونهاية المحتاج 1 / 427، والمغني 1 / 449 ط الرياض، وكشاف القناع 1 / 312 ط مكتبة النصر - الرياض.
(66) رد المحتار 1 / 289 - 392، والدسوقي 1 / 224، ونهاية المحتاج 1 / 408، والجمل على المنهج 1 / 314، والشرح الكبير مع المغني 1 / 486.
(67) رد المحتار 1 / 290، والدسوقي 1 / 224، 229، ونهاية المحتاج 1 / 408، 416، والشرح الكبير مع المغني 1 / 486.
(68) رد المحتار 1 / 569، والدسوقي 1 / 222، 223، 229، ونهاية المحتاج 1 / 409، والشرح الكبير مع المغني 1 / 486، 450، والمغني 2 / 416 ط الرياض.
(69) حديث: " كان ﷺ يصلي على راحلته. . . " أخرجه البخاري ومسلم من حديث ابن عمر ﵄ بلفظ " كان النبي ﷺ يصلي في السفر على راحلته حيث توجهت به، يومئ إيماء، صلاة الليل إلا الفرائض، ويوتر على راحلته " وفي رواية لمسلم من حديث ابن عمر ﵄ " كان رسول الله ﷺ يصلي وهو مقبل من مكة إلى المدينة على راحلته حيث كان وجهه. . . " (اللؤلؤ والمرجان ص 138 نشر وزارة الأوقاف والشئون وفتح الباري 2 / 489 ط السلفية، وصحيح مسلم بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي 1 / 486، 487 ط عيسى الحلبي) .
(70) رد المحتار 1 / 469، والدسوقي 1 / 225، ونهاية المحتاج 1 / 409، وشرح الروض 1 / 134 ط الميمنية، والمغني 1 / 445، والشرح الكبير مع المغني 1 / 486.
(71) رد المحتار 1 / 469، والدسوقي 1 / 225، ونهاية المحتاج 1 / 410، 414، والشرح الكبير مع المغني 1 / 488.
(72) الطحطاوي على مراقي الفلاح ص 223 ط بولاق، ومغني المحتاج 1 / 144، ومواهب الجليل 1 / 509، والمغني 1 / 435 - 436، والإنصاف 2 / 4.
(73) حديث: " إن سيد المجالس. . . ". أخرجه الطبراني في الأوسط من حديث أبي هريرة ﵁ مرفوعا بلفظ " إن لكل شيء سيدا، وإن سيد المجالس قبالة القبلة " قال الهيثمي والمنذري وغيرهما: إسناده حسن. (مجمع الزوائد 8 / 59 نشر مكتبة القدس 1353 هـ، وفيض القدير 2 / 512، نشر المكتبة التجارية 1356 هـ) .
(74) الفروع 1 / 80.
(75) شرح الأذكار لابن علان 5 / 33.
(76) الحش: هو الموضع الذي تقضى فيه الحاجة في البساتين ثم أطلقت على الكنف. (المصباح المنير) حسن.
(77) تحفة الأحوذي 2 / 326، والمغني 2 / 72، 80، والخرشي 1 / 294 ط بولاق، وشرح الروض 1 / 174، ونهاية المحتاج 2 / 54، 60، 61، ورد المحتار 1 / 433، 438، وتقرير الرافعي عليه 1 / 85، وكشاف القناع 1 / 342 ط السنة المحمدية.
(78) نهاية المحتاج 2 / 54، والمغني 2 / 66، 71.
(79) شرح الأذكار 2 / 27.
(80) المغني 1 / 155، وحاشية الشبراملسي على نهاية المحتاج 1 / 119، وشرح منتهى الإرادات 1 / 30، والآداب لابن مفلح 1 / 445.
(81) كشاف القناع 2 / 31 ط السنة المحمدية، والمبسوط - افتتاح الصلاة، والشرح مع المغني 2 / 80، وإعلام الساجد ص 404.
(82) شرح الأذكار 5 / 175.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 61/ 4
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".