الرزاق
كلمة (الرزاق) في اللغة صيغة مبالغة من الرزق على وزن (فعّال)، تدل...
المرأة التي نسيت العدد، والوقت في عادة الحيض، ولم يكن لها تمييز . ومن شواهده قول ابن مفلح : "تكون ناسية لوقتها، وعددها، وهذه تسمى الـمُتَحَيِّرَة، لأنها قد تحيرت في حيضها، وحكمها أن تجلس غالب الحيض في ظاهر المذهب ". قيل سميت متحيّرة؛ لأنها حيّرت الفقيه .
المُتَحَيِّرَةُ: المُتَرَدِّدَةُ المُضْطَرِبَةُ، مَأْخوذَةٌ مِن التَّحَيُّرِ، وهو: التَّرَدُّدُ والاضْطِرابُ، يُقال: حارَ فُلانٌ، أيْ: تردَّدَ واضْطَرَبَ، وتَحَيَّرَ الرَّجُلُ: إذا ضَلَّ فَلَم يَهْتَدِ لِلْصَّوابِ، ومِن مَعانيهِ: الاِرْتِباكُ.
يَرِدُ مُصطَلَحُ (مُتَحَيِّرَة) في كِتابِ النِّكاحِ، باب: عِدَّة الـمُطَلَّقَةِ.
حير
المرأة التي نسيت العدد، والوقت في عادة الحيض، ولم يكن لها تمييز.
* المحكم والمحيط الأعظم : (3/435)
* لسان العرب : (4/223)
* تاج العروس : (11/115)
* حاشية ابن عابدين : (1/478)
* الـمجموع شرح الـمهذب : (2/459)
* شرح منتهى الإرادات : (1/234)
* دستور العلماء : (3/208)
* معجم لغة الفقهاء : (ص 402)
* القاموس الفقهي : (ص 106)
* معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية : (3/208) -
التَّعْرِيفُ:
1 - الْمُتَحَيِّرَةُ فِي اللُّغَةِ: مُشْتَقٌّ مِنْ مَادَّةِ حَيَرَ، وَالتَّحَيُّرُ: التَّرَدُّدُ، وَتَحَيَّرَ الْمَاءُ: اجْتَمَعَ وَدَارَ، وَتَحَيَّرَ الرَّجُل: إِذَا ضَل فَلَمْ يَهْتَدِ لِسَبِيلِهِ، وَتَحَيَّرَ السَّحَابُ: لَمْ يَتَّجِهْ جِهَةً، وَاسْتَحَارَ الْمَكَانُ بِالْمَاءِ وَتَحَيَّرَ: تَمَلأََّ (1) .
وَالْمُتَحَيِّرَةُ فِي الاِصْطِلاَحِ: قَال الْحَنَفِيَّةُ: هِيَ مَنْ نَسِيَتْ عَادَتَهَا وَتُسَمَّى الْمُضَلَّةَ وَالضَّالَّةَ (2) .
وَقَال النَّوَوِيُّ: وَلاَ يُطْلَقُ اسْمُ الْمُتَحَيِّرَةِ إِلاَّ عَلَى مَنْ نَسِيَتْ عَادَتَهَا قَدْرًا وَوَقْتًا وَلاَ تَمْيِيزَ لَهَا، وَأَمَّا مَنْ نَسِيَتْ عَدَدًا لاَ وَقْتًا وَعَكْسَهَا فَلاَ يُسَمِّيهَا الأَْصْحَابُ مُتَحَيِّرَةً، وَسَمَّاهَا الْغَزَالِيُّ مُتَحَيِّرَةً، وَالأَْوَّل هُوَ الْمَعْرُوفُ (3) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: الْمُتَحَيِّرَةُ هِيَ مَنْ نَسِيَتْ عَادَتَهَا وَلَمْ يَكُنْ لَهَا تَمْيِيزٌ (4) . وَسُمِّيَتِ الْمَرْأَةُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مُتَحَيِّرَةً لِتَحَيُّرِهَا فِي أَمْرِهَا وَحَيْضِهَا، وَتُسَمَّى أَيْضًا الْمُحَيِّرَةَ - بِكَسْرِ الْيَاءِ الْمُشَدَّدَةِ - لأَِنَّهَا حَيَّرَتِ الْفَقِيهَ فِي أَمْرِهَا (5) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْمُسْتَحَاضَةُ:
2 - الْمُسْتَحَاضَةُ: مَنْ يَسِيل دَمُهَا وَلاَ يَرْقَأُ، فِي غَيْرِ أَيَّامٍ مَعْلُومَةٍ، لاَ مِنْ عِرْقِ الْحَيْضِ بَل مِنْ عِرْقٍ يُقَال لَهُ: الْعَاذِل.
وَالْمُسْتَحَاضَةُ أَعَمُّ مِنَ الْمُتَحَيِّرَةِ.
ب - الْمُبْتَدَأَةُ:
3 - الْمُبْتَدَأَةُ مَنْ كَانَتْ فِي أَوَّل حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ (6) .
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْمُتَحَيِّرَةِ وَالْمُبْتَدَأَةِ أَنَّ الْمُبْتَدَأَةَ قَدْ تَكُونُ مُتَحَيِّرَةً.
ج - الْمُعْتَادَةُ:
4 - الْمُعْتَادَةُ: مَنْ سَبَقَ مِنْهَا مِنْ حِينِ بُلُوغِهَا دَمٌ وَطُهْرٌ صَحِيحَانِ، أَوْ أَحَدُهُمَا بِأَنْ رَأَتْ دَمًا صَحِيحًا وَطُهْرًا فَاسِدًا (7) .
أَنْوَاعُ الْمُتَحَيِّرَةِ
5 - الأَْصْل أَنَّ الْمُتَحَيِّرَةَ هِيَ الْمُعْتَادَةُ النَّاسِيَةُ لِعَادَتِهَا - كَمَا مَرَّ آنِفًا فِي تَعْرِيفِ الْفُقَهَاءِ لِلْمُتَحَيِّرَةِ - لَكِنَّ الشَّافِعِيَّةَ أَطْلَقُوا عَلَى الْمُبْتَدَأَةِ إِذَا لَمْ تَعْرِفْ وَقْتَ ابْتِدَاءِ دَمِهَا مُتَحَيِّرَةً أَيْضًا.
قَال النَّوَوِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ حُكْمَ الْمُتَحَيِّرَةِ لاَ يَخْتَصُّ بِالنَّاسِيَةِ بَل الْمُبْتَدَأَةِ إِذَا لَمْ تَعْرِفْ وَقْتَ ابْتِدَاءِ دَمِهَا كَانَتْ مُتَحَيِّرَةً وَجَرَى عَلَيْهَا أَحْكَامُهَا (8) .
وَالتَّحَيُّرُ كَمَا يَقَعُ فِي الْحَيْضِ يَقَعُ فِي النِّفَاسِ أَيْضًا فَيُطْلَقُ عَلَى النَّاسِيَةِ لِعَادَتِهَا فِي النِّفَاسِ: مُتَحَيِّرَةً (9) .
أَوَّلاً: الْمُتَحَيِّرَةُ فِي الْحَيْضِ
6 - الأَْصْل أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى كُل امْرَأَةٍ حِفْظُ عَادَتِهَا فِي الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ عَدَدًا وَمَكَانًا، كَكَوْنِهِ خَمْسَةً مَثَلاً مِنْ أَوَّل الشَّهْرِ أَوْ آخِرِهِ مَثَلاً.
فَإِذَا نَسِيَتْ عَادَتَهَا فَإِنَّهَا لاَ تَخْلُو مِنْ ثَلاَثَةِ أَحْوَالٍ: لأَِنَّهَا إِمَّا أَنْ تَكُونَ نَاسِيَةً لِلْعَدَدِ، أَيْ عَدَدِ أَيَّامِهَا فِي الْحَيْضِ مَعَ عِلْمِهَا بِمَكَانِهَا مِنَ الشَّهْرِ أَنَّهَا فِي أَوَّلِهِ أَوْ آخِرِهِ مَثَلاً، أَوْ نَاسِيَةً لِلْمَكَانِ أَيْ مَكَانِهَا مِنَ الشَّهْرِ عَلَى التَّعْيِينِ مَعَ عِلْمِهَا عَدَدَ أَيَّامِ حَيْضِهَا، أَوْ نَاسِيَةً لِلْعَدَدِ وَالْمَكَانِ، أَيْ بِأَنْ لَمْ تَعْلَمْ عَدَدَ أَيَّامِهَا وَلاَ مَكَانَهَا مِنَ الشَّهْرِ، هَذَا مَا نَصَّ عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ - الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ - وَيُعَبِّرُ الشَّافِعِيَّةُ عَنِ الْعَدَدِ بِالْقَدْرِ، وَعَنِ الْمَكَانِ بِالْوَقْتِ، كَمَا يُعَبِّرُ الْحَنَابِلَةُ عَنِ الْمَكَانِ بِالْمَوْضِعِ.
وَيُسَمِّي الْحَنَفِيَّةُ حَالَةَ النِّسْيَانِ فِي الْعَدَدِ وَالْمَكَانِ إِضْلاَلاً عَامًّا، وَحَالَةَ النِّسْيَانِ فِي الْعَدَدِ فَقَطْ أَوِ الْمَكَانِ فَقَطْ إِضْلاَلاً خَاصًّا (10) .
الإِْضْلاَل الْخَاصُّ:
أ - النَّاسِيَةُ لِلْعَدَدِ فَقَطْ (الإِْضْلاَل بِالْعَدَدِ) :
7 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الْمُتَحَيِّرَةِ النَّاسِيَةِ لِلْعَدَدِ فَقَطْ، فَالأَْصْل عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الْمُتَحَيِّرَةَ بِأَنْوَاعِهَا تَتَحَرَّى، فَإِنْ وَقَعَ تَحَرِّيهَا عَلَى طُهْرٍ تُعْطَى حُكْمَ الطَّاهِرَاتِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى حَيْضٍ تُعْطَى حُكْمَهُ، لأَِنَّ الظَّنَّ مِنَ الأَْدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ، فَإِنْ لَمْ يَغْلِبْ ظَنُّهَا عَلَى شَيْءٍ فَعَلَيْهَا الأَْخْذُ بِالأَْحْوَطِ فِي الأَْحْكَامِ.
وَيَخْتَلِفُ حُكْمُ الْمُضَلَّةِ بِالْعَدَدِ بِاخْتِلاَفِ عِلْمِهَا بِالْمَكَانِ، فَإِنْ عَلِمَتْ أَنَّهَا تَطْهُرُ آخِرَ الشَّهْرِ فَإِنَّهَا تُصَلِّي إِلَى عِشْرِينَ فِي طُهْرٍ بِيَقِينٍ وَيَأْتِيهَا زَوْجُهَا، لأَِنَّ الْحَيْضَ لاَ يَزِيدُ عَلَى عَشْرَةٍ، ثُمَّ فِي سَبْعَةٍ بَعْدَ الْعِشْرِينَ تُصَلِّي بِالْوُضُوءِ - أَيْضًا - لِوَقْتِ كُل صَلاَةٍ لِلشَّكِّ فِي الدُّخُول فِي الْحَيْضِ، حَيْثُ إِنَّهَا فِي كُل يَوْمٍ مِنْ هَذِهِ السَّبْعَةِ مُتَرَدِّدَةٌ بَيْنَ الطُّهْرِ وَالدُّخُول فِي الْحَيْضِ، لاِحْتِمَال أَنَّ حَيْضَهَا الثَّلاَثَةُ الْبَاقِيَةُ فَقَطْ أَوْ شَيْءٌ مِمَّا قَبْلَهَا أَوْ جَمِيعُ الْعَشْرَةِ، وَتَتْرُكُ الصَّلاَةَ فِي الثَّلاَثَةِ الأَْخِيرَةِ لِلتَّيَقُّنِ بِالْحَيْضِ، ثُمَّ تَغْتَسِل فِي آخِرِ الشَّهْرِ غُسْلاً وَاحِدًا، لأَِنَّ وَقْتَ الْخُرُوجِ مِنَ الْحَيْضِ مَعْلُومٌ لَهَا، وَإِنْ عَلِمَتْ أَنَّهَا تَرَى الدَّمَ إِذَا جَاوَزَ الْعِشْرِينَ - أَيْ أَنَّ أَوَّل حَيْضِهَا الْيَوْمُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ - فَإِنَّهَا تَدَعُ الصَّلاَةَ ثَلاَثَةً بَعْدَ الْعِشْرِينَ، لأَِنَّ الْحَيْضَ لاَ يَكُونُ أَقَل مِنْ ثَلاَثَةٍ، ثُمَّ تُصَلِّي بِالْغُسْل إِلَى آخِرِ الشَّهْرِ لِتَوَهُّمِ الْخُرُوجِ مِنَ الْحَيْضِ، وَتُعِيدُ صَوْمَ هَذِهِ الْعَشْرَةِ فِي عَشْرَةٍ أُخْرَى مِنْ شَهْرٍ آخَرَ، وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ سَائِرُ الْمَسَائِل.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ فِي الْمُتَحَيِّرَةِ: سُئِل ابْنُ الْقَاسِمِ عَمَّنْ حَاضَتْ فِي شَهْرٍ عَشْرَةَ أَيَّامٍ، وَفِي آخَرَ سِتَّةَ أَيَّامٍ، وَفِي آخَرَ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتُحِيضَتْ كَمْ تُجْعَل عَادَتُهَا؟ قَال: لاَ أَحْفَظُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ شَيْئًا، وَلَكِنَّهَا تَسْتَظْهِرُ عَلَى أَكْثَرِ أَيَّامِهَا، قَال صَاحِبُ الطِّرَازِ: قَال ابْنُ حَبِيبٍ تَسْتَظْهِرُ عَلَى أَقَل أَيَّامِهَا إِنْ كَانَتْ هِيَ الأَْخِيرَةَ لأَِنَّهَا الْمُسْتَقِرَّةُ، وَيَقُول ابْنُ الْقَاسِمِ لَعَل عَادَتَهَا الأُْولَى عَادَتْ إِلَيْهَا بِسَبَبِ زَوَال سَدٍّ مِنَ الْمَجَارِي، وَقَوْل مَالِكٍ الأَْوَّل: إِنَّهَاتَمْكُثُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، لأَِنَّ الْعَادَةَ قَدْ تَنْتَقِل (11) .
وَوَضَعَ الشَّافِعِيَّةُ قَاعِدَةً لِلْمُتَحَيِّرَةِ النَّاسِيَةِ لِلْعَدَدِ وَالْمُتَحَيِّرَةِ النَّاسِيَةِ لِلْمَكَانِ، فَقَرَّرُوا أَنَّ الْمُتَحَيِّرَةَ إِنْ حَفِظَتْ شَيْئًا مِنْ عَادَتِهَا وَنَسِيَتْ شَيْئًا كَأَنْ ذَكَرَتِ الْوَقْتَ دُونَ الْقَدْرِ أَوِ الْعَكْسَ، فَلِلْيَقِينِ مِنَ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ حُكْمُهُ، وَهِيَ فِي الزَّمَنِ الْمُحْتَمِل لِلطُّهْرِ وَالْحَيْضِ كَحَائِضٍ فِي الْوَطْءِ وَنَحْوِهِ، وَطَاهِرٍ فِي الْعِبَادَاتِ - وَسَيَأْتِي تَفْصِيل ذَلِكَ - وَإِنِ احْتَمَل انْقِطَاعًا وَجَبَ الْغُسْل لِكُل فَرْضٍ لِلاِحْتِيَاطِ، وَإِنْ لَمْ يَحْتَمِلْهُ وَجَبَ الْوُضُوءُ فَقَطْ.
مِثَال الْحَافِظَةِ لِلْوَقْتِ دُونَ الْقَدْرِ كَأَنْ تَقُول: كَانَ حَيْضِي يَبْتَدِئُ أَوَّل الشَّهْرِ، فَيَوْمٌ وَلَيْلَةٌ مِنْهُ حَيْضٌ بِيَقِينٍ، لأَِنَّهُ أَقَل الْحَيْضِ، وَنِصْفُهُ الثَّانِي طُهْرٌ بِيَقِينٍ، لأَِنَّ أَكْثَرَ الْحَيْضِ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ يَحْتَمِل الْحَيْضَ وَالطُّهْرَ وَالاِنْقِطَاعَ.
وَمِثَال الْحَافِظَةِ لِلْقَدْرِ دُونَ الْوَقْتِ كَأَنْ تَقُول: حَيْضِي خَمْسَةٌ فِي الْعَشْرَةِ الأُْوَل مِنَ الشَّهْرِ، لاَ أَعْلَمُ ابْتِدَاءَهَا، وَأَعْلَمُ أَنِّي فِي الْيَوْمِ الأَْوَّل طَاهِرٌ، فَالسَّادِسُ حَيْضٌ بِيَقِينٍ، وَالأَْوَّل طُهْرٌ بِيَقِينٍ كَالْعَشَرَيْنِ الأَْخِيرَيْنِ، وَالثَّانِي إِلَى آخِرِ الْخَامِسِ مُحْتَمِلٌ لِلْحَيْضِ وَالطُّهْرِ، وَالسَّابِعُ إِلَى آخِرِ الْعَاشِرِ مُحْتَمِلٌ لَهُمَا وَلِلاِنْقِطَاعِ.
قَال النَّوَوِيُّ: قَال أَصْحَابُنَا: الْحَافِظَةُ لِقَدْرِ حَيْضِهَا إِنَّمَا يَنْفَعُهَا حِفْظُهَا، وَتَخْرُجُ عَنِ التَّحَيُّرِ الْمُطْلَقِ إِذَا حَفِظَتْ مَعَ ذَلِكَ قَدْرَ الدَّوْرِ وَابْتِدَاءَهُ، فَإِنْ فَقَدَتْ ذَلِكَ بِأَنْ قَالَتْ: كَانَ حَيْضِي خَمْسَةَ عَشَرَ أَضْلَلْتُهَا فِي دَوْرِي، وَلاَ أَعْرِفُ سِوَى ذَلِكَ، فَلاَ فَائِدَةَ فِيمَا ذَكَرَتْ لاِحْتِمَال الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ وَالاِنْقِطَاعِ فِي كُل وَقْتٍ، وَكَذَا لَوْ قَالَتْ: حَيْضِي خَمْسَةَ عَشَرَ، وَابْتِدَاءُ دَوْرِي يَوْمُ كَذَا وَلاَ أَعْرِفُ قَدْرَهُ، فَلاَ فَائِدَةَ فِيمَا حَفِظَتْ لِلاِحْتِمَال الْمَذْكُورِ، وَلَهَا فِي هَذَيْنِ الْمِثَالَيْنِ حُكْمُ الْمُتَحَيِّرَةِ فِي كُل شَيْءٍ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ النَّاسِيَةَ لِلْعَدَدِ فَقَطْ تَجْلِسُ غَالِبَ الْحَيْضِ إِنِ اتَّسَعَ شَهْرُهَا لَهُ، وَشَهْرُ الْمَرْأَةِ هُوَ الزَّمَنُ الَّذِي يَجْتَمِعُ لَهَا فِيهِ حَيْضٌ وَطُهْرٌ صَحِيحَانِ، وَأَقَل ذَلِكَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا بِلَيَالِيِهَا يَوْمًا بِلَيْلَةٍ لِلْحَيْضِ - لأَِنَّهُ أَقَلُّهُ - وَثَلاَثَةَ عَشَرَ يَوْمًا بِلَيَالِيِهَا لِلطُّهْرِ - لأَِنَّهُ أَقَلُّهُ - وَلاَ حَدَّ لأَِكْثَرِ شَهْرِ الْمَرْأَةِ، لأَِنَّهُ لاَ حَدَّ لأَِكْثَرِ الطُّهْرِ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ، لِحَدِيثِ حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ ﵂ قَالَتْ: يَا رَسُول اللَّهِ إِنِّي أُسْتَحَاضُ حَيْضَةً شَدِيدَةً كَبِيرَةً، قَدْ مَنَعَتْنِي الصَّوْمَ وَالصَّلاَةَ، فَقَال: تَحَيَّضِي سِتَّةَأَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ فِي عِلْمِ اللَّهِ ثُمَّ اغْتَسِلِي (12) .
وَحَمْنَةُ امْرَأَةٌ كَبِيرَةٌ - قَالَهُ أَحْمَدُ - وَلَمْ يَسْأَلْهَا عَنْ تَمْيِيزِهَا وَلاَ عَادَتِهَا فَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ نَاسِيَةً فَتُرَدُّ إِلَى غَالِبِ الْحَيْضِ إِنَاطَةً لِلْحُكْمِ بِالأَْكْثَرِ، كَمَا تُرَدُّ الْمُعْتَادَةُ لِعَادَتِهَا.
وَإِنْ لَمْ يَتَّسِعْ شَهْرُهَا لِغَالِبِ الْحَيْضِ جَلَسَتِ الْفَاضِل مِنْ شَهْرِهَا بَعْدَ أَقَل الطُّهْرِ، كَأَنْ يَكُونَ شَهْرُهَا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا، فَإِنَّهَا تَجْلِسُ الزَّائِدَ عَنْ أَقَل الطُّهْرِ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ فَقَطْ - وَهُوَ خَمْسَةُ أَيَّامٍ - لِئَلاَّ يَنْقُصَ الطُّهْرُ عَنْ أَقَلِّهِ فَيَخْرُجَ عَنْ كَوْنِهِ طُهْرًا، حَيْثُ إِنَّ الْبَاقِيَ مِنَ الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ بَعْدَ الثَّلاَثَةَ عَشَرَ - وَهُوَ أَقَل الطُّهْرِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ - خَمْسَةُ أَيَّامٍ فَتَجْلِسُهَا فَقَطْ، وَإِنْ جَهِلَتْ شَهْرَهَا جَلَسَتْ غَالِبَ الْحَيْضِ مِنْ كُل شَهْرٍ هِلاَلِيٍّ (13) .
(14) النَّاسِيَةُ لِلْمَكَانِ فَقَطْ (الإِْضْلاَل بِالْمَكَانِ) :
8 - سَبَقَ بَيَانُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ فِي النَّاسِيَةِ لِلْمَكَانِ فَقَطْ فِي الإِْضْلاَل بِالْعَدَدِ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ إِنْ عَلِمَتْ أَيَّامَ حَيْضِهَا وَنَسِيَتْ مَوْضِعَهَا: بِأَنْ لَمْ تَدْرِ أَكَانَتْ تَحِيضُ فِي أَوَّل الشَّهْرِ أَوْ وَسَطِهِ أَوْ آخِرِهِ، فَإِنَّهَا تَجْلِسُ أَيَّامَ حَيْضِهَا مِنْ أَوَّل كُل شَهْرِ هِلاَلِيٍّ لأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ جَعَل حَيْضَةَ حَمْنَةَ مِنْ أَوَّل الشَّهْرِ وَالصَّلاَةَ فِي بَقِيَّتِهِ، وَلأَِنَّ دَمَ الْحَيْضِ جِبِلَّةٌ، وَالاِسْتِحَاضَةَ عَارِضَةٌ، فَإِذَا رَأَتْهُ وَجَبَ تَقْدِيمُ دَمِ الْحَيْضِ.
وَإِنْ عَلِمَتِ الْمُسْتَحَاضَةُ عَدَدَ أَيَّامِهَا فِي وَقْتٍ مِنَ الشَّهْرِ وَنَسِيَتْ مَوْضِعَهَا، بِأَنْ لَمْ تَدْرِ أَهِيَ فِي أَوَّلِهِ أَمْ آخِرِهِ، فَإِنَّهَا لاَ تَخْلُو: إِمَّا أَنْ تَكُونَ أَيَّامُهَا نِصْفَ الْوَقْتِ الَّذِي عَلِمَتْ أَنَّ حَيْضَهَا فِيهِ أَوْ أَقَل، أَوْ أَكْثَرَ، فَإِنْ كَانَتْ أَيَّامُهَا نِصْفَ الْوَقْتِ الَّذِي عَلِمَتْ أَنَّ حَيْضَهَا فِيهِ فَأَقَل فَحَيْضُهَا مِنْ أَوَّلِهَا، كَأَنْ تَعْلَمَ أَنَّ حَيْضَهَا كَانَ فِي النِّصْفِ الثَّانِي مِنَ الشَّهْرِ، فَإِنَّهَا تَجْلِسُ مِنْ أَوَّلِهِ، وَعَلَى هَذَا الأَْكْثَرُ، وَهُنَاكَ وَجْهٌ أَنَّهَا تَتَحَرَّى، وَلَيْسَ لَهَا حَيْضٌ بِيَقِينٍ بَل حَيْضُهَا مَشْكُوكٌ فِيهِ، وَإِنْ زَادَتْ أَيَّامُهَا عَلَى النِّصْفِ، مِثْل أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ حَيْضَهَا سِتَّةُ أَيَّامٍ مِنَ الْعَشْرِ الأُْوَل مِنَ الشَّهْرِ ضُمَّ الزَّائِدُ إِلَى النِّصْفِ - وَهُوَ فِي الْمِثَال يَوْمٌ - إِلَى مِثْلِهِ مِمَّا قَبْلَهُ - وَهُوَ يَوْمٌ - فَيَكُونَانِ حَيْضًا بِيَقِينٍ، وَهُمَا الْيَوْمُ الْخَامِسُ وَالسَّادِسُ فِي هَذَا الْمِثَال ثُمَّ يَبْقَى لَهَا أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ تَتِمَّةُ عَادَتِهَا، فَإِنْ جَلَسَتْهَا مِنَ الأَْوَّل عَلَى قَوْل الأَْكْثَرِ كَانَ حَيْضُهَا مِنْ أَوَّل الْعَشَرَةِ إِلَى آخِرِالسَّادِسِ، مِنْهَا يَوْمَانِ هُمَا الْخَامِسُ وَالسَّادِسُ حَيْضٌ بِيَقِينٍ.
وَالأَْرْبَعَةُ حَيْضٌ مَشْكُوكٌ فِيهِ، وَالأَْرْبَعَةُ الْبَاقِيَةُ طُهْرٌ مَشْكُوكٌ فِيهِ، وَإِنْ جَلَسَتْ بِالتَّحَرِّي عَلَى الْوَجْهِ الْمُقَابِل لِقَوْل الأَْكْثَرِ فَأَدَّاهَا اجْتِهَادُهَا إِلَى أَنَّهَا مِنْ أَوَّل الْعَشَرَةِ فَهِيَ كَالَّتِي ذَكَرْنَا، وَإِنْ جَلَسَتِ الأَْرْبَعَةَ مِنْ آخِرِ الْعَشَرَةِ كَانَتِ الأَْرْبَعَةُ حَيْضًا مَشْكُوكًا فِيهِ، وَالْيَوْمَانِ قَبْلَهَا حَيْضٌ بِيَقِينٍ، وَالأَْرْبَعَةُ الأُْوَل طُهْرٌ مَشْكُوكٌ فِيهِ، وَإِنْ قَالَتْ: حَيْضَتِي سَبْعَةُ أَيَّامٍ مِنَ الْعَشَرَةِ، فَقَدْ زَادَتْ أَيَّامُهَا يَوْمَيْنِ عَلَى نِصْفِ الْوَقْتِ فَتَضُمُّهُمَا إِلَى يَوْمَيْنِ قَبْلَهُمَا فَيَصِيرُ لَهَا أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ حَيْضًا بِيَقِينٍ، مِنْ أَوَّل الرَّابِعِ إِلَى آخِرِ السَّابِعِ، وَيَبْقَى لَهَا ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ تَجْلِسُهَا مِنْ أَوَّل الْعَشَرَةِ أَوْ بِالتَّحَرِّي عَلَى الْوَجْهَيْنِ، وَهِيَ حَيْضٌ مَشْكُوكٌ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَالنَّاسِيَةُ لِلْمَكَانِ فَقَطْ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لاَ تَخْلُو: إِمَّا أَنْ تَضِل أَيَّامَهَا فِي ضِعْفِهَا أَوْ أَكْثَرَ أَوْ فِي أَقَل مِنْ ضِعْفِهَا، فَإِنْ أَضَلَّتْ أَيَّامَهَا فِي ضِعْفِهَا أَوْ أَكْثَرَ فَلاَ تَيَقُّنَ فِي يَوْمٍ مِنْهَا بِحَيْضٍ، كَمَا إِذَا كَانَتْ أَيَّامُهَا ثَلاَثَةً فَأَضَلَّتْهَا فِي سِتَّةٍ أَوْ أَكْثَرَ، وَإِنْ أَضَلَّتْ أَيَّامَهَا فِي أَقَل مِنَ الضِّعْفِ فَإِنَّهَا تَيَقُّنٌ بِالْحَيْضِ فِي يَوْمٍ أَوْ أَيَّامٍ، كَمَا إِذَا أَضَلَّتْ ثَلاَثَةً فِي خَمْسَةٍ فَإِنَّهَا تَيَقُّنٌ بِالْحَيْضِ فِيالْيَوْمِ الثَّالِثِ مِنَ الْخَمْسَةِ، فَإِنَّهُ أَوَّل الْحَيْضِ أَوْ آخِرُهُ أَوْ وَسَطُهُ بِيَقِينٍ فَتَتْرُكُ الصَّلاَةَ فِيهِ.
وَيَتَفَرَّعُ عَلَى ذَلِكَ: أَنَّهَا إِنْ عَلِمَتْ أَنَّ أَيَّامَهَا ثَلاَثَةٌ فَأَضَلَّتْهَا فِي الْعَشَرَةِ الأَْخِيرَةِ مِنَ الشَّهْرِ، فَإِنَّهَا تُصَلِّي مِنْ أَوَّل الْعَشَرَةِ بِالْوُضُوءِ لِوَقْتِ كُل صَلاَةٍ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، لِلتَّرَدُّدِ فِيهَا بَيْنَ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ، ثُمَّ تُصَلِّي بَعْدَهَا إِلَى آخِرِ الشَّهْرِ بِالاِغْتِسَال لِوَقْتِ كُل صَلاَةٍ لِلتَّرَدُّدِ فِيهِ بَيْنَ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ وَالْخُرُوجِ مِنَ الْحَيْضِ، إِلاَّ إِذَا تَذَكَّرَتْ وَقْتَ خُرُوجِهَا مِنَ الْحَيْضِ فَتَغْتَسِل فِي كُل يَوْمٍ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مَرَّةً، كَأَنْ تَذَكَّرَتْ أَنَّهَا كَانَتْ تَطْهُرُ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ مَثَلاً وَلاَ تَدْرِي مِنْ أَيِّ يَوْمٍ، فَتُصَلِّي الصُّبْحَ وَالظُّهْرَ بِالْوُضُوءِ لِلتَّرَدُّدِ بَيْنَ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ، ثُمَّ تُصَلِّي الْعَصْرَ بِالْغُسْل لِلتَّرَدُّدِ بَيْنَ الْحَيْضِ وَالْخُرُوجِ مِنْهُ، ثُمَّ تُصَلِّي الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالْوَتْرَ بِالْوُضُوءِ لِلتَّرَدُّدِ بَيْنَ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ، ثُمَّ تَفْعَل هَكَذَا فِي كُل يَوْمٍ مِمَّا بَعْدَ الثَّلاَثَةِ.
وَإِنْ أَضَلَّتْ أَرْبَعَةً فِي عَشَرَةٍ فَإِنَّهَا تُصَلِّي أَرْبَعَةً مِنْ أَوَّل الْعَشَرَةِ بِالْوُضُوءِ، ثُمَّ بِالاِغْتِسَال إِلَى آخِرِ الْعَشَرَةِ، وَكَذَلِكَ الْخَمْسَةُ إِنْ أَضَلَّتْهَا فِي ضِعْفِهَا فَتُصَلِّي خَمْسَةً مِنْ أَوَّل الْعَشَرَةِ بِالْوُضُوءِ وَالْبَاقِي بِالْغُسْل.
وَمَا سَبَقَ مِنَ الأَْمْثِلَةِ فِي إِضْلاَل الْعَدَدِ فِي الضِّعْفِ أَوْ أَكْثَرَ، وَأَمْثِلَةُ إِضْلاَل الْعَدَدِ فِيأَقَل مِنْ ضِعْفِهِ فَكَمَا لَوْ أَضَلَّتْ سِتَّةً فِي عَشَرَةٍ، فَإِنَّهَا تَتَيَقَّنُ بِالْحَيْضِ فِي الْخَامِسِ وَالسَّادِسِ، فَتَدَعُ الصَّلاَةَ فِيهِمَا، لأَِنَّهُمَا آخِرُ الْحَيْضِ أَوْ أَوَّلُهُ أَوْ وَسَطُهُ، وَتَفْعَل فِي الْبَاقِي مِثْل مَا تَفْعَل فِي إِضْلاَل الْعَدَدِ فِي الضِّعْفِ أَوْ أَكْثَرَ، فَتُصَلِّي أَرْبَعَةً مِنْ أَوَّل الْعَشَرَةِ بِالْوُضُوءِ، ثُمَّ أَرْبَعَةً مِنْ آخِرِهَا بِالْغُسْل لِتَوَهُّمِ خُرُوجِهَا مِنَ الْحَيْضِ فِي كُل سَاعَةٍ مِنْهَا، وَإِنْ أَضَلَّتْ سَبْعَةً فِي الْعَشَرَةِ فَإِنَّهَا تَتَيَقَّنُ فِي أَرْبَعَةٍ بَعْدَ الثَّلاَثَةِ الأُْوَل بِالْحَيْضِ، فَتُصَلِّي ثَلاَثَةً مِنْ أَوَّل الْعَشَرَةِ بِالْوُضُوءِ، ثُمَّ تَتْرُكُ أَرْبَعَةً، ثُمَّ تُصَلِّي ثَلاَثَةً بِالْغُسْل، وَفِي إِضْلاَل الثَّمَانِيَةِ فِي الْعَشَرَةِ تَتَيَقَّنُ بِالْحَيْضِ فِي سِتَّةٍ بَعْدَ الْيَوْمَيْنِ الأَْوَّلَيْنِ، فَتَدَعُ الصَّلاَةَ فِيهَا، وَتُصَلِّي يَوْمَيْنِ قَبْلَهَا بِالْوُضُوءِ، وَيَوْمَيْنِ بَعْدَهَا بِالْغُسْل، وَفِي إِضْلاَل التِّسْعَةِ فِي عَشَرَةٍ تَتَيَقَّنُ بِثَمَانِيَةٍ بَعْدَ الأُْوَل أَنَّهَا حَيْضٌ، فَتُصَلِّي أَوَّل الْعَشَرَةِ بِالْوُضُوءِ وَتَتْرُكُ ثَمَانِيَةً، وَتُصَلِّي آخِرَ الْعَشَرَةِ بِالْغُسْلِ، وَلاَ يُتَصَوَّرُ إِضْلاَل الْعَشَرَةِ فِي مِثْلِهَا (15) .
الإِْضْلاَل الْعَامُّ:
النَّاسِيَةُ لِلْعَدَدِ وَالْمَكَانِ
9 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ النَّاسِيَةَ لِلْعَدَدِ وَالْمَكَانِ عَلَيْهَا الأَْخْذُ وُجُوبًا بِالأَْحْوَطِ فِي الأَْحْكَامِ، لاِحْتِمَال كُل زَمَانٍ يَمُرُّ عَلَيْهَا لِلْحَيْضِ وَالطُّهْرِ وَالاِنْقِطَاعِ، وَلاَ يُمْكِنُ جَعْلُهَا حَائِضًا دَائِمًا لِقِيَامِ الإِْجْمَاعِ عَلَى بُطْلاَنِهِ، وَلاَ طَاهِرًا دَائِمًا لِقِيَامِ الدَّمِ، وَلاَ التَّبْعِيضِ لأَِنَّهُ تَحَكُّمٌ، فَتَعَيَّنَ الاِحْتِيَاطُ لِلضَّرُورَةِ لاَ لِقَصْدِ التَّشْدِيدِ عَلَيْهَا.
وَسَتَأْتِي كَيْفِيَّةُ الاِحْتِيَاطِ فِي الأَْحْكَامِ بِالتَّفْصِيل.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ النَّاسِيَةَ لِلْعَدَدِ وَالْمَكَانِ تَجْلِسُ غَالِبَ الْحَيْضِ مِنْ أَوَّل كُل شَهْرٍ هِلاَلِيٍّ، فَإِنْ عَرَفَتِ ابْتِدَاءَ الدَّمِ بِأَنْ عَلِمَتْ أَنَّ الدَّمَ كَانَ يَأْتِيهَا فِي أَوَّل الْعَشَرَةِ الأَْوْسَطِ مِنَ الشَّهْرِ، وَأَوَّل النِّصْفِ الأَْخِيرِ مِنْهُ وَنَحْوِهِ، فَهُوَ أَوَّل دَوْرِهَا فَتَجْلِسُ مِنْهُ سَوَاءٌ كَانَتْ نَاسِيَةً لِلْعَدَدِ فَقَطْ، أَوْ لِلْعَدَدِ وَالْمَوْضِعِ وَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ مَا تَجْلِسُهُ النَّاسِيَةُ لِلْعَدَدِ، أَوِ الْمَوْضِعِ أَوْ هُمَا مِنْ حَيْضٍ مَشْكُوكٍ فِيهِ كَحَيْضٍ يَقِينًا فِيمَا يُوجِبُهُ وَيَمْنَعُهُ، وَكَذَا الطُّهْرُ مَعَ الشَّكِّ فِيهِ كَطُهْرٍ يَقِينًا، وَمَا زَادَ عَلَى مَا تَجْلِسُهُ إِلَى أَكْثَرِ الْحَيْضِ كَطُهْرٍ مُتَيَقَّنٍ.
وَغَيْرِ زَمَنِ الْحَيْضِ وَمَا زَادَ عَلَيْهِ إِلَى أَكْثَرِ الْحَيْضِ اسْتِحَاضَةٌ.
وَإِذَا ذَكَرَتِ الْمُسْتَحَاضَةُ النَّاسِيَةُ لِعَادَتِهَا رَجَعَتْ إِلَيْهَا وَقَضَتِ الْوَاجِبَ زَمَنَ الْعَادَةِالْمَنْسِيَّةِ، وَقَضَتِ الْوَاجِبَ أَيْضًا زَمَنَ جُلُوسِهَا فِي غَيْرِهَا (16) .
كَيْفِيَّةُ الاِحْتِيَاطِ فِي الأَْحْكَامِ عِنْدَ مَنْ يَقُول بِهِ:
أ - الاِحْتِيَاطُ فِي الطَّهَارَةِ وَالصَّلاَةِ -
10 - نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّ الْمُتَحَيِّرَةَ تُصَلِّي الْفَرَائِضَ أَبَدًا وُجُوبًا لاِحْتِمَال طُهْرِهَا، وَلَهَا فِعْل النَّفْل مُطْلَقًا: صَلاَتُهُ وَطَوَافُهُ وَصِيَامُهُ فِي الأَْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، قَالُوا: لأَِنَّهُ مِنْ مُهِمَّاتِ الدِّينِ فَلاَ وَجْهَ لِحِرْمَانِهَا مِنْهُ وَكَذَا لَهَا فِعْل الْوَاجِبِ وَالسُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، قَال ابْنُ عَابِدِينَ: وَإِنَّمَا لاَ تَتْرُكُ السُّنَنَ الْمُؤَكَّدَةَ وَمِثْلَهَا الْوَاجِبَ بِالأَْوْلَى لِكَوْنِهَا شُرِعَتْ جَبْرًا لِنُقْصَانِ تَمَكُّنٍ فِي الْفَرَائِضِ، فَيَكُونُ حُكْمُهَا حُكْمَ الْفَرَائِضِ.
وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهَا تَغْتَسِل وُجُوبًا لِكُل فَرْضٍ إِنْ جَهِلَتْ وَقْتَ انْقِطَاعِ الدَّمِ وَلَمْ يَكُنْ دَمُهَا مُتَقَطِّعًا، وَيَكُونُ الْغُسْل بَعْدَ دُخُول الْوَقْتِ لاِحْتِمَال الاِنْقِطَاعِ حِينَئِذٍ، وَإِنَّمَا تَفْعَلُهُ بَعْدَ دُخُول وَقْتِهِ لأَِنَّهَا طَهَارَةٌ ضَرُورِيَّةٌ كَالتَّيَمُّمِ، فَإِنْ عَلِمَتْ وَقْتَ الاِنْقِطَاعِ كَعِنْدَ الْغُرُوبِ لَمْ يَلْزَمْهَا الْغُسْل فِي كُل يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إِلاَّ عَقِبَ الْغُرُوبِ، وَذَاتُ التَّقَطُّعِ لاَ يَلْزَمُهَا الْغُسْل زَمَنَ النَّقَاءِ لأَِنَّ الْغُسْل سَبَبُهُ الاِنْقِطَاعُ وَالدَّمُ مُنْقَطِعٌ، وَلاَ يَلْزَمُهَا الْمُبَادَرَةُ لِلصَّلاَةِ إِذَا اغْتَسَلَتْ عَلَى الأَْصَحِّ لَكِنْ لَوْ أَخَّرَتْ لَزِمَهَا الْوُضُوءُ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهَا تَتَوَضَّأُ لِكُل صَلاَةٍ كُلَّمَا تَرَدَّدَتْ بَيْنَ الطُّهْرِ وَدُخُول الْحَيْضِ، وَتَغْتَسِل لِكُل صَلاَةٍ إِنْ تَرَدَّدَتْ بَيْنَ الطُّهْرِ وَالْخُرُوجِ مِنَ الْحَيْضِ، فَفِي الأَْوَّل يَكُونُ طُهْرُهَا بِالْوُضُوءِ، وَفِي الثَّانِي بِالْغُسْل.
مِثَال ذَلِكَ: امْرَأَةٌ تَذْكُرُ أَنَّ حَيْضَهَا فِي كُل شَهْرٍ مَرَّةٌ، وَانْقِطَاعَهُ فِي النِّصْفِ الأَْخِيرِ، وَلاَ تَذْكُرُ غَيْرَ هَذَيْنِ، فَإِنَّهَا فِي النِّصْفِ الأَْوَّل تَتَرَدَّدُ بَيْنَ الدُّخُول وَالطُّهْرِ فَيَكُونُ طُهْرُهَا بِالْوُضُوءِ، وَفِي النِّصْفِ الأَْخِيرِ تَتَرَدَّدُ بَيْنَ الطُّهْرِ وَالْخُرُوجِ فَيَكُونُ طُهْرُهَا بِالْغُسْل، وَأَمَّا إِذَا لَمْ تَذْكُرْ شَيْئًا أَصْلاً فَهِيَ مُتَرَدِّدَةٌ فِي كُل زَمَنٍ بَيْنَ الطُّهْرِ وَالدُّخُول فَحُكْمُهَا حُكْمُ التَّرَدُّدِ بَيْنَ الطُّهْرِ وَالْخُرُوجِ بِلاَ فَرْقٍ، ثُمَّ إِنَّهَا إِذَا اغْتَسَلَتْ فِي وَقْتِ صَلاَةٍ وَصَلَّتْ، ثُمَّ اغْتَسَلَتْ فِي وَقْتِ الأُْخْرَى أَعَادَتِ الأُْولَى قَبْل الْوَقْتِيَّةِ، وَهَكَذَا تَصْنَعُ فِي وَقْتِ كُل صَلاَةٍ احْتِيَاطًا، لاِحْتِمَال حَيْضِهَا فِي وَقْتِ الأُْولَى وَطُهْرِهَا قَبْل خُرُوجِهِ، فَيَلْزَمُهَا الْقَضَاءُ احْتِيَاطًا، وَهَذَا قَوْل أَبِي سَهْلٍوَاخْتَارَهُ الْبَرْكَوِيُّ (17) .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمُبْتَدَأَةَ الَّتِي اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ إِنْ كَانَتِ اسْتَوْفَتْ تَمَامَ حَيْضِهَا بِنِصْفِ شَهْرٍ أَوْ بِالاِسْتِظْهَارِ فَذَلِكَ الدَّمُ اسْتِحَاضَةٌ وَإِلاَّ ضَمَّتْهُ لِلأَْوَّل حَتَّى يَحْصُل تَمَامُهُ بِالْخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَوْ بِالاِسْتِظْهَارِ، وَمَا زَادَ فَاسْتِحَاضَةٌ.
وَأَمَّا الْمُعْتَادَةُ الَّتِي اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَإِنَّهَا تَزِيدُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ عَلَى أَكْثَرِ عَادَتِهَا اسْتِظْهَارًا، وَمَحَل الاِسْتِظْهَارِ بِالثَّلاَثَةِ مَا لَمْ تُجَاوِزْ نِصْفَ الشَّهْرِ، ثُمَّ بَعْدَ أَنْ مَكَثَتِ الْمُبْتَدَأَةُ نِصْفَ شَهْرٍ، وَبَعْدَ أَنِ اسْتَظْهَرَتِ الْمُعْتَادَةُ بِثَلاَثَةٍ أَوْ بِمَا يُكْمِل نِصْفَ شَهْرٍ، تَصِيرُ إِنْ تَمَادَى بِهَا الدَّمُ مُسْتَحَاضَةً، وَيُسَمَّى الدَّمُ النَّازِل بِهَا دَمَ اسْتِحَاضَةٍ وَدَمَ عِلَّةٍ وَفَسَادٍ، وَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ طَاهِرٌ تَصُومُ وَتُصَلِّي وَتُوطَأُ (18) .
وَإِذَا مَيَّزَتِ الْمُسْتَحَاضَةُ الدَّمَ بِتَغَيُّرِ رَائِحَةٍ أَوْ لَوْنٍ أَوْ رِقَّةٍ أَوْ ثِخَنٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ بَعْدَ تَمَامِ طُهْرٍ فَذَلِكَ الدَّمُ الْمُمَيَّزُ حَيْضٌ لاَ اسْتِحَاضَةٌ، فَإِنِ اسْتَمَرَّ بِصِفَةِ التَّمَيُّزِ اسْتَظْهَرَتْ بِثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مَا لَمْ تُجَاوِزْ نِصْفَ شَهْرٍ، ثُمَّ هِيَ مُسْتَحَاضَةٌ، وَإِلاَّ - بِأَنْ لَمْ يَدُمْ بِصِفَةِ التَّمَيُّزِ بِأَنْ رَجَعَ لأَِصْلِهِ - مَكَثَتْ عَادَتَهَا فَقَطْ وَلاَ اسْتِظْهَارَ (19) .
ب - الاِحْتِيَاطُ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ وَقَضَائِهِ
11 - اتَّفَقَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ عَلَى أَنَّ الْمُتَحَيِّرَةَ تَصُومُ رَمَضَانَ كَامِلاً وُجُوبًا، لاِحْتِمَال طَهَارَتِهَا فِي كُل يَوْمٍ.
وَقَدْ أَجَازَ الشَّافِعِيَّةُ لَهَا صِيَامَ التَّطَوُّعِ خِلاَفًا لِلْحَنَفِيَّةِ حَيْثُ مَنَعُوهَا مِنْهُ.
وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ قَضَاءِ رَمَضَانَ بِنَاءً عَلَى اخْتِلاَفِهِمْ فِي أَكْثَرِ الْحَيْضِ.
فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهَا تَصُومُ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرًا آخَرَ كَامِلاً ثَلاَثِينَ يَوْمًا مُتَوَالِيَةً، فَيَحْصُل لَهَا مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَهَذَا إِذَا كَانَ رَمَضَانُ كَامِلاً، فَإِنْ كَانَ نَاقِصًا فَإِنَّهُ يَحْصُل لَهَا مِنْهُ ثَلاَثَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَيَبْقَى لَهَا يَوْمَانِ سَوَاءٌ كَانَ رَمَضَانُ كَامِلاً أَوْ نَاقِصًا، وَذَلِكَ إِنْ لَمْ تَعْتَدْ الاِنْقِطَاعَ لَيْلاً كَأَنِ اعْتَادَتْهُ نَهَارًا، أَوْ شَكَّتْ لاِحْتِمَال أَنْ تَحِيضَ فِيهِمَا أَكْثَرَ الْحَيْضِ، وَيَطْرَأُ الدَّمُ فِي يَوْمٍ وَيَنْقَطِعُ فِي يَوْمٍ آخَرَ، فَيَفْسُدُ سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا مِنْ كُلٍّ مِنَ الشَّهْرَيْنِ، بِخِلاَفِ مَا إِذَا اعْتَادَتْ الاِنْقِطَاعَ لَيْلاً فَإِنَّهُ لاَ يَبْقَى عَلَيْهَا شَيْءٌ.
وَإِذَا بَقِيَ عَلَيْهَا يَوْمَانِ فَأَكْثَرَ أَوْ أَقَل فَلَهَا فِي قَضَائِهِ طَرِيقَانِ: إِحْدَاهُمَا: طَرِيقَةُ الْجُمْهُورِ: وَتُجْرَى فِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَمَا دُونَهَا، وَذَلِكَ أَنْ تُضَعِّفَ مَا عَلَيْهَا وَتَزِيدَ عَلَيْهِ يَوْمَيْنِ، وَتَقْسِمَ الْجَمِيعَ نِصْفَيْنِ فَتَصُومَ نِصْفَهُ فِي أَوَّل الشَّهْرِ، وَنِصْفَهُ فِي أَوَّل النِّصْفِ الآْخَرِ، وَالْمَقْصُودُ بِالشَّهْرِ هُنَا ثَلاَثُونَ يَوْمًا مَتَى شَاءَتِ ابْتَدَأَتْ، وَعَلَى هَذَا إِذَا أَرَادَتْ صَوْمَ يَوْمَيْنِ فَإِنَّهَا تَصُومُ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثَلاَثَةً أَوَّلَهَا وَثَلاَثَةً مِنْ آخِرِهَا فَيَحْصُل الْيَوْمَانِ لأَِنَّ غَايَةَ مَا يُفْسِدُهُ الْحَيْضُ سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا فَيَحْصُل لَهَا يَوْمَانِ عَلَى كُل تَقْدِيرٍ، لأَِنَّ الْحَيْضَ إِنْ طَرَأَ فِي أَثْنَاءِ الْيَوْمِ الأَْوَّل مِنْ صَوْمِهَا انْقَطَعَ فِي أَثْنَاءِ السَّادِسَ عَشَرَ فَيَحْصُل الْيَوْمَانِ بَعْدَهُ، أَوْ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي انْقَطَعَ فِي السَّابِعَ عَشَرَ فَيَحْصُل الأَْوَّل وَالأَْخِيرُ أَوْ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ فَيَحْصُل الْيَوْمَانِ الأَْوَّلاَنِ، أَوْ فِي الْيَوْمِ السَّادِسَ عَشَرَ انْقَطَعَ الْيَوْمُ الأَْوَّل فَيَحْصُل لَهَا الثَّانِي وَالثَّالِثُ، أَوْ فِي السَّابِعَ عَشَرَ انْقَطَعَ فِي الثَّانِي فَيَحْصُل لَهَا السَّادِسَ عَشَرَ وَالثَّالِثُ، أَوْ فِي الثَّامِنَ عَشَرَ انْقَطَعَ فِي الثَّالِثِ فَيَحْصُل لَهَا السَّادِسَ عَشَرَ وَالسَّابِعَ عَشَرَ.
وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ: طَرِيقَةُ الدَّارِمِيِّ وَاسْتَحْسَنَهَا النَّوَوِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ، وَتُجْرَى فِي سَبْعَةِ أَيَّامٍ فَمَا دُونَهَا، أَنْ تَصُومَ بِقَدْرِ مَا عَلَيْهَا بِزِيَادَةِ يَوْمٍ مُتَفَرِّقٍ بِأَيِّ وَجْهٍ شَاءَتْ فِي خَمْسَةَعَشَرَ، ثُمَّ تُعِيدُ الصَّوْمَ كُل يَوْمٍ غَيْرَ الزِّيَادَةِ يَوْمَ سَابِعَ عَشَرَ، وَلَهَا تَأْخِيرُهُ إِلَى خَامِسَ عَشَرَ ثَانِيَةً، فَيُمْكِنُ قَضَاءُ يَوْمٍ بِصَوْمِ يَوْمٍ، ثُمَّ الثَّالِثُ مِنَ الأَْوَّل، وَالسَّابِعَ عَشَرَ مِنْهُ، لأَِنَّهَا قَدْ صَامَتْ بِقَدْرِ مَا عَلَيْهَا أَوَّلاً بِزِيَادَةِ يَوْمٍ مُتَفَرِّقًا فِي خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَبِقَدْرِ مَا عَلَيْهَا فِي سَابِعَ عَشَرَ فَيَقَعُ لَهَا فِي يَوْمٍ مِنَ الأَْيَّامِ الثَّلاَثِ فِي الطُّهْرِ عَلَى كُل تَقْدِيرٍ.
وَهَذَا فِي غَيْرِ الصَّوْمِ الْمُتَتَابِعِ، أَمَّا الْمُتَتَابِعُ بِنَذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ: فَإِنْ كَانَ سَبْعَةً فَمَا دُونَهَا صَامَتْهُ وَلاَءً تَصُومُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، الثَّالِثَةُ مِنْهَا فِي سَابِعَ عَشَرَ شُرُوعُهَا فِي الصَّوْمِ بِشَرْطِ أَنْ تُفَرِّقَ بَيْنَ كُل مَرَّتَيْنِ مِنَ الثَّلاَثِ بِيَوْمٍ فَأَكْثَرَ حَيْثُ يَتَأَتَّى الأَْكْثَرُ، وَذَلِكَ فِيمَا دُونَ السَّبْعِ فَلِقَضَاءِ يَوْمَيْنِ وَلاَءً تَصُومُ يَوْمًا وَثَانِيَهُ، وَلِسَابِعَ عَشْرَةَ وَثَامِنَ عَشْرَةَ وَيَوْمَيْنِ بَيْنَهُمَا وَلاَءً غَيْرَ مُتَّصِلَيْنِ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّوْمَيْنِ فَتَبْرَأُ، لأَِنَّ الْحَيْضَ إِنْ فُقِدَ فِي الأَْوَّلَيْنِ صَحَّ صَوْمُهُمَا، وَإِنْ وُجِدَ فِيهِمَا صَحَّ الأَْخِيرَانِ إِذْ لَمْ يَفْدِ فِيهِمَا، وَإِلاَّ فَالمُتَوَسِّطَانِ، وَإِنْ وُجِدَ فِي الأَْوَّل دُونَ الثَّانِي صَحَّا - أَيْضًا - أَوْ بِالْعَكْسِ.
فَإِنِ انْقَطَعَ قَبْل السَّابِعَ عَشَرَ صَحَّ مَعَ مَا بَعْدَهُ، وَإِنِ انْقَطَعَ فِيهِ صَحَّ الأَْوَّل وَالثَّامِنَ عَشَرَ، وَتَخَلُّل الْحَيْضِ لاَ يَقْطَعُ الْوَلاَءَ، وَإِنْ كَانَ الصَّوْمُ الَّذِي تَخَلَّلَهُ قَدْرًا يَسَعُ وَقْتَ الطُّهْرِ لِضَرُورَةِ تَحَيُّرِ الْمُسْتَحَاضَةِ،فَإِنْ كَانَ الْمُتَتَابِعُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ فَمَا دُونَهَا صَامَتْ لَهُ سِتَّةَ عَشَرَ وَلاَءً، ثُمَّ تَصُومُ قَدْرَ الْمُتَتَابِعِ أَيْضًا وَلاَءً بَيْنَ أَفْرَادِهِ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ السِّتَّةَ عَشَرَ، فَلِقَضَاءِ ثَمَانِيَةٍ مُتَتَابِعَةٍ تَصُومُ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ وَلاَءً فَتَبْرَأُ إِذِ الْغَايَةُ بُطْلاَنُ سِتَّةَ عَشَرَ، فَيَبْقَى لَهَا ثَمَانِيَةٌ مِنَ الأَْوَّل أَوْ مِنَ الآْخَرِ أَوْ مِنْهُمَا أَوْ مِنَ الْوَسَطِ، وَلِقَضَاءِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ تَصُومُ ثَلاَثِينَ، وَإِنْ كَانَ مَا عَلَيْهَا شَهْرَانِ مُتَتَابِعَانِ صَامَتْ مِائَةً وَأَرْبَعِينَ يَوْمًا وَلاَءً فَتَبْرَأُ، إِذْ يَحْصُل مِنْ كُل ثَلاَثِينَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَيَحْصُل مِنْ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ سِتَّةٌ وَخَمْسُونَ، وَمِنْ عِشْرِينَ الأَْرْبَعَةُ الْبَاقِيَةُ.
وَإِنَّمَا وَجَبَ الْوَلاَءُ لأَِنَّهَا لَوْ فَرَّقَتِ احْتَمَل وُقُوعَ الْفِطْرِ فِي الطُّهْرِ فَيَقْطَعُ الْوَلاَءَ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمُتَحَيِّرَةَ لاَ تُفْطِرُ فِي رَمَضَانَ أَصْلاً، لاِحْتِمَال طَهَارَتِهَا كُل يَوْمٍ ثُمَّ إِنَّ لَهَا حَالاَتٍ، لأَِنَّهَا إِمَّا أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ حَيْضَهَا فِي كُل شَهْرٍ مَرَّةً أَوْ لاَ، وَعَلَى كُلٍّ إِمَّا أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ ابْتِدَاءَ حَيْضِهَا بِاللَّيْل أَوْ بِالنَّهَارِ، أَوْ لاَ تَعْلَمُ، وَعَلَى كُلٍّ إِمَّا أَنْ يَكُونَ الشَّهْرُ كَامِلاً أَوْ نَاقِصًا، وَعَلَى كُلٍّ إِمَّا أَنْ تَقْضِيَ مَوْصُولاً أَوْ مَفْصُولاً.
فَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّ دَوْرَتَهَا فِي كُل شَهْرٍ مَرَّةٌ وَأَنَّ ابْتِدَاءَ حَيْضِهَا بِاللَّيْل أَوِ النَّهَارِ، أَوْ عَلِمَتْ أَنَّهُ بِالنَّهَارِ وَكَانَ شَهْرُ رَمَضَانَ ثَلاَثِينَ يَجِبُ عَلَيْهَاقَضَاءُ اثْنَيْنِ وَثَلاَثِينَ إِنْ قَضَتْ مَوْصُولاً بِرَمَضَانَ، وَثَمَانِيَةٍ وَثَلاَثِينَ إِنْ قَضَتْ مَفْصُولاً، لأَِنَّهَا إِذَا عَلِمَتْ أَنَّ ابْتِدَاءَهُ بِالنَّهَارِ يَكُونُ تَمَامُ حَيْضِهَا فِي الْحَادِي عَشَرَ وَإِذَا لَمْ تَعْلَمْ أَنَّهُ بِاللَّيْل أَوِ النَّهَارِ يُحْمَل عَلَى أَنَّهُ بِالنَّهَارِ أَيْضًا لأَِنَّهُ الأَْحْوَطُ، وَحِينَئِذٍ فَأَكْثَرُ مَا فَسَدَ مِنْ صَوْمِهَا فِي الشَّهْرِ سِتَّةَ عَشَرَ.
إِمَّا أَحَدَ عَشَرَ مِنْ أَوَّلِهِ وَخَمْسَةٌ مِنْ آخِرِهِ أَوْ بِالْعَكْسِ، فَعَلَيْهَا قَضَاءُ ضِعْفِهَا وَذَلِكَ عَلَى احْتِمَال أَنْ تَحِيضَ فِي رَمَضَانَ مَرَّتَيْنِ، وَأَمَّا عَلَى احْتِمَال أَنْ تَحِيضَ مَرَّةً وَاحِدَةً فَإِنَّهُ يَقَعُ لَهَا فِيهِ طُهْرٌ كَامِلٌ وَبَعْضُ طُهْرٍ، وَذَلِكَ بِأَنْ تَحِيضَ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ، وَحِينَئِذٍ فَيَصِحُّ لَهَا صَوْمُ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ فَتُعَامَل بِالأَْضَرِّ احْتِيَاطًا فَتَقْضِي سِتَّةَ عَشَرَ، لَكِنْ لاَ تَتَيَقَّنُ بِصِحَّتِهَا كُلِّهَا إِلاَّ بِقَضَاءِ اثْنَيْنِ وَثَلاَثِينَ، وَالْمُرَادُ بِالْمَوْصُول أَنْ تَبْتَدِئَ مِنْ ثَانِي شَوَّالٍ لأَِنَّ صَوْمَ يَوْمِ الْعِيدِ لاَ يَجُوزُ، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا كَانَ رَمَضَانُ ابْتِدَاءَ حَيْضِهَا، فَيَوْمُ الْفِطْرِ هُوَ السَّادِسُ مِنْ حَيْضِهَا الثَّانِي فَلاَ تَصُومُهُ، ثُمَّ لاَ يُجْزِيهَا صَوْمُ خَمْسَةٍ بَقِيَّةَ حَيْضِهَا ثُمَّ يُجْزِيهَا فِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ، ثُمَّ لاَ يُجْزِيهَا فِي أَحَدَ عَشَرَ، ثُمَّ يُجْزِيهَا فِي يَوْمَيْنِ، وَجُمْلَةُ ذَلِكَ اثْنَانِ وَثَلاَثُونَ، وَإِنَّمَا كَانَ قَضَاءُ ثَمَانِيَةٍ وَثَلاَثِينَ فِي الْمَفْصُول لاِحْتِمَال أَنَّ ابْتِدَاءَ الْقَضَاءِ وَافَقَ أَوَّل يَوْمٍ مِنْ حَيْضِهَا فَلاَ يُجْزِيهَا الصَّوْمُ فِي أَحَدَعَشَرَ، ثُمَّ يُجْزِي فِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ، ثُمَّ لاَ يُجْزِي فِي أَحَدَ عَشَرَ، ثُمَّ يُجْزِي فِي يَوْمَيْنِ، فَالْجُمْلَةُ ثَمَانِيَةٌ وَثَلاَثُونَ يَجِبُ عَلَيْهَا صَوْمُهَا لِتَتَيَقَّنَ بِجَوَازِ سِتَّةَ عَشَرَ مِنْهَا.
قَال ابْنُ عَابِدِينَ فِي شَرْحِ رِسَالَةِ الْبَرْكَوِيِّ: إِنَّهُ لاَ يَلْزَمُ قَضَاءُ ثَمَانِيَةٍ وَثَلاَثِينَ إِلاَّ إِذَا فَرَضْنَا فَسَادَ سِتَّةَ عَشَرَ مِنْ رَمَضَانَ مَعَ فَرْضِ مُصَادَفَةِ أَوَّل الْقَضَاءِ لأَِوَّل الْحَيْضِ حَتَّى لَوْ لَمْ يُمْكِنِ اجْتِمَاعُ الْفَرْضَيْنِ لاَ يَلْزَمُ قَضَاءُ ثَمَانِيَةٍ وَثَلاَثِينَ بَل أَقَل، وَكَأَنَّهُمْ أَرَادُوا طَرْدَ بَعْضِ الْفَصْل بِالتَّسْوِيَةِ تَيْسِيرًا عَلَى الْمُفْتِي وَالْمُسْتَفْتِي بِإِسْقَاطِ مُؤْنَةِ الْحِسَابِ، فَمَتَى قَاسَتْ مُؤْنَتَهُ فَلَهَا الْعَمَل بِالْحَقِيقَةِ.
وَإِنْ كَانَتِ الْمَسْأَلَةُ السَّابِقَةُ بِحَالِهَا وَكَانَ شَهْرُ رَمَضَانَ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ فَإِنَّهَا تَقْضِي فِي الْوَصْل اثْنَيْنِ وَثَلاَثِينَ، وَفِي الْفَصْل سَبْعَةً وَثَلاَثِينَ، وَإِنَّمَا تَقْضِي فِي الْوَصْل اثْنَيْنِ وَثَلاَثِينَ لأَِنَّا تَيَقَّنَّا بِجَوَازِ الصَّوْمِ فِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَبِفَسَادِهِ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ فَيَلْزَمُهَا قَضَاءُ خَمْسَةَ عَشَرَ، ثُمَّ لاَ يَجْزِيهَا الصَّوْمُ فِي سَبْعَةٍ مِنْ أَوَّل شَوَّالٍ لأَِنَّهَا بَقِيَّةُ حَيْضِهَا عَلَى تَقْدِيرِ حَيْضِهَا بِأَحَدَ عَشَرَ، ثُمَّ يُجْزِيهَا فِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَلاَ يُجْزِيهَا فِي أَحَدَ عَشَرَ ثُمَّ يُجْزِيهَا فِي يَوْمٍ.
وَكَانَ قَضَاؤُهَا فِي الْفَصْل سَبْعَةً وَثَلاَثِينَ لِجَوَازِ أَنْ يُوَافِقَ صَوْمُهَا ابْتِدَاءَ حَيْضِهَا فَلاَيُجْزِيهَا فِي أَحَدَ عَشَرَ ثُمَّ يُجْزِيهَا فِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ ثُمَّ لاَ يُجْزِيهَا فِي أَحَدَ عَشَرَ ثُمَّ يُجْزِيهَا فِي يَوْمٍ، وَقَوْل ابْنِ عَابِدِينَ السَّابِقُ يَجْرِي هُنَا أَيْضًا.
وَإِنْ عَلِمَتْ أَنَّ ابْتِدَاءَ حَيْضِهَا بِاللَّيْل وَشَهْرُ رَمَضَانَ ثَلاَثُونَ فَتَقْضِي فِي الْوَصْل وَالْفَصْل خَمْسَةً وَعِشْرِينَ، وَإِنْ كَانَ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ تَقْضِي فِي الْوَصْل عِشْرِينَ وَفِي الْفَصْل أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ، وَإِنَّمَا كَانَ قَضَاؤُهَا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ فِي الْوَصْل وَالْفَصْل، أَمَّا فِي الْوَصْل فَلاِحْتِمَال أَنَّ حَيْضَهَا خَمْسَةً مِنْ أَوَّل رَمَضَانَ بَقِيَّةُ الْحَيْضِ، ثُمَّ طُهْرُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ، ثُمَّ حَيْضُهَا عَشْرَةٌ، فَالْفَاسِدُ خَمْسَةَ عَشَرَ، فَإِذَا قَضَتْهَا مَوْصُولَةً فَيَوْمُ الْعِيدِ أَوَّل طُهْرِهَا وَلاَ تَصُومُهُ، ثُمَّ يُجْزِيهَا الصَّوْمُ فِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ ثُمَّ لاَ يُجْزِي فِي عَشْرَةٍ ثُمَّ يُجْزِي فِي يَوْمٍ وَالْجُمْلَةُ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ، وَإِنْ فُرِضَ أَنَّ حَيْضَهَا عَشَرَةٌ مِنْ أَوَّل رَمَضَانَ وَخَمْسَةٌ مِنْ آخِرِهِ تَصُومُ أَرْبَعَةً مِنْ أَوَّل شَوَّالٍ بَعْدَ يَوْمِ الْفِطْرِ لاَ تُجْزِيهَا لأَِنَّهَا بَقِيَّةُ حَيْضِهَا، ثُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ تُجْزِيهَا، وَالْجُمْلَةُ تِسْعَةَ عَشَرَ، وَالاِحْتِمَال الأَْوَّل أَحْوَطُ فَيَلْزَمُهَا خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ، وَأَمَّا فِي الْفَصْل فَلاِحْتِمَال أَنَّ ابْتِدَاءَ الْقَضَاءِ وَافَقَ أَوَّل يَوْمٍ مِنْ حَيْضِهَا فَلاَ يُجْزِيهَا الصَّوْمُ فِي عَشْرَةٍ ثُمَّ يُجْزِي فِي خَمْسَةَ عَشَرَ، ثُمَّ إِنَّهَا تَقْضِي فِي الْوَصْل عِشْرِينَ إِنْ كَانَ رَمَضَانُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ، لأَِنَّهَا يُحْتَمَل أَنْتَحِيضَ خَمْسَةً مِنْ أَوَّل رَمَضَانَ وَتِسْعَةً مِنْ آخِرِهِ، أَوْ عَشْرَةً مِنْ أَوَّلِهِ وَأَرْبَعَةً مِنْ آخِرِهِ، فَالْفَاسِدُ فِيهِمَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَيُحْتَمَل أَنْ تَحِيضَ فِي أَثْنَائِهِ كَأَنْ حَاضَتْ لَيْلَةَ السَّادِسِ وَطَهُرَتْ لَيْلَةَ السَّادِسَ عَشَرَ وَالْفَاسِدُ فِيهِ عَشْرَةٌ، فَعَلَى الأَْوَّل يَكُونُ أَوَّل الْقَضَاءِ وَهُوَ ثَانِي شَوَّالٍ أَوَّل طُهْرِهَا فَتَصُومُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَتُجْزِيهَا، وَعَلَى الثَّانِي يَكُونُ ثَانِي شَوَّالٍ سَادِسَ يَوْمٍ مِنْ حَيْضِهَا فَتَصُومُ خَمْسَةً لاَ تُجْزِيهَا، ثُمَّ أَرْبَعَةَ عَشَرَ فَتُجْزِيَهَا، وَالْجُمْلَةُ تِسْعَةَ عَشَرَ، وَعَلَى الثَّالِثِ يَكُونُ أَوَّل الْقَضَاءِ أَوَّل الْحَيْضِ فَتَصُومُ عَشَرَةً لاَ تُجْزِي ثُمَّ عَشْرَةً مِنَ الطُّهْرِ فَتُجْزِيهَا عَنِ الْعَشْرَةِ الَّتِي عَلَيْهَا وَالْجُمْلَةُ عِشْرُونَ، فَعَلَى الأَْوَّل يُجْزِيهَا قَضَاءُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ، وَعَلَى الثَّانِي تِسْعَةَ عَشَرَ، وَعَلَى الثَّالِثِ عِشْرِينَ فَتَلْزَمُهَا احْتِيَاطًا، كَمَا أَنَّهَا تَقْضِي فِي الْفَصْل أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ لاِحْتِمَال أَنَّ الْفَاسِدَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَأَنَّ الْقَضَاءَ وَافَقَ أَوَّل يَوْمٍ مِنْ حَيْضِهَا فَتَصُومُ عَشَرَةً لاَ تُجْزِي ثُمَّ أَرْبَعَةَ عَشَرَ تُجْزِي وَالْجُمْلَةُ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ.
وَإِنْ عَلِمَتْ أَنَّ حَيْضَهَا فِي كُل شَهْرٍ مَرَّةٌ وَعَلِمَتْ أَنَّ ابْتِدَاءَهُ بِالنَّهَارِ أَوْ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّهُ بِالنَّهَارِ فَإِنَّهَا تَقْضِي اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ مُطْلَقًا بِالْوَصْل وَالْفَصْل، لأَِنَّهُ إِذَا كَانَ بِالنَّهَارِ يَفْسُدُ مِنْ صَوْمِهَا أَحَدَ عَشَرَ، فَإِذَا قَضَتْ مُطْلَقًا احْتَمَل أَنْ يُوَافِقَ أَوَّل الْقَضَاءِ أَوَّل الْحَيْضِفَتَصُومُ أَحَدَ عَشَرَ لاَ تُجْزِئُ ثُمَّ أَحَدَ عَشَرَ تُجْزِئُ، وَالْجُمْلَةُ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ تَخْرُجُ بِهَا عَنِ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ.
وَإِنْ عَلِمَتْ أَنَّ ابْتِدَاءَهُ بِاللَّيْل تَقْضِي عِشْرِينَ مُطْلَقًا، لأَِنَّ الْفَاسِدَ مِنْ صَوْمِهَا عَشْرَةٌ فَتَقْضِي ضِعْفَهَا لاِحْتِمَال مُوَافَقَةِ الْقَضَاءِ أَوِ الْحَيْضِ، وَصَلَتْ أَوْ فَصَلَتْ، هَذَا كُلُّهُ إِنْ لَمْ تَعْلَمِ الْمَرْأَةُ عَدَدَ أَيَّامِهَا فِي الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ.
أَمَّا إِنْ عَلِمَتْ أَنَّ حَيْضَهَا فِي كُل شَهْرٍ تِسْعَةٌ وَطُهْرَهَا بَقِيَّةُ الشَّهْرِ، وَعَلِمَتْ أَنَّ ابْتِدَاءَهُ بِاللَّيْل، فَإِنَّهَا تَقْضِي ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مُطْلَقًا وَصَلَتْ أَوْ فَصَلَتْ، وَإِنْ لَمْ تَعْلَمِ ابْتِدَاءَهُ أَوْ عَلِمَتْ أَنَّهُ بِالنَّهَارِ فَإِنَّهَا تَقْضِي عِشْرِينَ مُطْلَقًا، لأَِنَّ أَكْثَرَ مَا فَسَدَ مِنْ صَوْمِهَا فِي الْوَجْهِ الأَْوَّل تِسْعَةٌ وَفِي الثَّانِي عَشَرَةٌ، فَتَقْضِي ضِعْفَ ذَلِكَ، لاِحْتِمَال اعْتِرَاضِ الْحَيْضِ فِي أَوَّل يَوْمٍ مِنَ الْقَضَاءِ.
وَإِنْ عَلِمَتْ أَنَّ حَيْضَهَا ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ وَنَسِيَتْ طُهْرَهَا فَإِنَّهُ يُحْمَل طُهْرُهَا عَلَى الأَْقَل خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، ثُمَّ إِنْ كَانَ رَمَضَانُ تَامًّا وَعَلِمَتِ ابْتِدَاءَ حَيْضِهَا بِاللَّيْل فَإِنَّهَا تَقْضِي تِسْعَةً مُطْلَقًا، وَصَلَتْ أَوْ فَصَلَتْ، لأَِنَّهُ يُحْتَمَل أَنَّهَا حَاضَتْ فِي أَوَّل رَمَضَانَ ثَلاَثَةً ثُمَّ طَهُرَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ، ثُمَّ حَاضَتْ ثَلاَثَةً ثُمَّ طَهُرَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ، فَقَدْ فَسَدَ مِنْ صَوْمِهَا سِتَّةٌ، فَإِذَا وَصَلَتِ الْقَضَاءَ جَازَ لَهَا بَعْدَ الْفِطْرِ خَمْسَةٌ ثُمَّتَحِيضُ ثَلاَثَةً فَتَفْسُدُ، ثُمَّ تَصُومُ يَوْمًا فَتَصِيرُ تِسْعَةً، وَإِذَا فَصَلَتِ احْتَمَل اعْتِرَاضَ الْحَيْضِ فِي أَوَّل يَوْمِ الْقَضَاءِ، فَيَفْسُدُ صَوْمُهَا فِي ثَلاَثَةٍ ثُمَّ يَجُوزُ فِي سِتَّةٍ فَتَصِيرُ تِسْعَةً، وَأَمَّا إِذَا كَانَ رَمَضَانُ نَاقِصًا فَإِذَا وَصَلَتْ جَازَ لَهَا بَعْدَ الْفِطْرِ سِتَّةٌ تَكْفِيهَا، وَأَمَّا إِذَا فَصَلَتْ فَتَقْضِي تِسْعَةً كَمَا فِي التَّمَامِ.
وَإِنْ لَمْ تَعْلَمِ ابْتِدَاءَهُ، أَوْ عَلِمَتْ أَنَّهُ بِالنَّهَارِ فَإِنَّهَا تَقْضِي اثْنَيْ عَشَرَ مُطْلَقًا، لأَِنَّهُ يُحْتَمَل أَنَّهَا حَاضَتْ فِي أَوَّل رَمَضَانَ فَيَفْسُدُ صَوْمُهَا فِي أَرْبَعَةٍ ثُمَّ يَجُوزُ فِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ ثُمَّ يَفْسُدُ فِي أَرْبَعَةٍ فَقَدْ فَسَدَ ثَمَانِيَةٌ، فَإِذَا قَضَتْ مَوْصُولاً جَازَ بَعْدَ يَوْمِ الْفِطْرِ خَمْسَةٌ تَكْمِلَةَ طُهْرِهَا الثَّانِي، ثُمَّ يَفْسُدُ أَرْبَعَةٌ ثُمَّ يَجُوزُ ثَلاَثَةٌ تَمَامَ الاِثْنَيْ عَشَرَ، وَإِذَا فَصَلَتِ احْتَمَل عُرُوضَ الْحَيْضِ فِي أَوَّل الْقَضَاءِ، فَيَفْسُدُ فِي أَرْبَعَةٍ ثُمَّ يَجُوزُ فِي ثَمَانِيَةٍ وَالْجُمْلَةُ اثْنَا عَشَرَ، وَأَمَّا إِذَا كَانَ رَمَضَانُ نَاقِصًا فَإِذَا وَصَلَتْ جَازَ بَعْدَ يَوْمِ الْفِطْرِ سِتَّةٌ تَكْمِلَةَ طُهْرِهَا الثَّانِي، ثُمَّ يَفْسُدُ أَرْبَعَةٌ، ثُمَّ يَجُوزُ يَوْمَانِ تَمَامَ الاِثْنَيْ عَشَرَ، وَإِذَا فَصَلَتِ احْتَمَل عُرُوضَ الْحَيْضِ فِي أَوَّل الْقَضَاءِ فَيَفْسُدُ فِي أَرْبَعَةٍ ثُمَّ يَجُوزُ فِي ثَمَانِيَةٍ فَالْجُمْلَةُ اثْنَا عَشَرَ (20) . وَأَمَّا مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ فِي الْمَوْضُوعِ فَقَدْ سَبَقَ تَفْصِيلُهُ عِنْدَ الْكَلاَمِ عَنِ الاِحْتِيَاطِ فِي الطَّهَارَةِ وَالصَّلاَةِ.
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: النَّاسِيَةُ لِوَقْتِهَا وَعَدَدِهَا تَجْلِسُ فِي كُل شَهْرٍ سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةً يَكُونُ ذَلِكَ حَيْضَهَا ثُمَّ تَغْتَسِل وَهِيَ فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ مُسْتَحَاضَةٌ تَصُومُ وَتُصَلِّي وَتَطُوفُ، وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهَا تَجْلِسُ أَقَل الْحَيْضِ.
ثُمَّ إِنْ كَانَتْ تَعْرِفُ شَهْرَهَا وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلشَّهْرِ الْمَعْرُوفِ جَلَسَتْ ذَلِكَ مِنْ شَهْرِهَا، وَإِنْ لَمْ تَعْرِفْ شَهْرَهَا جَلَسَتْ مِنَ الشَّهْرِ الْمَعْرُوفِ لأَِنَّهُ الْغَالِبُ (21) .
ج - الاِحْتِيَاطُ فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ
12 - اتَّفَقَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْمَشْهُورِ إِلَى أَنَّ الْمُتَحَيِّرَةَ يَحْرُمُ عَلَيْهَا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فِي غَيْرِ الصَّلاَةِ لاِحْتِمَال الْحَيْضِ، وَأَمَّا فِي الصَّلاَةِ فَأَجَازَ الشَّافِعِيَّةُ لَهَا أَنْ تَقْرَأَ الْقُرْآنَ مُطْلَقًا فَاتِحَةً أَوْ غَيْرَهَا.
وَمَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ أَنَّهَا تَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وَسُورَةً قَصِيرَةً فِي كُل رَكْعَةٍ مِنَ الْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ إِلاَّ الأَْخِيرَةَ أَوِ الأَْخِيرَتَيْنِ مِنَ الْفَرْضِ، فَلاَ تَقْرَأُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ السُّورَةَ بَل تَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ فَقَطْ لِوُجُوبِهَا، كَمَا صَرَّحُوا بِجَوَازِ قِرَاءَتِهَا لِلْقُنُوتِ، قَال ابْنُ عَابِدِينَ: وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِلإِْجْمَاعِ الْقَطْعِيِّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْآنٍ، وَكَذَا تُقْرَأُ سَائِرُ الدَّعَوَاتِ وَالأَْذْكَارِ.
وَمُقَابِل الْمَشْهُورِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهَا تُبَاحُ لَهَا الْقِرَاءَةُ مُطْلَقًا خَوْفَ النِّسْيَانِ بِخِلاَفِ الْجُنُبِ لِقِصَرِ زَمَنِ الْجَنَابَةِ.
وَقِيل: تَحْرُمُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلاَةِ كَالْجُنُبِ الْفَاقِدِ لِلطَّهُورَيْنِ.
كَمَا اتَّفَقَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْمَشْهُورِ إِلَى حُرْمَةِ مَسِّهَا لِلْمُصْحَفِ، وَزَادَ الشَّافِعِيَّةُ حَمْلَهُ بِطَرِيقِ الأَْوْلَى (22) .
وَقَال ابْنُ جُزَيٍّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: لاَ تَمْنَعُ الاِسْتِحَاضَةُ شَيْئًا مِمَّا يَمْنَعُ مِنْهُ الْحَيْضُ (23) .
د - الاِحْتِيَاطُ فِي دُخُول الْمَسْجِدِ وَالطَّوَافِ
13 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمُتَحَيِّرَةَ لاَ يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَدْخُل الْمَسْجِدَ.
وَأَجَازَ الشَّافِعِيَّةُ لَهَا أَنْ تَدْخُل الْمَسْجِدَ وَتُصَلِّيَ فِيهِ لَكِنْ يَحْرُمُ عَلَيْهَا أَنْ تَمْكُثَ فِيهِ، قَال فِي الْمُهِمَّاتِ: وَهُوَ مُتَّجَهٌ إِنْ كَانَ لِغَرَضِ دُنْيَوِيٍّ أَوْ لاَ لِغَرَضٍ، وَمَحَل ذَلِكَ إِنْ أَمِنَتِ التَّلْوِيثَ.
وَأَمَّا الطَّوَافُ فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهَا لاَ تَطُوفُ إِلاَّ لِلزِّيَارَةِ وَالْوَدَاعِ، أَمَّا الزِّيَارَةُ فَلأَِنَّهُ رُكْنُ الْحَجِّ فَلاَ يُتْرَكُ لاِحْتِمَال الْحَيْضِ، وَأَمَّا الْوَدَاعُ فَلأَِنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى غَيْرِ الْمَكِّيِّ، ثُمَّ إِنَّهَا تُعِيدُ طَوَافَ الزِّيَارَةِ دُونَ الْوَدَاعِ بَعْدَ عَشْرَةِ أَيَّامٍ لِيَقَعَ أَحَدُهُمَا فِي طُهْرٍ بِيَقِينٍ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ لَهَا أَنْ تَطُوفَ مُطْلَقًا فَرْضًا أَوْ نَفْلاً وَكَيْفِيَّةُ طَوَافِهَا أَنْ تَفْعَلَهُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ بِشَرْطِ الإِْمْهَال كَمَا فِي الصَّوْمِ، فَإِذَا أَرَادَتْ طَوَافًا وَاحِدًا أَوْ عَدَدًا اغْتَسَلَتْ وَطَافَتْ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ وَصَلَّتْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ تُمْهِل قَدْرًا يَسَعُ مِثْل طَوَافِهَا وَغَسْلِهِ وَرَكْعَتَيْهِ ثُمَّ تَفْعَل ذَلِكَ ثَانِيَةً، ثُمَّ تُمْهِل حَتَّى يَمْضِيَ تَمَامُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا مِنْ أَوَّل اشْتِغَالِهَا بِغُسْل الطَّوَافِ الأَْوَّل، وَتُمْهِل بَعْدَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ لَحْظَةً تَسَعُ الْغُسْل وَالطَّوَافَ وَرَكْعَتَيْهِ وَيَكُونُ قَدْرَ الإِْمْهَال الأَْوَّل، ثُمَّ تَغْتَسِل وَتَطُوفُ وَتُصَلِّي رَكْعَتَيْهِ مَرَّةً ثَالِثَةً، وَالْغُسْل وَاجِبٌ فِي كُل مَرَّةٍ لِلطَّوَافِ.
وَأَمَّا الرَّكْعَتَانِ فَإِنْ قُلْنَا هُمَا سُنَّةٌ كَفَى لَهَا غُسْل الطَّوَافِ وَإِنْ قُلْنَا وَاجِبَتَانِ فَثَلاَثَةُ أَوْجُهٍ:
الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ: يَجِبُ لِلصَّلاَةِ وُضُوءٌ لاَ تَجْدِيدُ غُسْلٍ،
وَالثَّانِي: لاَ يَجِبُ تَجْدِيدُ غُسْلٍ وَلاَ وُضُوءٌ لأَِنَّهَا تَابِعَةٌ لِلطَّوَافِ كَجُزْءٍ مِنْهُ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُتَوَلِّي.وَالثَّالِثُ: يَجِبُ تَجْدِيدُ الْغُسْل حَكَاهُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ (24) .
هـ - الاِحْتِيَاطُ فِي الْوَطْءِ وَالْعِدَّةِ
- اتَّفَقَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ وَطْءُ الْمُتَحَيِّرَةِ لاِحْتِمَال الْحَيْضِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ قَوْلٌ ضَعِيفٌ بِأَنَّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ، لأَِنَّ الاِسْتِحَاضَةَ عِلَّةٌ مُزْمِنَةٌ وَالتَّحْرِيمُ دَائِمًا مُوقِعٌ فِي الْفَسَادِ.
وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ، إِذْ إِنَّهُمْ يَرَوْنَ عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ لاَ يُبَاحُ وَطْؤُهَا حَتَّى وَلَوْ لَمْ تَكُنْ مُتَحَيِّرَةً إِلاَّ أَنْ يَخَافَ الزَّوْجُ عَلَى نَفْسِهِ، لأَِنَّ بِهَا أَذًى فَيَحْرُمُ وَطْؤُهَا كَالْحَائِضِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَنَعَ وَطْءَ الْحَائِضِ مُعَلِّلاً بِالأَْذَى بِقَوْلِهِ: {قُل هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} أَمَرَ بِاعْتِزَالِهِنَّ عَقِيبَ الأَْذَى مَذْكُورًا بِفَاءِ التَّعْقِيبِ، وَلأَِنَّ الْحُكْمَ إِذَا ذُكِرَ مَعَ وَصْفٍ يَقْتَضِيهِ وَيَصْلُحُ لَهُ عُلِّل بِهِ، وَالأَْذَى يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً فَيُعَلَّل بِهِ، وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ فَيَثْبُتُ التَّحْرِيمُ فِي حَقِّهَا (25) . نَفَقَةُ الْمُتَحَيِّرَةِ
15 - قَال الشَّافِعِيَّةُ: يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ نَفَقَةُ زَوْجَتِهِ الْمُتَحَيِّرَةِ، وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَيْهِ: الْغَزَالِيُّ فِي الْخُلاَصَةِ (26) .
وَهَذَا مَا يُؤْخَذُ مِنْ عِبَارَاتِ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، فَقَدْ نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي إِيجَابِ النَّفَقَةِ احْتِبَاسٌ يَنْتَفِعُ بِهِ الزَّوْجُ بِالْوَطْءِ أَوْ بِدَوَاعِيهِ (27) ، وَالثَّانِي مَوْجُودٌ فِي الْمُتَحَيِّرَةِ، وَمِنْ هَذَا الْمُنْطَلَقِ فَإِنَّهُمْ أَوْجَبُوا نَفَقَةَ الرَّتْقَاءِ وَالْقَرْنَاءِ (28) .
وَقَال ابْنُ قُدَامَةَ: إِنْ بَذَلَتِ الرَّتْقَاءُ أَوِ الْحَائِضُ أَوِ النُّفَسَاءُ أَوِ النِّضْوَةُ الْخَلْقِ الَّتِي لاَ يُمْكِنُ وَطْؤُهَا أَوِ الْمَرِيضَةُ تَسْلِيمَ نَفْسِهَا لَزِمَتْهُ نَفَقَتُهَا، وَإِنْ حَدَثَ بِهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَمْ تَسْقُطْ نَفَقَتُهَا لأَِنَّ الاِسْتِمْتَاعَ مُمْكِنٌ وَلاَ تَفْرِيطَ مِنْ جِهَتِهَا (29) .
وَالْمَالِكِيَّةُ تَخْرُجُ الْمُتَحَيِّرَةُ عِنْدَهُمْ مِنْ تَحَيُّرِهَا بِاسْتِيفَاءِ تَمَامِ حَيْضِهَا بِنِصْفِ شَهْرٍ أَوْ بِالاِسْتِظْهَارِ ثُمَّ هِيَ مُسْتَحَاضَةٌ وَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ طَاهِرٌ تَصُومُ وَتُصَلِّي وَتُوطَأُ (30) فَتَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ لأَِنَّ شُرُوطَ وُجُوبِ النَّفَقَةِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ هِيَ: السَّلاَمَةُ مِنَ الإِْشْرَافِ عَلَى الْمَوْتِ، وَبُلُوغُ الزَّوْجِ، وَإِطَاقَةُ الزَّوْجَةِ لِلْوَطْءِ (31) وَالْمُسْتَحَاضَةُ صَالِحَةٌ لِلْوَطْءِ.
عِدَّةُ الْمُتَحَيِّرَةِ
16 - ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْصَحِّ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ وَالْحَنَفِيَّةُ فِي قَوْلٍ وَعِكْرِمَةُ وَقَتَادَةُ وَأَبُو عُبَيْدٍ إِلَى أَنَّ الْمُتَحَيِّرَةَ تَعْتَدُّ بِثَلاَثَةِ أَشْهُرٍ لاِشْتِمَال كُل شَهْرٍ عَلَى طُهْرٍ وَحَيْضٍ غَالِبًا، وَلِعِظَمِ مَشَقَّةِ الاِنْتِظَارِ إِلَى سِنِّ الْيَأْسِ، وَلأَِنَّهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مُرْتَابَةٌ (32) ، فَدَخَلَتْ فِي قَوْله تَعَالَى: {إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ} ، وَلأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَمَرَ حَمْنَةَ بِنْتَ جَحْشٍ ﵂ أَنْ تَجْلِسَ فِي كُل شَهْرٍ سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةً (33) فَجَعَل لَهَا حَيْضَةً فِي كُل شَهْرٍ تَتْرُكُ فِيهَا الصَّلاَةَ وَالصِّيَامَ وَيَثْبُتُ فِيهَا سَائِرُ أَحْكَامِ الْحَيْضِ فَيَجِبُ أَنْ تَنْقَضِيَ بِهِ الْعِدَّةُ، لأَِنَّ ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِ الْحَيْضِ (34) .
وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ إِنْ بَقِيَ مِنَ الشَّهْرِ الَّذِي طَلُقَتْ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا عُدَّتِ الْبَقِيَّةُ قُرْءًا لاِشْتِمَالِهَا عَلَى طُهْرٍ لاَ مَحَالَةَ، وَتَعْتَدُّ بَعْدَهُ بِهِلاَلَيْنِ، فَإِنْ بَقِيَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَأَقَل لَمْ تُحْتَسَبْ تِلْكَ الْبَقِيَّةُ لاِحْتِمَال أَنَّهَا حَيْضٌ فَتَبْتَدِئُ الْعِدَّةَ مِنَ الْهِلاَل؛
لأَِنَّ الأَْشْهُرَ لَيْسَتْ مُتَأَصِّلَةً فِي حَقِّ الْمُتَحَيِّرَةِ، وَإِنَّمَا حُسِبَ كُل شَهْرٍ فِي حَقِّهَا قُرْءًا لاِشْتِمَالِهِ عَلَى حَيْضٍ وَطُهْرٍ غَالِبًا بِخِلاَفِ مَنْ لَمْ تَحِضْ وَالآْيِسَةِ حَيْثُ يُكْمِلاَنِ الْمُنْكَسِرَ.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: إِنَّ هَذَا فِي شَأْنِ الْمُتَحَيِّرَةِ الَّتِي لَمْ تَحْفَظْ قَدْرَ دَوْرَتِهَا، أَمَّا إِذَا حَفِظَتْ قَدْرَ الأَْدْوَارِ فَإِنَّهَا تَعْتَدُّ بِثَلاَثَةٍ مِنْهَا، سَوَاءٌ أَكَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثَةِ أَشْهُرٍ أَمْ أَقَل لاِشْتِمَالِهَا عَلَى ثَلاَثَةِ أَطْهَارٍ، وَكَذَا لَوْ شَكَّتْ فِي قَدْرِ أَدْوَارِهَا وَلَكِنَّهَا قَالَتْ: أَعْلَمُ أَنَّهَا لاَ تُجَاوِزُ سَنَةً مَثَلاً: أَخَذَتْ بِالأَْكْثَرِ وَتَجْعَل السَّنَةَ دَوْرَهَا، ذَكَرَهُ الدَّارِمِيُّ وَوَافَقَهُ النَّوَوِيُّ.
وَقِيل: تَعْتَدُّ الْمُتَحَيِّرَةُ بِمَا ذُكِرَ بَعْدَ الْيَأْسِ لأَِنَّهَا قَبْلَهُ مُتَوَقِّعَةٌ لِلْحَيْضِ الْمُسْتَقِيمِ.
وَأَضَافُوا: إِنَّ مَحَل الْخِلاَفِ الْمَذْكُورِ فِي الْمُتَحَيِّرَةِ بِالنِّسْبَةِ لِتَحْرِيمِ نِكَاحِهَا، أَمَّا الرَّجْعَةُ وَحَقُّ السُّكْنَى، فَإِلَى ثَلاَثَةِ أَشْهُرٍ فَقَطْ قَطْعًا (35) .
وَقَال ابْنُ الْهُمَامِ: اعْلَمْ أَنَّ إِطْلاَقَهُمْ فِي الاِنْقِضَاءِ بِثَلاَثَةِ أَشْهُرٍ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ النَّاسِيَةِ لِعَادَتِهَا لاَ يَصِحُّ إِلاَّ فِيمَا إِذَا طَلَّقَهَا أَوَّل الشَّهْرِ، أَمَّا لَوْ طَلَّقَهَا بَعْدَمَا مَضَى مِنَ الشَّهْرِ قَدْرُ مَا يَصِحُّ حَيْضَةً يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ غَيْرَ بَاقِي هَذَا الشَّهْرِ وَالْوَجْهُ ظَاهِرٌ (36) .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي قَوْلٍ وَإِسْحَاقُ إِلَى أَنَّ الْمُتَحَيِّرَةَ تَعْتَدُّ سَنَةً بِمَنْزِلَةِ مَنْ رُفِعَتْ حَيْضَتُهَا لاَ تَدْرِي مَا رَفَعَهَا (37) ، قَال أَحْمَدُ: إِذَا كَانَتْ قَدِ اخْتَلَطَتْ وَلَمْ تَعْلَمْ إِقْبَال الدَّمِ وَإِدْبَارَهُ اعْتَدَّتْ لِمَا وَرَدَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَال فِي رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَحَاضَتْ حَيْضَةً أَوْ حَيْضَتَيْنِ فَارْتَفَعَ حَيْضُهَا لاَ تَدْرِي مَا رَفَعَهُ؟ تَجْلِسُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ، فَإِذَا لَمْ يَسْتَبِنْ بِهَا حَمْلٌ تَعْتَدُّ بِثَلاَثَةِ أَشْهُرٍ فَذَلِكَ سَنَةٌ (38) .
وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّ الْمُتَحَيِّرَةَ تَعْتَدُّ بِتِسْعَةِ أَشْهُرٍ اسْتِبْرَاءً لِزَوَال الرِّيبَةِ لأَِنَّهَا مُدَّةُ الْحَمْل غَالِبًا ثُمَّ تَعْتَدُّ بِثَلاَثَةِ أَشْهُرٍ، وَتَحِل بَعْدَ السَّنَةِ، حُرَّةً كَانَتْ أَمْ أَمَةً، وَقِيل: إِنَّ السَّنَةَ كُلَّهَا عِدَّةٌ، قَال الدُّسُوقِيُّ: وَالصَّوَابُ أَنَّ الْخِلاَفَ لَفْظِيٌّ (39) .
وَالْمُفْتَى بِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الْمُتَحَيِّرَةَ تَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِسَبْعَةِ أَشْهُرٍ، قَال ابْنُ عَابِدِينَ: وَأَمَّا مُمْتَدَّةُ الْحَيْضِ أَيْ مُمْتَدَّةُ الدَّمِ أَوِ الْمُسْتَحَاضَةُ، وَالْمُرَادُ بِهَا الْمُتَحَيِّرَةُ الَّتِي نَسِيَتْ عَادَتَهَا، فَالْمُفْتَى بِهِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ تَقْدِيرُ طُهْرِهَا بِشَهْرَيْنِ فَسِتَّةُ أَشْهُرٍ لِلأَْطْهَارِ، وَثَلاَثُ حِيَضٍ بِشَهْرٍ احْتِيَاطًا قَال ابْنُ عَابِدِينَ حَاصِلُهُ: أَنَّ الْمُتَحَيِّرَةَ تَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِسَبْعَةِ أَشْهُرٍ (40) .
وَيَرَى الْمَيْدَانِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ - وَعَلَيْهِ الأَْكْثَرُ - أَنَّ الْمُتَحَيِّرَةَ يُقَدَّرُ حَيْضُهَا بِعَشَرَةٍ وَطُهْرُهَا بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ إِلاَّ سَاعَةً فَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِتِسْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا وَعَشَرَةِ أَيَّامٍ غَيْرَ أَرْبَعِ سَاعَاتٍ، لاِحْتِمَال أَنَّ الطَّلاَقَ كَانَ بَعْدَ سَاعَةٍ مِنْ حَيْضِهَا فَلاَ تَحْسِبُ هَذِهِ الْحَيْضَةَ وَذَلِكَ عَشَرَةُ أَيَّامٍ إِلاَّ سَاعَةً، ثُمَّ يُحْتَاجُ إِلَى ثَلاَثَةِ أَطْهَارٍ وَثَلاَثِ حِيَضٍ (41) .
وَقَال فِي عُمَدِ الأَْدِلَّةِ: الْمُسْتَحَاضَةُ النَّاسِيَةُ لِوَقْتِ حَيْضِهَا تَعْتَدُّ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ (42) .
وَقَال ابْنُ قُدَامَةَ: يَنْبَغِي أَنْ يُقَال: إِنَّنَا مَتَى حَكَمْنَا بِأَنَّ حَيْضَهَا سَبْعَةُ أَيَّامٍ مِنْ كُل شَهْرٍ فَمَضَى لَهَا شَهْرَانِ بِالْهِلاَل وَسَبْعَةُ أَيَّامٍ مِنْ أَوَّل الثَّالِثِ فَقَدِ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، وَإِنْ قُلْنَا الْقُرُوءُ الأَْطْهَارُ فَطَلَّقَهَا فِي آخِرِ شَهْرٍ ثُمَّ مَرَّ لَهَا شَهْرَانِ وَهَل الثَّالِثُ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا (43) .
ثَانِيًا: الْمُتَحَيِّرَةُ فِي النِّفَاسِ
- يَجِبُ عَلَى كُل امْرَأَةٍ حِفْظُ عَادَتِهَا فِي الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ عَدَدًا وَمَكَانًا (44) فَإِنْ أَضَلَّتْ عَادَتَهَا فِي النِّفَاسِ وَلَمْ يُجَاوِزِ الدَّمُ أَرْبَعِينَ، فَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ كُلَّهُ نِفَاسٌ كَيْفَ كَانَتْ عَادَتُهَا وَتَتْرُكُ الصَّلاَةَ وَالصَّوْمَ، فَلاَ تَقْضِي شَيْئًا مِنَ الصَّلاَةِ بَعْدَ الأَْرْبَعِينَ.
فَإِنْ جَاوَزَ الأَْرْبَعِينَ تَتَحَرَّى، فَإِنْ لَمْ يَغْلِبْ ظَنُّهَا عَلَى شَيْءٍ مِنَ الأَْرْبَعِينَ أَنَّهُ كَانَ عَادَةً لَهَا قَضَتْ صَلاَةَ الأَْرْبَعِينَ لِجَوَازِ أَنَّ نِفَاسَهَا كَانَ سَاعَةً، وَلأَِنَّهَا لَمْ تَعْلَمْ كَمْ عَادَتُهَا حَتَّى تُرَدَّ إِلَيْهَا عِنْدَ الْمُجَاوَزَةِ عَلَى الأَْكْثَرِ، فَإِنْ قَضَتْهَا فِي حَال اسْتِمْرَارِ الدَّمِ تُعِيدُ بَعْدَ عَشَرَةِ أَيَّامٍ لاِحْتِمَال حُصُول الْقَضَاءِ أَوَّل مَرَّةٍ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ، وَالاِحْتِيَاطُ فِي الْعِبَادَاتِ وَاجِبٌ.
قَال ابْنُ عَابِدِينَ: لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ حُكْمَ صَوْمِهَا إِذَا أَضَلَّتْ عَادَتَهَا فِي النِّفَاسِ وَالْحَيْضِ مَعًا، وَتَخْرِيجُهُ عَلَى مَا مَرَّ أَنَّهَا إِذَا وَلَدَتْ أَوَّل لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ وَكَانَ الشَّهْرُ كَامِلاً، وَعَلِمَتْ أَنَّ حَيْضَهَا يَكُونُ بِاللَّيْل أَيْضًا تَصُومُ رَمَضَانَ لاِحْتِمَال أَنَّ نِفَاسَهَا سَاعَةٌ، ثُمَّ إِذَا قَضَتْ مَوْصُولاً تَقْضِي تِسْعَةً وَأَرْبَعِينَ لأَِنَّهَا تُفْطِرُ يَوْمَ الْعِيدِ ثُمَّ تَصُومُ تِسْعَةً يُحْتَمَل أَنَّهَا تَمَامُ نِفَاسِهَا فَلاَ تُجْزِيهَا ثُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ وَهِيَ طُهْرٌ فَتُجْزِي، ثُمَّ عَشَرَةً تَحْتَمِل الْحَيْضَ فَلاَ تُجْزِي، ثُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ هِيَ طُهْرٌ فَتُجْزِي، وَالْجُمْلَةُ تِسْعَةٌ وَأَرْبَعُونَ صَحَّ مِنْهَا ثَلاَثُونَ.
وَلَوْ وَلَدَتْ نَهَارًا وَعَلِمَتْ أَنَّ حَيْضَهَا بِالنَّهَارِ أَوْ لَمْ تَعْلَمْ تَقْضِي اثْنَيْنِ وَسِتِّينَ لأَِنَّهَا تُفْطِرُ يَوْمَ الْعِيدِ، ثُمَّ تَصُومُ عَشَرَةً لاَ تُجْزِئُ لاِحْتِمَال أَنَّهَا آخِرُ نِفَاسِهَا ثُمَّ تَصُومُ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا يُجْزِيهَا مِنْهَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَلاَ تُجْزِي أَحَدَ عَشَرَ، ثُمَّ تَصُومُ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ كَذَلِكَ فَقَدْ صَحَّ لَهَا فِي الطُّهْرَيْنِ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ، ثُمَّ تَصُومُ يَوْمَيْنِ تَمَامَ الثَّلاَثِينَ، وَالْجُمْلَةُ اثْنَانِ وَسِتُّونَ.
وَعَلَى هَذَا يُسْتَخْرَجُ حُكْمُ مَا إِذَا قَضَتْهُ مَفْصُولاً وَمَا إِذَا كَانَ الشَّهْرُ نَاقِصًا وَمَا إِذَا عَلِمَتْ عَدَدَ أَيَّامِ حَيْضِهَا فَقَطْ (45) .
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ عَلَى الْمَشْهُورِ أَنَّ أَكْثَرَ زَمَنِ النِّفَاسِ إِذَا تَمَادَى مُتَّصِلاً أَوْ مُنْقَطِعًا سِتُّونَ يَوْمًا ثُمَّ هِيَ مُسْتَحَاضَةٌ وَلاَ تُسْتَظْهَرُ عَلَى السِّتِّينَ كَبُلُوغِ الْحَيْضِ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَقَال الْخَرَشِيُّ بَعْدَ نَقْل هَذَا الْقَوْل: وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا لاَ تُعَوِّل عَلَى عَادَتِهَا خِلاَفًا لِمَا فِي الإِْرْشَادِ (46) وَفِي الإِْرْشَادِ: تُعَوِّل عَلَى عَادَتِهَا (47) .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمُعْتَادَةَ النَّاسِيَةَ لِعَادَتِهَا فِي النِّفَاسِ يَجْرِي فِيهَا الْخِلاَفُ الْجَارِي فِي الْمُتَحَيِّرَةِ فِي الْحَيْضِ، فَفِي قَوْلٍ هِيَ كَالْمُبْتَدَأَةِ فَتُرَدُّ إِلَى لَحْظَةٍ فِي قَوْلٍ، وَإِلَى أَرْبَعِينَ يَوْمًا فِي قَوْلٍ، وَعَلَى الْمَذْهَبِ تُؤْمَرُ بِالاِحْتِيَاطِ، وَرَجَّحَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ - هُنَا - الرَّدَّ إِلَى مَرَدِّ الْمُبْتَدَأَةِ لأَِنَّ أَوَّل النِّفَاسِ مَعْلُومٌ وَتَعْيِينُ أَوَّل الْهِلاَل لِلْحَيْضِ تَحَكُّمٌ لاَ أَصْل لَهُ.
قَال الرَّافِعِيُّ: فَإِذَا قُلْنَا بِالاِحْتِيَاطِ فَإِنْ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً فِي الْحَيْضِ وَجَبَ الاِحْتِيَاطُ أَبَدًا، لأَِنَّ أَوَّل حَيْضِهَا مَجْهُولٌ، وَالْمُبْتَدَأَةُ إِذَا جَهِلَتِ ابْتِدَاءَ دَمِهَا كَانَتْ كَالْمُتَحَيِّرَةِ، وَإِنْ كَانَتْ مُعْتَادَةً نَاسِيَةً لِعَادَتِهَا اسْتَمَرَّتْ - أَيْضًا - عَلَى الاِحْتِيَاطِ أَبَدًا، وَإِنْ كَانَتْ ذَاكِرَةً لِعَادَةِ الْحَيْضِ فَقَدِ الْتَبَسَ عَلَيْهَا الدَّوْرُ لاِلْتِبَاسِ آخِرِ النِّفَاسِ فَهِيَ كَمَنْ نَسِيَتْ وَقْتَ الْحَيْضِ دُونَ قَدْرِهِ (48) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِنْ زَادَ دَمُ النُّفَسَاءِ عَلَى أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَصَادَفَ عَادَةَ الْحَيْضِ فَهُوَ حَيْضٌ، وَإِنْ لَمْ يُصَادِفْ عَادَةَ الْحَيْضِ فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ، قَال أَحْمَدُ: إِذَا اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَإِنْ كَانَ فِي أَيَّامِ حَيْضِهَا الَّذِي تَقْعُدُهُ أَمْسَكَتْ عَنِ الصَّلاَةِ وَلَمْ يَأْتِهَا زَوْجُهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَيَّامٌ كَانَتْ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ تَتَوَضَّأُ لِكُل صَلاَةٍ وَتَصُومُ وَتُصَلِّي إِنْ أَدْرَكَهَا رَمَضَانُ وَلاَ تَقْضِي وَيَأْتِيهَا زَوْجُهَا (49) .
__________
(1) لسان العرب، والقاموس المحيط.
(2) حاشية ابن عابدين على الدر المختار 1 / 190.
(3) المجموع للنووي 2 / 434.
(4) كشاف القناع 1 / 209، وشرح منتهى الإرادات 1 / 112.
(5) المجموع 2 / 434، ومغني المحتاج 1 / 116، وكشاف القناع 1 / 209.
(6) حاشية ابن عابدين 1 / 190، ومجموعة رسائل ابن عابدين 1 / 67.
(7) المراجع السابقة.
(8) المجموع شرح المهذب 2 / 434.
(9) مجموعة رسائل ابن عابدين 1 / 76.
(10) حاشية ابن عابدين 1 / 190، ومجموعة رسائل ابن عابدين 1 / 106 ط دار سعاد ت 1325 هـ، ومغني المحتاج 1 / 116، وكشاف القناع 1 / 209.
(11) الذخيرة للقرافي 1 / 384 - ط وزارة الأوقاف بدولة الكويت.
(12) حديث: " تحيضي ستة أيام أو سبعة أيام في علم الله. . . ". أخرجه أبو داود (1 / 200) ، والترمذي (1 / 223) ، ونقل الترمذي تصحيحه عن البخاري.
(13) حاشية ابن عابدين 1 / 190، ومجموعة رسائل ابن عابدين 1 / 107 - 108، والمجموع شرح المهذب 1 / 481 - 482، ومغني المحتاج 1 / 118 - ط مصطفى الحلبي 1958م، وكشاف القناع 1 / 209.
(14)
(15) مجموعة رسائل ابن عابدين 1 / 106، 107 - ط. دار سعادت 1325 هـ، ومغني المحتاج 1 / 118، وكشاف القناع 1 / 210 - 211 - ط. عالم الكتب 1983م.
(16) البحر الرائق 1 / 121، وحاشية ابن عابدين 1 / 191 دار إحياء التراث العربي، ومجموعة رسائل ابن عابدين 1 / 99، ونهاية المحتاج 1 / 346 مطبعة مصطفى الحلبي 1967م، ومغني المحتاج 1 / 116، وكشاف القناع 1 / 210 - ط. عالم الكتب 1983م.
(17) حاشية ابن عابدين 1 / 191، ومجموعة رسائل ابن عابدين 1 / 100، ومغني المحتاج 1 / 116 - 117، ونهاية المحتاج 1 / 349.
(18) الشرح الصغير 1 / 209 - 210.
(19) الشرح الكبير 1 / 213.
(20) مجموعة رسائل ابن عابدين 1 / 101 - 104 - ط دار سعادت 1325هـ، وحاشية ابن عابدين 1 / 191، 192، ومغني المحتاج 1 / 117 و118 - ط. مصطفى البابي الحلبي 1958م، والمجموع 2 / 447 وما بعدها المكتبة السلفية - المدينة المنورة.
(21) المغني 1 / 321.
(22) حاشية ابن عابدين 1 / 191، ومجموعة رسائل ابن عابدين 1 / 99، 100، ونهاية المحتاج 1 / 348، ومغني المحتاج 1 / 116.
(23) القوانين الفقهية / 32.
(24) حاشية ابن عابدين 1 / 192، ومجموعة رسائل ابن عابدين 1 / 99، والمجموع للإمام النووي 2 / 476، والقليوبي وعميرة 1 / 106 مطبعة عيسى البابي الحلبي، ومغني المحتاج 1 / 116.
(25) المغني 1 / 339، والإنصاف 1 / 382.
(26) المجموع 2 / 478 - ط. السلفية.
(27) حاشية الطحطاوي على الدر 2 / 251.
(28) المرجع السابق.
(29) المغني 7 / 603.
(30) الشرح الصغير 1 / 209 - 210.
(31) الصاوي مع الشرح الصغير 2 / 730.
(32) مغني المحتاج 3 / 385، وروضة الطالبين 8 / 369، والمغني 7 / 467، والإنصاف 9 / 286، وحاشية ابن عابدين 2 / 602 - ط. بولاق، وفتح القدير 3 / 291 ط بولاق.
(33) حديث حمنة سبق تخريجه ف 7.
(34) المغني 7 / 467.
(35) مغني المحتاج 2 / 385 - 386.
(36) فتح القدير 3 / 273 - ط. بولاق.
(37) الفواكه الدواني 2 / 92، وحاشية الدسوقي 2 / 470، والمغني 7 / 467.
(38) المغني 7 / 466، 467.
(39) حاشية الدسوقي 2 / 70 - ط. دار الفكر.
(40) حاشية ابن عابدين 2 / 602 - ط. بولاق. وانظر الطحطاوي على مراقي الفلاح ص67.
(41) رسائل ابن عابدين ص99.
(42) الإنصاف 9 / 287.
(43) المغني لابن قدامة 7 / 467.
(44) رسائل ابن عابدين 1 / 99.
(45) رسائل ابن عابدين 1 / 108.
(46) الخرشي 1 / 210، وانظر التاج والإكليل 1 / 376.
(47) العدوي على الخرشي 1 / 210.
(48) المجموع 2 / 531.
(49) المغني 1 / 346.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 71/ 36
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".