المقتدر
كلمة (المقتدر) في اللغة اسم فاعل من الفعل اقْتَدَر ومضارعه...
رفع الشيء، وتنحيته، وإذهابه عن موضعه . ومنه إزالة النجاسة عن الثوب، وإزالة الضرر الواقع على الغير .
رفع الشيء، وتنحيته، وإذهابه عن موضعه.
التَّعْرِيفُ:
1 - مِنْ مَعَانِي الإِْزَالَةِ فِي اللُّغَةِ: التَّنْحِيَةُ، وَالإِْذْهَابُ وَالاِضْمِحْلاَل. وَهِيَ مَصْدَرُ أَزَلْتُهُ (1) .
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنْ ذَلِكَ.
وَقَدْ يَسْتَعْمِل الْفُقَهَاءُ الإِْزَالَةَ وَالإِْذْهَابَ وَالإِْبْطَال بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وَقِيل: إِنَّ هَذِهِ الأَْلْفَاظَ الثَّلاَثَةَ قَدْ يَصِحُّ كُل وَاحِدٍ مِنْهَا فِي شَيْءٍ لاَ يَصِحُّ فِيهِ غَيْرُهُ مِنْهَا، كَمَا يُقَال لِمَنْ صَرَفَ مَالَهُ فِي شَيْءٍ: أَذْهَبَ مَالَهُ فِي كَذَا، وَلاَ يُقَال أَبْطَلَهُ، وَلاَ أَزَالَهُ، وَيُقَال لِمَنْ نَقَل شَيْئًا مِنْ مَحَلٍّ إِلَى آخَرَ: أَزَالَهُ، وَلاَ يُقَال أَبْطَلَهُ، وَلاَ أَذْهَبَهُ، وَيُقَال لِمَنْ أَفْسَدَ صَلاَتَهُ: أَبْطَلَهَا، وَلاَ يُقَال أَذْهَبَهَا، وَلاَ أَزَالَهَا (2) .
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ وَمَوَاطِنُ الْبَحْثِ:
2 - الإِْزَالَةُ قَدْ تَكُونُ مَطْلُوبَةً مِنَ الشَّارِعِ عَلَى سَبِيل الْفِعْل، وَقَدْ تَكُونُ مَطْلُوبَةً عَلَى سَبِيل التَّرْكِ.
وَالإِْزَالَةُ قَدْ تَتَوَقَّفُ عَلَى نِيَّةٍ أَحْيَانًا كَمَا فِي إِزَالَةِ الْجَنَابَةِ، عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، وَقَدْ تَحْصُل بِلاَ نِيَّةٍ كَمَا فِي إِزَالَةِ النَّجَاسَةِ الْعَيْنِيَّةِ (3) .
وَمِنَ الإِْزَالَةِ الْمَطْلُوبَةِ عَلَى سَبِيل الْفِعْل: إِزَالَةُ الضَّرَرِ، وَمِنَ الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: " الضَّرَرُ يُزَال "؛ لِقَوْل الرَّسُول ﷺ: لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ (4) لَكِنْ لاَ يُزَال الضَّرَرُ بِضَرَرٍ مِثْلِهِ، وَيُدْفَعُ الضَّرَرُ الأَْشَدُّ بِالأَْخَفِّ (5) .
وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ يَنْبَنِي عَلَيْهَا كَثِيرٌ مِنْ أَبْوَابِ الْفِقْهِ، فَمِنْ ذَلِكَ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ، وَجَمِيعُ أَنْوَاعِ الْخِيَارَاتِ، وَالشُّفْعَةُ، فَإِنَّ فِيهَا دَفْعَ ضَرَرِ الْقِسْمَةِ (6) .
3 - وَمِنَ الإِْزَالَةِ الْمَطْلُوبَةِ شَرْعًا: إِزَالَةُ الْمُنْكَرِ، وَهِيَ فِي الْجُمْلَةِ فَرْضُ كِفَايَةٍ؛ لِقَوْل اللَّهِ سُبْحَانَهُ: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} . (7) إِذْ لَمْ يَقُل اللَّهُ سُبْحَانَهُ كُونُوا آمِرِينَ بِالْمَعْرُوفِ نَاهِينَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَمِنْ لِلتَّبْعِيضِ (8) . وَتَفْصِيل مَا يَتَّصِل بِإِزَالَةِ الْمُنْكَرِ تَحْتَ مُصْطَلَحِ: (الأَْمْرُ بِالْمَعْرُوفِ) (وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ)
4 - وَالْمُعْتَدَّةُ لِلْوَفَاةِ يَجِبُ عَلَيْهَا إِزَالَةُ الطِّيبِ تَفَجُّعًا عَلَى الزَّوْجِ، وَيَتَكَلَّمُ الْفُقَهَاءُ عَنْ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (إِحْدَاد (3)) .
وَيُنْدَبُ كَذَلِكَ إِزَالَةُ شَعْرِ الْعَانَةِ، وَمَا تَحْتَ الإِْبِطِ (9) وَنَحْوِهِمَا، وَفَصَّلَهُ الْفُقَهَاءُ فِي خِصَال الْفِطْرَةِ، مَسَائِل الْحَظْرِ وَالإِْبَاحَةِ.
كَذَلِكَ مِنَ الإِْزَالَةِ الْمَطْلُوبَةِ إِزَالَةُ النَّجَاسَةِ، وَلِذَلِكَ بَابٌ خَاصٌّ يُفَصِّل الْفُقَهَاءُ فِيهِ أَحْكَامَهَا (10) .
5 - وَمِنَ الإِْزَالَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا: إِزَالَةُ دَمِ الشَّهِيدِ، وَهِيَ حَرَامٌ عِنْدَ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ، لِقَوْلِهِ ﷺ: زَمِّلُوهُمْ فِي دِمَائِهِمْ، فَإِنَّهُ لَيْسَ كَلْمٌ يُكْلَمُ فِي اللَّهِ إِلاَّ أَتَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ جُرْحُهُ يُدْمِي لَوْنُهُ لَوْنُ الدَّمِ، وَرِيحُهُ رِيحُ الْمِسْكِ. (1)
وَفِي الإِْحْرَامِ تَحْرُمُ إِزَالَةُ شَعْرِ الْبَدَنِ وَالْوَجْهِ وَالرَّأْسِ دُونَ عُذْرٍ، وَيَجِبُ فِي إِزَالَتِهِ جَزَاءٌ. وَيَذْكُرُ الْفُقَهَاءُ ذَلِكَ فِي مُحَرَّمَاتِ الإِْحْرَامِ، وَفِي الدِّمَاءِ الْوَاجِبَةِ فِي الْحَجِّ.
بِالإِْضَافَةِ إِلَى مَا تَقَدَّمَ بِنَوْعَيْهِ، تَأْتِي الإِْزَالَةُ فِي أَبْوَابٍ وَمَسَائِل كَثِيرَةٍ مِنْهَا: إِزَالَةُ تَغَيُّرِ الْمَاءِ، وَيَذْكُرُهُ الْفُقَهَاءُ فِي الْمِيَاهِ، وَمِنْهَا: إِزَالَةُ الأَْقْذَارِ، وَإِزَالَةُ الْوَشْمِ، وَمِنْهَا: إِزَالَةُ التَّعَدِّي، وَيُذْكَرُ فِي عُقُودِ الأَْمَانَاتِ وَفِي الْغَصْبِ، وَمِنْهَا: مَا يُذْكَرُ فِي الْوَقْفِ مِنْ حَيْثُ وَقْفُ مُسْتَحِقِّ الإِْزَالَةِ، وَمِنْ حَيْثُ مَنْعُ إِزَالَةِ الإِْرْصَادِ، وَمِنْهَا: الْبَكَارَةُ، وَيُبَيِّنُ الْفُقَهَاءُ أَحْكَامَهَا فِي النِّكَاحِ (تَعْرِيفُ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ) ، وَفِي الْجِنَايَاتِ (الْجِنَايَةُ عَلَى مَا دُونَ النَّفْسِ) وَمِنْهَا: إِزَالَةُ الْعِصْمَةِ، وَتُذْكَرُ فِي الطَّلاَقِ، وَمِنْهَا: إِزَالَةُ شُبْهَةِ الْبُغَاةِ وَالْمُرْتَدِّينَ.
__________
(1) تاج العروس (زول) .
(2) القليوبي 4 / 138 ط الحلبي.
(3) جواهر الإكليل 1 / 13 ط الحلبي.
(4) حديث: " لا ضرر. . . " أخرجه مالك مرسلا (المنتقى 6 / 40 ط السعادة) ورواه الحاكم موصولا (2 / 57 ط حيدر آباد)
(5) الأشباه والنظائر لابن نجيم ص 34، 35 المطبعة الحسينية، والأشباه والنظائر للسيوطي 86، 87 ط الحلبي لابن نجيم ص34
(6) الأشباه.
(7) سورة آل عمران / 104
(8) ابن عابدين 1 / 604 ط بولاق، والحطاب 3 / 348 ط ليبيا وجواهر الإكليل 1 / 251 ط الحلبي، ونهاية المحتاج 8 / 44 ط الحلبي، والآداب الشرعية 1 / 181 ط المنار، والقرطبي 4 / 48، 165 ط دار الكتب، وإتحاف السادة المتقين بشرح أسرار إحياء علوم الدين 7 / 4، 14، 42، ومنهاج اليقين في أدب الدنيا والدين 158 ط محمود بك مطيعي.
(9) ابن عابدين 5 / 261، 239، والفواكه الدواني 2 / 401 ط الحلبي، والمغني مع الشرح الكبير 1 / 71، 72، 77، 88 ط المنار، ومطالب أولي النهى 1 / 88، والكافي 1 / 27 ط المكتب الإسلامي.
(10) جواهر الإكليل 1 / 11
الموسوعة الفقهية الكويتية: 136/ 3
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".