الغني
كلمة (غَنِيّ) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من الفعل (غَنِيَ...
العَضْلُ: المَنْعُ والحَبْسُ، يُقال: عَضَلَ الرَّجُلُ المَرْأَةَ، أيْ: مَنَعَها التَّزَوُّجَ ظُلْمًا، وعَضَلَهَا عن الزَّوجِ، أيْ: حَبَسَهَا عَنْهُ، وأصْلُ العَضْلِ: الشِّدَّةُ وَالصَّلاَبَةُ والقُوَّةُ، يُقال: عَضَلَ الأَمْرُ: إذا اشْتَدَّ وقَوِيَ، والعَضَلَةُ: كُلُّ لَحْمَةٍ صُلْبَةٍ، والعَضَلُ: القَوِيُّ، ومِن مَعانِي العَضْلِ أيضًا: الضِّيقُ والتَّعَبُ والالْتِواءُ.
يُطلَق مُصطلَح (عَضْل) في الفقه في كِتابِ النِّكاحِ، باب: الخُلْع، ويُراد بِه: تَضْيِيقُ الزَّوجِ على زَوْجَتِهِ وإضْرارُهُ بِها لِتَطْلُبَ الطَّلاقَ وتَفتَدِي نَفْسَها مِنْهُ.
عَضَلَ
منع الولي المرأة من التزوج بكفئها إن رغب كل منهما في صاحبه.
* معجم لغة الفقهاء : (ص 315)
* معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية : (2/510)
* تحرير ألفاظ التنبيه : (ص 251)
* التوقيف على مهمات التعاريف : (ص 242)
* شرح مختصر خليل للخرشي : (3/189)
* نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج : (6/235)
* كشاف القناع عن متن الإقناع : (5/49)
* طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية : (ص 42)
* الموسوعة الفقهية الكويتية : (30/143)
* مقاييس اللغة : (4/346)
* القاموس المحيط : (ص 1335)
* لسان العرب : (11/451) -
التَّعْرِيفُ:
1 - الْعَضْل فِي اللُّغَةِ مِنْ: عَضَل الرَّجُل حُرْمَتَهُ عَضْلاً - مِنْ بَابَيْ قَتَل وَضَرَبَ - مَنَعَهَا التَّزْوِيجَ، وَعَضْل الْمَرْأَةِ عَنِ الزَّوْجِ: حَبْسُهَا، وَعَضَل بِهِمُ الْمَكَانُ: ضَاقَ، وَأَعْضَل الأَْمْرُ: اشْتَدَّ، وَمِنْهُ: دَاءٌ عُضَالٌ أَيْ شَدِيدٌ (1) .
وَقَدِ اسْتَعْمَل الْفُقَهَاءُ الْعَضْل فِي النِّكَاحِ بِمَعْنَى مَنْعِ التَّزْوِيجِ، قَال ابْنُ قُدَامَةَ: مَعْنَى الْعَضْل: مَنْعُ الْمَرْأَةِ مِنَ التَّزْوِيجِ بِكُفْئِهَا إِذَا طَلَبَتْ ذَلِكَ وَرَغِبَ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي صَاحِبِهِ (2) .
وَكَذَلِكَ اسْتَعْمَلُوا الْعَضْل فِي الْخُلْعِ بِمَعْنَى: الإِْضْرَارِ بِالزَّوْجَةِ قَال ابْنُ قُدَامَةَ: إِنْ عَضَل زَوْجَتَهُ، وَضَارَّهَا بِالضَّرْبِ وَالتَّضْيِيقِ عَلَيْهَا، أَوْ مَنَعَهَا حُقُوقَهَا مِنَ النَّفَقَةِ وَالْقَسْمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لِتَفْتَدِيَ نَفْسَهَا مِنْهُ فَفَعَلَتْ فَالْخُلْعُ بَاطِلٌ وَالْعِوَضُ مَرْدُودٌ (3) . الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
2 - الأَْصْل أَنَّ عَضْل الْوَلِيِّ مَنْ لَهُ وِلاَيَةُ تَزْوِيجِهَا مِنْ كُفْئِهَا حَرَامٌ؛ لأَِنَّهُ ظُلْمٌ، وَإِضْرَارٌ بِالْمَرْأَةِ فِي مَنْعِهَا حَقَّهَا فِي التَّزْوِيجِ بِمَنْ تَرْضَاهُ، وَذَلِكَ لِنَهْيِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْهُ فِي قَوْلِهِ مُخَاطِبًا الأَْوْلِيَاءَ: {فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} (4)
كَمَا أَنَّ عَضْل الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ، بِمُضَارَّتِهَا وَسُوءِ عِشْرَتِهَا وَالتَّضْيِيقِ عَلَيْهَا حَتَّى تَفْتَدِيَ مِنْهُ بِمَا أَعْطَاهَا مِنْ مَهْرٍ حَرَامٌ؛ لأَِنَّهُ ظُلْمٌ لَهَا بِمَنْعِهَا حَقَّهَا مِنْ حُسْنِ الْعِشْرَةِ وَمِنَ النَّفَقَةِ، وَقَدْ نَهَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الأَْزْوَاجَ عَنْ ذَلِكَ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ} . (5)
3 - وَيُبَاحُ عَضْل الْوَلِيِّ إِذَا كَانَ لِمَصْلَحَةِ الْمَرْأَةِ، كَأَنْ تَطْلُبَ النِّكَاحَ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ، فَيَمْتَنِعَ عَنْ تَزْوِيجِهَا لِمَصْلَحَتِهَا.
كَمَا يُبَاحُ مِنَ الزَّوْجِ، بِالتَّضْيِيقِ عَلَى زَوْجَتِهِ حَتَّى تَفْتَدِيَ مِنْهُ بِمَا أَعْطَاهَا مِنْ مَهْرٍ، وَذَلِكَ فِي حَالَةِ إِتْيَانِهَا الْفَاحِشَةَ (6) ، لِلنَّصِّ عَلَى ذَلِكَ فِي الاِسْتِثْنَاءِ الْوَارِدِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} (7)
مَتَى يُعْتَبَرُ الْعَضْل؟
4 - ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ الْعَضْل فِي مَوْضِعَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: عَضْل الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ، وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ بِمُضَارَّتِهَا وَسُوءِ عِشْرَتِهَا قَاصِدًا أَنْ تَفْتَدِيَ مِنْهُ بِمَا أَعْطَاهَا مِنْ مَهْرٍ، وَمَا يَأْخُذُهُ مِنْهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لاَ يَسْتَحِقُّهُ؛ لأَِنَّهُ عِوَضٌ أُكْرِهَتْ عَلَى بَذْلِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَمْ يَسْتَحِقَّهُ.
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (خُلْع ف 10) .
الثَّانِي: عَضْل الْوَلِيِّ، وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا دَعَتِ الْمَرْأَةُ إِلَى الزَّوَاجِ مِنْ كُفْءٍ، أَوْ خَطَبَهَا كُفْءٌ، وَامْتَنَعَ الْوَلِيُّ مِنْ تَزْوِيجِهِ دُونَ سَبَبٍ مَقْبُولٍ، فَإِنَّهُ يَكُونُ عَاضِلاً؛ لأَِنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ تَزْوِيجُهَا مِنْ كُفْءٍ، وَسَوَاءٌ طَلَبَتِ التَّزْوِيجَ بِمَهْرِ مِثْلِهَا أَوْ دُونَهُ، كَمَا يَقُول الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ؛ لأَِنَّ الْمَهْرَ مَحْضُ حَقِّهَا وَعِوَضٌ يَخْتَصُّ بِهَا، فَلَمْ يَكُنْ لِلْوَلِيِّ الاِعْتِرَاضُ عَلَيْهِ،؛ وَلأَِنَّهَا لَوْ أَسْقَطَتْهُ بَعْدَ وُجُوبِهِ سَقَطَ كُلُّهُ، فَبَعْضُهُ أَوْلَى، وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: الاِمْتِنَاعُ عَنِ التَّزْوِيجِ بِمَهْرِ الْمِثْل لاَ يُعْتَبَرُ عَضْلاً. وَلاَ يُعْتَبَرُ الْوَلِيُّ عَاضِلاً إِذَا امْتَنَعَ مِنْ تَزْوِيجِهَا مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ.
لَكِنْ قَال الْمَالِكِيَّةُ: إِنَّ الأَْبَ الْمُجْبِرَ لاَ يُعْتَبَرُ عَاضِلاً بِرَدِّ الْخَاطِبِ، وَلَوْ تَكَرَّرَ ذَلِكَ، لِمَا جُبِل الأَْبُ عَلَيْهِ مِنَ الْحَنَانِ وَالشَّفَقَةِ عَلَى ابْنَتِهِ، وَلِجَهْلِهَا بِمَصَالِحِ نَفْسِهَا، إِلاَّ إِذَا تَحَقَّقَ أَنَّهُ قَصَدَ الإِْضْرَارَ بِهَا.
وَلَوْ دَعَتِ الْمَرْأَةُ لِكُفْءٍ وَأَرَادَ الْوَلِيُّ تَزْوِيجَهَا مِنْ كُفْءٍ غَيْرِهِ، فَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيَّةِ فِي الأَْصَحِّ: كُفْءُ الْوَلِيِّ أَوْلَى إِذَا كَانَ الْوَلِيُّ مُجْبِرًا؛ لأَِنَّهُ أَكْمَل نَظَرًا مِنْهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْوَلِيُّ مُجْبِرًا فَالْمُعْتَبَرُ مَنْ عَيَّنَتْهُ.
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَهُوَ مُقَابِل الأَْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: يَلْزَمُ الْوَلِيَّ إِجَابَتُهَا إِلَى كُفْئِهَا إِعْفَافًا لَهَا، فَإِنِ امْتَنَعَ الْوَلِيُّ عَنْ تَزْوِيجِهَا مِنَ الَّذِي أَرَادَتْهُ كَانَ عَاضِلاً، وَهُوَ رَأْيٌ لِلْحَنَفِيَّةِ اسْتَظْهَرَهُ فِي الْبَحْرِ، كَمَا قَال ابْنُ عَابِدِينَ (8)
أَثَرُ الْعَضْل.
5 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا تَحَقَّقَ الْعَضْل مِنَ الْوَلِيِّ وَثَبَتَ ذَلِكَ عِنْدَ الْحَاكِمِ، أَمَرَهُ الْحَاكِمُ بِتَزْوِيجِهَا إِنْ لَمْ يَكُنِ الْعَضْل بِسَبَبٍ مَقْبُولٍ، فَإِنِ امْتَنَعَ انْتَقَلَتِ الْوِلاَيَةُ إِلَى غَيْرِهِ.
لَكِنَّ الْفُقَهَاءَ اخْتَلَفُوا فِيمَنْ تَنْتَقِل إِلَيْهِ الْوِلاَيَةُ، فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ - عَدَا ابْنَ الْقَاسِمِ - وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ الْوِلاَيَةَ تَنْتَقِل إِلَى السُّلْطَانِ لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: فَإِنِ اشْتَجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لاَ وَلِيَّ لَهُ (9) ؛ وَلأَِنَّ الْوَلِيَّ قَدِ امْتَنَعَ ظُلْمًا مِنْ حَقٍّ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ فَيَقُومُ السُّلْطَانُ مَقَامَهُ لإِِزَالَةِ الظُّلْمِ، كَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَامْتَنَعَ عَنْ قَضَائِهِ.
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَشُرَيْحٍ، لَكِنَّ ذَلِكَ مُقَيَّدٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ بِمَا إِذَا كَانَ الْعَضْل دُونَ ثَلاَثِ مَرَّاتٍ.
وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ إِذَا عَضَل الْوَلِيُّ الأَْقْرَبُ انْتَقَلَتِ الْوِلاَيَةُ إِلَى الْوَلِيِّ الأَْبْعَدِ، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ؛ لأَِنَّهُ تَعَذَّرَ التَّزْوِيجُ مِنْ جِهَةِ الأَْقْرَبِ فَمَلَكَهُ الأَْبْعَدُ كَمَا لَوْ جُنَّ،؛ وَلأَِنَّهُ يَفْسُقُ بِالْعَضْل فَتَنْتَقِل الْوِلاَيَةُ عَنْهُ، فَإِنْ عَضَل الأَْوْلِيَاءُ كُلُّهُمْ زَوَّجَ الْحَاكِمُ، وَأَمَّا قَوْل النَّبِيِّ ﷺ: السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لاَ وَلِيَّ لَهُ فَيُحْمَل عَلَى مَا إِذَا عَضَل الْكُل؛ لأَِنَّ قَوْلَهُ: فَإِنِ اشْتَجَرُوا. . . ضَمِيرُ جَمْعٍ يَتَنَاوَل الْكُل. وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: إِذَا تَكَرَّرَ الْعَضْل مِنَ الْوَلِيِّ الأَْقْرَبِ، فَإِنْ كَانَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ انْتَقَلَتِ الْوِلاَيَةُ لِلْوَلِيِّ الأَْبْعَدِ، بِنَاءً عَلَى مَنْعِ وِلاَيَةِ الْفَاسِقِ؛ لأَِنَّهُ يَفْسُقُ بِتَكَرُّرِ الْعَضْل مِنْهُ.
وَقَال ابْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: إِنَّمَا يُزَوِّجُهَا الْحَاكِمُ عِنْدَ عَدَمِ الْوَلِيِّ غَيْرِ الْعَاضِل، وَأَمَّا عِنْدَ وُجُودِهِ فَيَنْتَقِل الْحَقُّ لِلأَْبْعَدِ؛ لأَِنَّ عَضْل الأَْقْرَبِ وَاسْتِمْرَارَهُ عَلَى الاِمْتِنَاعِ صَيَّرَهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَدَمِ، فَيَنْتَقِل الْحَقُّ لِلأَْبْعَدِ، وَأَمَّا الْحَاكِمُ فَلاَ يَظْهَرُ كَوْنُهُ وَكِيلاً لَهُ إِلاَّ إِذَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ امْتِنَاعٌ، كَمَا لَوْ كَانَ غَائِبًا (10)
__________
(1) المصباح المنير ولسان العرب.
(2) مغني المحتاج 3 / 153، والمغني 6 / 477.
(3) المغني 7 / 54 - 55.
(4) سورة البقرة / 232.
(5) سورة النساء / 19.
(6) ابن عابدين 2 / 315 - 316، والدسوقي 2 / 231 - 232، والقرطبي 2 / 158 و5 / 94، وأحكام القرآن لابن العربي 1 / 194، 201، ومغني المحتاج 3 / 153، ونهاية المحتاج 6 / 229، وكشاف القناع 5 / 54 - 55، 213، والمغني 6 / 477، و7 / 54 - 55.
(7) سورة النساء / 19.
(8) ابن عابدين 2 / 315 - 316، والدسوقي 2 / 231 - 232، ومغني المحتاج 3 / 153 - 154، وكشاف القناع 5 / 54 - 55، والمغني 6 / 477 - 478.
(9) حديث: " فإن اشتجروا فالسلطان ولى من. . . ". أخرجه الترمذي (3 / 399) من حديث عائشة ﵂، وقال: حديث حسن.
(10) بدائع الصنائع 2 / 251 - 252، والمبسوط 4 / 221، وابن عابدين 2 / 315 - 316، والدسوقي 2 / 231 - 232، ومغني المحتاج 3 / 153، ونهاية المحتاج 6 / 229، وكشاف القناع 5 / 54 - 55، والمغني 6 / 476 - 477.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 143/ 30
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".