الشافي
كلمة (الشافي) في اللغة اسم فاعل من الشفاء، وهو البرء من السقم،...
المِثْلُ وَالمُسَاوِي، وَالجَمْعُ: أَشْبَاهٌ، تَقُولُ: هَذَا شَبَهُ هَذَا وَشَبِيهُهُ أَيْ مِثلُهُ، وَالمُشَابَهَةُ: المُمَاثَلَةُ، وَشَابَهَ الشَّيْءُ الشَّيْءَ إِذَا مَاثَلَهُ فِي صِفَاتِهِ، وَأَصْلُ كَلِمَةِ الشَّبَهِ مِنَ التَّماثُل والاشتِبَاهِ وَهُوَ الالْتِبَاسُ وَالاخْتِلاَطُ، يُقَالُ: اشْتَبَهَ الأَمْرُ يَشْتَبِهُ اشْتِبَاهًا أَيْ الْتَبَسَ وَاخْتَلَطَ، وَشَبَّهَ عَلَيْهِ الأَمْرَ إِذَا خَلَّطَهُ عَلَيْهِ، وَأُمُورٌ مُشْتَبِهَةٌ ومُشَبِّهَةٌ ومُشْتَبِهَاتٌ أَيْ مُشْكِلَةٌ مُخْتلِطَةٌ، وَالمُتَشَابِهُ: مَا يُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضًا، وَالشُّبْهَةُ: مَا يُشْكِلُ وَيَلْتَبِسُ عَلَى النَّاسِ، وَالجَمْعُ: شُبَهٌ وشُبُهَاتٌ، وَمِنْ مَعَانِي الشبَهِ أَيْضًا: النَّظِيرُ والشَّكْلُ.
يَذْكُرُ الفُقَهَاءُ مُصْطَلَحَ (الشَّبَهِ) فِي كِتَابِ الصَّلاَةِ عِندَ الكَلاَمِ عَنْ الإِمَاءِ ، وَكِتَابِ النِّكَاحِ فِي بَابِ إِثْبَاتِ النَّسَبِ، وباب اللُّقطة واللَّقيط. وَيُطْلَقُ عِنْدَ الأُصُولِيِّينَ وَيُرادُ بِهِ: (الوَصْفُ الذِي لَا تُعْلَمُ مُنَاسَبَتُهُ بِالنَّظَرِ إِلَيْهِ فِي ذَاتِهِ، وَإِنَّمَا تُعْلَمُ عَنْ طَرِيقِ الْتِفَاتِ الشَّارِعِ إِلَيْهِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ)، وَهُوَ مَسْلَكٌ مِنْ مَسَالِكِ العِلَّةِ. وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْقِيَاسِ، وَيُسَمِّيه بَعْضُ الْفُقَهَاءِ (الِاسْتِدْلَال بِالشَّيْءِ عَلَى مِثْلِهِ).
شبه
الوَصْفُ المُشْتَرَكُ بَيْنَ الأَصْلِ وَالفَرْعِ.
المِثْلُ وَالمُسَاوِي، وَالجَمْعُ: أَشْبَاهٌ، وَالتَّشْبِيهُ: التَّمْثيلُ، وَأَصْلُ كَلِمَةِ الشَّبَهِ مِنَ الاشتِبَاهِ وَهُوَ الالْتِبَاسُ وَالاخْتِلاَطُ، يُقَالُ: اشْتَبَهَ الأَمْرُ يَشْتَبِهُ اشْتِبَاهًا أَيْ الْتَبَسَ وَاخْتَلَطَ، وَالشُّبْهَةُ: مَا يُشْكِلُ وَيَلْتَبِسُ عَلَى النَّاسِ، وَمِنْ مَعَانِي الشَبَهِ أَيْضًا: النَّظِيرُ والشَّكْلُ.
الوصف الشبهي.
* لسان العرب : 18-17/8 - معجم مقاييس اللغة : 243/3 - المفردات في غريب القرآن : 443 - معجم مقاييس اللغة : 243/3 - روضة الناظر وجنة المناظر : 241/2 - البحر المحيط في أصول الفقه : 293/7 -
التَّعْرِيفُ:
1 - الشَّبَهُ فِي اللُّغَةِ: الْمِثْل. وَكَذَلِكَ الشَّبَهُ وَالشَّبِيهُ، يُقَال: شَبَّهَهُ فُلاَنًا وَبِهِ: مَثَّلَهُ. وَأَشْبَهَ الشَّيْءُ الشَّيْءَ: صَارَ شَبِيهًا بِهِ وَمَاثَلَهُ، وَالْمُتَشَابِهُ مَا يُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضًا، وَجَمْعُ الشَّبَهِ أَشْبَاهٌ (1) .
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الْفِقْهِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
أَمَّا الأُْصُولِيُّونَ فَاسْتَعْمَلُوا الشَّبَهَ فِي مَعْنًى خَاصٍّ فَعَرَّفَهُ بَعْضُهُمْ: بِأَنَّهُ الْوَصْفُ الَّذِي لاَ يُعْقَل مُنَاسَبَتُهُ لِحُكْمِ الأَْصْل فِي الْقِيَاسِ بِالنَّظَرِ إِلَيْهِ فِي ذَاتِهِ، وَتُظَنُّ فِيهِ الْمُنَاسَبَةُ لاِلْتِفَاتِ الشَّارِعِ إِلَيْهِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ (2) .
وَعَرَّفَهُ آخَرُونَ بِأَنَّهُ مَا لاَ يَكُونُ مُنَاسِبًا لِذَاتِهِ، بَل يُوهِمُ الْمُنَاسَبَةَ. فَهُوَ بِهَذَا الْمَعْنَى مَسْلَكٌ مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ.
يَقُول الْبُنَانِيُّ: وَالشَّبَهُ كَمَا يُسَمَّى بِهِ نَفْسُ الْمَسْلَكِ يُسَمَّى بِهِ الْوَصْفُ الْمُشْتَمِل عَلَيْهِ ذَلِكَ الْمَسْلَكُ (3) وَتَخْرِيجُ الْحُكْمِ بِهَذَا الْمَسْلَكِ يُسَمَّى بِقِيَاسِ الشَّبَهِ. مِثَال ذَلِكَ أَنْ يُقَال فِي إِزَالَةِ الْخَبَثِ: هِيَ طَهَارَةٌ تُرَادُ لِلصَّلاَةِ فَيَتَعَيَّنُ فِيهَا الْمَاءُ وَلاَ تَجُوزُ بِمَائِعٍ آخَرَ كَطَهَارَةِ الْحَدَثِ، فَإِنَّ الْمُنَاسَبَةَ بَيْنَ كَوْنِهَا طَهَارَةً تُرَادُ لِلصَّلاَةِ وَبَيْنَ تَعَيُّنِ الْمَاءِ غَيْرُ ظَاهِرَةٍ، فَإِنَّ الْحَدَثَ لاَ يُمْكِنُ إِزَالَتُهُ إِلاَّ بِالتَّعَبُّدِ وَذَلِكَ بِالْمَاءِ، وَفِي الْخَبَثِ بِإِزَالَةِ عَيْنِهِ، لَكِنْ إِذَا اجْتَمَعَتْ أَوْصَافٌ، مِنْهَا مَا اعْتَبَرَهُ الشَّارِعُ كَكَوْنِهَا طَهَارَةً تُرَادُ لِلصَّلاَةِ، وَمِنْهَا مَا أَلْغَاهُ كَكَوْنِهَا طَهَارَةً عَنِ الْخَبَثِ تَوَهَّمْنَا مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْوَصْفَ الَّذِي اعْتَبَرَهُ مُنَاسِبٌ لِلْحُكْمِ، وَأَنَّ فِيهِ مَصْلَحَةً (4) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْمُنَاسِبُ:
2 - الْمُنَاسِبُ: هُوَ الْمُلاَئِمُ لأَِفْعَال الْعُقَلاَءِ عَادَةً، كَمَا يُقَال: هَذِهِ اللُّؤْلُؤَةُ مُنَاسِبَةٌ بِهَذِهِ اللُّؤْلُؤَةِ، بِمَعْنَى أَنَّ جَمْعَهَا مَعَهَا فِي سِلْكٍ مُوَافِقٌ لِعَادَةِ الْعُقَلاَءِ.
فَمُنَاسَبَةُ الْوَصْفِ لِلْحُكْمِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهِ مُوَافِقَةٌ لِعَادَةِ الْعُقَلاَءِ فِي ضَمِّ الشَّيْءِ إِلَى مَا يُلاَئِمُهُ. وَتَخْرِيجُ الْمُنَاسَبَةِ يُسَمَّى بِتَخْرِيجِ الْمَنَاطِ؛ أَيْ تَعْيِينِ الْعِلَّةِ بِإِبْدَاءِ مُنَاسَبَةٍ بَيْنَ الْمُعَيَّنِ وَالْحُكْمِ مَعَ الاِقْتِرَانِ بَيْنَهُمَا، كَالإِْسْكَارِ فِي حَدِيثِ: كُل مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُل خَمْرٍ حَرَامٌ (5) فَهُوَ لإِِزَالَتِهِ الْعَقْل مُنَاسِبٌ لِلْحُرْمَةِ (6) .
ب - الطَّرْدُ وَالْعَكْسُ وَالدَّوَرَانُ:
3 - الطَّرْدُ: هُوَ مُقَارَنَةُ الْحُكْمِ لِلْوَصْفِ مِنْ غَيْرِ مُنَاسَبَةٍ، كَقَوْل بَعْضِهِمْ فِي الْخَل: مَائِعٌ لاَ تُبْنَى الْقَنْطَرَةُ عَلَى جِنْسِهِ فَلاَ تُزَال بِهِ النَّجَاسَةُ كَالدُّهْنِ، بِخِلاَفِ الْمَاءِ فَتُبْنَى الْقَنْطَرَةُ عَلَى جِنْسِهِ فَتُزَال بِهِ النَّجَاسَةُ، فَبِنَاءُ الْقَنْطَرَةِ وَعَدَمُهُ لاَ مُنَاسَبَةَ فِيهِ لِلْحُكْمِ أَصْلاً، وَإِنْ كَانَ مُطَّرِدًا لاَ نَقْضَ عَلَيْهِ، وَأَكْثَرُ الأُْصُولِيِّينَ عَلَى عَدَمِ إِثْبَاتِ الْحُكْمِ بِهِ.
وَمُقَابِل الطَّرْدِ هُوَ الْعَكْسُ، وَهُوَ انْتِفَاءُ الْحُكْمِ لاِنْتِفَاءِ الْوَصْفِ وَالْعِلَّةِ. وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ الشَّبَهَ مَنْزِلَةٌ بَيْنَ الْمُنَاسِبِ وَالطَّرْدِ، فَإِنَّهُ يُشْبِهُ الطَّرْدَ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ غَيْرُ مُنَاسِبٍ بِالذَّاتِ وَيُشْبِهُ الْمُنَاسِبَ بِالذَّاتِ مِنْ حَيْثُ الْتِفَاتُ الشَّارِعِ إِلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ، فَيُوهِمُ الْمُنَاسَبَةَ (7) .
وَالدَّوَرَانُ: هُوَ الطَّرْدُ وَالْعَكْسُ مَعًا؛ أَيْ: كُلَّمَا وُجِدَ الْوَصْفُ وُجِدَ الْحُكْمُ، وَكُلَّمَا انْتَفَى الْوَصْفُ انْتَفَى الْحُكْمُ. وَهَذَا الْمَسْلَكُ مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ فِي الْقِيَاسِ نَفَاهُ الْحَنَفِيَّةُ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ كَالْغَزَالِيِّ وَالآْمِدِيِّ.
وَأَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ حُجَّةٌ ظَنًّا أَوْ قَطْعًا عَلَى تَفْصِيلٍ وَخِلاَفٍ (8) . (ر: دَوَرَان)
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
4 - ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ فِي بَحْثِ اللَّقِيطِ أَنَّهُ إِذَا ادَّعَى نَسَبَ اللَّقِيطِ اثْنَانِ أَوْ أَكْثَرُ، وَلَمْ تَكُنْ لأَِحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ، أَوْ تَعَارَضَتْ فِيهِ بَيِّنَتَانِ وَسَقَطَتَا، يُعْرَضُ اللَّقِيطُ عَلَى الْقَافَةِ (9) . وَتَعْتَمِدُ الْقَافَةُ فِي مَعْرِفَتِهَا الأَْنْسَابَ بِالشَّبَهِ، فَيَلْحَقُ اللَّقِيطُ بِمَنْ أَلْحَقَتْهُ الْقَافَةُ بِهِ. وَهَذَا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ قَوْل أَنَسٍ وَعَطَاءٍ، وَالأَْوْزَاعِيِّ، وَاللَّيْثِ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى الأَْخْذِ بِقَوْل الْقَائِفِ وَالاِعْتِمَادِ عَلَى الشَّبَهِ بِمَا وَرَدَ عَنْ عَائِشَةَ - ﵂ -: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ دَخَل عَلَيْهَا مَسْرُورًا تَبْرُقُ أَسَارِيرُ وَجْهِهِ فَقَال: أَلَمْ تَرَيْ أَنَّ مُجَزِّزًا الْمُدْلِجِيَّ نَظَرَ آنِفًا إِلَى زَيْدٍ وَأُسَامَةَ وَقَدْ غَطَّيَا رُءُوسَهُمَا وَبَدَتْ أَقْدَامُهُمَا، فَقَال: إِنَّ هَذِهِ الأَْقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ (10) .
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: يَثْبُتُ نَسَبُ اللَّقِيطِ مِنْ وَاحِدٍ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ، كَمَا يَثْبُتُ مِنَ اثْنَيْنِ مُسْتَوِيَيْنِ إِذَا ادَّعَيَاهُ مَعًا. فَلَوْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا فَهُوَ ابْنُهُ مَا لَمْ يُبَرْهِنِ الآْخَرُ. وَلَمْ يَأْخُذُوا بِالشَّبَهِ وَقَوْل الْقَافَةِ لأَِنَّهُ مُجَرَّدُ ظَنٍّ وَتَخْمِينٍ، فَقَدْ يُوجَدُ الشَّبَهُ بَيْنَ الأَْجَانِبِ أَحْيَانًا، وَيَنْتَفِي بَيْنَ الأَْقَارِبِ (11) . وَقَدْ وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَتَاهُ فَقَال: يَا رَسُول اللَّهِ إِنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلاَمًا أَسْوَدَ، فَقَال: هَل لَكَ مِنْ إِبِلٍ؟ قَال: نَعَمْ، قَال: مَا أَلْوَانُهَا؟ قَال حُمْرٌ، قَال: فَهَل فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ؟ قَال: نَعَمْ، قَال: فَأَنَّى كَانَ ذَلِكَ؟ قَال: أُرَاهُ عِرْقٌ نَزَعَهُ، قَال: فَلَعَل ابْنَكَ هَذَا نَزَعَهُ عِرْقٌ (12) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: لاَ يَلْحَقُ نَسَبُ اللَّقِيطِ بِمُلْتَقِطِهِ وَلاَ بِغَيْرِهِ إِلاَّ بِبَيِّنَةٍ أَوْ قَرِينَةٍ دَالَّةٍ عَلَى دَعْوَاهُ، وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ الأَْخْذَ بِقَوْل الْقَائِفِ وَالاِعْتِمَادَ عَلَى الشَّبَهِ. لَكِنَّهُمْ أَخَذُوا بِالشَّبَهِ فِي مَسَائِل، مِنْهَا: إِذَا وَلَدَتْ زَوْجَةُ رَجُلٍ وَأَمَةُ آخَرَ وَاخْتَلَطَ الْوَلَدَانِ، وَلَمْ تَعْرِفْ كُل وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَلَدَهَا، عَيَّنَتْهُ الْقَافَةُ، وَتَعْتَمِدُ الْقَافَةُ فِي مَعْرِفَتِهَا الأَْنْسَابَ بِالشَّبَهِ عَلَى أَبٍ حَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ لَمْ يُدْفَنْ، لاَ عَلَى شَبَهِ عَصَبَةِ الأَْبِ الْمَدْفُونِ. وَالْمَشْهُورُ عِنْدَهُمْ أَنْ يَكْفِيَ قَائِفٌ وَاحِدٌ (13) . وَتَفْصِيل هَذِهِ الْمَسَائِل فِي مُصْطَلَحَاتِ (قَافَة، لُقَطَة، نَسَب) .
5 - ثَانِيًا: قَرَّرَ الأُْصُولِيُّونَ أَنَّهُ لاَ بُدَّ لِلْحُكْمِ مِنْ عِلَّةٍ نَاطَهُ بِهَا الشَّرْعُ، رِعَايَةً لِلْمَصَالِحِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالأُْخْرَوِيَّةِ، كَمَا أَنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْ طَرِيقٍ لإِِثْبَاتِ الْعِلِّيَّةِ وَهُوَ الْمَسْلَكُ. وَهُنَاكَ مَسَالِكُ لِتَعْيِينِ الْعِلَّةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا عِنْدَهُمْ، كَالنَّصِّ وَالإِْجْمَاعِ، وَالسَّبْرِ، وَالتَّقْسِيمِ، وَالْمُنَاسَبَةِ، مَعَ تَفْصِيلٍ فِيهَا (14) . وَمَسَالِكُ مُخْتَلَفٌ فِيهَا، كَالشَّبَهِ وَقِيَاسِهِ، وَالطَّرْدِ وَالدَّوَرَانِ وَنَحْوِهَا. وَقَدْ قَرَّرُوا أَنَّهُ إِذَا أَمْكَنَ قِيَاسُ الْعِلَّةِ الْمُشْتَمِل عَلَى الْمُنَاسِبِ بِالذَّاتِ فَالشَّبَهُ لاَ اعْتِبَارَ لَهُ، وَلاَ يُصَارُ إِلَى قِيَاسِهِ اتِّفَاقًا، فَإِنْ تَعَدَّدَتِ الْعِلَّةُ يَتَعَذَّرُ الْمُنَاسِبُ بِالذَّاتِ، بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُ قِيَاسِ الشَّبَهِ، فَهُوَ مَرْدُودٌ أَيْضًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ قَوْل الْبَاقِلاَّنِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ الصَّيْرَفِيِّ وَأَبِي إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيِّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، وَذَلِكَ لِشَبَهِهِ بِالطَّرْدِ.
وَقَال الشَّافِعِيُّ: هُوَ حُجَّةٌ لِشَبَهِهِ بِالْمُنَاسِبِ، وَمِنَ الشَّافِعِيَّةِ مَنْ قَالُوا: إِنَّ الشَّبَهَ عِلَّةٌ وَلَيْسَ بِمَسْلَكٍ، بَل إِنْ ثَبَتَ بِمَسْلَكٍ مِنَ الْمَسَالِكِ الأُْخَرِ يُقْبَل، وَإِلاَّ فَلاَ وَعَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ (1) .
وَتَفْصِيلُهُ فِي الْمُلْحَقِ الأُْصُولِيِّ.
__________
(1) متن اللغة واللسان والمصباح المنير.
(2) حاشية الشربيني على جمع الجوامع وشرحه 2 / 286.
(3) حاشية البناني على جمع الجوامع 2 / 287.
(4) مسلم الثبوت 2 / 302، وحاشية الشربيني على جمع الجوامع وشرحه 2 / 287.
(5) حديث: " كل مسكر خمر، وكل خمر حرام ". أخرجه مسلم (3 / 1588 - ط الحلبي) من حديث ابن عمر.
(6) جمع الجوامع مع الشرح 2 / 273 - 274.
(7) جمع الجوامع 2 / 286، 291 - 292، 302 - 305.
(8) مسلم الثبوت 2 / 302.
(9) القافة جمع قائف: وهو من يعرف النسب بالشبه، ولا يختص بقوم، لأن المراعى فيها إنما هو إدراك الشبه فكل من عرف ذلك وتكررت منه الإصابة فهو قائف. وقيل: هي مختصة ببني مدلج من العرب لأن لهم في ذلك قوة ليست لغيرهم. (القليوبي 4 / 349، الزرقاني 6 / 110، والمغني 5 / 769 وما بعدها) .
(10) القليوبي وعميرة 3 / 129، 4 / 349، والمغني 5 / 766، 769 وما بعدها، وحديث عائشة: " أن النبي ﷺ دخل عليها مسرورا ". أخرجه البخاري (الفتح 12 / 56 - ط السلفية) ومسلم (2 / 1082 ط. الحلبي) . واللفظ لمسلم.
(11) ابن عابدين 3 / 315، والمغني لابن قدامة 5 / 767.
(12) حديث: " أن أعرابيا أتى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله إن امرأتي ولدت غلاما أسود ". أخرجه البخاري (الفتح 12 / 175 - ط السلفية) ومسلم (2 / 1137 - ط. الحلبي) من حديث أبي هريرة.
(13) جواهر الإكليل 2 / 139، والزرقاني 6 / 110، والحطاب مع المواق 5 / 247 وحاشية الدسوقي 3 / 417، وتبصرة الحكام 2 / 108، 109.
(14) مسلم الثبوت 2 / 294، 295 وما بعدها.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 334/ 25
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".