القهار
كلمة (القهّار) في اللغة صيغة مبالغة من القهر، ومعناه الإجبار،...
المحادثة، والمحاورة بين البائع، والمشتري على ثمن السلعة للفصل في ذلك . ومن أمثلته جواز المساومة بين البائع، والمشتري . ومن شواهده عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ : كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم - فِي سَفَرٍ، فَأَعْيَا جَمَلِي، فَأَرَدْتُ أَنْ أُسَيِّبَهُ . فَلَحِقَنِي رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم - وَدَعَا لَهُ، وَضَرَبَهُ، فَسَارَ سَيْرًا لَمْ يَسِرْ مِثْلَهُ، قَالَ : "بِعْنِيهِ بِوُقِيَّةٍ "، قُلْتُ : لَا، قَالَ : "بِعْنِيهِ، فَبِعْتُهُ بِوُقِيَّةٍ "، وَاسْتَثْنَيْتُ حُمْلَانَهُ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَلَمَّا بَلَغْنَا الْمَدِينَةَ أَتَيْتُهُ بِالْجَمَلِ، وَانْتَقَدْتُ ثَمَنَهُ، ثُمَّ رَجَعْتُ، فَأَرْسَلَ إِلَيَّ، فَقَالَ : "أَتُرَانِي إِنَّمَا مَاكَسْتُكَ لِآخُذَ جَمَلَكَ؟ خُذْ جَمَلَكَ، وَدَرَاهِمَكَ ." الكبرى للنسائي :6188، وصححه الألباني .
المحادثة، والمحاورة بين البائع، والمشتري على ثمن السلعة للفصل في ذلك.
التَّعْرِيفُ:
1 - السَّوْمُ: عَرْضُ السِّلْعَةِ عَلَى الْبَيْعِ، يُقَال: سُمْتُ بِالسِّلْعَةِ أَسُومُ بِهَا سَوْمًا، وَسَاوَمْتُ وَاسْتَمْتُ بِهَا وَعَلَيْهَا: غَالَيْتُ، وَيُقَال: سُمْتُ فُلاَنًا سِلْعَتِي سَوْمًا: إِذَا قُلْتَ: أَتَأْخُذُهَا بِكَذَا مِنَ الثَّمَنِ.
وَالْمُسَاوَمَةُ: الْمُجَاذَبَةُ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي عَلَى السِّلْعَةِ وَفَضْل ثَمَنِهَا.
قَال الْفَيُّومِيُّ: سَامَ الْبَائِعُ السِّلْعَةَ سَوْمًا: عَرَضَهَا لِلْبَيْعِ، وَسَامَهَا الْمُشْتَرِي وَاسْتَامَهَا: طَلَبَ بَيْعَهَا.
وَسَامَتِ الرَّاعِيَةُ وَالْمَاشِيَةُ وَالْغَنَمُ تَسُومُ سَوْمًا: رَعَتْ بِنَفْسِهَا حَيْثُ شَاءَتْ، فَهِيَ سَائِمَةٌ، وَالسَّوَامُ وَالسَّائِمَةُ: الأَْنْعَامُ الرَّاعِيَةُ. وَأَسَامَهَا هُوَ وَسَامَهَا: رَعَاهَا.وَالْفُقَهَاءُ يَسْتَعْمِلُونَ لَفْظَ السَّوْمِ بِمَعْنَى الرَّعْيِ فِي الْكَلأَِ الْمُبَاحِ فِي بَابِ الزَّكَاةِ، وَبِمَعْنَى عَرْضِ الْبَائِعُ سِلْعَتَهُ بِثَمَنٍ مَا وَيَطْلُبُهُ مَنْ يَرْغَبُ فِي شِرَائِهَا بِثَمَنٍ دُونَهُ.
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - النَّجْشُ:
2 - النَّجْشُ - بِسُكُونِ الْجِيمِ - مَصْدَرٌ، وَبِالْفَتْحِ اسْمُ مَصْدَرٍ.
هُوَ: أَنْ يَزِيدَ فِي الثَّمَنِ وَلاَ يُرِيدَ الشِّرَاءَ أَوْ يَمْدَحَهُ بِمَا لَيْسَ فِيهِ لِيُرَوِّجَهُ، وَيَجْرِي فِي النِّكَاحِ وَغَيْرِهِ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّوْمِ أَنَّ النَّاجِشَ لاَ يَرْغَبُ فِي الشَّيْءِ وَالْمُسَاوِمَ يَرْغَبُ فِيهِ.
ب - الْمُزَايَدَةُ:
3 - بَيْعُ الْمُزَايَدَةِ وَيُسَمَّى بَيْعَ الدَّلاَلَةِ: أَنْ يُنَادِيَ عَلَى السِّلْعَةِ وَيَزِيدَ النَّاسُ فِيهَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، حَتَّى تَقِفَ عَلَى آخِرِ مَنْ يَزِيدُ فِيهَا فَيَأْخُذَهَا. وَهَذَا بَيْعٌ جَائِزٌ.مَا يَتَعَلَّقُ بِالسَّوْمِ مِنْ أَحْكَامٍ:
أَوَّلاً: السَّوْمُ فِي الزَّكَاةِ:
4 - مِنْ شُرُوطِ وُجُوبِ زَكَاةِ الْمَاشِيَةِ كَوْنُهَا سَائِمَةً فِي كَلإٍَ مُبَاحٍ، وَهَذَا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ) . وَاسْتَدَلُّوا بِمَا فِي كِتَابِ الصِّدِّيقِ - ﵁ - عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: وَفِي صَدَقَةِ الْغَنَمِ فِي سَائِمَتِهَا إِذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ شَاةٌ. . . الْحَدِيثَ.
فَذِكْرُ السَّوْمِ فِي الْحَدِيثِ قَيْدٌ يَدُل عَلَى نَفْيِ الْوُجُوبِ فِي غَيْرِ السَّائِمَةِ. وَاخْتُصَّتِ السَّائِمَةُ بِالزَّكَاةِ لِتَوَفُّرِ مُؤْنَتِهَا بِالرَّعْيِ فِي كَلأٍَ مُبَاحٍ.
وَاشْتَرَطَ الْجُمْهُورُ أَنْ تَكُونَ الإِْسَامَةُ لِلدَّرِّ وَالنَّسْل؛ لأَِنَّ مَال الزَّكَاةِ هُوَ الْمَال النَّامِي وَالْمَال النَّامِي فِي الْحَيَوَانِ بِالإِْسَامَةِ إِذْ بِهَا يَحْصُل النَّسْل فَيَزْدَادُ الْمَال. فَإِنْ كَانَتِ السَّائِمَةُ لِلْحَمْل وَالرُّكُوبِ فَلاَ زَكَاةَ فِيهَا، لأَِنَّهَا تَصِيرُ كَثِيَابِ الْبَدَنِ.
وَيُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الإِْسَامَةُ أَكْثَرَ الْعَامِ لأَِنَّ الأَْكْثَرَ لَهُ حُكْمُ الْكُل، وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِوَالْحَنَابِلَةِ، وَلِلشَّافِعِيَّةِ تَفْصِيلٌ: فَعِنْدَهُمْ إِنْ عُلِفَتْ مُعْظَمَ الْحَوْل فَلاَ زَكَاةَ فِيهَا، وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.
وَإِنْ عُلِفَتْ دُونَ الْمُعْظَمِ فَالأَْصَحُّ: إِنْ عُلِفَتْ قَدْرًا تَعِيشُ بِدُونِهِ بِلاَ ضَرَرٍ بَيِّنٍ، وَجَبَتْ زَكَاتُهَا لَحْظَةَ الْمُؤْنَةِ، وَإِنْ كَانَتْ لاَ تَعِيشُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ بِدُونِهِ أَوْ تَعِيشُ وَلَكِنْ بِضَرَرٍ بَيِّنٍ فَلاَ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهَا لِظُهُورِ الْمُؤْنَةِ.
وَاشْتَرَطَ الشَّافِعِيَّةُ فِيهِ الإِْسَامَةَ مِنَ الْمَالِكِ، فَلَوْ سَامَتِ الْمَاشِيَةُ بِنَفْسِهَا أَوْ أَسَامَهَا غَاصِبٌ أَوْ مُشْتَرٍ شِرَاءً فَاسِدًا فَلاَ زَكَاةَ فِيهَا فِي الأَْصَحِّ لِعَدَمِ إِسَامَةِ الْمَالِكِ، وَإِنَّمَا اعْتُبِرَ قَصْدُهُ لأَِنَّ السَّوْمَ يُؤَثِّرُ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فَاعْتُبِرَ فِيهِ قَصْدُهُ.
وَهَذَا مُقْتَضَى كَلاَمِ الْحَنَفِيَّةِ كَمَا اسْتَظْهَرَ ابْنُ عَابِدِينَ.
أَمَّا عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ فَلاَ تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ، فَلَوْ سَامَتْ بِنَفْسِهَا أَوْ أَسَامَهَا غَاصِبٌ فَفِيهَا الزَّكَاةُ كَمَنْ غَصَبَ حَبًّا وَزَرَعَهُ فِي أَرْضِ رَبِّهِ، فَفِيهِ الْعُشْرُ عَلَى مَالِكِهِ (1) . وَيُنْظَرُ التَّفْصِيل فِي بَحْثِ (زَكَاة) . أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ: فَعِنْدَهُمْ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْمَاشِيَةِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ سَائِمَةً أَمْ مَعْلُوفَةً، وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ عَامِلَةً أَمْ مُهْمَلَةً، لِعُمُومِ مَنْطُوقِ قَوْل النَّبِيِّ ﷺ فِي كِتَابِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ: فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنَ الإِْبِل فَمَا دُونَهَا مِنَ الْغَنَمِ مِنْ كُل خَمْسٍ شَاةٌ (2) .
وَالتَّقْيِيدُ بِالسَّائِمَةِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ لاَ لِلاِحْتِرَازِ؛ لأَِنَّ الْغَالِبَ فِي الأَْنْعَامِ فِي أَرْضِ الْحِجَازِ السَّوْمُ، وَالتَّقْيِيدُ إِذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ لاَ يَكُونُ حُجَّةً بِالإِْجْمَاعِ (3) .
وَيُنْظَرُ التَّفْصِيل فِي بَحْثِ (زَكَاة) .
ثَانِيًا: السَّوْمُ فِي الْبَيْعِ:
5 - إِذَا كَانَ السَّوْمُ قَبْل الاِتِّفَاقِ وَالتَّرَاضِي عَلَى الثَّمَنِ فَلاَ حُرْمَةَ فِيهِ وَلاَ كَرَاهَةَ؛ لأَِنَّهُ مِنْ بَابِ الْمُزَايَدَةِ وَذَلِكَ جَائِزٌ. أَمَّا بَعْدَ الاِتِّفَاقِ عَلَى مَبْلَغِ الثَّمَنِ فَمَكْرُوهٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَمُحَرَّمٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ. وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: بُيُوعٌ مَنْهِيٌّ عَنْهَا، وَمُزَايَدَةٌ. وَلَكِنِ الْبَيْعُ صَحِيحٌ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ لاِسْتِكْمَال أَرْكَانِهِ وَشَرَائِطِهِ، وَهُوَ بَاطِلٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِذَا وَقَعَ زَمَنَ الْخِيَارَيْنِ (خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَخِيَارِ الشَّرْطِ) لأَِنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي الْفَسَادَ. وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ (4) .
__________
(1) ابن عابدين 2 / 15 - 16 والبدائع 2 / 30 ومغني المحتاج 1 / 379 - 380، والقليوبي 2 / 14، وكشاف القناع 2 / 183 - 184 وشرح منتهى الإرادات 1 / 374.
(2) حديث: " في أربع وعشرين. . . . ". تقدم تخريجه ف4.
(3) الفواكه الدواني 1 / 396.
(4) ابن عابدين 4 / 132 والفواكه الدواني 2 / 156 والقليوبي 2 / 183 وكشاف القناع 3 / 183.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 291/ 25
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".