التواب
التوبةُ هي الرجوع عن الذَّنب، و(التَّوَّاب) اسمٌ من أسماء الله...
السجدة التي يسجدها المصلي، أو قارئ القرآن في مواضع ورد الأثر بالسجود عند بلوغها . و من شواهده عن ابن عمر -رَضِيَ اللهُ عَنْه - قال : كان النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم - يقرأ السجدة، ونحن عنده، فيسجد، ونسجد معه، فنزدحم حتى ما يجد أحدنا لجبهته موضعاً يسجد عليه ." البخاري :1026. ومن ذلك السجدة في قوله تَعَالَى :ﱫﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﱪالأعراف : 206، وقوله سُبْحَانَهُ : ﱫﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﱪمريم :58.
يَرِدُ إِطْلاقُ مُصْطَلَحِ سُجُوْدِ التِّلاوَةِ في كُتُبِ التَّفْسِيْرِ وَأَحْكَامِ القُرْآنِ وَعُلُوْمِهِ عِنْدَ الكَلامِ عَلَى حُكْمِ سُجُوْدِ التِّلاوَةِ وَعَدَدٍ سَجَدَاتِ القُرْآنِ، وَحُكْمِ الرُّكُوعِ عَنْ سُجُودِ التِّلَاوَةِ. وَيَرِدُ إِطْلاقُ هَذَا الـمُصْطَلَحِ في كُتُبِ الفِقْهِ في كِتَابِ الصَّلاةِ؛ بَابِ سُجُوْدِ التَّلاوَةِ عِنْدَ الكَلامِ عَلَى سُجُوْدِ التِّلاوَةِ وَتَفْصِيْلِ الأَحْكَامِ الـمُتَعَلِّقَةِ بِهِ.
السجدة التي يسجدها المصلي، أو قارئ القرآن في مواضع ورد الأثر بالسجود عند بلوغها.
* معجم مصطلحات علوم القرآن : ص95 - معجم علوم القرآن : ص165 - المقدمات الأساسية في علوم القرآن : ص536 - معجم علوم القرآن : (ص: 165)
* المقدمات الأساسية في علوم القرآن : (ص: 536 _ 537)
* جامع العلوم في اصطلاحات الفنون : (2/ 119)
* البناية شرح الهداية : (2/ 654)
* التعريفات الفقهية : (ص: 112)
* معجم لغة الفقهاء : (ص: 241)
* الموسوعة الفقهية الكويتية : (24/ 212)
* جامع العلوم في اصطلاحات الفنون : (2/ 119) -
.
التَّعْرِيفُ:
1 - السُّجُودُ لُغَةً: مَصْدَرُ سَجَدَ، وَأَصْل السُّجُودِ التَّطَامُنُ وَالْخُضُوعُ وَالتَّذَلُّل.
وَالسُّجُودُ فِي الاِصْطِلاَحِ: وَضْعُ الْجَبْهَةِ أَوْ بَعْضِهَا عَلَى الأَْرْضِ أَوْ مَا اتَّصَل بِهَا مِنْ ثَابِتٍ مُسْتَقِرٍّ عَلَى هَيْئَةٍ مَخْصُوصَةٍ.
وَالتِّلاَوَةُ: مَصْدَرُ تَلاَ يَتْلُو، يُقَال: تَلَوْتُ الْقُرْآنَ تِلاَوَةً إِذَا قَرَأْتُهُ، وَعَمَّ بَعْضُهُمْ بِهِ كُل كَلاَمٍ.
وَسُجُودُ التِّلاَوَةِ: هُوَ الَّذِي سَبَبُ وُجُوبِهِ - أَوْ نَدْبِهِ - تِلاَوَةُ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ السُّجُودِ.الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
2 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ سُجُودِ التِّلاَوَةِ، لِلآْيَاتِ وَالأَْحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِيهِ، لَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي صِفَةِ مَشْرُوعِيَّتِهِ أَوَاجِبٌ هُوَ أَوْ مَنْدُوبٌ.
فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ سُجُودَ التِّلاَوَةِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ عَقِبَ تِلاَوَةِ آيَةِ السَّجْدَةِ لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَْذْقَانِ سُجَّدًا وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً وَيَخِرُّونَ لِلأَْذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} وَلِمَا وَرَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: إِذَا قَرَأَ ابْنُ آدَمَ السَّجْدَةَ فَسَجَدَ، اعْتَزَل الشَّيْطَانُ يَبْكِي، يَقُول: يَا وَيْلِي، وَفِي رِوَايَةٍ يَا وَيْلَهُ - أُمِرَ ابْنُ آدَمَ بِالسُّجُودِ فَسَجَدَ فَلَهُ الْجَنَّةُ، وَأُمِرْتُ بِالسُّجُودِ فَأَبَيْتُ فَلِيَ النَّارُ. وَلِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا قَال: كَانَ رَسُول اللَّهِ ﷺ يَقْرَأُ عَلَيْنَا السُّورَةَ فِيهَا السَّجْدَةُ فَيَسْجُدُ وَنَسْجُدُ.
وَلَيْسَ سُجُودُ التِّلاَوَةِ بِوَاجِبٍ - عِنْدَهُمْ - لأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ تَرَكَهُ، وَقَدْ قُرِئَتْ عَلَيْهِ سُورَةُوَالنَّجْمِ. . .) وَفِيهَا سَجْدَةٌ، رَوَى زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَال: قَرَأْتُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ وَالنَّجْمِ فَلَمْ يَسْجُدْ فِيهَا، وَفِي رِوَايَةٍ: فَلَمْ يَسْجُدْ مِنَّا أَحَدٌ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَرَأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ سُورَةَ النَّحْل حَتَّى إِذَا جَاءَ السَّجْدَةَ نَزَل فَسَجَدَ، فَسَجَدَ النَّاسُ، حَتَّى إِذَا كَانَتِ الْجُمُعَةُ الْقَابِلَةُ قَرَأَ بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءَ السَّجْدَةَ قَال: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّا نَمُرُّ بِالسُّجُودِ، فَمَنْ سَجَدَ فَقَدْ أَصَابَ، وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَسْجُدْ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَقَال فِيهِ: عَلَى رِسْلِكُمْ، إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَكْتُبْهَا عَلَيْنَا إِلاَّ أَنْ نَشَاءَ، فَلَمْ يَسْجُدْ، وَمَنَعَهُمْ أَنْ يَسْجُدُوا، وَكَانَ بِمَحْضَرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يُنْكِرُوا عَلَيْهِ فَكَانَ إِجْمَاعًا.
وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ الأَْعْرَابِيِّ مِنْ قَوْلِهِ ﷺ: خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ قَال: هَل عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَال: لاَ، إِلاَّ أَنْ تَتَطَوَّعَ. وَبِأَنَّ الأَْصْل عَدَمُ الْوُجُوبِ حَتَّىيَثْبُتَ صَحِيحٌ صَرِيحٌ فِي الأَْمْرِ بِهِ وَلاَ مُعَارِضَ لَهُ وَلَمْ يَثْبُتْ، وَبِأَنَّهُ يَجُوزُ سُجُودُ التِّلاَوَةِ عَلَى الرَّاحِلَةِ بِالاِتِّفَاقِ فِي السَّفَرِ وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَمْ يَجُزْ كَسُجُودِ صَلاَةِ الْفَرْضِ.
وَاخْتَلَفَ فُقَهَاءُ الْمَالِكِيَّةِ فِي حُكْمِ سُجُودِ التِّلاَوَةِ، هَل هُوَ سُنَّةٌ غَيْرُ مُؤَكَّدَةٍ أَوْ فَضِيلَةٌ، وَالْقَوْل بِالسُّنِّيَّةِ شَهَرَهُ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ وَابْنُ الْفَاكِهَانِيِّ وَعَلَيْهِ الأَْكْثَرُ، وَالْقَوْل بِأَنَّهُ فَضِيلَةٌ هُوَ قَوْل الْبَاجِيِّ وَابْنِ الْكَاتِبِ وَصَدَرَ بِهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَمِنْ قَاعِدَتِهِ تَشْهِيرُ مَا صَدَرَ بِهِ، وَهَذَا الْخِلاَفُ فِي حَقِّ الْمُكَلَّفِ. أَمَّا الصَّبِيُّ فَيُنْدَبُ لَهُ فَقَطْ، وَفَائِدَةُ الْخِلاَفِ كَثْرَةُ الثَّوَابِ وَقِلَّتُهُ، وَأَمَّا السُّجُودُ فِي الصَّلاَةِ وَلَوْ فَرْضًا فَمَطْلُوبٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ، وَقَال ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَسُجُودُ التِّلاَوَةِ وَاجِبٌ وُجُوبَ سُنَّةٍ لاَ يَأْثَمُ مَنْ تَرَكَهُ عَامِدًا.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ سُجُودَ التِّلاَوَةِ أَوْ بَدَلَهُ كَالإِْيمَاءِ وَاجِبٌ لِحَدِيثِ: السَّجْدَةُ عَلَى مَنْ سَمِعَهَا. . . وَعَلَى لِلْوُجُوبِ، وَلِحَدِيثِأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: إِذَا قَرَأَ ابْنُ آدَمَ السَّجْدَةَ فَسَجَدَ اعْتَزَل الشَّيْطَانُ يَبْكِي، يَقُول: يَا وَيْلَهُ أُمِرَ ابْنُ آدَمَ بِالسُّجُودِ فَسَجَدَ فَلَهُ الْجَنَّةُ، وَأُمِرْتُ بِالسُّجُودِ فَأَبَيْتُ فَلِيَ النَّارُ.
شُرُوطُ سُجُودِ التِّلاَوَةِ:
الطَّهَارَةُ مِنَ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ:
3 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ سُجُودِ التِّلاَوَةِ الطَّهَارَةُ مِنَ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ فِي الْبَدَنِ وَالثَّوْبِ وَالْمَكَانِ؛ لِكَوْنِ سُجُودِ التِّلاَوَةِ صَلاَةً أَوْ جُزْءًا مِنَ الصَّلاَةِ أَوْ فِي مَعْنَى الصَّلاَةِ، فَيُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ الطَّهَارَةُ الَّتِي شُرِطَتْ لِصِحَّةِ الصَّلاَةِ،
وَالَّتِي لاَ تُقْبَل الصَّلاَةُ إِلاَّ بِهَا، لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: لاَ تُقْبَل صَلاَةٌ بِغَيْرِ طَهُورٍ فَيَدْخُل فِي عُمُومِهِ سُجُودُ التِّلاَوَةِ.
وَقَال ابْنُ قُدَامَةَ: يُشْتَرَطُ لِسُجُودِ التِّلاَوَةِمَا يُشْتَرَطُ لِصَلاَةِ النَّافِلَةِ مِنَ الطَّهَارَتَيْنِ مِنَ الْحَدَثِ وَالنَّجَسِ. . . وَلاَ نَعْلَمُ فِيهِ خِلاَفًا إِلاَّ مَا رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي الْحَائِضِ تَسْمَعُ السَّجْدَةَ: تُومِئُ بِرَأْسِهَا، وَبِهِ قَال سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ قَال: وَيَقُول: اللَّهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ، وَعَنِ الشَّعْبِيِّ فِيمَنْ سَمِعَ السَّجْدَةَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ: يَسْجُدُ حَيْثُ كَانَ وَجْهُهُ.
وَقَال الْقُرْطُبِيُّ: لاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ سُجُودَ الْقُرْآنِ يَحْتَاجُ إِلَى مَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ الصَّلاَةُ مِنْ طَهَارَةِ حَدَثٍ وَنَجَسٍ. . إِلاَّ مَا ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّهُ كَانَ يَسْجُدُ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ. وَذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ الشَّعْبِيِّ.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فِي اشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ لِسُجُودِ التِّلاَوَةِ خِلاَفُهُ لِلنَّاصِرِ اللَّقَانِيِّ.
قَال أَبُو الْعَبَّاسِ: وَالَّذِي تَبَيَّنَ لِي أَنَّ سُجُودَ التِّلاَوَةِ وَاجِبٌ مُطْلَقًا فِي الصَّلاَةِ وَغَيْرِهَا. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَمَذْهَبُ طَائِفَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ،وَلاَ يُشْرَعُ فِيهِ تَحْرِيمٌ وَلاَ تَحْلِيلٌ. هَذَا هُوَ السُّنَّةُ الْمَعْرُوفَةُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ وَعَلَيْهَا عَامَّةُ السَّلَفِ. وَعَلَى هَذَا فَلَيْسَ هُوَ صَلاَةً، فَلاَ يُشْتَرَطُ لَهُ شُرُوطُ الصَّلاَةِ، بَل يَجُوزُ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ. كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَسْجُدُ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ. وَاخْتَارَهَا الْبُخَارِيُّ. لَكِنَّ السُّجُودَ بِشُرُوطِ الصَّلاَةِ أَفْضَل، وَلاَ يَنْبَغِي أَنْ يُخِل بِذَلِكَ إِلاَّ لِعُذْرٍ. فَالسُّجُودُ بِلاَ طَهَارَةٍ خَيْرٌ مِنَ الإِْخْلاَل بِهِ، لَكِنْ قَدْ يُقَال: إِنَّهُ لاَ يَجِبُ فِي هَذِهِ الْحَال كَمَا لاَ يَجِبُ عَلَى السَّامِعِ إِذَا لَمْ يَسْجُدْ قَارِئُ السُّجُودِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ السُّجُودُ جَائِزًا عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ.
وَأَمَّا سَتْرُ الْعَوْرَةِ وَاسْتِقْبَال الْقِبْلَةِ وَالنِّيَّةُ فَهِيَ شُرُوطٌ لِصِحَّةِ سُجُودِ التِّلاَوَةِ عَلَى التَّفْصِيل الْمُبَيَّنِ فِي مُصْطَلَحِ: " صَلاَةٍ " وَ " عَوْرَةٍ " عَلَى أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ اعْتَبَرُوا النِّيَّةَ رُكْنًا.
دُخُول الْوَقْتِ:
4 - يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ سُجُودِ التِّلاَوَةِ دُخُول وَقْتِ السُّجُودِ، وَيَحْصُل ذَلِكَ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ بِقِرَاءَةِ جَمِيعِ آيَةِ السَّجْدَةِ أَوْ سَمَاعِهَا، فَلَوْ سَجَدَ قَبْل الاِنْتِهَاءِ إِلَى آخِرِ الآْيَةِ وَلَوْ بِحَرْفٍ وَاحِدٍ لَمْ يَصِحَّ السُّجُودُ؛ لأَِنَّهُ يَكُونُ قَدْ سَجَدَ قَبْل دُخُول وَقْتِ السُّجُودِ فَلاَ يَصِحُّ، كَمَا لاَ تَصِحُّ الصَّلاَةُ قَبْل دُخُول وَقْتِهَا.وَاخْتَلَفَ الْحَنَفِيَّةُ فِيمَا يَجِبُ بِهِ سُجُودُ التِّلاَوَةِ، فَقَال الْحَصْكَفِيُّ: يَجِبُ سُجُودُ التِّلاَوَةِ بِسَبَبِ تِلاَوَةِ آيَةٍ، أَيْ أَكْثَرِهَا مَعَ حَرْفِ السَّجْدَةِ.
وَعَقَّبَ ابْنُ عَابِدِينَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: هَذَا خِلاَفُ الصَّحِيحِ الَّذِي جَزَمَ بِهِ فِي نُورِ الإِْيضَاحِ.
الْكَفُّ عَنْ مُفْسِدَاتِ الصَّلاَةِ:
5 - يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ سُجُودِ التِّلاَوَةِ الْكَفُّ عَنْ كُل مَا يُفْسِدُ الصَّلاَةَ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ؛ لأَِنَّ سُجُودَ التِّلاَوَةِ صَلاَةٌ أَوْ فِي مَعْنَى الصَّلاَةِ.
وَاشْتَرَطَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ شُرُوطًا أُخْرَى لِصِحَّةِ سُجُودِ التِّلاَوَةِ، مِنْهَا: مَا اشْتَرَطَهُ الشَّافِعِيَّةُ مِنْ كَوْنِ الْقِرَاءَةِ مَقْصُودَةً وَمَشْرُوعَةً، وَعَدَمِ الْفَصْل الطَّوِيل بَيْنَ قِرَاءَةِ آخِرِ آيَةِ السَّجْدَةِ وَالسُّجُودِ.
وَمِنْ ذَلِكَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْحَنَابِلَةُ مِنْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِسُجُودِ الْمُسْتَمِعِ أَنْ يَكُونَ التَّالِي مِمَّنْ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ إِمَامًا لَهُ، وَأَنْ يَسْجُدَ التَّالِي.
مُوَاضِعُ سُجُودِ التِّلاَوَةِ:
6 - مَوَاضِعُ سُجُودِ التِّلاَوَةِ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِخَمْسَةَ عَشْرَ، بَعْضُهَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَبَعْضُهَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَقِيل سِتَّ عَشْرَةَ بِزِيَادَةِ سَجْدَةٍ عِنْدَ آيَةِ الْحِجْرِ: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّك وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ} . خِلاَفًا لِجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ.
مَوَاضِعُ السُّجُودِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا:
7 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى سُجُودِ التِّلاَوَةِ فِي عَشْرَةِ مَوَاضِعَ مِنَ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ.
1 - سُورَةُ الأَْعْرَافِ: وَهِيَ آخِرُ آيَةٍ فِيهَا ". . . {وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ} .
2 - سُورَةُ الرَّعْدِ: عِنْدَ قَوْل اللَّهِ تَعَالَى:. . . {وَظِلاَلُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالآْصَال} مِنَ الآْيَةِ الْخَامِسَةَ عَشْرَ.
3 - سُورَةُ النَّحْل عِنْدَ قَوْل اللَّهِ تَعَالَى:. . . {وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} مِنَ الآْيَةِ الْخَمْسِينَ.
4 - سُورَةُ الإِْسْرَاءِ: عِنْدَ قَوْل اللَّهِ تَعَالَى:. . . {وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} مِنَ الآْيَةِ التَّاسِعَةِ بَعْدَ الْمِائَةِ.
5 - سُورَةُ مَرْيَمَ: عِنْدَ قَوْل اللَّهِ تَعَالَى:. . . {خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} مِنَ الآْيَةِ الثَّامِنَةِ وَالْخَمْسِينَ.
6 - سُورَةُ الْحَجِّ: عِنْدَ قَوْل اللَّهِ تَعَالَى:. . . {إِنَّ اللَّهَ يَفْعَل مَا يَشَاءُ} مِنَ الآْيَةِ الثَّامِنَةَ عَشْرَ.7 - سُورَةُ النَّمْل: عِنْدَ قَوْل اللَّهِ تَعَالَى:. . . {رَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} مِنَ الآْيَةِ السَّابِعَةِ وَالْعِشْرِينَ.
8 - سُورَةُ السَّجْدَةِ {الم تَنْزِيل} . . . عِنْدَ قَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ} مِنَ الآْيَةِ الْخَامِسَةَ عَشْرَ.
9 - سُورَةُ الْفُرْقَانِ: عِنْدَ قَوْل اللَّهِ تَعَالَى:. . . {وَزَادَهُمْ نُفُورًا} مِنَ الآْيَةِ السِّتِّينَ.
10 - سُورَةُ حم السَّجْدَةُ " فُصِّلَتْ ". عِنْدَ قَوْل اللَّهِ تَعَالَى:. . {وَهُمْ لاَ يَسْأَمُونَ} مِنَ الآْيَةِ الثَّامِنَةِ وَالثَّلاَثِينَ.
هَذَا عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ لِفِعْل ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄، وَقِيل: إِنَّ السُّجُودَ يَكُونُ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى: {إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} عِنْدَ تَمَّامِ الآْيَةِ السَّابِعَةِ وَالثَّلاَثِينَ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ.
مَوَاضِعُ السُّجُودِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا:
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي سُجُودِ التِّلاَوَةِ عِنْدَ خَمْسَةِ مَوَاضِعَ مِنَ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ هِيَ:
1 - السَّجْدَةُ الثَّانِيَةُ فِي سُورَةِ الْحَجِّ:
8 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي السُّجُودِ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} . . . إِلَخْ.
فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ فِي سُورَةِ الْحَجِّ سَجْدَتَيْنِ، إِحْدَاهُمَا الَّتِي تَقَدَّمَتْ فِي الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، وَالأُْخْرَى عِنْدَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} وَهِيَ الآْيَةُ السَّابِعَةُ وَالسَّبْعُونَ.
لِمَا رُوِيَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَال: قُلْتُ يَا رَسُول اللَّهِ: فُضِّلَتْ سُورَةُ الْحَجِّ بِأَنَّ فِيهَا سَجْدَتَيْنِ؟ قَال: نَعَمْ، مَنْ لَمْ يَسْجُدْهُمَا فَلاَ يَقْرَأْهُمَا (1) وَلأَِنَّهُ قَوْل عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَبِي مُوسَى ﵃، وَأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، وَأَبِي الْعَالِيَةِ وَزِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، قَال ابْنُ قُدَامَةَ: لَمْ نَعْرِفْ لَهُمْ مُخَالِفًا فِي عَصْرِهِمْ، وَقَدْ قَال أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ التَّابِعِيُّ الْكَبِيرُ: أَدْرَكْتُ النَّاسَ مُنْذُ سَبْعِينَ سَنَةً يَسْجُدُونَ فِي الْحَجِّ سَجْدَتَيْنِ، وَقَال ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا: لَوْ كُنْتُ تَارِكًا إِحْدَاهُمَا لَتَرَكْتُ الأُْولَى، وَذَلِكَ لأَِنَّهَا إِخْبَارٌ، وَالثَّانِيَةُ أَمْرٌ (2) .
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ سُجُودَ فِي هَذَا الْمَوْطِنِ، وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رُوِيَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ عَدَّ السَّجَدَاتِ الَّتِي سَمِعَهَا مِنْ رَسُول اللَّهِ ﷺ وَعَدَّ فِي الْحَجِّ سَجْدَةً وَاحِدَةً. وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ قَالاَ: سَجْدَةُ التِّلاَوَةِ فِي الْحَجِّ هِيَ الأُْولَى، وَالثَّانِيَةُ سَجْدَةُ الصَّلاَةِ؛ وَلأَِنَّ السَّجْدَةَ مَتَى قُرِنَتْ بِالرُّكُوعِ كَانَتْ عِبَارَةً عَنْ سَجْدَةِ الصَّلاَةِ كَمَا فِي قَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} (3) وَلِعَدَمِ سُجُودِ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ وَقُرَّائِهِمْ فِيهَا. (4)
2 - سَجْدَةُ سُورَةِ (5) :
9 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى مَشْرُوعِيَّةِ السُّجُودِ لِلتِّلاَوَةِ فِي سُورَةِ (5) ، لَكِنَّ الْحَنَفِيَّةَ قَالُوا فِي الصَّحِيحِ عِنْدَهُمْ: إِنَّ السُّجُودَ عِنْدَ قَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ} . (7)
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: السُّجُودُ عِنْدَ قَوْل اللَّهِ ﷿:. . . {وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} (8) وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي الْمَذْهَبِ خِلاَفًا لِمَنْ قَال السُّجُودُ عِنْدَ قَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {وَحُسْنَ مَآبٍ} ، وَمِنَ الْمَالِكِيَّةِ مَنِ اخْتَارَ السُّجُودَ فِي الأَْخِيرِ فِي كُل مَوْضِعٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ لِيَخْرُجَ مِنَ الْخِلاَفِ.
وَاسْتَدَل الْحَنَفِيَّةُ لِمَذْهَبِهِمْ، بِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ سَجَدَ فِي ص (9) . وَبِمَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ﵁ قَال: رَأَيْتُ رُؤْيَا وَأَنَا أَكْتُبُ سُورَةَ ص فَلَمَّا بَلَغْتُ السَّجْدَةَ رَأَيْتُ الدَّوَاةَ وَالْقَلَمَ وَكُل شَيْءٍ بِحَضْرَتِي انْقَلَبَ سَاجِدًا، فَقَصَصْتُهَا عَلَى رَسُول اللَّهِ ﷺ فَلَمْ يَزَل يَسْجُدُ بِهَا. (10) قَال الْكَمَال بْنُ الْهُمَامِ فِي الاِسْتِدْلاَل بِالْحَدِيثِ: فَأَفَادَ أَنَّ الأَْمْرَ صَارَ إِلَى الْمُوَاظَبَةِ عَلَيْهَا كَغَيْرِهَا مِنْ غَيْرِ تَرْكٍ.
وَاسْتَدَلُّوا كَذَلِكَ بِمَا رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ قَرَأَ فِي الصَّلاَةِ سُورَةَ (11) وَسَجَدَ وَسَجَدَ النَّاسُ مَعَهُ، وَكَانَ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ، وَلَوْ لَمْ تَكُنِ السَّجْدَةُ وَاجِبَةً لَمَا جَازَ إِدْخَالُهَا فِي الصَّلاَةِ.
وَقَالُوا: كَوْنُ سَبَبِ السُّجُودِ فِي حَقِّنَا الشُّكْرَ لاَ يُنَافِي الْوُجُوبَ، فَكُل الْفَرَائِضِ وَالْوَاجِبَاتِ إِنَّمَا وَجَبَتْ شُكْرًا لِتَوَالِي النِّعَمِ، وَنَحْنُ نَسْجُدُ شُكْرًا. (12)
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الْمَنْصُوصِ الَّذِي قَطَعَ بِهِ جُمْهُورُهُمْ - وَالْحَنَابِلَةُ - فِي الْمَشْهُورِ فِي الْمَذْهَبِ - إِلَى أَنَّ سَجْدَةَ (13) لَيْسَتْ مِنْ عَزَائِمِ السُّجُودِ، أَيْ لَيْسَتْ مِنْ مُتَأَكِّدَاتِهِ - فَلَيْسَتْ سَجْدَةَ تِلاَوَةٍ وَلَكِنَّهَا سَجْدَةُ شُكْرٍ، لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَال: قَرَأَ رَسُول اللَّهِ ﷺ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ (13) ، فَلَمَّا بَلَغَ السَّجْدَةَ نَزَل فَسَجَدَ، وَسَجَدَ النَّاسُ مَعَهُ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمٌ آخَرُ قَرَأَهَا فَلَمَّا بَلَغَ السَّجْدَةَ تَشَزَّنَ النَّاسُ لِلسُّجُودِ - أَيْ تَأَهَّبُوا لَهُ - فَقَال النَّبِيُّ ﷺ: إِنَّمَا هِيَ تَوْبَةُ نَبِيٍّ، وَلَكِنِّي رَأَيْتُكُمْ تَشَزَّنْتُمْ لِلسُّجُودِ فَنَزَل فَسَجَدَ وَسَجَدُوا، (15) وَرَوَى النَّسَائِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ سَجَدَ فِي (13) وَقَال: سَجَدَهَا دَاوُدُ تَوْبَةً، وَنَسْجُدُهَا شُكْرًا. (17)
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا قَال: (13) لَيْسَتْ مِنْ عَزَائِمِ السُّجُودِ. (19) وَقَالُوا: إِذَا قَرَأَ (ص) مِنْ غَيْرِ الصَّلاَةِ اسْتُحِبَّ أَنْ يَسْجُدَ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ، وَإِنْ قَرَأَهَا فِي الصَّلاَةِ يَنْبَغِي أَلاَّ يَسْجُدَ، فَإِنْ خَالَفَ وَسَجَدَ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلاً لَمْ تَبْطُل صَلاَتُهُ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ، وَإِنْ سَجَدَهَا عَامِدًا عَالِمًا بِتَحْرِيمِهَا فِي الصَّلاَةِ بَطَلَتْ صَلاَتُهُ عَلَى الأَْصَحِّ مِنَ الْوَجْهَيْنِ، لأَِنَّهَا سَجْدَةُ شُكْرٍ، فَبَطَلَتْ بِهَا الصَّلاَةُ كَالسُّجُودِ فِي الصَّلاَةِ عِنْدَ تَجَدُّدِ نِعْمَةٍ، وَمُقَابِل الأَْصَحِّ: لاَ تَبْطُل لأَِنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِالتِّلاَوَةِ فَهِيَ كَسَائِرِ سَجَدَاتِ التِّلاَوَةِ، وَلَوْ سَجَدَ إِمَامُهُ فِي (ص) لِكَوْنِهِ يَعْتَقِدُهَا فَثَلاَثَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا: لاَ يُتَابِعُهُ بَل إِنْ شَاءَ نَوَى مُفَارَقَتَهُ لأَِنَّهُ مَعْذُورٌ، وَإِنْ شَاءَ يَنْتَظِرُهُ قَائِمًا كَمَا لَوْ قَامَ إِلَى خَامِسَةٍ، فَإِنِ انْتَظَرَهُ لَمْ يَسْجُدْ لِلسَّهْوِ لأَِنَّ الْمَأْمُومَ لاَ سَهْوَ عَلَيْهِ، وَالثَّانِي: لاَ يُتَابِعُهُ أَيْضًا، وَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي الْمُفَارَقَةِ وَالاِنْتِظَارِ، فَإِنِ انْتَظَرَهُ سَجَدَ لِلسَّهْوِ بَعْدَ سَلاَمِ الإِْمَامِ؛ لأَِنَّهُ يَعْتَقِدُ أَنَّ إِمَامَهُ زَادَ فِي صَلاَتِهِ جَاهِلاً، وَإِنَّ لِسُجُودِ السَّهْوِ تَوَجُّهًا عَلَيْهِمَا فَإِذَا أَخَل بِهِ الإِْمَامُ سَجَدَ الْمَأْمُومُ، وَالثَّالِثُ: يُتَابِعُهُ فِي سُجُودِهِ فِي (ص) لِتَأَكُّدِ مُتَابَعَةِ الإِْمَامِ.
وَمُقَابِل الْمَنْصُوصِ الَّذِي قَطَعَ بِهِ جُمْهُورُ الشَّافِعِيَّةِ وَمُقَابِل الْمَشْهُورِ فِي الْمَذْهَبِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ سَجْدَةَ (ص) سَجْدَةُ تِلاَوَةٍ مِنْ عَزَائِمِالسُّجُودِ، وَهُوَ قَوْل أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ وَأَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عَنْ أَحْمَدَ، يَسْجُدُ مَنْ تَلاَهَا أَوْ سَمِعَهَا (20) وَذَلِكَ لِمَا رَوَاهُ أَبُو مُوسَى وَأَبُو سَعِيدٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ سَجَدَ فِيهَا. (21)
وَيُنْظَرُ حُكْمُ السُّجُودِ فِي الصَّلاَةِ مِنْ آيَةِ السَّجْدَةِ فِي سُورَةِ (22) فِي بَحْثِ: (سُجُودِ الشُّكْرِ) .
3 - سَجَدَاتُ الْمُفَصَّل:
10 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ فِي الْمُفَصَّل ثَلاَثَ سَجَدَاتٍ - الْمُفَصَّل مِنْ أَوَّل سُورَةِ (23) إِلَى آخِرِ الْمُصْحَفِ - أَحَدُهَا فِي آخِرِ النَّجْمِ، وَالثَّانِيَةُ فِي الآْيَةِ الْحَادِيَةِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ سُورَةِ الاِنْشِقَاقِ، وَالثَّالِثَةُ فِي آخِرِ سُورَةِ الْعَلَقِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ أَقْرَأَهُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَجْدَةً مِنْهَا ثَلاَثٌ فِي الْمُفَصَّل. (24) وَلِمَا رَوَى أَبُو رَافِعٍ قَال: صَلَّيْتُ خَلْفَ أَبِي هُرَيْرَةَ الْعَتَمَةَ فَقَرَأَ {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} فَسَجَدَ، فَقُلْتُ: مَا هَذِهِ السَّجْدَةُ؟ فَقَال: سَجَدْتُ بِهَا خَلْفَ أَبِي الْقَاسِمِ ﷺ فَلاَ أَزَال أَسْجُدُ فِيهَا حَتَّى أَلْقَاهُ (25) . وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَال: سَجَدْنَا مَعَ رَسُول اللَّهِ ﷺ فِي {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} وَ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} (26) وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَرَأَ سُورَةَ النَّجْمِ فَسَجَدَ بِهَا، وَمَا بَقِيَ أَحَدٌ مِنَ الْقَوْمِ إِلاَّ سَجَدَ. (27) وَلأَِنَّ آيَةَ سُورَةِ النَّجْمِ: {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا} وَآيَةَ آخِرِ سُورَةِ الْعَلَقِ: {كَلاَّ لاَ تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} وَكِلْتَا الآْيَتَيْنِ أَمْرٌ بِالسُّجُودِ. (28)
وَمَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّهُ لاَ سُجُودَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْمُفَصَّل، وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رَوَى زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَال: قَرَأْتُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ النَّجْمَ فَلَمْ يَسْجُدْ (29) وَبِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ قَالاَ: لَيْسَ فِي الْمُفَصَّل سَجْدَةٌ، وَبِمَا أَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَال: سَجَدْتُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ إِحْدَى عَشْرَةَ سَجْدَةً لَيْسَ فِيهَا مِنَ الْمُفَصَّل شَيْءٌ: الأَْعْرَافِ، وَالرَّعْدِ، وَالنَّحْل، وَبَنِي إِسْرَائِيل، وَمَرْيَمَ، وَالْحَجِّ، وَسَجْدَةَ الْفُرْقَانِ، وَسُورَةِ النَّمْل، وَالسَّجْدَةِ، وَفِي ص وَسَجْدَةِ الْحَوَامِيمِ، (30) وَلِعَمَل أَهْل الْمَدِينَةِ لِعَدَمِ سُجُودِ فُقَهَائِهَا وَقُرَّائِهَا فِي النَّجْمِ وَالاِنْشِقَاقِ (31) .
وَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ الْمُصَلِّيَ إِذَا سَجَدَ لِلتِّلاَوَةِ فِي ثَانِيَةِ الْحَجِّ أَوْ فِي سَجَدَاتِ الْمُفَصَّل لَمْ تَبْطُل صَلاَتُهُ لِلْخِلاَفِ فِيهَا، وَقِيل: تَبْطُل صَلاَتُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مُقْتَدِيًا بِمَنْ يَسْجُدُهَا فَيَسْجُدُ مَعَهُ، فَإِنْ تَرَكَ اتِّبَاعَهُ أَسَاءَ وَصَحَّتْ صَلاَتُهُ، وَلَوْ سَجَدَ دُونَ إِمَامِهِ بَطَلَتْ صَلاَتُهُ. وَنَقَل الزَّرْقَانِيُّ اتِّجَاهَاتِ الْمَالِكِيَّةِ فِي اعْتِبَارِ الْخِلاَفِ فِي مَشْرُوعِيَّةِ السُّجُودِ فِي ثَانِيَةِ الْحَجِّ وَسَجَدَاتِ الْمُفَصَّل الثَّلاَثِ حَقِيقِيًّا أَوْ غَيْرَ حَقِيقِيٍّ، فَقَال: جُمْهُورُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى أَنَّ هَذَا الْخِلاَفَ حَقِيقِيٌّ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ خَلِيلٍ - وَعَلَيْهِ فَيُمْنَعُ أَنْ يَسْجُدَهَا فِي الصَّلاَةِ، قَال سَنَدٌ: لأَِنَّهُ يَزِيدُ فِيهَا فِعْلاً تَبْطُل بِمِثْلِهِ، وَسُمِّيَتِ الإِْحْدَى عَشْرَةَ عَزَائِمَ مُبَالَغَةً فِي فِعْل السُّجُودِ مَخَافَةَ أَنْ تُتْرَكَ. وَقِيل: إِنَّ الْخِلاَفَ غَيْرُ حَقِيقِيٍّ وَالسُّجُودُ فِي جَمِيعِهَا، إِلاَّ أَنَّهُ فِي الإِْحْدَى عَشْرَةَ آكَدُ، وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْل الْمُوَطَّأِ: عَزَائِمُ السُّجُودِ إِحْدَى عَشْرَةَ أَيِ الْمُتَأَكِّدُ مِنْهَا. (32)
كَيْفِيَّةُ سُجُودِ التِّلاَوَةِ:
11 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ سُجُودَ التِّلاَوَةِ يَحْصُل بِسَجْدَةٍ وَاحِدَةٍ، وَذَهَبَ جُمْهُورُهُمْ إِلَى أَنَّ السَّجْدَةَ لِلتِّلاَوَةِ تَكُونُ بَيْنَ تَكْبِيرَتَيْنِ، وَأَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهَا وَيُسْتَحَبُّ لَهَا مَا يُشْتَرَطُ وَيُسْتَحَبُّ لِسَجْدَةِ الصَّلاَةِ مِنْ كَشْفِ الْجَبْهَةِ وَالْمُبَاشَرَةِ بِهَا بِالْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ وَالأَْنْفِ، وَمُجَافَاةِ الْمِرْفَقَيْنِ مِنَ الْجَنْبَيْنِ وَالْبَطْنِ عَنِ الْفَخِذَيْنِ، وَرَفْعِ السَّاجِدِ أَسَافِلَهُ عَنْ أَعَالِيهِ وَتَوْجِيهِ أَصَابِعِهِ إِلَى الْقِبْلَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.
لَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي تَفْصِيل كَيْفِيَّةِ أَدَاءِ السُّجُودِ لِلتِّلاَوَةِ اخْتِلاَفًا يَحْسُنُ مَعَهُ إِفْرَادُ أَقْوَال كُل مَذْهَبٍ بِبَيَانٍ:
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ رُكْنَ سَجْدَةِ التِّلاَوَةِ السُّجُودُ أَوْ بَدَلُهُ مِمَّا يَقُومُ مَقَامَهُ كَرُكُوعِ مُصَلٍّ وَإِيمَاءِ مَرِيضٍ وَرَاكِبٍ.
وَقَالُوا: إِنَّ سُجُودَ التِّلاَوَةِ سَجْدَةٌ بَيْنَ تَكْبِيرَتَيْنِ مَسْنُونَتَيْنِ جَهْرًا، وَاسْتَحَبُّوا لَهُ الْخُرُورَ لَهُ مِنْ قِيَامٍ، فَمَنْ أَرَادَ السُّجُودَ كَبَّرَ وَلَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ وَسَجَدَ ثُمَّ كَبَّرَ وَرَفَعَ رَأْسَهُ اعْتِبَارًا بِسَجْدَةِ الصَّلاَةِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ قَال لِلتَّالِي: إِذَا قَرَأْتَ سَجْدَةً فَكَبِّرْ وَاسْجُدْ وَإِذَا رَفَعْتَ رَأْسَك فَكَبِّرْ، وَالتَّكْبِيرَتَانِ عِنْدَ الْهُوِيِّ لِلسُّجُودِ وَعِنْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ مَنْدُوبَتَانِ لاَ وَاجِبَتَانِ، فَلاَ يَرْفَعُ السَّاجِدُ فِيهِمَا يَدَيْهِ؛ لأَِنَّ الرَّفْعَ لِلتَّحْرِيمِ، وَلاَ تَحْرِيمَ لِسُجُودِ التِّلاَوَةِ، وَقَدِ اشْتُرِطَتِ التَّحْرِيمَةُ فِي الصَّلاَةِ لِتَوْحِيدِ الأَْفْعَال الْمُخْتَلِفَةِ فِيهَا مِنْ قِيَامٍ وَقِرَاءَةٍ وَرُكُوعٍ وَسُجُودٍ، وَبِالتَّحْرِيمَةِ صَارَتْ فِعْلاً وَاحِدًا، وَأَمَّا سَجْدَةُ التِّلاَوَةِ فَمَاهِيَّتُهَا فِعْلٌ وَاحِدٌ فَاسْتَغْنَتْ عَنِ التَّحْرِيمَةِ؛ وَلأَِنَّ السُّجُودَ وَجَبَ تَعْظِيمًا لِلَّهِ تَعَالَى وَخُضُوعًا لَهُ ﷿.
وَتُؤَدَّى سَجْدَةُ التِّلاَوَةِ - عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ - فِي الصَّلاَةِ بِسُجُودٍ أَوْ رُكُوعٍ غَيْرِ رُكُوعِ الصَّلاَةِ وَسُجُودِهَا، وَتُؤَدَّى بِرُكُوعِ الصَّلاَةِ إِذَا كَانَ الرُّكُوعُ عَلَى الْفَوْرِ مِنْ قِرَاءَةِ آيَةٍ أَوْ آيَتَيْنِ وَكَذَا الثَّلاَثُ عَلَى الظَّاهِرِ، وَكَانَ الْمُصَلِّي قَدْ نَوَى كَوْنَالرُّكُوعِ لِسُجُودِ التِّلاَوَةِ عَلَى الرَّاجِحِ، وَتُؤَدَّى بِسُجُودِ الصَّلاَةِ عَلَى الْفَوْرِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ، وَلَوْ نَوَاهَا الإِْمَامُ فِي رُكُوعِهِ وَلَمْ يَنْوِهَا الْمُؤْتَمُّ لَمْ تُجْزِهِ، وَيَسْجُدُ إِذَا سَلَّمَ الإِْمَامُ وَيُعِيدُ الْقَعْدَةَ، وَلَوْ تَرَكَهَا فَسَدَتْ صَلاَتُهُ، وَذَلِكَ فِي الْجَهْرِيَّةِ، وَالأَْصْل فِي أَدَائِهَا السُّجُودُ، وَهُوَ أَفْضَل، وَلَوْ رَكَعَ الْمُصَلِّي لَهَا عَلَى الْفَوْرِ جَازَ، وَإِنْ فَاتَ الْفَوْرُ لاَ يَصِحُّ أَنْ يَرْكَعَ لَهَا وَلَوْ فِي حُرْمَةِ الصَّلاَةِ، فَلاَ بُدَّ لَهَا مِنْ سُجُودٍ خَاصٍّ بِهَا مَا دَامَ فِي حُرْمَةِ الصَّلاَةِ؛ لأَِنَّ سَجْدَةَ التِّلاَوَةِ صَارَتْ دَيْنًا وَالدَّيْنُ يُقْضَى بِمَا لَهُ لاَ بِمَا عَلَيْهِ، وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ عَلَيْهِ فَلاَ يَتَأَدَّى بِهِ الدَّيْنُ، وَإِذَا سَجَدَ لِلتِّلاَوَةِ أَوْ رَكَعَ لَهَا عَلَى حِدَةٍ فَوْرًا يَعُودُ إِلَى الْقِيَامِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لاَ يُعْقِبَهُ بِالرُّكُوعِ بَل يَقْرَأَ بَعْدَ قِيَامِهِ آيَتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا فَصَاعِدًا ثُمَّ يَرْكَعَ، وَإِنْ كَانَتِ السَّجْدَةُ مِنْ آخِرِ السُّورَةِ يَقْرَأُ مِنْ سُورَةٍ أُخْرَى ثُمَّ يَرْكَعُ.
أَمَّا فِي خَارِجِ الصَّلاَةِ فَلاَ يُجْزِئُ الرُّكُوعُ عَنْ سُجُودِ التِّلاَوَةِ لاَ قِيَاسًا وَلاَ اسْتِحْسَانًا كَمَا فِي الْبَدَائِعِ، وَهُوَ الْمَرْوِيُّ فِي الظَّاهِرِ. (33)
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ سَجْدَةَ التِّلاَوَةِ شَابَهَتِ الصَّلاَةَ، وَلِذَا شُرِطَ لَهَا مَا شُرِطَ لِلصَّلاَةِ مِنَ الطَّهَارَةِ وَغَيْرِهَا، وَشَابَهَتِ الْقِرَاءَةَ لأَِنَّهَا مِنْ تَوَابِعِهَا، وَلِذَا تُؤَدَّى - كَالْقِرَاءَةِ - بِلاَ إِحْرَامٍ، أَيْ بِغَيْرِ تَكْبِيرٍ لِلإِْحْرَامِ مَعَ رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَهُ زِيَادَةً عَلَى التَّكْبِيرِ لِلْهُوِيِّ وَالرَّفْعِ، وَبِلاَ سَلاَمٍ عَلَى الْمَشْهُورِ.
وَعَدَمُ مَشْرُوعِيَّةِ التَّسْلِيمِ فِي سَجْدَةِ التِّلاَوَةِ لاَ يَعْنِي عَدَمَ النِّيَّةِ لَهَا؛ لأَِنَّ سَجْدَةَ التِّلاَوَةِ صَلاَةٌ وَالنِّيَّةُ لاَ بُدَّ مِنْهَا فِي الصَّلاَةِ بِلاَ نِزَاعٍ، وَالنِّيَّةُ لِسَجْدَةِ التِّلاَوَةِ هِيَ أَنْ يَنْوِيَ أَدَاءَ هَذِهِ السُّنَّةِ الَّتِي هِيَ السَّجْدَةُ، قَال الزَّرْقَانِيُّ: وَيُكْرَهُ الإِْحْرَامُ وَالسَّلاَمُ، لَكِنْ يَبْعُدُ أَوْ يُمْنَعُ أَنْ يُتَصَوَّرَ هُوِيُّهُ لِسَجْدَةِ التِّلاَوَةِ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْضَارِ نِيَّةٍ لِتِلْكَ السَّجْدَةِ.
وَقَالُوا: وَيَنْحَطُّ السَّاجِدُ لِسَجْدَةِ التِّلاَوَةِ مِنْ قِيَامٍ، وَلاَ يَجْلِسُ لِيَأْتِيَ بِهَا مِنْهُ، وَيَنْزِل الرَّاكِبُ، وَيُكَبِّرُ لِخَفْضِهِ فِي سُجُودِهِ وَالرَّفْعِ مِنْهُ إِذَا كَانَ بِصَلاَةٍ، بَل لَوْ بِغَيْرِ صَلاَةٍ، خِلاَفًا لِمَنْ قَال: إِنَّ مَنْ سَجَدَ لِلتِّلاَوَةِ بِغَيْرِ صَلاَةٍ لاَ يُكَبِّرُ لِخَفْضٍ وَلاَ لِرَفْعٍ، وَقَال بَعْضُ الشُّرَّاحِ: الظَّاهِرُ أَنَّ حُكْمَ هَذَا التَّكْبِيرِ السُّنِّيَّةُ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ سَجْدَةَ التِّلاَوَةِ فِي الصَّلاَةِ مِنْ جُمْلَةِ الصَّلاَةِ وَالتَّكْبِيرُ فِيهَا سُنَّةٌ، وَقَال غَيْرُهُمْ: إِنَّهُ مُسْتَحَبٌّ، وَلاَ يَكْفِي عَنْ سَجْدَةِ التِّلاَوَةِ - عِنْدَهُمْ - رُكُوعٌ، أَيْ لاَ يَجْعَل الرُّكُوعَ بَدَلَهَا أَوْ عِوَضًا عَنْهَا، سَوَاءٌ أَكَانَ فِي صَلاَةٍ أَمْ لاَ.
وَإِنْ تَرَكَ سَجْدَةَ التِّلاَوَةِ عَمْدًا وَقَصَدَ الرُّكُوعَ الرُّكْنِيَّ صَحَّ رُكُوعُهُ وَكُرِهَ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ تَرَكَهَا سَهْوًا عَنْهَا وَرَكَعَ قَاصِدًا الرُّكُوعَ مِنْ أَوَّل الأَْمْرِفَذَكَرَهَا وَهُوَ رَاكِعٌ اعْتُدَّ بِرُكُوعِهِ فَيَمْضِي عَلَيْهِ وَيَرْفَعُ لِرَكْعَتِهِ عِنْدَ مَالِكٍ مِنْ رِوَايَةِ أَشْهَبَ، لاَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ فَيَخِرُّ سَاجِدًا، ثُمَّ يَقُومُ فَيَقْرَأُ شَيْئًا وَيَرْكَعُ، وَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلاَمِ إِنْ كَانَ قَدِ اطْمَأَنَّ بِرُكُوعِهِ الَّذِي تَذَكَّرَ فِيهِ تَرْكَهَا لِزِيَادَةِ الرُّكُوعِ. (34)
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: السَّاجِدُ لِلتِّلاَوَةِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي الصَّلاَةِ أَوْ فِي غَيْرِ الصَّلاَةِ:
أ - فِي الصَّلاَةِ:
مَنْ أَرَادَ السُّجُودَ لِلتِّلاَوَةِ وَهُوَ فِي الصَّلاَةِ، إِمَامًا كَانَ أَوْ مُنْفَرِدًا أَوْ مَأْمُومًا، نَوَى السُّجُودَ بِالْقَلْبِ مِنْ غَيْرِ تَلَفُّظٍ وَلاَ تَكْبِيرٍ لِلاِفْتِتَاحِ لأَِنَّهُ مُتَحَرِّمٌ بِالصَّلاَةِ، فَإِنْ تَلَفَّظَ بِالنِّيَّةِ بَطَلَتْ صَلاَتُهُ، كَمَا لَوْ كَبَّرَ بِقَصْدِ الإِْحْرَامِ، وَالنِّيَّةُ وَاجِبَةٌ فِي حَقِّ الإِْمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ وَمَنْدُوبَةٌ فِي حَقِّ الْمَأْمُومِ لِحَدِيثِ: إِنَّمَا الأَْعْمَال بِالنِّيَّاتِ. (35)
وَقَال ابْنُ الرِّفْعَةِ وَالْخَطِيبُ (لَعَلَّهُ الشِّرْبِينِيُّ) : لاَ يَحْتَاجُ فِي هَذَا السُّجُودِ إِلَى نِيَّةٍ؛ لأَِنَّ نِيَّةَ الصَّلاَةِ تَنْسَحِبُ عَلَيْهِ وَتَشْمَلُهُ بِوَاسِطَةِ شُمُولِهَا لِلْقِرَاءَةِ. وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُكَبِّرَ فِي الْهُوِيِّ إِلَى السُّجُودِ وَلاَ يَرْفَعَ الْيَدَ؛ لأَِنَّ الْيَدَ لاَ تُرْفَعُ فِي الْهُوِيِّ إِلَى السُّجُودِ فِي الصَّلاَةِ، وَيُكَبِّرُ عِنْدَ رَفْعِهِ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ كَمَا يَفْعَل فِي سَجَدَاتِ الصَّلاَةِ.
وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ قَامَ وَلاَ يَجْلِسُ لِلاِسْتِرَاحَةِ، فَإِذَا قَامَ اسْتُحِبَّ أَنْ يَقْرَأَ شَيْئًا ثُمَّ يَرْكَعَ، فَإِنِ انْتَصَبَ قَائِمًا ثُمَّ رَكَعَ بِلاَ قِرَاءَةٍ جَازَ إِذَا كَانَ قَدْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ قَبْل سُجُودِهِ، وَلاَ خِلاَفَ فِي وُجُوبِ الاِنْتِصَابِ قَائِمًا، لأَِنَّ الْهُوِيَّ إِلَى الرُّكُوعِ مِنَ الْقِيَامِ وَاجِبٌ. قَال النَّوَوِيُّ: وَفِي الإِْبَانَةِ وَالْبَيَانِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَوْ رَفَعَ مِنْ سُجُودِ التِّلاَوَةِ إِلَى الرُّكُوعِ وَلَمْ يَنْتَصِبْ أَجْزَأَهُ الرُّكُوعُ، وَهُوَ غَلَطٌ نَبَّهْتُ عَلَيْهِ لِئَلاَّ يُغْتَرَّ بِهِ. (36)
ب - فِي غَيْرِ الصَّلاَةِ:
مَنْ أَرَادَ السُّجُودَ لِلتِّلاَوَةِ وَهُوَ فِي غَيْرِ الصَّلاَةِ نَوَى السُّجُودَ، لِحَدِيثِ: إِنَّمَا الأَْعْمَال بِالنِّيَّاتِ وَاسْتُحِبَّ لَهُ التَّلَفُّظُ بِالنِّيَّةِ، ثُمَّ كَبَّرَ لِلإِْحْرَامِ رَافِعًا يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ كَمَا يَفْعَل فِي تَكْبِيرَةِ الإِْحْرَامِ فِي الصَّلاَةِ، ثُمَّ كَبَّرَ لِلْهُوِيِّ لِلسُّجُودِ بِلاَ رَفْعٍ لِيَدَيْهِ، وَسَجَدَ سَجْدَةً وَاحِدَةً كَسَجْدَةِ الصَّلاَةِ، وَرَفَعَ رَأْسَهُ مُكَبِّرًا، وَجَلَسَ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِ تَشَهُّدٍ كَتَسْلِيمِ الصَّلاَةِ.
وَقَالُوا: أَرْكَانُ السُّجُودِ لِلتِّلاَوَةِ فِي غَيْرِ الصَّلاَةِ أَرْبَعَةٌ: النِّيَّةُ، وَتَكْبِيرَةُ الإِْحْرَامِ، وَالسَّجْدَةُ، وَالسَّلاَمُ. (37)
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: مَنْ أَرَادَ السُّجُودَ لِلتِّلاَوَةِ يُكَبِّرُ لِلْهُوِيِّ لاَ لِلإِْحْرَامِ وَلَوْ خَارِجَ الصَّلاَةِ، خِلاَفًا لأَِبِي الْخَطَّابِ، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا: كَانَ ﷺ يَقْرَأُ عَلَيْنَا الْقُرْآنَ فَإِذَا مَرَّ بِالسَّجْدَةِ كَبَّرَ وَسَجَدَ وَسَجَدْنَا مَعَهُ. (38) وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ كَبَّرَ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَيُكَبِّرُ السَّاجِدُ لِلتِّلاَوَةِ إِذَا رَفَعَ مِنَ السُّجُودِ لأَِنَّهُ سُجُودٌ مُفْرَدٌ فَشُرِعَ التَّكْبِيرُ فِي ابْتِدَائِهِ وَفِي الرَّفْعِ مِنْهُ كَسُجُودِ السَّهْوِ وَصُلْبِ الصَّلاَةِ، وَيَجْلِسُ فِي غَيْرِ الصَّلاَةِ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ؛ لأَِنَّ السَّلاَمَ يَعْقُبُهُ فَشُرِعَ لِيَكُونَ سَلاَمُهُ فِي حَال جُلُوسِهِ، بِخِلاَفِ مَا إِذَا كَانَ فِي الصَّلاَةِ، ثُمَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً عَنْ يَمِينِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ، وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّ التَّسْلِيمَ رُكْنٌ. (39)
الْقِيَامُ لِسُجُودِ التِّلاَوَةِ:
12 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا يُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَرَادَ السُّجُودَ لِلتِّلاَوَةِ فِي غَيْرِ الصَّلاَةِ، هَل يَقُومُ فَيَسْتَوِي قَائِمًا ثُمَّ يُكَبِّرُ وَيَهْوِي لِلسُّجُودِ، أَمْ لاَ:
ذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ وَبَعْضُ مُتَأَخِّرِي الْحَنَفِيَّةِ وَهُوَ وَجْهٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَرَادَ السُّجُودَ أَنْ يَقُومَ فَيَسْتَوِيَ ثُمَّ يُكَبِّرَ وَيَخِرَّ سَاجِدًا؛ لأَِنَّ الْخُرُورَ سُقُوطٌ مِنْ قِيَامٍ، وَالْقُرْآنُ الْكَرِيمُ وَرَدَ بِهِ فِي قَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَْذْقَانِ سُجَّدًا} . (40)
وَلِمَا وَرَدَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا " أَنَّهَا كَانَتْ تَقْرَأُ فِي الْمُصْحَفِ، فَإِذَا مَرَّتْ بِالسَّجْدَةِ قَامَتْ فَسَجَدَتْ (41) وَتَشْبِيهًا لِسَجْدَةِ التِّلاَوَةِ بِصَلاَةِ النَّفْل. وَالأَْصَحُّ مِنَ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لاَ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ يُرِيدُ السُّجُودَ لِلتِّلاَوَةِ أَنْ يَقُومَ فَيَسْتَوِيَ ثُمَّ يُكَبِّرَ ثُمَّ يَهْوِيَ لِلسُّجُودِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْمُحَقِّقِينَ، قَال الإِْمَامُ: وَلَمْ أَرَ لِهَذَا الْقِيَامِ ذِكْرًا وَلاَ أَصْلاً، وَقَال النَّوَوِيُّ: لَمْ يَذْكُرِ الشَّافِعِيُّ وَجُمْهُورُ الأَْصْحَابِ هَذَا الْقِيَامَ وَلاَ ثَبَتَ فِيهِ شَيْءٌ يُعْتَمَدُ مِمَّا يُحْتَجُّ بِهِ، فَالاِخْتِيَارُ تَرْكُهُ؛ لأَِنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْمُحْدَثَاتِ، وَقَدْ تَظَاهَرَتِ الأَْحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ عَلَى النَّهْيِ عَنِ الْمُحْدَثَاتِ (42) . التَّسْبِيحُ وَالدُّعَاءُ فِي سُجُودِ التِّلاَوَةِ:
13 - مَنْ يَسْجُدُ لِلتِّلاَوَةِ إِنْ قَال فِي سُجُودِهِ لِلتِّلاَوَةِ مَا يَقُولُهُ فِي سُجُودِ الصَّلاَةِ جَازَ وَكَانَ حَسَنًا، وَسَوَاءٌ فِيهِ التَّسْبِيحُ وَالدُّعَاءُ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُول فِي سُجُودِهِ مَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُول اللَّهِ ﷺ يَقُول فِي سُجُودِ الْقُرْآنِ: سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ بِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ (43) وَإِنْ قَال: اللَّهُمَّ اكْتُبْ لِي بِهَا عِنْدَكَ أَجْرًا، وَاجْعَلْهَا لِي عِنْدَكَ ذُخْرًا، وَضَعْ عَنِّي بِهَا وِزْرًا، وَاقْبَلْهَا مِنِّي كَمَا قَبِلْتهَا مِنْ عَبْدِكَ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَهُوَ حَسَنٌ (44) لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا قَال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَال: يَا رَسُول اللَّهِ، إِنِّي رَأَيْتُنِي اللَّيْلَةَ وَأَنَا نَائِمٌ كَأَنِّي أُصَلِّي خَلْفَ شَجَرَةٍ فَسَجَدْتُ، فَسَجَدَتِ الشَّجَرَةُ لِسُجُودِي فَسَمِعْتُهَا وَهِيَ تَقُول: اللَّهُمَّ اكْتُبْ لِي بِهَا عِنْدَكَ أَجْرًا، وَضَعْ عَنِّي بِهَا وِزْرًا، وَاجْعَلْهَا لِي عِنْدَكَ ذُخْرًا، وَتَقَبَّلْهَا مِنِّي كَمَا تَقَبَّلْتَهَا مِنْ عَبْدِكَ دَاوُدَ، قَال ابْنُ عَبَّاسٍ: فَقَرَأَ النَّبِيُّ ﷺ سَجْدَةً ثُمَّ سَجَدَ فَسَمِعْتُهُ وَهُوَ سَاجِدُ يَقُول مِثْل مَا أَخْبَرَهُ الرَّجُل عَنْ قَوْل الشَّجَرَةِ، (45) وَنُقِل عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ اخْتِيَارَهُ أَنْ يَقُول السَّاجِدُ فِي سُجُودِ التِّلاَوَةِ: {سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً} قَال النَّوَوِيُّ: وَظَاهِرُ الْقُرْآنِ يَقْتَضِي مَدْحَ هَذَا فَهُوَ حَسَنٌ، وَقَال الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: وَيُسَنُّ أَنْ يَدْعُوَ بَعْدَ التَّسْبِيحِ. (46)
التَّسْلِيمُ مِنْ سُجُودِ التِّلاَوَةِ:
14 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لاَ تَسْلِيمَ مِنْ سُجُودِ التِّلاَوَةِ إِذَا كَانَ فِي الصَّلاَةِ، وَاخْتَلَفُوا فِي التَّسْلِيمِ مِنْهُ فِي غَيْرِ الصَّلاَةِ. فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَالْقَوْل الْمُقَابِل لِلأَْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَمُقَابِل الْمُخْتَارِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، إِلَى أَنَّهُ لاَ تَسْلِيمَ مِنْ سُجُودِ التِّلاَوَةِ فِي غَيْرِ الصَّلاَةِ، كَمَا لاَ يُسَلِّمُ مِنْهُ فِي الصَّلاَةِ؛ وَلأَِنَّ التَّسْلِيمَ تَحْلِيلٌ مِنَ التَّحْرِيمِ لِلصَّلاَةِ، وَلاَ تَحْرِيمَةَ لَهَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ، فَلاَ يُعْقَل التَّحْلِيل بِالتَّسْلِيمِ.
وَالأَْصَحُّ مِنَ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَالْمُخْتَارُ مِنَ الرِّوَايَتَيْنِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَمُقَابِل الْمَشْهُورِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: أَنَّهُ يَجِبُ التَّسْلِيمُ مِنْ سُجُودِ التِّلاَوَةِ لأَِنَّهُ صَلاَةٌ ذَاتُ إِحْرَامٍ فَافْتَقَرَتْ إِلَى السَّلاَمِ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ (47) لِحَدِيثِ: مِفْتَاحُ الصَّلاَةِ الطَّهُورُ وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ. (48)
السُّجُودُ لِلتِّلاَوَةِ خَلْفَ التَّالِي:
15 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا قَرَأَ الرَّجُل فِي غَيْرِ صَلاَةٍ آيَةَ السَّجْدَةِ وَمَعَهُ قَوْمٌ، فَالسُّنَّةُ فِي أَدَاءِ سَجْدَةِ التِّلاَوَةِ أَنْ يَتَقَدَّمَ التَّالِي وَيَصُفَّ السَّامِعُونَ خَلْفَهُ، فَيَسْجُدَ التَّالِي ثُمَّ يَسْجُدَ السَّامِعُونَ، لاَ يَسْبِقُونَهُ بِالْوَضْعِ وَلاَ بِالرَّفْعِ؛ لأَِنَّ التَّالِيَ إِمَامُ السَّامِعِينَ، لِمَا وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ تَلاَ عَلَى الْمِنْبَرِ سَجْدَةً فَنَزَل وَسَجَدَ وَسَجَدَ النَّاسُ مَعَهُ (49) وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ السَّامِعَ يَتْبَعُ التَّالِيَ فِي السَّجْدَةِ، وَلِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ قَال لِلتَّالِي: كُنْتَ إِمَامَنَا لَوْ سَجَدْتَ لَسَجَدْنَا مَعَكَ، وَلَيْسَ هَذَا اقْتِدَاءً حَقِيقَةً بَل صُورَةً، وَلِذَا يُسْتَحَبُّ أَلاَّ يَسْبِقُوهُ بِالْوَضْعِ وَلاَ بِالرَّفْعِ، فَلَوْ كَانَ حَقِيقَةَ ائْتِمَامٍ لَوَجَبَ ذَلِكَ، وَلَوْ تَقَدَّمَ السَّامِعُونَ عَلَى التَّالِي أَوْ سَبَقُوهُ بِالْوَضْعِ أَوْ بِالرَّفْعِ أَجْزَأَهُمُ السُّجُودُ لِلتِّلاَوَةِ لأَِنَّهُ مُشَارَكَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ، وَلِذَا لَوْ فَسَدَتْ سَجْدَةُ التَّالِي بِسَبَبٍ مِنَ الأَْسْبَابِ لاَ يَتَعَدَّى الْفَسَادُ إِلَى الْبَاقِينَ. (50)
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يُسَنُّ أَنْ يَسْجُدَ لِلتِّلاَوَةِ الْقَارِئُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ أَصَلَحَ لِلإِْمَامَةِ أَمْ لاَ، وَسَوَاءٌ أَجَلَسَ لِيُسْمِعَ النَّاسَ حُسْنَ قِرَاءَتِهِ أَمْ لاَ.
وَيَسْجُدُ قَاصِدُ السَّمَاعِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، فَإِنْ لَمْ يَقْصِدِ السَّمَاعَ فَلاَ يَسْجُدْ.
وَيُشْتَرَطُ لِسُجُودِ الْمُسْتَمِعِ أَنْ يَجْلِسَ لِيَتَعَلَّمَ مِنَ الْقَارِئِ آيَاتِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، أَوْ أَحْكَامَهُ وَمَخَارِجَ حُرُوفِهِ، فَإِنْ جَلَسَ الْمُسْتَمِعُ لِمُجَرَّدِ الثَّوَابِ أَوْ لِلتَّدَبُّرِ وَالاِتِّعَاظِ، أَوِ السُّجُودِ فَقَطْ، فَلاَ يَجِبُ السُّجُودُ عَلَيْهِ. كَمَا يَلْزَمُ السَّامِعَ السُّجُودُ وَلَوْ تَرَكَ الْقَارِئُ السَّجْدَةَ سَهْوًا؛ لأَِنَّ تَرْكَهُ لاَ يُسْقِطُ طَلَبَهُ مِنَ الآْخَرِ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ إِمَامًا وَتَرَكَهُ، فَيَتَّبِعُهُ مَأْمُومُهُ. وَسُجُودُ الْقَارِئِ لَيْسَ شَرْطًا فِي سُجُودِ الْمُسْتَمِعِ إِنْ صَلَحَ الْقَارِئُ لِيَؤُمَّ. (51) وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: إِذَا سَجَدَ الْمُسْتَمِعُ فِي غَيْرِ صَلاَةٍ مَعَ الْقَارِئِ لاَ يَرْتَبِطُ بِهِ وَلاَ يَنْوِي الاِقْتِدَاءَ بِهِ وَلَهُ الرَّفْعُ مِنَ السُّجُودِ قَبْلَهُ، قَال الزَّرْكَشِيُّ: وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ مَنْعُ الاِقْتِدَاءِ بِهِ، لَكِنَّ قَضِيَّةَ كَلاَمِ الْقَاضِي وَالْبَغَوِيِّ جَوَازُهُ، وَقَال الْقَلْيُوبِيُّ: لاَ يَتَوَقَّفُ سُجُودُ أَحَدِهِمَا عَلَى سُجُودِ الآْخَرِ، وَلاَ يُسَنُّ الاِقْتِدَاءُ وَلاَ يَضُرُّ. (52)
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: شَرَطَ لاِسْتِحْبَابِ السُّجُودِ أَيْ فِي غَيْرِ الصَّلاَةِ كَوْنَ الْقَارِئِ يَصْلُحُ إِمَامًا لِلْمُسْتَمِعِ فَلاَ يَسْجُدُ مُسْتَمِعٌ إِنْ لَمْ يَسْجُدِ التَّالِي وَلاَ قُدَّامَهُ أَوْ عَنْ يَسَارِهِ مَعَ خُلُوِّ يَمِينِهِ لِعَدَمِ صِحَّةِ الاِئْتِمَامِ بِهِ إِذَنْ، وَلاَ يَسْجُدُ رَجُلٌ بِتِلاَوَةِ امْرَأَةٍ وَخُنْثَى لِعَدَمِ صِحَّةِ ائْتِمَامِهِ بِهِمَا، وَلاَ يَضُرُّ رَفْعُ رَأْسِ مُسْتَمِعٍ قَبْل رَأْسِ قَارِئٍ، وَكَذَا لاَ يَضُرُّ سَلاَمُهُ قَبْل سَلاَمِ الْقَارِئِ؛ لأَِنَّهُ لَيْسَ إِمَامًا لَهُ حَقِيقَةً بَل بِمَنْزِلَتِهِ وَإِلاَّ لَمَا صَحَّ ذَلِكَ، وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فِي الصَّلاَةِ فَلاَ يَرْفَعُ قَبْل إِمَامِهِ كَسُجُودِ الصُّلْبِ. (53)
مَا يَقُومُ مَقَامَ سُجُودِ التِّلاَوَةِ:
16 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُجْزِئُ حَال الْقُدْرَةِ وَالاِخْتِيَارِ - عَنِ السُّجُودِ لِلتِّلاَوَةِ فِي غَيْرِ صَلاَةِ رُكُوعٍ أَوْ نَحْوِهِ. عَلَى تَفْصِيلٍ مَرَّ فِي كَيْفِيَّةِ سُجُودٍ.
وَقَال الْقَلْيُوبِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: يَقُومُ مَقَامَ السُّجُودِ لِلتِّلاَوَةِ أَوِ الشُّكْرِ مَا يَقُومُ مَقَامَ التَّحِيَّةِ لِمَنْ لَمْ يُرِدْ فِعْلَهَا وَلَوْ مُتَطَهِّرًا وَهُوَ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ.
وَنَقَل ابْنُ عَابِدِينَ عَنِ التتارخانية أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلتَّالِي أَوِ السَّامِعِ إِذَا لَمْ يُمْكِنْهُ السُّجُودُ أَنْ يَقُول: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.
قَال الشَّبْرامَلِّسِي: سُئِل ابْنُ حَجَرٍ عَنْ قَوْل الشَّخْصِ: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} ، عِنْدَ تَرْكِ السُّجُودِ لآِيَةِ السَّجْدَةِ لِحَدَثٍ أَوْ عَجْزٍ عَنِ السُّجُودِ كَمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ عِنْدَنَا هَل يَقُومُ الإِْتْيَانُ بِهَا مَقَامَ السُّجُودِ كَمَا قَالُوا بِذَلِكَ فِي دَاخِل الْمَسْجِدِ بِغَيْرِ وُضُوءٍ أَنَّهُ يَقُول: سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ. . إِلَخْ. فَإِنَّهَا تَعْدِل رَكْعَتَيْنِ كَمَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ زَكَرِيَّا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ عَنِ الإِْحْيَاءِ، فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: إِنَّ ذَلِكَ لاَ أَصْل لَهُ فَلاَ يَقُومُ مَقَامَ السَّجْدَةِ بَل يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ إِنْ قَصَدَ الْقِرَاءَةَ وَلاَ يَتَمَسَّكُ بِمَا فِي الإِْحْيَاءِ. أَمَّا أَوَّلاً فَلأَِنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ شَيْءٌ وَإِنَّمَا قَال الْغَزَالِيُّ: إِنَّهُ يُقَال: إِنَّ ذَلِكَ يَعْدِل رَكْعَتَيْنِ فِي الْفَضْل. وَقَال غَيْرُهُ: إِنَّ ذَلِكَ رُوِيَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ، وَمِثْل هَذَا لاَ حُجَّةَ فِيهِ بِفَرْضِ صِحَّتِهِفَكَيْفَ مَعَ عَدَمِ صِحَّتِهِ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَمِثْل ذَلِكَ لَوْ صَحَّ عَنْهُ ﷺ لَمْ يَكُنْ لِلْقِيَاسِ فِيهِ مَسَاغٌ؛ لأَِنَّ قِيَامَ لَفْظٍ مَفْضُولٍ مَقَامَ فِعْلٍ فَاضِلٍ مَحْضُ فَضْلٍ، فَإِذَا صَحَّ فِي صُورَةٍ لَمْ يَجُزْ قِيَاسُ غَيْرِهَا عَلَيْهَا فِي ذَلِكَ، وَأَمَّا ثَالِثًا فَلأَِنَّ الأَْلْفَاظَ الَّتِي ذَكَرُوهَا فِي التَّحِيَّةِ فِيهَا فَضَائِل وَخُصُوصِيَّاتٌ لاَ تُوجَدُ فِي غَيْرِهَا. اهـ. وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. . إِلَخْ. لاَ يَقُومُ مَقَامَ السُّجُودِ وَإِنْ قِيل بِهِ فِي التَّحِيَّةِ لِمَا ذَكَرَهُ. (54)
سُجُودُ الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ لِلتِّلاَوَةِ:
17 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ الْمَرِيضَ الَّذِي لاَ يَسْتَطِيعُ السُّجُودَ يُجْزِئُهُ فِي سُجُودِ التِّلاَوَةِ الإِْيمَاءُ بِالسُّجُودِ لِعُذْرِهِ.
وَقَالُوا: إِنَّ الْمُسَافِرَ الَّذِي يَسْجُدُ لِلتِّلاَوَةِ فِي صَلاَتِهِ عَلَى الرَّاحِلَةِ يُجْزِئُهُ الإِْيمَاءُ عَلَى الرَّاحِلَةِ تَبَعًا لِلصَّلاَةِ.
أَمَّا الْمُسَافِرُ الَّذِي يُرِيدُ السُّجُودَ لِلتِّلاَوَةِ عَلَى الرَّاحِلَةِ فِي غَيْرِ صَلاَةٍ فَفِيهِ خِلاَفٌ: ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ يُومِئُ بِالسُّجُودِ حَيْثُ كَانَ وَجْهُهُ، لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَرَأَ عَامَ الْفَتْحِ سَجْدَةً فَسَجَدَ النَّاسُ كُلُّهُمْ، مِنْهُمُ الرَّاكِبُ وَالسَّاجِدُ فِي الأَْرْضِ حَتَّى إِنَّ الرَّاكِبَ لَيَسْجُدُ عَلَى يَدِهِ. (55) وَلأَِنَّ السُّجُودَ لِلتِّلاَوَةِ أَمْرٌ دَائِمٌ بِمَنْزِلَةِ التَّطَوُّعِ، وَصَلاَةُ التَّطَوُّعِ تُؤَدَّى عَلَى الرَّاحِلَةِ، وَقَدْ رَوَى الشَّيْخَانِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يُسَبِّحُ (يَسْجُدُ) عَلَى بَعِيرِهِ إِلاَّ الْفَرَائِضَ (56) وَسُومِحَ فِيهَا لِمَشَقَّةِ النُّزُول وَإِنْ أَذْهَبَ الإِْيمَاءُ أَظْهَرَ أَرْكَانَ السُّجُودِ وَهُوَ تَمْكِينُ الْجَبْهَةِ.
وَمُقَابِل الأَْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ قَوْل بِشْرٍ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ لاَ يُجْزِئُ الإِْيمَاءُ عَلَى الرَّاحِلَةِ لِفَوَاتِ أَعْظَمِ أَرْكَانِ سُجُودِ التِّلاَوَةِ وَهُوَ إِلْصَاقُ الْجَبْهَةِ مِنْ مَوْضِعِ السُّجُودِ، فَإِنْ كَانَ فِي مَرْقَدٍ وَأَتَمَّ سُجُودَهُ جَازَ. وَالْمُسَافِرُ الَّذِي يَقْرَأُ آيَةَ السَّجْدَةِ أَوْ يَسْمَعُهَا وَهُوَ مَاشٍ لاَ يَكْفِيهِ الإِْيمَاءُ بَل يَسْجُدُ عَلَى الأَْرْضِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، وَرُوِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ يُومِئُ. (57) قِرَاءَةُ آيَةِ السَّجْدَةِ لِلسُّجُودِ:
18 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ فِي الْجُمْلَةِ الاِقْتِصَارُ عَلَى قِرَاءَةِ آيَةِ السَّجْدَةِ وَحْدَهَا دُونَ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا بِقَصْدِ السُّجُودِ فَقَطْ. وَإِنَّمَا كُرِهَ ذَلِكَ لأَِنَّهُ قَصَدَ السَّجْدَةَ لاَ التِّلاَوَةَ وَهُوَ خِلاَفُ الْعَمَل، وَحَيْثُ كُرِهَ الاِقْتِصَارُ لاَ يَسْجُدُ.
وَلَوْ قَرَأَ فِي الصَّلاَةِ لاَ بِقَصْدِ السُّجُودِ فَلاَ كَرَاهَةَ، وَكَذَا لَوْ قَرَأَ السَّجْدَةَ فِي صُبْحِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَخَصَّ الرَّمْلِيُّ الْقِرَاءَةَ لِسَجْدَةِ: {أَلَم تَنْزِيل} فِي صُبْحِ الْجُمُعَةِ، فَلَوْ قَرَأَ غَيْرَهَا بَطَلَتْ صَلاَتُهُ إِنْ كَانَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ لأَِنَّهُ كَزِيَادَةِ سُجُودٍ فِي الصَّلاَةِ عَمْدًا. (58)
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِأَنْ يَقْرَأَ آيَةَ السَّجْدَةِ وَيَدَعَ مَا سِوَاهَا؛ لأَِنَّهُ مُبَادَرَةٌ إِلَيْهَا؛ وَلأَِنَّهَا مِنَ الْقُرْآنِ وَقِرَاءَةُ مَا هُوَ مِنَ الْقُرْآنِ طَاعَةٌ كَقِرَاءَةِ سُورَةٍ مِنْ بَيْنِ السُّوَرِ، وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ مَعَهَا آيَاتٍ دَفْعًا لِوَهْمِ تَفْضِيل آيِ السَّجْدَةِ عَلَى غَيْرِهَا. (59) مُجَاوَزَةُ آيَةِ السَّجْدَةِ:
19 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلرَّجُل أَنْ يَقْرَأَ السُّورَةَ أَوِ الآْيَاتِ فِي الصَّلاَةِ أَوْ غَيْرِهَا يَدَعُ آيَةَ السَّجْدَةِ حَتَّى لاَ يَسْجُدَهَا، لأَِنَّهُ لَمْ يُنْقَل عَنِ السَّلَفِ بَل نُقِلَتْ كَرَاهَتُهُ، وَلأَِنَّهُ يُشْبِهُ الاِسْتِنْكَافَ؛ لأَِنَّهُ قَطْعٌ لِنَظْمِ الْقُرْآنِ وَتَغْيِيرٌ لِتَأْلِيفِهِ، وَاتِّبَاعُ النَّظْمِ وَالتَّأْلِيفِ مَأْمُورٌ بِهِ، قَال تَعَالَى: {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} . (60) أَيْ تَأْلِيفَهُ، فَكَانَ التَّغْيِيرُ مَكْرُوهًا؛ وَلأَِنَّهُ فِي صُورَةِ الْفِرَارِ مِنَ الْعِبَادَةِ وَالإِْعْرَاضِ عَنْ تَحْصِيلِهَا بِالْفِعْل وَذَلِكَ مَكْرُوهٌ، وَكَذَا فِيهِ صُورَةُ هَجْرِ آيَةِ السَّجْدَةِ وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآن مَهْجُورًا. (61)
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يُكْرَهُ مُجَاوَزَةُ مَحَل السَّجْدَةِ بِلاَ سُجُودٍ عِنْدَهُ لِمُتَطَهِّرٍ طَهَارَةً صُغْرَى وَقْتَ جَوَازٍ لَهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَطَهِّرًا أَوْ كَانَ الْوَقْتُ وَقْتَ نَهْيٍ فَالصَّوَابُ أَنْ يُجَاوِزَ الآْيَةَ بِتَمَامِهَا لِئَلاَّ يُغَيِّرَ الْمَعْنَى فَيَتْرُكَ تِلاَوَتَهَا بِلِسَانِهِ وَيَسْتَحْضِرَهَا بِقَلْبِهِ مُرَاعَاةً لِنِظَامِ التِّلاَوَةِ (62) .
سُجُودُ التِّلاَوَةِ فِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ عَنِ الصَّلاَةِ:
20 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ - فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ - وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ - فِي رِوَايَةِ الأَْثْرَمِ عَنْ أَحْمَدَ - إِلَى أَنَّهُ لاَ سُجُودَ لِلتِّلاَوَةِ فِي الأَْوْقَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنْ صَلاَةِ التَّطَوُّعِ فِيهَا لِعُمُومِ قَوْل النَّبِيِّ ﷺ: لاَ صَلاَةَ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ، وَلاَ صَلاَةَ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ. (63)
وَعِنْدَهُمْ بَعْدَ هَذَا الْقَدْرِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ تَفْصِيلٌ: قَال الْحَنَفِيَّةُ: لَوْ تَلاَ شَخْصٌ آيَةَ السَّجْدَةِ أَوْ سَمِعَهَا فِي وَقْتٍ غَيْرِ مَكْرُوهٍ فَأَدَّاهَا فِي وَقْتٍ مَكْرُوهٍ لاَ تُجْزِئُهُ؛ لأَِنَّهَا وَجَبَتْ كَامِلَةً فَلاَ تَتَأَدَّى بِالنَّاقِصِ كَالصَّلاَةِ، وَلَوْ تَلاَهَا فِي وَقْتٍ مَكْرُوهٍ وَسَجَدَهَا فِيهِ أَجْزَأَهُ؛ لأَِنَّهُ أَدَّاهَا كَمَا وَجَبَتْ، وَإِنْ لَمْ يَسْجُدْهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَسَجَدَهَا فِي وَقْتٍ آخَرَ مَكْرُوهٍ جَازَ أَيْضًا؛ لأَِنَّهُ أَدَّاهَا كَمَا وَجَبَتْ لأَِنَّهَا وَجَبَتْ نَاقِصَةً وَأَدَّاهَا نَاقِصَةً. (64)
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يُجَاوِزُ الْقَارِئُ آيَةَ السَّجْدَةِ إِنْ كَانَ يَقْرَأُ وَقْتَ النَّهْيِ - كَوَقْتِ طُلُوعِ الشَّمْسِ أَوْ غُرُوبِهَا أَوْ خُطْبَةِ جُمُعَةٍ - وَلاَ يَسْجُدُ - عَلَى الْخِلاَفِ عِنْدَهُمْ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ - مَا لَمْ يَكُنْ فِي صَلاَةِ فَرْضٍ، فَإِنْ كَانَ فِي صَلاَةِ فَرْضٍ قَرَأَ وَسَجَدَ قَوْلاً وَاحِدًا بِلاَ خِلاَفٍ عِنْدَهُمْ لأَِنَّ السُّجُودَ تَبَعٌ لِلْفَرْضِ (65) . وَقَال الْحَنَابِلَةُ: لاَ يَسْجُدُ فِي الأَْوْقَاتِ الَّتِي لاَ يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهَا تَطَوُّعًا، قَال الأَْثْرَمُ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَسْأَل عَمَّنْ قَرَأَ سُجُودَ الْقُرْآنِ بَعْدَ الْفَجْرِ وَبَعْدَ الْعَصْرِ أَيَسْجُدُ؟ قَال: لاَ، وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّهُ يَسْجُدُ. وَاسْتَدَلُّوا لِلرَّاجِحِ - رِوَايَةِ الأَْثْرَمِ - بِعُمُومِ الْحَدِيثِ السَّابِقِ، وَبِمَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَبِي تَمِيمَةَ الْهُجَيْمِيِّ قَال: كُنْتُ أَقُصُّ (أَغَطُّ) بَعْدَ صَلاَةِ الصُّبْحِ فَأَسْجُدُ فَنَهَانِي ابْنُ عُمَرَ، فَلَمْ أَنْتَهِ، ثَلاَثَ مِرَارٍ ثُمَّ عَادَ فَقَال: إِنِّي صَلَّيْتُ خَلْفَ رَسُول اللَّهِ ﷺ وَمَعَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ ﵃ فَلَمْ يَسْجُدُوا حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ (66) وَرَوَى الأَْثْرَمُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مِقْسَمٍ أَنْ قَاصًّا كَانَ يَقْرَأُ السَّجْدَةَ بَعْدَ الْعَصْرِ فَيَسْجُدُ فَنَهَاهُ ابْنُ عُمَرَ وَقَال: إِنَّهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ.
وَقَالُوا: لاَ يَنْعَقِدُ السُّجُودُ لِلتِّلاَوَةِ إِنِ ابْتَدَأَهُ مُصَلٍّ فِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ وَلَوْ كَانَ جَاهِلاً بِالْحُكْمِ أَوْ بِكَوْنِهِ وَقْتَ نَهْيٍ لأَِنَّ النَّهْيَ فِي الْعِبَادَاتِ يَقْتَضِي الْفَسَادَ (67) .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ سُجُودُ التِّلاَوَةِ فِي وَقْتِ الْكَرَاهَةِ لأَِنَّهُ مِنْ ذَوَاتِ الأَْسْبَابِ، قَال النَّوَوِيُّ: مَذْهَبُنَا أَنَّهُ لاَ يُكْرَهُ سُجُودُ التِّلاَوَةِ فِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ عَنِ الصَّلاَةِ. (68)
تِلاَوَةُ آيَةِ السَّجْدَةِ فِي الْخُطْبَةِ:
21 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لَوْ تَلاَ الإِْمَامُ آيَةَ السَّجْدَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ سَجَدَهَا وَسَجَدَ مَعَهُ مَنْ سَمِعَهَا (69) . لِمَا وَرَدَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ تَلاَ سَجْدَةً عَلَى الْمِنْبَرِ فَنَزَل وَسَجَدَ وَسَجَدَ النَّاسُ مَعَهُ. (70)
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِنْ قَرَأَ آيَةَ السَّجْدَةِ فِي خُطْبَةِ جُمُعَةٍ أَوْ غَيْرِهَا لاَ يَسْجُدُ، وَهَل يُكْرَهُ السُّجُودُ أَوْ يَحْرُمُ، خِلاَفٌ عِنْدَهُمْ وَالظَّاهِرُ الْكَرَاهَةُ. (71)
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: يُسْتَحَبُّ تَرْكُهَا لِلْخَطِيبِ إِذَا قَرَأَ آيَتَهَا عَلَى الْمِنْبَرِ وَلَمْ يُمْكِنْهُ السُّجُودُ مَكَانَهُ لِكُلْفَةِ النُّزُول وَالصُّعُودِ، فَإِنْ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ سَجَدَ مَكَانَهُ إِنْ خَشِيَ طُول الْفَصْل، وَإِلاَّ نَزَل وَسَجَدَ إِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ كُلْفَةٌ (72) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِنْ قَرَأَ سَجْدَةً فِي أَثْنَاءِ الْخُطْبَةِ، فَإِنْ شَاءَ نَزَل عَنِ الْمِنْبَرِ فَسَجَدَ، وَإِنْ أَمْكَنَهُ السُّجُودُ عَلَى الْمِنْبَرِ سَجَدَ عَلَيْهِ اسْتِحْبَابًا، وَإِنْ تَرَكَ السُّجُودَ فَلاَ حَرَجَ لأَِنَّهُ سُنَّةٌ لاَ وَاجِبٌ (73) .
قِرَاءَةُ الإِْمَامِ آيَةَ السَّجْدَةِ فِي صَلاَةِ السِّرِّ:
22 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلإِْمَامِ أَنْ يَقْرَأَ آيَةَ السَّجْدَةِ فِي صَلاَةٍ يُخَافِتُ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ، لأَِنَّ هَذَا لاَ يَنْفَكُّ عَنْ أَمْرٍ مَكْرُوهٍ، لأَِنَّهُ إِذَا تَلاَ آيَةَ السَّجْدَةِ وَلَمْ يَسْجُدْ فَقَدْ تَرَكَ الْوَاجِبَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَالسُّنَّةَ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَإِنْ سَجَدَ فَقَدْ لَبَّسَ عَلَى الْقَوْمِ لأَِنَّهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهُ سَهَا عَنِ الرُّكُوعِ وَاشْتَغَل بِالسَّجْدَةِ الصُّلْبِيَّةِ فَيُسَبِّحُونَ وَلاَ يُتَابِعُونَهُ، وَذَا مَكْرُوهٌ، وَمَا لاَ يَنْفَكُّ عَنْ مَكْرُوهٍ كَانَ مَكْرُوهًا، وَتَرْكُ السَّبَبِ الْمُفْضِي إِلَى ذَلِكَ أَوْلَى، وَفِعْل النَّبِيِّ ﷺ مَحْمُولٌ عَلَى بَيَانِ الْجَوَازِ فَلَمْ يَكُنْ مَكْرُوهًا. وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: إِنْ تَلاَهَا مَعَ ذَلِكَ سَجَدَ بِهَا لِتَقَرُّرِ السَّبَبِ فِي حَقِّهِ وَهُوَ التِّلاَوَةُ، وَسَجَدَ الْقَوْمُ مَعَهُ لِوُجُوبِ الْمُتَابَعَةِ عَلَيْهِمْ.
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: يُكْرَهُ لِلإِْمَامِ سُجُودٌ لِقِرَاءَةِ سَجْدَةٍ فِي صَلاَةِ سِرٍّ؛ لأَِنَّهُ يَخْلِطُ عَلَى الْمَأْمُومِينَ فَإِنْ سَجَدَ خُيِّرَ الْمَأْمُومُونَ بَيْنَ الْمُتَابَعَةِ لِلإِْمَامِ فِي سُجُودِهِ وَتَرْكِهَا لأَِنَّهُمْ لَيْسُوا تَالِينَ وَلاَ مُسْتَمِعِينَ، وَالأَْوْلَى السُّجُودُ مُتَابَعَةً لِلإِْمَامِ، (74) لِعُمُومِ الْحَدِيثِ:. . . وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا. (75)
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الإِْمَامَ إِنْ قَرَأَ سُورَةَ سَجْدَةٍ فِي صَلاَةٍ سِرِّيَّةٍ اسْتُحِبَّ لَهُ تَرْكُ قِرَاءَةِ آيَةِ السَّجْدَةِ، فَإِنْ قَرَأَهَا جَهَرَ بِهَا نَدْبًا، فَيَعْلَمُ الْمَأْمُومُونَ سَبَبَ سُجُودِهِ وَيَتْبَعُونَهُ فِيهِ، فَإِنْ لَمْ يَجْهَرْ بِقِرَاءَةِ آيَةِ السَّجْدَةِ وَسَجَدَ لِلتِّلاَوَةِ اتَّبَعَ الْمَأْمُومُونَ الإِْمَامَ فِي سُجُودِهِ وُجُوبًا غَيْرَ شَرْطٍ. . عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، لأَِنَّ الأَْصْل عَدَمُ سَهْوِ الإِْمَامِ، وَعِنْدَ سَحْنُونٍ: يُمْتَنَعُ أَنْ يَتْبَعُوهُ لاِحْتِمَال سَهْوِهِ، فَإِنْ لَمْ يَتْبَعُوهُ صَحَّتْ صَلاَتُهُمْ؛ لأَِنَّ سُجُودَ التِّلاَوَةِ لَيْسَ مِنَ الأَْفْعَال الْمُقْتَدَى بِهِ فِيهَا أَصَالَةً، وَتَرْكُ الْوَاجِبِ الَّذِي لَيْسَ شَرْطًا لاَ يَقْتَضِي الْبُطْلاَنَ (76) .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُكْرَهُ لِلإِْمَامِ قِرَاءَةُ آيَةِ السَّجْدَةِ وَلَوْ فِي صَلاَةٍ سِرِّيَّةٍ، لَكِنْ يُسْتَحَبُّ لَهُ تَأْخِيرُ السُّجُودِ لِلتِّلاَوَةِ إِلَى الْفَرَاغِ مِنَ الصَّلاَةِ السِّرِّيَّةِ لِئَلاَّ يُشَوِّشَ عَلَى الْمَأْمُومِينَ، وَمَحَلُّهُ إِنْ قَصُرَ الْفَصْل. قَال الرَّمْلِيُّ: وَيُؤْخَذُ مِنَ التَّعْلِيل أَنَّ الْجَهْرِيَّةَ كَذَلِكَ إِذَا بَعُدَ بَعْضُ الْمَأْمُومِينَ عَنِ الإِْمَامِ بِحَيْثُ لاَ يَسْمَعُونَ قِرَاءَتَهُ وَلاَ يُشَاهِدُونَ أَفْعَالَهُ، أَوْ أَخْفَى جَهْرَهُ، أَوْ وُجِدَ حَائِلٌ أَوْ صَمَمٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى، وَلَوْ تَرَكَ الإِْمَامُ السُّجُودَ لِلتِّلاَوَةِ سُنَّ لِلْمَأْمُومِ السُّجُودُ بَعْدَ السَّلاَمِ إِنْ قَصُرَ الْفَصْل، وَمَا صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ سَجَدَ فِي صَلاَةِ الظُّهْرِ لِلتِّلاَوَةِ يُحْمَل عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُسْمِعُهُمْ أَحْيَانًا الآْيَةَ، فَلَعَلَّهُ أَسْمَعَهُمْ آيَتَهَا مَعَ قِلَّتِهِمْ فَأَمِنَ عَلَيْهِمُ التَّشْوِيشَ، أَوْ قَصَدَ بَيَانَ جَوَازِ ذَلِكَ (77) .
وَقْتُ أَدَاءِ سُجُودِ التِّلاَوَةِ:
23 - قَال الْحَنَفِيَّةُ: سَجْدَةُ التِّلاَوَةِ إِمَّا أَنْ تَكُونَ خَارِجَ الصَّلاَةِ أَوْ فِي الصَّلاَةِ: فَإِنْ كَانَتْ خَارِجَ الصَّلاَةِ فَإِنَّهَا تَجِبُ عَلَى سَبِيل التَّرَاخِي عَلَى الْمُخْتَارِ عِنْدَهُمْ؛ لأَِنَّ دَلاَئِل الْوُجُوبِ - أَيْ وُجُوبِ السَّجْدَةِ - مُطْلَقَةٌ عَنْ تَعْيِينِ الْوَقْتِ فَتَجِبُ فِي جُزْءٍ مِنَ الْوَقْتِ غَيْرِ مُعَيَّنٍ، وَيَتَعَيَّنُ ذَلِكَ بِتَعْيِينِهِ فِعْلاً، وَإِنَّمَا يَتَضَيَّقُ عَلَيْهِ الْوُجُوبُ فِي آخِرِ عُمْرِهِ كَمَا فِي سَائِرِ الْوَاجِبَاتِ الْمُوَسَّعَةِ، وَيُكْرَهُ تَأْخِيرُهَا تَنْزِيهًا، إِلاَّ إِذَا كَانَ الْوَقْتُ مَكْرُوهًا، لأَِنَّهُ بِطُول الزَّمَانِ قَدْ يَنْسَاهَا، وَعِنْدَمَا يُؤَدِّيهَا بَعْدَ وَقْتِ الْقِرَاءَةِ يَكْفِيهِ أَنْ يَسْجُدَ عَدَدَ مَا عَلَيْهِ دُونَ تَعْيِينٍ وَيَكُونُ مُؤَدِّيًا.
أَمَّا إِنْ كَانَتْ فِي الصَّلاَةِ فَإِنَّهَا تَجِبُ عَلَى سَبِيل التَّضْيِيقِ - أَيْ عَلَى الْفَوْرِ - لِقِيَامِ دَلِيلِهِ وَهُوَ أَنَّهَا وَجَبَتْ بِمَا هُوَ مِنْ أَفْعَال الصَّلاَةِ وَهُوَ الْقِرَاءَةُ فَالْتَحَقَتْ بِأَفْعَال الصَّلاَةِ وَصَارَتْ جُزْءًا مِنْ أَجْزَائِهَا، وَلِذَا يَجِبُ أَدَاؤُهَا فِي الصَّلاَةِ مُضَيَّقًا كَسَائِرِ أَفْعَال الصَّلاَةِ، وَمُقْتَضَى التَّضْيِيقِ فِي أَدَائِهَا حَال كَوْنِهَا فِي الصَّلاَةِ أَلاَّ تَطُول الْمُدَّةُ بَيْنَ التِّلاَوَةِ وَالسَّجْدَةِ، فَإِذَا مَا طَالَتْ فَقَدْ دَخَلَتْ فِي حَيِّزِ الْقَضَاءِ وَصَارَ آثِمًا بِالتَّفْوِيتِ عَنِ الْوَقْتِ.
وَكُل سَجْدَةٍ وَجَبَتْ فِي الصَّلاَةِ وَلَمْ تُؤَدَّ فِيهَا سَقَطَتْ وَلَمْ يَبْقَ السُّجُودُ لَهَا مَشْرُوعًا لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ، وَأَثِمَ مَنْ لَمْ يَسْجُدْ فَتَلْزَمُهُ التَّوْبَةُ، وَذَلِكَ إِذَا تَرَكَهَا عَمْدًا حَتَّى سَلَّمَ وَخَرَجَ مِنْ حُرْمَةِ الصَّلاَةِ، أَمَّا لَوْ تَرَكَهَا سَهْوًا وَتَذَكَّرَهَا وَلَوْ بَعْدَ السَّلاَمِ قَبْل أَنْ يَفْعَل مُنَافِيًا فَإِنَّهُ يَأْتِي بِهَا وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ. (78)
قَال الزَّرْقَانِيُّ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُتَطَهِّرَ وَقْتَ جَوَازٍ إِذَا قَرَأَهَا وَلَمْ يَسْجُدْهَا يُطَالَبُ بِسُجُودِهَا مَا دَامَ عَلَى طَهَارَتِهِ وَفِي وَقْتِ الْجَوَازِ، وَإِلاَّ لَمْ يُطَالَبْ بِقَضَائِهَا لأَِنَّهُ مِنْ شَعَائِرِ الْفَرَائِضِ. (79)
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدَ عَقِبَ قِرَاءَةِ آيَةِ السَّجْدَةِ أَوِ اسْتِمَاعِهَا، فَإِنْ أَخَّرَ وَقَصُرَ الْفَصْل سَجَدَ، وَإِنْ طَال فَاتَتْ، وَهَل تُقْضَى؟ قَوْلاَنِ: أَظْهَرُهُمَا لاَ تُقْضَى؛ لأَِنَّهَا تُفْعَل لِعَارِضٍ فَأَشْبَهَتْ صَلاَةَ الْكُسُوفِ، وَضَبْطُ طُول الْفَصْل أَوْ قِصَرِهِ بِالْعُرْفِ. وَلَوْ قَرَأَ سَجْدَةً فِي صَلاَتِهِ فَلَمْ يَسْجُدْ فِيهَا سَجَدَ بَعْدَ سَلاَمِهِ إِنْ قَصُرَ الْفَصْل، فَإِنْ طَال فَفِيهِ الْخِلاَفُ، وَلَوْ كَانَ الْقَارِئُ أَوِ الْمُسْتَمِعُ مُحْدِثًا حَال الْقِرَاءَةِ فَإِنْ تَطَهَّرَ عَنْ قُرْبٍ سَجَدَ، وَإِلاَّ فَالْقَضَاءُ عَلَى الْخِلاَفِ، وَلَوْ كَانَ يُصَلِّي فَقَرَأَ قَارِئٌ السَّجْدَةَ وَسَمِعَهُ فَلاَ يَسْجُدُ، فَإِنْ سَجَدَ بَطَلَتْ صَلاَتُهُ، فَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ وَفَرَغَ مِنْ صَلاَتِهِ فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي سُجُودِهِ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لاَ يَسْجُدُ لأَِنَّ قِرَاءَةَ غَيْرِ إِمَامِهِ لاَ تَقْتَضِي سُجُودَهُ، وَإِذَا لَمْ يَحْصُل مَا يَقْتَضِي السُّجُودَ أَدَاءً فَالْقَضَاءُ بَعِيدٌ (80) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: يُسَنُّ السُّجُودُ لِلْقَارِئِ وَالْمُسْتَمِعِ لَهُ وَلَوْ كَانَ السُّجُودُ بَعْدَ التِّلاَوَةِ وَالاِسْتِمَاعِ مَعَ قِصَرِ فَصْلٍ بَيْنَ السُّجُودِ وَسَبَبِهِ، فَإِنْ طَال الْفَصْل لَمْ يَسْجُدْ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ، وَيَتَيَمَّمُ مُحْدِثٌ وَيَسْجُدُ مَعَ قِصَرِ الْفَصْل (81) .
تَكْرَارُ سُجُودِ التِّلاَوَةِ:
24 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَكْرَارِ سُجُودِ التِّلاَوَةِ بِتَكْرَارِ التِّلاَوَةِ أَوِ الاِسْتِمَاعِ أَوْ عَدَمِ تَكْرَارِهِ بِتَكْرَارِهِمَا. . وَيُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (تَدَاخُلٍ) ف 11 ج 11 / 86
__________
(1) حديث عقبة بن عامر: " فضلت سورة الحج ". أخرجه الترمذي (2 / 471 - ط الحلبي) وقال: " هذا حديث ليس إسناده بذاك القوي ".
(2) المجموع 4 / 62، والقليوبي 1 / 206، والمغني 1 / 618 - 619.
(3) الآية 43 من سورة آل عمران.
(4) بدائع الصنائع 1 / 193، وفتح القدير 1 / 381، وجواهر الإكليل 1 / 71
(5) .
(6) .
(7) الآية 25 من سورة (ص) .
(8) من الآية 24 من سورة (ص) .
(9) حديث ابن عباس: " أن النبي ﷺ سجد في (ص) ". أخرجه البخاري (الفتح 2 / 552 - ط السلفية) .
(10) حديث أبي سعيد: " رأيت رؤيا ". أخرجه أحمد (3 / 76، 84 - ط الميمنية) وأورده الهيثمي في المجمع (2 / 284 - ط القدسي) وقال: رجاله رجال الصحيح.
(11) ". أخرجه البخاري (الفتح 2 / 552 - ط السلفية) .
(12) بدائع الصنائع 1 / 193، وفتح القدير 1 / 381، وجواهر الإكليل 1 / 71
(13) ليست من عزائم السجود ". أخرجه البخاري (الفتح 2 / 552 - ط السلفية) .
(14) ليست من عزائم السجود ". أخرجه البخاري (الفتح 2 / 552 - ط السلفية) .
(15) حديث: " إنما هي توبة نبي ". أخرجه أبو داود (2 / 124 - تحقيق عزت عبيد دعاس) وإسناده حسن.
(16) ليست من عزائم السجود ". أخرجه البخاري (الفتح 2 / 552 - ط السلفية) .
(17) حديث: " سجدها داود توبة، ونسجدها شكرًا ". أخرجه النسائي (2 / 159 - ط المكتبة التجارية) .
(18) ليست من عزائم السجود ". أخرجه البخاري (الفتح 2 / 552 - ط السلفية) .
(19) حديث ابن عباس: " (ص) ليست من عزائم السجود ". أخرجه البخاري (الفتح 2 / 552 - ط السلفية) .
(20) المجموع 4 / 60 - 61، نهاية المحتاج 2 / 88، المغني 1 / 618.
(21) حديث أبي سعيد وابن عباس تقدم تخريجهما آنفًا. وأما حديث أبي موسى فأورده ابن الهمام في فتح القدير (1 / 381 - ط بولاق) وعزاه إلى مسند أبي حنيفة للحارثي.
(22)
(23)
(24) حديث عمرو بن العاص: " أن رسول الله أقرأه خمس عشرة سجدة ". أخرجه أبو داود (2 / 120 - تحقيق عزت عبيد دعاس) وضعفه عبد الحق الأشبيلي وابن القطان، كذا في التلخيص لابن حجر (2 / 9 - ط شركة الطباعة الفنية) .
(25) حديث أبي رافع: " صليت خلف أبي هريرة العتمة ". أخرجه البخاري (الفتح 2 / 559 - ط السلفية) ومسلم (1 / 407 - ط الحلبي) .
(26) حديث أبي هريرة: " سجدنا مع رسول الله في (إذا السماء انشقت) " أخرجه مسلم (1 / 406 - ط الحلبي) .
(27) حديث عبد الله بن مسعود: " أن النبي ﷺ قرأ سورة النجم ". أخرجه البخاري (الفتح 2 / 553 - ط السلفية) ومسلم (1 / 405 - ط الحلبي) .
(28) مجموع 4 / 62 - 63، بدائع الصنائع 1 / 193، والمغني 1 / 617.
(29) حديث زيد بن ثابت: " قرأت على النبي ﷺ النجم فلم يسجد ". أخرجه البخاري (الفتح 2 / 554 - ط السلفية) ومسلم (1 / 406 - ط الحلبي) .
(30) حديث أبي الدرداء: " سجدت مع النبي ﷺ إحدى عشرة سجدة ". أخرجه ابن ماجه (1 / 335 - ط الحلبي) وضعف إسناده البوصيري في مصباح الزجاجة (1 / 201 - ط دار الجنان) .
(31) تفسير القرطبي 7 / 357، جواهر الإكليل 1 / 71، والدسوقي 1 / 308.
(32) الدسوقي 1 / 308، الزرقاني 1 / 273.
(33) رد المحتار 1 / 515 - 518، فتح القدير 1 / 380، 391، 392، بدائع الصنائع 1 / 192.
(34) شرح الزرقاني وحاشية البناني 1 / 271 - 273، وجواهر الإكليل 1 / 71، الدسوقي 1 / 312.
(35) حديث: " إنما الأعمال بالنيات ". أخرجه البخاري (الفتح 1 / 9 - ط السلفية) ومسلم (3 / 1515 - ط الحلبي) من حديث عمر بن الخطاب ولفظ مسلم: " بالنية ".
(36) المجموع 4 / 63 - 64، القليوبي وعميرة 1 / 208.
(37) المجموع 4 / 64 - 65، نهاية المحتاج 2 / 95، القليوبي 1 / 207.
(38) حديث ابن عمر: " كان ﷺ يقرأ علينا القرآن، فإذا مر بالسجدة كبر وسجد ". أخرجه أبو داود (2 / 126 - تحقيق عزت عبيد دعاس) وضعف ابن حجر أحد رواته كما في التلخيص (2 / 9 - ط شركة الطباعة الفنية) .
(39) كشاف القناع 1 / 448، الإنصاف 2 / 198.
(40) من الآية 107 من سورة الإسراء.
(41) أثر عائشة: " أنها كانت تقرأ في المصحف ". أخرجه ابن أبي شيبة 2 / 499 - ط مطبعة العلوم الشرفية - حيدر أباد) وضعفه النووي في المجموع (3 / 518 - ط المنيرية) .
(42) بدائع الصنائع 1 / 192، المجموع 4 / 65، مطالب أولي النهى 1 / 586.
(43) حديث عائشة: " كان رسول الله ﷺ يقول في سجود القرآن ". أخرجه الترمذي (2 / 474 - ط الحلبي) وقال: حديث حسن صحيح.
(44) أي: كما قبلت من داود - عليه السلام - السجدة لا بوصف سجدة التلاوة؛ لأن سجدته كانت شكرًا لله تعالى أن أراه الحق في الزوجة ببعث الملكين يختصمان. شرح الزرقاني 1 / 272.
(45) حديث ابن عباس: " جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله، إني رأيتني الليلة ". أخرجه الترمذي (2 / 473 - ط الحلبي) ، وحسنه ابن حجر كما في الفتوحات لابن علان (2 / 276 - ط المنيرية) .
(46) شرح الزرقاني 1 / 272، المجموع 4 / 64 - 65، أسنى المطالب 1 / 198، كشاف القناع 1 / 449.
(47) بدائع الصنائع 1 / 192، شرح الزرقاني 1 / 271، المجموع 4 / 64 - 65، تفسير القرطبي 1 / 358، كشاف القناع 1 / 448.
(48) حديث: " مفتاح الصلاة الطهور ". أخرجه الترمذي (1 / 9 - ط الحلبي) من حديث علي بن أبي طالب، وإسناده حسن.
(49) تقدم تخريجه (ف / 9) .
(50) بدائع الصنائع 1 / 192 - 193، فتح القدير 1 / 392.
(51) حاشية الدسوقي 1 / 307.
(52) المجموع 4 / 72، روضة الطالبين 1 / 323، أسنى المطالب 1 / 198، القليوبي 1 / 207.
(53) مطالب أولي النهى 1 / 582 - 584.
(54) رد المحتار 1 / 517 - 518، بدائع الصنائع 1 / 188، الدسوقي 1 / 312، المجموع 4 / 72، كشاف القناع 1 / 447، القليوبي 1 / 206، ونقل رده الشبراملسي (2 / 94 نهاية المحتاج) .
(55) حديث ابن عمر: " أن رسول الله ﷺ قرأ عام الفتح سجدة ". أخرجه أبو داود (2 / 125 - تحقيق عزت عبيد دعاس) وأورده المنذري في مختصره (2 / 119 - نشر دار المعرفة) وأشار إلى ضعف أحد رواته.
(56) حديث: " أن النبي ﷺ كان يسبح على بعيره ". ورد من حديث ابن عمر، أخرجه البخاري (2 / 575 ط السلفية) ومسلم (1 / 487 ط الحلبي) .
(57) بدائع الصنائع 1 / 187 - 188، الدسوقي 1 / 307، المجموع 4 / 73، نهاية المحتاج 2 / 100، المغني 1 / 626 - 627، 437.
(58) شرح الزرقاني 1 / 276 - 277، وجواهر الإكليل 1 / 72، حاشية العدوي 1 / 309، وروضة الطالبين 1 / 323 - 324، ونهاية المحتاج 2 / 92، والقليوبي 1 / 206، وتحفة المحتاج 2 / 211، وأسنى المطالب 1 / 198.
(59) بدائع الصنائع 1 / 192، فتح القدير 1 / 392.
(60) سورة القيامة / 18.
(61) فتح القدير 1 / 391 - 392، وبدائع الصنائع 1 / 192، كشاف القناع 1 / 449، مطالب أولي النهى 1 / 584.
(62) جواهر الإكليل 1 / 72، حاشية الدسوقي 1 / 309.
(63) حديث: " لا صلاة بعد الصبح حتى ترتفع الشمس ". أخرجه البخاري (الفتح 2 / 61 - ط السلفية) ومسلم (1 / 567 - ط الحلبي) من حديث أبي سعيد الخدري، والسياق للبخاري.
(64) بدائع الصنائع 1 / 192، 296 - 297.
(65) جواهر الإكليل 1 / 72، العدوي على كفاية الطالب 1 / 309.
(66) حديث أبي تميمة الهجيمي: " كنت أقص بعد صلاة الصبح ". أخرجه أبو داود (2 / 127 - تحقيق عزت عبيد دعاس) وأورده المنذري في مختصره (2 / 120 - نشر دار المعرفة) وقال: " في إسناده أبو بحر البكراوي، لا يحتج بحديثه ".
(67) مطالب أولي النهى 1 / 594، المغني 1 / 623.
(68) روضة الطالبين 1 / 193، والمجموع 4 / 72.
(69) رد المحتار 1 / 525، بدائع الصنائع 1 / 277
(70) الحديث تقدم (ف / 9) .
(71) جواهر الإكليل 1 / 72.
(72) روضة الطالبين 1 / 324، أسنى المطالب 1 / 198.
(73) كشاف القناع 2 / 37.
(74) بدائع الصنائع 1 / 192، كشاف القناع 1 / 449، مطالب أولي النهى 1 / 588.
(75) حديث: ". . . وإذا سجد فاسجدوا ". أخرجه البخاري (الفتح 2 / 216 - ط السلفية) ومسلم (1 / 308 - ط الحلبي) من حديث أنس بن مالك.
(76) شرح الزرقاني 1 / 277، جواهر الإكليل 1 / 72، ومواهب الجليل 2 / 65.
(77) المجموع 4 / 72، نهاية المحتاج 2 / 95.
(78) بدائع الصنائع 1 / 180 - 192، الدر المختار ورد المحتار 1 / 517 - 518.
(79) شرح الزرقاني 1 / 276.
(80) المجموع 4 / 71 - 72، روضة الطالبين 1 / 323.
(81) كشاف القناع 1 / 445.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 212/ 24
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".