الطيب
كلمة الطيب في اللغة صيغة مبالغة من الطيب الذي هو عكس الخبث، واسم...
الْجِمَاعُ، وما يتعلق به من قُبْلة، ولمس، وغمْزٍ . ومن أمثلته حِلّ جماع الزوجة ليلة الصيام إلى الفجر . ومن شواهده قوله تَعَالَى : ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭼالبقرة :١٨٧ .
الْجِمَاعُ، وما يتعلق به من قُبْلة، ولمس، وغمْزٍ.
التَّعْرِيفُ:
1 - الرَّفَثُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْفَاءِ - فِي اللُّغَةِ: الْجِمَاعُ وَغَيْرُهُ مِمَّا يَكُونُ بَيْنَ الرَّجُل وَالْمَرْأَةِ مِنْ تَقْبِيلٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا يَكُونُ فِي حَالَةِ الْجِمَاعِ، وَيُطْلَقُ عَلَى الْفُحْشِ.
وَقَال قَوْمٌ: الرَّفَثُ هُوَ قَوْل الْخَنَا، وَالْفُحْشِ، وَاحْتَجَّ هَؤُلاَءِ بِخَبَرِ: إِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ، فَلاَ يَرْفُثْ، وَلاَ يَصْخَبْ (1) .
وَقَال أَبُو عُبَيْدَةَ: الرَّفَثُ: اللَّغْوُ مِنَ الْكَلاَمِ. يُقَال: رَفَثَ فِي كَلاَمِهِ يَرْفُثُ، وَأَرْفَثَ إِذَا تَكَلَّمَ بِالْقَبِيحِ، ثُمَّ جُعِل كِنَايَةً عَنِ الْجِمَاعِ وَعَنْ كُل مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ، فَالرَّفَثُ بِاللِّسَانِ: ذِكْرُ الْمُجَامَعَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا، وَالرَّفَثُ بِالْيَدِ، اللَّمْسُ، وَبِالْعَيْنِ: الْغَمْزُ، وَالرَّفَثُ بِالْفَرْجِ: الْجِمَاعُ (2) . وَفِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ: لاَ يَخْرُجُ الرَّفَثُ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ كَمَا ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ.
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
2 - الرَّفَثُ بِمَعْنَى مُبَاشَرَةِ النِّسَاءِ بِالْجِمَاعِ أَوْ غَيْرِهِ فِي الْعِبَادَاتِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ عَلَى التَّفْصِيل التَّالِي:
الرَّفَثُ فِي الصَّوْمِ:
3 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ أَهْل الْعِلْمِ فِي أَنَّ مَنْ جَامَعَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ عَمْدًا ذَاكِرًا لِصَوْمِهِ أَنَّهُ يَأْثَمُ، وَيَفْسُدُ صَوْمُهُ، وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ، سَوَاءٌ أَنْزَل أَمْ لَمْ يُنْزِل، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أُحِل لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} (3) وَالرَّفَثُ هُنَا الْجِمَاعُ (4) .
وَكَالْجِمَاعِ فِي الإِْثْمِ وَإِفْسَادِ الصَّوْمِ وَالْقَضَاءِ الإِْنْزَال بِمُبَاشَرَةٍ أَوْ بِقُبْلَةٍ أَوْ بِلَمْسٍ وَلَوْ بِدُونِ جِمَاعٍ، فَإِنْ قَبَّل أَوْ لَمَسَ أَوْ ضَمَّهَا إِلَيْهِ فَلَمْ يُنْزِل لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ، وَهُوَ مَحَل اتِّفَاقٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ (5) .
أَمَّا الْجِمَاعُ نَاسِيًا فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيهِ.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُفْسِدُ الصَّوْمَ؛ لِقَوْلِهِ ﷺ فِي الَّذِي يَأْكُل وَيَشْرَبُ نَاسِيًا: فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ. (6) وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فِي الأَْكْل وَالشُّرْبِ ثَبَتَ فِي الْجِمَاعِ لِلاِسْتِوَاءِ فِي الرُّكْنِيَّةِ (7) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي ظَاهِرِ النَّصِّ عِنْدَهُمْ: إِنَّ النَّاسِيَ كَالْمُتَعَمِّدِ فَيَفْسُدُ صَوْمُهُ إِذَا جَامَعَ نَاسِيًا، وَقَالُوا: إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ: أَمَرَ الَّذِي جَامَعَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ بِالْكَفَّارَةِ وَلَمْ يَسْأَلْهُ عَنْ كَوْنِهِ عَمْدًا (8) . وَلَوِ افْتَرَقَ الْحَال لَسَأَل وَاسْتَفْصَل؛ وَلأَِنَّهُ يَجِبُ التَّعْلِيل بِمَا تَنَاوَلَهُ لَفْظُ السَّائِل وَهُوَ الْوُقُوعُ عَلَى الْمَرْأَةِ فِي الصَّوْمِ، وَلأَِنَّ الصَّوْمَ عِبَادَةٌ يَحْرُمُ الْوَطْءُ فِيهِ، فَاسْتَوَى فِيهَا عَمْدُهُ وَسَهْوُهُ كَالْحَجِّ (9) .
وَالتَّفْصِيل فِي بَابِ (الصَّوْمِ) .
الرَّفَثُ فِي الاِعْتِكَافِ:
4 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ الرَّفَثَ فِي الاِعْتِكَافِ مُحَرَّمٌ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} (10) فَإِنْ جَامَعَ مُتَعَمِّدًا فَسَدَ اعْتِكَافُهُ بِإِجْمَاعِ أَهْل الْعِلْمِ؛ لأَِنَّ الْجِمَاعَ إِذَا حُرِّمَ فِي الْعِبَادَةِ أَفْسَدَهَا كَالْحَجِّ وَالصَّوْمِ. وَاخْتَلَفُوا فِي الْجِمَاعِ نَاسِيًا، فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، إِلَى أَنَّهُ إِنْ جَامَعَ الْمُعْتَكِفُ لَيْلاً أَوْ نَهَارًا عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا بَطَل اعْتِكَافُهُ؛ لأَِنَّ مَا حُرِّمَ فِي الاِعْتِكَافِ اسْتَوَى عَمْدُهُ وَسَهْوُهُ فِي إِفْسَادِهِ كَالْخُرُوجِ مِنَ الْمَسْجِدِ.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: إِنْ جَامَعَ نَاسِيًا فَلاَ يَبْطُل اعْتِكَافُهُ.
أَمَّا التَّقْبِيل وَاللَّمْسُ بِشَهْوَةٍ فَهُوَ حَرَامٌ، وَيَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ إِنْ أَنْزَل لِعُمُومِ آيَةِ: {وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} أَمَّا إِنْ كَانَ ذَلِكَ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ مِثْل أَنْ تَغْسِل رَأْسَهُ أَوْ تُنَاوِلَهُ شَيْئًا فَلاَ بَأْسَ بِهِ (11) . لأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ: كَانَ يُدْنِي رَأْسَهُ لِعَائِشَةَ ﵂ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ فَتُرَجِّلُهُ. (12)
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ: (اعْتِكَاف) .
الرَّفَثُ فِي الإِْحْرَامِ:
5 - الرَّفَثُ فِي الإِْحْرَامِ مُحَرَّمٌ، وَهَذَا مَحَل اتِّفَاقٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَال فِي الْحَجِّ} (13) فَإِنْ جَامَعَ فِي الْفَرْجِ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَسَدَ نُسُكُهُ؛ لأَِنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي الْفَسَادَ، وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ إِنْ كَانَ عَامِدًا، رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄: أَنَّ رَجُلاً سَأَلَهُ فَقَال: إِنِّي وَاقَعْتُ امْرَأَتِي وَنَحْنُ مُحْرِمَانِ، فَقَال: أَفْسَدْتَ حَجَّكَ انْطَلِقْ أَنْتَ وَأَهْلُكَ مَعَ النَّاسِ فَاقْضُوا مَا يَقْضُونَ وَحُل إِذَا حَلُّوا، فَإِذَا كَانَ فِي الْعَامِ الْمُقْبِل فَاحْجُجْ أَنْتَ وَأَهْلُكَ مَعَ النَّاسِ وَأَهْدِيَا هَدْيًا، فَإِنْ لَمْ تَجِدَا فَصُومَا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ، وَسَبْعَةً إِذَا رَجَعْتُمْ.
أَمَّا إِنْ جَامَعَ الْمُحْرِمُ نَاسِيًا فَقَال الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: هُوَ كَمَنْ جَامَعَ عَامِدًا، قَالُوا: لأَِنَّ الْفَسَادَ بِاعْتِبَارِ مَعْنَى الاِرْتِفَاقِ فِي الإِْحْرَامِ ارْتِفَاقًا مَخْصُوصًا، وَهَذَا لاَ يَنْعَدِمُ بِهَذِهِ الْعَوَارِضِ، وَالْحَجُّ لَيْسَ بِمَعْنَى الصَّوْمِ، لأَِنَّ حَالاَتِ الإِْحْرَامِ مُذَكِّرَةٌ لَهُ كَالصَّلاَةِ؛ وَلأَِنَّهُ شَيْءٌ لاَ يَقْدِرُ عَلَى رَدِّهِ كَالشَّعْرِ إِذَا حَلَقَهُ، وَالصَّيْدِ إِذَا قَتَلَهُ، فَهَذِهِ الثَّلاَثَةُ يَسْتَوِي فِيهَا الْعَمْدُ، وَالنِّسْيَانُ.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: لاَ يَفْسُدُ حَجُّهُ؛ لأَِنَّهُ عِبَادَةٌ تَتَعَلَّقُ الْكَفَّارَةُ بِإِفْسَادِهَا، فَتَخْتَلِفُ بِالْمَذْكُورَاتِ فِي الْحُكْمِ كَالصَّوْمِ.
أَمَّا الْمُبَاشَرَةُ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ، فَإِنْ أَنْزَل فَعَلَيْهِ دَمٌ وَإِنْ لَمْ يُنْزِل فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي حُرْمَتِهِ (14) .
أَمَّا فَسَادُ الْحَجِّ وَوُجُوبُ الْكَفَّارَةِ وَنَوْعِهَا، وَبَقِيَّةُ أَحْكَامِ الرَّفَثِ فِي الإِْحْرَامِ، فَيُرْجَعُ فِي تَفْصِيل ذَلِكَ إِلَى مُصْطَلَحِ (إِحْرَام) .
__________
(1) حديث: " إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب " أخرجه البخاري (الفتح 4 / 118 - ط السلفية) ، ومسلم 2 / 807 - ط الحلبي) من حديث أبي هريرة.
(2) تاج العروس، وتفسير الرازي، وتفسير ابن كثير، في تفسير آية (فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ) .
(3) سورة البقرة / 187.
(4) أسنى المطالب 1 / 414، فتح القدير 2 / 253) ، المغني 3 / 120، حاشية الدسوقي 1 / 509.
(5) المصادر السابقة.
(6) حديث: " فليتم صومه " أخرجه البخاري (الفتح 4 / 155 - ط السلفية) ، ومسلم (2 / 809 - ط الحلبي) من حديث أبي هريرة.
(7) فتح القدير 2 / 24، أسنى المطالب 1 / 414، 417
(8) حديث: " أمر الذي جامع في نهار رمضان بالكفارة " أخرجه البخاري (الفتح 4 / 161 ط السلفية) من حديث عائشة.
(9) المغني 3 / 121، حاشية الدسوقي 1 / 527.
(10) سورة البقرة / 187.
(11) فتح القدير 2 / 313، حاشية الدسوقي 1 / 544، وأسنى المطالب 1 / 434، المغني 3 / 197 - 198
(12) حديث: " كان يدني رأسه لعائشة وهو معتكف " أخرجه البخاري (الفتح 4 / 273 - ط السلفية) ، ومسلم (1 / 244 - ط الحلبي) .
(13) سورة البقرة / 197.
(14) فتح القدير 2 / 456، المغني 3 / 340، وأسنى المطالب 1 / 512، والشرح الصغير مع حاشية الصاوي 2 / 94 - 95
الموسوعة الفقهية الكويتية: 275/ 22
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".