الشهيد
كلمة (شهيد) في اللغة صفة على وزن فعيل، وهى بمعنى (فاعل) أي: شاهد،...
ما ثبت على خلاف دليل شرعي لعذر . ومن شواهده قوله تَعَالَى : ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﴾﴿ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﭼالمائدة : ٦ . ومن أمثلته جواز الفطر في نهار رمضان، وجواز الجمع للمسافر، وجواز أكل الميتة للمضطر .
السُّهُولَةُ وَاليُسْرُ، والجَمْعُ رُخَصٌ، وَالتَّرْخِيصُ: التَّسْهِيلُ، تَقولُ: رَخَّصَ لَهُ فِي الْأَمر إِذَا سَهَّلَه ويَسَّرَه له، وَأَصْلُ الرُّخْصِ: اللِّينُ وَالطَّرَاوَةُ، وَضِدُّها الشِدَّةُ وَالصَّلاَبَةُ، يُقَالُ: رَخُصَ الشَّيْءُ يَرْخُصُ رُخْصًا أَيْ لاَنَ، وَتُطْلَقُ الرُّخْصَةُ بِمَعْنَى: الإِذْنُ، وَرَخَّصَ لَهُ فِي كَذَا ورَخَّصَه فِيهِ أَيْ أَذِن لَهُ فِيهِ بعد النَّهْي عَنهُ، وَمِنْ مَعانِي الرُّخْصَةِ أَيْضًا فِي اللُّغَةِ: المُسَامَحَةُ.
يُطْلَقُ مُصْطَلَحُ (الرُّخْصَةِ) فِي بَابِ النَّسْخِ وَأَقْسَامِهِ، وَبَابِ الاجْتِهادِ وَالتَّقْلِيدِ. وَيُطْلَقُ عِنْدَ الفُقَهَاءِ فِي مَواضِعَ عَديدَةٍ كَكِتابِ الطَّهارَةِ وَالصَّلاَةِ وَالأَطْعِمَةِ وَغَيْرِهَا.
رَخُصَ
ما ثبت على خلاف دليل شرعي لعذر.
* تهذيب اللغة للأزهري : 63/7 - الصحاح للجوهري : 1041/3 - معجم مقاييس اللغة : 500/2 - لسان العرب : 178/5 - منهاج الوصول إلى علم الأصول : ص20 - المهذب في أصول الفقه المقارن : 450/1 - الشامل في حدود وتعريفات مصطلحات علم الأصول : 324/1 - الإبهاج في شرح المنهاج : 223-218/2 - نهاية السول شرح منهاج الوصول : 70/1 - المهذب في أصول الفقه المقارن : 453-451/1 - الشامل في حدود وتعريفات مصطلحات علم الأصول : 325-324/1 - مقاييس اللغة : 500/2 -
التَّعْرِيفُ:
1 - تُطْلَقُ كَلِمَةُ رُخْصَةٍ - فِي لِسَانِ الْعَرَبِ - عَلَى مَعَانٍ كَثِيرَةٍ نُجْمِل أَهَمَّهَا فِيمَا يَلِي:
أ - نُعُومَةُ الْمَلْمَسِ، يُقَال: رَخُصَ الْبَدَنُ رَخَاصَةً إِذَا نَعُمَ مَلْمَسُهُ وَلاَنَ، فَهُوَ رَخْصٌ - بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ - وَرَخِيصٌ، وَهِيَ رَخْصَةٌ وَرَخِيصَةٌ.
ب - انْخِفَاضُ الأَْسْعَارِ، يُقَال: رَخُصَ الشَّيْءُ رُخْصًا - بِضَمٍّ فَسُكُونٍ - فَهُوَ رَخِيصٌ ضِدُّ الْغَلاَءِ. (1)
ج - الإِْذْنُ فِي الأَْمْرِ بَعْدَ النَّهْيِ عَنْهُ: يُقَال: رَخَّصَ لَهُ فِي الأَْمْرِ إِذَا أَذِنَ لَهُ فِيهِ، وَالاِسْمُ رُخْصَةٌ عَلَى وَزْنِ فُعْلَةٌ مِثْل غُرْفَةٍ، وَهِيَ ضِدُّ التَّشْدِيدِ، أَيْ أَنَّهَا تَعْنِي التَّيْسِيرَ فِي الأُْمُورِ، يُقَال: رَخَّصَ الشَّرْعُ فِي كَذَا تَرْخِيصًا، وَأَرْخَصَ إِرْخَاصًا إِذَا يَسَّرَهُ وَسَهَّلَهُ. (2) قَال ﵊: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى مَعْصِيَتُهُ (3) .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ عَرَّفَهَا الْغَزَالِيُّ بِأَنَّهَا عِبَارَةٌ عَمَّا وُسِّعَ لِلْمُكَلَّفِ فِي فِعْلِهِ لِعُذْرٍ عَجَزَ عَنْهُ مَعَ قِيَامِ السَّبَبِ الْمُحَرِّمِ. (4)
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْعَزِيمَةُ:
2 - الْعَزِيمَةُ لُغَةً: الْقَصْدُ الْمُؤَكَّدُ. (5)
وَاصْطِلاَحًا عِبَارَةٌ عَمَّا لَزِمَ الْعِبَادَ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى. (6)
فَلاَ يُقَال رُخْصَةٌ بِدُونِ عَزِيمَةٍ تُقَابِلُهَا، فَهُمَا يَنْتَمِيَانِ مَعًا إِلَى الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ بِاتِّفَاقِ أَهْل الذِّكْرِ، وَهُمَا عَلَى الْقَوْل الرَّاجِحِ مِنَ الأَْحْكَامِ الْوَضْعِيَّةِ، وَعَلَى الْمَرْجُوحِ مِنَ الأَْحْكَامِ التَّكْلِيفِيَّةِ، وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ التَّكْلِيفَ (أَوْ الاِقْتِضَاءَ) مَوْجُودٌ فِي الْعَزِيمَةِ كَمَا أَنَّهُ مَوْجُودٌ فِي الرُّخْصَةِ إِلاَّ أَنَّهُ فِي الأُْولَى أَصْلِيٌّ كُلِّيٌّ مُطَّرِدٌ وَاضِحٌ، وَفِي الثَّانِيَةِ طَارِئٌ جُزْئِيٌّ غَيْرُ مُطَّرِدٍ مَعَ خَفَائِهِ وَدِقَّتِهِ. وَقَدْ سَبَقَ قَرِيبًا أَنَّ الأُْولَى تُمَثِّل حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ وَأَنَّ الثَّانِيَةَ تُمَثِّل حَظَّ الْعِبَادِ مِنْ لُطْفِهِ.
انْظُرْ مُصْطَلَحَ: (عَزِيمَة) .
ب - الإِْبَاحَةُ:
3 - الإِْبَاحَةُ هِيَ: تَخْيِيرُ الْمُكَلَّفِ بَيْنَ الْفِعْل وَالتَّرْكِ. فَالإِْبَاحَةُ تُشْعِرُ بِأَنَّ الْحُكْمَ فِيهَا أَصْلِيٌّ. وَتَتَلاَقَى فِي بَعْضِ الْجُزْئِيَّاتِ مَعَ الرُّخَصِ. (7) انْظُرْ مُصْطَلَحَ: (إِبَاحَة) .
ج - رَفْعُ الْحَرَجِ:
4 - رَفْعُ الْحَرَجِ فِي الاِصْطِلاَحِ يَتَمَثَّل فِي إِزَالَةِ كُل مَا يُؤَدِّي إِلَى مَشَقَّةٍ زَائِدَةٍ فِي الْبَدَنِ أَوِ النَّفْسِ أَوِ الْمَال فِي الْبَدْءِ وَالْخِتَامِ، وَالْحَال وَالْمَآل. وَهُوَ أَصْلٌ مِنْ أُصُول الشَّرِيعَةِ ثَبَتَ بِأَدِلَّةٍ قَطْعِيَّةٍ لاَ تَقْبَل الشَّكَّ. (8)
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الرُّخْصَةِ وَرَفْعِ الْحَرَجِ مِنْ وُجُوهٍ:
1 - أَنَّ رَفْعَ الْحَرَجِ أَصْلٌ كُلِّيٌّ مِنْ أُصُول الشَّرِيعَةِ وَمَقْصِدٌ مِنْ مَقَاصِدِهَا - كَمَا سَبَقَ - أَمَّا الرُّخَصُ فَهِيَ فَرْعٌ يَنْدَرِجُ ضِمْنَ هَذَا الأَْصْل الْعَامِّ وَجُزْءٌ أُخِذَ مِنْ هَذَا الْكُل، فَرَفْعُ الْحَرَجِ مُؤَدَّاهُ يُسْرُ التَّكَالِيفِ فِي جَمِيعِ أَطْوَارِهَا، وَالرُّخَصُ مُؤَدَّاهَا تَيْسِيرُ مَا شَقَّ عَلَى بَعْضِ النُّفُوسِ عِنْدَ التَّطْبِيقِ مِنْ تِلْكَ الأَْحْكَامِ الْمُيَسَّرَةِ ابْتِدَاءً (9) .
2 - أَنَّ الْحَرَجَ مَرْفُوعٌ عَنِ الأَْحْكَامِ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً فِي الْحَال وَالْمَآل، بَيْنَمَا الرُّخَصُ تَشْمَل - عَادَةً - أَحْكَامًا مَشْرُوعَةً بِنَاءً عَلَى أَعْذَارِ الْعِبَادِ تَنْتَهِي بِانْتِهَائِهَا، وَأُخْرَى تُرَاعَى فِيهَا أَسْبَابٌ مُعَيَّنَةٌ تَتْبَعُهَا وُجُودًا وَعَدَمًا.
وَلَيْسَتِ الرُّخَصُ مُرَادِفَةً لِرَفْعِ الْحَرَجِ وَإِلاَّ لَكَانَتْ أَحْكَامُ الشَّرِيعَةِ كُلُّهَا رُخَصًا بِدُونِ عَزَائِمَ. وَلِتَفْصِيل ذَلِكَ انْظُرْ مُصْطَلَحَ: (رَفْعُ الْحَرَجِ) .
3 - إِذَا رَفَعَ الْمُشَرِّعُ الْحَرَجَ عَنْ فِعْلٍ مِنَ الأَْفْعَال فَالَّذِي يَتَبَادَرُ إِلَى الذِّهْنِ أَنَّ الْفِعْل إِنْ وَقَعَ مِنَ الْمُكَلَّفِ لاَ إِثْمَ وَلاَ مُؤَاخَذَةَ عَلَيْهِ، وَيَبْقَى الإِْذْنُ فِي الْفِعْل مَسْكُوتًا عَنْهُ، فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَقْصُودٍ، إِذْ لَيْسَ كُل مَا لاَ حَرَجَ فِيهِ يُؤْذَنُ فِيهِ، (10) بِخِلاَفِ التَّرْخِيصِ فِي الْفِعْل فَإِنَّهُ يَتَضَمَّنُ - إِلَى جَانِبِ ذَلِكَ - الإِْذْنَ فِيهِ. (11) انْظُرْ مُصْطَلَحَ: (رَفْعُ الْحَرَجِ) .
د - النَّسْخُ:
5 - النَّسْخُ اصْطِلاَحًا بَيَانُ انْتِهَاءِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ بِطَرِيقٍ شَرْعِيٍّ مُتَرَاخٍ عَنْهُ. فَإِذَا كَانَ النَّسْخُ مِنَ الأَْشَدِّ لِلأَْخَفِّ فَإِنَّهُ يَشْتَرِكُ مَعَ الرُّخْصَةِ فِي الْتِمَاسِ التَّخْفِيفِ، وَلَكِنَّهُ لاَ يُعَدُّ مِنْهَا عَلَى النَّحْوِ الَّذِي سَبَقَ؛ لأَِنَّ الدَّلِيل الأَْصْلِيَّ لَمْ يَعُدْ قَائِمًا. انْظُرْ: (نَسْخ) .
الْحِكْمَةُ مِنْ تَشْرِيعِ الرُّخَصِ:
6 - تَحْقِيقُ مَبْدَأِ الْيُسْرِ وَالسَّمَاحَةِ فِي الإِْسْلاَمِ تَحْقِيقًا عَمَلِيًّا تَطْبِيقِيًّا. قَال تَعَالَى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (12) . وَقَال - جَل ذِكْرُهُ -: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِْنْسَانُ ضَعِيفًا} (13) . وَقَال ﵊: إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلاَّ غَلَبَهُ (14) وَقَال أَيْضًا: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنِّتًا، وَلاَ مُتَعَنِّتًا، وَلَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا (15)
الصِّيَغُ الَّتِي تَدُل عَلَى الرُّخْصَةِ:
7 - الرُّخْصَةُ تَكُونُ غَالِبًا بِمَا يَلِي:
أ - مَادَّتُهَا: مِثْل رَخَّصَ وَأَرْخَصَ وَرُخْصَةٍ، فَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: مَا بَال أَقْوَامٍ يَرْغَبُونَ عَمَّا رُخِّصَ لِي فِيهِ (16) وَنَهَى النَّبِيُّ ﷺ عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ، وَرَخَّصَ فِي الْعَرِيَّةِ. . (17) وَفِيهِ - أَيْضًا - أَنَّهُ ﵊: رَخَّصَ فِي الْكَفَّارَةِ قَبْل الْحِنْثِ (18) .
وَرَخَّصَ لِلْمُسْلِمِينَ فِي الْجَرِّ غَيْرِ الْمُزَفَّتِ مِنَ الأَْوْعِيَةِ (19) . وَرَخَّصَ لِلْحَائِضِ أَنْ تَنْفِرَ قَبْل طَوَافِ الْوَدَاعِ (20) . وَرَخَّصَ لِلزُّبَيْرِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فِي لُبْسِ الْحَرِيرِ لِحِكَّةٍ كَانَتْ بِهِمَا (21) . {
وَرَخَّصَ فِي الرُّقْيَةِ مِنَ الْعَيْنِ. . (22) وَفِي حَدِيثِ جَزَاءِ الصَّيْدِ قَال النَّبِيُّ ﷺ: عَلَيْكُمْ بِرُخْصَةِ اللَّهِ الَّتِي رَخَّصَ لَكُمْ (23) . يَعْنِي عَلَيْكُمْ بِالصَّوْمِ إِذَا كَانَ فِي تَعْوِيضِهِ بِالأَْنْعَامِ عُسْرٌ مَهْمَا كَانَ مَأْتَاهُ.
ب - نَفْيُ الْجُنَاحِ:
وَرَدَ الْجُنَاحُ مَنْفِيًّا فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ فِي أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ آيَةً يُسْتَفَادُ مِنْ أَغْلَبِهَا التَّرْخِيصُ فِيمَا تَضَمَّنَتْهُ كَمَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ أَهْل الْعِلْمِ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَْرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاَةِ} (24) .
ج - نَفْيُ الإِْثْمِ:
مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِل بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (25) .
د - الاِسْتِثْنَاءُ مِنْ حُكْمٍ عَامٍّ:
كَقَوْلِهِ تَعَالَى: - فِي شَأْنِ الإِْكْرَاهِ -: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِْيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (26) رَخَّصَ اللَّهُ فِي هَذِهِ الآْيَةِ لِلْمُكْرَهِ إِظْهَارَ الْكُفْرِ - إِذَا خَافَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ التَّلَفَ - فَلَهُ أَنْ يُظْهِرَ الْكُفْرَ بِشَيْءٍ مِنْ مَظَاهِرِهِ الَّتِي يُطْلَقُ عَلَيْهَا أَنَّهَا كُفْرٌ فِي عُرْفِ النَّاسِ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ رِفْقًا بِعِبَادِهِ، وَاعْتِبَارًا لِلأَْشْيَاءِ بِغَايَاتِهَا وَمَقَاصِدِهَا، وَفِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ أَنَّ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ - ﵄ - قَال - بَعْدَ أَنْ عُذِّبَ عَذَابًا شَدِيدًا -: يَا رَسُول اللَّهِ، مَا تُرِكْتُ حَتَّى نِلْتُ مِنْكَ، وَذَكَرْتُ آلِهَتَهُمْ بِخَيْرٍ فَقَال ﷺ: كَيْفَ تَجِدُ قَلْبَكَ؟ قَال: مُطْمَئِنًّا بِالإِْيمَانِ. فَقَال ﵊: إِنْ عَادُوا فَعُدْ (27) .
أَقْسَامُ الرُّخْصَةِ:
8 - تَنْقَسِمُ الرُّخْصَةُ بِاعْتِبَارَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ أَهَمُّهَا:
أ - بِاعْتِبَارِ حُكْمِهَا: الَّذِينَ قَسَّمُوا الرُّخَصَ بِهَذَا الاِعْتِبَارِ هُمُ الشَّافِعِيَّةُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا حَيْثُ اصْطَلَحُوا عَلَى أَنَّهَا تَنْقَسِمُ - بِالاِعْتِبَارِ الْمَذْكُورِ - إِلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: (28) الْقِسْمُ الأَْوَّل:
9 - رُخَصٌ وَاجِبَةٌ: مِثْل أَكْل الْمُضْطَرِّ مِمَّا حُرِّمَ مِنَ الْمَأْكُولاَتِ، وَشُرْبِهِ مِمَّا حُرِّمَ مِنَ الْمَشْرُوبَاتِ، بِنَاءً عَلَى الْقَوْل الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ، وَقِيل: إِنَّ أَكْل الْمُضْطَرِّ أَوْ شُرْبَهُ مِمَّا ذُكِرَ جَائِزٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقَوْل بِالْوُجُوبِ يَتَنَافَى مَعَ التَّرْخِيصِ، وَلِذَلِكَ نَقَلُوا عَنْ إِلْكِيَا الْهِرَّاسِيِّ الشَّافِعِيِّ الْقَوْل بِأَنَّ أَكْل الْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ عَزِيمَةٌ لاَ رُخْصَةٌ، كَالْفِطْرِ لِلْمَرِيضِ فِي رَمَضَانَ وَنَحْوِهِ هُرُوبًا مِنَ الْوُقُوعِ فِي التَّنَاقُضِ. (29)
وَقَدْ أَشَارَ بَعْضُ عُلَمَاءِ الأُْصُول إِلَى خِلاَفِ الْفُقَهَاءِ فِي حُرْمَةِ شُرْبِ الْخَمْرِ، وَأَكْل الْمَيْتَةِ، وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ، وَمَا أُهِل بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ وَنَحْوِهَا فِي حَال الضَّرُورَةِ - بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كَوْنِ الأَْكْل وَاجِبًا أَوْ جَائِزًا -: هَل تُرْفَعُ تِلْكَ الْحُرْمَةُ فِي هَذِهِ الْحَال فَيَصِيرُ أَكْلُهَا مُبَاحًا، أَوْ تَبْقَى وَيَرْتَفِعُ الإِْثْمُ فَقَطْ؟ .
بَعْضُهُمْ يَرَى أَنَّهَا لاَ تَحِل، وَلَكِنْ يُرَخَّصُ فِي الْفِعْل إِبْقَاءً عَلَى حَيَاةِ الشَّخْصِ - كَمَا هُوَ الشَّأْنُ فِي الإِْكْرَاهِ عَلَى الْكُفْرِ - وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَأَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ.
وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْحُرْمَةَ تَرْتَفِعُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ، وَكُلٌّ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ اسْتَنَدَ إِلَى أَدِلَّةٍ مَبْسُوطَةٍ فِي كُتُبِ الأُْصُول. (30)
وَهَذَا الْخِلاَفُ تَظْهَرُ لَهُ فَائِدَتَانِ:
الأُْولَى: إِذَا صَبَرَ الْمُضْطَرُّ حَتَّى مَاتَ لاَ يَكُونُ آثِمًا عَلَى الْقَوْل الأَْوَّل، وَيَكُونُ آثِمًا عَلَى الثَّانِي.
الثَّانِيَةُ: إِذَا حَلَفَ الْمُكَلَّفُ بِأَنْ لاَ يَأْكُل حَرَامًا أَبَدًا، فَتَنَاوَل مِنْهُ فِي حَال الضَّرُورَةِ يَحْنَثُ عَلَى الأَْوَّل، وَلاَ يَحْنَثُ عَلَى الثَّانِي. (31)
الْقِسْمُ الثَّانِي:
10 - رُخَصٌ مَنْدُوبَةٌ: مِثْل الْقَصْرِ لِلْمُسَافِرِ سَفَرًا يَبْلُغُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا، وَمِنْ هَذَا الْقَبِيل أَيْضًا الْفِطْرُ فِي رَمَضَانَ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُسَافِرِ الَّذِي يَشُقُّ عَلَيْهِ الصَّوْمُ، وَالإِْبْرَادُ بِالظُّهْرِ، وَالنَّظَرُ إِلَى الْمَخْطُوبَةِ، (32) وَمُخَالَطَةُ الْيَتَامَى فِي أَمْوَالِهِمْ وَسَائِرِ أَحْوَالِهِمْ مِمَّا تَدْعُو إِلَيْهِ الْحَاجَةُ اعْتِمَادًا عَلَى قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} (33) . حَيْثُ نَصَّ عُلَمَاءُ التَّفْسِيرِ عَلَى أَنَّ الآْيَةَ تَتَضَمَّنُ تَرْخِيصًا فِي خَلْطِ طَعَامِ الْيَتِيمِ بِطَعَامِ كَافِلِهِ، وَشَرَابِهِ بِشَرَابِهِ، وَمَاشِيَتِهِ بِمَاشِيَتِهِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ، كَمَا أَكَّدُوا بِأَنَّهَا أَفَادَتْ حَثًّا عَلَى هَذِهِ الْمُخَالَطَةِ وَتَعْرِيضًا بِمَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنَ احْتِقَارِ الْيَتِيمِ وَالتَّرَفُّعِ عَنْهُ. (34)
الْقِسْمُ الثَّالِثُ:
11 - رُخَصٌ مُبَاحَةٌ: وَقَدْ مَثَّلُوا لَهَا بِالْعُقُودِ الَّتِي جَاءَتْ عَلَى خِلاَفِ الْقِيَاسِ، كَالسَّلَمِ، وَالْعَرِيَّةِ، وَالْقِرَاضِ، وَالْمُسَاقَاةِ، وَالإِْجَارَةِ، وَالْجُعْل، وَنَحْوِهَا مِمَّا أُبِيحَ لِحَاجَةِ النَّاسِ إِلَيْهِ. (35)
الْقِسْمُ الرَّابِعُ:
12 - رُخَصٌ جَاءَتْ عَلَى خِلاَفِ الأَْوْلَى: مِثْل الْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُسَافِرِ الَّذِي لاَ يَشُقُّ عَلَيْهِ الصَّوْمُ مَشَقَّةً قَوِيَّةً، وَالتَّيَمُّمِ لِمَنْ وَجَدَ الْمَاءَ يُبَاعُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْل مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ، وَالْجَمْعِ الَّذِي لاَ تَدْعُو إِلَيْهِ حَاجَةُ الْمُسَافِرِ.
وَالسُّؤَال عَنِ الأَْشْيَاءِ فِي وَقْتِهَا، وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَنَسْخِهِ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُعَلِّمِ وَالْمُتَعَلِّمِ. (36)
ب - بِاعْتِبَارِ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ:
تَقْسِيمُ الرُّخَصِ بِهَذَا الاِعْتِبَارِ يُمَثِّل وِجْهَةَ نَظَرِ الْحَنَفِيَّةِ حَيْثُ تَوَاطَأَتْ كَلِمَتُهُمْ سَلَفًا وَخَلَفًا عَلَى تَقْسِيمِهَا - بِالاِعْتِبَارِ الْمَذْكُورِ - إِلَى قِسْمَيْنِ رَئِيسِيَّيْنِ:
الْقِسْمُ الأَْوَّل: رُخَصٌ حَقِيقِيَّةٌ:
13 - وَهِيَ الَّتِي تَقَعُ فِي مُقَابَلَةِ عَزَائِمَ مَا يَزَال الْعَمَل بِهَا جَارِيًا لِقِيَامِ دَلِيلِهَا، وَهَذَا الْقِسْمُ يَنْقَسِمُ - بِدَوْرِهِ - إِلَى قِسْمَيْنِ:
1 - مَا أَبَاحَهُ الشَّرْعُ مَعَ قِيَامِ السَّبَبِ الْمُحَرِّمِ، وَالْحُرْمَةِ مَعًا، وَهُوَ أَعْلَى دَرَجَاتِ الرُّخَصِ؛ لأَِنَّ الْحُرْمَةَ لَمَّا كَانَتْ قَائِمَةً مَعَ سَبَبِهَا، وَمَعَ ذَلِكَ شَرَعَ لِلْمُكَلَّفِ الإِْقْدَامَ عَلَى الْفِعْل دُونَ مُؤَاخَذَةٍ بِنَاءً عَلَى عُذْرِهِ، كَانَ ذَلِكَ الإِْقْدَامُ فِي أَكْمَل دَرَجَاتِهِ فَهُوَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِمَنْزِلَةِ الْعَفْوِ عَنِ الْجِنَايَةِ بَعْدَ اسْتِحْقَاقِ الْعُقُوبَةِ. وَلَيْسَ فِي الأَْمْرِ أَيُّ غَرَابَةٍ؛ لأَِنَّ كَمَال الرُّخَصِ بِكَمَال الْعَزَائِمِ، فَكُلَّمَا كَانَتْ هَذِهِ حَقِيقِيَّةً كَامِلَةً ثَابِتَةً مِنْ كُل وَجْهٍ، كَانَتِ الرُّخْصَةُ فِي مُقَابَلَتِهَا كَذَلِكَ. (37) وَقَدْ ذَكَرُوا - لِهَذَا الْقِسْمِ - أَمْثِلَةً مِنْهَا:
التَّرْخِيصُ فِي إِجْرَاءِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ عَلَى اللِّسَانِ مَعَ اطْمِئْنَانِ الْقَلْبِ بِالإِْيمَانِ عِنْدَ الإِْكْرَاهِ الْمُلْجِئِ بِالْقَتْل أَوْ بِالْقَطْعِ؛ لأَِنَّ فِي امْتِنَاعِهِ عَنِ الْفِعْل إِتْلاَفَ ذَاتِهِ صُورَةً وَمَعْنًى، وَفِي إِقْدَامِهِ عَلَيْهِ إِتْلاَفَ حَقِّ الشَّرْعِ صُورَةً دُونَ مَعْنًى حَيْثُ إِنَّ الرُّكْنَ الأَْصْلِيَّ فِي الإِْيمَانِ - وَهُوَ التَّصْدِيقُ - بَاقٍ عَلَى حَالِهِ. (38) وَمَعَ ذَلِكَ نَصَّ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَخْيِيرِهِ بَيْنَ الْفِعْل وَالتَّرْكِ، بَل رَجَّحَ الْحَنَفِيَّةُ مِنْهُمُ الأَْخْذَ بِالْعَزِيمَةِ فِي هَذَا الْمِثَال بِالْخُصُوصِ؛ لأَِنَّ إِحْيَاءَ النُّفُوسِ - هُنَا - يُقَابِلُهُ مَوْقِفٌ عَظِيمٌ مِنْ مَوَاقِفِ السُّمُوِّ وَالإِْبَاءِ وَالتَّمَسُّكِ بِالْحَقِّ مَهْمَا اشْتَدَّتِ الْفِتْنَةُ وَعَظُمَ الْبَلاَءُ. (39) وَاسْتَدَلُّوا عَلَى هَذَا التَّرْجِيحِ بِمَا وَرَدَ فِي السُّنَّةِ مِنْ أَنَّ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابَ أَكْرَهَ رَجُلَيْنِ - مِنَ الْمُسْلِمِينَ - عَلَى الْكُفْرِ فَنَطَقَ أَحَدُهُمَا بِكَلِمَتِهِ فَنَجَا، وَأَصَرَّ الآْخَرُ عَلَى الْجَهْرِ بِالْحَقِّ فَهَلَكَ، فَقَال فِيهِمَا النَّبِيُّ ﷺ بَعْدَ أَنْ بَلَغَهُ خَبَرُهُمَا: أَمَّا الأَْوَّل فَقَدْ أَخَذَ بِرُخْصَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَمَّا الثَّانِي فَقَدْ صَدَعَ بِالْحَقِّ فَهَنِيئًا لَهُ (40) .
2 - مَا أَبَاحَهُ الشَّرْعُ مَعَ قِيَامِ السَّبَبِ الْمُحَرِّمِ وَتَرَاخِي الْحُرْمَةِ: مِثْل الإِْفْطَارِ فِي رَمَضَانَ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُسَافِرِ، فَإِنَّ السَّبَبَ الْمُحَرِّمَ لِلإِْفْطَارِ - وَهُوَ شُهُودُ الشَّهْرِ - قَائِمٌ، لَكِنَّ وُجُوبَ الصَّوْمِ أَوْ حُرْمَةَ الإِْفْطَارِ غَيْرُ قَائِمَةٍ عَلَى الْفَوْرِ بَل ثَابِتَةٌ عَلَى التَّرَاخِي بِنَصِّ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ. قَال تَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (41) .
وَالْعَمَل بِالْعَزِيمَةِ فِي هَذَا الْقِسْمِ أَيْضًا أَوْلَى مِنَ الْعَمَل بِالرُّخْصَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، أَيِ الصَّوْمُ أَوْلَى مِنَ الإِْفْطَارِ عِنْدَهُمْ.
أَوَّلاً: لأَِنَّ السَّبَبَ الْمُوجِبَ - وَهُوَ شُهُودُ الشَّهْرِ - كَانَ قَائِمًا، وَتَرَاخِي الْحُكْمِ بِالأَْجَل غَيْرُ مَانِعٍ مِنَ التَّعْجِيل، مِثْلَمَا هُوَ الأَْمْرُ فِي الدَّيْنِ الْمُؤَجَّل، فَكَانَ الْمُؤَدِّي لِلصَّوْمِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عَامِلاً لِلَّهِ تَعَالَى فِي أَدَاءِ الْفَرْضِ، وَالْمُتَرَخِّصُ بِالْفِطْرِ عَامِلاً لِنَفْسِهِ فِيمَا يَرْجِعُ إِلَى التَّرْفِيهِ، فَقَدَّمَ حَقَّ اللَّهِ وَهُوَ أَحَقُّ بِالتَّقْدِيمِ.
ثَانِيًا: لأَِنَّ فِي الأَْخْذِ بِالْعَزِيمَةِ نَوْعَ يُسْرٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الصَّوْمَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ فِي شَهْرِ الصِّيَامِ أَيْسَرُ مِنَ التَّفَرُّدِ بِهِ بَعْدَ مُضِيِّ الشَّهْرِ. (42) هَذَا إِذَا لَمْ يُضْعِفْهُ الصَّوْمُ، فَإِذَا أَضْعَفَهُ كَانَ الْفِطْرُ أَوْلَى، فَإِنْ صَبَرَ حَتَّى مَاتَ كَانَ آثِمًا بِلاَ خِلاَفٍ. وَقَدْ رَجَّحَ الشَّافِعِيُّ الأَْخْذَ بِالرُّخْصَةِ فِي هَذَا الْمِثَال، وَالْجَمِيعُ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ مَنْ أَفْطَرَ ثُمَّ مَاتَ قَبْل إِدْرَاكِ عِدَّةٍ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ لاَ شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ مَاتَ قَبْل رَمَضَانَ. وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ يَرَوْنَ أَنَّ مَنْ أَخَذَ بِالْعَزِيمَةِ فَصَامَ فِي السَّفَرِ وَقَعَ صِيَامُهُ فِي الْفَرْضِ وَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ. (43)
الْقِسْمُ الثَّانِي: رُخَصٌ مَجَازِيَّةٌ:
14 - وَتُسَمَّى أَيْضًا - فِي اصْطِلاَحِهِمْ -: رُخَصُ الإِْسْقَاطِ، وَقَدْ قَسَّمُوهَا - كَذَلِكَ - إِلَى قِسْمَيْنِ فَرْعِيَّيْنِ:
1 - مَا وُضِعَ عَنْ هَذِهِ الأُْمَّةِ الإِْسْلاَمِيَّةِ - رَحْمَةً بِهَا وَإِكْرَامًا لِنَبِيِّهَا ﷺ - مِنَ الأَْحْكَامِ الشَّاقَّةِ الَّتِي كَانَتْ مَفْرُوضَةً عَلَى الأُْمَمِ السَّابِقَةِ مِثْل:
- قَتْل النَّفْسِ لِصِحَّةِ التَّوْبَةِ
- قَرْضِ مَوْضِعِ النَّجَاسَةِ مِنَ الْجِلْدِ وَالثَّوْبِ. (44)
2 - مَا سَقَطَ عَنِ الْعِبَادِ مَعَ كَوْنِهِ مَشْرُوعًا فِي الْجُمْلَةِ: فَمِنْ حَيْثُ إِنَّهُ سَقَطَ كَانَ مَجَازًا، وَمِنْ حَيْثُ إِنَّهُ مَشْرُوعٌ فِي الْجُمْلَةِ كَانَ شَبِيهًا بِالرُّخَصِ الْحَقِيقِيَّةِ، مِثْل السَّلَمِ وَمَا قَارَبَهُ مِنَ الْعُقُودِ الَّتِي أُبِيحَتْ لِلْحَاجَةِ إِلَيْهَا، وَهِيَ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ أُصُولٍ مَمْنُوعَةٍ، فَمِنْ حَيْثُ اسْتِثْنَاؤُهَا مِمَّا ذُكِرَ سَقَطَ الْمَنْعُ مِنْهَا فَشَابَهَتْ مَا وُضِعَ عَنَّا مِنَ الأَْغْلاَل الَّتِي كَانَتْ عَلَى الأُْمَمِ السَّابِقَةِ، فَكَانَتْ رُخَصًا مَجَازِيَّةً مِنْ هَذِهِ النَّاحِيَةِ إِذْ لَيْسَ فِي مُقَابَلَتِهَا عَزَائِمُ، وَمِنْ حَيْثُ إِنَّ أُصُولَهَا مَشْرُوعَةٌ وَأَنَّ بَعْضَ الشُّرُوطِ الَّتِي تَجَاوَزَ عَنْهَا الشَّرْعُ مِنْ أَجْل التَّخْفِيفِ وَالْمَصْلَحَةِ مَا زَالَتْ قَائِمَةً فِي تِلْكَ الأُْصُول أَشْبَهَتِ الرُّخَصَ الْحَقِيقِيَّةَ، وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ اعْتُبِرَ هَذَا الْقِسْمُ أَقْرَبَ إِلَى الرُّخَصِ الْحَقِيقِيَّةِ مِنْ سَابِقِهِ، وَاعْتُبِرَ السَّابِقُ أَتَمَّ فِي الْمَجَازِيَّةِ مِنْ هَذَا. (45) وَهَذَا الْقِسْمُ يُرَادِفُ الرُّخَصَ الْمُبَاحَةَ فِي تَقْسِيمِ الشَّافِعِيَّةِ. وَالأَْقْسَامُ الأَْرْبَعَةُ - الْحَاصِلَةُ بَعْدَ تَقْسِيمِ كُلٍّ مِنَ الْقِسْمَيْنِ الرَّئِيسِيَّيْنِ إِلَى قِسْمَيْنِ فَرْعِيَّيْنِ - لاَ تَبْعُدُ كَثِيرًا عَنِ الإِْطْلاَقَاتِ الأَْرْبَعَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الشَّاطِبِيُّ. (46)
ج - تَقْسِيمُ الرُّخَصِ حَسَبِ التَّخْفِيفِ:
تَنْقَسِمُ بِهَذَا الاِعْتِبَارِ - الَّذِي يَخُصُّ الأَْحْكَامَ الطَّارِئَةَ - إِلَى سِتَّةِ أَنْوَاعٍ: (47)
15 - الأَْوَّل: تَخْفِيفُ إِسْقَاطٍ، وَيَكُونُ حَيْثُ يُوجَدُ الْعُذْرُ أَوِ الْمُوجِبُ مِنْ ذَلِكَ.
1 - إِسْقَاطُ الْخُرُوجِ إِلَى الْجَمَاعَةِ لِلْمَرَضِ أَوْ لِشِدَّةِ الْبَرْدِ، أَوْ لِلرِّيحِ وَالْمَطَرِ، فَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَأْمُرُ أَصْحَابَهُ فِي اللَّيْلَةِ الْبَارِدَةِ وَفِي اللَّيْلَةِ الْمَطِيرَةِ أَنْ يُصَلُّوا فِي رِحَالِهِمْ (48) . 2 - إِسْقَاطُ وُجُوبِ الْجُمُعَةِ لِلأَْعْذَارِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمِثَال الأَْوَّل وَلِغَيْرِهَا مِمَّا وَقَعَ بَسْطُهُ فِي كُتُبِ الْفُرُوعِ وَالأَْحْكَامِ. (49)
3 - إِسْقَاطُ شَرْطِ اسْتِقْبَال الْقِبْلَةِ فِي صَلاَةِ الْخَوْفِ. (50)
4 - إِسْقَاطُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ عَنْ غَيْرِ الْمُسْتَطِيعِ (51) ، قَال اللَّهُ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} (52) .
5 - إِسْقَاطُ الْجِهَادِ عَنْ ذَوِي الأَْعْذَارِ، قَال الْمَوْلَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيل اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ} (53) .
6 - إِسْقَاطُ الصَّلاَةِ عِنْدَ فَقْدِ الْمَاءِ وَالصَّعِيدِ الطَّيِّبِ، فِي الْمَشْهُورِ عَنْ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ، إِلاَّ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَأَصْحَابَهُ يَقُولُونَ بِوُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ وَوَافَقَهُمُ الثَّوْرِيُّ وَالأَْوْزَاعِيُّ. وَقَال مَالِكٌ - فِي رِوَايَةِ الْمَدَنِيِّينَ عَنْهُ -: لاَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ. (54) وَبَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ مِنَ الْفُقَهَاءِ يَرَوْنَ أَنَّ الَّذِي يَجِبُ إِسْقَاطُهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ هُوَ حُكْمُ اسْتِعْمَال الْمَاءِ وَالتُّرَابِ فَيُوجِبُونَ الصَّلاَةَ عِنْدَ فِقْدَانِهِمَا. (55)
7 - إِسْقَاطُ الْقَضَاءِ عَمَّنْ أَفْطَرَ نَاسِيًا فِي نَهَارِ رَمَضَانَ عِنْدَ جُمْهُورِ الأَْئِمَّةِ عَمَلاً بِقَوْلِهِ ﷺ: مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَل أَوْ شَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ (56) . وَخَالَفَ مَالِكٌ فَقَال بِوُجُوبِ الْقَضَاءِ قِيَاسًا عَلَى مَنْ نَسِيَ صَلاَةً فَإِنَّهُ يَقْضِيهَا مَتَى تَذَكَّرَهَا. (57)
8 - إِسْقَاطُ الْكَفَّارَةِ بِالإِْعْسَارِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى خِلاَفِ الأَْظْهَرِ وَفِي إِحْدَى رِوَايَتَيْنِ لِلْحَنَابِلَةِ وَتَبِعَهُمْ عَلَى ذَلِكَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ (58) اسْتِنَادًا إِلَى مَا جَاءَ فِي آخِرِ حَدِيثِ الأَْعْرَابِيِّ الَّذِي وَقَعَ عَلَى أَهْلِهِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ. . أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ (59) . 9 - إِسْقَاطُ الْحَدِّ بِالشُّبْهَةِ لِمَا تَقَرَّرَ - عَمَلاً بِمَجْمُوعَةٍ مِنَ الأَْحَادِيثِ الشَّرِيفَةِ يُدَعِّمُ بَعْضُهَا الْبَعْضَ - (60) مِنْ أَنَّ الْحُدُودَ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ. (61)
النَّوْعُ الثَّانِي: تَخْفِيفُ تَنْقِيصٍ: مِثَالُهُ:
16 - 1 - قَصْرُ الصَّلاَةِ الرُّبَاعِيَّةِ فِي السَّفَرِ إِلَى رَكْعَتَيْنِ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كَوْنِ الْقَصْرِ وَاجِبًا أَوْ مَنْدُوبًا. (62)
2 - تَنْقِيصُ مَا عَجَزَ عَنْهُ الْمَرِيضُ مِنْ أَفْعَال الصَّلاَةِ: كَتَنْقِيصِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَغَيْرِهِمَا إِلَى الْقَدْرِ الْمَيْسُورِ مِنْ ذَلِكَ. (63)
النَّوْعُ الثَّالِثُ: تَخْفِيفُ إِبْدَالٍ: مِثْل:
17 - إِبْدَال الْوُضُوءِ وَالْغُسْل بِالتَّيَمُّمِ، قَال اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَل عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (64)
الرَّابِعُ: تَخْفِيفُ تَقْدِيمٍ: مِثْل:
18 - 1 - تَقْدِيمُ الْعَصْرِ إِلَى الظُّهْرِ وَالْعِشَاءِ إِلَى الْمَغْرِبِ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِجَمْعِ التَّقْدِيمِ، وَنَصُّوا عَلَى جَوَازِهِ جُمْلَةً فِي عِدَّةِ حَالاَتٍ مِنْهَا: السَّفَرُ وَالْمَرَضُ وَالْخَوْفُ. (65)
2 - تَقْدِيمُ الزَّكَاةِ عَلَى الْحَوْل مُسَارَعَةً إِلَى الْخَيْرِ لِمَا رَوَاهُ عَلِيٌّ ﵁ مِنْ أَنَّ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ﵁ سَأَل النَّبِيَّ ﷺ فِي تَعْجِيل صَدَقَتِهِ قَبْل أَنْ تَحِل فَرَخَّصَ لَهُ فِي ذَلِكَ (66) . الْخَامِسُ: تَخْفِيفُ تَأْخِيرٍ: مِثْل:
19 - تَأْخِيرُ الظُّهْرِ إِلَى الْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ إِلَى الْعِشَاءِ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ فِي كُتُبِ الْفُرُوعِ بِجَمْعِ التَّأْخِيرِ، وَيَكُونُ فِي السَّفَرِ، وَفِي مُزْدَلِفَةَ، وَمِنْ أَجْل الْمَرَضِ وَالْمَطَرِ وَمَا إِلَيْهَا مِنَ الأَْعْذَارِ الْمُبِيحَةِ لِلتَّأْخِيرِ. (67)
السَّادِسُ: تَخْفِيفُ إِبَاحَةٍ مَعَ قِيَامِ الْمَانِعِ: مِثْل:
20 - 1 - صَلاَةُ الْمُسْتَجْمِرِ مَعَ بَقِيَّةِ أَثَرِ النَّجَسِ الَّذِي لاَ يَزُول تَمَامًا إِلاَّ بِالْمَاءِ.
2 - الْعَفْوُ عَنْ بَعْضِ النَّجَاسَاتِ لِقِلَّتِهَا، أَوْ لِعُسْرِ الاِحْتِرَازِ مِنْهَا، أَوْ لِعُسْرِ إِزَالَتِهَا.
د - تَقْسِيمُ الرُّخَصِ بِاعْتِبَارِ أَسْبَابِهَا:
هَذَا التَّقْسِيمُ يُعَدُّ أَكْثَرَ ضَبْطًا لأُِصُول الرُّخَصِ، وَأَكْثَرَ جَمْعًا لِفُرُوعِهَا، وَهِيَ - بِحَسَبِهِ - تَنْقَسِمُ إِلَى عِدَّةِ أَقْسَامٍ مِنْهَا:
21 - رُخَصٌ سَبَبُهَا الضَّرُورَةُ:
قَدْ تَطْرَأُ عَلَى الْمُكَلَّفِ حَالَةٌ مِنَ الْخَطَرِ أَوِ الْمَشَقَّةِ الشَّدِيدَةِ تَجْعَلُهُ يَخَافُ مِنْ حُدُوثِ أَذًى بِالنَّفْسِ، أَوْ بِالْعِرْضِ، أَوْ بِالْعَقْل، أَوْ بِالْمَال، أَوْ بِتَوَابِعِهَا فَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ - عِنْدَئِذٍ - أَوْ يُبَاحُ لَهُ ارْتِكَابُ الْحَرَامِ، أَوْ تَرْكُ الْوَاجِبِ، أَوْ تَأْخِيرُهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ فِي غَالِبِ الظَّنِّ ضِمْنَ قُيُودِ الشَّرْعِ. (68) (انْظُرْ مُصْطَلَحَ: ضَرُورَة) .
وَعَلَى هَذَا الأَْسَاسِ قَعَّدَ الْفُقَهَاءُ قَاعِدَةً هَامَّةً مِنْ قَوَاعِدِ الأُْصُول الْقَرِيبَةِ نَصُّهَا: الضَّرُورَاتُ تُبِيحُ الْمَحْظُورَاتِ. (69) وَهِيَ تُعَدُّ مِنْ فُرُوعِ الْقَاعِدَتَيْنِ الْكُلِّيَّتَيْنِ: إِذَا ضَاقَ الأَْمْرُ اتَّسَعَ. وَالضَّرَرُ يُزَال. وَقَدْ فَرَّعُوا عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَمَا يَتَّصِل بِهَا فُرُوعًا كَثِيرَةً تُنْظَرُ فِي أَبْوَابِهَا.
22 - 2 - رُخَصٌ سَبَبُهَا الْحَاجَةُ:
الْحَاجَةُ نَوْعَانِ: عَامَّةٌ وَخَاصَّةٌ (انْظُرِ التَّفَاصِيل فِي مُصْطَلَحِ: حَاجَة) .
وَكُلٌّ مِنْهُمَا يُرَخَّصُ مِنْ أَجْلِهِ: فَالْعُقُودُ الَّتِي جَاءَتْ عَلَى خِلاَفِ الْقِيَاسِ أَوْ وَقَعَ اسْتِثْنَاؤُهَا مِنْ أُصُولٍ مَمْنُوعَةٍ كَالسَّلَمِ وَالإِْجَارَةِ وَالْجُعْل وَالْمُغَارَسَةِ وَالْمُسَاقَاةِ وَالْقَرْضِ وَالْقِرَاضِ وَالاِسْتِصْنَاعِ وَدُخُول الْحَمَّامِ وَالْوَصِيَّةِ وَمَا شَابَهَهَا إِنَّمَا وَقَعَ التَّرْخِيصُ فِيهَا لِحَاجَةِ النَّاسِ عُمُومًا إِلَيْهَا، وَالتَّرْخِيصُ فِي التَّأْدِيبِ لِمَنْ جُعِل لَهُ، وَفِي التَّضْيِيقِ عَلَى بَعْضِ الْمُتَّهَمِينَ لإِِظْهَارِ الْحَقِّ وَفِي التَّلَفُّظِ بِالْفُحْشِ بِالنِّسْبَةِ لِلْقَاضِي أَوِ الرَّاوِي أَوِ الشَّاهِدِ لِلدِّقَّةِ وَفِي لُبْسِ الْحَرِيرِ وَاسْتِعْمَال الذَّهَبِ وَالنَّظَرِ إِلَى الْعَوْرَةِ لِلْعِلاَجِ وَفِي التَّبَخْتُرِ بَيْنَ الصُّفُوفِ لإِِغَاظَةِ الْكُفَّارِ وَالنَّيْل مِنْهُمْ، وَفِي الْكَذِبِ لِلإِْصْلاَحِ، وَفِي الْغِيبَةِ عِنْدَ التَّظَلُّمِ أَوْ الاِسْتِفْتَاءِ وَنَحْوِهِمَا، وَفِي خُرُوجِ الْمَرْأَةِ لِقَضَاءِ شَأْنٍ مِنْ شُؤُونِهَا، أَوْ لِلتَّعَلُّمِ وَالْفَتْوَى وَالتَّقَاضِي وَسَفَرِهَا لِلْعِلاَجِ وَمَا إِلَى هَذِهِ الْحَالاَتِ إِنَّمَا وَقَعَ التَّرْخِيصُ فِيهَا مِنْ أَجْل حَاجَاتٍ تَمَسُّ طَوَائِفَ خَاصَّةً مِنَ الْمُجْتَمَعِ.
وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ مَا يُبَاحُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ يُبَاحُ دَفْعًا لِلْحَاجَةِ، أَيْ أَنَّ هَذِهِ تُثْبِتُ حُكْمًا مِثْل الأُْولَى إِلاَّ أَنَّ حُكْمَ الْحَاجَةِ مُسْتَمِرٌّ وَخَاصَّةً إِذَا كَانَتْ عَامَّةً وَحُكْمَ الضَّرُورَةِ مَوْقُوتٌ بِمُدَّةِ قِيَامِهَا إِذْ " الضَّرُورَةُ تُقَدَّرُ بِقَدْرِهَا " (70) كَمَا وَقَعَ الاِتِّفَاقُ بَيْنَهُمْ عَلَى أَنَّ الْمُحَرَّمَاتِ نَوْعَانِ: مُحَرَّمَاتٌ لِذَاتِهَا، وَمُحَرَّمَاتٌ لِغَيْرِهَا، فَالأُْولَى لاَ يُرَخَّصُ فِيهَا عَادَةً إِلاَّ مِنْ أَجْل الْمُحَافَظَةِ عَلَى مَصْلَحَةٍ ضَرُورِيَّةٍ، وَالثَّانِيَةُ يُرَخَّصُ فِيهَا حَتَّى مِنْ أَجْل الْمُحَافَظَةِ عَلَى مَصْلَحَةٍ حَاجِيَّةٍ. (71) عَلَى أَنَّهُ لاَ مَانِعَ مِنْ أَنْ تُعَامَل هَذِهِ مُعَامَلَةَ الأُْولَى وَلَوْ فِي بَعْضِ الْحَالاَتِ، وَعَلَى هَذَا الأَْسَاسِ وَمَا قَبْلَهُ جَاءَتِ الْقَاعِدَةُ الْفِقْهِيَّةُ: الْحَاجَةُ تَنْزِل مَنْزِلَةَ الضَّرُورَةِ. (72) وَقَدْ خَرَّجَ الْفُقَهَاءُ اعْتِمَادًا عَلَيْهَا جُزْئِيَّاتٍ مُتَفَرِّقَةً يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ أُصُولاً يَلْحَقُ بِهَا مَا يُمَاثِلُهَا مِنْ نَظَائِرِهَا. (73)
وَهُنَاكَ رُخَصٌ سَبَبُهَا السَّفَرُ أَوِ الْمَرَضُ أَوِ النِّسْيَانُ أَوِ الْجَهْل أَوِ الْخَطَأُ أَوِ النَّقْصُ أَوِ الْوَسْوَسَةُ أَوِ التَّرْغِيبُ فِي الدُّخُول فِي الإِْسْلاَمِ وَحَدَاثَةُ الدُّخُول فِيهِ أَوِ الْعُسْرُ وَعُمُومُ الْبَلْوَى وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُهَا فِي مُصْطَلَحِ: (تَيْسِير) .
عَلاَقَةُ الرُّخْصَةِ بِبَعْضِ الأَْدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ:
23 - الْمُتَتَبِّعُ لِلاِسْتِحْسَانِ وَالْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ وَمُرَاعَاةِ الْخِلاَفِ وَالتَّقَادِيرِ الشَّرْعِيَّةِ، وَالْجَوَابِرِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْحِيَل الشَّرْعِيَّةِ يَظْفَرُ بِعَلاَقَةٍ وَطِيدَةٍ بَيْنَ هَذِهِ الأُْمُورِ وَبَيْنَ الرُّخَصِ تَتَمَثَّل إِجْمَالاً فِي جَلْبِ الْيُسْرِ وَدَفْعِ الْعُسْرِ عَنِ الْمُكَلَّفِينَ، فَلْتُرَاجَعْ تِلْكَ الأَْدِلَّةُ فِي مَحَالِّهَا مِنَ الْمَوْسُوعَةِ.
الْقِيَاسُ عَلَى الرُّخَصِ:
24 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الرُّخَصَ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهَا إِذَا كَانَتْ مِمَّا يُعْقَل مَعْنَاهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَاسَ عَلَيْهَا غَيْرُهَا مِنَ الْجُزْئِيَّاتِ الَّتِي تُشَارِكُهَا فِي عِلَّةِ الْحُكْمِ. (74) فَقَدْ قَاسَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ صِحَّةَ بَيْعِ الْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ عَلَى بَيْعِ الْعَرَايَا الْمُرَخَّصِ فِيهِ بِالنَّصِّ لاِتِّحَادِهِمَا فِي الْعِلَّةِ. (75) كَمَا حَكَمُوا بِصِحَّةِ صَوْمِ مَنْ أَفْطَرَ مُخْطِئًا أَوْ مُكْرَهًا قِيَاسًا عَلَى مَنْ أَفْطَرَ نَاسِيًا الَّذِي ثَبَتَتْ صِحَّةُ صَوْمِهِ بِالنَّصِّ النَّبَوِيِّ. (76) وَزَادَ الشَّافِعِيُّ فَقَاسَ عَلَيْهِ كَلاَمَ النَّاسِي فِي صَلاَتِهِ. (77)
وَقَاسُوا الإِْقْطَارَ فِي الْعَيْنِ فِي رَمَضَانَ عَلَى الاِكْتِحَال الْمُرَخَّصِ فِيهِ نَصًّا. (78)
وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ - بِاسْتِثْنَاءِ أَبِي يُوسُفَ - إِلَى مَنْعِ الْقِيَاسِ عَلَى الرُّخَصِ لأَِدِلَّةٍ مَبْسُوطَةٍ فِي كُتُبِ الأُْصُول. (79)
الأَْخْذُ بِالرُّخَصِ أَوِ الْعَزَائِمِ:
25 - قَدْ يَرْفَعُ الشَّرْعُ عَنِ الْمُكَلَّفِ الْحَرَجَ فِي الأَْخْذِ بِالْعَزِيمَةِ أَوْ فِي الأَْخْذِ بِالرُّخْصَةِ، أَيْ أَنَّهُ يَكُونُ مُخَيَّرًا فِي بَعْضِ الْحَالاَتِ بَيْنَ الإِْتْيَانِ بِهَذِهِ أَوْ بِتِلْكَ؛ لأَِنَّ مَا بَيْنَهُمَا صَارَ بِمَثَابَةِ مَا بَيْنَ أَجْزَاءِ الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ الَّذِي يُكْتَفَى فِيهِ بِالإِْتْيَانِ بِأَيِّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِهِ، وَلَكِنْ مَعَ ذَلِكَ كَانَ لِلتَّرْجِيحِ بَيْنَهُمَا مَجَالٌ رَحْبٌ غَزِيرُ الْمَادَّةِ تَبَايَنَتْ فِيهِ أَنْظَارُ الْمُجْتَهِدِينَ حَيْثُ اخْتَلَفُوا بَيْنَ مُرَجِّحٍ لِلأَْخْذِ بِالْعَزِيمَةِ - فِي هَذِهِ الْحَالَةِ - وَبَيْنَ مُرَجِّحٍ لِلأَْخْذِ بِالرُّخْصَةِ فِيهَا، وَكُلٌّ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ قَدْ عَلَّل رَأْيَهُ بِمَجْمُوعَةٍ مِنَ الْمُبَرِّرَاتِ الْمَعْقُولَةِ تَكَفَّل الشَّاطِبِيُّ بِعَدِّهَا عَدًّا وَاضِحًا مُرَتَّبًا. (80)
آرَاءُ الْعُلَمَاءِ فِي تَتَبُّعِ الرُّخَصِ:
26 - الرُّخَصُ الشَّرْعِيَّةُ الثَّابِتَةُ بِالْكِتَابِ أَوِ السُّنَّةِ لاَ بَأْسَ فِي تَتَبُّعِهَا لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى عَزَائِمُهُ (81) .
أَمَّا تَتَبُّعُ رُخَصِ الْمَذَاهِبِ الاِجْتِهَادِيَّةِ وَالْجَرْيُ وَرَاءَهَا دُونَ سَبَبٍ مِنَ الأَْسْبَابِ الَّتِي مَرَّ ذِكْرُهَا وَنَحْوُهَا مِمَّا يُمَاثِلُهَا يُعْتَبَرُ هُرُوبًا مِنَ التَّكَالِيفِ، وَتَخَلُّصًا مِنَ الْمَسْئُولِيَّةِ، وَهَدْمًا لِعَزَائِمِ الأَْوَامِرِ وَالنَّوَاهِي، وَجُحُودًا لِحَقِّ اللَّهِ فِي الْعِبَادَةِ، وَهَضْمًا لِحُقُوقِ عِبَادِهِ، وَهُوَ يَتَعَارَضُ مَعَ مَقْصِدِ الشَّرْعِ الْحَكِيمِ مِنَ الْحَثِّ عَلَى التَّخْفِيفِ عُمُومًا وَعَلَى التَّرَخُّصِ بِصِفَةٍ خَاصَّةٍ {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (82) . إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ وَقَدِ اعْتَبَرَ الْعُلَمَاءُ هَذَا الْعَمَل فِسْقًا لاَ يَحِل. (83) وَحَكَى ابْنُ حَزْمٍ الإِْجْمَاعَ عَلَيْهِ. (84) وَقَال نَقْلاً عَنْ غَيْرِهِ: لَوْ أَخَذْتَ بِرُخْصَةِ كُل عَالِمٍ اجْتَمَعَ فِيكَ الشَّرُّ كُلُّهُ. (85)
وَقَال الإِْمَامُ أَحْمَدُ: لَوْ أَنَّ رَجُلاً عَمِل بِقَوْل أَهْل الْكُوفَةِ فِي النَّبِيذِ وَأَهْل الْمَدِينَةِ فِي السَّمَاعِ وَأَهْل مَكَّةَ فِي الْمُتْعَةِ كَانَ فَاسِقًا. (86)
وَقَدْ دَخَل الْقَاضِي إِسْمَاعِيل - يَوْمًا - عَلَى الْمُعْتَضِدِ الْعَبَّاسِيِّ فَرَفَعَ إِلَيْهِ الْخَلِيفَةُ كِتَابًا وَطَلَبَ مِنْهُ أَنْ يَنْظُرَ فِيهِ وَقَدْ جَمَعَ فِيهِ صَاحِبُهُ الرُّخَصَ مِنْ زَلَل الْعُلَمَاءِ فَقَال لَهُ الْقَاضِي الْمَذْكُورُ - بَعْدَ أَنْ تَأَمَّلَهُ -: مُصَنِّفُ هَذَا زِنْدِيقٌ، فَقَال: أَلَمْ تَصِحَّ هَذِهِ الأَْحَادِيثُ؟ قَال: بَلَى، وَلَكِنْ مَنْ أَبَاحَ الْمُسْكِرَ لَمْ يُبِحِ الْمُتْعَةَ، وَمَنْ أَبَاحَ الْمُتْعَةَ لَمْ يُبِحِ الْغِنَاءَ وَالْمُسْكِرَ، وَمَا مِنْ عَالِمٍ إِلاَّ وَلَهُ زَلَّةٌ، وَمَنْ جَمَعَ زَلَل الْعُلَمَاءِ ثُمَّ أَخَذَ بِهَا ذَهَبَ دِينُهُ، فَأَمَرَ الْمُعْتَضِدُ بِإِحْرَاقِ ذَلِكَ الْكِتَابِ. (87)
فَالأَْخْذُ بِالرُّخَصِ لاَ يَعْنِي تَتَبُّعَهَا وَالْبَحْثَ عَنْهَا لِلتَّحَلُّل مِنَ التَّكْلِيفِ وَإِنَّمَا يَعْنِي الاِنْتِقَال مِنْ تَكْلِيفٍ أَشَدَّ إِلَى تَكْلِيفٍ أَخَفَّ لِسَبَبٍ شَرْعِيٍّ.
الرُّخَصُ إِضَافِيَّةٌ:
27 - إِنَّ الرُّخَصَ عَلَى كَثْرَةِ أَدِلَّتِهَا أَوْ صِيَغِهَا، وَعَلَى مَا صَحَّ مِنْ حَثِّ الشَّرْعِ عَلَيْهَا وَتَرْغِيبِهِ فِي الأَْخْذِ بِهَا - تَبْقَى فِي النِّهَايَةِ إِضَافِيَّةً: أَيْ أَنَّ كُل أَحَدٍ مِنَ الْمُكَلَّفِينَ فَقِيهُ نَفْسِهِ فِي الأَْخْذِ بِهَا أَوْ فِي عَدَمِهِ. (1) وَيَكْفِي أَنْ نَعْلَمَ لِتَوْضِيحِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْمَشَقَّةَ مَثَلاً الَّتِي تُعْتَبَرُ سَبَبًا هَامًّا مِنْ أَسْبَابِ الرُّخَصِ تَخْتَلِفُ قُوَّةً وَضَعْفًا بِحَسَبِ أَحْوَال النَّاسِ، فَفِي التَّنَقُّل تَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ الْمُسَافِرِينَ، وَأَزْمِنَةِ السَّفَرِ، وَمُدَّتِهِ وَوَسَائِلِهِ، وَمَا إِلَى هَذَا مِمَّا يَتَعَذَّرُ ضَبْطُهُ وَاطِّرَادُهُ فِي جَمِيعِ الْخَلْقِ، فَلَمْ يُنَطِ الْحُكْمُ بِذَاتِ الْمَشَقَّةِ بَل أُسْنِدَ إِلَى أَمْرٍ آخَرَ مِمَّا يَدُل غَالِبًا عَلَيْهَا وَهُوَ السَّفَرُ لأَِنَّهُ مَظِنَّةُ حُصُولِهَا.
__________
(1) لسان العرب، وتاج العروس.
(2) المصباح المنير.
(3) حديث: " إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته " أخرجه أحمد (2 / 108 - ط الميمنية) من حديث ابن عمر، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (3 / 162 - ط القدسي) ، وقال: " رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح ".
(4) المستصفى 1 / 63، مطبعة محمد مصطفى سنة 1356 هـ.
(5) المصباح المنير.
(6) المستصفى 1 / 98
(7) المستصفى 1 / 64
(8) الموافقات 1 / 168.
(9) الموافقات 1 / 313.
(10) المصدر السابق 4 / 61
(11) نفس المصدر 1 / 146.
(12) سورة البقرة / 185.
(13) سورة النساء / 28.
(14) حديث: " إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه " أخرجه البخاري (الفتح 1 / 93 ط السلفية) من حديث أبي هريرة ﵁.
(15) حديث: " إن الله لم يبعثني معنتًا. . . . " أخرجه مسلم (3 / 1105 - ط الحلبي) من حديث أبي بكر ﵁.
(16) حديث: " ما بال قوم يرغبون عما رخص لي فيه " أخرجه مسلم (4 / 1829 - ط الحلبي) من حديث عائشة.
(17) حديث: " نهى عن بيع الثمر بالتمر، ورخص في العرية " أخرجه البخاري الفتح (4 / 387 - ط السلفية) من حديث سهل بن أبي حثمة.
(18) حديث: " رخص في الكفارة قبل الحنث " ورد من حديث أبي موسى الأشعري، أخرجه البخاري الفتح (12 / 602 - ط السلفية) .
(19) حديث: " رخص للمسلمين في الجر غير المزفت من الأوعية " أخرجه البخاري الفتح (10 / 57 - ط السلفية) من حديث عبد الله بن عمرو.
(20) حديث: " رخص للحائض أن تنفر قبل طواف الوداع " أخرجه البخاري الفتح (3 / 586 - ط السلفية) ، ومسلم (2 / 963 - ط الحلبي) من حديث ابن عباس.
(21) حديث: " رخص للزبير وعبد الرحمن بن عوف في لبس الحرير " أخرجه البخاري (10 / 295 - ط السلفية) ، ومسلم (3 / 1646 - ط الحلبي) من حديث أنس بن مالك.
(22) حديث: " رخص في الرقية من العين " أخرجه مسلم (4 / 1725 - ط الحلبي) من حديث أنس بن مالك.
(23) حديث: " عليكم برخصة الله التي رخص لكم " أخرجه مسلم (2 / 786 - ط الحلبي) من حديث جابر بن عبد الله.
(24) سورة النساء / 101.
(25) سورة البقرة / 173.
(26) سورة النحل / 106.
(27) حديث: " إن عادوا فعد. . . . " أخرجه ابن جرير في تفسيره (14 / 182 - ط الحلبي) وفي سنده إرسال.
(28) المحلي على جمع الجوامع 1 / 122 بحاشية البناني، غاية الوصول ص 18، نهاية السول في شرح منهاج الوصول للبيضاوي 1 / 121، 122، والأشباه والنظائر ص 82 للسيوطي.
(29) انظر كلام الهراسي ورد ابن دقيق العيد في سلم الوصول إلى نهاية السول (حاشية الشيخ بخيت على الإسنوي 1 / 121) .
(30) سلم الوصول إلى نهاية السول 1 / 121، 122، كشف الأسرار على أصول البزدوي 1 / 642.
(31) سلم الوصول 1 / 122، كشف الأسرار 1 / 642.
(32) التمهيد لابن عبد البر 2 / 122، المحلي على جمع الجوامع 1 / 121، الأشباه والنظائر ص 82.
(33) سورة البقرة / 220.
(34) أحكام القرآن للجصاص 1 / 389 - 391، أحكام القرآن لابن العربي 1 / 65
(35) نهاية السول 1 / 123، 124، 127، 128، والأشباه والنظائر للسيوطي ص 82، التمهيد لابن عبد البر 2 / 171.
(36) المعيار للونشريسي 1 / 87، 4، 5.
(37) المغني في أصول الفقه ص 87، كشف الأسرار 1 / 636، والتوضيح على التنقيح 3 / 83 - 85، فواتح الرحموت 1 / 116، 117، مرآة الأصول 2 / 394.
(38) المصادر السابقة.
(39) كشف الأسرار 1 / 636، والتوضيح 3 / 85.
(40) حديث: " إكراه مسيلمة رجلين من المسلمين على الكفر " أخرجه ابن أبي شيبة من حديث الحسن مرسلاً، وأخرجه كذلك عبد الرزاق في تفسيره عن معمر معضلاً، كذا في " الكافي الشافي " لابن حجر (2 / 637 - ط دار الكتاب العربي بهامش الكشاف) .
(41) سورة البقرة / 184.
(42) كشف الأسرار 1 / 640، والتوضيح 3 / 85، مرآة الأصول 2 / 396، وفواتح الرحموت 1 / 171.
(43) كشف الأسرار 1 / 639.
(44) كشف الأسرار 1 / 641، والمغني في أصول الفقه ص 88، والتوضيح 3 / 86، مرآة الأصول 2 / 396.
(45) المغني في أصول الفقه ص 89، كشف الأسرار 1 / 641، والتلويح على التوضيح 3 / 86.
(46) الموافقات 1 / 301، وما بعدها و 3 / 241.
(47) قواعد الأحكام 2 / 8، والأشباه والنظائر ص 82، غمز عيون البصائر على الأشباه والنظائر لابن نجيم 1 / 116، 117
(48) حديث: " رخص في الصلاة في الرحال في الليلة ذات برد وريح ومطر " أخرجه البخاري الفتح 2 / 156 - 157 - ط السلفية) ، ومسلم (1 / 484 - ط الحلبي) من حديث ابن عمر.
(49) نيل الأوطار 3 / 225، أحكام القرآن لابن العربي 2 / 257.
(50) الرسالة للشافعي ص 122، 177، مكتبة التراث القاهرة، ط 2 سنة 1399 هـ.
(51) قواعد الأحكام 2 / 8.
(52) سورة آل عمران / 97.
(53) سورة النساء / 95.
(54) الجامع لأحكام القرآن 3 / 2102 - المكتبة الشعبية، نيل الأوطار 1 / 267، والمعيار 1 / 52 - 53.
(55) جامع الأصول 8 / 145، نيل الأوطار 1 / 267، الجامع لأحكام القرآن 3 / 2102
(56) حديث: " من نسي وهو صائم. . . " أخرجه البخاري (الفتح 4 / 155 - ط السلفية) ، ومسلم (2 / 809 - ط الحلبي) من حديث أبي هريرة، واللفظ لمسلم.
(57) بداية المجتهد 1 / 210.
(58) القليوبي 2 / 72، والمغني 3 / 132.
(59) حديث: " أطعمه أهلك " أخرجه البخاري (الفتح 4 / 163 - ط السلفية) من حديث أبي هريرة، وانظر الحديث كاملاً مع وجه الاستدلال بجملته الأخيرة في: (المنتقى 2 / 52 - 55، نيل الأوطار 4 / 216) .
(60) حديث: " ادرؤوا الحدود بالشبهات " أخرجه أبو سعد المسعاني في " الذيل " كما في " المقاصد الحسنة " للسخاوي (ص 30 - ط الخانجي) ، ونقل عن ابن حجر أنه قال: " في سنده من لا يعرف ". وأورده الشوكاني في نيل الأوطار (7 / 272) ، وسرد له عدة أسانيد مرفوعة وموقوفة، وقال: وما في الباب وإن كان فيه المقال المعروف فقد شد عضده ما ذكرناه (يعني الروايات التي ذكرها) فيصلح بعد ذلك للاحتجاج به.
(61) الأشباه والنظائر ص 123، والأشباه والنظائر بشرح الحموي 1 / 161.
(62) قواعد الأحكام 2 / 8، نيل الأوطار 3 / 200.
(63) قواعد الأحكام 2 / 8.
(64) سورة المائدة / 6.
(65) جامع الأصول 6 / 451، 459، ونيل الأوطار 6 / 296، 298، و 3 / 212 - 215، وفتح الباري 2 / 23، 24، والنووي على مسلم 5 / 215 - 217، والمدونة 1 / 115، 116، والمنتقى 1 / 254 - 256، المعيار 1 / 115، ومجموع الفتاوى لابن تيمية 24 / 77، 78.
(66) حديث أن العباس بن عبد المطلب سأل النبي ﷺ في تعجيل. . . " أخرجه أبو داود (2 / 276 - تحقيق عزت عبيد دعاس) وذكر طرقه ابن حجر في الفتح (3 / 334 - ط السلفية) ، وأشار إلى ثبوته بمجموع طرقه.
(67) انظر: مصادر جمع التقديم المذكورة آنفًا.
(68) الحموي على الأشباه والنظائر 1 / 188.
(69) الأشباه والنظائر للسيوطي ص 83، 84.
(70) الحموي على الأشباه والنظائر لابن نجيم 1 / 119، والأشباه والنظائر للسيوطي ص 84
(71) التوضيح على التنقيح 3 / 80، والتلويح على التوضيح 3 / 80، 81.
(72) الحموي على الأشباه والنظائر 1 / 126، والأشباه والنظائر للسيوطي ص 88، 89.
(73) المصادر السابقة.
(74) شفاء العليل ص 655، ونهاية السول 4 / 35.
(75) شرح التنقيح بحاشية القيرواني ص 368.
(76) النووي على مسلم 8 / 35.
(77) الأم 2 / 97، شفاء الغليل ص 651.
(78) العارضة 3 / 257، وأعلام الموقعين 4 / 294.
(79) المعتمد 2 / 254، والأحكام للآمدي 3 / 9، والوصول 2 / 254، وما بعدها.
(80) الموافقات 1 / 333 - 333 (ترجيح الأخذ بالعزيمة) وص 339 - 344 (ترجيح الأخذ بالرخصة) .
(81) حديث: " إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه " أخرجه الطبراني في معجمه الكبير (11 / 323 - ط وزارة الأوقاف العراقية) من حديث ابن عباس، وحسنه المنذري في الترغيب (2 / 135 - ط الحلبي) .
(82) سورة البقرة / 185.
(83) الموافقات 4 / 140، وشرح التنقيح ص 386، والمعيار 6 / 369 - 381، 382.
(84) مراتب الإجماع ص 175.
(85) الأحكام 6 / 179.
(86) إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول ص 272.
(87) نفس المصدر.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 151/ 22
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".