العليم
كلمة (عليم) في اللغة صيغة مبالغة من الفعل (عَلِمَ يَعلَمُ) والعلم...
تعمير الأرض الخَرِبة التي لا مالك لها، ولا ينتفع بها أحد . ومن شواهده في الحديث الشريف : "مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ " . أبوداود :3073، صحيح .
تعمير الأرض الخَرِبة التي لا مالك لها، ولا ينتفع بها أحد.
1 - الإِْحْيَاءُ فِي اللُّغَةِ جَعْل الشَّيْءِ حَيًّا، وَالْمَوَاتُ: الأَْرْضُ الَّتِي خَلَتْ مِنَ الْعِمَارَةِ وَالسُّكَّانِ. وَهِيَ تَسْمِيَةٌ بِالْمَصْدَرِ. وَقِيل: الْمَوَاتُ الأَْرْضُ الَّتِي لاَ مَالِكَ لَهَا، وَلاَ يَنْتَفِعُ بِهَا أَحَدٌ (1) .
وَإِحْيَاءُ الْمَوَاتِ فِي الاِصْطِلاَحِ هُوَ كَمَا قَال الأَْتْقَانِيُّ شَارِحُ الْهِدَايَةِ: التَّسَبُّبُ لِلْحَيَاةِ النَّامِيَةِ بِبِنَاءٍ أَوْ غَرْسٍ أَوْ كَرْبٍ (حِرَاثَةٍ) أَوْ سَقْيٍ (2) . وَعَرَّفَهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِأَنَّهُ لَقَبٌ لِتَعْمِيرِ دَاثِرِ الأَْرْضِ بِمَا يَقْتَضِي عَدَمَ انْصِرَافِ الْمُعَمِّرِ عَنِ انْتِفَاعِهِ بِهَا (3) . وَعَرَّفَهُ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ عِمَارَةُ الأَْرْضِ الْخَرِبَةِ الَّتِي لاَ مَالِكَ لَهَا، وَلاَ يَنْتَفِعُ بِهَا أَحَدٌ (4) . وَعَرَّفَهُ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ عِمَارَةٌ مَا لَمْ يَجْرِ عَلَيْهِ مِلْكٌ لأَِحَدٍ، وَلَمْ يُوجَدْ فِيهِ أَثَرُ عِمَارَةٍ (5) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
2 - مِنَ الأَْلْفَاظِ ذَاتِ الصِّلَةِ: التَّحْجِيرُ أَوِ الاِحْتِجَارُ، وَالْحَوْزُ، وَالاِرْتِفَاقُ، وَالاِخْتِصَاصُ، وَالإِْقْطَاعُ، وَالْحِمَى.
أ - التَّحْجِيرُ:
3 - التَّحْجِيرُ أَوِ الاِحْتِجَارُ لُغَةً وَاصْطِلاَحًا: مَنْعُ الْغَيْرِ مِنَ الإِْحْيَاءِ بِوَضْعِ عَلاَمَةٍ، كَحَجَرٍ أَوْ غَيْرِهِ، عَلَى الْجَوَانِبِ الأَْرْبَعَةِ وَهُوَ يُفِيدُ الاِخْتِصَاصَ لاَ التَّمْلِيكَ (6) .
ب - الْحَوْزُ وَالْحِيَازَةُ:
4 - الْحَوْزُ وَالْحِيَازَةُ لُغَةً الضَّمُّ وَالْجَمْعُ. وَكُل مَنْ ضَمَّ إِلَى نَفْسِهِ شَيْئًا فَقَدْ حَازَهُ. وَالْمُرَادُ مِنَ الْحِيَازَةِ اصْطِلاَحًا وَضْعُ الْيَدِ عَلَى الشَّيْءِ الْمَحُوزِ. وَهِيَ لاَ تُفِيدُ الْمِلْكَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ خِلاَفًا لِبَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ. وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ: " حِيَازَةٌ " (7) .
ج - الاِرْتِفَاقُ:
5 - الاِرْتِفَاقُ بِالشَّيْءِ لُغَةً الاِنْتِفَاعُ بِهِ (8) . وَهُوَ فِي الاِصْطِلاَحِ لاَ يَخْرُجُ - فِي الْجُمْلَةِ - عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ، عَلَى خِلاَفٍ فِيمَا يُرْتَفَقُ بِهِ. وَمَوْضِعُهُ مُصْطَلَحِ: (ارْتِفَاقٌ) .
د - الاِخْتِصَاصُ:
6 - الاِخْتِصَاصُ بِالشَّيْءِ فِي اللُّغَةِ: كَوْنُهُ لِشَخْصٍ دُونَ غَيْرِهِ (9) . وَهُوَ فِي الاِصْطِلاَحِ لاَ يَخْرُجُ عَنْ ذَلِكَ. وَالاِخْتِصَاصُ أَحَدُ الطُّرُقِ الْمُؤَدِّيَةِ إِلَى إِحْيَاءِ الْمَوَاتِ.
هـ - الإِْقْطَاعُ:
7 - الإِْقْطَاعُ فِي اللُّغَةِ وَالاِصْطِلاَحِ: جَعْل الإِْمَامِ غَلَّةَ أَرْضٍ رِزْقًا لِلْجُنْدِ أَوْ غَيْرِهِمْ. وَنَصَّ الْحَنَابِلَةُ وَغَيْرُهُمْ عَلَى أَنَّ لِلإِْمَامِ إِقْطَاعَ الْمَوَاتِ لِمَنْ يُحْيِيهِ، فَيَكُونُ أَحَقَّ بِهِ كَالْمُتَحَجِّرِ الشَّارِعِ فِي الإِْحْيَاءِ (10) . وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الاِخْتِصَاصِ. وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ (إِقْطَاعٌ) (11) .
صِفَةُ الإِْحْيَاءِ (حُكْمُهُ التَّكْلِيفِيُّ) :
8 - حُكْمُهُ الْجَوَازُ، لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ (12) . عَلَى أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ، لِلْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ النَّسَائِيُّ: مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَلَهُ فِيهَا أَجْرٌ (13) . وَحِكْمَةُ مَشْرُوعِيَّتِهِ أَنَّهُ سَبَبٌ لِزِيَادَةِ الأَْقْوَاتِ وَالْخِصْبِ لِلأَْحْيَاءِ.
أَثَرُ الإِْحْيَاءِ (حُكْمُهُ الْوَضْعِيُّ) :
9 - ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ الْمُحْيِيَ يَمْلِكُ مَا أَحْيَاهُ إِذَا تَوَافَرَتِ الشُّرُوطُ، وَذَلِكَ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ، خِلاَفًا لِبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ، كَالْفَقِيهِ أَبِي الْقَاسِمِ أَحْمَدَ الْبَلْخِيِّ، إِذْ قَالُوا: إِنَّهُ يَثْبُتُ مِلْكُ الاِسْتِغْلاَل لاَ مِلْكُ الرَّقَبَةِ، قِيَاسًا عَلَى السَّبْقِ لِلاِنْتِفَاعِ بِالْمَرَافِقِ الْعَامَّةِ، كَالْمَجَالِسِ، وَخِلاَفًا لِبَعْضِ الْحَنَابِلَةِ الَّذِينَ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ الذِّمِّيَّ لاَ يَمْلِكُ الإِْحْيَاءَ فِي دَارِ الإِْسْلاَمِ، إِنَّمَا يَمْلِكُ الاِنْتِفَاعَ (14) .
أَقْسَامُ الْمَوَاتِ:
10 - الْمَوَاتُ قِسْمَانِ: أَصْلِيٌّ وَهُوَ مَا لَمْ يُعَمَّرْ قَطُّ، وَطَارِئٌ: وَهُوَ مَا خَرِبَ بَعْدَ عِمَارَتِهِ (15) .
الأَْرَاضِي الَّتِي كَانَتْ جَزَائِرَ وَأَنْهَارًا:
11 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الأَْنْهَارَ وَالْجَزَائِرَ وَنَحْوَهُمَا إِذَا انْحَسَرَ عَنْهَا الْمَاءُ فَصَارَتْ أَرْضًا يَابِسَةً تَرْجِعُ إِلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ. فَإِنْ كَانَتْ مَمْلُوكَةً لأَِحَدٍ أَوْ وَقْفًا أَوْ مَسْجِدًا عَادَتْ إِلَى الْمَالِكِ أَوِ الْوَقْفِ أَوِ الْمَسْجِدِ، وَلاَ يَجُوزُ إِحْيَاؤُهَا، لَكِنْ قَيَّدَ الْمَالِكِيَّةُ ذَلِكَ بِمَا إِذَا كَانَ الْمَالِكُ مَلَكَ الأَْرْضَ بِالشِّرَاءِ، فَإِنْ كَانَ مَلَكَهَا بِالإِْحْيَاءِ جَازَ لِلْغَيْرِ إِحْيَاؤُهَا (16) .
وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إِذَا لَمْ تَكُنْ مَمْلُوكَةً لأَِحَدٍ أَوْ لَمْ يُعْرَفْ لِلأَْرْضِ مَالِكٌ: فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ النَّهْرَ إِذَا كَانَ بَعِيدًا، بِحَيْثُ لاَ يَعُودُ إِلَيْهِ الْمَاءُ، تَكُونُ أَرْضُهُ مَوَاتًا يَجُوزُ إِحْيَاؤُهَا. وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ إِذَا كَانَ النَّهْرُ قَرِيبًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لأَِنَّ الْمَوَاتَ اسْمٌ لِمَا لاَ يُنْتَفَعُ بِهِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مِلْكًا لأَِحَدٍ، وَلاَ حَقًّا خَاصًّا لَهُ، لَمْ يَكُنْ مُنْتَفَعًا بِهِ، فَكَانَ مَوَاتًا، بَعِيدًا عَنِ الْبَلَدِ، أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا. وَعَلَى رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ ﵀ تَعَالَى - وَهُوَ قَوْل الطَّحَاوِيِّ الَّذِي اعْتَمَدَهُ شَمْسُ الأَْئِمَّةِ - لاَ يَكُونُ مَوَاتًا إِذَا كَانَ قَرِيبًا، وَذَلِكَ لأَِنَّ مَا يَكُونُ قَرِيبًا مِنَ الْقَرْيَةِ لاَ يَنْقَطِعُ ارْتِفَاقُ أَهْلِهَا عَنْهُ، فَيُدَارُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُعْتَبَرُ حَقِيقَةُ الاِنْتِفَاعِ، حَتَّى لاَ يَجُوزَ إِحْيَاءُ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ أَهْل الْقَرْيَةِ وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا، وَيَجُوزُ إِحْيَاءُ مَا لاَ يَنْتَفِعُونَ بِهِ وَإِنْ كَانَ قَرِيبًا مِنَ الْعَامِرِ (17) .
12 - وَاخْتَلَفُوا فِي حَدِّ الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ. وَأَصَحُّ مَا قِيل فِيهِ أَنْ يَقُومَ الرَّجُل عَلَى طَرَفِ عُمْرَانِ الْقَرْيَةِ، فَيُنَادِي بِأَعْلَى صَوْتِهِ، فَأَيُّ مَوْضِعٍ يَنْتَهِي إِلَيْهِ صَوْتُهُ يَكُونُ مِنْ فِنَاءِ الْعُمْرَانِ؛ لأَِنَّ أَهْل الْقَرْيَةِ يَحْتَاجُونَ إِلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ لِرَعْيِ الْمَوَاشِي أَوْ غَيْرِهِ، وَمَا وَرَاءَ ذَلِكَ يَكُونُ مِنَ الْمَوَاتِ.
وَرَأَى سَحْنُونٌ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَمَنْ وَافَقَهُ كَمُطَرِّفٍ وَأَصْبَغَ مِثْل ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فِي مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يُقَيَّدْ بِجَوَازِ عَوْدِ الْمِيَاهِ، لأَِنَّ الأَْنْهَارَ الَّتِي لَمْ يُنْشِئْهَا النَّاسُ لَيْسَتْ مِلْكًا لأَِحَدٍ، وَإِنَّمَا هِيَ طَرِيقٌ لِلْمُسْلِمِينَ لاَ يَسْتَحِقُّهَا مَنْ كَانَ يَلِي النَّهْرَ مِنْ جِهَتَيْهِ. وَعِنْدَ غَيْرِهِمْ أَنَّ بَاطِنَ النَّهْرِ إِذَا يَبِسَ يَكُونُ مِلْكًا لِصَاحِبَيِ الأَْرْضِ الَّتِي بِجَنْبِ النَّهْرِ، لِكُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا يُجَاوِرُ أَرْضَهُ مُنَاصَفَةً. وَالْحُكْمُ كَذَلِكَ إِذَا مَال النَّهْرُ عَنْ مَجْرَاهُ إِلَى الأَْرْضِ الْمُجَاوِرَةِ لَهُ (18) .
وَيُسْتَخْلَصُ مِنْ نُصُوصِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُمْ لاَ يُفَرِّقُونَ فِي الْحُكْمِ بَيْنَ النَّهْرِ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ أَنَّ مَا نَضَبَ عَنْهُ الْمَاءُ مِنَ الأَْنْهَارِ وَالْجَزَائِرِ لاَ يَجُوزُ إِحْيَاؤُهُ بِرَغْمِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَمْلُوكًا مِنْ قَبْل. وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ لَيْسَ لِلسُّلْطَانِ إِعْطَاؤُهُ لأَِحَدٍ. قَالُوا: " وَلَوْ رَكِبَ الأَْرْضَ مَاءٌ أَوْ رَمْلٌ أَوْ طِينٌ فَهِيَ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ مِنْ مِلْكٍ أَوْ وَقْفٍ. فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ مَالِكٌ لِلأَْرْضِ وَانْحَسَرَ مَاءُ النَّهْرِ عَنْ جَانِبٍ مِنْهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ كَوْنِهِ مِنْ حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ الْعَامَّةِ، وَلَيْسَ لِلسُّلْطَانِ إِقْطَاعُهُ - أَيْ إِعْطَاؤُهُ - لأَِحَدٍ، كَالنَّهْرِ وَحَرِيمِهِ. وَلَوْ زَرَعَهُ أَحَدٌ لَزِمَهُ أُجْرَتُهُ لِصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، وَيَسْقُطُ عَنْهُ قَدْرُ حِصَّتِهِ إِنْ كَانَتْ لَهُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ. نَعَمْ لِلإِْمَامِ دَفْعُهُ لِمَنْ يَرْتَفِقُ بِهِ بِمَا لاَ يَضُرُّ الْمُسْلِمِينَ. وَمِثْلُهُ مَا يَنْحَسِرُ عَنْهُ الْمَاءُ مِنَ الْجَزَائِرِ فِي الْبَحْرِ. وَيَجُوزُ زَرْعُهُ وَنَحْوُهُ لِمَنْ لَمْ يَقْصِدْ إِحْيَاءَهُ. وَلاَ يَجُوزُ فِيهِ الْبِنَاءُ وَلاَ الْغِرَاسُ وَلاَ مَا يَضُرُّ الْمُسْلِمِينَ. وَكُل هَذَا إِذَا رُجِيَ عَوْدُ مَالِكِ الأَْرْضِ، فَإِنْ لَمْ يُرْجَ عَوْدُهُ كَانَتْ لِبَيْتِ الْمَال فَلِلإِْمَامِ إِقْطَاعُهَا رَقَبَةً أَوْ مَنْفَعَةً إِنْ لَمْ يَكُنْ فِي تَصَرُّفِهِ جَوْرٌ، لَكِنَّ الْمُقْطَعَ يَسْتَحِقُّ الاِنْتِفَاعَ بِهَا مُدَّةَ الإِْقْطَاعِ خَاصَّةً (19) ".
13 - وَفِي الْمُغْنِي: وَمَا نَضَبَ عَنْهُ الْمَاءُ مِنَ الْجَزَائِرِ لَمْ يُمْلَكْ بِالإِْحْيَاءِ. قَال أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْعَبَّاسِ بْنِ مُوسَى: إِذَا نَضَبَ الْمَاءُ عَنْ جَزِيرَةٍ إِلَى فِنَاءِ رَجُلٍ لَمْ يَبْنِ فِيهَا، لأَِنَّ فِيهِ ضَرَرًا، وَهُوَ أَنَّ الْمَاءَ يَرْجِعُ. يَعْنِي أَنَّهُ يَرْجِعُ إِلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ. فَإِذَا وَجَدَهُ مَبْنِيًّا رَجَعَ إِلَى الْجَانِبِ الآْخَرِ فَأَضَرَّ بِأَهْلِهِ؛ وَلأَِنَّ الْجَزَائِرَ مَنْبَتُ الْكَلأَِ وَالْحَطَبِ فَجَرَتْ مَجْرَى الْمَعَادِنِ الظَّاهِرَةِ. وَقَدْ قَال النَّبِيُّ ﷺ: لاَ حِمَى فِي الأَْرَاكِ (20) . وَقَال أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ: يُرْوَى عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ أَبَاحَ الْجَزَائِرَ (21) . يَعْنِي أَبَاحَ مَا يَنْبُتُ فِي الْجَزَائِرِ مِنَ النَّبَاتِ. وَقَال: " إِذَا نَضَبَ الْفُرَاتُ عَنْ شَيْءٍ، ثُمَّ نَبَتَ عَنْ نَبَاتٍ، فَجَاءَ رَجُلٌ يَمْنَعُ النَّاسَ مِنْهُ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، فَأَمَّا إِنْ غَلَبَ الْمَاءُ عَلَى مِلْكِ إِنْسَانٍ ثُمَّ عَادَ فَنَضَبَ عَنْهُ فَلَهُ أَخْذُهُ، فَلاَ يَزُول مِلْكُهُ بِغَلَبَةِ الْمَاءِ عَلَيْهِ. وَإِنْ كَانَ مَا نَضَبَ عَنْهُ الْمَاءُ لاَ يَنْتَفِعُ بِهِ أَحَدٌ فَعَمَرَهُ رَجُلٌ عِمَارَةً لاَ تَرُدُّ الْمَاءَ، مِثْل أَنْ يَجْعَلَهُ مَزْرَعَةً، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ؛ لأَِنَّهُ مُتَحَجِّرٌ لِمَا لَيْسَ لِمُسْلِمٍ فِيهِ حَقٌّ، فَأَشْبَهَ التَّحَجُّرَ فِي الْمَوَاتِ (22) ".
إِذْنُ الإِْمَامِ فِي الإِْحْيَاءِ:
14 - فُقَهَاءُ الْمَذَاهِبِ مُخْتَلِفُونَ فِي أَرْضِ الْمَوَاتِ هَل هِيَ مُبَاحَةٌ فَيَمْلِكُ كُل مَنْ يَحِقُّ لَهُ الإِْحْيَاءُ أَنْ يُحْيِيَهَا بِلاَ إِذْنٍ مِنَ الإِْمَامِ، أَمْ هِيَ مِلْكٌ لِلْمُسْلِمِينَ فَيَحْتَاجُ إِحْيَاؤُهَا إِلَى إِذْنٍ؟
ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إِلَى أَنَّ الإِْحْيَاءَ لاَ يُشْتَرَطُ فِيهِ إِذْنُ الإِْمَامِ، فَمَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَوَاتًا بِلاَ إِذْنٍ مِنَ الإِْمَامِ مَلَكَهَا. وَذَهَبَ الإِْمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّهُ يَشْتَرِطُ إِذْنَ الإِْمَامِ، سَوَاءٌ أَكَانَتِ الأَْرْضُ الْمَوَاتُ قَرِيبَةً مِنَ الْعُمْرَانِ أَمْ بَعِيدَةً. وَاشْتَرَطَ الْمَالِكِيَّةُ إِذْنَ الإِْمَامِ فِي الْقَرِيبِ قَوْلاً وَاحِدًا. وَلَهُمْ فِي الْبَعِيدِ طَرِيقَانِ: طَرِيقُ اللَّخْمِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ لاَ يَفْتَقِرُ لإِِذْنِ الإِْمَامِ، وَالطَّرِيقُ الآْخَرُ أَنَّهُ يَحْتَاجُ لِلإِْذْنِ. وَالْمَفْهُومُ مِنْ نُصُوصِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِمَا يَحْتَاجُهُ النَّاسُ وَمَا لاَ يَحْتَاجُونَهُ، فَمَا احْتَاجُوهُ فَلاَ بُدَّ فِيهِ مِنَ الإِْذْنِ، وَمَا لاَ فَلاَ.
احْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِعُمُومِ قَوْلِهِ ﷺ: مَنْ أَحْيَا أَرْضًا فَهِيَ لَهُ (23) ؛ وَلأَِنَّ هَذِهِ عَيْنٌ مُبَاحَةٌ فَلاَ يَفْتَقِرُ مِلْكُهَا إِلَى إِذْنِ الإِْمَامِ كَأَخْذِ الْحَشِيشِ، وَالْحَطَبِ.
وَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ بِقَوْلِهِ ﷺ: لَيْسَ لِلْمَرْءِ إِلاَّ مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُ إِمَامِهِ (24) ، وَبِأَنَّ هَذِهِ الأَْرَاضِي كَانَتْ فِي أَيْدِي الْكَفَرَةِ ثُمَّ صَارَتْ فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ، فَصَارَتْ فَيْئًا، وَلاَ يَخْتَصُّ بِالْفَيْءِ أَحَدٌ دُونَ رَأْيِ الإِْمَامِ، كَالْغَنَائِمِ؛ وَلأَِنَّ إِذْنَ الإِْمَامِ يَقْطَعُ الْمُشَاحَّةَ. وَالْخِلاَفُ بَيْنَ الإِْمَامِ وَصَاحِبَيْهِ فِي حُكْمِ اسْتِئْذَانِ الإِْمَامِ فِي تَرْكِهِ مِنَ الْمُحْيِي الْمُسْلِمِ جَهْلاً. أَمَّا إِنْ تَرَكَهُ مُتَعَمِّدًا تَهَاوُنًا بِالإِْمَامِ، كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ الأَْرْضَ مِنْهُ زَجْرًا لَهُ (25) . وَكُل هَذَا فِي الْمُحْيِي الْمُسْلِمِ فِي بِلاَدِ الإِْسْلاَمِ.
15 - أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لإِِحْيَاءِ الذِّمِّيِّ فِي بِلاَدِ الإِْسْلاَمِ فَقَال الْحَنَابِلَةُ: الذِّمِّيُّ كَالْمُسْلِمِ فِي الإِْحْيَاءِ بِالنِّسْبَةِ لإِِذْنِ الإِْمَامِ. وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: الذِّمِّيُّ كَالْمُسْلِمِ فِيهِ إِلاَّ فِي الإِْحْيَاءِ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ فَلاَ بُدَّ فِيهِ مِنَ الإِْذْنِ. وَاشْتَرَطَ الْحَنَفِيَّةُ فِي إِحْيَاءِ الذِّمِّيِّ إِذْنَ الإِْمَامِ اتِّفَاقًا (26) بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ حَسْبَمَا وَرَدَ فِي شَرْحِ الدُّرِّ. وَمَنَعُوا الإِْحْيَاءَ لِلْمُسْتَأْمَنِ فِي جَمِيعِ الأَْحْوَال. وَلَمْ يُجَوِّزِ الشَّافِعِيَّةُ إِحْيَاءَ الذِّمِّيِّ فِي بِلاَدِ الإِْسْلاَمِ مُطْلَقًا.
مَا يَجُوزُ إِحْيَاؤُهُ وَمَا لاَ يَجُوزُ:
16 - أَجْمَعَ فُقَهَاءُ الْمَذَاهِبِ عَلَى أَنَّ مَا كَانَ مَمْلُوكًا لأَِحَدٍ أَوْ حَقًّا خَاصًّا لَهُ أَوْ مَا كَانَ دَاخِل الْبَلَدِ لاَ يَكُونُ مَوَاتًا أَصْلاً فَلاَ يَجُوزُ إِحْيَاؤُهُ. وَمِثْلُهُ مَا كَانَ خَارِجَ الْبَلَدِ مِنْ مَرَافِقِهَا مُحْتَطَبًا لأَِهْلِهَا أَوْ مَرْعًى لِمَوَاشِيهِمْ، حَتَّى لاَ يَمْلِكَ الإِْمَامُ إِقْطَاعَهَا. وَكَذَلِكَ أَرْضُ الْمِلْحِ وَالْقَارِ وَنَحْوِهِمَا، مِمَّا لاَ يَسْتَغْنِي الْمُسْلِمُونَ عَنْهُ، وَلاَ يَجُوزُ إِحْيَاءُ مَا يَضِيقُ عَلَى وَارِدٍ أَوْ يَضُرُّ بِمَاءِ بِئْرٍ.
وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْصَحِّ عِنْدَهُمْ، وَالْحَنَابِلَةُ، عَلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ إِحْيَاءٌ فِي عَرَفَةَ وَلاَ الْمُزْدَلِفَةِ وَلاَ مِنًى، لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَالْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ وَمِنًى بِالْمُسْلِمِينَ، وَلِمَا فِيهِ مِنَ التَّضْيِيقِ فِي أَدَاءِ الْمَنَاسِكِ، وَاسْتِوَاءِ النَّاسِ فِي الاِنْتِفَاعِ بِهَذِهِ الْمَحَال.
وَقَال الزَّرْكَشِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: وَيَنْبَغِي إِلْحَاقُ الْمُحَصَّبِ بِذَلِكَ لأَِنَّهُ يُسَنُّ لِلْحَجِيجِ الْمَبِيتُ بِهِ. وَقَال الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ: لَيْسَ الْمُحَصَّبُ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ. فَمَنْ أَحْيَا شَيْئًا مِنْهُ مَلَكَهُ (27) .
17 - وَأَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الأَْرْضَ الْمُحَجَّرَةَ لاَ يَجُوزُ إِحْيَاؤُهَا؛ لأَِنَّ مَنْ حَجَّرَهَا أَوْلَى بِالاِنْتِفَاعِ بِهَا مِنْ غَيْرِهِ.
فَإِنْ أَهْمَلَهَا فَلِفُقَهَاءِ الْمَذَاهِبِ تَفْصِيلاَتٌ: فَالْحَنَفِيَّةُ وَضَعُوا مُدَّةً قُصْوَى لِلاِخْتِصَاصِ الْحَاصِل بِالتَّحْجِيرِ هِيَ ثَلاَثُ سَنَوَاتٍ، فَإِنْ لَمْ يَقُمْ بِإِحْيَائِهَا أَخَذَهَا الإِْمَامُ وَدَفَعَهَا إِلَى غَيْرِهِ. وَالتَّقْدِيرُ بِذَلِكَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ، فَإِنَّهُ قَال: لَيْسَ لِمُتَحَجِّرٍ بَعْدَ ثَلاَثِ سِنِينَ حَقٌّ (28) .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ مَنْ أَهْمَل الأَْرْضَ الَّتِي حَجَّرَهَا بِأَنْ لَمْ يَعْمَل فِيهَا، مَعَ قُوَّتِهِ عَلَى الْعَمَل مِنْ ذَلِكَ الْحِينِ إِلَى ثَلاَثِ سَنَوَاتٍ، فَإِنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْهُ، عَمَلاً بِالأَْثَرِ السَّابِقِ، وَلَمْ يَعْتَبِرُوا التَّحَجُّرَ إِحْيَاءً إِلاَّ إِذَا جَرَى الْعُرْفُ بِاعْتِبَارِهِ كَذَلِكَ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ عِنْدَهُمْ إِلَى أَنَّ التَّحْجِيرَ بِلاَ عَمَلٍ لاَ يُفِيدُ، وَأَنَّ الْحَقَّ لِمَنْ أَحْيَا تِلْكَ الأَْرْضَ؛ لأَِنَّ الإِْحْيَاءَ أَقْوَى مِنَ التَّحْجِيرِ (29) .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ، وَهُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّهُ إِذَا أَهْمَل الْمُتَحَجِّرُ إِحْيَاءَ الأَْرْضِ مُدَّةً غَيْرَ طَوِيلَةٍ عُرْفًا، وَجَاءَ مَنْ يُحْيِيهَا، فَإِنَّ الْحَقَّ لِلْمُتَحَجِّرِ؛ لأَِنَّ مَفْهُومَ قَوْلِهِ ﵊: مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً لَيْسَتْ لأَِحَدٍ (30) - وَقَوْلُهُ: فِي غَيْرِ حَقِّ مُسْلِمٍ فَهِيَ لَهُ (31) أَنَّهَا لاَ تَكُونُ لَهُ إِذَا كَانَ فِيهَا حَقٌّ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: مَنْ سَبَقَ إِلَى مَا لَمْ يَسْبِقْ إِلَيْهِ مُسْلِمٌ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ (32) . وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ أَنَّ عُمَرَ ﵁ قَال: " مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ - يَعْنِي مَنْ تَحَجَّرَ أَرْضًا - فَعَطَّلَهَا ثَلاَثَ سِنِينَ، فَجَاءَ قَوْمٌ فَعَمَرُوهَا، فَهُمْ أَحَقُّ بِهَا (33) " وَهَذَا يَدُل عَلَى أَنَّ مَنْ عَمَّرَهَا قَبْل ثَلاَثِ سِنِينَ لاَ يَمْلِكُهَا؛ لأَِنَّ الثَّانِيَ أَحْيَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ، فَلَمْ يَمْلِكْهُ، كَمَا لَوْ أَحْيَا مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مَصَالِحُ مِلْكِ غَيْرِهِ؛ وَلأَِنَّ حَقَّ الْمُتَحَجِّرِ أَسْبَقُ، فَكَانَ أَوْلَى، كَحَقِّ الشَّفِيعِ، يُقَدَّمُ عَلَى شِرَاءِ الْمُشْتَرِي. فَإِنْ مَضَتْ مُدَّةٌ طَوِيلَةٌ عَلَى الإِْهْمَال بِحَسَبِ الْعُرْفِ بِلاَ عُذْرٍ أَنْذَرَهُ الإِْمَامُ؛ لأَِنَّهُ ضَيَّقَ عَلَى النَّاسِ فِي حَقٍّ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمْ، فَلَمْ يُمَكَّنْ مِنْ ذَلِكَ، كَمَا لَوْ وَقَفَ فِي طَرِيقٍ ضَيِّقٍ أَوْ شِرْعَةِ مَاءٍ أَوْ مَعْدِنٍ، لاَ يَنْتَفِعُ، وَلاَ يَدَعُ غَيْرَهُ يَنْتَفِعُ. فَإِنِ اسْتُمْهِل بِعُذْرٍ أَمْهَلَهُ الإِْمَامُ وَالإِْمْهَال لِعُذْرٍ يَكُونُ الشَّهْرَ وَالشَّهْرَيْنِ وَنَحْوَ ذَلِكَ. فَإِنْ أَحْيَا غَيْرُهُ فِي مُدَّةِ الْمُهْلَةِ فَلِلْحَنَابِلَةِ فِيهِ الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ. وَإِنِ انْقَضَتِ الْمُدَّةُ وَلَمْ يَعْمُرْ فَلِغَيْرِهِ أَنْ يَعْمُرَهُ وَيَمْلِكَهُ؛ لأَِنَّ الْمُدَّةَ ضُرِبَتْ لَهُ لِيَنْقَطِعَ حَقُّهُ بِمُضِيِّهَا (34) .
حَرِيمُ الْعَامِرِ وَالآْبَارُ وَالأَْنْهَارُ وَغَيْرُهَا:
18 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ إِحْيَاءُ حَرِيمِ الْمَعْمُورِ، وَأَنَّهُ لاَ يُمْلَكُ بِالإِْحْيَاءِ. وَكَذَلِكَ حَرِيمُ الْبِئْرِ الْمَحْفُورَةِ فِي الْمَوَاتِ وَحَرِيمُ النَّهْرِ. وَالْمُرَادُ بِحَرِيمِ الْمَعْمُورِ مَا تَمَسُّ الْحَاجَةُ إِلَيْهِ لِتَمَامِ الاِنْتِفَاعِ بِهِ، وَهُوَ مِلْكٌ لِمَالِكِ الْمَعْمُورِ، بِمَعْنَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ غَيْرَهُ مِنْ إِحْيَائِهِ بِجَعْلِهِ دَارًا مَثَلاً، وَلَيْسَ لَهُ مَنْعُ الْمُرُورِ فِيهِ، وَلاَ الْمَنْعُ مِنْ رَعْيِ كَلأٍَ فِيهِ، وَالاِسْتِقَاءُ مِنْ مَاءٍ فِيهِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ. وَالدَّارُ الْمَحْفُوفَةُ بِدُورٍ لاَ حَرِيمَ لَهَا. وَحَرِيمُ الْبِئْرِ مَا لَوْ حَفَرَ فِيهِ نَقَصَ مَاؤُهَا، أَوْ خِيفَ انْهِيَارُهَا. وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِصَلاَبَةِ الأَْرْضِ وَرَخَاوَتِهَا.
19 - وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي مِقْدَارِ حَرِيمِ الْبِئْرِ وَالْعَيْنِ وَالنَّهْرِ وَالشَّجَرِ. فَقَال الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّ حَرِيمَ بِئْرِ الْعَطَنِ (وَهِيَ الَّتِي يُسْتَقَى مِنْهَا لِلْمَوَاشِي) أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا. قِيل: الأَْرْبَعُونَ مِنَ الْجَوَانِبِ الأَْرْبَعِ مِنْ كُل جَانِبٍ عَشَرَةٌ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمُرَادَ أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا مِنْ كُل جَانِبٍ. وَأَمَّا حَرِيمُ الْبِئْرِ النَّاضِحِ (وَهِيَ أَنْ يَحْمِل الْبَعِيرُ الْمَاءَ مِنْ نَهْرٍ أَوْ بِئْرٍ لِسَقْيِ الزَّرْعِ) فَهُوَ سِتُّونَ ذِرَاعًا فِي قَوْل أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَال أَبُو حَنِيفَةَ: لاَ أَعْرِفُ إِلاَّ أَنَّهُ أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا. وَبِهِ يُفْتَى. وَمَنْ أَحْيَا نَهْرًا فِي أَرْضِ مَوَاتٍ فَقَال بَعْضُهُمْ: إِنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لاَ يَسْتَحِقُّ لَهُ حَرِيمًا، وَعِنْدَهُمَا يَسْتَحِقُّ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ لَهُ حَرِيمًا بِالإِْجْمَاعِ.
وَذَكَرَ فِي النَّوَازِل: وَحَرِيمُ النَّهْرِ مِنْ كُل جَانِبٍ نِصْفُهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. وَقَال مُحَمَّدٌ مِنْ كُل جَانِبٍ بِمِقْدَارِ عَرْضِ النَّهْرِ. وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْل أَبِي يُوسُفَ. وَمَنْ أَخْرَجَ قَنَاةً فِي أَرْضٍ مَوَاتٍ اسْتَحَقَّ الْحَرِيمَ بِالإِْجْمَاعِ. وَحَرِيمُهَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ حَرِيمُ الْبِئْرِ. إِلاَّ أَنَّ الْمَشَايِخَ زَادُوا عَلَى هَذَا فَقَالُوا: الْقَنَاةُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَظْهَرُ فِيهِ الْمَاءُ عَلَى وَجْهِ الأَْرْضِ مَنْزِلَةُ الْعَيْنِ الْفَوَّارَةِ، حَرِيمُهَا خَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ بِالإِْجْمَاعِ. أَمَّا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي لاَ يَقَعُ الْمَاءُ عَلَى الأَْرْضِ فَحَرِيمُهَا مِثْل النَّهْرِ. وَقَالُوا: إِنَّ حَرِيمَ الشَّجَرَةِ خَمْسَةُ أَذْرُعٍ (35) .
الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْبِئْرَ لَيْسَ لَهَا حَرِيمٌ مُقَدَّرٌ، فَقَدْ قَال الْمَالِكِيَّةُ: " أَمَّا الْبِئْرُ فَلَيْسَ لَهَا حَرِيمٌ مَحْدُودٌ لاِخْتِلاَفِ الأَْرْضِ بِالرَّخَاوَةِ وَالصَّلاَبَةِ، وَلَكِنْ حَرِيمُهَا مَا لاَ ضَرَرَ مَعَهُ عَلَيْهَا. وَهُوَ مِقْدَارُ مَا لاَ يَضُرُّ بِمَائِهَا، وَلاَ يُضَيِّقُ مُنَاخَ إِبِلِهَا وَلاَ مَرَابِضَ مَوَاشِيهَا عِنْدَ الْوُرُودِ. وَلأَِهْل الْبِئْرِ مَنْعُ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَحْفِرَ بِئْرًا فِي ذَلِكَ الْحَرِيمِ. وَقَالُوا: إِنَّ لِلنَّخْلَةِ حَرِيمًا، وَهُوَ قَدْرُ مَا يُرَى أَنَّ فِيهِ مَصْلَحَتَهَا، وَيَتْرُكَ مَا أَضَرَّ بِهَا، وَيُسْأَل عَنْ ذَلِكَ أَهْل الْعِلْمِ. وَقَدْ قَالُوا: مِنَ اثْنَيْ عَشَرَ ذِرَاعًا مِنْ نَوَاحِيهَا كُلِّهَا إِلَى عَشَرَةِ أَذْرُعٍ، وَذَلِكَ حَسَنٌ. وَيُسْأَل عَنِ الْكَرَمِ أَيْضًا وَعَنْ كُل شَجَرَةٍ أَهْل الْعِلْمِ بِهِ، فَيَكُونُ لِكُل شَجَرَةٍ بِقَدْرِ مَصْلَحَتِهَا (36) ".
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: إِنَّ حَرِيمَ الْبِئْرِ الْمَحْفُورَةِ فِي الْمَوَاتِ (هِيَ مَا كَانَتْ مَطْوِيَّةً، وَيَنْبُعُ الْمَاءُ مِنْهَا) : مَوْقِفُ النَّازِحِ مِنْهَا، وَالْحَوْضُ الَّذِي يَصُبُّ فِيهِ النَّازِحُ الْمَاءَ، وَمَوْضِعُ الدُّولاَبِ (وَهُوَ مَا يَسْتَقِي بِهِ النَّازِحُ، وَمَا يَسْتَقِي بِهِ بِالدَّابَّةِ) وَالْمَوْضِعُ الَّذِي يُجْتَمَعُ فِيهِ لِسَقْيِ الْمَاشِيَةِ وَالزَّرْعِ مِنْ حَوْضٍ وَنَحْوِهِ، وَمُتَرَدَّدُ الدَّابَّةِ، وَالْمَوْضِعُ الَّذِي يُطْرَحُ فِيهِ مَا يَخْرُجُ مِنَ الْحَوْضِ وَنَحْوِهِ، كُل ذَلِكَ غَيْرُ مُحَدَّدٍ، وَإِنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ.
وَحَرِيمُ آبَارِ الْقَنَاةِ (وَهِيَ الْمَحْفُورَةُ مِنْ غَيْرِ طَيٍّ لِيَجْتَمِعَ الْمَاءُ فِيهَا وَيُؤْخَذُ لِنَحْوِ الْمَزَارِعِ) : مَا لَوْ حَفَرَ فِيهِ نَقَصَ مَاؤُهَا، أَوْ خِيفَ سُقُوطُهَا. وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِصَلاَبَةِ الأَْرْضِ وَرَخَاوَتِهَا (37) .
وَمَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ كَمَذْهَبِ الْجُمْهُورِ فِي أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ إِحْيَاءُ حَرِيمِ الْبِئْرِ وَالنَّهْرِ وَالْعَيْنِ، غَيْرَ أَنَّهُمُ انْفَرَدُوا بِأَنَّهُ بِحَفْرِ بِئْرٍ يَمْلِكُ حَرِيمَهَا. أَمَّا تَقْدِيرُ الْحَنَابِلَةِ لِلْحَرِيمِ مِنْ كُل جَانِبٍ فِي بِئْرٍ قَدِيمَةٍ فَهُوَ خَمْسُونَ ذِرَاعًا وَفِي غَيْرِهَا خَمْسٌ وَعِشْرُونَ. وَحَرِيمُ عَيْنٍ وَقَنَاةٍ خَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ، وَنَهْرٌ مِنْ جَانِبَيْهِ: مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ لِطَرْحِ كَرَايَتِهِ (أَيْ مَا يُلْقَى مِنَ النَّهْرِ طَلَبًا لِسُرْعَةِ جَرْيِهِ) ، وَحَرِيمُ شَجَرَةٍ: قَدْرُ مَدِّ أَغْصَانِهَا، وَحَرِيمُ أَرْضٍ تُزْرَعُ: مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ لِسَقْيِهَا وَرَبْطِ دَوَابِّهَا وَطَرْحِ سَبَخِهَا وَنَحْوِهِ (38) .
إِحْيَاءُ الْمَوَاتِ الْمُقَطَّعِ:
20 - يُقَال فِي اللُّغَةِ: أَقْطَعَ الإِْمَامُ الْجُنْدَ الْبَلَدَ إِقْطَاعًا أَيْ جَعَل لَهُمْ غَلَّتَهَا رِزْقًا (39) ، وَاصْطِلاَحًا إِعْطَاءُ مَوَاتِ الأَْرْضِ لِمَنْ يُحْيِيهَا، وَذَلِكَ جَائِزٌ لِمَا رَوَى وَائِل بْنُ حَجَرٍ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ أَقْطَعَهُ أَرْضًا، فَأَرْسَل مَعَهُ مُعَاوِيَةَ: أَنْ أَعْطِهَا إِيَّاهُ، أَوْ أَعْلِمْهَا إِيَّاهُ (40) . وَلاَ بُدَّ قَبْل بَيَانِ حُكْمِ هَذَا الإِْحْيَاءِ مِنْ بَيَانِ حُكْمِ الإِْقْطَاعِ؛ لأَِنَّهُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ بِصِيغَتِهِ إِقْطَاعَ تَمْلِيكٍ، أَوْ إِقْطَاعَ إِرْفَاقٍ (انْتِفَاعٌ) . فَإِنْ كَانَ إِقْطَاعَ إِرْفَاقٍ فَالْكُل مُجْمِعٌ عَلَى أَنَّهُ لاَ يُفِيدُ بِذَاتِهِ تَمْلِيكًا لِلرَّقَبَةِ، إِنْ كَانَ إِقْطَاعَ تَمْلِيكٍ فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ بِهِ إِقْدَامُ غَيْرِ الْمُقْطَعِ عَلَى إِحْيَائِهِ؛ لأَِنَّهُ مَلَكَ رَقَبَتَهُ بِالإِْقْطَاعِ نَفْسِهِ، خِلاَفًا لِلْحَنَابِلَةِ، فَإِنَّهُمْ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ إِقْطَاعَ الْمَوَاتِ مُطْلَقًا لاَ يُفِيدُ تَمَلُّكًا، لَكِنَّهُ يَصِيرُ أَحَقَّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ. أَمَّا إِذَا كَانَ الإِْقْطَاعُ مُطْلَقًا، أَوْ مَشْكُوكًا فِيهِ، فَإِنَّهُ يُحْمَل عَلَى إِقْطَاعِ الإِْرْفَاقِ؛ لأَِنَّهُ الْمُحَقَّقُ (41) .
الْحِمَى:
21 - الْحِمَى لُغَةً: مَا مُنِعَ النَّاسُ عَنْهُ، وَاصْطِلاَحًا: أَنْ يَمْنَعَ الإِْمَامُ مَوْضِعًا لاَ يَقَعُ فِيهِ التَّضْيِيقُ عَلَى النَّاسِ لِلْحَاجَةِ الْعَامَّةِ لِذَلِكَ، لِمَاشِيَةِ الصَّدَقَةِ، وَالْخَيْل الَّتِي يُحْمَل عَلَيْهَا (42) .
وَقَدْ كَانَ لِلرَّسُول ﷺ أَنْ يَحْمِيَ لِنَفْسِهِ وَلِلْمُسْلِمِينَ، لِقَوْلِهِ فِي الْخَبَرِ: لاَ حِمَى إِلاَّ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ (43) ، لَكِنَّهُ لَمْ يَحْمِ لِنَفْسِهِ شَيْئًا، وَإِنَّمَا حَمَى لِلْمُسْلِمِينَ، فَقَدْ رَوَى ابْنُ عُمَرَ، قَال: حَمَى النَّبِيُّ ﷺ النَّقِيعَ (44) لِخَيْل الْمُسْلِمِينَ (45) .
وَأَمَّا سَائِرُ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَحْمُوا لأَِنْفُسِهِمْ شَيْئًا، وَلَكِنْ لَهُمْ أَنْ يَحْمُوا مَوَاضِعَ لِتَرْعَى فِيهَا خَيْل الْمُجَاهِدِينَ، وَنَعَمُ الْجِزْيَةِ، وَإِبِل الصَّدَقَةِ، وَضَوَال النَّاسِ، عَلَى وَجْهٍ لاَ يَتَضَرَّرُ بِهِ مَنْ سِوَاهُ مِنَ النَّاسِ. وَهَذَا مَذْهَبُ الأَْئِمَّةِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ فِي صَحِيحِ قَوْلَيْهِ.
وَقَال فِي الآْخَرِ: لَيْسَ لِغَيْرِ النَّبِيِّ ﷺ أَنْ يَحْمِيَ، لِقَوْلِهِ ﵊: لاَ حِمَى إِلاَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ.
وَاسْتَدَل الْجُمْهُورُ (46) بِأَنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ حَمَيَا (47) ، وَاشْتُهِرَ ذَلِكَ فِي الصَّحَابَةِ، فَلَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِمَا، فَكَانَ إِجْمَاعًا.
وَمَا حَمَاهُ النَّبِيُّ ﷺ فَلَيْسَ لأَِحَدٍ نَقْضُهُ وَلاَ تَغْيِيرُهُ مَعَ بَقَاءِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ، وَمَنْ أَحْيَا مِنْهُ شَيْئًا لَمْ يَمْلِكْهُ. وَإِنْ زَالَتِ الْحَاجَةُ إِلَيْهِ، وَدَعَتْ حَاجَةٌ لِنَقْضِهِ، فَالأَْظْهَرُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ جَوَازُ نَقْضِهِ. وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَجْهَانِ. وَاسْتَظْهَرَ الْحَطَّابُ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ جَوَازَ نَقْضِهِ إِنْ لَمْ يَقُمِ الدَّلِيل عَلَى إِرَادَةِ الاِسْتِمْرَارِ.
وَمَا حَمَاهُ غَيْرُهُ مِنَ الأَْئِمَّةِ فَغَيْرُهُ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ مِنَ الأَْئِمَّةِ جَازَ، وَإِنْ أَحْيَاهُ إِنْسَانٌ مَلَكَهُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ لِلْحَنَابِلَةِ؛ لأَِنَّ حِمَى الأَْئِمَّةِ اجْتِهَادٌ، وَمِلْكُ الأَْرْضِ بِالإِْحْيَاءِ نَصٌّ، وَالنَّصُّ يُقَدَّمُ عَلَى الاِجْتِهَادِ. وَالْوَجْهُ الآْخَرُ لِلْحَنَابِلَةِ: لاَ يَمْلِكُهُ؛ لأَِنَّ اجْتِهَادَ الإِْمَامِ لاَ يَجُوزُ نَقْضُهُ، كَمَا لاَ يَجُوزُ نَقْضُ حُكْمِهِ. وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، كَذَلِكَ. مَنْ يَحِقُّ لَهُ الإِْحْيَاءُ
أ - فِي بِلاَدِ الإِْسْلاَمِ:
22 - وَالْمُرَادُ بِهَا كَمَا بَيَّنَ الْقَلْيُوبِيُّ: مَا بَنَاهُ الْمُسْلِمُونَ، كَبَغْدَادَ وَالْبَصْرَةِ، أَوْ أَسْلَمَ أَهْلُهُ عَلَيْهِ، كَالْمَدِينَةِ وَالْيَمَنِ، أَوْ فُتِحَ عَنْوَةً، كَخَيْبَرَ وَمِصْرَ وَسَوَادِ الْعِرَاقِ، أَوْ صُلْحًا وَالأَْرْضُ لَنَا وَهُمْ يَدْفَعُونَ الْجِزْيَةَ. وَالْحُكْمُ فِي هَذِهِ الْبِلاَدِ أَنَّ عِمَارَتَهَا فَيْءٌ، وَمَوَاتَهَا مُتَحَجِّرٌ لأَِهْل الْفَيْءِ. وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْمُسْلِمَ الْبَالِغَ الْعَاقِل الْحُرَّ لَهُ الْحَقُّ فِي أَنْ يُحْيِيَ الأَْرْضَ الْمَوَاتَ الَّتِي فِي بِلاَدِ الإِْسْلاَمِ عَلَى نَحْوِ مَا سَبَقَ (48) .
وَاخْتَلَفُوا فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ، فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الذِّمِّيَّ كَالْمُسْلِمِ فِي حَقِّ الإِْحْيَاءِ فِي بِلاَدِ الإِْسْلاَمِ، لَكِنَّ مُطَرِّفًا وَابْنَ الْمَاجِشُونِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ مَنَعَا مِنْ إِحْيَائِهِ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ (مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَالْحِجَازِ كُلِّهِ وَالنُّجُودِ وَالْيَمَنِ) . وَقَال غَيْرُهُمَا: لَوْ قِيل إِنَّ حُكْمَ الذِّمِّيِّينَ فِي ذَلِكَ حُكْمُ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَبْعُدْ، كَمَا كَانَ لَهُمْ ذَلِكَ فِيمَا بَعْدُ مِنَ الْعُمْرَانِ. وَجَاءَ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ: " أَنَّ الذِّمِّيَّ يَمْلِكُ بِالإِْحْيَاءِ كَمَا يَمْلِكُهُ الْمُسْلِمُ " مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِإِذْنِ الإِْمَامِ فِي ذَلِكَ عِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ اللَّذَيْنِ لاَ يَشْتَرِطَانِ إِذْنَ الإِْمَامِ لِلْمُسْلِمِ. وَعَلَّل الشَّارِحُ ذَلِكَ بِأَنَّ الإِْحْيَاءَ سَبَبُ الْمِلْكِ، فَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ كَمَا فِي سَائِرِ أَسْبَابِ الْمِلْكِ. وَالاِسْتِوَاءُ فِي السَّبَبِ يُوجِبُ الاِسْتِوَاءَ فِي الْحُكْمِ (49) ، لَكِنَّ الَّذِي فِي شَرْحِ الدُّرِّ كَمَا سَبَقَ أَنَّ الْخِلاَفَ بَيْنَ الإِْمَامِ وَصَاحِبَيْهِ فِي اشْتِرَاطِ إِذْنِ الإِْمَامِ فِي الإِْحْيَاءِ إِنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُسْلِمِ، أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلذِّمِّيِّ فَيُشْتَرَطُ الإِْذْنُ اتِّفَاقًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى عَدَمِ جَوَازِ إِحْيَاءِ الذِّمِّيِّ فِي بِلاَدِ الإِْسْلاَمِ، فَقَدْ نَصُّوا عَلَى أَنَّ الأَْرْضَ الَّتِي لَمْ تُعَمَّرْ قَطُّ إِنْ كَانَتْ بِبِلاَدِ الإِْسْلاَمِ فَلِلْمُسْلِمِ تَمَلُّكُهَا بِالإِْحْيَاءِ، أَذِنَ فِيهِ الإِْمَامُ أَمْ لاَ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِذِمِّيٍّ وَإِنْ أَذِنَ الإِْمَامُ، فَغَيْرُ الذِّمِّيِّ مِنَ الْكُفَّارِ أَوْلَى بِالْمَنْعِ، فَلاَ عِبْرَةَ بِإِحْيَائِهِ، وَلِلْمُسْلِمِ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهُ وَيَمْلِكَهُ، فَإِنْ كَانَ لَهُ عَيْنٌ فِيهِ كَزَرْعٍ رَدَّهُ الْمُسْلِمُ إِلَيْهِ، فَإِنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَهُوَ لِبَيْتِ الْمَال، وَلَيْسَ لأَِحَدٍ التَّصَرُّفُ فِيهِ، وَلاَ أُجْرَةَ عَلَيْهِ مُدَّةَ إِحْيَائِهِ لأَِنَّهُ لَيْسَ مِلْكًا لأَِحَدٍ (50) .
وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّ الصَّبِيَّ الْمُسْلِمَ، وَلَوْ غَيْرَ مُمَيِّزٍ يَمْلِكُ مَا أَحْيَاهُ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ لِلْعَبْدِ أَنْ يُحْيِيَ، لَكِنْ مَا يُحْيِيهِ يَمْلِكُهُ سَيِّدُهُ (51) . وَلَمْ يَذْكُرُوا شَيْئًا عَنْ إِحْيَاءِ الْمَجْنُونِ. وَبَاقِي الْمَذَاهِبِ لَمْ يُسْتَدَل عَلَى أَحْكَامِ إِحْيَاءِ الْمَذْكُورِينَ عِنْدَهُمْ، وَلَكِنَّ الْحَدِيثَ: مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ يَدُل بِعُمُومِهِ عَلَى أَنَّ الصَّغِيرَ وَالْمَجْنُونَ يَمْلِكَانِ مَا يُحْيِيَانِهِ.
ب - فِي بِلاَدِ الْكُفَّارِ:
23 - مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَالْبَاجِيِّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ مَوَاتَ أَهْل الْحَرْبِ يَمْلِكُهُ الْمُسْلِمُونَ بِالإِْحْيَاءِ، سَوَاءٌ أَفُتِحَتْ بِلاَدُهُمْ فِيمَا بَعْدُ عَنْوَةً (وَهِيَ الَّتِي غُلِبَ عَلَيْهَا قَهْرًا) أَمْ صُلْحًا. وَقَال سَحْنُونٌ: مَا كَانَ مِنْ أَرْضِ الْعَنْوَةِ مِنْ مَوَاتٍ لَمْ يُعْمَل فِيهَا وَلاَ جَرَى فِيهَا مِلْكٌ لأَِحَدٍ فَهِيَ لِمَنْ أَحْيَاهَا. وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ وَلِلذِّمِّيِّ إِحْيَاءُ مَوَاتِ بِلاَدِ الْكُفْرِ، لَكِنَّهُمْ قَيَّدُوا جَوَازَ إِحْيَاءِ الْمُسْلِمِ بِعَدَمِ مَنْعِهِ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ مَنَعَهُ الْكُفَّارُ فَلَيْسَ لَهُ الإِْحْيَاءُ (52) .
وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ قُدَامَةَ مِنَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا أَحْيَا مَوَاتًا فِي دَارِ الْحَرْبِ قَبْل فَتْحِهَا عَنْوَةً تَبْقَى عَلَى مِلْكِهِ؛ لأَِنَّ دَارَ الْحَرْبِ عَلَى أَصْل الإِْبَاحَةِ. وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَ الإِْحْيَاءُ قَبْل فَتْحِهَا صُلْحًا عَلَى أَنْ تَبْقَى الأَْرْضُ لَهُمْ، وَلِلْمُسْلِمِينَ الْخَرَاجُ، فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ يُحْتَمَل عَدَمُ إِفَادَةِ الإِْحْيَاءِ الْمِلْكَ؛ لأَِنَّهَا بِهَذَا الصُّلْحِ حُرِّمَتْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَيُحْتَمَل أَنْ يَمْلِكَهَا مَنْ أَحْيَاهَا؛ لِعُمُومِ الْخَبَرِ؛ وَلأَِنَّهَا مِنْ مُبَاحَاتِ دَارِهِمْ، فَجَازَ أَنْ يَمْلِكَهَا مَنْ وُجِدَ مِنْهُ سَبَبُ تَمَلُّكِهَا.
مَا يَكُونُ بِهِ الإِْحْيَاءُ:
24 - يَكَادُ يَتَّفِقُ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ فِيمَا يَكُونُ بِهِ الإِْحْيَاءُ، فَقَدْ نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ الإِْحْيَاءَ يَكُونُ بِالْبِنَاءِ عَلَى الأَْرْضِ الْمَوَاتِ، أَوِ الْغَرْسِ فِيهَا، أَوْ كَرْيِهَا (حَرْثِهَا) ، أَوْ سَقْيِهَا (53) .
وَنَصَّ مَالِكٌ عَلَى أَنَّ إِحْيَاءَ الأَْرْضِ أَنْ يَحْفِرَ فِيهَا بِئْرًا أَوْ يُجْرِيَ عَيْنًا أَوْ يَغْرِسَ شَجَرًا أَوْ يَبْنِيَ أَوْ يَحْرُثَ، مَا فَعَل مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ إِحْيَاءٌ. وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ. وَقَال عِيَاضٌ: اتُّفِقَ عَلَى أَحَدِ سَبْعَةِ أُمُورٍ: تَفْجِيرِ الْمَاءِ، وَإِخْرَاجِهِ عَنْ غَامِرِهَا بِهِ، وَالْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ وَالْحَرْثِ، وَمِثْلُهُ تَحْرِيكُ الأَْرْضِ بِالْحَفْرِ، وَقَطْعِ شَجَرِهَا، وَسَابِعُهَا كَسْرُ حَجَرِهَا وَتَسْوِيَةُ حَفْرِهَا وَتَعْدِيل أَرْضِهَا (54) .
أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَقَدْ نَصُّوا عَلَى أَنَّ مَا يَكُونُ بِهِ الإِْحْيَاءُ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ، فَإِنْ أَرَادَ مَسْكَنًا اشْتُرِطَ لِحُصُولِهِ تَحْوِيطُ الْبُقْعَةِ بِآجُرٍّ أَوْ لَبِنٍ أَوْ مَحْضِ الطِّينِ أَوْ أَلْوَاحِ الْخَشَبِ وَالْقَصَبِ بِحَسَبِ الْعَادَةِ، وَسَقْفِ بَعْضِهَا لِتَتَهَيَّأَ لِلسُّكْنَى، وَنَصْبِ بَابٍ لأَِنَّهُ الْمُعْتَادُ فِي ذَلِكَ. وَقِيل لاَ يُشْتَرَطُ؛ لأَِنَّ السُّكْنَى تَتَحَقَّقُ بِدُونِهِ. وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ زَرِيبَةً لِلدَّوَابِّ فَيُشْتَرَطُ التَّحْوِيطُ، وَلاَ يَكْفِي نَصْبُ سَعَفٍ أَوْ أَحْجَارٍ مِنْ غَيْرِ بِنَاءٍ، وَلاَ يُشْتَرَطُ السَّقْفُ؛ لأَِنَّ الْعَادَةَ فِي الزَّرِيبَةِ عَدَمُهُ، وَالْخِلاَفُ فِي الْبَابِ كَالْخِلاَفِ فِيهِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَسْكَنِ. وَالإِْحْيَاءُ فِي الْمَزْرَعَةِ يَكُونُ بِجَمْعِ التُّرَابِ حَوْلَهَا، لِيَنْفَصِل الْمُحْيَا عَنْ غَيْرِهِ. وَفِي مَعْنَى التُّرَابِ قَصَبٌ وَحَجَرٌ وَشَوْكٌ، وَلاَ حَاجَةَ إِلَى تَحْوِيطِ وَتَسْوِيَةِ الأَْرْضِ بِطَمِّ الْمُنْخَفِضِ وَكَسْحِ الْمُسْتَعْلِي.
فَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ ذَلِكَ إِلاَّ بِمَا يُسَاقُ إِلَيْهَا فَلاَ بُدَّ مِنْهُ لِتَتَهَيَّأَ لِلزِّرَاعَةِ. وَلاَ تُشْتَرَطُ الزِّرَاعَةُ بِالْفِعْل عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْنِ؛ لأَِنَّهَا اسْتِيفَاءُ مَنْفَعَةٍ، وَهُوَ خَارِجٌ عَنِ الإِْحْيَاءِ. وَالْقَوْل الثَّانِي: لاَ بُدَّ مِنْهَا؛ لأَِنَّ الدَّارَ لاَ تَصِيرُ مُحْيَاةً إِلاَّ إِذَا حَصَل فِيهَا عَيْنُ مَال الْمُحْيِي، فَكَذَا الأَْرْضُ (55) . وَلِلْحَنَابِلَةِ فِيمَا يَكُونُ بِهِ الإِْحْيَاءُ رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهُمَا، وَهِيَ ظَاهِرُ كَلاَمِ الْخِرَقِيِّ وَرِوَايَةٌ عَنِ الْقَاضِي: أَنَّ تَحْوِيطَ الأَْرْضِ إِحْيَاءٌ لَهَا سَوَاءٌ أَرَادَهَا لِلْبِنَاءِ أَوِ الزَّرْعِ أَوْ حَظِيرَةً لِلْغَنَمِ أَوِ الْخَشَبِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ سَعِيدٍ، فَقَال: الإِْحْيَاءُ أَنْ يُحَوِّطَ عَلَيْهَا حَائِطًا، أَوْ يَحْفِرَ فِيهَا بِئْرًا أَوْ نَهْرًا. وَلاَ يُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ تَسْقِيفٌ، وَذَلِكَ لِمَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ سَمُرَةَ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ: قَال مَنْ أَحَاطَ حَائِطًا عَلَى أَرْضٍ فَهِيَ لَهُ (56) . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالإِْمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَيُرْوَى عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ مِثْلُهُ؛ وَلأَِنَّ الْحَائِطَ حَاجِزٌ مَنِيعٌ، فَكَانَ إِحْيَاءً، أَشْبَهَ مَا لَوْ جَعَلَهَا حَظِيرَةً لِلْغَنَمِ. وَيُبَيِّنُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْقَصْدَ لاَ اعْتِبَارَ لَهُ. وَلاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْحَائِطُ مَنِيعًا يَمْنَعُ مَا وَرَاءَهُ، وَيَكُونُ مِمَّا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ بِمِثْلِهِ. وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ الْبُلْدَانِ.
وَرِوَايَةُ الْقَاضِي الثَّانِيَةُ: " أَنَّ الإِْحْيَاءَ مَا تَعَارَفَهُ النَّاسُ إِحْيَاءً، لأَِنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِتَعْلِيقِ الْمِلْكِ عَلَى الإِْحْيَاءِ، وَلَمْ يُبَيِّنْهُ وَلاَ ذَكَرَ كَيْفِيَّتَهُ، فَيَجِبُ الرُّجُوعُ فِيهِ إِلَى مَا كَانَ إِحْيَاءً فِي الْعُرْفِ، وَلاَ يُعْتَبَرُ فِي إِحْيَاءِ الأَْرْضِ حَرْثُهَا وَلاَ زَرْعُهَا؛ لأَِنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَتَكَرَّرُ كُلَّمَا أَرَادَ الاِنْتِفَاعَ بِهَا فَلَمْ يُعْتَبَرْ فِي الإِْحْيَاءِ كَسَقْيِهَا (57) ". إِهْمَال الْمُحْيَا:
25 - مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً، ثُمَّ تَرَكَهَا، وَزَرَعَهَا غَيْرُهُ، فَهَل يَمْلِكُهَا الثَّانِي، أَوْ تَبْقَى عَلَى مِلْكِ الأَْوَّل؟
مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَأَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَأَحَدُ أَقْوَالٍ ثَلاَثَةٍ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: أَنَّهَا تَبْقَى عَلَى مِلْكِ الأَْوَّل، وَلاَ يَمْلِكُهَا الثَّانِي بِالإِْحْيَاءِ، مُسْتَدِلِّينَ بِقَوْلِهِ ﷺ: مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً لَيْسَتْ لأَِحَدٍ فَهِيَ لَهُ، وَقَوْلِهِ: فِي غَيْرِ حَقِّ مُسْلِمٍ؛ وَلأَِنَّ هَذِهِ أَرْضٌ يُعْرَفُ مَالِكُهَا، فَلَمْ تُمْلَكْ بِالإِْحْيَاءِ، كَالَّتِي مُلِكَتْ بِشِرَاءٍ أَوْ عَطِيَّةٍ.
وَفِي قَوْلٍ لِلْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: أَنَّ الثَّانِيَ يَمْلِكُهَا، قِيَاسًا عَلَى الصَّيْدِ إِذَا أَفْلَتَ وَلَحِقَ بِالْوَحْشِ وَطَال زَمَانُهُ، فَهُوَ لِلثَّانِي. وَالْقَوْل الثَّالِثُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: الْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الأَْوَّل أَحْيَاهُ، أَوِ اخْتَطَّهُ أَوِ اشْتَرَاهُ، فَإِنْ كَانَ الأَْوَّل أَحْيَاهُ كَانَ الثَّانِي أَحَقَّ بِهِ. وَإِنْ كَانَ الأَْوَّل اخْتَطَّهُ أَوِ اشْتَرَاهُ كَانَ أَحَقَّ بِهِ (58) .
التَّوْكِيل فِي الإِْحْيَاءِ:
26 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلشَّخْصِ أَنْ يُوَكِّل غَيْرَهُ فِي إِحْيَاءِ الأَْرْضِ الْمَوَاتِ، وَيَقَعُ الْمِلْكُ لِلْمُوَكِّل؛ لأَِنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَقْبَل التَّوْكِيل فِيهِ (59) . تَوَفُّرُ الْقَصْدِ فِي الإِْحْيَاءِ:
27 - لاَ بُدَّ مِنَ الْقَصْدِ الْعَامِّ لِلإِْحْيَاءِ اتِّفَاقًا. وَاخْتَلَفُوا هَل يُشْتَرَطُ فِي الإِْحْيَاءِ أَنْ يَقْصِدَ الْمُحْيِي مَنْفَعَةً خَاصَّةً فِي الْمُحْيَا، أَوْ يَكْفِي أَنْ يُهَيِّئَ الأَْرْضَ تَهْيِئَةً عَامَّةً بِحَيْثُ تَصِيرُ صَالِحَةً لأَِيِّ انْتِفَاعٍ مِنْ زِرَاعَةٍ أَوْ بِنَاءٍ أَوْ حَظِيرَةٍ لِلْغَنَمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ فِي الإِْحْيَاءِ تَوَفُّرُ الْقَصْدِ الْخَاصِّ، بَل يَكْفِي الْقَصْدُ الْعَامُّ، وَهُوَ الاِنْتِفَاعُ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ (60) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: إِنَّ الإِْحْيَاءَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ، مِمَّا يَدُل عَلَى أَنَّهُمْ يَعْتَبِرُونَ الْقَصْدَ الْخَاصَّ، فِي الإِْحْيَاءِ، لَكِنَّهُمْ قَالُوا: لَوْ شَرَعَ فِي الإِْحْيَاءِ لِنَوْعٍ، فَأَحْيَاهُ لِنَوْعٍ آخَرَ، كَأَنْ قَصَدَ إِحْيَاءَهُ لِلزِّرَاعَةِ بَعْدَ أَنْ قَصَدَهُ لِلسُّكْنَى، مَلَكَهُ اعْتِبَارًا بِالْقَصْدِ الطَّارِئِ، بِخِلاَفِ مَا إِذَا قَصَدَ نَوْعًا، وَأَحْيَاهُ بِمَا لاَ يُقْصَدُ بِهِ نَوْعٌ آخَرُ، كَأَنْ حَوَّطَ الْبُقْعَةَ بِحَيْثُ تَصْلُحُ زَرِيبَةً، بِقَصْدِ السُّكْنَى لَمْ يَمْلِكْهَا، خِلاَفًا لِلإِْمَامِ (61) .
الْوَظِيفَةُ عَلَى الأَْرْضِ الْمُحْيَاةِ:
28 - الْمُرَادُ بِالْوَظِيفَةِ: مَا يَجِبُ فِي الأَْرْضِ الْمُحْيَاةِ لِلدَّوْمَةِ مِنْ عُشْرٍ أَوْ خَرَاجٍ.
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الأَْرْضَ الْمُحْيَاةَ إِنْ كَانَتْ فِي أَرْضِ الْعُشْرِ أَدَّى عَنْهَا الْعُشْرَ، وَإِنْ كَانَتْ فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ أَدَّى عَنْهَا الْخَرَاجَ، وَإِنِ احْتَفَرَ فِيهَا بِئْرًا، أَوِ اسْتَنْبَطَ لَهَا قَنَاةً، كَانَتْ أَرْضَ عُشْرٍ، وَإِنْ أَحْيَاهَا ذِمِّيٌّ فَهِيَ خَرَاجِيَّةٌ كَيْفَمَا كَانَتْ. وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الأَْرْضَ الْمُحْيَاةَ فِيهَا الْخَرَاجُ مُطْلَقًا فُتِحَتْ عَنْوَةً أَوْ صُولِحَ أَهْلُهَا (62) .
الْمَعَادِنُ فِي أَرْضِ الْمَوَاتِ:
29 - الْمَعَادِنُ الَّتِي تُوجَدُ فِي الأَْرْضِ الْمُحْيَاةِ قِسْمَانِ: ظَاهِرَةٌ وَبَاطِنَةٌ. فَالظَّاهِرَةُ هِيَ الَّتِي يُتَوَصَّل إِلَيْهَا بِعَمَلٍ يَسِيرٍ، كَحَفْرِ مِقْدَارِ أُصْبُعٍ لأُِنْبُوبٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ كَالنِّفْطِ وَالْكِبْرِيتِ وَالْقَارِ وَالْكُحْل وَالْيَاقُوتِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ. وَالْحُكْمُ فِيهَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ أَنَّهَا لاَ تُمْلَكُ بِالإِْحْيَاءِ، وَلاَ يَجُوزُ إِقْطَاعُهَا لأَِحَدٍ مِنَ النَّاسِ، وَلاَ احْتِجَارُهَا دُونَ الْمُسْلِمِينَ؛ لأَِنَّ فِي ذَلِكَ ضَرَرًا بِهِمْ وَتَضْيِيقًا عَلَيْهِمْ، وَلأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَقْطَعَ أَبْيَضَ بْنَ حَمَّالٍ مَعْدِنَ الْمِلْحِ، فَلَمَّا قِيل لَهُ إِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَاءِ الْعِدِّ رَدَّهُ (63) .
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يَمْلِكُهَا الْمُحْيِي بِشَرْطِ عَدَمِ عِلْمِهِ بِوُجُودِهَا قَبْل الإِْحْيَاءِ، فَأَمَّا إِنْ عَلِمَهَا فَلاَ يَمْلِكُهَا، وَعَلَّلُوا مِلْكَهَا أَنَّهَا مِنْ أَجْزَاءِ الأَْرْضِ، وَقَدْ مَلَكَهَا بِالإِْحْيَاءِ، فَيَمْلِكُ الْمَعَادِنَ تَبَعًا.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهَا إِلَى الإِْمَامِ، يُعْطِيهَا لِمَنْ شَاءَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ بِأَرْضٍ غَيْرِ مَمْلُوكَةٍ، كَالْفَيَافِيِ أَوْ مَا جَلاَ عَنْهَا أَهْلُهَا وَلَوْ مُسْلِمِينَ، أَمْ مَمْلُوكَةً لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ، أَمْ لِمُعَيَّنٍ (1) .
أَمَّا الْمَعَادِنُ الْبَاطِنَةُ، وَهِيَ الَّتِي لاَ تَخْرُجُ إِلاَّ بِعَمَلٍ وَمَئُونَةٍ، كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ وَالرَّصَاصِ، فَهِيَ مِلْكٌ لِمَنِ اسْتَخْرَجَهَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ احْتِمَالٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ؛ لأَِنَّهَا مُسْتَخْرَجَةٌ مِنْ مَوَاتٍ لاَ يُنْتَفَعُ بِهِ إِلاَّ بِالْعَمَل وَالْمَئُونَةِ، فَيُمْلَكُ بِالإِْحْيَاءِ، كَالأَْرْضِ؛ وَلأَِنَّهُ بِإِظْهَارِ الْمَعَادِنِ أَمْكَنَ الاِنْتِفَاعُ بِالْمَوَاتِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إِلَى تَكْرَارِ ذَلِكَ الْعَمَل، فَأَشْبَهَ الأَْرْضَ إِذَا جَاءَهَا بِمَاءٍ أَوْ حَائِطٍ. وَوَجْهُ عَدَمِ الْمِلْكِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ الإِْحْيَاءَ الَّذِي يُمْلَكُ بِهِ هُوَ الْعِمَارَةُ الَّتِي تَهَيَّأَ بِهَا الْمُحْيَا لِلاِنْتِفَاعِ مِنْ غَيْرِ تَكْرَارِ عَمَلٍ، وَإِخْرَاجُ الْمَعَادِنِ حَفْرٌ وَتَخْرِيبٌ يَحْتَاجُ إِلَى تَكْرَارٍ عِنْدَ كُل انْتِفَاعٍ. وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ الْمَعَادِنَ الْبَاطِنَةَ كَالظَّاهِرَةِ أَمْرُهَا إِلَى الإِْمَامِ (2) . وَمَوَاطِنُ التَّفْصِيل فِي الْمُصْطَلَحَاتِ الْخَاصَّةِ.
__________
(1) القاموس والمصباح.
(2) متن الدر وحاشية ابن عابدين 5 / 277. ط الأميرية.
(3) مواهب الجليل 6 / 2 نشر مكتبة النجاح.
(4) البجيرمي على الخطيب 3 / 192 نشر دار المعرفة.
(5) المغني 5 / 563 ط الرياض.
(6) المصباح، وحاشية ابن عابدين 5 / 282 ط الأميرية، والفتاوى الهندية 5 / 386
(7) البهجة في شرح التحفة 2 / 254 ط الحلبي.
(8) المصباح
(9) المصباح
(10) المغني 5 / 578
(11) هامش مواهب الجليل 6 / 165 نشر مكتبة النجاح.
(12) حديث: " من أحيا أرضا ميتة فهي له " رواه الترمذي (4 / 630 ط السلفية) ، وعله الترمذي بالإرسال لكن له شاهد من حديث عائشة في البخاري (5 / 18 تلخيص الجيد ص 3 / 54)
(13) حديث: " من أحيا أرضا ميتة فهي له " رواه الترمذي (4 / 630 ط السلفية) ، وعله الترمذي بالإرسال لكن له شاهد من حديث عائشة في البخاري (5 / 18 تلخيص الجيد ص 3 / 54)
(14) ابن عابدين 5 / 278، والزيلعي 6 / 35، والحطاب 6 / 11 و 12، والإقناع على الخطيب 3 / 295، والمغني 5 / 566
(15) الشرح الخطيب 3 / 194 نشر دار المعرفة.
(16) الفتاوى الهندية 5 / 386، وابن عابدين 5 / 278، والتاج والإكليل بهامش الحطاب 6 / 2 نشر مكتبة النجاح، والخطيب 3 / 195 نشر دار المعرفة.
(17) اللجنة ترى وجاهة هذا الرأي لأنه يحقق المصلحة العامة.
(18) الرهوني على الزرقاني 7 / 98، 99
(19) البجيرمي على الخطيب 3 / 195، 196 ط دار المعرفة
(20) حديث: " لا حمى في الأراك " رواه أبو داود وابن حبان عن أبيض بن حمال، والحديث سكت عنه المنذري (عون المعبود 8 / 319، وانظر الفتح الكبير 3 / 343
(21) الأثر عن عمر ﵁ (أنه أباح الجزائر) هكذا ذكره ابن قدامة في المغني (5 / 576) ولم نجد له تخريجا في كتب الحديث والآثار.
(22) المغني 5 / 576 ط مكتبة الرياض.
(23) سبق تخريجه في حواشي فقرة 8
(24) حديث: " ليس للمرء إلا ما طابت به نفس إمامه " أخرجه الطبراني من حديث معاذ، وقد أخرجه إسحاق والطبراني في الكبير والأوسط بلفظ مختلف، وأخرجه البيهقي في المعرفة في باب إحياء الموات، وقال: هذا إسناد لا يحتج به (الدراية 2 / 244، 128)
(25) ابن عابدين 5 / 382 ط الأميرية، والزيلعي 6 / 35، والحطاب 6 / 11، 12 نشر مكتبة النجاح، والإقناع على الخطيب 3 / 195 ط دار المعرفة، والمغني 5 / 566 ط الرياض، والمنتقى شرح الموطأ 6 / 29 نشر مكتبة السعادة، والدسوقي 4 / 69
(26) الدر المختار بهامش ابن عابدين 5 / 382، خلافا للإطلاق في الفتاوى الهندية،وانظر الدسوقي 4 / 69 / 3 243 / 3
(27) كشاف القناع 4 / 158، ومطالب أولي النهى 4 / 180، شرح المنهاج للمحلي بهامش القليوبي وعميرة 3 / 90
(28) والأثر عن عمر رواه أبو يوسف في كتاب الخراج عن الحسن بن عمارة عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال عمر: من أحيا أرضا ميتة فهي له، وليس لمتحجر حق بعد ثلاث سنين، وإسناده واه (الدراية 2 / 245) وانظر ابن عابدين 5 / 282 ط بولاق، والفتاوى الهندية 5 / 386،387
(29) الرهوني 7 / 101 - 114، والدسوقي 4 / 70
(30) وحديث: " من أحيا أرضا ميتة ليست لأحد. . . " أخرجه البخاري وأحمد والنسائي (تلخيص الحبير 3 / 61)
(31) الإقناع بهامش بجيرمي على الخطيب 3 / 199. وقوله " في غير حق مسلم فهي له " رواه البيهقي في حديث كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف (تلخيص الحبير 3 / 62) ، وقال في التقريب (2 / 132) : كثير ضعيف من السابعة منهم من نسبه إلى الكذب.
(32) حديث: " من سبق إلى ما لم يسبق إليه. . . " رواه أبو داود في حديث أسحر بن مضرس (3 / 239 ط مصطفى محمد) ، قال البغوي: لا أعلم بهذا الإسناد غير هذا الحديث، وصححه الضياء في المختارة (التلخيص 3 / 63)
(33) أثر عمر " من كانت له أرض. . . " لم نجده بهذا اللفظ، وهو في الخراج لأبي يوسف (ص 61 ط السلفية) بلفظ " ثم تركها ثلاث سنين، فلم يعمرها، فعمرها قوم آخرون، فهم أحق بها. . . " وقال ابن حجر: رجاله ثقات (الدراية ص 245) / 3 244 / 3
(34) المغني 5 / 569،570 ط الرياض، والشرح الكبير الحنبلي 6 / 148، 168، وكشاف القناع 4 / 187،193 ط الرياض.
(35) الفتاوى الهندية 5 / 387 - 388
(36) التاج والإكليل بهامش الحطاب 6 / 3
(37) حاشية القليوبي مع عميرة 3 / 89،90 ط الحلبي.
(38) منتهى الإرادات 1 / 544 ط دار العروبة. واللجنة ترى أن هذه التقديرات راعى فيها المجتهدون الظروف الزمانية وأساليب العيش والمرافق التي كانت سائدة في عصورهم، وأن ما ذهب إليه المالكية والشافعية من اعتبار الضرر والتعويل على رأي أهل العلم في كل شيء بحسبه هو الأجدر بالاعتبار في هذا الزمن.
(39) المصباح
(40) حديث وائل بن حجر " أن رسول الله أقطعه أرضا. . " رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه، والبيهقي واللفظ له، وكذا رواه ابن حبان والطبراني (تلخيص الحبير 3 / 64) والسنن الكبرى للبيهقي (6 / 144) / 3 246 / 3
(41) المجموع 6 / 95، والجمل على شرح المنهج 3 / 564، والمغني 5 / 578، وحاشية القليوبي 3 / 79، وشرح العناية 9 / 4، ومنتهى الإرادات 1 / 544 - 545 ط دار العروبة. الرهوني 7 / 105، والهندية 5 / 386
(42) التاج والإكليل 6 / 3، 4 ط ليبيا.
(43) حديث " لا حمى إلا لله ولرسوله " رواه البخاري من حديث الصعب بن جثامة (تلخيص الحبير 2 / 280)
(44) النقيع موضع قرب المدينة بينه وبين المدينة عشرون فرسخا، وهو غير نقيع الخضمات (معجم البلدان 5 / 301)
(45) حديث ابن عمر حمى النبي النقيع أخرجه أحمد وابن حبان (تلخيص الحبير 2 / 281) قال ابن حجر في الفتح (5 / 45) في اسناده العمري، وهو ضعيف
(46) القليوبي وعميرة 3 / 92 ط الحلبي، والمغني 5 / 581
(47) الأثر في ذلك عن عمر ﵁ رواه البخاري (تعليق محمد حامد الفقي على الأموال لأبي عبيد ص 298 وما بعدها، وهو في الأموال أيضا) . وأما عن عثمان ﵁ فلم نجده إلا فيما رواه البيهقي (في السنن الكبرى 6 / 147) عن أبي أسيد الأنصاري. / 3 247 / 3
(48)
(49) الخراج لأبي يوسف ص 104 - 105 والمغني 5 / 580، والحطاب 6 / 4 ط ليبيا، والقليوبي وعميرة 3 / 92 ط الحلبي.
(50) شرح الهداية 9 / 5 ط الميمنية، وشرح الدر بهامش ابن عابدين 5 / 278 ط الأميرية، والتاج والإكليل على هامش الحطاب 6 / 12 ط ليبيا، والقليوبي وعميرة 3 / 88 ط الحلبي، والمغني 5 / 566 ط الرياض
(51) قليوبي وعميرة 3 / 88 / 3 248 / 3
(52) الخراج ص 63 بتصرف يسير.
(53) الهندية 5 / 386
(54) التاج والإكليل على هامش الحطاب 6 / 12، والدسوقي 4 / 69 - 70
(55) القليوبي وعميرة 3 / 90،91 ط الحلبي.
(56) حديث سمرة: " من أحاط. . . " رواه البيهقي من حديث كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف (تلخيص الحبير 3 / 62) وقال في التقريب (2 / 132) كثير ضعيف، من السابعة، منهم من نسبه إلى الكذب.
(57) المغني 5 / 590 - 592 ط الرياض.
(58) الفتاوى الهندية 5 / 386، والقليوبي وعميرة 3 / 88 ط الحلبي، والمغني 5 / 564 ط الرياض، والتاج والإكليل بهامش الحطاب 6 / 3، والرهوني 7 / 97
(59) الإقناع بهامش البجيرمي 3 / 112 ط دار المعرفة، والمغني 5 / 89 ط الرياض، والفتاوى الهندية 5 / 387، وحاشية ابن عابدين 5 / 383، والشرح الكبير بهامش الدسوقي 3 / 377 / 3 250 / 3
(60) الخراج ص 65، والمغني 5 / 590، والتاج والإكليل 6 / 12
(61) البجيرمي على الخطيب 3 / 198
(62) الخراج لأبي يوسف ص 65، والهندية 2 / 388، وحاشية الدسوقي 4 / 477، والبجيرمي على الخطيب 3 / 195، والأحكام السلطانية لأبي يعلى ص 195
(63) حديث أبيض بن حمال رواه أصحاب السنن الأربعة والشافعي وصححه ابن حبان وضعفه ابن القطان (تلخيص الحبير 3 / 64) ، والماء العد هو الذي له مادة لا تنقطع. / 3 251 / 3
الموسوعة الفقهية الكويتية: 238/ 2
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".