العفو
كلمة (عفو) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعول) وتعني الاتصاف بصفة...
إيصالُ ما يتَأَتَّى فيه المضغ إلى الجوف كالخبز، سواء مُضِغ، أو لا، بخلاف اللبن إذا وصل الجوف، فهو شُرْب لا أكْلٌ . ومن أمثلته لا يجوز تقليل الأكل بحيث يعجز المكلف عن أداء الفرائض .
إيصالُ ما يتَأَتَّى فيه المضغ إلى الجوف كالخبز، سواء مُضِغ، أو لا.
حُكْمُ الطَّعَامِ الْمَأْكُول ذَاتُهُ:
1 - إِنَّ بَيَانَ مَا يَحِل وَيَحْرُمُ مِنَ الأَْطْعِمَةِ وَمَعْرِفَتَهُمَا مِنْ مُهِمَّاتِ الدِّينِ. فَقَدْ وَرَدَ الْوَعِيدُ الشَّدِيدُ عَلَى أَكْل الْحَرَامِ، لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: كُل لَحْمٍ نَبَتَ مِنْ حَرَامٍ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ. (1)
وَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ أَشْيَاءَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِل لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَل السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأَْزْلاَمِ} (2) . وَنَحْوِهَا مِنَ الآْيَاتِ.
وَحُرِّمَتْ أَشْيَاءُ بِالسُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ كَمَا فِي قَوْل النَّبِيِّ ﷺ: كُل ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ فَأَكْلُهُ حَرَامٌ (3) وَسَكَتَ الشَّرْعُ عَنْ أَشْيَاءَ. وَيُرْجَعُ إِلَى إِيضَاحِ ذَلِكَ كُلِّهِ تَحْتَ عِنْوَانِ (أَطْعِمَة) .
صِفَةُ الأَْكْل بِالنِّسْبَةِ لِلآْكِل:
2 - إِنَّ الأَْكْل قَدْ يَكُونُ فَرْضًا، يُثَابُ الإِْنْسَانُ عَلَى فِعْلِهِ وَيُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ، وَذَلِكَ إِذَا كَانَ لِلْغِذَاءِ بِقَدْرِ مَا يَدْفَعُ عَنْهُ الْهَلاَكَ، لأَِنَّ الإِْنْسَانَ مَأْمُورٌ بِإِحْيَاءِ نَفْسِهِ وَعَدَمِ إِلْقَائِهَا إِلَى التَّهْلُكَةِ.
وَقَدْ يَكُونُ وَاجِبًا، وَذَلِكَ بِقَدْرِ مَا يَسْتَطِيعُ مَعَهُ أَدَاءُ الصَّلاَةِ الْمَفْرُوضَةِ عَلَيْهِ قَائِمًا، وَأَدَاءُ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ، لأَِنَّهُ مِنْ قَبِيل مَا لاَ يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلاَّ بِهِ.
وَمِنْهُ مَنْدُوبٌ، وَهُوَ مَا يُعِينُهُ عَلَى تَحْصِيل رِزْقِهِ وَتَحْصِيل الْعِلْمِ وَتَعَلُّمِهِ وَتَحْصِيل النَّوَافِل.
وَقَدْ يَكُونُ الأَْكْل مُبَاحًا يَجُوزُ لِلإِْنْسَانِ أَنْ يَتَنَاوَلَهُ، وَذَلِكَ إِلَى حَدِّ الشِّبَعِ الَّذِي لاَ يَضُرُّ مَعَهُ الاِمْتِلاَءُ.
وَقَدْ يَكُونُ حَرَامًا، وَهُوَ مَا فَوْقَ الشِّبَعِ، وَكُل طَعَامٍ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يُفْسِدُ مَعِدَتَهُ، لأَِنَّهُ إِسْرَافٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلاَ تُسْرِفُوا} (4) إِلاَّ إِذَا كَانَتِ الزِّيَادَةُ عَلَى الشِّبَعِ لاَ تَضُرُّهُ، وَقَصَدَ بِالأَْكْل الْقُوَّةَ عَلَى صَوْمِ الْغَدِ، أَوِ الزِّيَادَةَ فِي الطَّاعَاتِ، أَوْ لِئَلاَّ يَسْتَحْيِيَ الْحَاضِرُ مَعَهُ بَعْدَ إِتْمَامِ طَعَامِهِ. وَقَدْ قَال النَّبِيُّ ﷺ: مَا مَلأََ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ، بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أَكَلاَتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ كَانَ لاَ مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ، وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ، وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ. (5) وَمِنْ الأَْكْل مَا هُوَ مَكْرُوهٌ، وَهُوَ مَا زَادَ عَلَى الشِّبَعِ قَلِيلاً، فَإِنَّهُ يَتَضَرَّرُ بِهِ، (6) وَقَدْ قَال الْبَعْضُ: إِنَّ الآْكِل لاَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَقْصِدَ بِهِ التَّلَذُّذَ وَالتَّنَعُّمَ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَمَّ الْكَافِرِينَ بِأَكْلِهِمْ لِلتَّمَتُّعِ وَالتَّنَعُّمِ وَقَال: {وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُل الأَْنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ} . (7) وَقَال النَّبِيُّ ﵊ الْمُسْلِمُ يَأْكُل فِي مِعًى وَاحِدٍ، وَالْكَافِرُ يَأْكُل فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ. (8)
هَذَا، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلإِْنْسَانِ الأَْكْل بِقَصْدِ التَّمَتُّعِ وَالتَّلَذُّذِ بِمَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْنَا بِهِ، لِقَصْدِ التَّقَوِّي عَلَى أَعْمَال الْخَيْرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُل مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُل هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ} (9) وَأَمَّا الآْيَةُ الَّتِي احْتَجَّ بِهَا هَذَا الْقَائِل فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَنْعِي عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ يَتَمَتَّعُونَ بِالأَْطْعِمَةِ الَّتِي رَزَقَهُمُ اللَّهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُفَكِّرُوا فِي الْمُنْعِمِ، وَأَنْ يَشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ.
وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَلَيْسَ فِيهِ دَلاَلَةٌ عَلَى مَا احْتَجُّوا عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا فِيهِ النَّعْيُ عَلَى مَنْ أَكْثَرَ مِنَ الطَّعَامِ. حُكْمُ الأَْكْل مِنَ الأُْضْحِيَّةِ وَالْعَقِيقَةِ:
3 - يَتَّفِقُ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْمُضَحِّي أَنْ يَأْكُل مِنْ أُضْحِيَّتِهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا. . .} (10) وَهَذَا وَإِنْ كَانَ وَارِدًا فِي الْهَدْيِ إِلاَّ أَنَّ الْهَدْيَ وَالأُْضْحِيَّةَ مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ. وَلِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: إِذَا ضَحَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَأْكُل مِنْ أُضْحِيَّتِهِ وَيُطْعِمْ مِنْهَا غَيْرَهُ (11) وَلأَِنَّهُ ضَيْفُ اللَّهِ عَزَّ شَأْنُهُ فِي هَذِهِ الأَْيَّامِ، فَلَهُ أَنْ يَأْكُل مِنْ ضِيَافَةِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَيَتَّفِقُونَ كَذَلِكَ عَلَى أَنَّ لَهُ أَنْ يُطْعِمَ غَيْرَهُ مِنْهَا. (12)
وَهَذَا الاِتِّفَاقُ فِي الأُْضْحِيَّةِ الَّتِي لَمْ تَجِبْ. أَمَّا إِذَا وَجَبَتِ الأُْضْحِيَّةُ فَفِي حُكْمِ الأَْكْل مِنْهَا اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءِ.
وَوُجُوبُهَا يَكُونُ بِالنَّذْرِ أَوْ بِالتَّعْيِينِ، وَهِيَ وَاجِبَةٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مِنْ حَيْثُ الأَْصْل بِشَرْطِ الْغِنَى، وَلَوِ اشْتَرَاهَا الْفَقِيرُ مِنْ أَجْل التَّضْحِيَةِ وَجَبَتْ عَلَيْهِ.
فَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَالأَْصَحُّ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ - أَنَّ لَهُ أَنْ يَأْكُل مِنْهَا وَيُطْعِمَ غَيْرَهُ، لأَِنَّ النَّذْرَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَعْهُودِ، وَالْمَعْهُودُ مِنَ الأُْضْحِيَّةِ الشَّرْعِيَّةِ ذَبْحُهَا وَالأَْكْل مِنْهَا، وَالنَّذْرُ لاَ يُغَيِّرُ مِنْ صِفَةِ الْمَنْذُورِ إِلاَّ الإِْيجَابَ. وَعِنْدَ بَعْضِ الْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلاَمِ أَحْمَدَ: أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ الأَْكْل مِنَ الأُْضْحِيَّةِ الْمَنْذُورَةِ، بِنَاءً عَلَى الْهَدْيِ الْمَنْذُورِ، وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَفِي قَوْلٍ آخَرَ لِلشَّافِعِيَّةِ: إِنْ وَجَبَتِ الأُْضْحِيَّةُ بِنَذْرٍ مُطْلَقٍ جَازَ لَهُ الأَْكْل مِنْهَا. (13)
وَالْحُكْمُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ - كَمَا فَصَّلَهُ ابْنُ عَابِدِينَ - أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْغَنِيِّ الأَْكْل مِنَ الأُْضْحِيَّةِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ، كَمَا يَجُوزُ لَهُ الأَْكْل مِنَ الأُْضْحِيَّةِ الَّتِي نَذَرَهَا إِنْ قَصَدَ بِنَذْرِهِ الإِْخْبَارَ عَنِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ النَّذْرُ ابْتِدَاءً فَلاَ يَجُوزُ لَهُ الأَْكْل مِنْهَا. وَبِالنِّسْبَةِ لِلْفَقِيرِ إِذَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ بِالشِّرَاءِ، فَفِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ: لَهُ الأَْكْل مِنْهَا، وَفِي الْقَوْل الثَّانِي: لاَ يَجُوزُ لَهُ الأَْكْل مِنْهَا.
هَذَا مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَابِدِينَ تَوْضِيحًا لِمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ مِنْ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ الأَْكْل مِنَ الأُْضْحِيَّةِ الْمَنْذُورَةِ دُونَ تَفْصِيلٍ.
غَيْرَ أَنَّ الْكَاسَانِيَّ ذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّهُ يَجُوزُ بِالإِْجْمَاعِ - أَيْ عِنْدَ فُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ - الأَْكْل مِنَ الأُْضْحِيَّةِ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ نَفْلاً أَمْ وَاجِبَةً، مَنْذُورَةً كَانَتْ أَوْ وَاجِبَةً ابْتِدَاءً. (14)
4 - وَمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ أُضْحِيَّةٌ فَمَضَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ قَبْل أَنْ يَذْبَحَهَا، فَعِنْدَ الْجُمْهُورِ يَذْبَحُهَا قَضَاءً، وَيَصْنَعُ بِهَا مَا يَصْنَعُ بِالْمَذْبُوحِ فِي وَقْتِهِ، لأَِنَّ الذَّبْحَ أَحَدُ مَقْصُودَيِ الأُْضْحِيَّةِ فَلاَ يَسْقُطُ بِفَوَاتِ وَقْتِهِ. وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا حَيَّةً، وَلاَ يَأْكُل مِنْ لَحْمِهَا، لأَِنَّهُ انْتَقَل الْوَاجِبُ مِنْ إِرَاقَةِ الدَّمِ إِلَى التَّصَدُّقِ. (15)
وَإِذَا وَلَدَتِ الأُْضْحِيَّةُ قَبْل التَّضْحِيَةِ، فَحُكْمُ وَلَدِهَا فِي الأَْكْل مِنْهُ حُكْمُ الأُْمِّ، وَهَذَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ. وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: لاَ يَجُوزُ الأَْكْل مِنْهُ (16) .
وَمَنْ أَوْجَبَ أُضْحِيَّةً ثُمَّ مَاتَ قَامَ وَرَثَتُهُ مَقَامَهُ، فَيَجُوزُ لَهُمُ الأَْكْل مِنْهَا وَإِطْعَامُ غَيْرِهِمْ. وَهَذَا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: لاَ يَجُوزُ لَهُمُ الأَْكْل مِنْهَا، بَل سَبِيلُهَا التَّصَدُّقُ. (17)
5 - وَالْعَقِيقَةُ (وَهِيَ مَا يُذْبَحُ عَنِ الْمَوْلُودِ) حُكْمُهَا فِي اسْتِحْبَابِ الأَْكْل مِنْهَا، وَإِطْعَامِ الْغَيْرِ مِنْهَا حُكْمُ الأُْضْحِيَّةِ، إِلاَّ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ لاَ يَرَوْنَهَا وَاجِبَةً. (18)
وَقَدْ وَرَدَ فِي مَرَاسِيل أَبِي دَاوُدَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال فِي الْعَقِيقَةِ الَّتِي عَقَّتْهَا، فَاطِمَةُ عَنِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ: أَنْ يَبْعَثُوا إِلَى الْقَابِلَةِ بِرِجْلٍ، وَكُلُوا وَأَطْعِمُوا وَلاَ تَكْسِرُوا مِنْهَا عَظْمًا. (19)
حُكْمُ الأَْكْل مِنَ الْكَفَّارَاتِ وَالنُّذُورِ:
6 - يَتَّفِقُ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ إِطْعَامٌ فِي كَفَّارَةِ يَمِينٍ أَوْ ظِهَارٍ أَوْ إِفْطَارٍ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ أَوْ فِدْيَةِ الأَْذَى فِي الْحَجِّ فَإِنَّهُ لاَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْكُل مِنْهُ، لأَِنَّ الْكَفَّارَةَ تَكْفِيرٌ لِلذَّنْبِ. هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْمُكَفِّرِ. (20)
أَمَّا الْمُعْطَى - وَهُوَ الْمُسْتَحِقُّ - فَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: أَنَّهُ لاَ يَكْفِي إِبَاحَةُ الإِْطْعَامِ، وَإِنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْ تَمْلِيكِ الْمُسْتَحِقِّ، لأَِنَّ تَدَارُكَ الْجِنَايَةِ بِالإِْطْعَامِ أَشْبَهَ الْبَدَل، وَالْبَدَلِيَّةُ تَسْتَدْعِي تَمْلِيكَ الْبَدَل، وَلأَِنَّ الْمَنْقُول عَنِ الصَّحَابَةِ إِعْطَاؤُهُمْ، فَفِي قَوْل زَيْدٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ مُدًّا لِكُل مِسْكِينٍ (21) وَقَال النَّبِيُّ ﷺ لِكَعْبٍ فِي فِدْيَةِ الأَْذَى: أَطْعِمْ ثَلاَثَةَ آصُعٍ مِنْ تَمْرٍ بَيْنَ سِتَّةِ مَسَاكِينَ (22) وَلأَِنَّهُ مَالٌ وَجَبَ لِلْفُقَرَاءِ شَرْعًا فَوَجَبَ تَمْلِيكُهُمْ إِيَّاهُ كَالزَّكَاةِ. وَعَلَى ذَلِكَ فَلاَ يُجْزِئُ أَنْ يُغَدِّيَهُمْ وَيُعَشِّيَهُمْ، لأَِنَّ ذَلِكَ يُعْتَبَرُ إِبَاحَةً لاَ تَمْلِيكًا. (23)
وَالأَْصْل عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ هُوَ التَّمْلِيكُ، وَخَاصَّةً فِي كَفَّارَتَيِ الظِّهَارِ وَفِدْيَةِ الأَْذَى، لِقَوْل الإِْمَامِ مَالِكٍ: لاَ أُحِبُّ الْغَدَاءَ وَالْعَشَاءَ لِلْمَسَاكِينِ، حَتَّى حَمَل أَبُو الْحَسَنِ كَلاَمَ الإِْمَامِ عَلَى الْكَرَاهَةِ، وَحَمَلَهُ ابْنُ نَاجِي عَلَى التَّحْرِيمِ.
وَالْعِلَّةُ فِي التَّمْلِيكِ هُوَ خَشْيَةُ أَلاَّ يَبْلُغَ مَا يَأْكُلُهُ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ مِقْدَارَ الْوَاجِبِ إِخْرَاجُهُ، وَلِذَلِكَ قَال مَالِكٌ: لاَ أَظُنُّهُ (الْغَدَاءَ وَالْعَشَاءَ) يَبْلُغُ ذَلِكَ (الْمِقْدَارَ الْوَاجِبَ إِخْرَاجُهُ) وَمِنْ هُنَا قَال الدَّرْدِيرُ: فَلَوْ تَحَقَّقَ بُلُوغُهُ أَجْزَأَ.
وَفِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ يُجْزِئُ شِبَعُهُمْ مَرَّتَيْنِ.
وَإِجْزَاءُ الإِْطْعَامِ بِغَدَاءٍ وَعَشَاءٍ إِنْ بَلَغَ مِقْدَارَ الْوَاجِبِ لَهُمْ هُوَ رِوَايَةٌ عَنِ الإِْمَامِ أَحْمَدَ، لأَِنَّهُ أَطْعَمَ الْمَسَاكِينَ، فَأَجْزَأَهُ كَمَا لَوْ مَلَّكَهُمْ. (24)
وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ التَّمْلِيكَ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِجَوَازِ الإِْطْعَامِ بَل الشَّرْطُ هُوَ التَّمْكِينُ. وَإِنَّمَا يَجُوزُ التَّمْلِيكُ مِنْ حَيْثُ هُوَ تَمْكِينٌ، لاَ مِنْ حَيْثُ هُوَ تَمْلِيكٌ، لأَِنَّ النَّصَّ وَرَدَ بِلَفْظِ الإِْطْعَامِ {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} (25) وَالإِْطْعَامُ فِي مُتَعَارَفِ اللُّغَةِ اسْمٌ لِلتَّمْكِينِ مِنَ الْمَطْعَمِ لاَ التَّمْلِيكِ، وَإِنَّمَا يُطْعِمُونَ عَلَى سَبِيل الإِْبَاحَةِ دُونَ التَّمْلِيكِ (26) .
وَفِي النَّذْرِ لاَ يَجُوزُ لِلنَّاذِرِ الأَْكْل مِنْ نَذْرِهِ، لأَِنَّهُ صَدَقَةٌ، وَلاَ يَجُوزُ الأَْكْل مِنَ الصَّدَقَةِ، وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ، لأَِنَّ الأُْضْحِيَّةَ الْمَنْذُورَةَ فِيهَا خِلاَفٌ عَلَى مَا سَبَقَ بَيَانُهُ. وَكَذَلِكَ النَّذْرُ الْمُطْلَقُ الَّذِي لَمْ يُعَيَّنْ لِلْمَسَاكِينِ - لاَ بِلَفْظٍ وَلاَ بِنِيَّةٍ - يَجُوزُ الأَْكْل مِنْهُ، عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ.
وَبِالنِّسْبَةِ لِلْمَنْذُورِ لَهُ فَذَلِكَ يَكُونُ بِحَسَبِ كَيْفِيَّةِ النَّذْرِ، فَمَنْ نَذَرَ إِطْعَامَ الْمَسَاكِينِ أَطْعَمَهُمْ، وَمَنْ نَذَرَ عَلَى سَبِيل التَّمْلِيكِ مَلَّكَهُ لَهُمْ. (27) وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي (كَفَّارَة) (وَنَذْر) .
الأَْكْل مِنَ الْوَلِيمَةِ وَالأَْكْل مَعَ الضَّيْفِ:
7 - مَنْ دُعِيَ إِلَى طَعَامِ الْوَلِيمَةِ - وَهِيَ طَعَامُ الْعُرْسِ - فَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ الأَْكْل، وَهَذَا بِاتِّفَاقٍ فِي الْجُمْلَةِ، لِخَبَرِ مُسْلِمٍ: إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى طَعَامٍ فَلْيُجِبْ، فَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَل. وَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَطْعَمْ (28) أَيْ فَلْيَدْعُ بِالْبَرَكَةِ.
وَوَقَعَ لِلنَّوَوِيِّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ تَصْحِيحُ وُجُوبِ الأَْكْل. وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ.
وَإِنْ كَانَ صَائِمًا تَطَوُّعًا، فَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ يُسْتَحَبُّ لَهُ الأَْكْل، وَإِفْطَارُهُ لِجَبْرِ خَاطِرِ الدَّاعِي أَفْضَل مِنْ إِمْسَاكِهِ وَلَوْ آخِرَ النَّهَارِ، لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ صَنَعَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ طَعَامًا فَدَعَا النَّبِيَّ ﷺ وَأَصْحَابَهُ فَقَال رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: إِنِّي صَائِمٌ، فَقَال لَهُ رَسُول اللَّهِ ﷺ صَنَعَ لَكَ أَخُوكَ وَتَكَلَّفَ لَكَ أَخُوكَ أَفْطِرْ وَصُمْ يَوْمًا مَكَانَهُ (29) . وَلأَِنَّ فِي الأَْكْل إِجَابَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ وَإِدْخَال السُّرُورِ عَلَى قَلْبِهِ. وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ يَكْتَفِي الصَّائِمُ بِالدُّعَاءِ لِصَاحِبِ الْوَلِيمَةِ (30) ، وَمَنْ أَضَافَ أَحَدًا وَقَدَّمَ لَهُ الطَّعَامَ فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْكُل صَاحِبُ الطَّعَامِ مَعَ ضَيْفِهِ، وَأَلاَّ يَقُومَ عَنِ الطَّعَامِ وَغَيْرُهُ يَأْكُل، مَا دَامَ يَظُنُّ بِهِ حَاجَةً إِلَى الأَْكْل، قَال الإِْمَامُ أَحْمَدُ (31) : يَأْكُل بِالسُّرُورِ مَعَ الإِْخْوَانِ، وَبِالإِْيثَارِ مَعَ الْفُقَرَاءِ، وَبِالْمُرُوءَةِ مَعَ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا.
آدَابُ الأَْكْل:
أ - آدَابُ مَا قَبْل الأَْكْل:
8 - أَوَّلاً: مِنْ آدَابِ الأَْكْل السُّؤَال عَنِ الطَّعَامِ إِذَا كَانَ ضَيْفًا عَلَى أَحَدٍ وَلاَ يَعْرِفُهُ، وَلاَ يَطْمَئِنُّ إِلَى مَا قَدْ يُقَدِّمُهُ إِلَيْهِ. فَقَدْ كَانَ الرَّسُول ﷺ لاَ يَأْكُل طَعَامًا حَتَّى يُحَدَّثَ أَوْ يُسَمَّى لَهُ فَيَعْرِفَ مَا هُوَ، فَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ أَنَّهُ دَخَل مَعَ رَسُول اللَّهِ ﷺ عَلَى مَيْمُونَةَ، وَهِيَ خَالَتُهُ وَخَالَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَوَجَدَ عِنْدَهَا ضَبًّا مَحْنُوذًا قَدِمَتْ بِهِ أُخْتُهَا حَفِيدَةُ ابْنِ الْحَارِثِ مِنْ نَجْدٍ فَقَدَّمَتِ الضَّبَّ لِرَسُول اللَّهِ ﷺ وَكَانَ قَلَّمَا يُقَدِّمُ يَدَهُ لِطَعَامٍ حَتَّى يُحَدَّثَ بِهِ وَيُسَمَّى لَهُ، وَأَهْوَى رَسُول اللَّهِ ﷺ يَدَهُ إِلَى الضَّبِّ فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنَ النِّسْوَةِ الْحُضُورِ: أَخْبِرْنَ رَسُول اللَّهِ ﷺ: أَنَّ مَا قَدَّمْتُنَّ لَهُ هُوَ الضَّبُّ يَا رَسُول اللَّهِ، فَرَفَعَ رَسُول اللَّهِ يَدَهُ عَنِ الضَّبِّ، قَال خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ: أَحَرَامٌ الضَّبُّ يَا رَسُول اللَّهِ؟ قَال: لاَ، وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ، قَال خَالِدٌ: فَاجْتَرَرْتُهُ فَأَكَلْتُهُ وَرَسُول اللَّهِ ﷺ يَنْظُرُ إِلَيَّ (32) . وَشَرَحَهُ الزَّرْكَشِيُّ فَقَال: قَال ابْنُ التِّينِ: إِنَّمَا كَانَ يَسْأَل، لأَِنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ لاَ تَعَافُ شَيْئًا مِنَ الْمَآكِل لِقِلَّتِهَا عِنْدَهُمْ، وَكَانَ هُوَ ﷺ قَدْ يَعَافُ بَعْضَ الشَّيْءِ، فَلِذَلِكَ كَانَ يَسْأَل. وَيَحْتَمِل أَنَّهُ كَانَ يَسْأَل لأَِنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِتَحْرِيمِ بَعْضِ الْحَيَوَانَاتِ وَإِبَاحَةِ بَعْضِهَا، وَكَانُوا لاَ يُحَرِّمُونَ مِنْهَا شَيْئًا، وَرُبَّمَا أَتَوْا بِهِ مَشْوِيًّا أَوْ مَطْبُوخًا فَلاَ يَتَمَيَّزُ مِنْ غَيْرِهِ إِلاَّ بِالسُّؤَال عَنْهُ.
ثَانِيًا: الْمُبَادَرَةُ إِلَى الأَْكْل إِذَا قُدِّمَ إِلَيْهِ الطَّعَامُ مِنْ مُضِيفِهِ:
9 - فَإِنَّ مِنْ كَرَامَةِ الضَّيْفِ تَعْجِيل التَّقْدِيمِ لَهُ، وَمِنْ كَرَامَةِ صَاحِبِ الْمَنْزِل الْمُبَادَرَةُ إِلَى قَبُول طَعَامِهِ وَالأَْكْل مِنْهُ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا رَأَوُا الضَّيْفَ لاَ يَأْكُل ظَنُّوا بِهِ شَرًّا، فَعَلَى الضَّيْفِ أَنْ يُهَدِّئَ خَاطِرَ مُضِيفِهِ بِالْمُبَادَرَةِ إِلَى طَعَامِهِ، فَإِنَّ فِي ذَلِكَ اطْمِئْنَانًا لِقَلْبِهِ (33) .
ثَالِثًا: غَسْل الْيَدَيْنِ قَبْل الطَّعَامِ:
10 - يُسْتَحَبُّ غَسْل الْيَدَيْنِ قَبْل الطَّعَامِ، لِيَأْكُل بِهَا وَهُمَا نَظِيفَتَانِ، لِئَلاَّ يَضُرَّ نَفْسَهُ بِمَا قَدْ يَكُونُ عَلَيْهِمَا مِنَ الْوَسَخِ. وَقِيل: إِنَّ ذَلِكَ لِنَفْيِ الْفَقْرِ، لِمَا فِي الْحَدِيثِ: الْوُضُوءُ قَبْل الطَّعَامِ يَنْفِي الْفَقْرَ (34) .
رَابِعًا: التَّسْمِيَةُ قَبْل الأَْكْل:
11 - يُسْتَحَبُّ التَّسْمِيَةُ قَبْل الأَْكْل، وَالْمُرَادُ بِالتَّسْمِيَةِ عَلَى الطَّعَامِ قَوْل " بِاسْمِ اللَّهِ " فِي ابْتِدَاءِ الأَْكْل، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: إِذَا أَكَل أَحَدُكُمْ طَعَامًا فَلْيَقُل: بِاسْمِ اللَّهِ، فَإِنْ نَسِيَ فِي أَوَّلِهِ فَلْيَقُل: بِاسْمِ اللَّهِ فِي أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ (35) وَيَرَى النَّوَوِيُّ أَنَّ الأَْفْضَل أَنْ يَقُول الْمَرْءُ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فَإِنْ قَال:
بِاسْمِ اللَّهِ كَفَاهُ وَحَصَلَتِ السُّنَّةُ، لِمَا رَوَى عُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ قَال: كُنْتُ غُلاَمًا فِي حِجْرِ رَسُول اللَّهِ ﷺ وَكَانَتْ يَدَيَّ تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ، فَقَال لِي رَسُول اللَّهِ ﷺ: يَا غُلاَمُ، سَمِّ اللَّهَ، وَكُل بِيَمِينِكَ، وَكُل مِمَّا يَلِيكَ (36) . خَامِسًا: آدَابُ الأَْكْل أَثْنَاءَ الطَّعَامِ وَبَعْدَهُ:
أ - الأَْكْل بِالْيَمِينِ:
12 - يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَأْكُل بِيَمِينِهِ وَلاَ يَأْكُل بِشِمَالِهِ، فَقَدْ رَوَتْ عَائِشَةُ ﵂: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ فِي تَنَعُّلِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَطُهُورِهِ فِي شَأْنِهِ كُلِّهِ (37) .
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: لاَ يَأْكُلَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ بِشِمَالِهِ، وَلاَ يَشْرَبَنَّ بِهَا، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُل بِشِمَالِهِ وَيَشْرَبُ بِهَا (38) .
وَهَذَا إِنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ، فَإِنْ كَانَ عُذْرٌ يَمْنَعُ الأَْكْل أَوِ الشُّرْبَ بِالْيَمِينِ مِنْ مَرَضٍ أَوْ جِرَاحَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَلاَ كَرَاهَةَ فِي الشِّمَال.
وَالْحَدِيثُ يُشِيرُ إِلَى أَنَّ الإِْنْسَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَتَجَنَّبَ الأَْفْعَال الَّتِي تُشْبِهُ أَفْعَال الشَّيْطَانِ (39) .
ب - الأَْكْل مِمَّا يَلِيهِ:
13 - يُسَنُّ أَنْ يَأْكُل الإِْنْسَانُ مِمَّا يَلِيهِ فِي الطَّعَامِ مُبَاشَرَةً، وَلاَ تَمْتَدُّ يَدُهُ إِلَى مَا يَلِي الآْخَرِينَ، وَلاَ إِلَى وَسَطِ الطَّعَامِ، لأَِنَّ أَكْل الْمَرْءِ مِنْ مَوْضِعِ صَاحِبِهِ سُوءُ عِشْرَةٍ وَتَرْكُ مُرُوءَةٍ، وَقَدْ يَتَقَذَّرُهُ صَاحِبُهُ لاَ سِيَّمَا فِي الأَْمْرَاقِ وَمَا شَابَهَهَا، وَذَلِكَ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: إِنَّ الْبَرَكَةَ تَنْزِل وَسَطَ الطَّعَامِ، فَكُلُوا مِنْ حَافَّتَيْهِ وَلاَ تَأْكُلُوا مِنْ وَسَطِهِ (40) . وَكَذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ قَال: كُنْتُ غُلاَمًا فِي حِجْرِ النَّبِيِّ ﷺ وَكَانَتْ يَدَيَّ تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ، فَقَال لِي: يَا غُلاَمُ سَمِّ اللَّهَ وَكُل بِيَمِينِكَ وَكُل مِمَّا يَلِيكَ، قَال: فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طُعْمَتِي بَعْدُ (41) .
إِلاَّ أَنَّهُ إِنْ كَانَ الطَّعَامُ تَمْرًا أَوْ أَجْنَاسًا فَقَدْ نَقَلُوا إِبَاحَةَ اخْتِلاَفِ الأَْيْدِي فِي الطَّبَقِ وَنَحْوِهِ (42) .
ج - غَسْل الْيَدِ بَعْدَ الطَّعَامِ:
14 - تَحْصُل السُّنَّةُ بِمُجَرَّدِ الْغَسْل بِالْمَاءِ، قَال ابْنُ رَسْلاَنَ: وَالأَْوْلَى غَسْل الْيَدِ بِالأُْشْنَانِ أَوِ الصَّابُونِ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُمَا. فَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَنَسٍ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: إِنَّ الشَّيْطَانَ حَسَّاسٌ لَحَّاسٌ، فَاحْذَرُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، مَنْ بَاتَ وَفِي يَدِهِ غُمَرٌ فَأَصَابَهُ شَيْءٌ فَلاَ يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ (43)
هَذَا وَالْغَسْل مُسْتَحَبٌّ قَبْل الأَْكْل وَبَعْدَهُ، وَلَوْ كَانَ الشَّخْصُ عَلَى وُضُوءٍ. وَرَوَى سَلْمَانُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَال: بَرَكَةُ الطَّعَامِ الْوُضُوءُ قَبْلَهُ، وَالْوُضُوءُ بَعْدَهُ (44) ، قَال الطِّيبِيُّ: الْمُرَادُ بِالْوُضُوءِ تَنْظِيفُ الْيَدِ بِغَسْلِهَا، وَلَيْسَ الْوُضُوءَ الشَّرْعِيَّ (45) .
د - الْمَضْمَضَةُ بَعْدَ الطَّعَامِ:
15 - الْمَضْمَضَةُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الطَّعَامِ مُسْتَحَبَّةٌ (46) ، لِمَا رَوَى بَشِيرُ بْنُ يَسَارٍ عَنْ سُوَيْدِ بْنِ النُّعْمَانِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُمْ كَانُوا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ بِالصَّهْبَاءِ - وَهِيَ عَلَى رَوْحَةٍ مِنْ خَيْبَرَ - فَحَضَرَتِ الصَّلاَةُ، فَدَعَا بِطَعَامٍ فَلَمْ يَجِدْهُ إِلاَّ سَوِيقًا فَلاَكَ مِنْهُ، فَلُكْنَا مَعَهُ ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَمَضْمَضَ، ثُمَّ صَلَّى وَصَلَّيْنَا وَلَمْ يَتَوَضَّأْ (47) .
هـ - الدُّعَاءُ لِلْمُضِيفِ:
16 - فَقَدْ رَوَى أَنَسٌ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ جَاءَ إِلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فَجَاءَ بِخُبْزٍ وَزَيْتٍ فَأَكَل، ثُمَّ قَال النَّبِيُّ ﷺ: أَفْطَرَ عِنْدَكُمُ الصَّائِمُونَ، وَأَكَل طَعَامَكُمُ الأَْبْرَارُ، وَصَلَّتْ عَلَيْكُمُ الْمَلاَئِكَةُ (48) . وَعَنْ جَابِرٍ قَال صَنَعَ أَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ النَّبْهَانِ لِلنَّبِيِّ ﷺ طَعَامًا فَدَعَا النَّبِيَّ ﷺ وَأَصْحَابَهُ، فَلَمَّا فَرَغُوا قَال: أَثِيبُوا أَخَاكُمْ، قَالُوا: يَا رَسُول اللَّهِ وَمَا إِثَابَتُهُ؟ قَال: إِنَّ الرَّجُل إِذَا دَخَل بَيْتَهُ فَأَكَل طَعَامَهُ وَشَرِبَ شَرَابَهُ فَدَعَوْا لَهُ، فَذَلِكَ إِثَابَتُهُ (49)
- و - الأَْكْل بِثَلاَثَةِ أَصَابِعَ:
17 - السُّنَّةُ الأَْكْل بِثَلاَثَةِ أَصَابِعَ، قَال عِيَاضٌ: وَالأَْكْل بِأَكْثَرَ مِنْهَا مِنَ الشَّرَهِ وَسُوءِ الأَْدَبِ، وَلأَِنَّهُ غَيْرُ مُضْطَرٍّ لِذَلِكَ لِجَمْعِهِ اللُّقْمَةَ وَإِمْسَاكِهَا مِنْ جِهَاتِهَا الثَّلاَثِ: وَإِنِ اضْطُرَّ إِلَى الأَْكْل بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثَةِ أَصَابِعَ، لِخِفَّةِ الطَّعَامِ وَعَدَمِ تَلْفِيقِهِ بِالثَّلاَثِ يَدْعَمُهُ بِالرَّابِعَةِ أَوِ الْخَامِسَةِ (50) . هَذَا إِنْ أَكَل بِيَدِهِ، وَلاَ بَأْسَ بِاسْتِعْمَال الْمِلْعَقَةِ وَنَحْوِهَا كَمَا يَأْتِي.
ز - أَكْل اللُّقْمَةِ السَّاقِطَةِ:
18 - إِذَا وَقَعَتِ اللُّقْمَةُ فَلْيُمِطِ الآْكِل عَنْهَا الأَْذَى وَلْيَأْكُلْهَا وَلاَ يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ، لأَِنَّهُ لاَ يَدْرِي مَوْضِعَ الْبَرَكَةِ فِي طَعَامِهِ، وَقَدْ يَكُونُ فِي هَذِهِ اللُّقْمَةِ السَّاقِطَةِ، فَتَرْكُهَا يُفَوِّتُ عَلَى الْمَرْءِ بَرَكَةَ الطَّعَامِ (51) ، لِمَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ ﵁ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ إِذَا طَعِمَ طَعَامًا لَعِقَ أَصَابِعَهُ الثَّلاَثَ، وَقَال: وَإِذَا سَقَطَتْ لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيُمِطْ عَنْهَا الأَْذَى وَلْيَأْكُلْهَا، وَلاَ يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ (52) .
ج - عَدَمُ الاِتِّكَاءِ أَثْنَاءَ الأَْكْل:
19 - وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ ﷺ أَمَّا أَنَا فَلاَ آكُل مُتَّكِئًا (53) قَال الْخَطَّابِيُّ: الْمُتَّكِئُ هُنَا الْجَالِسُ مُعْتَمِدًا عَلَى وِطَاءٍ تَحْتَهُ، كَقُعُودِ مَنْ يُرِيدُ الإِْكْثَارَ مِنَ الطَّعَامِ. وَسَبَبُ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ قِصَّةُ الأَْعْرَابِيِّ الْمَذْكُورِ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ قَال: أُهْدِيَتْ لِلنَّبِيِّ ﷺ شَاةٌ، فَجَثَا رَسُول اللَّهِ ﷺ عَلَى رُكْبَتَيْهِ يَأْكُل، فَقَال أَعْرَابِيٌّ: مَا هَذِهِ الْجِلْسَةُ؟ فَقَال: إِنَّ اللَّهَ جَعَلَنِي عَبْدًا كَرِيمًا، وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا عَنِيدًا. . . (54)
وَاخْتُلِفَ فِي صِفَةِ الاِتِّكَاءِ، لَكِنَّ مُرَادَهُمْ أَنَّ الإِْكْثَارَ مِنَ الطَّعَامِ مَذْمُومٌ، وَمُرَادُهُ ﷺ ذَمُّ فِعْل مَنْ يَسْتَكْثِرُ الطَّعَامَ، وَمَدْحُ مَنْ لاَ يَأْكُل إِلاَّ الْبُلْغَةَ مِنَ الزَّادِ، وَلِذَلِكَ قَعَدَ مُسْتَوْفِزًا (55) .
ط - التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْحَاضِرِينَ عَلَى الطَّعَامِ:
20 - فَقَدْ رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ أَتَى بَعْضَ حُجَرِ نِسَائِهِ، فَدَخَل، ثُمَّ أَذِنَ لِي فَدَخَلْتُ الْحِجَابَ عَلَيْهَا، فَقَال: هَل مِنْ غَدَاءٍ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ. فَأُتِيَ بِثَلاَثَةِ أَقْرِصَةٍ فَوُضِعْنَ عَلَى نَبِيٍّ (مَائِدَةٍ مِنْ خُوصٍ) فَأَخَذَ رَسُول اللَّهِ ﷺ قُرْصًا فَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَأَخَذَ قُرْصًا آخَرَ فَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيَّ، ثُمَّ أَخَذَ الثَّالِثَ فَكَسَرَهُ اثْنَيْنِ، فَحَمَل نِصْفَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَنِصْفَهُ بَيْنَ يَدَيَّ، ثُمَّ قَال: هَل مِنْ أُدْمٍ؟ قَالُوا: لاَ، إِلاَّ شَيْءٌ مِنْ خَلٍّ، قَال: هَاتُوهُ، فَنِعْمَ الأُْدْمُ هُوَ (56) . وَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْحَاضِرِينَ عَلَى الطَّعَامِ مُسْتَحَبَّةٌ، حَتَّى لَوْ كَانَ بَعْضُ الْحَاضِرِينَ أَفْضَل مِنْ بَعْضٍ (57) .
هَذَا وَمِنْ آدَابِ الأَْكْل أَثْنَاءَ الطَّعَامِ إِكْرَامُ الْخُبْزِ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: أَكْرِمُوا الْخُبْزَ (58) ، وَعَدَمُ الْبُصَاقِ وَالْمُخَاطِ حَال الأَْكْل إِلاَّ لِضَرُورَةٍ. وَمِنْ آدَابِهِ كَذَلِكَ الأَْكْل مَعَ الْجَمَاعَةِ، وَالْحَدِيثُ غَيْرُ الْمُحَرَّمِ عَلَى الطَّعَامِ، وَمُؤَاكَلَةُ صِغَارِهِ وَزَوْجَاتِهِ، وَأَلاَّ يَخُصَّ نَفْسَهُ بِطَعَامٍ إِلاَّ لِعُذْرٍ كَدَوَاءٍ، بَل يُؤْثِرُهُمْ عَلَى نَفْسِهِ فَاخِرَ الطَّعَامِ، كَقِطْعَةِ لَحْمٍ وَخُبْزٍ لَيِّنٍ أَوْ طَيِّبٍ. وَإِذَا فَرَغَ ضَيْفُهُ مِنَ الطَّعَامِ وَرَفَعَ يَدَهُ قَال صَاحِبُ الطَّعَامِ: كُل، وَيُكَرِّرُهَا عَلَيْهِ مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ أَنَّهُ اكْتَفَى مِنْهُ، وَلاَ يَزِيدُ عَلَى ثَلاَثِ مَرَّاتٍ، وَأَنْ يَتَخَلَّل، وَلاَ يَبْتَلِعَ مَا يَخْرُجُ مِنْ أَسْنَانِهِ بِالْخِلاَل بَل يَرْمِيهِ (59) .
آدَابُ الأَْكْل بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ:
22 - يُسَنُّ أَنْ يَقُول الآْكِل مَا وَرَدَ مِنْ حَمْدِ اللَّهِ وَالدُّعَاءِ بَعْدَ تَمَامِ الأَْكْل، فَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا رَفَعَ مَائِدَتَهُ قَال: " الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ غَيْرَ مَكْفِيٍّ (60) وَلاَ مُوَدَّعٍ وَلاَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ رَبَّنَا " (61) وَقَدْ كَانَ الرَّسُول ﷺ إِذَا أَكَل طَعَامًا غَيْرَ اللَّبَنِ قَال: " اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ، وَأَطْعِمْنَا خَيْرًا مِنْهُ " وَإِذَا شَرِبَ لَبَنًا قَال: " اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ، وَزِدْنَا مِنْهُ " (62) .
وَقَدْ رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ ﵄ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَال: " مَنْ أَطْعَمَهُ اللَّهُ طَعَامًا فَلْيَقُل: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ وَأَطْعِمْنَا خَيْرًا مِنْهُ، وَمَنْ سَقَاهُ اللَّهُ لَبَنًا فَلْيَقُل: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ وَزِدْنَا مِنْهُ " (63) . آدَابٌ عَامَّةٌ فِي الأَْكْل:
أ - عَدَمُ ذَمِّ الطَّعَامِ:
23 - رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ ﵁ قَال: مَا عَابَ النَّبِيُّ ﷺ طَعَامًا قَطُّ، إِنِ اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ، وَإِنْ كَرِهَهُ تَرَكَهُ (64) وَالْمُرَادُ الطَّعَامُ الْمُبَاحُ، أَمَّا الْحَرَامُ فَكَانَ يَعِيبُهُ وَيَذُمُّهُ وَيَنْهَى عَنْهُ.
وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ إِنْ كَانَ الْعَيْبُ مِنْ جِهَةِ الْخِلْقَةِ كُرِهَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ جِهَةِ الصَّنْعَةِ لَمْ يُكْرَهْ، لأَِنَّ صَنْعَةَ اللَّهِ لاَ تُعَابُ وَصَنْعَةَ الآْدَمِيِّينَ تُعَابُ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ التَّعْمِيمُ، فَإِنَّ فِيهِ كَسْرَ قَلْبِ الصَّانِعِ.
قَال النَّوَوِيُّ: مِنْ آدَابِ الطَّعَامِ الْمُتَأَكِّدَةِ أَلاَّ يُعَابَ كَقَوْلِهِ: مَالِحٌ، حَامِضٌ، قَلِيل الْمِلْحِ، غَلِيظٌ، رَقِيقٌ، غَيْرُ نَاضِجٍ، وَغَيْرُ ذَلِكَ - قَال ابْنُ بَطَّالٍ: هَذَا مِنْ حَسَنِ الآْدَابِ، لأَِنَّ الْمَرْءَ قَدْ لاَ يَشْتَهِي الشَّيْءَ وَيَشْتَهِيهِ غَيْرُهُ، وَكُل مَأْذُونٍ فِي أَكْلِهِ مِنْ قِبَل الشَّرْعِ لَيْسَ فِيهِ عَيْبٌ (65) . ب - اسْتِعْمَال الْمَلاَعِقِ وَالسَّكَاكِينِ وَأَدَوَاتِ الطَّعَامِ:
24 - يَجُوزُ اسْتِعْمَال السِّكِّينِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ، لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ ﷺ يَحْتَزُّ مِنْ كَتِفِ شَاةٍ فِي يَدِهِ، فَدُعِيَ إِلَى الصَّلاَةِ، فَأَلْقَاهَا وَالسِّكِّينَ الَّتِي يَحْتَزُّ بِهَا، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ (66) .
وَأَمَّا خَبَرُ لاَ تَقْطَعُوا اللَّحْمَ بِالسِّكِّينِ (67) فَقَدْ سُئِل عَنْهُ الإِْمَامُ أَحْمَدُ فَقَال: لَيْسَ بِصَحِيحٍ. وَقَال ابْنُ مُفْلِحٍ: أَمَّا تَقْطِيعُ الْخُبْزِ بِالسِّكِّينِ فَلَمْ أَجِدْ فِيهِ كَلاَمًا (68) .
- ج - تَحَرِّي الأَْكْل مِنَ الْحَلاَل:
25 - قَال اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِل إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (69) .
وَقَال النَّبِيُّ ﷺ: لاَ يَحْلُبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ امْرِئٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تُؤْتَى مَشْرَبَتُهُ (70) ، فَتُكْسَرَ خِزَانَتُهُ، فَيَنْتَقِل طَعَامُهُ، فَإِنَّمَا تُخَزِّنُ لَهُمْ ضُرُوعُ مَاشِيَتِهِمْ أَطْعِمَاتِهِمْ، فَلاَ يَحْلُبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِهِ (71)
قَال الشَّافِعِيُّ ﵀: أَصْل الْمَأْكُول وَالْمَشْرُوبِ إِذَا لَمْ يَكُنْ لِمَالِكٍ مِنَ الآْدَمِيِّينَ، أَوْ أَحَلَّهُ مَالِكُهُ، أَنَّهُ حَلاَلٌ إِلاَّ مَا حَرَّمَ اللَّهُ ﷿ فِي كِتَابِهِ أَوْ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ ﷺ فَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُول اللَّهِ ﷺ لَزِمَ فِي كِتَابِ اللَّهِ ﷿ أَنْ يُحَرَّمَ. وَيَحْرُمُ مَا لَمْ يَخْتَلِفِ الْمُسْلِمُونَ فِي تَحْرِيمِهِ، وَكَانَ فِي مَعْنَى كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إِجْمَاعٍ، فَإِنْ قَال قَائِلٌ: فَمَا الْحُجَّةُ فِي أَنَّ كُل مَا كَانَ مُبَاحَ الأَْصْل يَحْرُمُ بِمَالِكِهِ، حَتَّى يَأْذَنَ فِيهِ مَالِكُهُ فَالْحُجَّةُ فِيهِ: أَنَّ اللَّهَ ﷿ قَال: {لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِل إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (72) . وَقَال تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} (73) وَقَال: {وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ} (74) ، مَعَ آيٍ كَثِيرَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ ﷿ حَظَرَ فِيهَا أَمْوَال النَّاسِ إِلاَّ بِطِيبِ أَنْفُسِهِمْ (75) .
وَمِمَّا رُوِيَ فِي تَحْرِيمِ مَال الْغَيْرِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ مَا وَرَدَ عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى أَبِي اللَّحْمِ قَال: أَقْبَلْتُ مَعَ سَادَتِي نُرِيدُ الْهِجْرَةَ، حَتَّى أَنْ دَنَوْنَا مِنَ الْمَدِينَةِ، قَال: فَدَخَلُوا الْمَدِينَةَ، وَخَلَّفُونِي فِي ظَهْرِهِمْ، قَال: فَأَصَابَنِي مَجَاعَةٌ شَدِيدَةٌ، قَال: فَمَرَّ بِي بَعْضُ مَنْ يَخْرُجُ مِنَ الْمَدِينَةِ فَقَالُوا لِي: لَوْ دَخَلْتَ الْمَدِينَةَ فَأَصَبْتَ مِنْ تَمْرِ حَوَائِطِهَا، فَدَخَلْتُ حَائِطًا، فَقَطَعْتُ مِنْهُ قِنْوَيْنِ، فَأَتَانِي صَاحِبُ الْحَائِطِ، فَأَتَى بِي إِلَى رَسُول اللَّهِ ﷺ وَأَخْبَرَهُ خَبَرِي، وَعَلَيَّ ثَوْبَانِ، فَقَال لِي: أَيُّهُمَا أَفْضَل؟ فَأَشَرْتُ لَهُ إِلَى أَحَدِهِمَا، فَقَال: خُذْهُ، وَأَعْطَى صَاحِبَ الْحَائِطِ الآْخَرَ، وَأَخْلَى سَبِيلِي (76) وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحَاجَةَ لاَ تُبِيحُ الإِْقْدَامَ عَلَى مَال الْغَيْرِ مَعَ وُجُودِ مَا يُمْكِنُ الاِنْتِفَاعُ بِهِ أَوْ بِقِيمَتِهِ، وَلَوْ كَانَ مِمَّا تَدْعُو حَاجَةُ الإِْنْسَانِ إِلَيْهِ، فَإِنَّهُ هُنَا أَخَذَ أَحَدَ ثَوْبَيْهِ، وَدَفَعَهُ إِلَى صَاحِبِ النَّخْل (77) .
مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى قَاعِدَةِ تَحَرِّي الْحَلاَل فِي الأَْكْل:
أ - حُكْمُ الْمُضْطَرِّ:
26 - مَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ هَلاَكُ نَفْسِهِ، وَلَمْ يَجِدْ إِلاَّ مَيْتَةً أَوْ نَحْوَهَا مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ أَوْ مَال الْغَيْرِ، لَزِمَهُ الأَْكْل مِنْهُ بِقَدْرِ مَا يُحْيِي نَفْسَهُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} (78) . وقَوْله تَعَالَى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ} أَيْ عَلَى مُضْطَرٍّ آخَرَ {وَلاَ عَادٍ} أَيْ سَدَّ الْجَوْعَةَ فَأَكَل {فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ} (79) . قَال الزَّرْكَشِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ خَوْفُ حُصُول الشَّيْنِ الْفَاحِشِ فِي عُضْوٍ ظَاهِرٍ، كَخَوْفِ طُول الْمَرَضِ كَمَا فِي التَّيَمُّمِ. وَاكْتَفَى بِالظَّنِّ، كَمَا فِي الإِْكْرَاهِ عَلَى أَكْل ذَلِكَ، فَلاَ يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّيَقُّنُ وَلاَ الإِْشْرَافُ عَلَى الْمَوْتِ (80) . وَلِلْمُضْطَرِّ أَنْ يَأْكُل مَا يَسُدُّ الرَّمَقَ أَيْ مَا يَحْفَظُ الْحَيَاةَ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ، وَهُوَ الأَْظْهَرُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ. قَال الْمَوَّاقُ: وَنَصُّ الْمُوَطَّأِ: وَمِنْ أَحْسَنِ مَا سَمِعْتُهُ فِي الرَّجُل يُضْطَرُّ إِلَى الْمَيْتَةِ أَنَّهُ يَأْكُل مِنْهَا حَتَّى يَشْبَعَ وَيَتَزَوَّدَ مِنْهَا، فَإِنْ وَجَدَ عَنْهَا غِنًى طَرَحَهَا (81) .
وَيَحْرُمُ الأَْكْل مِنَ الْمَيْتَةِ عَلَى الْمُضْطَرِّ فِي سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ، كَقَاطِعِ الطَّرِيقِ وَالآْبِقِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ} (82) قَال مُجَاهِدٌ: غَيْرَ بَاغٍ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَلاَ عَادٍ عَلَيْهِمْ. وَقَال سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: إِذَا خَرَجَ يَقْطَعُ الطَّرِيقَ فَلاَ رُخْصَةَ لَهُ (83) ، فَإِنْ تَابَ وَأَقْلَعَ عَنْ مَعْصِيَتِهِ حَل لَهُ الأَْكْل (84) . وَفِي ذَلِكَ خِلاَفٌ وَتَفْصِيلٌ يُرْجَعُ إِلَيْهِ تَحْتَ عِنْوَانِ (اضْطِرَار) .
وَإِنِ اضْطُرَّ فَلَمْ يَجِدْ مَيْتَةً، وَمَعَ رَجُلٍ شَيْءٌ كَانَ لَهُ أَنْ يُكَابِرَهُ، وَعَلَى الرَّجُل أَنْ يُعْطِيَهُ، وَإِذَا كَابَرَهُ أَعْطَاهُ ثَمَنَهُ وَافِيًا، فَإِنْ كَانَ إِذَا أَخَذَ شَيْئًا خَافَ مَالِكُ الْمَال عَلَى نَفْسِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ مُكَابَرَتُهُ (85) .
قَال الْقَرَافِيُّ فِي الذَّخِيرَةِ: وَإِذَا أَكَل مَال مُسْلِمٍ اقْتَصَرَ عَلَى سَدِّ الرَّمَقِ، إِلاَّ أَنْ يَعْلَمَ طُول الطَّرِيقِ فَلْيَتَزَوَّدْ، لأَِنَّ مُوَاسَاتَهُ تَجِبُ إِذَا جَاعَ.
ب - الأَْكْل مِنْ بُسْتَانِ الْغَيْرِ وَزَرْعِهِ دُونَ إِذْنِهِ:
27 - قَال صَاحِبُ الْمُغْنِي مِنَ الْحَنَابِلَةِ: مَنْ مَرَّ بِبُسْتَانِ غَيْرِهِ يُبَاحُ لَهُ الأَْكْل مِنْهُ، مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُضْطَرًّا إِلَى الأَْكْل أَوْ لاَ، وَمَحَل ذَلِكَ إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْبُسْتَانِ حَائِطٌ، أَيْ جِدَارٌ يَمْنَعُ الدُّخُول إِلَيْهِ لِحِرْزِهِ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الإِْشْعَارِ بِعَدَمِ الرِّضَا.
وَدَلِيل ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَال: إِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ حَائِطًا، فَأَرَادَ أَنْ يَأْكُل، فَلْيُنَادِ: يَا صَاحِبَ الْحَائِطِ، ثَلاَثًا، فَإِنْ أَجَابَهُ وَإِلاَّ فَلْيَأْكُل، وَإِذَا مَرَّ أَحَدُكُمْ بِإِبِلٍ فَأَرَادَ أَنْ يَشْرَبَ مِنْ أَلْبَانِهَا، فَلْيُنَادِ: يَا صَاحِبَ الإِْبِل أَوْ يَا رَاعِيَ الإِْبِل، فَإِنْ أَجَابَهُ، وَإِلاَّ فَلْيَشْرَبْ (86) .
وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَال: يَأْكُل مِمَّا تَحْتَ الشَّجَرِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ تَحْتَ الشَّجَرِ فَلاَ يَأْكُل ثِمَارَ النَّاسِ وَهُوَ غَنِيٌّ، وَلاَ يَأْكُل بِضَرْبٍ بِحَجَرٍ، وَلاَ يَرْمِي، لأَِنَّ هَذَا يُفْسِدُ. غَيْرَ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَى الإِْنْسَانِ أَنْ يَأْخُذَ خُبْنَةً، وَهِيَ مَا تَحْمِلُهُ وَتَخْرُجُ بِهِ مِنْ ثِمَارِ الْغَيْرِ، لأَِنَّ هَذَا مَنْهِيٌّ عَنْهُ بِنَصِّ الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ، فَقَدْ سُئِل النَّبِيُّ ﷺ عَنِ الثَّمَرِ الْمُعَلَّقِ فَقَال: مَنْ أَصَابَ بِفِيهِ مِنْ ذِي حَاجَةٍ غَيْرَ مُتَّخَذٍ خُبْنَةً فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ، وَمَنْ خَرَجَ بِشَيْءٍ مِنْهُ فَعَلَيْهِ غَرَامَةُ مِثْلَيْهِ وَالْعُقُوبَةُ (87) .
وَقَوْل الْمَالِكِيَّةِ كَقَوْل الْحَنَابِلَةِ، وَلَكِنْ قَيَّدُوهُ بِحَال الْحَاجَةِ. أَمَّا فِي غَيْرِ الْحَاجَةِ فَالأَْصَحُّ عِنْدَهُمُ الْمَنْعُ (88) .
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ قَال النَّوَوِيُّ: مَنْ مَرَّ بِثَمَرِ غَيْرِهِ أَوْ زَرْعِهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ، وَلاَ يَأْكُل بِغَيْرِ إِذْنِ صَاحِبِهِ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مُضْطَرًّا فَيَأْكُل وَيَضْمَنَ.
وَحُكْمُ الثِّمَارِ السَّاقِطَةِ مِنَ الأَْشْجَارِ حُكْمُ سَائِرِ الثِّمَارِ إِنْ كَانَتْ دَاخِل الْجِدَارِ، فَإِنْ كَانَتْ خَارِجَهُ فَكَذَلِكَ إِنْ لَمْ تَجْرِ عَادَتُهُمْ بِإِبَاحَتِهَا، فَإِنْ جَرَتْ بِذَلِكَ، فَهَل تَجْرِي الْعَادَةُ الْمُطَّرِدَةُ مَجْرَى الإِْبَاحَةِ؟ وَالأَْصَحُّ: أَنَّهَا تَجْرِي مَجْرَى الإِْبَاحَةِ (89) .
وَأَمَّا الأَْكْل مِنَ الزَّرْعِ فَعَنْ أَحْمَدَ فِيهِ رِوَايَتَانِ:
إِحْدَاهُمَا: قَال: لاَ يَأْكُل، إِنَّمَا رَخَّصَ فِي الثِّمَارِ وَلَيْسَ الزَّرْعَ، وَقَال: مَا سَمِعْنَا فِي الزَّرْعِ أَنْ يَمَسَّ مِنْهُ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الثِّمَارَ خَلَقَهَا اللَّهُ لِلأَْكْل رَطْبَةً، وَالنُّفُوسُ تَتَشَوَّقُ إِلَيْهَا، وَالزَّرْعُ بِخِلاَفِهَا.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: قَال: يَأْكُل مِنَ الْفَرِيكِ، لأَِنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِأَكْلِهِ رَطْبًا، أَشْبَهَ الثَّمَرَ. وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الْبَاقِلاَءِ وَالْحِمَّصِ وَشَبَهِهِ مِمَّا يُؤْكَل رَطْبًا، فَأَمَّا الشَّعِيرُ وَمَا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِأَكْلِهِ فَلاَ يَجُوزُ الأَْكْل مِنْهُ، قَال: وَالأَْوْلَى فِي الثِّمَارِ وَغَيْرِهَا أَلاَّ يُؤْكَل مِنْهَا إِلاَّ بِإِذْنٍ، لِمَا فِيهِ مِنَ الْخِلاَفِ وَالأَْخْبَارِ الدَّالَّةِ عَلَى التَّحْرِيمِ (90) .
وَعَنْهُ أَيْضًا فِي حَلْبِ الْمَاشِيَةِ رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهُمَا: يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْلُبَ وَيَشْرَبَ وَلاَ يَحْمِل. وَالثَّانِيَةُ: لاَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْلُبَ وَلاَ يَشْرَبَ، وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا مَا يُسْنِدُهُ مِنْ قَوْل الرَّسُول ﷺ.
فَالإِْبَاحَةُ يُسْنِدُهَا الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ.
وَالْحَظْرُ يَدُل لَهُ حَدِيثُ الرَّسُول ﷺ قَال: لاَ يَحْلُبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ امْرِئٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تُؤْتَى مَشْرَبَتُهُ فَتُكْسَرَ خِزَانَتُهُ فَيَنْتَقِل طَعَامُهُ، فَإِنَّمَا تُخَزِّنُ لَهُمْ ضُرُوعُ مَاشِيَتِهِمْ أَطْعِمَاتِهِمْ، فَلاَ يَحْلُبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِهِ (91) .
حُكْمُ أَخْذِ النِّثَارِ فِي الْعُرْسِ وَغَيْرِهِ:
28 - النِّثَارُ مَكْرُوهٌ فِي الْعُرْسِ وَغَيْرِهِ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ وَعِكْرِمَةَ وَابْنِ سِيرِينَ وَعَطَاءٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْخِطْمِيِّ وَطَلْحَةَ وَزُبَيْدٍ الْيَامِيِّ، وَبِهِ قَال مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَهَى عَنِ النُّهْبَى وَالْمُثْلَةِ (92) . وَلأَِنَّ فِيهِ نَهْبًا وَتَزَاحُمًا وَقِتَالاً، وَرُبَّمَا أَخَذَهُ مَنْ يَكْرَهُ صَاحِبُ النِّثَارِ لِحِرْصِهِ وَشَرَهِهِ وَدَنَاءَةِ نَفْسِهِ، وَيُحْرَمُهُ مِنْ يُحِبُّ صَاحِبُهُ لِمُرُوءَتِهِ وَصِيَانَةِ نَفْسِهِ وَعِرْضِهِ. وَالْغَالِبُ هَذَا، فَإِنَّ أَهْل الْمُرُوءَاتِ يَصُونُونَ أَنْفُسَهُمْ عَنْ مُزَاحَمَةِ سَفَلَةِ النَّاسِ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الطَّعَامِ أَوْ غَيْرِهِ، وَلأَِنَّ فِي هَذَا دَنَاءَةً، وَاَللَّهُ يُحِبُّ مَعَالِيَ الأُْمُورِ وَيَكْرَهُ سَفْسَافَهَا.
وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ: أَنَّهُ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ، اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَهُوَ قَوْل الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ وَالنَّخَعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَابْنِ الْمُنْذِرِ، لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قُرْطٍ قَال: قُرِّبَ إِلَى رَسُول اللَّهِ ﷺ خَمْسُ بَدَنَاتٍ أَوْ سِتٌّ، فَطَفِقْنَ يَزْدَلِفْنَ إِلَيْهِ، بِأَيَّتِهِنَّ يَبْدَأُ، فَنَحَرَهَا رَسُول اللَّهِ ﷺ وَقَال كَلِمَةً لَمْ أَسْمَعْهَا، فَسَأَلْتُ مَنْ قَرُبَ مِنْهُ، فَقَال: قَال: مَنْ شَاءَ اقْتَطَعَ (93) وَهَذَا جَارٍ مَجْرَى النِّثَارِ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ دُعِيَ إِلَى وَلِيمَةِ رَجُلٍ مِنَ الأَْنْصَارِ ثُمَّ أَتَوْا بِنَهْبٍ فَأَنْهَبَ عَلَيْهِ. قَال الرَّاوِي: وَنَظَرْتُ إِلَى رَسُول اللَّهِ ﷺ يُزَاحِمُ النَّاسَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، قُلْتُ: يَا رَسُول اللَّهِ أَوَمَا نَهَيْتَنَا عَنِ النُّهْبَةِ؟ قَال: " نَهَيْتُكُمْ عَنْ نُهْبَةِ الْعَسَاكِرِ " (94) وَلأَِنَّهُ نَوْعُ إِبَاحَةٍ فَأَشْبَهَ إِبَاحَةَ الطَّعَامِ لِلضِّيفَانِ (95) . زَمَانُ الأَْكْل بِالنِّسْبَةِ لِلصَّائِمِ:
29 - يُسَنُّ لِلصَّائِمِ أَنْ يُؤَخِّرَ سُحُورَهُ إِلَى آخِرِ اللَّيْل مَعَ تَحَقُّقِ بَقَاءِ اللَّيْل، وَأَنْ يُعَجِّل فُطُورَهُ بَعْدَ التَّيَقُّنِ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ (1) . وَتَفْصِيل ذَلِكَ يَنْظُرُ تَحْتَ عِنْوَانِ (الصَّوْم) .
__________
(1) نهاية المحتاج شرح المنهاج 8 / 16، وأسنى المطالب شرح روض الطالب 1 / 563. وحديث " كل لحم. . " أخرجه الترمذي بلفظ " إنه لا يربو لحم نبت من سحت إلا كانت النار أولى به " قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه. (سنن الترمذي 2 / 512، 513 ط إستنابول) .
(2) سورة المائدة / 3.
(3) حديث " كل ذي ناب. . . " أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة ﵁ مرفوعا. (صحيح مسلم 3 / 1534 ط عيسى الحلبي) .
(4) سورة الأعراف / 31.
(5) حديث " ما ملاء آدمي. . . " أخرجه الترمذي واللفظ له وابن ماجه من حديث المقدام بن معد يكرب مرفوعا، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، كما حسنه الحافظ ابن حجر في الفتح (تحفة الأحوذي 7 / 52 نشر المكتبة السلفية، وسنن ابن ماجه 2 / 1111 ط عيسى الحلبي، وفتح الباري 9 / 528 ط السلفية) .
(6) حاشية ابن عابدين 5 / 215.
(7) سورة محمد / 12.
(8) حديث: " المسلم يأكل. . . " أخرجه البخاري ومسلم (فتح الباري 9 / 536 ط السلفية، وصحيح مسلم 3 / 1631ط عيسى الحلبي) .
(9) سورة الأعراف / 32.
(10) سورة الحج 36.
(11) حديث " إذا ضحى أحدكم. . . " أخرجه أحمد، وقال الهيثمي، رجاله رجال الصحيح. (مجمع الزوائد 4 / 25 نشر مكتبة القدسي) .
(12) البدائع 5 / 80، وابن عابدين 5 / 208، وفتح القدير 8 / 436، والدسوقي 2 / 122، والتاج والإكليل بهامش الحطاب 3 / 245، والفواكه الدواني 1 / 447، وشرح الروض 1 / 545، ونهاية المحتاج 8 / 133، والمهذب1 / 246، والمغني 8 / 632 - 634، وكشاف القناع 3 / 22.
(13) الدسوقي 2 / 122، الخرشي 3 / 39، والمغني 8 / 642، والفروع 3 / 555، 556، وشرح الروض 1 / 545، والمهذب 1 / 245.
(14) ابن عابدين 5 / 208، والزيلعي مع حاشية الشلبي 6 / 8، والبدائع 5 / 80.
(15) (1) ابن عابدين 5 / 240، والمغني 8 / 639، والدسوقي 2 / 122، ومنح الجليل 1 / 618، والمهذب 1 / 245.
(16) ابن عابدين 5 / 208، وقليوبي 4 / 254، والمغني 8 / 628، والدسوقي 2 / 122.
(17) الدسوقي 2 / 125، 126، والمغني 8 / 631، ونهاية المحتاج 8 / 136، وابن عابدين 5 / 208.
(18) ابن عابدين 5 / 213، والفواكه الدواني 1 / 460، والمهذب 1 / 248، والمغني 8 / 648.
(19) كشاف القناع 3 / 30، 31. وحديث: " أن النبي ﷺ قال في العقيقة. . . " أخرجه أبو داود في مراسيله كما في تحفة الأشراف (13 / 362 نشر الدار القيمة بالهند) .
(20) البدائع 2 / 226 و5 / 80، 103، وابن عابدين 2 / 250 و5 / 208، والدسوقي 2 / 89، 132، والحطاب 3 / 190، ونهاية المحتاج 3 / 199، والمغني 7 / 376.
(21) والأثر عن ابن عباس وابن عمر في إعطاء الكفارة للمساكين " مدا لكل مسكين " أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (مصنف عبد الرزاق 8 / 506، 507)
(22) حديث: " أطعم ثلاثة آصع. . . " أخرجه البخاري ومسلم ولفظ مسلم: " احلق رأسك، ثم اذبح شاة نسكا، أوصم ثلاثة أيام، أو أطعم ثلاثة آصع من تمر على ستة مساكين ". (فتح الباري 4 / 12 ط السلفية، وصحيح مسلم 2 / 861 ط عيسى الحلبي) .
(23) نهاية المحتاج 8 / 134، والمهذب 2 / 188، والمغني 7 / 371، 372، ومنتهى الإرادات 3 / 205، 206.
(24) منح الجليل 1 / 403، 635 و 2 / 351، والدسوقي 2 / 132، 454، وجواهر الإكليل 1 / 150 و228، والمغني 7 / 371، 372.
(25) سورة المائدة / 89.
(26) البدائع 5 / 100 - 101.
(27) البدائع 2 / 226، 5 / 80 - 86 - 87، وجواهر الإكليل 1 / 203، والدسوقي 2 / 122، وفتح العلي المالك 1 / 207، والحطاب 3 / 190، ونهاية المحتاج 8 / 129، 130، والمهذب 1 / 247، والفروع 3 / 555، ومنتهى الإرادات 3 / 205، 206.
(28) حديث: " إذا دعي. . . " أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة ﵁ مرفوعا. (صحيح مسلم 2 / 1054 ط عيسى الحلبي) .
(29) حديث: " صنع لك أخوك. . . . " أخرجه أبو داود الطيالسي والدارقطني واللفظ له والبيهقي وحسنه ابن حجر في الفتح (سنن أبي داود الطيالسي ص 293 ط دائرة المعارف النظامية بحيدرآباد، والدارقطني 2 / 177، 178 ط شركة الطباعة الفنية المتحدة، وفتح الباري 4 / 209، 210 ط السلفية)
(30) ابن عابدين 5 / 221، والفواكه الدواني 2 / 421، وشرح روض الطالب 3 / 226، والمغني 7 / 2.
(31) ابن عابدين 5 / 196، 216، والكافي لابن عبد البر 2 / 1139، 1140، والفواكه الدواني 2 / 419، وشرح روض الطالب 3 / 227، 228، والآداب الشرعية لابن مفلح 3 / 197، 212.
(32) حديث خالد بن الوليد " أنه دخل. . . " رواه البخاري (فتح الباري 9 / 534، 662) وبوب عليه. باب ما كان النبي ﷺ لا يأكل حتى يسمى له فيعلم ما هو.
(33) تفسير القرطبي 9 / 64.
(34) حاشية ابن عابدين 55 / 216 وحديث: " الوضوء قبل الطعام ينفي الفقر. . . " أخرجه الطبراني في الأوسط من حديث ابن عباس ﵄ مرفوعا. ولفظه " الوضوء قبل الطعام وبعده مما ينفي الفقر، وهو من سنن المرسلين " قال الهيثمي فيه نهشل بن سعيد وهو متروك (مجمع الزوائد 5 / 23، 24 نشر مكتبة القدسي) .
(35) حديث: " إذا أكل أحدكم. . . " أخرجه الترمذي واللفظ له وأبو داود والحاكم. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. كما صححه الحاكم وأقره الذهبي (تحفة الأحوذي 5 / 594، 595 نشر المكتبة السلفية، وسنن أبي داود 4 / 139، 140 ط عزت عبيد دعاس، والمستدرك 4 / 108) .
(36) فتح الباري 9 / 418، 419، وأسنى المطالب 3 / 227، وحاشية ابن عابدين 5 / 215 وحديث عمر بن أبي سلمة قال: " كنت غلاما. . . " أخرجه البخاري ومسلم (فتح الباري 3 / 521 ط السلفية، وصحيح مسلم 3 / 1599 ط عيسى الحلبي) .
(37) حديث عائشة: " أن النبي ﷺ كان يعجبه. . . " أخرجه البخاري (فتح الباري 1 / 269 ط السلفية) .
(38) حديث: " لا يأكلن أحد منكم بشماله. . . " أخرجه مسلم (صحيح مسلم 3 / 1599 ط عيسى الحلبي) .
(39) نيل الأوطار 9 / 41، 42.
(40) حديث: " إن البركة تنزل. . . " أخرجه الترمذي من حديث ابن عباس ﵄ مرفوعا. وقال: هذا حديث حسن صحيح (تحفة الأحوذي 5 / 525 نشر المكتبة السلفية) .
(41) حديث: " كنت غلاما. . . " سبق تخريجه (ف 11) .
(42) المغني لابن قدامة 11 / 91.
(43) نيل الأوطار 9 / 42 وما بعدها، وحاشية ابن عابدين 5 / 216، والمحلى 7 / 435. وحديث: " إن الشيطان حساس لحاس. . . " أخرجه الترمذي عن طريق يعقوب بن الوليد المدني من حديث أبي هريرة ﵁ مرفوعا وقال: هذا حديث غريب من هذا الوجه، وحسنه المنذري بعد أن ذكر طرق الحديث المختلفة (تحفة الأحوذي 4 / 596 نشر المكتبة السلفية، والترغيب والترهيب 4 / 212، 213 ط المكتبة التجارية) .
(44) حديث: " بركة إطعام. . . " أخرجه الترمذي (تحفة الأحوذي 5 / 578 نشر المكتبة السلفية) وأبو داود (سنن أبي داود 4 / 139 ط عزت عبيد دعاس) . قال أبو داود: هو ضعيف. وقال الترمذي: لا نعرف هذا الحديث إلا من حديث قيس بن الربيع، وقيس يضعف في الحديث. قال المنذري بعد نقل كلام الترمذي هذا: قيس بن الربيع صدوق وفيه كلام لسوء حفظه لا يخرج الإسناد عن حد الحسن.
(45) المغني 11 / 91، وفيض القدير 3 / 200.
(46) فتح الباري 9 / 457، والمحلى 7 / 435.
(47) حديث: " روى بشير بن يسار عن سويد بن النعمان أنه أخبره. . . " أخرجه البخاري (فتح الباري 9 / 534 ط السلفية) .
(48) حديث أنس: " أن النبي ﷺ جاء إلى سعد بن عبادة. . . " أخرجه أبو داود واللفظ له والبيهقي. وسكت عنه المنذري وقال عبد القادر الأرناؤوط محقق جامع الأصول: هو حديث صحيح. (عون المعبود 3 / 433 ط الهند. والسنن الكبرى للبيهقي 7 / 287 ط دائرة المعارف العثمانية، وجامع الأصول 4 / 311) .
(49) حديث جابر قال: " صنع أبو الهيثم. . . " أخرجه أبو داود وقال المنذري: فيه رجل مجهول، وفيه يزيد بن عبد الرحمن أبو خالد المعروف بالدالاني وقد وثقه غير واحد وتكلم فيه بعضهم. (عون المعبود 3 / 433 ط الهند) .
(50) نيل الأوطار 9 / 49، وأسنى المطالب 3 / 227.
(51) نيل الأوطار 9 / 44 وما بعدها.
(52) حديث أنس: " أن النبي ﷺ كان إذا كل طعاما. . . ". أخرجه مسلم (3 / 1607 ط عيسى الحلبي) .
(53) حديث: " أما أنا فلا آكل متكئا. . . ". أخرجه البخاري من حديث جحيفة ﵁ بلفظ: " إني لا آكل متكئا " وفي رواية: " لا آكل وأنا متكئ " وأما اللفظ الوارد في صلب الموسوعة فهو للترمذي. (فتح الباري 9 / 540 ط السلفية، وتحفة الأحوذي 5 / 557 - 559 نشر المكتبة السلفية) .
(54) حديث عبد الله بن بسر قال: " أهديت للنبي ﷺ. . . " أخرجه ابن ماجه. وقال الحافظ البوصيري في الزوائد: إسناده صحيح رجاله ثقات (سنن ابن ماجه 2 / 1086 ط عيسى الحلبي) .
(55) أسنى المطالب 3 / 227، ونيل الأوطار 9 / 44 وما بعدها.
(56) حديث جابر: أخرجه مسلم (3 / 1622، 1623 ط عيسى الحلبي، ونيل الأوطار 8 / 163 ط دائرة المعارف العثمانية) .
(57) فتح الباري 9 / 437.
(58) حديث: " أكرموا الخبز. . . ". أخرجه الحاكم والبيهقي من حديث عائشة ﵂. وذكر السخاوي والمناوي طرق الحديث المختلفة وكلها مطعون فيها، لكن صنيع الحافظ العراقي يؤذن بأنه شديد الضعف لا موضوع، وأمثل طرقه طريق الحاكم والبيهقي من حديث عائشة المشار إليه آنفا. وحكم الألباني بحسنه. (فيض القدير 2 / 91 - 93، والمقاصد الحسنة ص 78 نشر مكتبة الخانجي، وصحيح الجامع الصغير 1 / 389) .
(59) أسنى المطالب 3 / 227.
(60) أحسن ما قيل في تفسيره: أنه وصف لله تعالى، أي غير محتاج إلى أحد، لكنه هو الذي يطعم عباده ويكفيهم.
(61) حديث: " كان النبي ﷺ إذا رفع مائدته. . . " أخرجه البخاري (فتح الباري 9 / 580 ط السلفية) .
(62) حديث: " وقد كان رسول الله ﷺ إذا أكل طعاما غير اللبن. . . " أخرجه الترمذي بلفظ: " من أطعمه الله الطعام فليقل: اللهم بارك لنا فيه وأطعمنا خيرا منه، ومن سقاه الله لبنا فليقل: اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه ". وقال: هذا حديث حسن. (سنن الترمذي5 / 506، 507 ط استانبول.)
(63) نيل الأوطار 9 / 552، وحاشية ابن عابدين 5 / 215 وحديث: " من أطعمه الله طعاما. . . " أخرجه الترمذي وأبو داود. وقال الترمذي: هذا حديث حسن. وفي إسناده عمر بن حرملة، ويقال: ابن أبي حرملة سئل عنه أبو زرعة فقال: بصري لا أعرفه إلا في هذا الحديث. كما أن في إسناده علي بن زيد بن جدعان أبو الحسن البصري وقد ضعفه جماعة من الأئمة. (تحفة الأحوذي 9 / 421، 422 نشر المكتبة السلفية، وعون المعبود 3 / 393 ط الهند) .
(64) حديث: " ما عاب النبي ﷺ طعاما. . . ". أخرجه البخاري ومسلم (فتح الباري 9 / 547 ط السلفية، وصحيح مسلم 3 / 1632 ط عيسى الحلبي) .
(65) فتح الباري 9 / 547.
(66) حديث عمر بن أمية الضمري: " أنه رأى النبي ﷺ يحتز من كتف شاة. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 9 / 547 ط السلفية) .
(67) حديث: " لا تقطعوا اللحم بالسكين. . . " أخرجه أبو داود من حديث عائشة ﵂ مرفوعا وقال: وليس هو بالقوي. قال المنذري: في إسناده أبو مشعر السدي المدني واسمه نجيح وكان يحيى بن سعيد القطان لا يحدث عنه ويستضعفه جدا ويضحك إذا ذكره غيره وتكلم فيه غير واحد من الأئمة. وقال أبو عبد الرحمن السناني: أبو معشر له أحاديث مناكير منها هذا. (عون المعبود 3 / 411 ط الهند)
(68) الآداب الشرعية لابن مفلح 3 / 221 ط المنار. وترى اللجنة أن هذا من الأمور العادية والأصل فيها الإباحة.
(69) سورة النساء / 29.
(70) المشربة بضم الراء وفتحها: الغرفة (المصباح) .
(71) حديث: " لا يحلبن أحدكم ماشية أحد. . . " أخرجه البخاري من حديث عبد الله بن عمر ﵄ مرفوعا. (فتح الباري 5 / 88 ط السلفية) .
(72) سورة النساء / 29.
(73) سورة النساء / 4.
(74) سورة النساء / 2.
(75) الأم 2 / 213.
(76) حديث عمير قال " أقبلت مع سادتي. . . " أخرجه أحمد بن حنبل بهذا اللفظ من حديث عمير مولى أبي اللحم: وفي إسناده عبد الرحمن بن إسحاق تكلم فيه جماعة، وقال النسائي وابن خزيمة ليس به بأس ونقل الشوكاني قول الهيثمي: إن حديث عمير هذا أخرجه أحمد بإسنادين وأحدهما ابن لهيعة، وفي الآخر أبو بكر بن زيد بن المهاجر، ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه حرجا ولا تعديلا: وبقية رجاله ثقات. مسند أحمد 55 / 223 ط الميمنية، ونيل الأوطار 8 / 153 ط المطبعة العثمانية المصرية) .
(77) نيل الأوطار 9 / 132.
(78) سورة البقرة / 195.
(79) سورة البقرة / 173.
(80) أسنى المطالب 1 / 570.
(81) ابن عابدين 3 / 57، والمواق 3 / 233، وقليوبي 4 / 262، والمغني 11 / 73.
(82) سورة البقرة / 173.
(83) المغني لابن قدامة 11 / 75، 76.
(84) أسنى المطالب 1 / 572.
(85) الأم 2 / 25.
(86) حديث: " إذا أتى أحدكم حائطا. . . " أخرجه أحمد بن حنبل في مسنده. من حديث أبي سعيد ﵁ مرفوعا. وعزاه الشوكاني فضلا عما سبق إلى أبي يعلى بهذا اللفظ وابن ماجه وابن حبان والحاكم والمقدسي وصححه الألباني. (مسند أحمد بن حنبل 3 / 7، 8 ط الميمنية وسنن ابن ماجه. 2 / 771، ط عيسى الحلبي، وفتح الباري 5 / 89 ط السلفية، والجامع الصغير بتحقيق الألباني1 / 135، 136، ونيل الأوطار 8 / 154 ط المطبعة العثمانية المصرية) .
(87) حديث: " فقد سئل النبي ﷺ عن الثمر المعلق. . . " أخرجه أحمد والترمذي وأبو داود واللفظ له من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص. قال الترمذي: هذا حديث حسن، وقال أحمد شاكر تعليقا على إسناد أحمد بن حنبل: إسناده صحيح (مسند أحمد بن حنبل بتحقيق أحمد شاكر 11 / 160 رقم 6936، وسنن الترمذي 3 / 584 ط إستانبول، وسنن أبي داود 2 / 335، 336 ط عزت عبيد دعاس) .
(88) الفواكه الدواني 2 / 375 - 376.
(89) الروضة 3 / 292، وشرح الروض 1 / 574، والمهذب 1 / 258 ط دار المعرفة.
(90) المغني لابن قدامة 11 / 77.
(91) حديث: " لا يحلبن أحد ماشية أحد. . . " سبق تخريجه ف / 25.
(92) حديث: " أن النبي ﷺ نهى عن النهبى والمثلة. . . " أخرجه البخاري (5 / 119 - الفتح - ط السلفية) .
(93) حديث: " من شاء اقتطع. . . " أخرجه أبو داود وقال عبد القادر الأرناؤوط محقق جامع الأصول: إسناده قوي. (سنن أبي داود 2 / 370 ط عزت عبيد دعاس، وجامع الأصول 3 / 355)
(94) حديث: " نهيتكم عن نهبة العساكر. . . " أورده ابن الأثير في النهاية بلفظ. " أنه نثر شيء في إملاك فلم يأخذوه، فقال النبي ﷺ " ما لكم لا تنتهبون؟ قالوا: أو ليس قد نهيت عن النهبى؟ فقال: إنما نهيت عن نهبى العساكر، فانتبهوا ". ولم نعثر عليه ف
(95) مواهب الجليل 4 / 6 والمغني مع الشرح الكبير 8 / 118.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 113/ 6
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".