الحميد
(الحمد) في اللغة هو الثناء، والفرقُ بينه وبين (الشكر): أن (الحمد)...
التَّعْرِيفُ:
1 - الْوَظِيفَةُ مِنْ كُل شَيْءٍ: مَا يُقَدَّرُ مِنْ طَعَامٍ أَوْ رِزْقٍ أَوْ عَمَلٍ فِي زَمَنِ مُعَيَّنٍ. يُقَال: وَظَّفَ الشَّيْءَ عَلَى نَفْسِهِ: أَلْزَمَهَا إِيَّاهُ، وَوَظَّفَهُ: عَيَّنَ لَهُ فِي كُل يَوْمٍ وَظِيفَةً، وَوَظَّفَ عَلَيْهِ الْعَمَل وَالْخَرَاجَ وَنَحْوَ ذَلِكَ: قَدَّرَهُ. وَالْوَظِيفَةُ: الْوِرْدُ مِنْ قِرَاءَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَتُطْلَقُ عَلَى الْمَنْصِبِ وَالْخِدْمَةِ الْمُعَيَّنَةِ، وَهُوَ مُوَلَّدٌ (1) .
وَالْوَظِيفَةُ فِي الاِصْطِلاَحِ: مَا يُقَدَّرُ فِي كُل يَوْمٍ مِنْ طَعَامٍ أَوْ رِزْقٍ. كَمَا يُطْلَقُ عَلَى الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ مَجَازًا. وَيُطْلَقُ عَلَى الْعَمَل الْمَطْلُوبِ الْقِيَامُ بِهِ، وَيُطْلَقُ عَلَى الأَْوْرَادِ (2) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الْمِهْنَةُ:
2 - الْمِهْنَةُ - بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ - لُغَةً: الْخِدْمَةُ وَالْعَمَل وَنَحْوُهُ (3) .
وَلاَ يُخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ (4) .
وَالْعَلاَقَةُ بَيْنَ الْوَظِيفَةِ وَالْمِهْنَةِ أَنَّ الْوَظِيفَةَ أَعَمُّ مِنَ الْمِهْنَةِ.
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْوَظِيفَةِ:
أَوَّلاً: الْوَظِيفَةُ بِمَعْنَى الْعَمَل الْمَطْلُوبِ الْقِيَامُ بِهِ:
الْوَظِيفَةُ بِهَذَا الْمَعْنَى إِمَّا أَنْ تَكُونَ عَامَّةً، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ خَاصَّةً.
النوع الأول: الْوَظَائِفُ الْعَامَّةُ:
تَتَعَلَّقُ بِالْوَظَائِفِ الْعَامَّةِ أَحْكَامٌ، مِنْهَا:
أ - مَنْ لَهُ حَقُّ تَوْلِيَةِ الْوَظَائِفِ الْعَامَّة ِ:
3 - يُعْتَبَرُ فِي تَوْلِيَةِ الْوَظَائِفِ نُفُوذُ الأَْوَامِرِ وَجَوَازُ النَّظَرِ، فَكُل مَنْ جَازَ نَظَرُهُ فِي عَمَلٍ نَفَذَتْ فِيهِ أَوَامِرُهُ وَصَحَّ مِنْهُ تَوْلِيَةُ الْعُمَّال عَلَيْهِ. وَهُوَ يَكُونُ مِنَ أَحَدِ ثَلاَثَةٍ: إِمَّا مِنَ السُّلْطَانِ الْمُسْتَوْلِي عَلَى كُل الأُْمُورِ، وَإِمَّا مِنْ وَزِيرِ التَّفْوِيضِ، وَإِمَّا مِنْ عَامِلٍ عَامِّ الْوِلاَيَةِ كَعَامِل إِقْلِيمٍ أَوْ مِصْرٍ عَظِيمٍ (5) . ب - مَا يُشْتَرَطُ فِيمَنْ يُوَلَّى الْوَظِيفَةَ الْعَامَّةَ:
4 - يُشْتَرَطُ فِيمَنْ يُوَلَّى الْوَظِيفَةَ الْعَامَّةَ أَنْ يُوثَقَ بِأَمَانَتِهِ، وَأَنْ يَسْتَقِل بِكِفَايَتِهِ، وَيَكُونَ أَصْلَحَ النَّاسِ لِتَوَلِّي الْوَظِيفَةِ (6) . قَال النَّبِيُّ ﷺ: مَنْ تَوَلَّى مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا فَاسْتَعْمَل عَلَيْهِمْ رَجُلاً وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ فِيهِمْ مَنْ هُوَ أَوْلَى بِذَلِكَ وَأَعْلَمُ مِنْهُ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، فَقَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَجَمِيعَ الْمُؤْمِنِينَ (7) . وَفِي رِوَايَةٍ: مَنِ اسْتَعْمَل رَجُلاً مِنْ عِصَابَةٍ وَفِي تِلْكَ الْعِصَابَةِ مَنْ هُوَ أَرْضَى مِنْهُ فَقَدْ خَانَ اللَّهَ وَخَانَ رَسُولَهُ وَخَانَ الْمُؤْمِنِينَ (8) .
ج - مَا يَلْزَمُ تَوَافُرُهُ عِنْدَ تَوْلِيَةِ الْوَظِيفَةِ:
5 - يَلْزَمُ تَوَافُرُ مَا يَلِي عِنْدَ تَوْلِيَةِ الْوَظِيفَةِ:
1 - تَعْيِينُ الْعَمَل الَّذِي يَخْتَصُّ الْمُوَظَّفُ بِالنَّظَرِ فِيهِ مِنْ جِبَايَةٍ أَوْ خَرَاجٍ أَوْ عُشْرٍ أَوْ غَيْرِهَا.
2 - الْعِلْمُ بِرُسُومِ الْعَمَل وَحُقُوقِهِ عَلَى تَفْصِيلٍ يَنْتَفِي عَنْهُ الْجَهَالَةُ.
3 - تَحْدِيدُ الْمَكَانِ الَّذِي يُمَارِسُ فِيهِ الْمُوَظَّفُ عَمَلَهُ بِمَا يُمَيِّزُهُ عَنْ غَيْرِهِ (9) .
د - وِلاَيَةُ النَّظَرِ فِي الْوَظِيفَةِ:
6 - وِلاَيَةُ الْمُوَظَّفِ فِي الْوَظِيفَةِ لَهَا ثَلاَثَةُ أَحْوَالٍ (كَمَا قَال الْمَاوَرْدِيُّ وَأَبُو يَعْلَى) :
الْحَالَةُ الأُْولَى: أَنْ يُقَدِّرَهُ بِمُدَّةٍ مَحْصُورَةِ الشُّهُورِ أَوِ السِّنِينَ، فَيَكُونُ تَقْدِيرُهَا بِهَذِهِ الْمُدَّةِ مُجَوِّزًا لِلنَّظَرِ فِيهَا وَمَانِعًا مِنَ النَّظَرِ بَعْدَ انْقِضَائِهَا. وَلاَ يَكُونُ النَّظَرُ فِي الْمُدَّةِ الْمُقَيَّدَةِ لاَزِمًا مِنْ جِهَةِ الْمُوَلِّي، وَلَهُ صَرْفُهُ وَالاِسْتِبْدَال بِهِ إِذَا رَأَى فِي ذَلِكَ صَلاَحًا، فَأَمَّا لُزُومُهُ مِنْ جِهَةِ الْعَامِل الْمُوَلَّى فَمُعْتَبَرٌ بِحَال مَا يَجْرِي عَلَيْهِ مِنَ الأَْجْرِ، فَإِنْ كَانَ الْجَارِي مَعْلُومًا بِمَا تَصِحُّ بِهِ الأُْجُورُ لَزِمَهُ الْعَمَل فِي الْمُدَّةِ إِلَى انْقِضَائِهَا؛ لأَِنَّ الْعِمَالَةَ فِيهَا تَصِيرُ مِنَ الإِْجَارَاتِ الْمَحْضَةِ، وَيُؤْخَذُ الْعَامِل فِيهَا بِالْعَمَل إِلَى انْقِضَائِهَا إِجْبَارًا. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فِي تَخْيِيرِ الْمُوَلِّي وَلُزُومِهَا لِلْمُوَلَّى أَنَّهَا فِي جَنَبَةِ الْمُوَلِّي مِنَ الْعُقُودِ الْعَامَّةِ لِنِيَابَتِهِ فِيهَا عَنِ الْكَافَّةِ، فُرُوعِيَ الأَْصْلَحُ فِي التَّخْيِيرِ، وَهِيَ فِي جَنَبَةِ الْمُوَلَّى مِنَ الْعُقُودِ الْخَاصَّةِ، لِعَقْدِهِ لَهَا فِي حَقِّ نَفْسِهِ، فَيَجْرِي عَلَيْهَا حُكْمُ اللُّزُومِ، وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّرْ جَارِيهِ بِمَا يَصِحُّ فِي الأُْجُورِ لَمْ تَلْزَمْهُ الْمُدَّةُ، وَجَازَ لَهُ الْخُرُوجُ مِنَ الْعَمَل إِذَا شَاءَ بَعْدَ أَنْ يُنْهِيَ إِلَى مُوَلِّيهِ حَال تَرْكِهِ، حَتَّى لاَ يَخْلُوَ عَمَلُهُ مِنْ نَاظِرٍ فِيهِ.
الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يُقَدَّرَ بِالْعَمَل فَيَقُول الْمُوَلِّي فِيهِ: قَدْ قَلَّدْتُكَ خَرَاجَ نَاحِيَةِ كَذَا فِي هَذِهِ السَّنَةِ، أَوْ قَلَّدْتُكَ صَدَقَاتِ بَلَدِ كَذَا فِي هَذَا الْعَامِ، فَتَكُونُ مُدَّةُ نَظَرِهِ مُقَدَّرَةً بِفَرَاغِهِ مِنْ عَمَلِهِ فَإِذَا فَرَغَ مِنْهُ انْعَزَل عَنْهُ، وَهُوَ قَبْل فَرَاغِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا يَجُوزُ أَنْ يَعْزِلَهُ الْمُوَلِّي، وَعَزْلُهُ لِنَفْسِهِ مُعْتَبَرٌ بِصِحَّةِ جَارِيهِ وَفَسَادِهِ.
الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَكُونَ التَّقْلِيدُ مُطْلَقًا فَلاَ يُقَدَّرُ بِمُدَّةٍ وَلاَ عَمَلٍ، فَيَقُول فِيهِ: قَدْ قَلَّدْتُكَ خَرَاجَ الْكُوفَةِ، أَوْ أَعْشَارَ الْبَصْرَةِ مَثَلاً، فَهَذَا تَقْلِيدٌ صَحِيحٌ وَإِنْ جُهِلَتْ مُدَّتُهُ؛ لأَِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الإِْذْنُ لِجَوَازِ النَّظَرِ، وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ اللُّزُومَ الْمُعْتَبَرَ فِي عُقُودِ الإِْيجَارَاتِ (10) .
7 - وَإِذَا صَحَّ التَّقْلِيدُ وَجَازَ النَّظَرُ لَمْ يَخْل حَالُهُ مِنَ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُسْتَدِيمًا أَوْ مُنْقَطِعًا. فَإِنْ كَانَ مُسْتَدِيمًا كَالنَّظَرِ فِي الْجِبَايَةِ وَالْقَضَاءِ وَحُقُوقِ الْمَعَادِنِ فَيَصِحُّ نَظَرُهُ فِيهَا عَامًا بَعْدَ عَامٍ مَا لَمْ يُعْزَل.
وَإِنْ كَانَ مُنْقَطِعًا فَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
الضَّرْبُ الأَْوَّل: أَنْ لاَ يَكُونَ مَعْهُودَ الْعَوْدِ فِي كُل عَامٍ كَالْوَالِي عَلَى قَسْمِ الْغَنِيمَةِ، فَيَنْعَزِل بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهَا وَلَيْسَ لَهُ النَّظَرُ فِي قِسْمَةِ غَيْرِهَا مِنَ الْغَنَائِمِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ عَائِدًا فِي كُل عَامٍ كَالْخَرَاجِ الَّذِي إِذَا اسْتُخْرِجَ فِي عَامٍ عَادَ فِيمَا يَلِيهِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ هَل يَكُونُ إِطْلاَقُ تَقْلِيدِهِ مَقْصُورًا عَلَى نَظَرِ عَامِهِ أَوْ مَحْمُولاً عَلَى كُل عَامٍ مَا لَمْ يُعْزَل، عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَكُونُ مَقْصُورًا لِلنَّظَرِ عَلَى الْعَامِ الَّذِي هُوَ فِيهِ، فَإِذَا اسْتَوْفَى خَرَاجَهُ أَوْ أَخَذَ أَعْشَارَهُ انْعَزَلَ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ فِي الْعَامِ الثَّانِي إِلاَّ بِتَقْلِيدٍ مُسْتَجَدٍّ اقْتِصَارًا عَلَى الْيَقِينِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ يُحْمَل عَلَى جَوَازِ النَّظَرِ فِي كُل عَامٍ مَا لَمْ يُعْزَل اعْتِبَارًا بِالْعُرْفِ (11) .
النَّوْعُ الثَّانِي: الْوَظَائِفُ الْخَاصَّةُ:
8 - الْوَظَائِفُ الْخَاصَّةُ وَهِيَ الَّتِي تَرْتَبِطُ بِالْعُقُودِ الَّتِي يُنْشِئُهَا الْمُتَعَاقِدُونَ فِي تَصَرُّفَاتِهِمُ الْمُخْتَلِفَةِ، فَإِنَّ حَقَّ تَعْيِينِ الْوَظَائِفِ يَكُونُ مِنْ حَقِّ أَصْحَابِ هَذِهِ الْعُقُودِ الْمُنْشِئَةِ لِهَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ فِي حُدُودِ الضَّوَابِطِ الشَّرْعِيَّةِ.
وَقَدْ نَصَّ الْفُقَهَاءُ فِي الْوَقْفِ عَلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الإِْمَامِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَرْبَابِ الْوِلاَيَاتِ إِحْدَاثُ وَظِيفَةٍ فِيهِ لَمْ تَكُنْ فِي شَرْطِ الْوَاقِفِ، وَلاَ صَرْفُ شَيْءٍ مِنْ مَال الْوَقْفِ فِيهَا، وَلاَ يَجُوزُ لِمَنْ قُرِّرَ فِيهَا أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ مَال الْوَقْفِ، كَمَا لاَ يَجُوزُ لأَِحَدٍ مِمَّنْ ذُكِرَ إِلْغَاءُ وَظِيفَةٍ مِمَّا شَرَطَهُ الْوَاقِفُ، وَيُفَسَّقُ بِهِ مَنْ فَعَل ذَلِكَ، وَيَنْعَزِل النَّاظِرُ بِهِ، وَلاَ يَحِقُّ لأَِحَدٍ غَيْرِ الْوَاقِفِ عَزْل مَنْ وَلاَّهُ الْوَاقِفُ إِلاَّ بِسَبَبٍ ظَاهِرٍ كَعَجْزٍ أَوْ خِيَانَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَلاَ يَنْفُذُ الْعَزْل، وَيُفَسَّقُ بِهِ عَازِلُهُ وَيُطَالَبُ بِسَبَبِهِ (12) .
صِيغَةُ تَوْلِيَةِ الْوَظَائِفِ:
9 - تَوْلِيَةُ الْوَظَائِفِ إِمَّا أَنْ تَكُونَ بِأَلْفَاظٍ صَرِيحَةٍ أَوْ بِأَلْفَاظِ كِنَايَةٍ، وَالتَّفْصِيل فِي (تَوْلِيَة ف10 - 12) .
وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى جَوَازِ التَّوْلِيَةِ بِاللَّفْظِ وَبِالْكِتَابَةِ كَذَلِكَ إِذَا اقْتَرَنَتْ بِهِ شَوَاهِدُ الْحَال. كَمَا اتَّفَقُوا عَلَى صِحَّةِ التَّوْلِيَةِ بِصِيغَةٍ مُنَجَّزَةٍ (13) .
10 - وَاخْتَلَفُوا فِي تَعَلُّقِ التَّوْلِيَةِ عَلَى شَرْطٍ.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْقَوْل الْمُقَابِل لِلأَْصَحِّ إِلَى أَنَّهُ يَصِحُّ تَعْلِيقُ التَّقْرِيرِ فِي الْوَظَائِفِ، وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَمَرَ فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ، وَقَال ﷺ: إِنْ قُتِل زَيْدٌ فَجَعْفَرٌ، فَإِنْ قُتِل جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ (14) .
وَهُوَ مَا يُؤْخَذُ مِنْ عِبَارَاتِ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ. فَقَدْ جَاءَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إِنْ أَوْصَى إِلَى رَجُلٍ فَقَال: فُلاَنٌ وَصِيٌّ حَتَّى يَقَدُمَ فُلاَنٌ، فَإِذَا قَدِمَ فُلاَنٌ فَفُلاَنٌ الْقَادِمُ وَصِيٌّ، أَيَجُوزُ هَذَا؟ قَال: نَعَمْ، هَذَا جَائِزٌ.
وَوَرَدَ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ لِشَمْسِ الدِّينِ ابْنِ قُدَامَةَ: إِذَا قَال: أَوْصَيْتُ إِلَى زَيْدٍ فَإِنْ مَاتَ فَقَدْ أَوْصَيْتُ إِلَى عَمْرٍو، صَحَّ ذَلِكَ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَيَكُونُ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَصِيًّا. . . لأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال فِي جَيْشِ مُؤْتَةَ: أَمِيرُكُمْ زَيْدٌ فَإِنْ قُتِلَ، فَأَمِيرُكُمْ جَعْفَرٌ، فَإِنْ قُتِل فَأَمِيرُكُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ وَالْوَصِيَّةُ فِي مَعْنَى التَّأْمِيرِ (15) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْصَحِّ: لاَ يَجُوزُ تَعْلِيقُ الْوِلاَيَاتِ - وَمِنْهَا التَّقْرِيرُ عَلَى الْوَظَائِفِ - بِشَرْطٍ إِلاَّ فِي مَحَل الضَّرُورَةِ، كَالإِْيصَاءِ وَالإِْمَارَاتِ، وَعَلَيْهِ قَالُوا بِبُطْلاَنِ الشَّرْطِ فِي حَقِّ الأَْوْلاَدِ فِيمَنْ شَرَطَ لِنَفْسِهِ النَّظَرَ فِي الْوَقْفِ، ثُمَّ لأَِوْلاَدِهِ بَعْدَهُ.
وَقَالُوا فِي وَاقِعَةِ غَزْوَةِ تَبُوكَ: إِنَّهُ يُحْتَمَل أَنَّ الإِْمَارَةَ كَانَتْ مُنَجَّزَةً، وَإِنَّمَا عُلِّقَ التَّصَرُّفُ عَلَى الْمَوْتِ (16) .
الاِعْتِيَاضُ عَنِ الْوَظَائِفِ بِمَالٍ:
11 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ الاِعْتِيَاضِ عَنِ الْوَظَائِفِ بِمَالٍ:
فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ - وَهُوَ رَأْيٌ عِنْدَ كُلٍّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ - إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ الاِعْتِيَاضُ عَنِ الْوَظَائِفِ بِمَالٍ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ وَالْحَنَفِيَّةُ فِي الْمُفْتَى بِهِ عِنْدَهُمْ، وَالْمَالِكِيَّةُ فِي رَأْيٍ قَال عَنْهُ الْحَطَّابُ: ضَعِيفٌ، وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ - مِنْهُمُ السُّبْكِيُّ - أَنَّهُ يَجُوزُ الاِعْتِيَاضُ عَنِ الْوَظَائِفِ بِمَالٍ (17) . وَانْظُرِ التَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (خلو ف16)
الْغَيْبَةُ الَّتِي يَسْتَحِقُّ بِهَا الْمُوَظَّفُ الْعَزْل مِنَ الْوَظِيفَةِ:
12 - لِلْحَنَفِيَّةِ تَفْصِيلٌ فِي الْغَيْبَةِ لِعَزْل الْمُوَظَّفِ عَنْ وَظِيفَتِهِ وَسُقُوطِ مَعْلُومِهِ، قَال ابْنُ عَابِدِينَ: إِذَا غَابَ عَنِ الْمَدْرَسَةِ فَإِمَّا أَنْ يَخْرُجَ مِنَ الْمِصْرِ أَوْ لاَ، فَإِنْ خَرَجَ مَسِيرَةَ سَفَرٍ ثُمَّ رَجَعَ، لَيْسَ لَهُ طَلَبُ مَا مَضَى مِنْ مَعْلُومِهِ بَل يَسْقُطُ، وَكَذَا لَوْ سَافَرَ لَحَجٍّ وَنَحْوِهِ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ لِسَفَرٍ بِأَنْ خَرَجَ إِلَى الرُّسْتَاقِ (18) فَإِنْ أَقَامَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَأَكْثَرَ، فَإِنْ كَانَ بِلاَ عُذْرٍ كَالْخُرُوجِ لِلتَّنَزُّهِ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ لِعُذْرٍ كَطَلَبِ الْمَعَاشِ فَهُوَ عَفْوٌ إِلاَّ أَنْ تَزِيدَ غَيْبَتُهُ عَلَى ثَلاَثَةِ أَشْهُرٍ، فَلِغَيْرِهِ أَخْذُ حُجْرَتِهِ وَوَظِيفَتِهِ؛ أَيْ مَعْلُومِهِ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنَ الْمِصْرِ: فَإِنِ اشْتَغَل بِكِتَابَةِ عِلْمٍ شَرْعِيٍّ فَهُوَ عَفْوٌ وَإِلاَّ جَازَ عَزْلُهُ أَيْضًا.
وَاخْتُلِفَ فِيمَا إِذَا خَرَجَ لِلرُّسْتَاقِ وَأَقَامَ دُونَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لِغَيْرِ عُذْرٍ، فَقِيل: يَسْقُطُ، وَقِيل: لاَ، هَذَا حَاصِل مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ فِي شَرْحِهِ، وَمُلَخَّصُهُ: أَنَّهُ لاَ يَسْقُطُ مَعْلُومُهُ الْمَاضِي وَلاَ يُعْزَل فِي الآْتِي إِذَا كَانَ فِي الْمِصْرِ مُشْتَغِلاً بِعِلْمٍ شَرْعِيٍّ أَوْ خَرَجَ لِغَيْرِ سَفَرٍ وَأَقَامَ دُونَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا بِلاَ عُذْرٍ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، أَوْ خَمْسَةَ عَشَرَ فَأَكْثَرَ لَكِنْ لِعُذْرٍ شَرْعِيٍّ كَطَلَبِ الْمَعَاشِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ثَلاَثَةِ أَشْهُرٍ، وَأَنَّهُ يَسْقُطُ الْمَاضِي وَلاَ يُعْزَل، وَلَوْ خَرَجَ مُدَّةَ سَفَرٍ وَرَجَعَ، أَوْ سَافَرَ لِحَجٍّ وَنَحْوِهِ، أَوْ خَرَجَ لِلرُّسْتَاقِ لِغَيْرِ عُذْرٍ مَا لَمْ يَزِدْ عَلَى ثَلاَثَةِ أَشْهُرٍ، وَأَنَّهُ يَسْقُطُ الْمَاضِي وَيُعْزَل لَوْ كَانَ فِي الْمِصْرِ غَيْرَ مُشْتَغِلٍ بِعِلْمٍ شَرْعِيٍّ أَوْ خَرَجَ مِنْهُ وَأَقَامَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثَةِ أَشْهُرٍ وَلَوْ لِعُذْرٍ، قَال الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ: وَكُل هَذَا إِذَا لَمْ يُنَصِّبْ نَائِبًا عَنْهُ وَإِلاَّ فَلَيْسَ لِغَيْرِهِ أَخْذُ وَظِيفَتِهِ، وَفِي الْقِنْيَةِ مِنْ بَابِ الإِْمَامَةِ: إِمَامٌ يَتْرُكُ الإِْمَامَةَ لِزِيَارَةِ أَقْرِبَائِهِ فِي الرَّسَاتِيقِ أُسْبُوعًا أَوْ نَحْوَهُ أَوْ لِمُصِيبَةٍ أَوْ لاِسْتِرَاحَةٍ، لاَ بَأْسَ بِهِ، وَمِثْلُهُ عَفْوٌ فِي الْعَادَةِ وَالشَّرْعِ.
وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْل بِأَنَّ خُرُوجَهُ أَقَل مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا بِلاَ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ لاَ يُسْقِطُ مَعْلُومَهُ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي الأَْشْبَاهِ فِي قَاعِدَةِ: (الْعَادَةُ مُحَكَّمَةٌ) عِبَارَةَ الْقِنْيَةِ هَذِهِ، وَحَمَلَهَا عَلَى أَنَّهُ يُسَامَحُ أُسْبُوعًا فِي كُل شَهْرٍ، وَاعْتَرَضَهُ بَعْضُ مُحَشِّيهِ بِأَنَّ قَوْلَهُ: فِي كُل شَهْرٍ، لَيْسَ فِي عِبَارَةِ الْقِنْيَةِ مَا يَدُل عَلَيْهِ، قُلْتُ: وَالأَْظْهَرُ مَا فِي آخِرِ شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي لِلْحَلَبِيِّ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُرَادَ فِي كُل سَنَةٍ.وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّهُ لَوْ أَصَابَ الْقَيِّمَ خَرَسٌ أَوْ عَمًى أَوْ جُنُونٌ أَوْ فَالِجٌ أَوْ نَحْوُهُ مِنَ الآْفَاتِ، فَإِنْ أَمْكَنَهُ الْكَلاَمُ وَالأَْمْرُ وَالنَّهْيُ وَالأَْخْذُ وَالإِْعْطَاءُ فَلَهُ أَخْذُ الأَْجْرِ وَإِلاَّ فَلاَ.
قَال الطَّرَطُوسِيُّ: وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْمُدَرِّسَ وَنَحْوَهُ إِذَا أَصَابَهُ عُذْرٌ مِنْ مَرَضٍ أَوْ حَجٍّ بِحَيْثُ لاَ يُمْكِنُهُ الْمُبَاشَرَةُ، لاَ يَسْتَحِقُّ الْمَعْلُومَ؛ لأَِنَّهُ أَدَارَ الْحُكْمَ فِي الْمَعْلُومِ عَلَى نَفْسِ الْمُبَاشَرَةِ، فَإِنْ وُجِدَتِ اسْتَحَقَّ الْمَعْلُومَ وَإِلاَّ فَلاَ (19) .
النُّزُول عَنِ الْوَظَائِفِ:
13 - نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ الْمُتَوَلِّيَ لَوْ عَزَل نَفْسَهُ لاَ يَنْعَزِل حَتَّى يُبْلِغَ الْقَاضِيَ فَيُنَصِّبَ غَيْرَهُ.
وَإِنْ عَزَل نَفْسَهُ لِفَرَاغٍ لِغَيْرِهِ عَنْ وَظِيفَةِ النَّظَرِ أَوْ غَيْرِهَا، فَإِنْ كَانَ الْمَنْزُول لَهُ غَيْرَ أَهْلٍ لاَ يُقَرِّرُهُ الْقَاضِي، وَلاَ يَجِبُ عَلَيْهِ تَقْرِيرُهُ وَلَوْ كَانَ أَهْلاً.
وَأَفْتَى الْعَلاَّمَةُ قَاسِمٌ بِأَنَّ مَنْ فَرَغَ لإِِنْسَانٍ عَنْ وَظِيفَتِهِ سَقَطَ حَقُّهُ وَإِنْ لَمْ يُقَرِّرِ النَّاظِرُ الْمَنْزُول لَهُ (20) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِنْ نَزَل الإِْنْسَانُ عَنْ وَظِيفَةٍ مِنْ إِمَامَةٍ أَوْ خَطَابَةٍ أَوْ تَدْرِيسٍ وَنَحْوِهِ لِمَنْ فِيهِ أَهْلِيَّةٌ لِلْقِيَامِ بِهَا فَلاَ يُقَرَّرُ غَيْرَ مَنْزُولٍ لَهُ؛ لِتُعَلِّقِ حَقِّهِ بِهَا، فَإِنْ قَرَّرَهُ مَنْ لَهُ الْوِلاَيَةُ كَالنَّاظِرِ فَقَدْ تَمَّ الأَْمْرُ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يُقَرِّرْهُ مَنْ لَهُ وِلاَيَةُ التَّقْرِيرِ، فَالْوَظِيفَةُ لِلنَّازِل؛ لأَِنَّهُ لَمْ يَحْصُل مِنْهُ رَغْبَةٌ مُطْلَقَةٌ عَنْ وَظِيفَتِهِ، بَل مُقَيَّدَةٌ بِحُصُولِهِ لِلْمَنْزُول لَهُ وَلَمْ يَصِحَّ، وَلَيْسَ لِلنَّاظِرِ التَّقْرِيرُ فِي مِثْل هَذَا، إِنَّمَا يُقَرِّرُ فِيمَا هُوَ خَالٍ عَنْ يَدِ مُسْتَحِقٍّ أَوْ فِي يَدِ مَنْ يَمْلِكُ انْتِزَاعَهُ مِنْهُ لِمُقْتَضًى شَرْعِيٍّ، فَحِينَئِذٍ يَكُونُ تَقْرِيرُهُ سَائِغًا.
وَقَال الرُّحَيْبَانِيُّ: وَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ مِنْ أَنَّهُ لاَ يَتَعَيَّنُ مَنْزُولٌ لَهُ، وَيُوَلِّي مَنْ لَهُ الْوِلاَيَةُ مَنْ يَسْتَحِقُّهَا شَرْعًا، فَمَحْمُولٌ عَلَى عَدَمِ تَمَامِ النُّزُول، إِمَّا لِكَوْنِهِ قَبْل الْقَبُول مِنَ الْمَنْزُول لَهُ أَوْ قَبْل الإِْمْضَاءِ إِذَا كَانَ النُّزُول مُعَلَّقًا بِشَرْطِ الإِْمْضَاءِ مِمَّنْ لَهُ وِلاَيَةُ ذَلِكَ، أَوْ عَلَى مَنْ رَغِبَ عَنْهُ رَغْبَةً مُطْلَقَةً، وَلَمْ يَكُنِ الْمَنْزُول لَهُ أَهْلاً، فَفِي هَذَا يَتَّجِهُ الْقَوْل بِهِ، وَإِمَّا إِذَا لَمْ يَكُنِ النُّزُول مَشْرُوطًا بِالإِْمْضَاءِ، وَتَمَّ النُّزُول بِالْقَبُول مِنَ الْمَنْزُول لَهُ وَالإِْمْضَاءِ مِمَّنْ لَهُ وِلاَيَةُ ذَلِكَ، وَكَانَ الْمَنْزُول لَهُ أَهْلاً، فَلاَ رَيْبَ أَنَّهُ يَنْتَقِل إِلَيْهِ عَاجِلاً بِقَبُولِهِ وَلَيْسَ لأَِحَدٍ التَّقَرُّرُ عَنِ الْمَنْزُول لَهُ، وَلاَ يَتَوَقَّفُ عَلَى تَقْرِيرِ نَاظِرٍ وَلاَ مُرَاجَعَتِهِ لَهُ، إِذْ هُوَ حَقٌّ لَهُ نَقَلَهُ إِلَى غَيْرِهِ، وَهُوَ مُطْلَقُ التَّصَرُّفِ فِي حُقُوقِهِ لَيْسَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْهَا، أَشْبَهَ سَائِرِ حُقُوقِهِ، إِذْ لاَ فَرْقَ، وَلَهُ شَوَاهِدُ مِنْ كَلاَمِهِمْ، مِنْهَا مَا ذَكَرُوا فِي الْمُتَحَجِّرِ أَنَّ مَنْ نَقَلَهُ إِلَيْهِ يَكُونُ أَحَقَّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ، وَكَذَا ذَكَرُوا أَنَّ مَنْ بِيَدِهِ أَرْضٌ خَرَاجِيَّةٌ لَيْسَلِلإِْمَامِ انْتِزَاعُهَا مِنْهُ وَدَفْعُهَا إِلَى غَيْرِهِ، وَإِنْ آثَرَ بِهَا غَيْرَهُ صَارَ الثَّانِي أَحَقَّ بِهَا، مَعَ أَنَّ لِلإِْمَامِ نَظَرًا وَلَمْ يَعْتَبِرُوهُ، وَقَال " الْمُوَضِّحُ ": مُلَخَّصُ كَلاَمِ الأَْصْحَابِ: يَسْتَحِقُّهَا مَنْزُولٌ لَهُ إِنْ كَانَ أَهْلاً، وَإِلاَّ فَلِلنَّاظِرِ تَوْلِيَةُ مُسْتَحِقِّهَا شَرْعًا (21) .
تَقْرِيرُ أَوْلاَدِ الْمُوَظَّفِينَ فِي وَظِيفَةِ آبَائِهِمْ بَعْدَ وَفَاتِهِمْ:
14 - نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا مَاتَ مَنْ لَهُ وَظِيفَةٌ فِي بَيْتِ الْمَال لِحَقِّ الشَّرْعِ وَإِعْزَازِ الإِْسْلاَمِ كَأُجْرَةِ الإِْمَامِ وَالتَّأْذِينِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا فِيهِ مَصْلَحَةُ الإِْسْلاَمِ وَالْمُسْلِمِينَ، وَلِلْمَيِّتِ أَبْنَاءٌ يُرَاعُونَ وَيُقِيمُونَ حَقَّ الشَّرْعِ وَإِعْزَازِ الإِْسْلاَمِ كَمَا كَانَ يُرَاعِي الأَْبُ وَيُقِيمُهُ - فَلِلإِْمَامِ أَنْ يُعْطِيَ وَظِيفَةَ الأَْبِ لأَِبْنَاءِ الْمَيِّتِ لاَ لِغَيْرِهِمْ لِحُصُولٍ مَقْصُودِ الشَّرْعِ وَانْجِبَارِ كَسْرِ قُلُوبِهِمْ (22) .
قَال الْبِيرِيُّ: هَذَا مُؤَيِّدٌ لِمَا هُوَ عُرْفُ الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ، وَمِصْرَ، وَالرُّومِ، مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فِي إِبْقَاءِ أَبْنَاءِ الْعُلَمَاءِ بَعْدَ وَفَاتِهِمْ عَلَى وَظَائِفِ آبَائِهِمْ مُطْلَقًا مِنْ إِمَامَةٍ وَخَطَابَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ عُرْفًا مَرْضِيًّا؛ لأَِنَّ فِيهِ إِحْيَاءَ خَلَفِ الْعُلَمَاءِ وَمُسَاعَدَتَهُمْ عَلَى تَحْصِيل الْعِلْمِ، هَذَا إِذَا كَانُوا أَهْلاً، أَمَّا إِذَا كَانُوا غَيْرَ أَهْلٍ فَلاَ (23) .
مَوْتُ صَاحِبِ الْوَظِيفَةِ قَبْل اسْتِيفَاءِ الأَْجْرِ:
15 - إِذَا مَاتَ صَاحِبُ الْوَظِيفَةِ قَبْل اسْتِيفَاءِ حَقِّهِ فِي الْوَظِيفَةِ: فَإِنْ كَانَ الْعَمَل مِمَّا لاَ يَجُوزُ الاِسْتِئْجَارُ فِيهِ كَالْمَعَاصِي سَقَطَ حَقُّهُ وَلاَ يَسْتَحِقُّ شَيْئًا، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَجُوزُ الاِسْتِئْجَارُ فِيهِ أُعْطِيَ بِقَدْرِ مَا بَاشَرَ مِنَ الْعَمَل وَيَكُونُ مِيرَاثًا.
وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إِذَا كَانَ الْعَمَل عِبَادَةً كَالأَْذَانِ وَالإِْمَامَةِ وَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَالْحَجِّ بِنَاءً عَلَى اخْتِلاَفِهِمْ فِي جَوَازِ الاِسْتِئْجَارِ عَلَى الْعِبَادَةِ؛ لأَِنَّ مَا يَأْخُذُهُ هَؤُلاَءِ لَهُ شَبَهٌ بِالأُْجْرَةِ وَالصِّلَةِ، وَمَنْ رَجَّحَ شَبَهَ الصِّلَةِ قَال بِسُقُوطِهَا بِالْمَوْتِ وَهُمُ الَّذِينَ مَنَعُوا أَخْذَ الأُْجْرَةِ عَلَى الطَّاعَاتِ؛ لأَِنَّ الصِّلَةَ لاَ تُمْلَكُ إِلاَّ بِالْقَبْضِ، وَمَنْ رَجَّحَ شَبَهَ الأُْجْرَةِ قَالُوا: يُعْطَى بِقَدْرِ مَا بَاشَرَ مِنَ الْعَمَل وَيَكُونُ مِيرَاثًا (24) . وَانْظُرْ مُصْطَلَحَ (إِجَارَة ف108 وَمَا بَعْدَهَا) .
اسْتِحْقَاقُ الأُْجْرَةِ عَلَى الْوَظِيفَةِ:
16 - الْوَظِيفَةُ إِمَّا أَنْ تَكُونَ فِي عَمَلٍ خَاصٍّ، أَوْ تَكُونَ فِي عَمَلٍ مِنْ أَعْمَال الْعَامَّةِ لِلدَّوْلَةِ، أَمَّا الأَْوَّل فَهُوَ الأَْجِيرُ الْخَاصُّ (الأَْجِيرُ الْوَاحِدُ) وَقَدْ بَيَّنَ الْفُقَهَاءُ الأَْحْكَامَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِاسْتِحْقَاقِهِ الأَْجْرَ فِي مُصْطَلَحِ (إِجَارَة ف 119 - 130) . وَأَمَّا الثَّانِي، وَهُوَ الْمُوَظَّفُ الَّذِي يَلِي وِلاَيَةً عَامَّةً كَالإِْمَارَةِ وَالْقَضَاءِ وَالإِْمَامَةِ وَالأَْذَانِ وَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَكُل مَا هُوَ طَاعَةٌ مِنَ الطَّاعَاتِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي أَخْذِهِ الأَْجْرَ، وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (إِجَارَة ف108 - 121، 139 - 151) .
أَمَّا الْمَعَاصِي فَلاَ يَصِحُّ الاِسْتِئْجَارُ عَلَيْهَا وَلاَ يَسْتَحِقُّ بِهِ الأَْجِيرُ أَجْرَهُ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (إِجَارَة ف108 - 121، 139 - 151) .
قَال الْمَاوَرْدِيُّ وَأَبُو يَعْلَى: إِنَّ جَارِيَ الْعَامِل عَلَى عَمَلِهِ لاَ يَخْلُو فِيهِ مِنْ ثَلاَثَةِ أَحْوَالٍ: أَحَدُهَا أَنْ يُسَمَّى مَعْلُومًا. وَالثَّانِي أَنْ يُسَمَّى مَجْهُولاً. وَالثَّالِثُ أَنْ لاَ يُسَمَّى بِمَجْهُولٍ وَلاَ بِمَعْلُومٍ.
فَإِنْ سُمِّيَ مَعْلُومًا اسْتَحَقَّ الْمُسَمَّى إِذَا وَفَّى الْعِمَالَةَ حَقَّهَا، فَإِنْ قَصَّرَ فِيهَا رُوعِيَ تَقْصِيرُهُ، فَإِنْ كَانَ لِتَرْكِ بَعْضِ الْعَمَل لَمْ يَسْتَحِقَّ جَارِيَ مَا قَابَلَهُ، وَإِنْ كَانَتْ لِخِيَانَةٍ مِنْهُ مَعَ اسْتِيفَاءِ الْعَمَل اسْتَكْمَل جَارِيَهُ وَارْتَجَعَ مَا خَانَ فِيهِ.
وَإِنْ زَادَ فِي الْعَمَل رُوعِيَتِ الزِّيَادَةُ، فَإِنْ لَمْ تَدْخُل فِي حُكْمِ عَمَلِهِ كَانَ نَظَرُهُ فِيهَا مَرْدُودًا لاَ يَنْفُذُ، وَإِنْ كَانَتْ دَاخِلَةً فِي حُكْمِ نَظَرِهِ لَمْ يَخْل مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ أَخَذَهَا بِحَقٍّ أَوْ ظُلْمٍ، فَإِنْ كَانَ أَخَذَهَا بِحَقٍّ كَانَ مُتَبَرِّعًا بِهَا لاَ يَسْتَحِقُّ لَهَا زِيَادَةً عَلَى الْمُسَمَّى فِي جَارِيهِ، وَإِنْ كَانَ ظُلْمًاوَجَبَ رَدُّهَا عَلَى مَنْ ظُلِمَ بِهَا وَكَانَ عُدْوَانًا مِنَ الْعَامِل يُؤْخَذُ بِجَرِيرَتِهِ.
وَأَمَّا إِنْ سُمِّيَ جَارِيهِ مَجْهُولاً اسْتَحَقَّ جَارِيَ مِثْلِهِ فِيمَا عَمِلَ، فَإِنْ كَانَ جَارِي الْعَمَل مُقَدَّرًا فِي الدُّيُونِ وَعَمِل بِهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُمَّال صَارَ ذَلِكَ الْقَدْرُ هُوَ جَارِي الْمِثْلِ، وَإِنْ لَمْ يَعْمَل بِهِ إِلاَّ وَاحِدٌ لَمْ يَصِرْ ذَلِكَ مَأْلُوفًا فِي جَارِي الْمِثْل.
ثُمَّ قَال الْمَاوَرْدِيُّ: وَأَمَّا إِنْ لَمْ يُسَمَّ جَارِيهِ بِمَعْلُومٍ وَلاَ بِمَجْهُولٍ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي اسْتِحْقَاقِهِ لِجَارِي مِثْلِهِ عَلَى عَمَلِهِ عَلَى أَرْبَعَةِ مَذَاهِبَ قَالَهَا الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ، فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِيهَا أَنَّهُ لاَ جَارِيَ لَهُ عَلَى عَمَلِهِ وَيَكُونُ مُتَطَوِّعًا بِهِ حَتَّى يُسَمِّيَ جَارِيًا مَعْلُومًا أَوْ مَجْهُولاً لِخُلُوِّ عَمَلِهِ مِنْ عِوَضٍ. وَقَال الْمُزَنِيُّ: لَهُ جَارِي مِثْلِهِ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ لاِسْتِيفَاءِ عَمَلِهِ عَنْ إِذْنِهِ، وَقَال أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ: إِنْ كَانَ مَشْهُورًا بِأَخْذِ الْجَارِي عَلَى عَمَلِهِ فَلَهُ جَارِي مِثْلِهِ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَهِرْ بِأَخْذِ الْجَارِي عَلَيْهِ فَلاَ جَارِيَ لَهُ. وَقَال أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: إِنْ دُعِيَ إِلَى الْعَمَل فِي الاِبْتِدَاءِ أَوْ أُمِرَ بِهِ فَلَهُ جَارِي مِثْلِهِ، فَإِنِ ابْتَدَأَ بِالطَّلَبِ فَأُذِنَ لَهُ فِي الْعَمَل فَلاَ جَارِيَ لَهُ، وَإِذَا كَانَ فِي عَمَلِهِ مَالٌ يُجْتَبَى فَجَارِيهِ مُسْتَحَقٌّ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَالٌ فَجَارِيهِ فِي بَيْتِ الْمَال مُسْتَحَقٌّ مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ (25) . وَقَال أَبُو يَعْلَى: إِنْ لَمْ تُسَمَّ لَهُ جَارِيَةٌ بِمَعْلُومٍ وَلاَ مَجْهُولٍ فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ إِنْ كَانَ مَشْهُورًا بِأَخْذِ الْجَارِي عَلَى عَمَلِهِ فَلَهُ جَارٍ مِثْلُهُ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَهِرْ بِأَخْذِ الْجَارِي عَلَيْهِ فَلاَ جَارِيَ لَهُ. وَإِنْ كَانَ فِي عَمَلِهِ مَالٌ يُجْتَبَى فَجَارِيهِ يُسْتَحَقُّ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَالٌ فَجَارِيهِ فِي بَيْتِ الْمَال مِنْ أَسْهُمِ الْمَصَالِحِ (26) .
ثَانِيًا: الْوَظِيفَةُ بِمَعْنَى الْوِرْدِ:
17 - الْوِرْدُ هُوَ مَا يُرَتِّبُهُ الإِْنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ كُل يَوْمٍ أَوْ لَيْلَةٍ مِنْ عَمَلٍ، وَيُنْظَرُ آرَاءُ الْفُقَهَاءِ فِي الأَْحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهَا فِي مُصْطَلَحِ (وِرْد) .
ثَالِثًا: الْوَظِيفَةُ بِمَعْنَى مَا يَجِبُ فِي الأَْرْضِ مِنْ عُشْرٍ أَوْ خَرَاجٍ:
18 - تَنَاوَل الْفُقَهَاءُ تَقْسِيمَ مَا يَجِبُ عَلَى الأَْرْضِ بِاعْتِبَارِ مَا يُؤْخَذُ مِنْهَا إِلَى عُشْرٍ وَخَرَاجٍ، كَمَا قَسَّمُوا الْخَرَاجَ إِلَى خَرَاجِ الْوَظِيفَةِ وَخَرَاجِ الْمُقَاسَمَةِ.
وَتُنْظَرُ الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِهِمَا فِي مُصْطَلَحِ (إِحْيَاء الْمَوَاتِ ف28، خَرَاج ف14 - 15) .
رَابِعًا: الْوَظِيفَةُ بِمَعْنَى مَا يُقَدَّرُ فِي كُل يَوْمٍ مِنْ طَعَامٍ أَوْ رِزْقٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ:
19 - إِنْ كَانَ الْمُعْطَى مِنْ رِزْقٍ أَوْ طَعَامٍ هُوَ مِنْ بَيْتِ الْمَال فَهُوَ الرِّزْقُ، فَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ حَدُّ الْكِفَايَةِ، وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (رِزْق ف4 وَمَا بَعْدَهَا) وَإِنْ كَانَ الْمُعْطَى مِنْ غَيْرِ بَيْتِ الْمَالِ، فَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ مَا حَدَّدَهُ الْمُعْطِي لِهَذَا الْمَالِ، قَل الْمُعْطَى أَوْ كَثُرَ.
__________
(1) لسان العرب، والمعجم الوسيط مادة (وظف) ، والمصباح المنير مادة (ورد) .
(2) درر الحكام شرح غرر الأحكام 1 / 295، وكشاف القناع 4 / 268، ومطالب أولي النهى 4 / 192 - 193.
(3) لسان العرب، والقاموس المحيط، والمصباح المني، والمعجم الوسيط.
(4) قواعد الفقه للبركي.
(5) الأحكام السلطانية للماوردي ص209.
(6) الأحكام السلطانية للماوردي ص209، والسياسة الشرعية لابن تيمية ص9.
(7) حديث: " من تولى من أمر المسلمين شيئا. . . " أخرجه الطبراني في الكبير (11 / 114 - ط وزارة الأوقاف العراقية) من حديث ابن عباس، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (5 / 212) : فيه أبو محمد الجزري حمزة، ولم أعرفه، وبقية رجاله رجال الصحيح.
(8) حديث: " من استعمل رجلا من عصابة. . . " أخرجه الحاكم في المستدرك (4 / 62 - 63) من حديث ابن عباس، ونقل الزيلعي في نصب الراية (4 / 62) عن الذهبي أنه ذكر أن فيه راويا ضعيفا.
(9) الماوردي 209.
(10) الأحكام السلطانية للماوردي 210 - 211، والأحكام السلطانية لأبي يعلى 247.
(11) الأحكام السلطانية للماوردي 210 - 211، والأحكام السلطانية لأبي يعلى 247.
(12) حاشيتا قليوبي وعميرة على شرح المنهاج 3 / 110، والأشباه لابن نجيم ص125، وابن عابدين 3 / 386.
(13) حاشية ابن عابدين 3 / 418، والمدونة 15 / 18 (طبعة السعادة) ، وحاشية القليوبي وعميرة 2 / 340، والشرح الكبير للمقدسي 6 / 582، والفروع 4 / 711 - 712.
(14) حديث: إن قتل زيد فجعفر. . . أخرجه البخاري (الفتح 7 / 510) من حديث ابن عمر.
(15) حاشية ابن عابدين 3 / 418، والمدونة 15 / 18، وحاشية القليوبي وعميرة 2 / 340، والشرح الكبير للمقدسي 6 / 582، والفروع 4 / 711 - 712.
(16) حاشيتا القليوبي وعميرة على شرح المنهاج 2 / 340.
(17) حاشية ابن عابدين 3 / 183، 4 / 14، والأشباه والنظائر لابن نجيم ص391، ومواهب الجليل 4 / 12 - 13، وأسنى المطالب 3 / 236، مع حاشية الرملي، وحاشية القليوبي 3 / 323، وحاشية عميرة على شرح المحلي 3 / 92، ومطالب أولي النهى 4 / 191 - 192، وتحفة الحبيب على شرح الخطيب 3 / 401.
(18) الرستاق معرب ويستعمل في الناحية التي هي طرف الإقليم (المصباح المنير) .
(19) حاشية ابن عابدين 3 / 407 - 408
(20) حاشية ابن عابدين 3 / 386.
(21) مطالب أولي النهى 4 / 192 - 193.
(22) حاشية ابن عابدين 3 / 281.
(23) حاشية ابن عابدين 3 / 281.
(24) حاشية ابن عابدين 3 / 406 - 407.
(25) الأحكام السلطانية لأبي يعلى ص249.
(26) الأحكام السلطانية للماوردي 211.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 63/ 44
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".