القهار
كلمة (القهّار) في اللغة صيغة مبالغة من القهر، ومعناه الإجبار،...
التَّعْرِيفُ:
1 - مَكَّةُ: عَلَمٌ عَلَى الْبَلَدِ الْمَعْرُوفِ الَّذِي فِيهِ بَيْتُ اللَّهِ الْحَرَامُ.
وَاخْتُلِفَ فِي سَبَبِ تَسْمِيَتِهَا مَكَّةُ بِالْمِيمِ فَقِيل: لأَِنَّهَا تَمُكُّ الْجَبَّارِينَ أَيْ تُذْهِبُ نَخْوَتَهُمْ، وَقِيل: لأَِنَّهَا تَمُكُّ الْفَاجِرَ عَنْهَا أَيْ تُخْرِجُهُ، وَقِيل: كَأَنَّهَا تُجْهِدُ أَهْلَهَا مِنْ قَوْلِهِ تَمَكَّكْتُ الْعَظْمَ إِذَا أَخْرَجْتَ مُخَّهُ، وَقِيل: لأَِنَّهَا تَجْذِبُ النَّاسَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلِهِ: امْتَكَّ الْفَصِيل مَا فِي ضَرْعِ أُمِّهِ إِذَا لَمْ يُبْقِ فِيهِ شَيْئًا، وَقِيل لِقِلَّةِ مَائِهَا.
وَلَهَا أَسْمَاءٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا: بَكَّةُ، وَأُمُّ الْقُرَى، وَالْبَلَدُ الأَْمِينُ، وَأَسْمَاءٌ أُخْرَى (1) .
وَمَكَّةُ كُلُّهَا حَرَمٌ وَكَذَلِكَ مَا حَوْلَهَا، وَقَدْ بَيَّنَ الْفُقَهَاءُ حُدُودَ حَرَمِ مَكَّةَ وَسَبَبَ تَحْرِيمِهِ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنَ الأَْحْكَامِ.
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (حَرَمٌ ف 1 - 3) . الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِمَكَّةَ:
تَتَعَلَّقُ بِمَكَّةَ أَحْكَامٌ مِنْهَا:
وُجُوبُ تَعْظِيمِ مَكَّةَ
2 - يَجِبُ تَعْظِيمُ مَكَّةَ (2) ، لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ:
إِنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ، فَلاَ يَحِل لاِمْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا وَلاَ يُعَضِّدَ بِهَا شَجَرَةً، فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ لِقِتَال رَسُول اللَّهِ ﷺ فَقُولُوا لَهُ: إِنَّ اللَّهَ أَذِنَ لِرَسُولِهِ ﷺ وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ، وَإِنَّمَا أُذِنَ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، وَقَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالأَْمْسِ، وَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ (3) .
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (حَرَمٌ ف 2) .
الْغُسْل لِدُخُول مَكَّةَ
3 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْغُسْل لِدُخُول مَكَّةَ لِفِعْل النَّبِيِّ ﷺ، فَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّهُ كَانَ لاَ يَقْدُمُ مَكَّةَ إِلاَّ بَاتَ بِذِي طُوًى حَتَّى يُصْبِحَ وَيَغْتَسِل ثُمَّ يَدْخُل مَكَّةَ نَهَارًا وَيُذْكَرُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ فَعَلَهُ (4) .
وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ يُسَنُّ الْغُسْل لِدُخُول مَكَّةَ وَلَوْ حَلاَلاً لِلاِتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فِي الْمُحَرَّمِ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْحَلاَل (5) .
الإِْحْرَامُ لِدُخُول مَكَّةَ
4 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ مَنْ أَرَادَ دُخُول مَكَّةَ لِلْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ مِنَ الْمَوَاقِيتِ أَوْ مِنْ قَبْلِهَا.
أَمَّا إِذَا أَرَادَ دُخُول مَكَّةَ لِغَيْرِ الْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ إِحْرَامِهِ وَالتَّفْصِيل فِي (حَرَمٌ ف 4 - 6) .
الْمُجَاوَرَةُ بِمَكَّةَ
5 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الْمُجَاوَرَةِ بِمَكَّةَ، فَذَهَبَ جُمْهُورُهُمْ إِلَى اسْتِحْبَابِ الْمُجَاوَرَةِ، بِمَكَّةَ وَذَهَبَ غَيْرُهُمْ إِلَى كَرَاهَةِ الْمُجَاوَرَةِ بِهَا، وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (حَرَمٌ ف 22) . دُخُول الْكُفَّارِ مَكَّةَ
6 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِغَيْرِ الْمُسْلِمِ السُّكْنَى وَالإِْقَامَةُ فِي مَكَّةَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} .
وَاخْتَلَفُوا فِي اجْتِيَازِ الْكَافِرِ مَكَّةَ بِصِفَةِ مُؤَقَّتَةٍ فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى مَنْعِهِ مُطْلَقًا وَأَجَازَهُ آخَرُونَ.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (حَرَمٌ ف 3) .
بَيْعُ دُورِ مَكَّةَ وَكِرَاؤُهَا
7 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ بَيْعِ رِبَاعِ مَكَّةَ وَكِرَائِهَا: فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ ﷺ: مَكَّةُ حَرَامٌ، حَرَّمَهَا اللَّهُ وَلاَ تَحِل بَيْعُ رِبَاعِهَا وَلاَ إِجَارَةُ بُيُوتِهَا (6) .
وَذَهَبَ غَيْرُهُمْ إِلَى جَوَازِ بَيْعِ دُورِ مَكَّةَ وَإِجَارَتِهَا لأَِنَّهَا عَلَى مِلْكِ أَرْبَابِهَا.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (حَرَمٌ ف 17، وَرِبَاعٌ ف 5) . تَضَاعُفُ السَّيِّئَاتِ بِمَكَّةَ
8 - ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ السَّيِّئَاتِ تُضَاعَفُ بِمَكَّةَ كَمَا تُضَاعَفُ الْحَسَنَاتُ، وَمِمَّنْ قَال ذَلِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَمُجَاهِدٌ ﵃، وَغَيْرُهُمْ، لِتَعْظِيمِ الْبَلَدِ.
وَسُئِل ابْنُ عَبَّاسٍ ﵄ عَنْ مُقَامِهِ بِغَيْرِ مَكَّةَ فَقَال: " مَا لِي وَلِبَلَدٍ تُضَاعَفُ فِيهِ السَّيِّئَاتُ كَمَا تُضَاعَفُ الْحَسَنَاتُ (7) ".
فَحُمِل ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى مُضَاعَفَةِ السَّيِّئَاتِ بِالْحَرَمِ، ثُمَّ قِيل: تَضْعِيفُهَا كَمُضَاعَفَةِ الْحَسَنَاتِ بِالْحَرَمِ.
وَقِيل: بَل كَخَارِجِهِ.
وَمَنْ أَخَذَ بِالْعُمُومَاتِ لَمْ يَحْكُمْ بِالْمُضَاعَفَةِ قَال تَعَالَى: {وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا} .
وَقَال النَّبِيُّ ﷺ: مَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةِ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً (8) .
وَقَال بَعْضُ السَّلَفِ لاِبْنِهِ: " يَا بُنَيَّ إِيَّاكَ وَالْمَعْصِيَةَ فَإِنْ عَصَيْتَ وَلاَ بُدَّ، فَلْتَكُنْ فِي مَوَاضِعِ الْفُجُورِ، لاَ فِي مَوَاضِعِ الأُْجُورِ، لِئَلاَّ يُضَاعَفَ عَلَيْكَ الْوِزْرُ، أَوْ تُعَجَّل الْعُقُوبَةُ " وَحَرَّرَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ النِّزَاعَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَال: الْقَائِل بِالْمُضَاعَفَةِ: أَرَادَ مُضَاعَفَةَ مِقْدَارِهَا أَيْ غِلَظَهَا لاَ كَمِّيَّتَهَا فِي الْعَدَدِ، فَإِنَّ السَّيِّئَةَ جَزَاؤُهَا سَيِّئَةٌ، لَكِنَّ السَّيِّئَاتِ تَتَفَاوَتُ، فَالسَّيِّئَةُ فِي حَرَمِ اللَّهِ وَبِلاَدِهِ عَلَى بِسَاطٍ أَكْبَرَ وَأَعْظَمَ مِنْهَا فِي طَرَفٍ مِنْ أَطْرَافِ الْبِلاَدِ، وَلِهَذَا لَيْسَ مَنْ عَصَى الْمَلِكَ عَلَى بِسَاطِ مُلْكِهِ كَمَنْ عَصَاهُ فِي مَوْضِعٍ بَعِيدٍ عَنْهُ.
وَيُعَاقَبُ عَلَى الْهَمِّ فِيهَا بِالسَّيِّئَاتِ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْهَا.
قَال تَعَالَى: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} وَلِهَذَا عُدِّيَ فِعْل الإِْرَادَةِ بِالْبَاءِ.
وَلاَ يُقَال: أَرَدْتُ بِكَذَا، لَمَّا ضَمَّنَهُ مَعْنَى يَهِمُّ، فَإِنَّهُ يُقَال: هَمَمْتُ بِكَذَا.
وَهَذَا مُسْتَثْنًى مِنْ قَاعِدَةِ الْهَمِّ بِالسَّيِّئَةِ وَعَدَمِ فِعْلِهَا.
كُل ذَلِكَ تَعْظِيمًا لِحُرْمَتِهِ، وَكَذَلِكَ فَعَل اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِأَصْحَابِ الْفِيل.
أَهْلَكَهُمْ قَبْل الْوُصُول إِلَى بَيْتِهِ.
وَقَال أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: " لَوْ أَنَّ رَجُلاً هَمَّ أَنْ يَقْتُل فِي الْحَرَمِ أَذَاقَهُ اللَّهُ مِنَ الْعَذَابِ الأَْلِيمِ ثُمَّ قَرَأَ الآْيَةَ.
وَقَال ابْنُ مَسْعُودٍ: " مَا مِنْ بَلَدٍ يُؤَاخَذُ الْعَبْدُ فِيهِ بِالْهَمِّ قَبْل الْفِعْل إِلاَّ مَكَّةَ وَتَلاَ هَذِهِ الآْيَةَ (9) .
__________
(1) شفاء الغرام 1 / 48 - 53، وإعلام الساجد ص 78 - 83.
(2) فتح الباري 4 / 41.
(3) حديث: " إن مكة حرمها الله. . " أخرجه البخاري (فتح الباري 4 / 41) ومسلم (2 / 987 - 988) من حديث أبي شريح العدوي.
(4) حديث: " إن ابن عمر كان لا يقدم مكة إلا بات بذي طوى. . " أخرجه البخاري (فتح الباري 3 / 435) ومسلم (2 / 919) واللفظ لمسلم.
(5) مغني المحتاج 1 / 479، والمهذب 1 / 211، والأشباه والنظائر ص 369، وكشاف القناع 2 / 476، والشرح الصغير 2 / 41.
(6) حديث: " مكة حرام حرمها الله. . ". أخرجه ابن أبي شيبة من حديث مجاهد مرسلاً، كذا في نصب الراية للزيلعي (4 / 266) ، وورد بلفظ مكة مناخ، لا تباع رباعها ولا يؤاجر بيوتها. أخرجه الدارقطني (3 / 58) من حديث عبد الله بن عمرو، وأعله بضعف أحد رواته وقال: لم
(7) إعلام الساجد بأحكام المساجد ص 128.
(8) حديث: " من هم بسيئة فلم يعملها. . . " أخرجه البخاري (فتح الباري 11 / 323) ومسلم (1 / 118) من حديث ابن عباس.
(9) إعلام الساجد بأحكام المساجد ص 128، 129.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 374/ 38
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".