دِيَانَةٌ
من الموسوعة الكويتية
التَّعْرِيفُ:
1 - الدِّيَانَةُ فِي اللُّغَةِ: مَصْدَرُ دَانَ يَدِينُ بِالدِّينِ دِيَانَةً: إِذَا تَعَبَّدَ بِهِ. وَتَدَيَّنَ بِهِ كَذَلِكَ، فَهُوَ دَيِّنٌ، مِثْل سَادَ فَهُوَ سَيِّدٌ، وَدَيَّنْتُهُ (بِالتَّشْدِيدِ) وَكَّلْتُهُ إِلَى دِينِهِ، وَتَرَكْتُهُ وَمَا يَدِينُ: لَمْ أَعْتَرِضْ عَلَيْهِ فِيمَا يَرَاهُ سَائِغًا فِي اعْتِقَادِهِ (1) .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ الْفِقْهِيِّ: هِيَ قَبُول دَعْوَى الْحَالِفِ، أَوِ الْمُطَلِّقِ وَنَحْوِهِمَا بِلَفْظٍ صَرِيحٍ بِالنِّيَّةِ، لاَ قَضَاءَ إِذَا ادَّعَى أَنَّهُ قَصَدَ بِاللَّفْظِ مَا يُخَالِفُ مَا يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُ اللَّفْظِ عُرْفًا، وَلَكِنَّهُ يَحْتَمِلُهُ، احْتِمَالاً بَعِيدًا (2) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْقَضَاءُ:
2 - الْقَضَاءُ لُغَةً: الْحُكْمُ، وَاصْطِلاَحًا: هُوَ الإِْخْبَارُ عَنْ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ عَلَى سَبِيل الإِْلْزَامِ (3) . ب - الإِْفْتَاءُ:
3 - الإِْفْتَاءُ لُغَةً: إِبَانَةُ الْحُكْمِ، وَاصْطِلاَحًا: هُوَ إِظْهَارُ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ فِي الْوَاقِعَةِ لاَ عَلَى سَبِيل الإِْلْزَامِ.
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
4 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّهُ إِذَا تَلَفَّظَ بِلَفْظٍ صَرِيحٍ بِالطَّلاَقِ كَأَنْ يَقُول مُخَاطِبًا زَوْجَتَهُ: أَنْتِ مُطَلَّقَةٌ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ يَقُول: أَرَدْتُ أَنْتِ مُطَلَّقَةٌ مِنْ قَيْدٍ حِسِّيٍّ أَوْ مِنْ دَيْنٍ كَانَ عَلَيْهَا، أَوْ يَقُول: أَرَدْتُ أَنْ أَقُول: أَنْتِ حَائِضٌ مَثَلاً فَسَبَقَ لِسَانِي إِلَى أَنْتِ طَالِقٌ، وَلَمْ أَقْصِدْ إِلَيْهِ، فَإِنَّهُ لاَ يُقْبَل قَضَاءً لأَِنَّهُ خِلاَفُ الظَّاهِرِ، وَيُقْبَل دِيَانَةً؛ لأَِنَّهُ صَرْفُ اللَّفْظِ إِلَى مَعْنًى يَحْتَمِلُهُ. وَيُتْرَكُ وَشَأْنَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى (4) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِنْ سَأَلَتْهُ الطَّلاَقَ وَكَانَتْ مُوَثَّقَةً، فَقَال: أَنْتِ طَالِقٌ، وَادَّعَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدِ الطَّلاَقَ، وَإِنَّمَا أَرَادَ مِنَ الْوَثَاقِ، أَوْ كَانَتْ مُوثَقَةً لَمْ تَسْأَلْهُ، فَقَال: أَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ لَمْ تَكُنْ مُوثَقَةً وَقَال لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ، فَالْحُكْمُ فِي الأَْوَّل يُدَيَّنُ بِلاَ خِلاَفٍ، وَفِي الثَّالِثِ لاَ يُدَيَّنُ مِنْ غَيْرِ خِلاَفٍ، أَمَّا الثَّانِي فَقِيل: يُدَيَّنُ وَقِيل: لاَ يُدَيَّنُ (5) . وَمَعْنَى الدِّيَانَةِ هُنَا مَعَ نَفْيِ الْقَبُول ظَاهِرًا، أَنْ يُقَال لِلْمَرْأَةِ: أَنْتِ حَرَامٌ عَلَيْهِ، وَلاَ يَجُوزُ لَكِ تَمْكِينُهُ مِنْ نَفْسِكِ إِلاَّ إِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّكِ صِدْقُهُ بِقَرِينَةٍ. وَيُقَال لِلزَّوْجِ: لاَ نُمَكِّنُكَ مِنْ تَتَبُّعِهَا، وَلَكَ أَنْ تَتْبَعَهَا، وَالطَّلَبُ فِيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ صَادِقًا، وَتَحِل لَكَ إِذَا رَاجَعْتَهَا (6) .
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: مَعْنَى الدِّيَانَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُفْتِي أَنْ يُفْتِيَهُ بِعَدَمِ وُقُوعِ الطَّلاَقِ. أَمَّا الْقَاضِي فَلاَ يَجُوزُ لَهُ تَصْدِيقُهُ، وَيَقْضِي عَلَيْهِ بِالْوُقُوعِ؛ لأَِنَّهُ خِلاَفُ الظَّاهِرِ، بِلاَ قَرِينَةٍ، وَالْمَرْأَةُ كَالْقَاضِي، لاَ يَحِل لَهَا تَمْكِينُهُ مِنْ نَفْسِهَا، وَلَيْسَ لَهَا دَفْعُهُ عَنْهَا بِقَتْلِهِ، بَل تَفْدِي نَفْسَهَا بِمَالٍ أَوْ تَهْرُبُ مِنْهُ (7) .
ضَابِطُ مَا يُدَيَّنُ فِيهِ، وَمَا يُقْبَل ظَاهِرًا:
5 - قَال الْقَاضِي حُسَيْنٌ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: مَا يَدَّعِيهِ الشَّخْصُ مِنَ النِّيَّةِ: أَرْبَعُ مَرَاتِبَ: أَحَدُهَا: أَنْ يَرْفَعَ مَا صَرَّحَ بِهِ بِأَنْ قَال: أَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ قَال: أَرَدْتُ طَلاَقًا لاَ يَقَعُ عَلَيْكِ، أَوْ لَمْ أُرِدْ إِيقَاعَ الطَّلاَقِ، فَلاَ تُؤَثِّرُ دَعْوَاهُ ظَاهِرًا، وَلاَ يُدَيَّنُ بَاطِنًا؛ لأَِنَّهُ خِلاَفُ الظَّاهِرِ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَعْنًى يَحْتَمِلُهُ اللَّفْظُ.
ثَانِيهَا: أَنْ يَكُونَ مَا يَدَّعِيهِ مُقَيِّدًا لِمَا تَلَفَّظَ بِهِ مُطْلَقًا، بِأَنْ يَقُول: أَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ يَقُول: أَرَدْتُ عِنْدَ دُخُول الدَّارِ، فَلاَ يُقْبَل ظَاهِرًا، وَفِي التَّدْيِينِ خِلاَفٌ.
ثَالِثُهَا: أَنْ يَرْجِعَ مَا يَدَّعِيهِ إِلَى تَخْصِيصِ عُمُومٍ فَيُدَيَّنُ، وَفِي الْقَبُول ظَاهِرًا خِلاَفٌ.
رَابِعُهَا: أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ مُحْتَمِلاً لِلطَّلاَقِ مِنْ غَيْرِ شُيُوعٍ وَظُهُورٍ، وَفِي هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ تَقَعُ الْكِنَايَاتُ، وَيُعْمَل فِيهَا بِالنِّيَّةِ (أَيْ قَضَاءً وَدِيَانَةً) .
وَلِلشَّافِعِيَّةِ ضَابِطٌ آخَرُ: قَالُوا: يُنْظَرُ فِي التَّفْسِيرِ بِخِلاَفِ الظَّاهِرِ، فَإِنْ كَانَ لَوْ وَصَل بِاللَّفْظِ لاَ يَنْتَظِمُ الْكَلاَمُ وَلاَ يَسْتَقِيمُ مَعْنَاهُ لَمْ يُقْبَل قَضَاءً، وَلاَ دِيَانَةً، كَأَنْ يَقُول: أَرَدْتُ طَلاَقًا لاَ يَقَعُ، وَإِنْ كَانَ الْكَلاَمُ يَنْتَظِمُ وَيَسْتَقِيمُ مَعْنَاهُ بِالْوَصْل، فَلاَ يُقْبَل ظَاهِرًا، وَيُقْبَل دِيَانَةً.
كَأَنْ يَقُول: أَرَدْتُ طَلاَقًا فِي وَثَاقٍ، أَوْ: أَرَدْتُ إِنْ دَخَلَتِ الدَّارَ؛ لأَِنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُهُ (8) . وَاسْتَثْنَوْا مِنْ هَذَا نِيَّةَ التَّعْلِيقِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَالُوا: لاَ يُدَيَّنُ فِيهِ عَلَى الْمَذْهَبِ.
6 - وَالْيَمِينُ، وَالإِْيلاَءُ، وَالظِّهَارُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ كَالطَّلاَقِ، فَلاَ يُقْبَل مِنْهُ قَضَاءً إِذَا ادَّعَى أَنَّهُ أَرَادَ بِاللَّفْظِ الصَّرِيحِ فِيمَا ذُكِرَ مَا يُخَالِفُ مَا يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُ اللَّفْظِ، فَإِنْ حَلَفَ أَنَّهُ لاَ يَأْكُل خُبْزًا أَوْ لاَ يَشْرَبُ لَبَنًا، ثُمَّ قَال: أَرَدْتُ نَوْعًا خَاصًّا مِنَ الْخُبْزِ وَاللَّبَنِ، فَلاَ يُقْبَل مِنْهُ قَضَاءً لأَِنَّهُ خِلاَفُ الطَّاهِرِ وَيُقْبَل دِيَانَةً؛ لأَِنَّ تَخْصِيصَ الْعَامِّ بِالنِّيَّةِ جَائِزٌ وَالاِحْتِمَال قَائِمٌ، فَيُوَكَّل إِلَى دِينِهِ بَاطِنًا، أَمَّا فِي الظَّاهِرِ فَيُحْكَمُ بِحِنْثِهِ؛ لأَِنَّهُ يَدَّعِي خِلاَفَ الظَّاهِرِ (9) .
وَنَحْنُ نُحَكِّمُ الظَّوَاهِرَ وَاللَّهُ يَتَوَلَّى السَّرَائِرَ.
وَفِي الإِْيلاَءِ: إِنْ قَال: وَاللَّهِ لاَ وَطِئْتُكِ، أَوْ وَاللَّهِ لاَ جَامَعْتُكِ، أَوْ لاَ أَصَبْتُكِ، أَوْ لاَ بَاشَرْتُكِ، ثُمَّ قَال: أَرَدْتُ بِالْوَطْءِ: بِالْقَدَمِ، وَبِالْجِمَاعِ: اجْتِمَاعَ الأَْجْسَامِ، وَبِالإِْصَابَةِ: الإِْصَابَةَ بِالْيَدِ، لَمْ يُقْبَل مِنْهُ فِي الْحُكْمِ؛ لأَِنَّهُ خِلاَفُ الظَّاهِرِ وَالْعُرْفِ، وَيُقْبَل مِنْهُ دِيَانَةً لأَِنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُهُ.
وَتُنْظَرُ الأَْمْثِلَةُ وَالتَّطْبِيقَاتُ فِي أَبْوَابِ الطَّلاَقِ وَالأَْيْمَانِ، وَالإِْيلاَءِ، وَالظِّهَارِ وَغَيْرِهَا. وَقَدْ تَعَرَّضَ الْمَالِكِيَّةُ لِهَذَا فِي مَسْأَلَةِ نُفُوذِ حُكْمِ الْحَكَمِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا بِمَا يَدُل عَلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ لِلنِّيَّةِ وَلِعِلْمِ الشَّخْصِ، لاَ لِلْحُكْمِ الظَّاهِرِ فِيمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ فِي الْبَاطِنِ فِعْل الْحَرَامِ، وَقَال الْقَرَافِيُّ يُؤْخَذُ النَّاسُ بِأَلْفَاظِهِمْ وَلاَ تَنْفَعُهُمْ نِيَّتُهُمْ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ قَرِينَةٌ مُصَدِّقَةٌ. وَنُقِل فِيمَنْ قَال: أَنْتِ طَالِقٌ، وَنَوَى مِنْ وَثَاقٍ، أَنَّهُ قِيل: يُدَيَّنُ، وَقِيل: لاَ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا (10) .
__________
(1) المصباح المنير وتاج العروس مادة: " دين ".
(2) معين الحكام ص 6، نهاية المحتاج 8 / 235.
(3) معين الحكام ص 6، نهاية المحتاج 8 / 235
(4) ابن عابدين 2 / 431، المغني 7 / 122، روضة الطالبين 8 / 18.
(5) الدسوقي 2 / 378
(6) روضة الطالبين 8 / 18 - 20
(7) ابن عابدين 2 / 432، وفيه تفصيل لا بد من الرجوع إليه لضبط المسألة
(8) روضة الطالبين 8 / 19 و 20
(9) ابن عابدين 3 / 68
(10) الفروق للقرافي 1 / 164، الشرح الصغير 4 / 223، القوانين الفقهية 153، القليوبي 4 / 10، المغني 7 / 317
الموسوعة الفقهية الكويتية: 98/ 21