الشهيد
كلمة (شهيد) في اللغة صفة على وزن فعيل، وهى بمعنى (فاعل) أي: شاهد،...
التَّعْرِيفُ:
1 - الْخَنِقُ بِكَسْرِ النُّونِ وَالْخَنْقُ (بِسُكُونِهَا) مَصْدَرُ خَنَقَ يَخْنُقُ إِذَا عَصَرَ حَلْقَهُ حَتَّى يَمُوتَ، وَالتَّخْنِيقُ مَصْدَرُ خَنَّقَ وَمِنْهُ الْخِنَاقُ، وَالْخِنَاقُ الْحَبْل الَّذِي يُخْنَقُ بِهِ. (1)
وَيُسْتَعْمَل فِي الاِصْطِلاَحِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ فِي نَفْسِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ، بِأَيِّ وَسِيلَةٍ كَانَ الْخَنْقُ بِحَبْلٍ أَوْ غَيْرِهِ، كَأَنْ جَعَل فِي عُنُقِهِ حَبْلاً ثُمَّ عَلَّقَهُ فِي شَيْءٍ عَنِ الأَْرْضِ، أَوْ خَنَقَهُ بِيَدَيْهِ أَوْ سَدَّ فَمَهُ وَأَنْفَهُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ (2) .
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
أَوَّلاً - فِي الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ:
2 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْحَيَوَانَ الَّذِي مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُذْبَحَ فَإِنَّهُ لاَ يَحِل بِالْخَنْقِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِل لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ} (3)
كَذَلِكَ يَحْرُمُ الأَْكْل مِنَ الصَّيْدِ الَّذِي مَاتَ بِالْخِنَاقِ بِحَبْلٍ مَنْصُوبٍ لَهُ، أَوِ الَّذِي خَنَقَهُ الْكَلْبُ الْمُعَلَّمُ مِنْ غَيْرِ جَرْحٍ، لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَالْمُنْخَنِقَةُ} (4)
وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (صَيْدٌ، ذَبَائِحُ) .
ثَانِيًا - فِي الْقَتْل:
3 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَهُمُ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالصَّاحِبَانِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْقَتْل بِالْخَنْقِ قَتْل عَمْدٍ يُوجِبُ الْقَوَدَ، فَيُقْتَل بِهِ الْجَانِي قِصَاصًا، لأَِنَّ الْعَمْدَ قَصْدُ الْفِعْل الَّذِي وَقَعَ بِهِ الْقَتْل بِمَا يُتْلِفُ غَالِبًا جَارِحًا أَوْ لاَ، كَمَا يَقُول الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَهَذَا يَشْمَل التَّخْنِيقَ وَالتَّغْرِيقَ، كَمَا يَشْمَل الإِْلْقَاءَ مِنْ شَاهِقٍ، وَالْقَتْل بِمُثَقَّلٍ، وَلأَِنَّ قَصْدَ الْعُدْوَانِ يَكْفِي لِيَكُونَ الْقَتْل عَمْدًا مُوجِبًا لِلْقِصَاصِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، سَوَاءٌ أَقَصَدَ الْجَانِي قَتْل الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَمْ قَصَدَ مُجَرَّدَ ضَرْبِهِ وَتَعْذِيبِهِ فَمَاتَ. (5)
وَقَال أَبُو حَنِيفَةَ: لاَ قِصَاصَ فِي الْقَتْل بِالْخَنْقِ وَالتَّغْرِيقِ وَالْقَتْل بِالْمُثَقَّل، لأَِنَّهُ لَيْسَ عَمْدًا، بَل شِبْهَ عَمْدٍ، وَقَال: الْعَمْدُ مَا تَعَمَّدَ قَتْلَهُ بِالْحَدِيدِ كَالسَّيْفِ وَالسِّكِّينِ وَالرُّمْحِ وَالْخِنْجَرِ وَالنُّشَّابَةِ وَالإِْبْرَةِ وَالإِْشْفَى. (6) وَنَحْوِهَا مِمَّا يُفَرِّقُ أَجْزَاءَ الْبَدَنِ. وَذَلِكَ لأَِنَّ الْعَمْدَ هُوَ الْقَصْدُ وَهُوَ أَمْرٌ بَاطِنٌ لاَ يُوقَفُ عَلَيْهِ إِلاَّ بِدَلِيلِهِ مِنِ اسْتِعْمَال آلَةٍ مُعَدَّةٍ لِلْقَتْل، فَلاَ قَوَدَ فِي الْقَتْل بِالْخَنْقِ، لأَِنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ ضَرْبَهُ بِآلَةٍ جَارِحَةٍ مُعَدَّةٍ لِلْقَتْل. (7)
هَذَا إِذَا لَمْ يَتَكَرَّرِ الْقَتْل بِالْخَنْقِ، أَمَّا إِذَا اعْتَادَ الْخَنْقَ وَتَكَرَّرَ مِنْهُ وَلَوْ مَرَّتَيْنِ قُتِل بِهِ بِلاَ خِلاَفٍ، إِلاَّ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَال: مَنْ خَنَقَ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ قُتِل سِيَاسَةً (8) لِسَعْيِهِ فِي الأَْرْضِ بِالْفَسَادِ (9) .
4 - هَذَا، وَإِذَا حُكِمَ فِي الْخَنْقِ بِالْقِصَاصِ فَالْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى أَنَّ الْجَانِيَ (الْخَانِقَ) لاَ يُقْتَصُّ مِنْهُ إِلاَّ بِالسَّيْفِ، لِقَوْلِهِ ﷺ: لاَ قَوَدَ إِلاَّ بِالسَّيْفِ (10) وَلأَِنَّ الْقَصْدَ مِنَ الْقَوَدِ إِتْلاَفُ جُمْلَتِهِ وَقَدْ أَمْكَنَ بِضَرْبِ عُنُقِهِ فَلاَ يَجُوزُ تَعْذِيبُهُ. (11)
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ لِلْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّ الْقَاتِل يُقْتَل بِمِثْل مَا قَتَل إِلاَّ فِي حَالاَتٍ خَاصَّةٍ تُذْكَرُ فِي مُصْطَلَحِ (قِصَاصٌ) ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْل مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} (12) وَعَلَى ذَلِكَ فَيُخْنَقُ الْخَانِقُ حَتَّى يَمُوتَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، إِلاَّ إِذَا اخْتَارَ مُسْتَحِقُّ الْقَوَدِ السَّيْفَ فَيُمَكَّنُ مِنْهُ، لأَِنَّهُ أَخَفُّ مِنْ غَيْرِهِ غَالِبًا، وَلأَِنَّهُ الأَْصْل فِي الْقِصَاصِ. (13) وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحَيْ: (جِنَايَةٌ، وَقِصَاصٌ) .
ثَالِثًا - فِي الأَْيْمَانِ:
5 - صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ مَنْ حَلَفَ لاَ يَضْرِبُ امْرَأَتَهُ فَخَنَقَهَا أَوْ مَدَّ شَعْرَهَا أَوْ عَضَّهَا حَنِثَ، لأَِنَّ الضَّرْبَ اسْمٌ لِفِعْلٍ مُؤْلِمٍ فَيَدْخُل فِيهِ الْخَنْقُ. (14)
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: لَيْسَ وَضْعُ السَّوْطِ عَلَيْهِ وَالْعَضُّ، وَالْخَنْقُ، أَوْ نَتْفُ الشَّعْرِ ضَرْبًا، لاِنْتِفَاءِ تَسْمِيَتِهِ بِذَلِكَ عُرْفًا، فَلاَ يَحْنَثُ إِنْ عَضَّهَا أَوْ خَنَقَهَا أَوْ نَتَفَ شَعْرَهَا (15) .
(ر: أَيْمَانٌ) .
مَوَاطِنُ الْبَحْثِ:
ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ حُكْمَ الْخَنْقِ فِي مَبَاحِثِ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ، وَفِي الْجِنَايَاتِ وَالْقِصَاصِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ، وَفِي بَابِ الْيَمِينِ.
__________
(1) المصباح المنير، ولسان العرب في المادة.
(2) ابن عابدين 5 / 349، ومطالب أولي النهى 6 / 9، القرطبي 6 / 48.
(3) سورة المائدة / 3.
(4) حاشية ابن عابدين 5 / 186، وتفسير القرطبي 6 / 48، وأسنى المطالب 1 / 555، والمغني 8 / 545.
(5) ابن عابدين 3 / 215، 339، والاختيار 5 / 29، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير 4 / 242، وحاشية الجمل 5 / 5، والمغني 7 / 640، ومغني المحتاج 4 / 6.
(6) اِلإشفى مخرز الإسكافي.
(7) الدر المختار مع حاشية ابن عابدين 5 / 339، 349، والاختيار 5 / 29.
(8) السياسة في الأصل استصلاح الخلق بإرشادهم إلى الطريق المنجي في الدنيا والآخرة. وفي باب الزجر والتأديب عرفها بعضهم بأنها تغليظ جناية لها حكم شرعي حسمًا لمادة الفساد، والظاهر أن السياسة والتعزير مترادفان.، (ابن عابدين 3 / 147، 148) .
(9) ابن عابدين 3 / 215، 5 / 349.
(10) حديث: " لا قود إلا بالسيف ". أخرجه ابن ماجه (2 / 889 -. ط الحلبي) من حديث النعمان بن بشير، ومن حديث أبي بكرة، وأورده ابن حجر في التلخيص (4 / 19 - شركة الطباعة الفنية) ، ونقل عن عبد الحق الأشبيلي أنه قال: " طرقه كلها ضعيفة " وعن البيهقي أنه قال: " لم يثبت له إسناد ".
(11) ابن عابدين 5 / 346، ومطالب أولي النهى 6 / 52.
(12) سورة النحل / 126.
(13) جواهر الإكليل 2 / 265، والقليوبي 4 / 124.
(14) الاختيار للموصلي 4 / 72، والمغني لابن قدامة 8 / 726.
(15) المهذب 2 / 137، 138، ونهاية المحتاج 8 / 199.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 38/ 20
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".