الرحمن
هذا تعريف باسم الله (الرحمن)، وفيه معناه في اللغة والاصطلاح،...
يَرِد مُصطلَح (صَوْم التَّطَوُّع) في الفقه في كتاب الاعْتِكافِ، باب: شُروط الاعْتِكافِ، وكتاب الحَجِّ، باب: الفِدْيَة، وفي كتاب النِّكاحِ، باب: العِشرَة بين الزَّوجين، وكتاب الأَيْمان والنُّذُورِ، وكتاب القضاءِ، باب: أَدَب القاضِي، وغير ذلك من الأبواب.
كُلُّ صِيامٍ شَرَعَهُ اللهُ تعالى زِيادَةً على الصَّوْمِ الواجِبِ.
صِيامُ التَّطَوُّعِ: هو التَّقَرُّبُ إلى اللَّهِ تعالى بِما ليس بِفَرْضٍ مِن الصَّوْمِ. ويُسَمَّى: المَسْنونُ والمُسْتَحَبُّ، وهو قِسْمانِ: 1- صَوْمُ التَّطَوُّع المُطْلَق: وهو صومٌ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِزَمَنٍ مُعَيَّنٍ، في غيرٍ الأيَّامِ المنهيِّ عن صيامِهَا. 2- صَوْمُ التَّطَوُّعِ المُقَيَّد: وهو ما جاء في النُّصُوصِ مُقَيًّداً بِزَمَنٍ مُعَيَّنٍ، كَصَومِ السِّتِّ مِن شَوَّالٍ، ويَوْمَيْ الإثْنَيْنِ والخَمِيسِ، ويَوْم عَرَفَةَ، ويَومَي تاسُوعاءَ وعاشُوراءَ مِن شَهرِ الله المُحَرَّمِ.
* بدائع الصنائع : (2/78)
* البحر الرائق شرح كنز الدقائق : (2/277)
* المطلع على ألفاظ المقنع : (ص 188)
* معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية : (2/397)
* الموسوعة الفقهية الكويتية : (28/86)
* التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد : (22/148) -
التَّعْرِيفُ:
1 - الصَّوْمُ لُغَةً: مُطْلَقُ الإِْمْسَاكِ (1) .
وَاصْطِلاَحًا: إِمْسَاكٌ عَنِ الْمُفْطِرَاتِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ مِنْ شَخْصٍ مَخْصُوصٍ مَعَ النِّيَّةِ (2) .
وَالتَّطَوُّعُ اصْطِلاَحًا: التَّقَرُّبُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِمَا لَيْسَ بِفَرْضٍ مِنَ الْعِبَادَاتِ (3) .
وَصَوْمُ التَّطَوُّعِ: التَّقَرُّبُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِمَا لَيْسَ بِفَرْضٍ مِنَ الصَّوْمِ.
فَضْل صَوْمِ التَّطَوُّعِ:
2 - وَرَدَ فِي فَضْل صَوْمِ التَّطَوُّعِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ، مِنْهَا: حَدِيثُ سَهْلٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَال: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَال لَهُ: الرَّيَّانُ، يَدْخُل مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لاَ يَدْخُل مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ. فَيُقَال: أَيْنَ الصَّائِمُونَ؟ فَيَقُومُونَ، لاَ يَدْخُل مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ. فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ، فَلَمْ يَدْخُل مِنْهُ أَحَدٌ (4) .
وَمِنْهَا مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَال: مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيل اللَّهِ بَاعَدَ اللَّهُ تَعَالَى وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا (5) .
أَنْوَاعُ صَوْمِ التَّطَوُّعِ:
3 - قَسَّمَ الْحَنَفِيَّةُ صَوْمَ التَّطَوُّعِ إِلَى مَسْنُونٍ، وَمَنْدُوبٍ، وَنَفْلٍ.
فَالْمَسْنُونُ: عَاشُورَاءُ مَعَ تَاسُوعَاءَ. وَالْمَنْدُوبُ: صَوْمُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُل شَهْرٍ، وَصَوْمُ يَوْمِ الاِثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ، وَصَوْمُ سِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ، وَكُل صَوْمٍ ثَبَتَ طَلَبُهُ وَالْوَعْدُ عَلَيْهِ؛ كَصَوْمِ دَاوُدَ ﵊، وَنَحْوِهِ.
وَالنَّفَل: مَا سِوَى ذَلِكَ مِمَّا لَمْ تَثْبُتْ كَرَاهَتُهُ.
وَقَسَّمَ الْمَالِكِيَّةُ - أَيْضًا - صَوْمَ التَّطَوُّعِ إِلَى ثَلاَثَةِ أَقْسَامٍ: سُنَّةٍ، وَمُسْتَحَبٍّ، وَنَافِلَةٍ.
فَالسُّنَّةُ: صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ. وَالْمُسْتَحَبُّ: صِيَامُ الأَْشْهُرِ الْحُرُمِ، وَشَعْبَانَ، وَالْعَشْرِ الأُْوَل مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَيَوْمِ عَرَفَةَ، وَسِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ، وَثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُل شَهْرٍ، وَيَوْمِ الاِثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ. وَالنَّافِلَةُ: كُل صَوْمٍ لِغَيْرِ وَقْتٍ وَلاَ سَبَبٍ، فِي غَيْرِ الأَْيَّامِ الَّتِي يَجِبُ صَوْمُهَا أَوْ يُمْنَعُ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: صَوْمُ التَّطَوُّعِ وَالصَّوْمُ الْمَسْنُونُ بِمَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ (6) .
أَحْكَامُ النِّيَّةِ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ:
أ - وَقْتُ النِّيَّةِ:
4 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ - الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ - إِلَى أَنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ تَبْيِيتُ النِّيَّةِ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا قَالَتْ: دَخَل عَلَيَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَال: هَل عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟ فَقُلْنَا: لاَ، فَقَال: فَإِنِّي إِذًا صَائِمٌ (7) .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي نِيَّةِ صَوْمِ التَّطَوُّعِ التَّبْيِيتُ كَالْفَرْضِ. لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: مَنْ لَمْ يُبَيِّتِ الصِّيَامَ مِنَ اللَّيْل فَلاَ صِيَامَ لَهُ (8) فَلاَ تَكْفِي النِّيَّةُ بَعْدَ الْفَجْرِ، لأَِنَّ النِّيَّةَ الْقَصْدُ، وَقَصْدُ الْمَاضِي مُحَالٌ عَقْلاً.
5 - وَاخْتَلَفَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ فِي آخِرِ وَقْتِ نِيَّةِ التَّطَوُّعِ.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ: إِلَى أَنَّ آخِرَ وَقْتِ نِيَّةِ صَوْمِ التَّطَوُّعِ الضَّحْوَةُ الْكُبْرَى.
وَالْمُرَادُ بِهَا: نِصْفُ النَّهَارِ الشَّرْعِيِّ، وَالنَّهَارُ الشَّرْعِيُّ: مِنِ اسْتِطَارَةِ الضَّوْءِ فِي أُفُقِ الْمَشْرِقِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَنَصُّوا عَلَى أَنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْ وُقُوعِ النِّيَّةِ قَبْل الضَّحْوَةِ الْكُبْرَى، فَلاَ تُجْزِئُ النِّيَّةُ عِنْدَ الضَّحْوَةِ الْكُبْرَى اعْتِبَارًا لأَِكْثَرِ الْيَوْمِ كَمَا قَال الْحَصْكَفِيُّ (9) .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ: إِلَى أَنَّ آخِرَ وَقْتِ نِيَّةِ صَوْمِ التَّطَوُّعِ قَبْل الزَّوَال، وَاخْتُصَّ بِمَا قَبْل الزَّوَال لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - ﷺ - قَال لِعَائِشَةَ يَوْمًا: هَل عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟ قَالَتْ: لاَ. قَال: فَإِنِّي إِذَنْ صَائِمٌ (10) . إِذِ الْغَدَاءُ اسْمٌ لِمَا يُؤْكَل قَبْل الزَّوَال، وَالْعَشَاءُ اسْمٌ لِمَا يُؤْكَل بَعْدَهُ؛ وَلأَِنَّهُ مَضْبُوطٌ بَيِّنٌ، وَلإِِدْرَاكِ مُعْظَمِ النَّهَارِ بِهِ كَمَا فِي رَكْعَةِ الْمَسْبُوقِ. قَال الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ: وَهَذَا جَرَى عَلَى الْغَالِبِ مِمَّنْ يُرِيدُ صَوْمَ النَّفْل وَإِلاَّ فَلَوْ نَوَى قَبْل الزَّوَال - وَقَدْ مَضَى مُعْظَمُ النَّهَارِ - صَحَّ صَوْمُهُ. وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ - وَالشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ مَرْجُوحٍ - إِلَى امْتِدَادِ وَقْتِ النِّيَّةِ إِلَى مَا بَعْدَ الزَّوَال، قَالُوا: إِنَّهُ قَوْل مُعَاذٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةَ، وَلَمْ يُنْقَل عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ - ﵃ - مَا يُخَالِفُهُ صَرِيحًا، وَلأَِنَّ النِّيَّةَ وُجِدَتْ فِي جُزْءِ النَّهَارِ، فَأَشْبَهَ وُجُودَهَا قَبْل الزَّوَال بِلَحْظَةٍ.
وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ نِيَّةِ النَّفْل فِي النَّهَارِ: أَنْ لاَ يَكُونَ فَعَل مَا يُفْطِرُهُ قَبْل النِّيَّةِ، فَإِنْ فَعَل فَلاَ يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ حِينَئِذٍ (11) .
ب - تَعْيِينُ النِّيَّةِ:
6 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ فِي نِيَّةِ صَوْمِ التَّطَوُّعِ التَّعْيِينُ، فَيَصِحُّ صَوْمُ التَّطَوُّعِ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ، وَقَال النَّوَوِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُشْتَرَطَ التَّعْيِينُ فِي الصَّوْمِ الْمُرَتَّبِ، كَصَوْمِ عَرَفَةَ، وَعَاشُورَاءَ، وَالأَْيَّامِ الْبِيضِ، وَالسِّتَّةِ مِنْ شَوَّالٍ، وَنَحْوِهَا، كَمَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي الرَّوَاتِبِ مِنْ نَوَافِل الصَّلاَةِ.
وَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ خِلاَفُ مَا صَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ، قَال الْمَحَلِّيُّ: وَيُجَابُ بِأَنَّ الصَّوْمَ فِي الأَْيَّامِ الْمَذْكُورَةِ مُنْصَرِفٌ إِلَيْهَا، بَل لَوْ نَوَى بِهِ غَيْرَهَا حَصَلَتْ أَيْضًا - كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ - لأَِنَّ الْمَقْصُودَ وُجُودُ الصَّوْمِ فِيهَا، قَال الْقَلْيُوبِيُّ: هَذَا الْجَوَابُ مُعْتَمَدٌ مِنْ حَيْثُ الصِّحَّةُ، وَإِنْ كَانَ التَّعْيِينُ أَوْلَى مُطْلَقًا (12) .
مَا يُسْتَحَبُّ صِيَامُهُ مِنَ الأَْيَّامِ:
أ - صَوْمُ يَوْمٍ وَإِفْطَارُ يَوْمٍ:
7 - مِنْ صِيَامِ التَّطَوُّعِ صَوْمُ يَوْمٍ وَإِفْطَارُ يَوْمٍ، وَهُوَ أَفْضَل صِيَامِ التَّطَوُّعِ (13) ، لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: أَحَبُّ الصَّلاَةِ إِلَى اللَّهِ صَلاَةُ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَأَحَبُّ الصِّيَامِ إِلَى اللَّهِ صِيَامُ دَاوُدَ: وَكَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْل، وَيَقُومُ ثُلُثَهُ، وَيَنَامُ سُدُسَهُ، وَيَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا (14) وَلِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ﵄: صُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا، فَذَلِكَ صِيَامُ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَهُوَ أَفْضَل الصِّيَامِ، فَقُلْتُ: إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَل مِنْ ذَلِكَ. فَقَال النَّبِيُّ ﷺ: لاَ أَفْضَل مِنْ ذَلِكَ (15) .
قَال الْبُهُوتِيُّ: لَكِنَّهُ مَشْرُوطٌ بِأَنْ لاَ يَضْعُفَ الْبَدَنُ حَتَّى يَعْجَزَ عَمَّا هُوَ أَفْضَل مِنَ الصِّيَامِ، كَالْقِيَامِ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُقُوقِ عِبَادِهِ اللاَّزِمَةِ، وَإِلاَّ فَتَرْكُهُ أَفْضَل (16) .
ب - صَوْمُ عَاشُورَاءَ وَتَاسُوعَاءَ:
8 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى سُنِّيَّةِ صَوْمِ عَاشُورَاءَ وَتَاسُوعَاءَ - وَهُمَا: الْيَوْمُ الْعَاشِرُ، وَالتَّاسِعُ مِنَ الْمُحَرَّمِ - لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ فِي صَوْمِ عَاشُورَاءَ: أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ (17) وَلِحَدِيثِ مُعَاوِيَةَ ﵁ قَال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُول: هَذَا يَوْمُ عَاشُورَاءَ، وَلَمْ يَكْتُبِ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، وَأَنَا صَائِمٌ، فَمَنْ شَاءَ فَلْيَصُمْ، وَمَنْ شَاءَ فَلْيُفْطِرْ (18) .
وَقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لأََصُومَنَّ التَّاسِعَ (19) .
وَقَدْ كَانَ صَوْمُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ فَرْضًا فِي الإِْسْلاَمِ، ثُمَّ نُسِخَتْ فَرْضِيَّتُهُ بِصَوْمِ رَمَضَانَ، فَخَيَّرَ النَّبِيُّ ﷺ الْمُسْلِمِينَ فِي صَوْمِهِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ كَثِيرِينَ وَاخْتِيَارُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ (20) ، وَهُوَ الَّذِي قَالَهُ الأُْصُولِيُّونَ. وَصَوْمُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ - كَمَا سَبَقَ فِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ - يُكَفِّرُ ذُنُوبَ سَنَةٍ مَاضِيَةٍ. وَالْمُرَادُ بِالذُّنُوبِ: الصَّغَائِرُ، قَال الدُّسُوقِيُّ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَغَائِرَ، حُتَّتْ مِنْ كَبَائِرِ سَنَةٍ، وَذَلِكَ التَّحْتِيتُ مَوْكُولٌ لِفَضْل اللَّهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَبَائِرُ رُفِعَ لَهُ دَرَجَاتٌ.
وَقَال الْبُهُوتِيُّ: قَال النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَنِ الْعُلَمَاءِ: الْمُرَادُ كَفَّارَةُ الصَّغَائِرِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ صَغَائِرُ رُجِيَ التَّخْفِيفُ مِنَ الْكَبَائِرِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ كَبَائِرُ رُفِعَ لَهُ دَرَجَاتٌ.
وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِكَرَاهَةِ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ مُنْفَرِدًا عَنِ التَّاسِعِ، أَوْ عَنِ الْحَادِيَ عَشَرَ.
كَمَا صَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ: بِأَنَّهُ لاَ يُكْرَهُ إِفْرَادُ عَاشُورَاءَ بِالصَّوْمِ، وَهَذَا مَا يُفْهَمُ مِنْ مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ.
قَال الْحَطَّابُ: قَال الشَّيْخُ زَرُّوقٌ فِي شَرْحِ الْقُرْطُبِيَّةِ: وَاسْتَحَبَّ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ صَوْمَ يَوْمٍ قَبْلَهُ وَيَوْمٍ بَعْدَهُ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ غَرِيبٌ لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ.
وَذَكَرَ الْعُلَمَاءُ فِي حِكْمَةِ اسْتِحْبَابِ صَوْمِ تَاسُوعَاءَ أَوْجُهًا:
أَحَدُهَا: أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ مُخَالَفَةُ الْيَهُودِ فِي اقْتِصَارِهِمْ عَلَى الْعَاشِرِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُول اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَال: صُومُوا يَوْمَعَاشُورَاءَ، وَخَالِفُوا فِيهِ الْيَهُودَ وَصُومُوا قَبْلَهُ يَوْمًا أَوْ بَعْدَهُ يَوْمًا (21) .
الثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ وَصْل يَوْمِ عَاشُورَاءَ بِصَوْمٍ، كَمَا نَهَى أَنْ يَصُومَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَحْدَهُ.
الثَّالِثُ: الاِحْتِيَاطُ فِي صَوْمِ الْعَاشِرِ خَشْيَةَ نَقْصِ الْهِلاَل وَوُقُوعِ الْغَلَطِ، فَيَكُونُ التَّاسِعُ فِي الْعَدَدِ هُوَ الْعَاشِرَ فِي نَفْسِ الأَْمْرِ.
وَاسْتَحَبَّ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ صَوْمَ الْحَادِيَ عَشَرَ، إِنْ لَمْ يَصُمِ التَّاسِعَ. قَال الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ: بَل نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الأُْمِّ وَالإِْمْلاَءِ عَلَى اسْتِحْبَابِ صَوْمِ الثَّلاَثَةِ (22) .
ج - صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ:
9 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى اسْتِحْبَابِ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ لِغَيْرِ الْحَاجِّ - وَهُوَ: الْيَوْمُ التَّاسِعُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ - وَصَوْمُهُ يُكَفِّرُ سَنَتَيْنِ: سَنَةً مَاضِيَةً، وَسَنَةً مُسْتَقْبَلَةً، رَوَى أَبُو قَتَادَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ (23) .
قَال الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ: وَهُوَ أَفْضَل الأَْيَّامِ لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ: مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ (24) .
وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ - الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ - إِلَى عَدَمِ اسْتِحْبَابِهِ لِلْحَاجِّ، وَلَوْ كَانَ قَوِيًّا، وَصَوْمُهُ مَكْرُوهٌ لَهُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَخِلاَفُ الأَْوْلَى عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، لِمَا رَوَتْ أُمُّ الْفَضْل بِنْتُ الْحَارِثِ ﵄ أَنَّهَا أَرْسَلَتْ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ بِقَدَحِ لَبَنٍ، وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى بَعِيرِهِ بِعَرَفَةَ، فَشَرِبَ (25) وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ ﵄: أَنَّهُ حَجَّ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ ثُمَّ أَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرَ، ثُمَّ عُثْمَانَ، فَلَمْ يَصُمْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ (26) ، لأَِنَّهُ يُضْعِفُهُ عَنِ الْوُقُوفِ وَالدُّعَاءِ، فَكَانَ تَرْكُهُ أَفْضَل، وَقِيل: لأَِنَّهُمْ أَضْيَافُ اللَّهِ وَزُوَّارُهُ.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: وَيُسَنُّ فِطْرُهُ لِلْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ مُطْلَقًا، وَقَالُوا: يُسَنُّ صَوْمُهُ لِحَاجٍّ لَمْ يَصِل عَرَفَةَ إِلاَّ لَيْلاً؛ لِفَقْدِ الْعِلَّةِ. وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى اسْتِحْبَابِهِ لِلْحَاجِّ - أَيْضًا - إِذَا لَمْ يُضْعِفْهُ عَنِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ وَلاَ يُخِل بِالدَّعَوَاتِ، فَلَوْ أَضْعَفَهُ كُرِهَ لَهُ الصَّوْمُ (27) .
د - صَوْمُ الثَّمَانِيَةِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ:
10 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى اسْتِحْبَابِ صَوْمِ الأَْيَّامِ الثَّمَانِيَةِ الَّتِي مِنْ أَوَّل ذِي الْحِجَّةِ قَبْل يَوْمِ عَرَفَةَ، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا مَرْفُوعًا: مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَل الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الأَْيَّامِ - يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ - قَالُوا: يَا رَسُول اللَّهِ، وَلاَ الْجِهَادُ فِي سَبِيل اللَّهِ؟ قَال: وَلاَ الْجِهَادُ فِي سَبِيل اللَّهِ، إِلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ (28) .
قَال الْحَنَابِلَةُ: وَآكَدُهُ الثَّامِنُ، وَهُوَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ. وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ: بِأَنَّ صَوْمَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ يُكَفِّرُ سَنَةً مَاضِيَةً.
وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ: بِأَنَّهُ يُسَنُّ صَوْمُ هَذِهِ الأَْيَّامِ لِلْحَاجِّ أَيْضًا. وَاسْتَثْنَى الْمَالِكِيَّةُ مِنْ ذَلِكَ صِيَامَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ لِلْحَاجِّ. قَال فِي الْمُتْيَطِيَّةِ: وَيُكْرَهُ لِلْحَاجِّ أَنْ يَصُومَ بِمِنًى وَعَرَفَةَ تَطَوُّعًا. قَال الْحَطَّابُ: بِمِنًى يَعْنِي فِي يَوْمِ التَّرْوِيَةِ، يُسَمَّى عِنْدَ الْمَغَارِبَةِ يَوْمَ مِنًى (29) .
هـ - صَوْمُ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ:
11 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ - الْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ وَمُتَأَخِّرُو الْحَنَفِيَّةِ - إِلَى أَنَّهُ يُسَنُّ صَوْمُ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ بَعْدَ صَوْمِ رَمَضَانَ، لِمَا رَوَى أَبُو أَيُّوبَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَال: قَال النَّبِيُّ ﷺ: مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ (30) وَعَنْ ثَوْبَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَال: قَال النَّبِيُّ ﷺ: صِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ بِعَشْرَةِ أَشْهُرٍ وَسِتَّةُ أَيَّامٍ بَعْدَهُنَّ بِشَهْرَيْنِ، فَذَلِكَ تَمَامُ سَنَةٍ (31) يَعْنِي: أَنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشَرَةِ أَمْثَالِهَا، الشَّهْرُ بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ، وَالأَْيَّامُ السِّتَّةُ بِسِتِّينَ يَوْمًا، فَذَلِكَ سَنَةٌ كَامِلَةٌ.
وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ: بِأَنَّ صَوْمَ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ - بَعْدَ رَمَضَانَ - يَعْدِل صِيَامَ سَنَةٍ فَرْضًا، وَإِلاَّ فَلاَ يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِرَمَضَانَ وَسِتَّةٍ مِنْ شَوَّالٍ، لأَِنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشَرَةِ أَمْثَالِهَا.
وَنُقِل عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - ﵀ تَعَالَى - كَرَاهَةُ صَوْمِ سِتَّةٍ مِنْ شَوَّالٍ، مُتَفَرِّقًا كَانَ أَوْ مُتَتَابِعًا. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: كَرَاهَتُهُ مُتَتَابِعًا، لاَ مُتَفَرِّقًا. لَكِنَّ عَامَّةَ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ لَمْ يَرَوْا بِهِ بَأْسًا.
قَال ابْنُ عَابِدِينَ، نَقْلاً عَنْ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ فِي كِتَابِهِ التَّجْنِيسِ: وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِهِ، لأَِنَّ الْكَرَاهَةَ إِنَّمَا كَانَتْ لأَِنَّهُ لاَ يُؤْمَنُ مِنْ أَنْ يُعَدَّ ذَلِكَ مِنْ رَمَضَانَ، فَيَكُونَ تَشَبُّهًا بِالنَّصَارَى، وَالآْنَ زَال ذَلِكَ الْمَعْنَى، وَاعْتَبَرَ الْكَاسَانِيُّ مَحَل الْكَرَاهَةِ أَنْ يَصُومَ يَوْمَ الْفِطْرِ، وَيَصُومَ بَعْدَهُ خَمْسَةَ أَيَّامٍ، فَأَمَّا إِذَا أَفْطَرَ يَوْمَ الْعِيدِ ثُمَّ صَامَ بَعْدَهُ سِتَّةَ أَيَّامٍ فَلَيْسَ بِمَكْرُوهٍ، بَل هُوَ مُسْتَحَبٌّ وَسُنَّةٌ.
وَكَرِهَ الْمَالِكِيَّةُ صَوْمَهَا لِمُقْتَدًى بِهِ، وَلِمَنْ خِيفَ عَلَيْهِ اعْتِقَادُ وُجُوبِهَا، إِنْ صَامَهَا مُتَّصِلَةً بِرَمَضَانَ مُتَتَابِعَةً وَأَظْهَرَهَا، أَوْ كَانَ يَعْتَقِدُ سُنِّيَّةَ اتِّصَالِهَا، فَإِنِ انْتَفَتْ هَذِهِ الْقُيُودُ اسْتُحِبَّ صِيَامُهَا.
قَال الْحَطَّابُ: قَال فِي الْمُقَدِّمَاتِ: كَرِهَ مَالِكٌ - ﵀ تَعَالَى - ذَلِكَ مَخَافَةَ أَنْ يَلْحَقَ بِرَمَضَانَ مَا لَيْسَ مِنْهُ مِنْ أَهْل الْجَهَالَةِ وَالْجَفَاءِ، وَأَمَّا الرَّجُل فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ فَلاَ يُكْرَهُ لَهُ صِيَامُهَا.وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ: بِأَنَّهُ لاَ تَحْصُل الْفَضِيلَةُ بِصِيَامِ السِّتَّةِ فِي غَيْرِ شَوَّالٍ، وَتَفُوتُ بِفَوَاتِهِ، لِظَاهِرِ الأَْخْبَارِ.
وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ: اسْتِحْبَابُ صَوْمِهَا لِكُل أَحَدٍ، سَوَاءٌ أَصَامَ رَمَضَانَ أَمْ لاَ، كَمَنْ أَفْطَرَ لِمَرَضٍ أَوْ صِبًا أَوْ كُفْرٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، قَال الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ: وَهُوَ الظَّاهِرُ، كَمَا جَرَى عَلَيْهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَإِنْ كَانَتْ عِبَارَةُ كَثِيرِينَ: يُسْتَحَبُّ لِمَنْ صَامَ رَمَضَانَ أَنْ يُتْبِعَهُ بِسِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ كَلَفْظِ الْحَدِيثِ.
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: لاَ يُسْتَحَبُّ صِيَامُهَا إِلاَّ لِمَنْ صَامَ رَمَضَانَ.
12 - كَمَا ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَبَعْضُ الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَفْضَلِيَّةِ تَتَابُعِهَا عَقِبَ الْعِيدِ مُبَادَرَةً إِلَى الْعِبَادَةِ، وَلِمَا فِي التَّأْخِيرِ مِنَ الآْفَاتِ.
وَلَمْ يُفَرِّقِ الْحَنَابِلَةُ بَيْنَ التَّتَابُعِ وَالتَّفْرِيقِ فِي الأَْفْضَلِيَّةِ.
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ تُسْتَحَبُّ السِّتَّةُ مُتَفَرِّقَةً، كُل أُسْبُوعٍ يَوْمَانِ.
أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ: فَذَهَبُوا إِلَى كَرَاهَةِ صَوْمِهَا مُتَّصِلَةً بِرَمَضَانَ مُتَتَابِعَةً، وَنَصُّوا عَلَى حُصُول الْفَضِيلَةِ وَلَوْ صَامَهَا فِي غَيْرِ شَوَّالٍ، بَل اسْتَحَبُّوا صِيَامَهَا فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ، ذَلِكَ أَنَّ مَحَل تَعْيِينِهَا فِي الْحَدِيثِ فِي شَوَّالٍ عَلَىالتَّخْفِيفِ فِي حَقِّ الْمُكَلَّفِ، لاِعْتِيَادِهِ الصِّيَامَ، لاَ لِتَخْصِيصِ حُكْمِهَا بِذَلِكَ.
قَال الْعَدَوِيُّ: إِنَّمَا قَال الشَّارِعُ: (مِنْ شَوَّالٍ) لِلتَّخْفِيفِ بِاعْتِبَارِ الصَّوْمِ، لاَ تَخْصِيصَ حُكْمِهَا بِذَلِكَ الْوَقْتِ، فَلاَ جُرْمَ إِنْ فَعَلَهَا فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ مَعَ مَا رُوِيَ فِي فَضْل الصِّيَامِ فِيهِ أَحْسَنُ، لِحُصُول الْمَقْصُودِ مَعَ حِيَازَةِ فَضْل الأَْيَّامِ الْمَذْكُورَةِ. بَل فِعْلُهَا فِي ذِي الْقَعْدَةِ حَسَنٌ أَيْضًا، وَالْحَاصِل: أَنَّ كُلَّمَا بَعُدَ زَمَنُهُ كَثُرَ ثَوَابُهُ لِشِدَّةِ الْمَشَقَّةِ (32) .
و صَوْمُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُل شَهْرٍ:
13 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يُسَنُّ صَوْمُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُل شَهْرٍ، وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ مِنْهُمْ - الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ - إِلَى اسْتِحْبَابِ كَوْنِهَا الأَْيَّامَ الْبِيضَ - وَهِيَ الثَّالِثَ عَشَرَ وَالرَّابِعَ عَشَرَ وَالْخَامِسَ عَشَرَ مِنْ كُل شَهْرٍ عَرَبِيٍّ - سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِتَكَامُل ضَوْءِ الْهِلاَل وَشِدَّةِ الْبَيَاضِ فِيهَا، لِمَا رَوَى أَبُو ذَرٍّ ﵁ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال لَهُ: يَا أَبَا ذَرٍّ، إِذَا صُمْتَ مِنَ الشَّهْرِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، فَصُمْ ثَلاَثَ عَشْرَةَ، وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ، وَخَمْسَ عَشْرَةَ (33) .
قَال الشَّافِعِيَّةُ: وَالأَْحْوَطُ صَوْمُ الثَّانِيَ عَشَرَ مَعَهَا - أَيْضًا - لِلْخُرُوجِ مِنْ خِلاَفِ مَنْ قَال: إِنَّهُ أَوَّل الثَّلاَثَةِ، وَيُسْتَثْنَى ثَالِثَ عَشَرَ ذِي الْحِجَّةِ فَلاَ يَجُوزُ صَوْمُهُ لِكَوْنِهِ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ. فَيُبَدَّل بِالسَّادِسِ عَشَرَ مِنْهُ كَمَا قَال الْقَلْيُوبِيُّ (34) .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى كَرَاهَةِ صَوْمِ الأَْيَّامِ الْبِيضِ، فِرَارًا مِنَ التَّحْدِيدِ، وَمَخَافَةَ اعْتِقَادِ وُجُوبِهَا. وَمَحَل الْكَرَاهَةِ: إِذَا قَصَدَ صَوْمَهَا بِعَيْنِهَا، وَاعْتَقَدَ أَنَّ الثَّوَابَ لاَ يَحْصُل إِلاَّ بِصَوْمِهَا خَاصَّةً. وَأَمَّا إِذَا قَصَدَ صِيَامَهَا مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ مِنَ الشَّهْرِ فَلاَ كَرَاهَةَ.
قَال الْمَوَّاقُ: نَقْلاً عَنْ ابْنِ رُشْدٍ: إِنَّمَا كَرِهَ مَالِكٌ صَوْمَهَا لِسُرْعَةِ أَخْذِ النَّاسِ بِقَوْلِهِ، فَيَظُنُّ الْجَاهِل وُجُوبَهَا. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ مَالِكًا كَانَ يَصُومُهَا، وَحَضَّ مَالِكٌ - أَيْضًا - الرَّشِيدَ عَلَى صِيَامِهَا.
وَصَوْمُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُل شَهْرٍ كَصَوْمِ الدَّهْرِ، بِمَعْنَى: أَنَّهُ يَحْصُل بِصِيَامِهَا أَجْرُ صِيَامِ الدَّهْرِ بِتَضْعِيفِ الأَْجْرِ، الْحَسَنَةُ بِعَشَرَةِ أَمْثَالِهَا؛ لِحَدِيثِ قَتَادَةَ بْنِ مِلْحَانَ ﵁: كَانَ رَسُول اللَّهِ ﷺ يَأْمُرُنَا أَنْ نَصُومَ الْبِيضَ: ثَلاَثَ عَشْرَةَ، وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ، وَخَمْسَ عَشْرَةَ. قَال: قَال: وَهُنَّ كَهَيْئَةِ الدَّهْرِ (35) أَيْ كَصِيَامِ الدَّهْرِ (36) .
ز - صَوْمُ الاِثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ مِنْ كُل أُسْبُوعٍ:
14 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى اسْتِحْبَابِ صَوْمِ يَوْمِ الاِثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ مِنْ كُل أُسْبُوعٍ (37) .
لِمَا رَوَى أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَصُومُ يَوْمَ الاِثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ. فَسُئِل عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَال: إِنَّ أَعْمَال الْعِبَادِ تُعْرَضُ يَوْمَ الاِثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ، وَأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ (38) ، وَلِمَا وَرَدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ - ﵁ - أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ سُئِل عَنْ صَوْمِ الاِثْنَيْنِ فَقَال: فِيهِ وُلِدْتُ، وَفِيهِ أُنْزِل عَلَيَّ (39) .
ح - صَوْمُ الأَْشْهُرِ الْحُرُمِ:
15 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ - الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ - إِلَى اسْتِحْبَابِ صَوْمِ الأَْشْهُرِ الْحُرُمِ.
وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّ أَفْضَل الأَْشْهُرِ الْحُرُمِ: الْمُحَرَّمُ، ثُمَّ رَجَبٌ، ثُمَّ بَاقِيهَا: ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ. وَالأَْصْل فِي ذَلِكَ قَوْل النَّبِيِّ ﷺ: أَفْضَل الصَّلاَةِ بَعْدَ الصَّلاَةِ الْمَكْتُوبَةِ الصَّلاَةُ فِي جَوْفِ اللَّيْل، وَأَفْضَل الصِّيَامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ صِيَامُ شَهْرِ اللَّهِ الْمُحَرَّمِ (40) .
وَمَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ: أَنَّهُ مِنَ الْمُسْتَحَبِّ أَنْ يَصُومَ الْخَمِيسَ وَالْجُمُعَةَ وَالسَّبْتَ مِنْ كُل شَهْرٍ مِنْ الأَْشْهُرِ الْحُرُمِ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يُسَنُّ صَوْمُ شَهْرِ الْمُحَرَّمِ فَقَطْ مِنَ الأَْشْهُرِ الْحُرُمِ.
وَذَكَرَ بَعْضُهُمُ اسْتِحْبَابَ صَوْمِ الأَْشْهُرِ الْحُرُمِ، لَكِنَّ الأَْكْثَرَ لَمْ يَذْكُرُوا اسْتِحْبَابَهُ، بَل نَصُّوا عَلَى كَرَاهَةِ إِفْرَادِ رَجَبٍ بِالصَّوْمِ، لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَهَى عَنْ صِيَامِ رَجَبٍ (41) . وَلأَِنَّ فِيهِ إِحْيَاءً لِشِعَارِ الْجَاهِلِيَّةِ بِتَعْظِيمِهِ. وَتَزُول الْكَرَاهَةُ بِفِطْرِهِ فِيهِ وَلَوْ يَوْمًا، أَوْ بِصَوْمِهِ شَهْرًا آخَرَ مِنَ السَّنَةِ وَإِنْ لَمْ يَل رَجَبًا (42) .
ط - صَوْمُ شَهْرِ شَعْبَانَ:
16 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ - الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ - إِلَى اسْتِحْبَابِ صَوْمِ شَهْرِ شَعْبَانَ، لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ رَسُول اللَّهِ ﷺ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ (43) . وَعَنْهَا قَالَتْ: كَانَ أَحَبُّ الشُّهُورِ إِلَى رَسُول اللَّهِ ﷺ أَنْ يَصُومَهُ شَعْبَانَ، بَل كَانَ يَصِلُهُ بِرَمَضَانَ (44) قَال الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ: وَرَدَ فِي مُسْلِمٍ: كَانَ ﷺ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ، كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إِلاَّ قَلِيلاً (45) .
قَال الْعُلَمَاءُ: اللَّفْظُ الثَّانِي مُفَسِّرٌ لِلأَْوَّل، فَالْمُرَادُ بِكُلِّهِ غَالِبُهُ.
وَعَنْ عَائِشَةَ - ﵂ - قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ رَسُول اللَّهِ ﷺ اسْتَكْمَل صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إِلاَّ رَمَضَانَ (46) . قَال الْعُلَمَاءُ: وَإِنَّمَا لَمْ يَسْتَكْمِل ذَلِكَ لِئَلاَّ يُظَنَّ وُجُوبُهُ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى عَدَمِ اسْتِحْبَابِ صَوْمِ شَعْبَانَ، وَذَلِكَ فِي قَوْل الأَْكْثَرِ، وَاسْتَحَبَّهُ صَاحِبُ الإِْرْشَادِ (47) .
ى - صَوْمُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ:
17 - لاَ بَأْسَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ بِصَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِانْفِرَادِهِ، وَهُوَ قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَيُنْدَبُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، لِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُ كَانَ يَصُومُهُ وَلاَ يُفْطِرُ. وَقَال أَبُو يُوسُفَ: جَاءَ حَدِيثٌ فِي كَرَاهَتِهِ إِلاَّ أَنْ يَصُومَ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ، فَكَانَ الاِحْتِيَاطُ أَنْ يَضُمَّ إِلَيْهِ يَوْمًا آخَرَ، قَال ابْنُ عَابِدِينَ: ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ طَلَبُهُ وَالنَّهْيُ عَنْهُ، وَالآْخَرُ مِنْهُمَا النَّهْيُ؛ لأَِنَّ فِيهِ وَظَائِفَ، فَلَعَلَّهُ إِذَا صَامَ ضَعُفَ عَنْ فِعْلِهَا.
وَمَحَل النَّهْيِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ هُوَ مَخَافَةُ فَرْضِيَّتِهِ، وَقَدِ انْتَفَتْ هَذِهِ الْعِلَّةُ بِوَفَاةِ النَّبِيِّ ﷺ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى كَرَاهَةِ إِفْرَادِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِالصَّوْمِ، لِحَدِيثِ: لاَ يَصُمْ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، إِلاَّ أَنْ يَصُومَ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ (48) وَلِيَتَقَوَّى بِفِطْرِهِ عَلَى الْوَظَائِفِ الْمَطْلُوبَةِ فِيهِ، أَوْ لِئَلاَّ يُبَالَغَ فِي تَعْظِيمِهِ كَالْيَهُودِ فِي السَّبْتِ، وَلِئَلاَّ يُعْتَقَدَ وُجُوبُهُ، وَلأَِنَّهُ يَوْمُ عِيدٍ وَطَعَامٍ (49) .
حُكْمُ الشُّرُوعِ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ:
18 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى لُزُومِ صَوْمِ التَّطَوُّعِ بِالشُّرُوعِ فِيهِ، وَأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الصَّائِمِ الْمُتَطَوِّعِ إِتْمَامُهُ إِذَا بَدَأَ فِيهِ، لِمَا وَرَدَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيُجِبْ، فَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَل، وَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَطْعَمْ (50) قَوْلُهُ " فَلْيُصَل " أَيْ فَلْيَدْعُ. قَال الْقُرْطُبِيُّ: ثَبَتَ هَذَا عَنْهُ ﵊، وَلَوْ كَانَ الْفِطْرُ جَائِزًا لَكَانَ الأَْفْضَل الْفِطْرَ، لإِِجَابَةِ الدَّعْوَةِ الَّتِي هِيَ السُّنَّةُ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى عَدَمِ لُزُومِ صَوْمِ التَّطَوُّعِ بِالشُّرُوعِ فِيهِ، وَلاَ يَجِبُ عَلَى الصَّائِمِ تَطَوُّعًا إِتْمَامُهُ إِذَا بَدَأَ فِيهِ، وَلَهُ قَطْعُهُ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ (51) ، لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُول اللَّهِ، أُهْدِيَ لَنَا حَيْسٌ، فَقَال: أَرِنِيهِ، فَلَقَدْ أَصْبَحْتُ صَائِمًا، فَأَكَل، وَزَادَ النَّسَائِيُّ إِنَّمَا مِثْل صَوْمِ التَّطَوُّعِ مِثْل الرَّجُل يُخْرِجُ مِنْ مَالِهِ الصَّدَقَةَ، فَإِنْ شَاءَ أَمْضَاهَا، وَإِنْ شَاءَ حَبَسَهَا (52) . وَلِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: الصَّائِمُ الْمُتَطَوِّعُ أَمِينُ نَفْسِهِ، إِنْ شَاءَ صَامَ، وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ (53) . إِفْسَادُ صَوْمِ التَّطَوُّعِ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ:
19 - صَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِحُرْمَةِ إِفْسَادِ صَوْمِ التَّطَوُّعِ لِغَيْرِ عُذْرٍ، وَهُوَ مَا يُفْهَمُ مِنْ كَلاَمِ الْحَنَفِيَّةِ، حَيْثُ جَاءَ فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ مَا نَصُّهُ: ذَكَرَ الرَّازِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ الإِْفْطَارَ بِغَيْرِ عُذْرٍ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ لاَ يَحِل، هَكَذَا فِي الْكَافِي.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى كَرَاهَةِ قَطْعِهِ بِلاَ عُذْرٍ، وَاسْتِحْبَابِ إِتْمَامِهِ لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى: {وَلاَ تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} (54) ، وَلِلْخُرُوجِ مِنْ خِلاَفِ مَنْ أَوْجَبَ إِتْمَامَهُ.
وَمِنَ الأَْعْذَارِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ لِجَوَازِ الْفِطْرِ: الْحَلِفُ عَلَى الصَّائِمِ بِطَلاَقِ امْرَأَتِهِ إِنْ لَمْ يُفْطِرْ، فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ، بَل نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى نَدْبِ الْفِطْرِ دَفْعًا لِتَأَذِّي أَخِيهِ الْمُسْلِمِ. لَكِنَّ الْحَنَفِيَّةَ قَيَّدُوا جَوَازَ الْفِطْرِ إِلَى مَا قَبْل نِصْفِ النَّهَارِ، أَمَّا بَعْدَهُ فَلاَ يَجُوزُ.
وَكَذَلِكَ مِنَ الأَْعْذَارِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: الضِّيَافَةُ لِلضَّيْفِ وَالْمُضِيفِ إِنْ كَانَ صَاحِبُهَا مِمَّنْ لاَ يَرْضَى بِمُجَرَّدِ الْحُضُورِ، وَكَانَ الصَّائِمُ يَتَأَذَّى بِتَرْكِ الإِْفْطَارِ، شَرِيطَةَ أَنْ يَثِقَ بِنَفْسِهِ بِالْقَضَاءِ، وَقَيَّدَ الْمَالِكِيَّةُ جَوَازَ الْفِطْرِ بِالْحَلِفِ بِالطَّلاَقِ بِتَعَلُّقِ قَلْبِ الْحَالِفِ بِمَنْ حَلَفَ بِطَلاَقِهَا، بِحَيْثُ يَخْشَى أَنْ لاَ يَتْرُكَهَا إِنْ حَنِثَ، فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ الْفِطْرُ، وَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ أَيْضًا.
وَمِنَ الأَْعْذَارِ - أَيْضًا -: أَمْرُ أَحَدِ أَبَوَيْهِ لَهُ بِالْفِطْرِ. وَقَيَّدَ الْحَنَفِيَّةُ جَوَازَ الإِْفْطَارِ بِمَا إِذَا كَانَ أَمْرُ الْوَالِدَيْنِ إِلَى الْعَصْرِ لاَ بَعْدَهُ، قَال ابْنُ عَابِدِينَ: وَلَعَل وَجْهَهَا أَنَّ قُرْبَ وَقْتِ الإِْفْطَارِ يَرْفَعُ ضَرَرَ الاِنْتِظَارِ.
وَأَلْحَقَ الْمَالِكِيَّةُ بِالأَْبَوَيْنِ الشَّيْخَ فِي السَّفَرِ، الَّذِي أَخَذَ عَلَى نَفْسِهِ الْعَهْدَ أَنْ لاَ يُخَالِفَهُ، وَمِثْلُهُ عِنْدَهُمْ: شَيْخُ الْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ.
وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِاسْتِحْبَابِ قَطْعِ صَوْمِ التَّطَوُّعِ إِنْ كَانَ هُنَاكَ عُذْرٌ، كَمُسَاعَدَةِ ضَيْفٍ فِي الأَْكْل إِذَا عَزَّ عَلَيْهِ امْتِنَاعُ مُضِيفِهِ مِنْهُ، أَوْ عَكْسِهِ. أَمَّا إِذَا لَمْ يَعِزَّ عَلَى أَحَدِهِمَا امْتِنَاعُ الآْخَرِ عَنْ ذَلِكَ فَالأَْفْضَل عَدَمُ خُرُوجِهِ مِنْهُ.
20 - وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ قَضَاءِ صَوْمِ التَّطَوُّعِ عِنْدَ إِفْسَادِهِ.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى وُجُوبِ قَضَاءِ صَوْمِ التَّطَوُّعِ عِنْدَ إِفْسَادِهِ. لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: كُنْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ صَائِمَتَيْنِ، فَعُرِضَ لَنَا طَعَامٌ اشْتَهَيْنَاهُ، فَأَكَلْنَا مِنْهُ، فَجَاءَ رَسُول اللَّهِ ﷺ فَبَدَرَتْنِي إِلَيْهِ حَفْصَةُ - وَكَانَتِ ابْنَةَ أَبِيهَا - فَقَالَتْ:يَا رَسُول اللَّهِ إِنَّا كُنَّا صَائِمَتَيْنِ، فَعُرِضَ لَنَا طَعَامٌ اشْتَهَيْنَاهُ فَأَكَلْنَا مِنْهُ، فَقَال: اقْضِيَا يَوْمًا آخَرَ مَكَانَهُ (55) .
وَلأَِنَّ مَا أَتَى بِهِ قُرْبَةٌ، فَيَجِبُ صِيَانَتُهُ وَحِفْظُهُ عَنِ الْبُطْلاَنِ، وَقَضَاؤُهُ عِنْدَ الإِْفْسَادِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلاَ تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} (56) ، وَلاَ يُمْكِنُ ذَلِكَ إِلاَّ بِإِتْيَانِ الْبَاقِي، فَيَجِبُ إِتْمَامُهُ وَقَضَاؤُهُ عِنْدَ الإِْفْسَادِ ضَرُورَةً، فَصَارَ كَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ التَّطَوُّعَيْنِ.
وَمَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ: وُجُوبُ الْقَضَاءِ عِنْدَ الإِْفْسَادِ مُطْلَقًا، أَيْ: سَوَاءٌ أُفْسِدَ عَنْ قَصْدٍ - وَهَذَا لاَ خِلاَفَ فِيهِ - أَوْ غَيْرِ قَصْدٍ، بِأَنْ عَرَضَ الْحَيْضُ لِلصَّائِمَةِ الْمُتَطَوِّعَةِ، وَذَلِكَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَاسْتَثْنَوْا مِنْ ذَلِكَ: صَوْمَ الْعِيدَيْنِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ، فَلاَ تَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ، لاَ أَدَاءً وَلاَ قَضَاءً، إِذَا أُفْسِدَ، لاِرْتِكَابِهِ النَّهْيَ بِصِيَامِهَا، فَلاَ تَجِبُ صِيَانَتُهُ، بَل يَجِبُ إِبْطَالُهُ، وَوُجُوبُ الْقَضَاءِ يَنْبَنِي عَلَى وُجُوبِ الصِّيَانَةِ، فَلَمْ يَجِبْ قَضَاءً، كَمَا لَمْ يَجِبْ أَدَاءً.
وَخَصَّ الْمَالِكِيَّةُ وُجُوبَ الْقَضَاءِ بِالْفِطْرِ الْعَمْدِ الْحَرَامِ، وَذَلِكَ كَمَنْ شَرَعَ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ، ثُمَّ أَفْطَرَ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلاَ عُذْرٍ، قَال الْحَطَّابُ: احْتَرَزَ بِالْعَمْدِ مِنَ النِّسْيَانِ وَالإِْكْرَاهِ، وَبِالْحَرَامِ عَمَّنْ أَفْطَرَ لِشِدَّةِ الْجُوعِ وَالْعَطَشِ وَالْحَرِّ الَّذِي يُخَافُ مِنْهُ تَجَدُّدُ مَرَضٍ أَوْ زِيَادَتُهُ، وَكَذَلِكَ عَمَّنْ أَفْطَرَ لأَِمْرِ وَالِدَيْهِ وَشَيْخِهِ، وَعَدُّوا السَّفَرَ الَّذِي يَطْرَأُ عَلَيْهِ مِنَ الْفِطْرِ الْعَمْدِ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجِبُ الْقَضَاءُ عَلَى مَنْ أَفْسَدَ صَوْمَ التَّطَوُّعِ، لأَِنَّ الْقَضَاءَ يَتْبَعُ الْمَقْضِيَّ عَنْهُ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا، لَمْ يَكُنِ الْقَضَاءُ وَاجِبًا، لَكِنْ يُنْدَبُ لَهُ الْقَضَاءُ، سَوَاءٌ أَفْسَدَ صَوْمَ التَّطَوُّعِ بِعُذْرٍ أَمْ بِغَيْرِ عُذْرٍ، خُرُوجًا مِنْ خِلاَفِ مَنْ أَوْجَبَ قَضَاءَهُ.
وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا أَفْطَرَ الصَّائِمُ تَطَوُّعًا لَمْ يُثَبْ عَلَى مَا مَضَى، إِنْ خَرَجَ مِنْهُ بِغَيْرِ عُذْرٍ، وَيُثَابُ عَلَيْهِ إِنْ خَرَجَ بِعُذْرٍ (57) .
الإِْذْنُ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ:
21 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ تَطَوُّعًا إِلاَّ بِإِذْنِ زَوْجِهَا، لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: لاَ تَصُمِ الْمَرْأَةُ وَبَعْلُهَا شَاهِدٌ، إِلاَّ بِإِذْنِهِ (58) ، وَلأَِنَّ حَقَّ الزَّوْجِ فَرْضٌ، فَلاَ يَجُوزُ تَرْكُهُ لِنَفْلٍ.
وَلَوْ صَامَتِ الْمَرْأَةُ بِغَيْرِ إِذْنِ زَوْجِهَا صَحَّ مَعَ الْحُرْمَةِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، وَالْكَرَاهَةِ التَّحْرِيمِيَّةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، إِلاَّ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ خَصُّوا الْحُرْمَةَ بِمَا يَتَكَرَّرُ صَوْمُهُ، أَمَّا مَا لاَ يَتَكَرَّرُ صَوْمُهُ كَعَرَفَةَ وَعَاشُورَاءَ وَسِتَّةٍ مِنْ شَوَّالٍ فَلَهَا صَوْمُهَا بِغَيْرِ إِذْنِهِ، إِلاَّ إِنْ مَنَعَهَا.
وَلاَ تَحْتَاجُ الْمَرْأَةُ إِلَى إِذْنِ الزَّوْجِ إِذَا كَانَ غَائِبًا، لِمَفْهُومِ الْحَدِيثِ وَلِزَوَال مَعْنَى النَّهْيِ. قَال الشَّافِعِيَّةُ: وَعِلْمُهَا بِرِضَاهُ كَإِذْنِهِ. وَمِثْل الْغَائِبِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ - الْمَرِيضُ، وَالصَّائِمُ وَالْمُحْرِمُ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، قَالُوا: وَإِذَا كَانَ الزَّوْجُ مَرِيضًا أَوْ صَائِمًا أَوْ مُحْرِمًا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْعُ الزَّوْجَةِ مِنْ ذَلِكَ، وَلَهَا أَنْ تَصُومَ وَإِنْ نَهَاهَا.
وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّهُ لاَ يَصُومُ الأَْجِيرُ تَطَوُّعًا إِلاَّ بِإِذْنِ الْمُسْتَأْجِرِ، إِنْ كَانَ صَوْمُهُ يَضُرُّ بِهِ فِي الْخِدْمَةِ، وَإِنْ كَانَ لاَ يَضُرُّهُ فَلَهُ أَنْ يَصُومَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ.
22 - وَإِذَا صَامَتِ الزَّوْجَةُ تَطَوُّعًا بِغَيْرِ إِذْنِ زَوْجِهَا فَلَهُ أَنْ يُفَطِّرَهَا، وَخَصَّ الْمَالِكِيَّةُ جَوَازَ تَفْطِيرِهَا بِالْجِمَاعِ فَقَطْ، أَمَّا بِالأَْكْل وَالشُّرْبِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، لأَِنَّ احْتِيَاجَهُ إِلَيْهَا الْمُوجِبَ لِتَفْطِيرِهَا إِنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَةِ الْوَطْءِ (59) .
التَّطَوُّعُ بِالصَّوْمِ قَبْل قَضَاءِ رَمَضَانَ:
23 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ التَّطَوُّعِ بِالصَّوْمِ قَبْل قَضَاءِ رَمَضَانَ.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى جَوَازِ التَّطَوُّعِ بِالصَّوْمِ قَبْل قَضَاءِ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، لِكَوْنِ الْقَضَاءِ لاَ يَجِبُ عَلَى الْفَوْرِ، قَال ابْنُ عَابِدِينَ: وَلَوْ كَانَ الْوُجُوبُ عَلَى الْفَوْرِ لَكُرِهَ؛ لأَِنَّهُ يَكُونُ تَأْخِيرًا لِلْوَاجِبِ عَنْ وَقْتِهِ الضَّيِّقِ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى الْجَوَازِ مَعَ الْكَرَاهَةِ، لِمَا يَلْزَمُ مِنْ تَأْخِيرِ الْوَاجِبِ، قَال الدُّسُوقِيُّ: يُكْرَهُ التَّطَوُّعُ بِالصَّوْمِ لِمَنْ عَلَيْهِ صَوْمٌ وَاجِبٌ، كَالْمَنْذُورِ وَالْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ. سَوَاءٌ كَانَ صَوْمُ التَّطَوُّعِ الَّذِي قَدَّمَهُ عَلَى الصَّوْمِ الْوَاجِبِ غَيْرَ مُؤَكَّدٍ، أَوْ كَانَ مُؤَكَّدًا، كَعَاشُورَاءَ وَتَاسِعِ ذِي الْحِجَّةِ عَلَى الرَّاجِحِ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى حُرْمَةِ التَّطَوُّعِ بِالصَّوْمِ قَبْل قَضَاءِ رَمَضَانَ، وَعَدَمِ صِحَّةِ التَّطَوُّعِ حِينَئِذٍ وَلَوِ اتَّسَعَ الْوَقْتُ لِلْقَضَاءِ، وَلاَ بُدَّ مِنْ أَنْ يَبْدَأَ بِالْفَرْضِ حَتَّى يُقْضِيَهُ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ نَذْرٌ صَامَهُ بَعْدَ الْفَرْضِ أَيْضًا، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: مَنْ صَامَ تَطَوُّعًا وَعَلَيْهِ مِنْ رَمَضَانَ شَيْءٌ لَمْ يَقْضِهِ فَإِنَّهُ لاَ يُتَقَبَّل مِنْهُ حَتَّى يَصُومَهُ (60) ، وَقِيَاسًا عَلَى الْحَجِّ فِي عَدَمِ جَوَازِ أَنْ يَحُجَّ عَنْ غَيْرِهِ أَوْ تَطَوُّعًا قَبْل حَجِّ الْفَرِيضَةِ (61)
وَمَسْأَلَةُ انْقِلاَبِ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ إِلَى تَطَوُّعٍ، وَالنِّيَابَةِ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ - سَبَقَ تَفْصِيلُهَا فِي مُصْطَلَحِ (تَطَوُّع ف 19، 27)
__________
(1) المصباح المنير مادة (صوم) .
(2) حاشية ابن عابدين 2 / 80.
(3) مغني المحتاج 1 / 445.
(4) حديث سهل بن سعد: " إن في الجنة بابا يقال له: الريان. . . ". أخرجه البخاري (4 / 111) ومسلم (2 / 808) .
(5) حديث: " من صام يوما في سبيل الله. . . ". أخرجه البخاري (6 / 47) ومسلم (2 / 808) .
(6) فتح القدير 2 / 45، الطحطاوي على مراقي الفلاح ص 350، القوانين الفقهية ص 132، مغني المحتاج 1 / 445، وكشاف القناع 2 / 337.
(7) حديث عائشة: " دخل علي رسول الله ﷺ ذات يوم. . . ". أخرجه مسلم (2 / 809) .
(8) حديث: " من لم يبيت الصيام. . . ". أخرجه أبو داود (2 / 823 - 824) والطحطاوي في شرح المعاني (2 / 54) وأورده ابن حجر في التلخيص (2 / 188) ونقل عن غير واحد من العلماء أنهم أعلوه بالوقف.
(9) حاشية ابن عابدين 2 / 85.
(10) حديث: " أن النبي ﷺ قال لعائشة يوما: هل عندكم شيء. . . " تقدم ف: 4.
(11) حاشية ابن عابدين 2 / 85، حاشية الدسوقي 1 / 530، شرح الخرشي على خليل 2 / 246، مغني المحتاج 1 / 424، كشاف القناع 2 / 317.
(12) حاشية ابن عابدين 2 / 87، تبيين الحقائق (1 / 316، ومواهب الجليل 1 / 515 ط مكتبة النجاح - ليبيا) . المجموع 6 / 295، القليوبي وعميرة 2 / 53، الإنصاف 3 / 293.
(13) حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح ص 351، مغني المحتاج 1 / 448، كشاف القناع 2 / 337.
(14) حديث: " أحب الصلاة إلى الله صلاة داود. . . ". أخرجه البخاري (3 / 16) من حديث عبد الله بن عمرو ﵄.
(15) حديث: " صم يوما وأفطر يوما. . . ". أخرجه البخاري (4 / 220) .
(16) الروض المربع 1 / 145.
(17) حديث: " احتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله. . . ". أخرجه مسلم (2 / 819) من حديث أبي قتادة.
(18) حديث معاوية: " هذا يوم عاشوراء. . . ". أخرجه البخاري (4 / 244) .
(19) حديث: " لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع. . . ". أخرجه مسلم (2 / 798) .
(20) كشاف القناع 2 / 339، والإنصاف 3 / 346.
(21) حديث: " صوموا يوم عاشوراء. . . ". أخرجه أحمد (1 / 241) من حديث ابن عباس، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (3 / 188) وقال: رواه أحمد والبزار، وفيه محمد بن أبي ليلى، وفيه كلام.
(22) حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح (350 ط دار الإيمان) ، حاشية الدسوقي 1 / 516، مواهب الجليل 2 / 403، القليوبي وعميرة 2 / 273، المجموع (6 / 283 ط. المكتبة السلفية.) كشاف القناع 2 / 339.
(23) حديث أبي قتادة: " صيام يوم عرفة، أحتسب على الله أن يكفر. . . ". أخرجه مسلم (2 / 819) .
(24) حديث: " ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه. . . ". أخرجه مسلم (2 / 983) من حديث عائشة.
(25) حديث أم الفضل: " أنها أرسلت إلى النبي ﷺ. . . ". أخرجه البخاري (4 / 237) ومسلم (2 / 791) .
(26) حديث: " ابن عمر أنه حج مع النبي ﷺ ". أخرجه الترمذي (2 / 116) وقال: حديث حسن.
(27) ابن عابدين 2 / 83، حاشية الدسوقي 1 / 515، مواهب الجليل 2 / 403، القليوبي وعميرة 2 / 73، مغني المحتاج 1 / 446 كشاف القناع 2 / 339.
(28) حديث ابن عباس: " ما من أيام العمل الصالح فيهن. . . ". أخرجه البخاري (2 / 459) .
(29) الفتاوى الهندية (1 / 201 ط. الأميرية 1310 هـ) حاشية الدسوقي 1 / 515، مغني المحتاج 1 / 446، القليوبي وعميرة 2 / 73، كشاف القناع 2 / 338.
(30) حديث: " من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال. . . ". أخرجه مسلم (2 / 822) .
(31) حديث ثوبان: " صيام شهر رمضان بعشرة أشهر. . . ". أخرجه الدارمي (2 / 21) ، وإسناده صحيح.
(32) حاشية ابن عابدين 2 / 125، بدائع الصنائع 2 / 78 (دار الكتاب العربي 1974) الفتاوى الهندية (1 / 201 ط الأميرية 1310 هـ.) حاشية الدسوقي 1 / 517، الخرشي على خليل 2 / 243، ومواهب الجليل 2 / 414 (مكتبة النجاح - ليبيا.) ، مغني المحتاج 1 / 447، كشاف القناع 2 / 337 (مكتبة النصر الحديث - الرياض.) . (الإنصاف 3 / 343 ط دار إحياء التراث العربي 1980 م.) .
(33) حديث أبي ذر: " يا أبا ذر إذا صمت من الشهر ثلاثة أيام. . . ". أخرجه الترمذي (3 / 125) وقال: " حديث حسن ".
(34) حاشية القليوبي على شرح المنهاج للمحلى 2 / 73.
(35) حديث قتادة بن ملحان: " كان رسول الله ﷺ يأمرنا أن نصوم البيض. . . ". أخرجه أبو داود (2 / 821) وفي إسناده اضطراب كما في مختصر السنن للمنذري (3 / 329 - 330) .
(36) حاشية ابن عابدين 2 / 83، حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح 350، حاشية الدسوقي 1 / 517، مواهب الجليل 2 / 414.
(37) الطحطاوي على مراقي الفلاح 350، بدائع الصنائع 2 / 79، حاشية الدسوقي 1 / 517، مغني المحتاج 1 / 446، كشاف القناع 2 / 337.
(38) حديث أسامة بن زيد أن النبي ﷺ كان يصوم الاثنين والخميس أخرجه أبو داود (2 / 814) دون قوله: " وأحب أن يعرض عملي وأنا صائم " فأخرجه النسائي (4 / 202) وأعل المنذري في " مختصر السنن " (3 / 320) إسناد أبي داود، وحسن إسناد النسائي.
(39) حديث أبي قتادة " أن رسول الله ﷺ سئل عن صوم الاثنين. . . ". أخرجه مسلم (2 / 820) .
(40) حديث: " أفضل الصلاة بعد المكتوبة: جوف الليل ". أخرجه مسلم (2 / 821) من حديث أبي هريرة.
(41) حديث ابن عباس: " أن النبي ﷺ نهى عن صيام رجب ". أخرجه ابن ماجه (1 / 554) وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (1 / 307) " هذا إسناد فيه داود بن عطاء المدني، وهو متفق على تضعيفه ".
(42) الفتاوى الهندية (1 / 201 ط الأميرية 1310 هـ) حاشية الدسوقي 1 / 516، ومغني المحتاج 1 / 449، كشاف القناع 2 / 338، 340، الفروع 3 / 119.
(43) حديث عائشة: " ما رأيت رسول الله ﷺ أكثر صياما منه في شعبان. . . ". أخرجه البخاري (4 / 213) ومسلم (2 / 810) .
(44) حديث عائشة: " كان أحب الشهور إلى رسول الله ﷺ أن يصومه شعبان ". أخرجه النسائي (4 / 199) بإسناد حسن.
(45) حديث: " كان ﷺ يصوم شعبان كله ". أخرجه مسلم (2 / 811) .
(46) حديث عائشة: " ما رأيت رسول الله ﷺ استكمل صيام شهر قط إلا رمضان ". أخرجه البخاري (4 / 213) ومسلم (2 / 810) .
(47) الفتاوى الهندية 1 / 202، مواهب الجليل 2 / 407 مكتبة النجاح - ليبيا، حاشية الدسوقي 1 / 516، مغني المحتاج 1 / 449، كشاف القناع 2 / 340.
(48) حديث: " لا يصم أحدكم يوم الجمعة إلا أن يصوم قبله ". أخرجه البخاري (4 / 232) ومسلم (2 / 801) من حديث أبي هريرة واللفظ لمسلم.
(49) ابن عابدين 2 / 83، وحاشية الدسوقي 2 / 534، ومغني المحتاج 1 / 447، وكشاف القناع 2 / 340.
(50) حديث: " إذا دعي أحدكم فليجب. . . ". أخرجه مسلم (2 / 1054) من حديث أبي هريرة.
(51) تبيين الحقائق 1 / 337، حاشية الدسوقي 1 / 527، مغني المحتاج 1 / 448، كشاف القناع 2 / 343.
(52) حديث عائشة: " يا رسول الله. أهدي لنا حيس. . . ". أخرجه مسلم (2 / 809) ، وزيادة النسائي هي في سننه (4 / 193 - 194) .
(53) حديث: " الصائم المتطوع أمين نفسه. . . ". أخرجه الترمذي (3 / 100) والبيهقي (4 / 276) وقال ابن التركماني في هامش سنن البيهقي (4 / 278) : " هذا الحديث مضطرب إسنادا ومتنا ".
(54) سورة محمد: 33.
(55) حديث عائشة: " كنت أنا وحفصة صائمتين. . . ". أخرجه الترمذي (3 / 103) وأعله بأن الصواب إرساله.
(56) سورة محمد / 33.
(57) تبيين الحقائق 1 / 337، حاشية ابن عابدين 2 / 120، 121، حاشية الدسوقي 1 / 527، مواهب الجليل 2 / 430، الخرشي على خليل 2 / 251، مغني المحتاج 1 / 448، كشاف القناع 2 / 343، تصحيح الفروع مع الفروع 2 / 139.
(58) حديث: " لا تصم المرأة وبعلها شاهد. . . ". أخرجه مسلم (2 / 711) من حديث أبي هريرة.
(59) الفتاوى الهندية 1 / 201، حاشية الدسوقي 1 / 541، الخرشي على خليل 2 / 465، البيان والتحصيل 2 / 310، القليوبي وعميرة 2 / 74، المجموع 6 / 392، حاشية الجمل 2 / 354، ومغني المحتاج 1 / 449، كشاف القناع 5 / 188.
(60) حديث: هريرة: " من صام تطوعا وعليه من رمضان. . . ". أخرجه أحمد (2 / 352) وفيه اضطراب كما في علل الحديث لابن أبي حاتم الرازي (1 / 259) .
(61) حاشية ابن عابدين 2 / 117، الفتاوى الهندية 1 / 201، حاشية الدسوقي 1 / 518، مغني المحتاج 1 / 445، كشاف القناع 2 / 334.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 86/ 28
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".