الحيي
كلمة (الحيي ّ) في اللغة صفة على وزن (فعيل) وهو من الاستحياء الذي...
اليوم التاسع من ذي الحجة من أيام الحج، يقف فيه الحجاج على أرض يقال لها : "أرض عرفة ". ومن أمثلته كون الوقوف بعرفة ركن من أركان الحج لا يصح بدونه . ومن شواهده الحديث الشريف : "الْحَجُّ عَرَفَةُ، فَمَنْ جَاءَ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ مِنْ لَيْلَةِ جَمْعٍ، فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ ."أحمد :18774، وصححه الأرناؤوط .
يَرِدُ إِطْلاقُ مُصْطَلَحِ يَوْمِ عَرَفَةَ في عَدَدٍ مِنْ كُتُبِ الفِقْهِ وَأَبْوَابِهِ؛ وَمِنْ ذَلِكَ: كِتَابُ الصِّيَامِ: بَابُ صِيَامِ التَّطَوُّعِ. وَيَرِدُ في عِلْمِ الاعْتِقَادِ: في بَابِ الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ عِنْدَ الكَلامِ على صِفَتَي النُّزُوْلِ وَالدُّنُوِّ.
هُوَ اليَوْمُ التَّاسِعُ مِنْ شَهْرِ ذِيْ الْحِجَّةِ.
سُمِّيَ يوم عرفة بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ فِيهِ وَتَعَارُفِهِمْ فِيهَ، وَقِيلَ: لِأَنَّ جِبْرِيلَ عَرَّفَ إِبْرَاهِيمَ الْحَجَّ، وَقِيلَ: هُوَ يَوْمُ اصْطِنَاعِ الْمَعْرُوفِ إلَى أَهْلِ الْحَجِّ، وَقِيلَ: يَعْرِفُهُمْ اللَّهُ يَوْمئِذٍ بِالْمَغْفِرَةِ وَالْكَرَامَةِ أَيْ يُطَيِّبُهُمْ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَيُدْخِلُهُمْ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ} [محمد: 6] أَيْ طَيَّبَهَا. وَقَدْ أَجْمَعَتِ الأْمَّةُ عَلَى أَنَّ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ، فَمَنْ تَرَكَهُ أَوْ أَخَّرَهُ عَنْ وَقْتِهِ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ إِجْمَاعًا، وَيَتَحَلَّل بِأَدَاءِ أَفْعَال الْعُمْرَةِ، وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ.
اليوم التاسع من ذي الحجة من أيام الحج، يقف فيه الحجاج على أرض يقال لها: "أرض عرفة".
* تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق : (2/ 92)
* الـمغني لابن قدامة : (3/ 178)
* المبدع في شرح المقنع : (3/ 50)
* طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية : (ص: 30-31)
* الموسوعة الفقهية الكويتية : (45/ 317)
* فقه السنة : (1/ 720)
* درر الحكام شرح غرر الأحكام : (1/ 145)
* البناية شرح الهداية : (3/ 124)
* الـمجموع شرح الـمهذب : (8/ 117)
* مغني الـمحتاج فـي شرح الـمنهاج : 261/2 - منار السبيل في شرح الدليل : 155/1 - فتاوى محمد بن إبراهيم : 128/3 - شرح مختصر خليل للخرشي : (2/ 331)
* الحاوي الكبير : (4/ 168)
* الـمغني لابن قدامة : (3/ 178- 179) -
التَّعْرِيفُ:
يَوْمُ عَرَفَةَ مُرَكَّبٌ مِنْ لَفْظَيْنِ: يَوْمٌ، وَعَرَفَةُ.
أَمَّا الْيَوْمُ فَقَدْ سَبَقَ تَعْرِيفُهُ فِي مُصْطَلَحِ: يَوْم (انْظُرْ ف1) .
وَأَمَّا عَرَفَةُ: فَهُوَ اسْمٌ لِلْمَوْقِفِ الْمَعْرُوفِ، وَيَتِمُّ الْحَجُّ بِالْوُقُوفِ بِهِ، وَحَدُّهُ مِنَ الْجَبَل الْمُشْرِفِ عَلَى بَطْنِ عُرَنَةَ إِلَى الْجِبَال الْمُقَابِلَةِ إِلَى مَا يَلِي حَوَائِطَ بَنِي عَامِرٍ.
وَيَوْمُ عَرَفَةَ هُوَ التَّاسِعُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ (1) .
فَضْل يَوْمِ عَرَفَةَ:
2 - لَقَدْ وَرَدَتْ فِي فَضْل يَوْمِ عَرَفَةَ أَحَادِيثُ وَآثَارٌ، مِنْهَا:
عَنْ عَائِشَةَ ﵂ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَال: مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمُ الْمَلاَئِكَةَ، فَيَقُول: مَا أَرَادَ هَؤُلاَءِ (2) .
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ﵄ أَنَّهُ ﷺ قَال: خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: " لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُل شَيْءٍ قَدِيرٌ (3) .
وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ﵄ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: مَا مِنْ يَوْمٍ أَفْضَل عِنْدَ اللَّهِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، يَنْزِل اللَّهُ تَعَالَى إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيُبَاهِي بِأَهْل الأَْرْضِ أَهْل السَّمَاءِ، فَيَقُول: انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي شُعْثًا غُبْرًا ضَاحِينَ، جَاءُوا مِنْ كُل فَجٍّ عَمِيقٍ، يَرْجُونَ رَحْمَتِي وَلَمْ يَرَوْا عَذَابِي. فَلَمْ يُرَ يَوْمٌ أَكْثَرُ عِتْقًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ (4) .
وَعَنْهُ ﷺ قَال: مَا رُئِيَ الشَّيْطَانُ يَوْمًا هُوَ فِيهِ أَصْغَرُ وَلاَ أَدْحَرُ وَلاَ أَحْقَرُ وَلاَ أَغْيَظُ مِنْهُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ، وَمَا ذَاكَ إِلاَّ لِمَا رَأَى مِنْ تَنَزُّل الرَّحْمَةِ وَتَجَاوُزِ اللَّهِ عَنِ الذُّنُوبِ الْعِظَامِ، إِلاَّ مَا أُرِيَ يَوْمَ بَدْرٍ، قِيل: وَمَا رَأَى يَوْمَ بَدْرٍ يَا رَسُول اللَّهِ؟ قَال: أَمَا إِنَّهُ قَدْ رَأَى جِبْرِيل يَزَعُ الْمَلاَئِكَةَ (5) .
وَ " عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ﵁ أَنَّ رَجُلاً مِنَ الْيَهُودِ قَال لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، آيَةٌ فِي كِتَابِكُمْ تَقْرَؤُونَهَا لَوْ عَلَيْنَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ نَزَلَتْ لاَتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيْدًا! قَال: أَيُّ آيَةٍ؟ قَال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِْسْلاَمَ دِينًا (6) } .
قَال عُمَرُ: " قَدْ عَرَفْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ وَالْمَكَانَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ: وَهُوَ قَائِمٌ بِعَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ " (7) .
وَذَهَبَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ إِذَا وَقَعَ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ كَانَ لِتِلْكَ الْحَجَّةِ فَضْلٌ عَلَى غَيْرِهَا. (8)
وَفِيهِ حَجَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ حَجَّةَ الْوَدَاعِ وَكَانَ وَاقِفًا إِذْ نَزَل قَوْلُهُ تَعَالَى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِْسْلاَمَ دِينًا (9) } . الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِيَوْمِ عَرَفَةَ:
تَتَعَلَّقُ بِيَوْمِ عَرَفَةَ أَحْكَامٌ، مِنْهَا:
أَوَّلاً: الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ:
3 - الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ، ثَبَتَتْ رُكْنِيَّتُهُ بِالسُّنَّةِ وَالإِْجْمَاعِ:
أَمَّا السُّنَّةُ فَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْمُرَ الدِّيَلِيِّ أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْل نَجْدٍ أَتَوْا رَسُول اللَّهِ ﷺ وَهُوَ بِعَرَفَةَ، فَسَأَلُوهُ فَأَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى: الْحَجُّ عَرَفَةُ، مَنْ جَاءَ لَيْلَةَ جَمْعٍ قَبْل طُلُوعِ الْفَجْرِ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ، أَيَّامُ مِنًى ثَلاَثَةٌ، فَمَنْ تَعَجَّل فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ، وَمِنْ تَأَخَّرَ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ (10) .
وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ مُضَرِّسٍ الطَّائِيِّ قَال: " أَتَيْتُ رَسُول اللَّهِ ﷺ بِالْمُزْدَلِفَةِ حِينَ خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ فَقُلْتُ: يَا رَسُول اللَّهِ إِنِّي جِئْتُ مِنْ جَبَل طَيِّءٍ أَكْلَلْتُ رَاحِلَتِي، وَأَتْعَبْتُ نَفْسِي، وَاللَّهِ مَا تَرَكْتُ مِنْ جَبَلٍ إِلاَّ وَقَفْتُ عَلَيْهِ، فَهَل لِي مِنْ حَجٍّ؟ فَقَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: مَنْ شَهِدَ صَلاَتَنَا هَذِهِ، وَوَقَفَ مَعَنَا حَتَّى نَدْفَعَ، وَقَدْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ قَبْل ذَلِكَ لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَقَدْ أَتَمَّ حَجَّهُ وَقَضَى تَفَثَهُ (11) . وَأَمَّا الإِْجْمَاعُ فَقَدْ أَجْمَعَتِ الأُْمَّةُ عَلَى أَنَّ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ. (12) فَمَنْ تَرَكَهُ أَوْ أَخَّرَهُ عَنْ وَقْتِهِ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ إِجْمَاعًا، وَيَتَحَلَّل بِأَدَاءِ أَفْعَال الْعُمْرَةِ، وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ، عَلَى تَفْصِيلٍ فِي الْمَذَاهِبِ يُنْظَرُ فِي (فَوَات ف8 - 9) .
شُرُوطُ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ:
4 - لِلْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ بِاعْتِبَارِهِ رُكْنًا مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ شَرْطَانِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا:
أَحَدُهُمَا: كَوْنُ الْوُقُوفِ فِي أَرْضِ عَرَفَاتٍ.
وَلِلتَّفْصِيل فِي مَعْرِفَةِ حُدُودِ عَرَفَةَ يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ (عَرَفَات ف 2) .
الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْوُقُوفُ فِي زَمَانِ الْوُقُوفِ وَهُوَ الْيَوْمُ التَّاسِعُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَهُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَلَيْلَةُ الْعَاشِرِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ، فَمَنْ طَلَعَ الْفَجْرُ وَلَمْ يَقِفْ فِي شَيْءٍ مِنْ عَرَفَةَ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ. (13)
وَزَادَ الشَّافِعِيَّةُ فِي شُرُوطِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ أَنْ يَكُونَ مُحْرِمًا أَهْلاً لِلْعِبَادَةِ، فَلاَ يَكْفِي حُضُورُ غَيْرِ الأَْهْل لَهَا كَالْمَجْنُونِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالسَّكْرَانِ إِذَا اسْتَغْرَقَ حَالُهُمْ جَمِيعَ وَقْتِ الْوُقُوفِ. وَقَالُوا: لَكِنْ يَقَعُ حَجُّ الْمَجْنُونِ نَفْلاً كَالصَّبِيِّ الَّذِي لاَ يُمَيِّزُ فَيَبْنِي وَلِيُّهُ بَقِيَّةَ الأَْعْمَال. (14)
وَقْتُ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ:
5 - الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ، وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ آخِرَ وَقْتٍ لِلْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ هُوَ طُلُوعُ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ (الْعَاشِرِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ) .
وَاخْتَلَفُوا فِي ابْتِدَاءِ وَقْتِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ أَوَّلَهُ زَوَال شَمْسِ يَوْمِ عَرَفَةَ.
وَذَهَبَ مَالِكٌ إِلَى أَنَّ وَقْتَ الْوُقُوفِ هُوَ اللَّيْل.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ مِنْ طُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ عَرَفَةَ إِلَى طُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ. وَانْظُرِ التَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (حَجّ ف 49، 50، 51) .
الزَّمَنُ الْمُجْزِئُ لِلْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ:
6 - بَيَّنَ الْفُقَهَاءُ مِقْدَارَ الزَّمَنِ الْمُجْزِئِ لِلْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، كَمَا بَيَّنُوا الْحُكْمَ عِنْدَ فَوَاتِهِ.
وَانْظُرِ التَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (حَجّ 77 وَ 123، وَفَوَات ف: 8 - 12، وَطَوَاف ف 16) . وَاجِبُ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ:
7 - هُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ اللَّيْل وَالنَّهَارِ لِمَنْ وَقَفَ بِهَا نَهَارًا، بِأَنْ يَسْتَمِرَّ إِلَى أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ وَمُقَابِل الصَّحِيحِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.
وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ فِي الصَّحِيحِ وَالإِْمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ أَنَّهُ سُنَّةٌ.
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّهُ يَجِبُ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ نَهَارًا، أَمَّا الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ لَيْلاً وَلَوْ لَحْظَةٍ فَهُوَ رُكْنٌ. (15)
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: مَنْ لَمْ يُوَافِ عَرَفَةَ إِلاَّ لَيْلاً فَيُجْزِئُهُ الْوُقُوفُ وَلَوْ لَحْظَةً فِي بَعْضِ جَوَانِبِهَا، لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: مَنْ جَاءَ لَيْلَةَ جَمْعٍ قَبْل طُلُوعِ الْفَجْرِ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ (16) . وَلاَ دَمَ عَلَيْهِ، لأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ ذَكَرَ أَنَّهُ يُدْرِكُ الْحَجَّ وَأَنَّهُ قَدْ تَمَّ حَجُّهُ وَقَضَى تَفَثَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّ عَلَيْهِ دَمًا، وَتَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ لاَ يَجُوزُ. (17)
وَهُنَا مَسَائِل أَبْرَزَهَا الْفُقَهَاءُ وَبَيَّنُوا حُكْمَهَا:
8 - الْمَسْأَلَةُ الأُْولَى: إِذَا جَاوَزَ عَرَفَةَ قَبْل غُرُوبِ الشَّمْسِ وَلَمْ يَعُدْ إِلَيْهَا، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِهِ وَلَهُمْ ثَلاَثَةُ آرَاءٍ:
الرَّأْيُ الأَْوَّل: يَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ لِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ، كَمَا لَوْ تَرَكَ غَيْرَهُ مِنَ الْوَاجِبَاتِ، إِذْ أَنَّهُ تَرَكَ نُسُكًا فَعَلَهُ النَّبِيُّ ﷺ وَهُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ اللَّيْل وَالنَّهَارِ، وَالأَْصْل فِي تَرْكِ النُّسُكِ إِيجَابُ الدَّمِ إِلاَّ مَا خَرَجَ بِدَلِيلٍ.
الرَّأْيُ الثَّانِي: يَرَى الشَّافِعِيَّةُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُرِيقَ دَمًا اسْتِحْبَابًا خُرُوجًا مِنْ خِلاَفِ مَنْ أَوْجَبَهُ.
الرَّأْيُ الثَّالِثُ: يَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّهُ قَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ، لأَِنَّ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ سَاعَةً بَعْدَ الْغُرُوبِ رُكْنٌ لاَ يَنْجَبِرُ بِالدَّمِ. (18)
9 - الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: إِذَا جَاوَزَ عَرَفَةَ، ثُمَّ عَادَ إِلَيْهَا قَبْل غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِهِ:
فَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّهُ إِذَا عَادَ إِلَى عَرَفَةَ قَبْل الْغُرُوبِ فَلاَ دَمَ عَلَيْهِ، لأَِنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ اللَّيْل وَالنَّهَارِ، غَيْرَ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ قَالُوا: إِنَّهُ إِذَا عَادَ إِلَيْهَا قَبْل الْغُرُوبِ قَبْل أَنْ يَدْفَعَ الإِْمَامُ سَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ، لأَِنَّهُ اسْتَدْرَكَ الْمَتْرُوكَ، إِذْ جَمَعَ بَيْنَ اللَّيْل وَالنَّهَارِ، وَعِنْدَ زُفَرَ لاَ يَسْقُطُ.
أَمَّا إِنْ عَادَ إِلَى عَرَفَةَ قَبْل غُرُوبِ الشَّمْسِ بَعْدَمَا خَرَجَ الإِْمَامُ مِنْ عَرَفَةَ فَقَدْ ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ أَيْضًا، وَكَذَا رَوَى ابْنُ شُجَاعٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الدَّمَ يَسْقُطُ عَنْهُ أَيْضًا، وَذَكَرَ فِي الأَْصْل أَنَّهُ لاَ يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ. (19)
10 - الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: إِذَا جَاوَزَ عَرَفَةَ ثُمَّ عَادَ إِلَيْهَا بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ:
فَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي مُقَابِل الأَْصَحِّ أَنَّهُ لاَ يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ، لأَِنَّهُ لَمَّا غَرَبَتِ الشَّمْسُ عَلَيْهِ قَبْل الْعَوْدِ، فَقَدْ تَقَرَّرَ عَلَيْهِ الدَّمُ الْوَاجِبُ، فَلاَ يُحْتَمَل السُّقُوطُ بِالْعُودِ؛ لأَِنَّ النُّسُكَ الْوَارِدَ هُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ آخِرِ النَّهَارِ وَأَوَّل اللَّيْل وَقَدْ فَاتَهُ.
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْصَحِّ أَنَّهُ لاَ دَمَ عَلَيْهِ؛ لأَِنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ اللَّيْل وَالنَّهَارِ، وَصَحَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ الْقَطْعَ بِهِ. (20)
الْخَطَأُ فِي الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ:
الْخَطَأُ فِي الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ لاَ يَخْلُو: إِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْمَكَانِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي الزَّمَانِ. 11 - فَإِنْ كَانَ الْخَطَأُ فِي الْمَكَانِ بِحَيْثُ وَقَفَ الْحَجِيجُ بِغَيْرِ أَرْضِ عَرَفَةَ فَإِنَّ وُقُوفَهُمْ لاَ يُجْزِئُ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، فَيَلْزَمُهُمْ الْقَضَاءُ سَوَاءٌ كَانُوا جَمْعًا كَثِيرًا أَوْ قَلِيلاً. (21)
12 - وَأَمَّا إِنْ كَانَ الْخَطَأُ فِي الزَّمَانِ فَإِنَّهُ لاَ يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي التَّقْدِيمِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي التَّأْخِيرِ. فَإِنْ كَانَ الْخَطَأُ فِي التَّأْخِيرِ بِأَنْ أَخْطَأَ النَّاسُ جَمِيعًا فَوَقَفُوا فِي الْعَاشِرِ " يَوْمَ النَّحْرِ، فَفِيهِ رَأْيَانِ:
الأَْوَّل: ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةُ فِي الاِسْتِحْسَانِ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ وُقُوفَهُمْ صَحِيحٌ لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ الصَّوْمُ يَوْمَ تَصُومُونَ وَالْفِطْرُ يَوْمَ تُفْطِرُونَ وَالأَْضْحَى يَوْمَ تُضَحُّونَ (22) . وَقَوْلُهُ: عَرَفَةُ يَوْمَ تُعْرِفُونَ (23) . وَقَوْلُهُ وَحَجُّكُمْ يَوْمَ تَحُجُّونَ (24) . فَقَدْ جَعَل النَّبِيُّ ﷺ وَقْتَ الْوُقُوفِ أَوِ الْحَجِّ هُوَ وَقْتَ تَقِفُ أَوْ تَحُجُّ فِيهِ النَّاسُ.
الرَّأْيُ الثَّانِي: وَهُوَ مُقْتَضَى الْقِيَاسِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ عَدَمُ إِجْزَاءِ الْوُقُوفِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لأَِنَّ النَّاسَ وَقَفُوا فِي غَيْرِ وَقْتِ الْوُقُوفِ فَلاَ يَجُوزُ، كَمَا لَوْ تَبَيَّنَ أَنَّهُمْ وَقَفُوا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ، وَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ. (25)
13 - أَمَّا إِذَا كَانَ الْخَطَأُ فِي التَّقْدِيمِ بِأَنْ أَخْطَأَ النَّاسُ جَمِيعًا فَوَقَفُوا يَوْمَ الثَّامِنِ (يَوْمَ التَّرْوِيَةِ) فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي إِجْزَاءِ وُقُوفِهِمْ:
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ فِي الْمَذْهَبِ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْصَحِّ إِلَى عَدَمِ إِجْزَاءِ الْوُقُوفِ فِي هَذَا الْيَوْمِ، لأَِنَّهُ خَطَأٌ غَيْرُ مَبْنِيٍّ عَلَى دَلِيلٍ رَأْسًا فَلَمْ يُعْذَرُوا فِيهِ. وَلأَِنَّ الْغَلَطَ بِالتَّقْدِيمِ يُمْكِنُ الاِحْتِرَازُ عَنْهُ. (26)
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي مُقَابِل الأَْصَحِّ - قَال فِي الْبَيَانِ: وَعَلَيْهِ الأَْكْثَرُونَ - وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى إِجْزَاءِ وُقُوفِهِمْ لِحَدِيثِ يَوْمُ عَرَفَةَ الْيَوْمُ الَّذِي يُعْرِفُ النَّاسَ فِيهِ (27) .، وَلِحَدِيثِ الْفِطْرُ يَوْمَ تُفْطِرُونَ، وَالأَْضْحَى يَوْمَ تُضَحُّونَ (28) .
وَاسْتَدَلُّوا كَذَلِكَ بِقِيَاسِ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ. (29)
وُقُوفُ طَائِفَةٍ قَلِيلَةٍ رَأَتِ الْهِلاَل:
14 اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وُقُوفِ طَائِفَةٍ قَلِيلَةٍ رَأَتْ هِلاَل ذِي الْحِجَّةِ مُنْفَرِدِينَ خِلاَفًا لِلْجَمَاعَةِ فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ إِلَى أَنَّهُمْ لاَ يُجْزِئُهُمُ الْوُقُوفُ، بَل يَقِفُونَ مَعَ الْجُمْهُورِ. وَقَيَّدَ الْحَنَفِيَّةُ هَذَا الْحُكْمَ بِمَا إِذَا اشْتَبَهَ عَلَى النَّاسِ فَوَقَفَ الإِْمَامُ وَالنَّاسُ يَوْمَ النَّحْرِ، حَيْثُ صَرَّحُوا بِأَنَّ مَنْ رَأَى الْهِلاَل فَوَقَفَ يَوْمَ عَرَفَةَ مُخَالِفًا لِلْجَمَاعَةِ لَمْ يُجْزِهِ وُقُوفُهُ، وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ الْوُقُوفَ مَعَ الإِْمَامِ، لأَِنَّ يَوْمَ النَّحْرِ صَارَ يَوْمَ الْحَجِّ فِي حَقِّ الْجَمَاعَةِ، وَوَقْتُ الْوُقُوفِ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَخْتَلِفَ، فَلاَ يُعْتَدُّ بِمَا فَعَلَهُ بِانْفِرَادِهِ. (30)
أَمَّا لَوْ وَقَفَ الإِْمَامُ وَالْجَمَاعَةُ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ، وَوَقَفَ الشُّهُودُ الَّذِينَ رَأَوُا الْهِلاَل حَسَبَ رُؤْيَتِهِمْ يَوْمَ عَرَفَةَ فَقَدْ وَرَدَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَجُوزُ وُقُوفُهُمْ وَحَجُّهُمْ أَيْضًا. (31)
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ فِي رِوَايَةٍ اخْتَارَهَا ابْنُ مُفْلِحٍ فِي الْفُرُوعِ إِلَى أَنَّهُ يَقِفُ مَرَّتَيْنِ إِنْ وَقَفَ بَعْضُهُمْ لاَ سِيَّمَا مَنْ رَآهُ. (32)
وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَوِ انْفَرَدَ بَعْضُ الْحَجِيجِ بِالرُّؤْيَةِ لَزِمَهُ الْعَمَل بِرُؤْيَتِهِ، وَلَمْ يَجُزْ لَهُ مُوَافَقَةُ الْغَالِطِينَ وَإِنْ كَثُرُوا. (33)
وُقُوفُ مَنْ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ:
15 قَال الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ: إِنَّ مَنْ رَأَى الْهِلاَل وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْوُقُوفُ فِي وَقْتِهِ، فَهُوَ كَمَنْ شَهِدَ بِرُؤْيَةِ شَهْرِ رَمَضَانَ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ. (34)
قَال الشَّافِعِيَّةُ: وَلَمْ يَجُزْ لَهُ مُوَافَقَةُ الْغَالِطِينَ فِي وُقُوفِهِمْ بَعْدَهُ وَإِنْ كَثُرُوا. (35)
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا شَهِدَ عِنْدَ الإِْمَامِ شَاهِدَانِ عَشِيَّةَ يَوْمِ عَرَفَةَ بِرُؤْيَةِ الْهِلاَل: فَإِنْ كَانَ الإِْمَامُ لَمْ يُمْكِنْهُ الْوُقُوفُ فِي بَقِيَّةِ اللَّيْل مَعَ النَّاسِ أَوْ أَكْثَرِهِمْ، لَمْ يَعْمَل بِتِلْكَ الشَّهَادَةِ، وَوَقَفَ مِنَ الْغَدِ بَعْدَ الزَّوَالِ، لأَِنَّهُمْ وَإِنْ شَهِدُوا عَشِيَّةَ عَرَفَةَ لَكِنْ لَمَّا تَعَذَّرَ عَلَى الْجَمَاعَةِ الْوُقُوفُ فِي الْوَقْتِ وَهُوَ مَا بَقِيَ مِنَ اللَّيْل صَارُوا كَأَنَّهُمْ شَهِدُوا بَعْدَ الْوَقْتِ. فَإِنْ كَانَ الإِْمَامُ يُمْكِنُهُ الْوُقُوفُ قَبْل طُلُوعِ الْفَجْرِ مَعَ النَّاسِ أَوْ أَكْثَرِهِمْ بِأَنْ كَانَ يُدْرِكُ الْوُقُوفَ عَامَّةُ النَّاسِ، إِلاَّ أَنَّهُ لاَ يُدْرِكُهُ ضَعَفَةُ النَّاسِ، جَازَ وُقُوفُهُ، فَإِنْ لَمْ يَقِفْ فَاتَ حَجُّهُ لأَِنَّهُ تَرَكَ الْوُقُوفَ فِي وَقْتِهِ مَعَ عِلْمِهِ بِهِ وَالْقُدْرَةِ عَلَيْهِ.
وَقَالُوا: وَكَذَا إِذَا أَخَّرَ الإِْمَامُ الْوُقُوفَ لِمَعْنًى يَسُوغُ فِيهِ الاِجْتِهَادُ لَمْ يُجْزِ وُقُوفُ مَنْ وَقَفَ قَبْلَهُ، فَإِنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ عِنْدَ الإِْمَامِ بِهِلاَل ذِي الْحِجَّةِ فَرَدَّ شَهَادَتَهُمَا، لأَِنَّهُ لاَ عِلَّةَ بِالسَّمَاءِ، فَوَقَفَ بِشَهَادَتِهِمَا قَوْمٌ قَبْل الإِْمَامِ لَمْ يُجْزِ وُقُوفُهُمْ، لأَِنَّ الإِْمَامَ أَخَّرَ الْوُقُوفَ بِسَبَبٍ يَجُوزُ الْعَمَل عَلَيْهِ فِي الشَّرْعِ، فَصَارَ كَمَا لَوْ أَخَّرَ بِالاِشْتِبَاهِ. (36)
غَلَطُ الْحَجِيجِ فِي الْوُقُوفِ إِذَا قَل عَدَدُهُمْ عَنِ الْمُعْتَادِ:
16 نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ وَقَفَ الْحَجِيجُ الْيَوْمَ الْعَاشِرَ غَلَطًا أَجْزَأَهُمْ، إِلاَّ أَنْ يَقِلُّوا عَلَى خِلاَفِ الْعَادَةِ، فَيَقْضُونَ فِي الأَْصَحِّ لِعَدَمِ الْمَشَقَّةِ الْعَامَّةِ.
وَمُقَابِل الأَْصَحِّ: لاَ قَضَاءَ عَلَيْهِمْ لأَِنَّهُمْ لاَ يَأْمَنُونَ مِثْلَهُ فِي الْقَضَاءِ. (37) نِيَّةُ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ:
17 اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ لِلْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ:
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ فِي الْجُمْلَةِ إِلَى أَنَّهُ لاَ تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ لِصِحَّةِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ.
وَصَرَّحَ الْكَاسَانِيُّ بِصِحَّةِ الْوُقُوفِ، سَوَاءٌ نَوَى الْوُقُوفَ عِنْدَ الْوُقُوفِ أَوْ لَمْ يَنْوِ، بِخِلاَفِ الطَّوَافِ. (38)
وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِاسْتِحْبَابِ النِّيَّةِ لِلْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ. (39)
وَنَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ كَيْفَمَا حَصَل الْوَاقِفُ بِعَرَفَةَ وَهُوَ عَاقِلٌ أَجَزَأَهُ، قَائِمًا أَوْ جَالِسًا أَوْ رَاكِبًا أَوْ نَائِمًا، وَإِنْ مَرَّ بِهَا مُجْتَازًا فَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا عَرَفَةَ أَجْزَأَهُ أَيْضًا. (40)
وَقَالُوا: لاَ يَصِحُّ الْوُقُوفُ مِنَ الْمَجْنُونِ.
وَلاَ يَصِحُّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ وُقُوفُ السَّكْرَانِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ، وَقِيل: يَصِحُّ، وَيَصِحُّ الْوُقُوفُ مَعَ نَوْمٍ وَجَهْلٍ فِي الأَْصَحِّ، وَقِيل: لاَ يَصِحُّ مِنْهُمَا. (41)
وَنَقَل النَّوَوِيُّ عَنِ الإِْمَامِ الشَّافِعِيِّ وَالأَْصْحَابِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ الْحُضُورُ فِي جُزْءٍ مِنْ عَرَفَاتٍ وَلَوْ فِي لَحْظَةٍ لَطِيفَةٍ بِشَرْطِ كَوْنِهِ أَهْلاً لِلْعِبَادَةِ، سَوَاءٌ حَضَرَهَا عَمْدًا أَوْ وَقَفَ مَعَ الْغَفْلَةِ وَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالتَّحَدُّثِ وَاللَّهْوِ وَفِي حَالَةِ النَّوْمِ، أَوِ اجْتَازَ فِيهَا فِي وَقْتِ الْوُقُوفِ وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ أَنَّهَا عَرَفَاتٌ، فَيَصِحُّ وُقُوفُهُ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ وَنَحْوِهَا. (42)
وَاسْتَثْنَى الْمَالِكِيَّةُ مِنْ أَصْل عَدَمِ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ لِصِحَّةِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ الْمَارَّ بِهَا بَعْدَ دَفْعِ الإِْمَامِ، حَيْثُ يَشْتَرِطُونَ لِصِحَّةِ وُقُوفِهِ أَنْ يَنْوِيَ الْوُقُوفَ وَيَعْلَمَ بِأَنَّهُ مَارٌّ عَلَى عَرَفَةَ. (43)
وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ فِي وَجْهٍ وُجُوبَ إِفْرَادِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ بِالنِّيَّةِ. (44)
وَقَال أَبُو ثَوْرٍ: لاَ يُجْزِئُهُ إِلاَّ إِذَا كَانَ وَاقِفًا بِإِرَادَةٍ. (45)
سُنَنُ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ
أ - الْغُسْل لِلْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ:
18 ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالْمَالِكِيَّةُ فِي قَوْلٍ إِلَى أَنَّهُ يُسَنُّ الاِغْتِسَال لِلْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلَيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ ﵃ أَنَّهُمْ كَانُوا يَغْتَسِلُونَ إِذَا رَاحُوا لِعَرَفَةَ.
فَعَنْ عَلِيٍّ ﵁ لِمَا سُئِل عَنِ الْغُسْل قَال: يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَيَوْمَ عَرَفَةَ، وَيَوْمَ النَّحْرِ، وَيَوْمَ الْفِطْرِ (46) .
وَلِمَا رَوَى نَافِعٌ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ ﵄ كَانَ يَغْتَسِل لِوُقُوفِهِ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ (47) .
وَلأَِنَّهُ قُرْبَةٌ يَجْتَمِعُ لَهَا الْخَلْقُ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ فَشُرِعَ لَهَا الْغُسْل كَصَلاَةِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى أَنَّ الاِغْتِسَال لِيَوْمِ عَرَفَةَ مُسْتَحَبٌّ فَإِنْ عَجَزَ عَنِ الْغُسْل فَقَدْ قَال الشَّافِعِيَّةُ: إِنَّهُ يَتَيَمَّمُ. (48)
ب - خُطْبَةُ عَرَفَةَ وَكَوْنُهَا بَعْدَ الزَّوَال:
19 وَهِيَ خُطْبَتَانِ بَعْدَ الزَّوَال قَبْل الصَّلاَةِ، يَفْصِل بَيْنَهُمَا بِجِلْسَةٍ خَفِيفَةٍ كَمَا فِي الْجُمُعَةِ لِلاِتِّبَاعِ، وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ.
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: اسْتُحِبَّ لِلإِْمَامِ أَوْ نَائِبِهِ أَنْ يَخْطُبَ خُطْبَةً وَاحِدَةً يَقْصُرُهَا. (49)
وَاسْتَدَل الْبُهُوتِيُّ عَلَى تَقْصِيرِ الْخُطْبَةِ لِقَوْل سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ لِلْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ يَوْمَ عَرَفَةَ: " إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ أَنْ تُصِيبَ السُّنَّةَ فَاقْصُرِ الْخُطْبَةَ وَعَجِّل الصَّلاَةَ " وَفِي رِوَايَةٍ ". . فَاقْصُرِ الْخُطْبَةَ وَعَجِّل الْوُقُوفَ " (50) .
ج - الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلاَتَيْنِ يَوْمَ عَرَفَةَ:
20 - يُسَنُّ أَنْ يَجْمَعَ الْحَاجُّ بَيْنَ صَلاَتَيِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ تَقْدِيمًا، فِي وَقْتِ الظُّهْرِ، بِأَذَانٍ وَإِقَامَتَيْنِ، اتِّبَاعًا لِلسُّنَّةِ الَّتِي فَعَلَهَا النَّبِيُّ ﷺ. وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ الْجَمْعَ بِأَذَانَيْنِ: أَذَانٌ لِلظُّهْرِ وَأَذَانٌ لِلْعَصْرِ. (51)
وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ: الْحَنَفِيَّةُ فِي الْمَذْهَبِ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي وَجْهٍ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ هَذَا الْجَمْعَ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ الْمَسْنُونَةِ.
وَفِي الأَْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ هَذَا الْجَمْعَ لَيْسَ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ الْمَسْنُونَةِ، بَل هُوَ مِنْ قَبِيل رُخْصَةِ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلاَتَيْنِ فِي السَّفَرِ، لِذَلِكَ اشْتَرَطُوا فِيهِ شُرُوطَ السَّفَرِ. وَبِهَذَا يَقُول بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ، مِنْهُمُ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ وَابْنُ عَقِيلٍ. (52)
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي وَجْهٍ ثَالِثٍ إِلَى أَنَّ سَبَبَ الْجَمْعِ هُوَ أَصْل السِّفْرِ، فَيَجُوزُ لِلْمَكِّيِّ وَلاَ يَجُوزُ لأَِهْل عَرَفَةَ. (53)
وَاشْتَرَطَ الْحَنَفِيَّةُ لِلْجَمْعِ بَيْنَ صَلاَتَيِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِعَرَفَةَ - أَيْ تَقْدِيمِ الْعَصْرِ عَلَى وَقْتِهَا وَأَدَائِهَا فِي وَقْتِ الظُّهْرِ - شَرَائِطَ:
مِنْهَا: أَنْ تَكُونَ مُرَتَّبَةً عَلَى ظُهْرٍ جَائِزٍ اسْتِحْسَانًا، فَلَوْ صَلَّى الظُّهْرَ قَبْل الزَّوَال عَلَى ظَنِّ أَنَّ الشَّمْسَ نَزَلَتْ، وَالْعَصْرَ بَعْدَهُ، أَعَادَ الْخُطْبَةَ وَالصَّلاَتَيْنِ اسْتِحْسَانًا.
وَمِنْهَا: الْوَقْتُ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَالْمَكَانُ، وَهُوَ عَرَفَاتٌ.
وَمِنْهَا: إِحْرَامُ الْحَجِّ. قَالُوا: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ عِنْدَ أَدَاءِ الصَّلاَتَيْنِ، حَتَّى لَوْ كَانَ مُحْرِمًا بِالْعُمْرَةِ عِنْدَ أَدَاءِ الظُّهْرِ وَمُحْرِمًا بِالْحَجِّ عِنْدَ أَدَاءِ الْعَصْرِ لاَ يَجُوزُ لَهُ الْجَمْعُ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانَ. ثُمَّ لاَ بُدَّ مِنَ الإِْحْرَامِ بِالْحَجِّ قَبْل الزَّوَال فِي رِوَايَةٍ، تَقْدِيمًا لِلإِْحْرَامِ عَلَى وَقْتِ الْجَمْعِ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى يُكْتَفَى بِالتَّقْدِيمِ عَلَى الصَّلاَةِ، لأَِنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الصَّلاَةُ. وَهُوَ الصَّحِيحُ.
وَمِنْهَا: الْجَمَاعَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀ تَعَالَى، وَعِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ، فَمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ وَحْدَهُ فِي رَحْلِهِ صَلَّى الْعَصْرَ فِي وَقْتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالاَ: يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا الْمُنْفَرِدُ. وَفِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: وَالصَّحِيحُ قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ. وَلَوْ فَاتَتَاهُ مَعَ الإِْمَامِ أَوْ فَاتَتْهُ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا صَلَّى الْعَصْرَ لِوَقْتِهِ، وَلاَ يَجُوزُ لَهُ تَقْدِيمُ الْعَصْرِ عَلَى قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ.
وَمِنْهَا: أَنْ يَكُونَ الإِْمَامُ هُوَ الإِْمَامَ الأَْعْظَمَ أَوْ نَائِبَهُ، وَهُوَ شَرْطٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. فَلَوْ صَلَّى الظُّهْرَ بِجَمَاعَةٍ لاَ مَعَ الإِْمَامِ، وَالْعَصْرَ مَعَ الإِْمَامِ، لَمْ يُجْزِ الْعَصْرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. (54)
وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: الْحَنَفِيَّةُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الْمُذَهَّبُ عِنْدَهُمْ، وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ التَّطَوُّعُ بَيْنَ صَلاَتَيِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِعَرَفَةَ، لِحَدِيثِ جَابِرٍ ﵁: ثُمَّ أَذَّنَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ، وَلَمْ يُصَل بَيْنَهُمَا شَيْئًا (55) .
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ فِي غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُتَطَوَّعُ بَيْنَ الصَّلاَتَيْنِ غَيْرُ سُنَّةِ الظُّهْرِ. (56)
د - التَّعْجِيل فِي الْوُقُوفِ:
21 اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا فَرَغَ النَّاسُ مِنْ صَلاَتَيِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، فَإِنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَسِيرُوا فِي الْحَال إِلَى الْمَوْقِفِ وَيُعَجِّلُوا الْمَسِيرَ. قَال النَّوَوِيُّ: هَذَا التَّعْجِيل مُسْتَحَبٌّ بِالإِْجْمَاعِ. (57) لِحَدِيثِ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ﵃ قَال: " كَتَبَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ إِلَى الْحَجَّاجِ: أَنْ لاَ يُخَالِفَ ابْنَ عُمَرَ فِي الْحَجِّ. فَجَاءَ ابْنُ عُمَرَ ﵄ وَأَنَا مَعَهُ يَوْمَ عَرَفَةَ حِينَ زَالَتِ الشَّمْسُ، فَصَاحَ عِنْدَ سُرَادِقِ الْحَجَّاجِ، فَخَرَجَ وَعَلَيْهِ مِلْحَفَةٌ مُعَصْفَرَةٌ، فَقَال: مَا لَكَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ فَقَال: الرَّوَاحَ إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ السُّنَّةَ. قَال: هَذِهِ السَّاعَةَ؟ قَال: نَعَمْ، قَال: فَأَنْظِرْنِي حَتَّى أُفِيضَ عَلَى رَأْسِي ثُمَّ أَخْرُجَ. فَنَزَل حَتَّى خَرَجَ الْحَجَّاجُ، فَسَارَ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِي، فَقُلْتُ: إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ السُّنَّةَ فَاقْصُرِ الْخُطْبَةَ وَعَجِّل الْوُقُوفَ. فَجَعَل يَنْظُرُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ قَال: صَدَقَ " (58) .
هـ - الإِْفَاضَةُ بَعْدَ الْغُرُوبِ يَوْمَ عَرَفَةَ:
22 - إِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ يَوْمَ عَرَفَةَ أَفَاضَ الإِْمَامُ وَالنَّاسُ وَعَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ، فَمَنْ وَجَدَ فُرْجَةً أَسْرَعَ فِيهَا، لِحَدِيثِ أُسَامَةَ ﵁: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَسِيرُ الْعَنَقَ، فَإِذَا وَجَدَ فَجْوَةً نَصَّ (59) . أَيْ أَسْرَعَ، وَالْعَنَقُ: انْبِسَاطُ السَّيْرِ، وَالنَّصُّ فَوْقَ الْعَنَقِ.
فَإِنْ مَكَثَ الْحَاجُّ بَعْدَمَا أَفَاضَ الإِْمَامُ مُكُوثًا طَوِيلاً بِلاَ عُذْرٍ حَتَّى ظَهَرَ اللَّيْل أَسَاءَ، وَلَوْ أَبْطَأَ الإِْمَامُ وَلَمْ يُفِضْ أَفَاضُوا لأَِنَّ الإِْمَامَ أَخْطَأَ السُّنَّةَ. (60)
و الطَّهَارَةُ:
23 - يَكُونُ الْحَاجُّ طَاهِرًا مُدَّةَ الْوُقُوفِ، وَهُوَ سُنَّةٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ فِي قَوْلٍ، وَمُسْتَحَبٌّ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَالْمَالِكِيَّةِ فِي الْمُعْتَمَدِ. . (61) ز - مَكَانُ الْوُقُوفِ:
24 - يُسَنُّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَيُسْتَحَبُّ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ أَنْ يَقِفَ قُرْبَ جَبَل الرَّحْمَةِ عِنْدَ الصَّخَرَاتِ الْكِبَارِ السُّودِ الْمَفْرُوشَةِ عِنْدَ أَسْفَل الْجَبَلِ، فَذَلِكَ وَصْفُ مَكَانِ وُقُوفِهِ ﷺ، وَإِنْ تَعَذَّرَ أَنْ يَقْرُبَ مِنْهُ فَبِحَسْبِ الإِْمْكَانِ. (62)
وَلاَ يُشْرَعُ صُعُودُ الْجَبَل إِجْمَاعًا، قَالَهُ تَقِيُّ الدِّينِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ. (63) :
قَال النَّوَوِيُّ: وَأَمَّا مَا اشْتُهِرَ عِنْدَ الْعَوَامِّ مِنَ الاِعْتِنَاءِ بِالْوُقُوفِ عَلَى جَبَل الرَّحْمَةِ الَّذِي بِوَسَطِ عَرَفَاتٍ، وَتَرْجِيحِهِمْ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ أَرْضِ عَرَفَاتٍ، حَتَّى رُبَّمَا تَوَهَّمَ كَثِيرٌ مِنْ جَهَلَتِهِمْ أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ الْوُقُوفُ إِلاَّ بِهِ - فَخَطَأٌ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِمَّنْ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِي صُعُودِ الْجَبَل فَضِيلَةً، إِلاَّ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ، فَإِنَّهُ قَال: يُسْتَحَبُّ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ، وَكَذَا قَال أَبُو الْحَسَنِ الْمَاوَرْدِيُّ الْبَصْرِيُّ صَاحِبُ الْحَاوِي مِنْ أَصْحَابِنَا: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْصِدَ هَذَا الْجَبَل الَّذِي يُقَال لَهُ جَبَل الدُّعَاءِ. (64)
ح - الإِْكْثَارُ مِنْ عَمَل الْخَيْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ:
25 - يُسْتَحَبُّ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ الإِْكْثَارُ مِنْ أَعْمَال الْخَيْرَاتِ بِأَنْوَاعِهَا مِنَ الْعِبَادَاتِ وَالأَْذْكَارِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَال: مَا الْعَمَل فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ أَفْضَل مِنَ الْعَمَل فِي هَذِهِ. يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ، قَالُوا: وَلاَ الْجِهَادُ؟ قَال: وَلاَ الْجِهَادُ، إِلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ (65) .
ط - الإِْكْثَارُ مِنَ الدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ:
26 - السُّنَّةُ أَنْ يُكْثِرَ مِنَ الدُّعَاءِ بِالْمَأْثُورِ وَغَيْرِهِ وَالتَّهْلِيل وَالتَّلْبِيَةِ وَالاِسْتِغْفَارِ وَالتَّوْبَةِ وَالتَّضَرُّعِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالصَّلاَةِ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَهَذِهِ وَظِيفَةُ هَذَا الْيَوْمِ، وَلاَ يُقَصِّرُ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ مُعْظَمُ الْحَجِّ وَمَطْلُوبُهُ، وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: الْحَجُّ عَرَفَةُ (66) . فَيَنْبَغِي أَنْ لاَ يُقَصِّرَ فِي الاِهْتِمَامِ بِذَلِكَ وَاسْتِفْرَاغِ الْوُسْعِ فِيهِ، وَيُكْثِرُ مِنْ هَذَا الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ قَائِمًا وَقَاعِدًا وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ.
وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ بِهَذِهِ الأَْذْكَارِ كُلِّهَا، فَتَارَةً يُهَلِّلُ، وَتَارَةً يُكَبِّرُ، وَتَارَةً يُسَبِّحُ، وَتَارَةً يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، وَتَارَةً يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ ﷺ، وَتَارَةً يَدْعُو، وَتَارَةً يَسْتَغْفِرُ. وَيَدْعُو مُفْرَدًا وَفِي جَمَاعَةٍ. وَلْيَدْعُ لِنَفْسِهِ وَلِوَالِدَيْهِ وَمَشَايِخِهِ وَأَقَارِبِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَصْدِقَائِهِ وَأَحِبَّائِهِ وَسَائِرِ مَنْ أَحْسَنَ إِلَيْهِ وَسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُكَرِّرَ الاِسْتِغْفَارَ وَالتَّلَفُّظَ بِالتَّوْبَةِ مِنْ جَمِيعِ الْمُخَالَفَاتِ، مَعَ النَّدَمِ بِالْقَلْبِ، وَأَنْ يُكْثِرَ الْبُكَاءَ مَعَ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ، فَهُنَاكَ تُسْكَبُ الْعَبَرَاتُ وَتُسْتَقَال الْعَثَرَاتُ وَتُرْتَجَى الطَّلَبَاتُ، وَإِنَّهُ لَمَجْمَعٌ عَظِيمٌ وَمَوْقِفٌ جَسِيمٌ، يَجْتَمِعُ فِيهِ خِيَارُ عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ وَأَوْلِيَائِهِ الْمُخْلِصِينَ وَالْخَوَاصِّ الْمُقَرَّبِينَ، وَهُوَ أَعْظَمُ مَجَامِعِ الدُّنْيَا. (67)
فَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ ﵁ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَال: مَا عَلَى الأَْرْضِ مُسْلِمٌ يَدْعُو اللَّهَ بِدَعْوَةٍ إِلاَّ آتَاهُ اللَّهُ إِيَّاهَا أَوْ صَرَفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا، مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ. فَقَال رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: إِذًا نُكْثِرُ. قَال: اللَّهُ أَكْثَرُ (68) . ي - َالْجَمْعُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِمُزْدَلِفَةَ بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْ عَرَفَةَ:
27 - السُّنَّةُ أَنْ يَجْمَعَ الْحَاجُّ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِمُزْدَلِفَةَ، وَهَذَا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ صَلاَةِ مَنْ صَلَّى الْمَغْرِبَ قَبْل أَنْ يَأْتِيَ مُزْدَلِفَةَ.
فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْمَالِكِيَّةُ فِي الْمَذْهَبِ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَأَبُو يُوسُفَ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ) إِلَى أَنَّ مَنْ صَلَّى الْمَغْرِبَ بِالطَّرِيقِ تَرَكَ السُّنَّةَ وَأَجْزَأَهُ، لأَِنَّ كُل صَلاَتَيْنِ جَازَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا جَازَ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا كَالظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِعَرَفَةَ.
وَبِهِ قَال عَطَاءٌ وَعُرْوَةُ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ. (69)
وَقَيَّدَ الْمَالِكِيَّةُ سُنِّيَّةَ أَوْ مَنْدُوبِيَّةَ الْجَمْعِ بَيْنَ صَلاَتَيِ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِمُزْدَلِفَةَ بِأَنْ يَكُونَ الْحَاجُّ قَدْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ مَعَ الإِْمَامِ، وَسَارَ مَعَ النَّاسِ أَوْ تَخَلَّفَ عَنْهُمُ اخْتِيَارًا، فَمَنْ لَمْ يَقِفْ مَعَ الإِْمَامِ يُصَلِّي كُلًّا مِنَ الصَّلاَتَيْنِ فِي وَقْتِهَا.
وَقَالُوا: إِنْ وَقَفَ مَعَ الإِْمَامِ ثُمَّ عَجَزَ عَنْ لِحَاقِ النَّاسِ فِي سَيْرِهِمْ لِمُزْدَلِفَةَ فَبَعْدَ الشَّفَقِ يَجْمَعُ فِي أَيِّ مَحَلٍّ كَانَ.
وَإِذَا قُدِّمَتَا عَلَى النُّزُول بِمُزْدَلِفَةَ وَالْحَال أَنَّهُ مُطَالَبٌ بِالْجَمْعِ لِكَوْنِهِ وَقْفَ مَعَ الإِْمَامِ وَسَارَ مَعَ النَّاسِ. فَقَال ابْنُ الْقَاسِمِ: يُعِيدُ، لأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ ضَرَبَ لَهَا مِيقَاتًا.
وَقَال أَشْهَبُ: يُعِيدُ الْعِشَاءَ وَحْدَهَا إِنْ صَلاَّهَا قَبْل مَغِيبِ الشَّفَقِ، وَالتَّأْخِيرُ عِنْدَهُ رُخْصَةٌ لاَ عَزِيمَةٌ. وَالإِْعَادَةُ عَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ عَلَى وَجْهِ النَّدْبِ. (70)
وَقَيَّدَ الشَّافِعِيَّةُ مُخَالَفَةَ السُّنَّةِ بِعَدَمِ خَشْيَةِ فَوَاتِ وَقْتِ الاِخْتِيَارِ لِصَلاَةِ الْعِشَاءِ وَهُوَ ثُلُثُ اللَّيْل فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، وَنِصْفُ اللَّيْل فِي الْوَجْهِ الآْخَرِ، فَمَنْ خَافَ فَوَاتَ هَذَا الْوَقْتِ فَإِنَّهُ لاَ يُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بُغْيَةَ أَدَائِهَا فِي مُزْدَلِفَةَ، بَل يَجْمَعُ فِي الطَّرِيقِ.
وَيَشْتَرِطُ الشَّافِعِيَّةُ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلاَتَيْنِ فِي عَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ تَوَافُرَ شُرُوطِ السَّفَرِ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ - عَدَا أَبِي يُوسُفَ - وَالثَّوْرِيُّ وَابْنُ حَبِيبٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى أَنَّ تَأْخِيرَ صَلاَةِ الْمَغْرِبِ لأَِجْل أَدَائِهَا فِي مُزْدَلِفَةَ وَاجِبٌ، فَمَنْ صَلَّى الْمَغْرِبَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ قَبْل أَنْ يَأْتِيَ مُزْدَلِفَةَ فَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَهَا إِذَا أَتَى مُزْدَلِفَةَ مَا لَمْ يَطْلُعِ الْفَجْرَ.
وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي الطَّرِيقِ بَعْدَ دُخُول وَقْتِهَا. (71)
وَلَوْ صَلَّى الْفَجْرَ قَبْل أَنْ يُعِيدَ صَلاَتَيِ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِمُزْدَلِفَةَ عَادَتَا إِلَى الْجَوَازِ بِاتِّفَاقِ الْحَنَفِيَّةِ. (72)
28 - وَشَرَائِطُ هَذَا الْجَمْعِ بِمُزْدَلِفَةَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ:
الإِْحْرَامُ بِالْحَجِّ تَقْدِيمُ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ عَلَيْهِ.
وَالزَّمَانُ، وَهُوَ لَيْلَةُ النَّحْرِ.
وَالْمَكَانُ، وَهُوَ مُزْدَلِفَةُ.
وَالْوَقْتُ، وَهُوَ وَقْتُ الْعِشَاءِ مَا لَمْ يَطْلُعِ الْفَجْرَ. (73) وَنَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ مَنْ ذَهَبَ إِلَى مَكَّةَ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ الْمُزْدَلِفَةِ جَازَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْمَغْرِبَ فِي الطَّرِيقِ بِلاَ تَوَقُّفٍ فِي ذَلِكَ، وَأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَمُرَّ عَلَى الْمُزْدَلِفَةِ لَزِمَهُ صَلاَةُ الْمَغْرِبِ فِي الطَّرِيقِ فِي وَقْتِهَا لِعَدَمِ الشَّرْطِ (وَهُوَ الْمَكَانُ) وَكَذَا لَوْ بَاتَ فِي عَرَفَاتٍ. (74)
مَكْرُوهَاتُ يَوْمِ عَرَفَةَ:
أ - تَرْكُ الإِْقَامَةِ بَيْنَ الصَّلاَتَيْنِ الْمَجْمُوعَتَيْنِ بِعَرَفَةَ:
29 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى اسْتِحْبَابِ الإِْقَامَةِ لِكُل صَلاَةٍ مِنَ الصَّلاَتَيْنِ الْمَجْمُوعَتَيْنِ بِعَرَفَةَ، وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِكَرَاهَةِ تَرْكِ الإِْقَامَةِ بَيْنَ الصَّلاَتَيْنِ. (75)
ب - الإِْحْرَامُ بِالْعُمْرَةِ يَوْمَ عَرَفَةَ:
30 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الإِْحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ يَوْمَ عَرَفَةَ، فَيَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ عَدَمَ كَرَاهَةِ الإِْحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ أَنَّ الإِْحْرَامَ بِالْعُمْرَةِ يَوْمَ عَرَفَةَ مَكْرُوهٌ.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (إِحْرَام ف 37، 38) . ج - الإِْسْرَاعُ فِي السَّيْرِ رَاكِبًا أَوْ مَاشِيًا إِسْرَاعًا يُؤَدِّي إِلَى الإِْيذَاءِ:
31 - يُكْرَهُ الإِْسْرَاعُ فِي السَّيْرِ إِسْرَاعًا يُؤَدِي إِلَى الإِْيذَاءِ لِقَوْلِهِ ﷺ: " عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ ". وَقَال الزَّيْلَعِيُّ: تَرْكُ الإِْيذَاءِ وَاجِبٌ.
د - التَّظَلُّل يَوْمَ عَرَفَةَ:
32 - صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّ الأَْفْضَل لِلْوَاقِفِ بِعَرَفَةَ أَنْ لاَ يَسْتَظِلَّ، بَل يَبْرُزَ لِلشَّمْسِ إِلاَّ لِلْعُذْرِ، بِأَنْ يَتَضَرَّرَ أَوْ يَنْقُصَ دُعَاؤُهُ أَوِ اجْتِهَادُهُ فِي الأَْذْكَارِ (76) .، وَلَمْ يُنْقَل أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ اسْتَظَل بِعَرَفَاتٍ، مَعَ ثُبُوتِ حَدِيثٍ عَنْ أُمِّ الْحُصَيْنِ ﵄ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ ظُلِّل عَلَيْهِ بِثَوْبٍ وَهُوَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ (77) .
وَاسْتَحَبَّ الْمَالِكِيَّةُ تَرْكَ الاِسْتِظْلاَل زَمَنَ الْوُقُوفِ يَوْمَ عَرَفَةَ.
قَال الْقُرْطُبِيُّ: اسْتِظْلاَل الْمُحْرِمِ فِي الْقِبَابِ وَالأَْخْبِيَةِ لاَ خِلاَفَ فِيهِ، وَاخْتُلِفَ فِي اسْتِظْلاَلِهِ حَال الْوُقُوفِ، فَكَرِهَهُ مَالِكٌ وَأَهْل الْمَدِينَةِ. (78)
أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فَقَدْ ذَكَرُوا حُكْمَ اسْتِظْلاَل الْمُحْرِمِ بِالْبَيْتِ وَالْمَحْمَل وَنَحْوِهِمَا مِنْ غَيْرِ التَّخْصِيصِ بِزَمَنِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ.
فَقَدْ قَال الْحَنَفِيَّةُ: لاَ بَأْسَ بِأَنْ يَسْتَظِل الْمُحْرِمُ بِالْبَيْتِ وَالْمَحْمَل (79) وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ جَابِرٍ ﵁: وَأَمَرَ بِقُبَّةٍ مِنْ شَعَرٍ تُضْرَبُ لَهُ بِنَمِرَةَ، فَسَارَ رَسُول اللَّهِ ﷺ، إِلَى أَنْ قَال: فَوَجَدَ الْقُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ (80) فَنَزَل بِهَا (81) .
وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ بِأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ أَنْ يَسْتَظِل بِالْمَحْمَل.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يُكْرَهُ اسْتِظْلاَل الْمُحْرِمِ بِالْمَحْمَل. (82)
هـ - صَوْمُ يَوْمَ عَرَفَةَ:
33 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى كَرَاهَةِ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ لِلْحَاجِّ. وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى اسْتِحْبَابِهِ لِلْحَاجِّ إِذَا لَمْ يُضْعِفْهُ عَنِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ وَلاَ يُخِل بِالدَّعَوَاتِ، أَمَّا غَيْرُ الْحَاجِّ فَإِنَّ الْفُقَهَاءَ مُتَّفِقُونَ عَلَى اسْتِحْبَابِ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ فِي حَقِّهِ (ر: صَوْمُ التَّطَوُّعِ ف 9) .
و تَرْكُ خُطْبَةِ عَرَفَةَ، أَوْ إِيقَاعُهَا قَبْل الزَّوَال:
34 - نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ تَرْكَ خُطْبَةِ عَرَفَةَ أَوْ إِيقَاعَهَا قَبْل الزَّوَال مَكْرُوهٌ، فَقَدْ جَاءَ فِي الْجَوْهَرَةِ النَّيِّرَةِ: إِنْ تَرَكَ الْخُطْبَةَ أَوْ خَطَبَ قَبْل الزَّوَال أَجْزَأَهُ وَقَدْ أَسَاءَ.
وَنَقَل ابْنُ عَابِدِينَ قَوْل الزَّيْلَعِيِّ: " جَازَ " مُعَلِّقًا عَلَيْهِ: أَيْ صَحَّ مَعَ الْكَرَاهَةِ. (83)
وَيَرَى ابْنُ حَبِيبٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ جَوَازَ الإِْتْيَانِ بِخُطْبَةِ عَرَفَةَ قَبْل الزَّوَالِ، وَيَمْنَعُ أَشْهَبُ مِنْ ذَلِكَ، وَيَرَى إِعَادَتَهَا لِمَنْ فَعَل ذَلِكَ إِلاَّ أَنْ يَفُوتَ بِفِعْل الصَّلاَةِ، وَالصَّلاَةُ لاَ تَكُونُ إِلاَّ بَعْدَ الزَّوَال عَلَى كُل حَالٍ.
وَاحْتَجَّ الْبَاجِيُّ لِمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ ابْنُ حَبِيبٍ مِنْ جَوَازِ إِيقَاعِ الْخُطْبَةِ قَبْل الزَّوَال بِأَنَّ الْخُطْبَةَ لَيْسَتْ لِلصَّلاَةِ، وَإِنَّمَا هِيَ تَعْلِيمٌ لِلْحَاجِّ، وَلِذَلِكَ لَمْ يُغَيَّرْ حُكْمُ الصَّلاَةِ فِي الْجَهْرِ، وَلَمْ يَتَقَدَّمِ الأَْذَانُ عَلَيْهَا، فَلَمْ يَكُنْ مِنْ شَرْطِهَا أَنْ يَكُونَ وَقْتُهَا وَقْتَ الصَّلاَةِ، وَإِنَّمَا مِنْ حُكْمِهَا ذَلِكَ لِمَا شُرِعَ مِنَ اتِّصَالِهَا بِالصَّلاَةِ. (84) وَقَال الدُّسُوقِيُّ: لَوْ خَطَبَ قَبْل الزَّوَال وَصَلَّى بَعْدَهُ، أَوْ صَلَّى بِغَيْرِ خُطْبَةٍ أَجْزَأَهُ إِجْمَاعًا. (85)
ز - دُخُول عَرَفَاتٍ قَبْل وَقْتِ الْوُقُوفِ:
35 - قَال الإِْمَامُ مَالِكٌ: أَكْرَهُ لِلْحُجَّاجِ أَنْ يَتَقَدَّمُوا إِلَى عَرَفَةَ قَبْل عَرَفَةَ هُمْ أَنْفُسُهُمْ أَوْ يُقَدِّمُوا أَبْنِيَتَهُمْ.
وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّ دُخُول الْحُجَّاجِ أَرْضَ عَرَفَاتٍ قَبْل وَقْتِ الْوُقُوفِ خَطَأٌ وَبِدْعَةٌ وَمُنَابَذَةٌ لِلسُّنَّةِ، وَتَفُوتُهُمْ بِسَبَبِهِ سُنَنٌ كَثِيرَةٌ. (86)
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: يَدْفَعُ الْحَاجُّ إِلَى عَرَفَاتٍ بَعْدَ صَلاَةِ الْفَجْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَقَالُوا: هَذَا بَيَانُ الأَْوْلَوِيَّةِ حَتَّى لَوْ ذَهَبَ قَبْل طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَيْهَا جَازَ. (87)
وَنَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْحَاجِّ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى مِنًى يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَيَبِيتَ بِهَا، فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ سَارَ إِلَى عَرَفَةَ، فَأَقَامَ بِنَمِرَةَ نَدْبًا حَتَّى تَزُول الشَّمْسُ، فَمَنْ خَرَجَ مِنْ مِنًى إِلَى عَرَفَةَ قَبْل طُلُوعِ الشَّمْسِ لَمْ يَأْتِ بِالْمُسْتَحَبِّ. (88) التَّوَجُّهُ إِلَى عَرَفَةَ وَكَيْفِيَّةُ الْوُقُوفِ بِهَا:
36 - إِذَا كَانَ صَبَاحُ يَوْمِ التَّاسِعِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ يُصَلِّي الْحَاجُّ صَلاَةَ الْفَجْرَ فِي مِنًى، ثُمَّ يَمْكُثُ إِلَى أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَتُشْرِقَ عَلَى جَبَل ثَبِيرٍ، فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ تَوَجَّهَ إِلَى عَرَفَاتٍ مَعَ السَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ، مُلَبِّيًا مُهَلِّلاً مُكَبِّرًا، وَهَكَذَا مِنْ سَائِرِ الأَْذْكَارِ، وَيُسَنُّ أَنْ يَغْتَسِل لِلْوُقُوفِ، وَإِلاَّ فَلْيَتَوَضَّأْ.
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُول فِي التَّوَجُّهِ إِلَى عَرَفَاتٍ: اللَّهُمَّ إِلَيْكَ تَوَجَّهْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَوَجْهَكَ الْكَرِيمَ أَرَدْتُ، فَاجْعَل ذَنْبِي مَغْفُورًا، وَحَجِّي مَبْرُورًا، وَارْحَمْنِي وَلاَ تُخَيِّبْنِي، وَبَارِكْ فِي سَفَرِي، وَاقْضِ بِعَرَفَاتٍ حَاجَتِي إِنَّكَ عَلَى كُل شَيْءٍ قَدِيرٌ. (89)
37 - وَإِذَا قَرُبَ مِنْ عَرَفَةَ وَوَقَعَ بَصَرُهُ عَلَى جَبَل الرَّحْمَةِ وَعَايَنَهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَقُول: اللَّهُمَّ إِلَيْكَ تَوَجَّهْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَوَجْهَكَ أَرَدْتُ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَيَّ، وَأَعْطِنِي سُؤَالِي، وَوَجِّهْ إِلَيَّ الْخَيْرَ أَيْنَمَا تَوَجَّهْتُ، سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ. ثُمَّ يُلَبِّي إِلَى أَنْ يَدْخُل عَرَفَةَ وَيَنْزِل مَعَ النَّاسِ حَيْثُ شَاءَ، إِلاَّ الطَّرِيقَ، وَقُرْبُ الْجَبَل أَفْضَلُ، هَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ. (90) .
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ يَنْزِل بِنَمِرَةَ وَيَمْكُثُ إِلَى الظُّهْرِ لِيَشْهَدَ مَعَ الإِْمَامِ الْخُطْبَةَ وَجَمْعَ صَلاَتَيِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ. (91)
وَلاَ يَشْتَغِل بَيْنَ الصَّلاَتَيْنِ بِالسُّنَنِ أَوِ التَّطَوُّعِ أَوْ بِشَيْءٍ غَيْرِهِمَا مِنْ أَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ، وَيَقِفُ بِعَرَفَةَ إِلَى الْغُرُوبِ، وَالأَْفْضَل أَنْ يَنْزِل قُرْبَ جَبَل الرَّحْمَةِ، وَيُحَاوِل أَنْ يَكُونَ فِي مَوْقِفِ النَّبِيِّ ﷺ. وَهَذَا إِنْ تَيَسَّرَ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ، وَإِذَا نَزَل فِي عَرَفَاتٍ يَمْكُثُ فِيهَا وَيَقِفُ لِلدُّعَاءِ مُسْتَقْبِلاً الْقِبْلَةَ رَافِعًا يَدَيْهِ بَاسِطَهُمَا، كَالْمُسْتَطْعَمِ الْمِسْكِينِ، كَمَا وَرَدَ فِي صِفَةِ دُعَاءِ رَسُول اللَّهِ ﷺ بِعَرَفَةَ (92) .
وَيَجْهَرُ فِي التَّلْبِيَةِ مِنْ غَيْرِ مُبَالَغَةٍ، وَيَأْتِي بِصِيغَتِهَا الْمَعْرُوفَةِ: " لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لاَ شَرِيكَ لَكَ " وَمِمَّا وَرَدَ فِي التَّلْبِيَةِ بِعَرَفَةَ خَاصَّةً أَنَّهُ ﷺ لَمَّا وَقَفَ بِعَرَفَاتٍ قَال: " لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ " ثُمَّ قَال: " إِنَّمَا الْخَيْرُ خَيْرُ الآْخِرَةِ ". وَفِي رِوَايَةٍ: " لَبَّيْكَ إِنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الآْخِرَةِ (93) .
وَأَمَّا الأَْدْعِيَةُ وَالأَْذْكَارُ فَإِخْفَاؤُهَا أَوْلَى إِلاَّ إِنِ احْتَاجَ أَنْ يُسْمِعَ مَنْ يَقْتَدِي بِهِ فِيهَا.
وَيُكَرِّرُ كُل دُعَاءٍ يَدْعُو بِهِ ثَلاَثًا، وَيَسْتَفْتِحُ الدُّعَاءَ بِالتَّحْمِيدِ وَالتَّمْجِيدِ وَالتَّسْبِيحِ وَالصَّلاَةِ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ، وَيَخْتِمُهُ بِذَلِكَ، وَبِآمِينَ، وَيَسْتَمِرُّ هَكَذَا إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَيُلَبِّي فِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ سَاعَةً فَسَاعَةً، وَلْيُحَافِظْ عَلَى طَهَارَةِ ظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ، وَلْيَتَبَاعَدْ عَنِ الْحَرَامِ فِي أَكْلِهِ وَشُرْبِهِ وَلُبْسِهِ وَرُكُوبِهِ وَنَظَرِهِ وَكَلاَمِهِ، وَكُل أَمْرِهِ، وَلْيَحْذَرْ مِنْ ذَلِكَ كُل الْحَذَرِ، فَقَدْ قَال ﷺ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ: " إِنَّ هَذَا يَوْمٌ مَنْ مَلَكَ فِيهِ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ وَلِسَانَهُ غُفِرَ لَهُ " (94) .
وَإِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ أَفَاضَ الإِْمَامُ - أَيْ سَارَ - مِنْ عَرَفَةَ وَسَارَ النَّاسُ مَعَهُ مِنْ غَيْرِ تَأَخُّرٍ، وَعَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ فِي بَاطِنِ نُفُوسِهِمْ، وَالْوَقَارُ؛ أَيِ الرَّزَانَةُ فِي الظَّاهِرِ، فَإِنْ وَجَدَ سَعَةً فِي الطَّرِيقِ أَسْرَعَ بِلاَ إِيذَاءٍ، مَاشِيًا أَوْ رَاكِبًا، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ فِي سَيْرِهِ مُلَبِّيًا مُكَبِّرًا مُهَلِّلاً مُسْتَغْفِرًا دَاعِيًا مُصَلِّيًا عَلَى النَّبِيِّ ﷺ، ذَاكِرًا كَثِيرًا، بَاكِيًا أَوْ مُتَبَاكِيًا، وَيَدْعُو اللَّهَ أَلاَّ يَجْعَلَهُ آخِرَ الْعَهْدِ بِعَرَفَةَ. وَيَظَل عَلَى الذِّكْرِ وَالْخُشُوعِ حَتَّى يَصِل إِلَى الْمُزْدَلِفَةِ، وَلاَ يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ، وَلاَ يُصَلِّي الْمَغْرِبَ وَلاَ الْعِشَاءَ حَتَّى يَدْخُل الْمُزْدَلِفَةَ، فَيَكُونُ بِذَلِكَ أَدَّى رَكْنَ الْوُقُوفِ تَامًّا بِفَضْل اللَّهِ تَعَالَى. (95)
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَمْضِيَ عَلَى طَرِيقِ الْمَأْزِمَيْنِ، لأَِنَّهُ يُرْوَى أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ سَلَكَهَا (96) ، وَإِنْ سَلَكَ الطَّرِيقَ الأُْخْرَى جَازَ. (97)
الأَْدْعِيَةُ الْمُسْتَحَبَّةُ فِي الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ:
38 - يُسْتَحَبُّ الإِْكْثَارُ مِنَ الدُّعَاءِ (98) وَمِنْ صِيَغِهِ مَا وَرَدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ﵄ أَنَّهُ ﷺ قَال: خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُل شَيْءٍ قَدِيرٌ (99) .
وَفِي الْبَيْهَقِيِّ: " قَال: قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: أَكْثَرُ دُعَائِي وَدُعَاءِ الأَْنْبِيَاءِ قَبْلِي بِعَرَفَةَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُل شَيْءٍ قَدِيرٌ. اللَّهُمَّ اجْعَل فِي قَلْبِي نُورًا، وَفِي سَمْعِي نُورًا، وَفِي بَصَرِي نُورًا، اللَّهُمَّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي، وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ وَسْوَاسِ الصَّدْرِ وَشَتَاتِ الأَْمْرِ وَفِتْنَةِ الْقَبْرِ. اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا يَلِجُ فِي اللَّيْل وَشَرِّ مَا يَلِجُ فِي النَّهَارِ وَشَرِّ مَا تَهُبُّ بِهِ الرِّيَاحُ، وَمِنْ شَرِّ بَوَائِقِ الدَّهْرِ (100) .
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ أَنَّهُ قَال: كَانَ مِمَّا دَعَا بِهِ رَسُول اللَّهِ ﷺ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: " اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَسْمَعُ كَلاَمِي، وَتَرَى مَكَانِي، وَتَعْلَمُ سِرِّي وَعَلاَنِيَتِي، لاَ يَخْفَى عَلَيْكَ شَيْءٌ مِنْ أَمْرِي، أَنَا الْبَائِسُ الْفَقِيرُ الْمُسْتَغِيثُ الْمُسْتَجِيرُ الْوَجِل الْمُشْفِقُ الْمُقِرُّ الْمُعْتَرِفُ بِذَنْبِهِ، أَسْأَلُكَ مَسْأَلَةَ الْمِسْكِينِ، وَأَبْتَهِل إِلَيْكَ ابْتِهَال الْمُذْنِبِ الذَّلِيلِ، وَأَدْعُوكَ دُعَاءَ الْخَائِفِ الضَّرِيرِ، مَنْ خَضَعَتْ لَكَ رَقَبَتُهُ، وَفَاضَتْ لَكَ عَيْنَاهُ، وَذَل لَكَ جَسَدُهُ، وَرَغِمَ أَنْفُهُ لَكَ، اللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلْنِي بِدُعَائِكِ شَقِيًّا، وَكُنْ بِي رَؤُوفًا رَحِيمًا، يَا خَيْرَ الْمَسْؤُولِينَ وَيَا خَيْرَ الْمُعْطِينَ (101) .
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄ أَنَّهُ كَانَ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ: " لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُل شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ اهْدِنَا بِالْهُدَى، وَزَيِّنَّا بِالتَّقْوَى وَاغْفِرْ لَنَا فِي الآْخِرَةِ وَالأُْولَى " ثُمَّ يَخْفِضُ صَوْتَهُ ثُمَّ يَقُول: " اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ وَعَطَائِكَ رِزْقًا طَيِّبًا مُبَارَكًا، اللَّهُمَّ إِنَّكَ أَمَرْتَ بِالدُّعَاءِ وَقَضَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ بِالاِسْتِجَابَةِ، وَأَنْتَ لاَ تُخْلِفُ وَعْدَكَ وَلاَ تُكَذِّبُ عَهْدَكَ، اللَّهُمَّ مَا أَحْبَبْتَ مِنْ خَيْرٍ فَحَبِّبْهُ إِلَيْنَا وَيَسِّرْهُ لَنَا، وَمَا كَرِهْتَ مِنْ شَيْءٍ فَكَرِّهْهُ إِلَيْنَا وَجَنِّبْنَاهُ، وَلاَ تَنْزِعْ عَنَّا الإِْسْلاَمَ بَعْدَ إِذْ أَعْطَيْتَنَا " (102) .
التَّعْرِيفُ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ بِالأَْمْصَارِ:
39 - التَّعْرِيفُ هُوَ اجْتِمَاعُ النَّاسِ فِي الْبُلْدَانِ وَالأَْمْصَارِ بَعْدَ عَصْرِ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَالأَْخْذُ فِي الدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ وَالضَّرَاعَةِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ كَمَا يَفْعَل أَهْل عَرَفَةَ. (103)
وَقَال الطَّحْطَاوِيُّ: التَّعْرِيفُ هُوَ تَشْبِيهُ النَّاسِ أَنْفُسِهِمْ بِالْوَاقِفِينَ بِعَرَفَاتٍ. (104) وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ التَّعْرِيفِ:
الرَّأْيُ الأَْوَّل: ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَنَافِعٌ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ ﵄ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَالْحَكَمُ وَحَمَّادٌ) إِلَى أَنَّ التَّعْرِيفَ مَكْرُوهٌ.
قَال الطَّحْطَاوِيُّ: وَظَاهِرُ كَلاَمِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهَا كَرَاهَةٌ تَحْرِيمِيَّةٌ، لأَِنَّ الْوُقُوفَ عُهِدَ قُرْبَةً بِمَكَانٍ مَخْصُوصٍ. فَلَمْ يَجُزْ فِعْلُهُ فِي غَيْرِهِ كَالطَّوَافِ وَنَحْوِهِ، أَلاَ تَرَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ الطَّوَافُ حَوْل مَسْجِدٍ أَوْ بَيْتٍ سِوَى الْكَعْبَةِ تَشَبُّهًا. (105)
وَقَال الإِْمَامُ مَالِكٌ: إِنَّ التَّعْرِيفَ لَيْسَ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ، إِنَّمَا مَفَاتِيحُ هَذِهِ الأَْشْيَاءِ مِنَ الْبِدْعَةِ.
وَعَنْ شُعْبَةَ قَال: سَأَلْتُ الْحَكَمَ وَحَمَّادًا عَنِ اجْتِمَاعِ النَّاسِ يَوْمَ عَرَفَةَ فِي الْمَسَاجِدِ فَقَالاَ: هُوَ مُحْدَثٌ. وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: هُوَ مُحْدَثٌ. (106)
وَقَال ابْنُ مُفْلِحٍ وَتَبِعَهُ الْمِرْدَاوِيُّ: لَمْ يَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ التَّعْرِيفَ بِغَيْرِ عَرَفَةَ، وَأَنَّهُ لاَ نِزَاعَ فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، وَأَنَّهُ مُنْكَرٌ، وَفَاعِلُهُ ضَالٌّ. (107)
الرَّأْيُ الثَّانِي: رَخَّصَ فِي التَّعْرِيفِ الإِْمَامُ أَحْمَدُ، وَهُوَ مَا يُؤْخَذُ مِنْ عِبَارَاتِ الشَّافِعِيَّةِ. قَال أَحْمَدُ: لاَ بَأْسَ بِالتَّعْرِيفِ بِالأَْمْصَارِ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ. (108)
وَقَال الأَْثْرَمُ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنِ التَّعْرِيفِ فِي الأَْمْصَارِ يَجْتَمِعُونَ فِي الْمَسَاجِدِ يَوْمَ عَرَفَةَ، قَال: أَرْجُو أَنْ لاَ يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ، قَدْ فَعَلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَقَال: الْحَسَنُ وَبَكْرٌ وَثَابِتٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ وَاسِعٍ كَانُوا يَشْهَدُونَ الْمَسْجِدَ يَوْمَ عَرَفَةَ. (109)
قَال ابْنُ تَيْمِيَّةَ: فَعَلَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ ﵃ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَطَائِفَةٌ مِنَ الْبَصْرِيِّينَ وَالْمَدَنِيِّينَ. (110)
قَال الْوَنَائِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: وَلاَ كَرَاهِيَةَ فِي التَّعْرِيفِ بِغَيْرِ عَرَفَةَ، بَل هُوَ بِدْعَةٌ حَسَنَةٌ، وَهُوَ جَمْعُ النَّاسِ بَعْدَ الْعَصْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ لِلدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ وَالضَّرَاعَةِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ كَمَا يَفْعَل أَهْل عَرَفَةَ.
قَال الشَّرْوَانِيُّ: وَكَذَا اعْتَمَدَ الْعَشْمَاوِيُّ عَدَمَ الْكَرَاهَةِ. (111)
الرَّأْيُ الثَّالِثُ: قَال أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ ذَكَرَهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ، وَهِيَ مِنَ الْمُفْرَدَاتِ: يُسْتَحَبُّ التَّعْرِيفُ. (112)
__________
(1) المصباح المنير، ومراصد الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع، وقواعد الفقه للبركتي.
(2) حديث: " ما من يوم أكثر أن يعتق الله. . . " أخرجه مسلم (2 / 983)
(3) حديث: " خير الدعاء دعاء يوم عرفة. . . " أخرجه الترمذي (5 / 572) وقال: حديث غريب.
(4) حديث: " ما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة. . " أخرجه ابن حبان (الإحسان 9 / 164 ـ ط الرسالة) .
(5) حديث: " ما رؤي الشيطان يوما. . . " أخرجه مالك في الموطأ (1 / 422) من حديث طلحة بن عبيد الله مرسلاً.
(6) سورة المائدة / 3.
(7) حديث: " أن رجلاً من اليهود قال لعمر. . . " أخرجه البخاري (الفتح 1 / 105) ومسلم (4 / 2312) واللفظ للبخاري.
(8) حاشية ابن عابدين 2 / 254، وتبيين الحقائق 2 / 26، والشرح الصغير 1 / 493، ومغني المحتاج 1 / 497، وكشاف القناع 2 / 495.
(9) سورة المائدة / 3.
(10) حديث: " الحج عرفة. . . أخرجه الترمذي (3 / 228، و5 / 214) وقال: حديث حسن صحيح.
(11) حديث عروة بن مضّرس الطائي: " أتيت رسول الله ?. . " أخرجه الترمذي (3 / 229 ـ 230) وقال: حديث حسن صحيح.
(12) بدائع الصنائع 2 / 125، وبداية المجتهد 1 / 335، والمجموع 8 / 108، والمغني 3 / 410.
(13) البحر الرائق 2 / 365، وشرح العمدة 2 / 576 ـ 577، والمجموع 8 / 110، ونهاية المحتاج 3 / 290.
(14) المجموع 8 / 110، وإعانة الطالبين 2 / 287.
(15) الدسوقي 2 / 35، 36، ومغني المحتاج 1 / 496، 498، ونهاية المحتاج 2 / 422، والإنصاف 4 / 59، والمغني لابن قدامة 3 / 371.
(16) حديث: " من جاء ليلة جمع قبل طلوع الفجر. . تقدم فقرة (3) .
(17) .
(18) بدائع الصنائع 2 / 127، وحاشية ابن عابدين 2 / 176، وحاشية الدسوقي 2 / 36، وعقد الجواهر الثمينة 1 / 406، والمدونة 1 / 413، ومغني المحتاج 1 / 498، 499، ونهاية المحتاج 2 / 422، والمغني 3 / 371، والفروع 3 / 510، وكشاف القناع 2 / 495.
(19) المراجع السابقة.
(20) المراجع السابقة.
(21) البحر الرائق 2 / 365، والمنثور في القواعد للزركشي 2 / 122، ومغني المحتاج 1 / 499، وشرح العمدة 2 / 576، وعقد الجواهر الثمينة 1 / 404 ـ 406، ومنح الجليل 2 / 256.
(22) حديث: " الصوم يوم تصومون. . " أخرجه الترمذي (3 / 71) من حديث أبي هريرة وقال: حديث حسن غريب.
(23) حديث: " عرفة يوم تعرفون. . " أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (5 / 176) من حديث عطاء بن أبي رباح مرسلاً.
(24) حديث: " حجكم يوم تحجون. قال ابن حجر في التلخيص (2 / 553 ـ ط علمية) : لم أجده هكذا وبمعناه الحديث الذي قبله.
(25) بدائع الصنائع 2 / 126، والإنصاف 4 / 66، وكشاف القناع 2 / 525، وعقد الجواهر الثمينة 1 / 406، ومغني المحتاج 1 / 498.
(26) بدائع الصنائع 2 / 126، ومغني المحتاج 1 / 499، وعقد الجواهر الثمينة 1 / 406.
(27) حديث: " يوم عرفة اليوم الذي يعرف الناس فيه. . . " أخرجه أبو داود في المراسيل (ص 153 ـ ط الرسالة) من حديث عبد العزيز بن عبد الله ابن خالد بن أسيد مرسلاً.
(28) حديث: " الفطر يوم تفطرون. . . " سبق تخريجه ف 12.
(29) كشاف القناع 2 / 525، والإنصاف 4 / 66، ومغني المحتاج 1 / 499، وعقد الجواهر الثمينة 1 / 406.
(30) المبدع 3 / 270، وبدائع الصنائع 2 / 126.
(31) بدائع الصنائع 2 / 126.
(32) المبدع 3 / 270.
(33) تحفة المحتاج 4 / 112.
(34) حاشية الدسوقي 2 / 38، ومغني المحتاج 1 / 498.
(35) تحفة المحتاج مع حاشيتيه 4 / 112.
(36) بدائع الصنائع 2 / 126 ـ 127.
(37) مغني المحتاج 1 / 499، وتحفة المحتاج 4 / 112.
(38) بدائع الصنائع 2 / 127، وابن عابدين 2 / 175.
(39) حاشية ابن عابدين 2 / 175.
(40) المغني لابن قدامة 3 / 416، ومغني المحتاج 1 / 498.
(41) الإنصاف 4 / 29 ـ 30.
(42) المجموع 8 / 103.
(43) حاشية الدسوقي 2 / 37.
(44) روضة الطالبين 3 / 95، والمجموع 8 / 103.
(45) المغني 3 / 416.
(46) أثر علي: لما سئل عن الغسل. أخرجه الشافعي في المسند (1 / 40 ـ ترتيب السندي) .
(47) أثر ابن عمر: أنه كان يغتسل لوقوفه عشية عرفة. . أخرجه مالك في الموطأ (1 / 322) .
(48) حاشية الطحاوي على مراقى الفلاح ص 400، والمغني لابن قدامة 3 / 367، 372، والفواكه الدواني 1 / 420، والمجموع للنووي 8 / 90، 97، ومسند الإمام الشافعي مع الأم 8 / 470، وحاشية الباجوري على ابن قاسم 1 / 117 ـ 121، وكشاف القناع 2 / 492، وعقد الجواهر الثمينة 1 / 402.
(49) الإقناع للحجاوي 1 / 387، وكشاف القناع 2 / 491، والإنصاف 4 / 28، وشرح منتهى الإرادات 1 / 569.
(50) أثر: " قول عبد الله بن عمر للحجاج يوم عرفة. . " أخرجه مالك في الموطأ (1 / 399) والرواية الأخرى أخرجها البخاري (فتح الباري 3 / 514) .
(51) عقد الجواهر الثمينة 1 / 403، والمغني 3 / 366، وكشاف القناع 2 / 491، وتبيين الحقائق 2 / 230، ومغني المحتاج 1 / 496.
(52) ابن عابدين 2 / 173، والفتاوى الهندية 1 / 228، والزرقاني 2 / 40، ومغني المحتاج 1 / 496، وكتاب الإيضاح في مناسك الحج والعمرة ص 273.
(53) هداية السالك لابن جماعة 3 / 992.
(54) الفتاوى الهندية 1 / 228 ـ 229، وانظر ابن عابدين 2 / 174، واللباب 1 / 189.
(55) حديث جابر: " ثم أذن ثم أقام. . . " أخرجه مسلم (2 / 890) .
(56) حاشية ابن عابدين 2 / 173، والفتاوى الهندية 1 / 228، ومطالب أولي النهى 2 / 411، والدسوقي 1 / 371، والإيضاح في مناسك الحج والعمرة للإمام النووي ص 275، ومغني المحتاج 1 / 273.
(57) المجموع 8 / 101، 110، وهداية السالك لابن جماعة 3 / 1005، والمغني لابن قدامة 3 / 408 ط الرياض، والمبدع 3 / 331.
(58) حديث سالم بن عبد الله: " كتب عبد الملك بن مروان إلى الحجاج. . أخرجه البخاري (فتح الباري 3 / 511) .
(59) حديث أسامة: " كان النبي ? يسير العنق. . أخرجه البخاري (فتح الباري 3 / 518) .
(60) حاشية ابن عابدين 2 / 276، ومطالب أولي النهى 2 / 416، وكشاف القناع 2 / 495 - 496، ومغني المحتاج 1 / 497، والإيضاح للنووي ص295، والفواكه الدواني 1 / 421، والقوانين الفقهية ص 138.
(61) المغني لابن قدامة 3 / 416 - 417، والفتاوى الهندية 1 / 229، والفواكه الدواني 1 / 421، والمجموع 8 / 110، ومغني المحتاج 1 / 479.
(62) المجموع 8 / 93،105، 111، والمبدع 3 / 331، والفتاوى الهندية 1 / 229، وحاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح ص400، والفواكه الدواني 1 / 421، وصحيح مسلم بشرح النووي 7 / 151.
(63) المبدع 3 / 332، ومعونة أولي النهى 3 / 425.
(64) الإيضاح في مناسك الحج والعمرة 281 - 282 المكتبة الإمدادية.
(65) حديث: " ما العمل في أيام العشر بأفضل. . . أخرجه البخاري (فتح الباري 2 / 457) .
(66) حديث: " الحج عرفة. . " تقدم تخريجه (ف3) .
(67) المجموع 8 / 113 - 114.
(68) حديث: " ما على الأرض مسلم يدعو الله بدعوة. . أخرجه الترمذي (5 / 566) وقال: حديث حسن صحيح، وصححه ابن حجر في فتح الباري (11 / 96) .
(69) المغني 3 / 418، 420، ومطالب أولي النهى 2 / 416 - 417، وكشاف القناع 2 / 496، والدسوقي 2 / 44، ومغني المحتاج 1 / 498، والمجموع 8 / 133، والفتاوى الهندية 1 / 230، وابن عابدين 2 / 177.
(70) عقد الجواهر الثمينة 1 / 404، والدسوقي 2 / 44، والذخيرة 3 / 62، والقوانين الفقهية ص 138.
(71) مغني المحتاج 1 / 498، والمجموع 8 / 133، والإيضاح للنووي ص295، وعقد الجواهر الثمينة 1 / 404، والدسوقي 2 / 44، والذخيرة 3 / 62، والقوانين الفقهية ص 138، والفتاوى الهندية 1 / 230، وابن عابدين 2 / 177.
(72) الفتاوى الهندية 1 / 230، وحاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح ص 73، وابن عابدين 2 / 177، وفتح القدير 1 / 480.
(73) المراجع السابقة.
(74) ابن عابدين 2 / 177.
(75) ابن عابدين 1 / 262، والمغني 3 / 407، وحاشية الدسوقي 2 / 44، والمجموع 8 / 86، 93، والإيضاح للنووي ص 75.
(76) المجموع 8 / 117، والإيضاح 289.
(77) حديث أم الحصين " أن النبي ? ظلل عليه بثوب وهو يرمي الجمرة. . أخرجه مسلم (2 / 944) .
(78) مواهب الجليل 3 / 144 - 145.
(79) فتح القدير 2 / 444 - 445، وانظر حاشية ابن عابدين 2 / 164.
(80) نمرة: بفتح النون وكسر الميم موضع بعرفة.
(81) حديث: " أمر بقبة من شعر. . . أخرجه مسلم (2 / 889) .
(82) الإنصاف 3 / 461، وانظر مطالب أولي النهى 2 / 327، وشرح منتهى الإرادات 1 / 538 - 539.
(83) الجوهرة النيرة 1 / 201، وابن عابدين 2 / 173.
(84) المنتقى 3 / 35 - 36.
(85) الدسوقي 2 / 43.
(86) المدونة 1 / 399 ط دار صادر، والمجموع 8 / 86، والإيضاح للنووي ص272.
(87) البحر الرائق 2 / 361، وتبيين الحقائق 2 / 23.
(88) الممتع شرح المقنع 2 / 442 - 446، وكشاف القناع 2 / 491.
(89) تبيين الحقائق 2 / 23، ومغني المحتاج 1 / 496، والأذكار للنووي ص325 ط دار ابن كثير.
(90) تبيين الحقائق 2 / 23، وابن عابدين 2 / 173.
(91) الذخيرة 3 / 255، والمجموع 8 / 85، ومغني المحتاج 1 / 496، والمبدع 3 / 230.
(92) حديث: " أن رسول الله ? دعا بعرفة يداه إلى صدره كالمستطعم المسكين. . " أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (5 / 117) من حديث عبد الله بن عباس ﵄.
(93) حديث: " تلبية النبي ? في عرفات: لبيك اللهم لبيك. أخرجه مسلم (2 / 933) من حديث عبد الله بن مسعود ﵁. وأما حديث التلبية بزيادة: " إنما الخير خير الآخرة. . " فأخرجها ابن خزيمة في صحيحه (4 / 260) من حديث ابن عباس ﵄. وأما رواية: " لبيك إن العيش عيش الآخرة. . فأخرجها الشافعي في المسند (ترتيب المسند 1 / 304 ـ 305) من حديث مجاهد مرسلاً.
(94) حديث: " إن هذا يوم من ملك فيه سمعه. . . " أخرجه أحمد (1 / 329) وابن خزيمة (4 / 261) من حديث ابن عباس.
(95) هداية السالك 3 / 1021 - 1028، والإيضاح ص285، والفتاوى الهندية 1 / 229.
(96) حديث: " أن رسول الله ? سلك طريق المأزمين. . " أخرجه البخاري (فتح الباري 3 / 519) ومسلم (2 / 934) .
(97) المغني لابن قدامة 3 / 418، والإيضاح ص271، وابن عابدين 2 / 176.
(98) هداية السالك 3 / 1021 - 1028، والإيضاح ص285، والفتاوى الهندية 1 / 229.
(99) حديث: " خير الدعاء دعاء يوم عرفة. . تقدم فقرة (2) .
(100) .
(101) حديث ابن عباس: " كان مما دعا به رسول الله ? في حجة الوداع. . . " أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (11 / 174 ـ 175) ، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3 / 252) : رواه الطبراني في الكبير والصغير، وفيه يحيى بن صالح الديلي، قال العقيلي: روى عنه يحيى بن بكير مناكير، وبقية رجاله رجال الصحيح.
(102) أثر ابن عمر: " أنه كان عشية عرفة يرفع صوته. . . " أخرجه الطبراني في الدعاء (2 / 1208 ـ ط البشائر) ، وعزاه ابن جماعة في هداية السالك إلى الطبراني في مناسكه وقال: بإسناد جيد.
(103) مغني المحتاج 1 / 497.
(104) حاشية الطحطاوي على مراقى الفلاح ص294، والفتاوى الهندية 1 / 152، والمجموع 8 / 117، والحوادث والبدع للطرطوشي 1 / 9.
(105) حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح ص294.
(106) الحوادث والبدع للطرطوشي 98، والمجموع 8 / 117.
(107) الفروع 2 / 150، والإنصاف 2 / 441.
(108) الإنصاف 2 / 441، والفروع 2 / 150، والمغني 2 / 399، وتحفة المحتاج مع حواشيه 4 / 108.
(109) المغني 2 / 399.
(110) اقتضاء الصراط المستقيم 2 / 638، وانظر الإيضاح للنووي ص294.
(111) حاشية الشرواني 4 / 108.
(112) الإنصاف 2 / 441، والفروع 2 / 150.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 315/ 45
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".