الأحد
كلمة (الأحد) في اللغة لها معنيانِ؛ أحدهما: أولُ العَدَد،...
تَجْمِيل الشَّيْءِ بكتابة، أو أشكال، ونحوها . ومن شواهده حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم - اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ، وَنَقَشَ فِيهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ . وَقَالَ لِلنَّاسِ : " إِنِّي اتَّخَذْتُ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ، وَنَقَشْتُ فِيهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ . فَلاَ يَنْقُشْ أَحَدٌ عَلَى نَقْشِهِ ." البخاري :5877
تَجْمِيل الشَّيْءِ بكتابة، أو أشكال، ونحوها.
التَّعْرِيفُ:
1 - النَّقْشُ لُغَةً: مَصْدَرُ نَقَشَ، يُقَال: نَقَشَهُ نَقْشًا مِنْ بَابِ قَتَل، وَنَقَشْتُ الشَّوْكَةَ نَقْشًا: اسْتَخْرَجْتُهَا بِالْمِنْقَشِ، وَانْتَقَشَهُ: نَمْنَمَهُ فَهُوَ مَنْقُوشٌ، وَانْتَقَشَ الشَّيْءَ: اخْتَارَهُ، وَالنَّقْشُ: الأَْثَرُ فِي الأَْرْضِ، وَالنَّقْشُ: تَلْوِينُ الشَّيْءِ بِلَوْنَيْنِ أَوْ بِأَلْوَانٍ (1) .
وَلاَ يَخْرُجُ مَعْنَى النَّقْشِ فِي الاِصْطِلاَحِ عَنْ مَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ.
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - التَّزْوِيقُ:
2 - التَّزْوِيقُ لُغَةً: التَّزْيِينُ وَالتَّحْسِينُ، وَالزَّاوُوقُ: الزِّئْبَقُ، وَقَدْ يُجْعَل مَعَ الذَّهَبِ فَيُطْلَى بِهِ فَيُدْخَل فِي النَّارِ، فَيَطِيرُ الزَّاوُوقُ وَيَبْقَى الذَّهَبُ - ثُمَّ قِيل لِكُل مِنْقَشٍ وَمُزَيِّنٍ: مُزَوِّقٌ (2) . وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ (3) .
وَالْعَلاَقَةُ بَيْنَ النَّقْشِ وَالتَّزْوِيقِ الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ، فَالنَّقْشُ أَعَمُّ مِنَ التَّزْوِيقِ.
ب - الزَّخْرَفَةُ:
3 - الزَّخْرَفَةُ لُغَةً: الزِّينَةُ، ثُمَّ سُمِّيَ كُل زِينَةٍ زُخْرُفًا، وَالزَّخْرَفَةُ: كَمَال حُسْنِ الشَّيْءِ، وَالزُّخْرُفُ فِي الأَْصْل: الذَّهَبُ، وَزَخْرَفَ الْبَيْتَ زَخْرَفَةً: زَيَّنَهُ وَأَكْمَلَهُ (4) وَكُل مَا زُوِّقَ وَزُيِّنَ فَقَدْ زُخْرِفَ، وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمْ يَدْخُل الْكَعْبَةَ حَتَّى أَمَرَ بِالزُّخْرُفِ فَنُحِّيَ (5) وَالزُّخْرُفُ هُنَا نُقُوشٌ وَتَصَاوِيرُ تُزَيَّنُ بِهَا الْكَعْبَةُ، وَكَانَتْ بِالذَّهَبِ فَأَمَرَ بِهَا فَحُكَّتْ.
وَلاَ يَخْرُجُ اسْتِعْمَال الْفُقَهَاءِ لِهَذَا اللَّفْظِ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ (6) .
وَالْعَلاَقَةُ بَيْنَ النَّقْشِ وَالزُّخْرُفِ هِيَ الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ، فَالنَّقْشُ أَعَمُّ مِنَ الزُّخْرُفِ. ج - الْخَتْمُ:
4 - الْخَتْمُ لُغَةً: مِنْ خَتَمَهُ يَخْتِمُهُ خَتْمًا وَخِتَامًا: طَبَعَهُ (7) ، وَقَال الأَْزْهَرِيُّ: الْخَاتِمُ بِالْكَسْرِ الْفَاعِل، وَبِالْفَتْحِ: مَا يُوضَعُ عَلَى الطِّينَةِ، وَالْخَاتَمِ الَّذِي يَخْتِمُ عَلَى الْكِتَابِ (8) .
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ (9) .
وَالْعَلاَقَةُ بَيْنَ النَّقْشِ وَالْخَتْمِ الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ، بِمَعْنَى أَنَّ كُل خَتْمٍ يُعَدُّ نَقْشًا، وَلَيْسَ كُل نَقْشٍ يُعَدُّ خَتْمًا.
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالنَّقْشِ:
تَتَعَلَّقُ بِالنَّقْشِ أَحْكَامٌ مِنْهَا:
أ - نَقْشُ الْخَاتَمِ:
5 - يُنْدَبُ لِلْحَاكِمِ اتِّخَاذُ خَاتَمٍ وَنَقْشُهُ (10) ، لِمَا ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ اتَّخَذَ خَاتَمًا وَنَقَشَ عَلَيْهِ (مُحَمَّدٌ رَسُول اللَّهِ) فَقَدْ وَرَدَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمَّا رَجَعَ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ كَتَبَ إِلَى مُلُوكِ الأَْرْضِ، وَأَرْسَل إِلَيْهِمْ رُسُلَهُ، فَكَتَبَ إِلَى مَلِكِ الرُّومِ، فَقِيل لَهُ: إِنَّهُمْ لاَ يَقْرَءُونَ كِتَابًا إِلاَّ إِذَا كَانَ مَخْتُومًا، فَاتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ، وَنَقَشَ عَلَيْهِ ثَلاَثَةَ أَسْطُرٍ: (مُحَمَّدٌ) سَطْرٌ، وَ (رَسُول) سَطْرٌ، وَ (اللَّهِ) سَطْرٌ، وَخَتَمَ بِهِ الْكُتُبَ إِلَى الْمُلُوكِ وَبَعَثَ سِتَّةَ نَفَرٍ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ فِي الْمُحَرَّمِ سَنَةَ سَبْعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ (11) .
وَيُسَنُّ لِمَنْ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ كَالسُّلْطَانِ وَالْقَاضِي وَمَنْ فِي مَعْنَاهُمَا نَقْشُ خَاتَمِهِ الَّذِي يَخْتِمُ بِهِ فِي الْكِتَابِ، وَأَنْ يَكْتُبَ اسْمَ نَفْسِهِ وَاسْمَ الْمَكْتُوبِ إِلَيْهِ فِي بَاطِنِهِ وَعُنْوَانَهُ (12) .
وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى جَوَازِ نَقْشِ اسْمِ صَاحِبِ الْخَاتَمِ عَلَيْهِ، وَاخْتَلَفُوا فِي نَقْشِ لَفْظِ الْجَلاَلَةِ أَوِ الذِّكْرِ.
فَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ جَوَازَهُ. وَكَرِهَهُ الْحَنَابِلَةُ (13) .
وَزَادَ الْحَنَفِيَّةُ: لاَ يَجُوزُ نَقْشُ صُورَةٍ أَوْ طَيْرٍ، وَلاَ: مُحَمَّدٌ رَسُول اللَّهِ، لأَِنَّهُ نَقْشُ خَاتَمِهِ ﷺ، وَكَانَ ثَلاَثَةَ أَسْطُرٍ كُل كَلِمَةٍ سَطْرٌ، وَقَدْ نَهَى - عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ - أَنْ يَنْقُشَ أَحَدٌ عَلَيْهِ (14) . أَيْ: عَلَى هَيْئَتِهِ أَوْ مِثْل نَقْشِهِ، وَكَانَ نَقْشُ خَاتَمِ أَبِي بَكْرٍ (نِعْمَ الْقَادِرُ اللَّهُ) ، وَعُمَرَ (كَفَى بِالْمَوْتِ وَاعِظًا) ، وَعُثْمَانَ (لَتَصْبِرَنَّ أَوْ لَتَنْدَمَنَّ) ، وَعَلِيٍّ (الْمُلْكُ لِلَّهِ) . . . (15) وَقَالُوا: إِذَا غَلِطَ النَّقَّاشُ، وَنَقَشَ فِي الْخَاتَمِ اسْمَ غَيْرِهِ، إِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ إِصْلاَحُهُ ضَمِنَهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَ الإِْمَامِ لاَ يَضْمَنُ بِكُل حَالٍ (16) .
ب - نَقْشُ الْمَسْجِدِ:
6 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ نَقْشِ الْمَسْجِدِ: فَيَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَهُمُ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ - كَرَاهِيَتَهُ، لِحَدِيثِ أَنَسٍ ﵁ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَبَاهَى النَّاسُ فِي الْمَسَاجِدِ (17) . وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ جَوَازَهُ، وَهُوَ رَأْيٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ لاِبْنِ وَهْبٍ وَابْنِ نَافِعٍ، وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ إِذَا كَانَ بِالشَّيْءِ الْخَفِيفِ (18) .
وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ مِنْ أَنَّ عُثْمَانَ ﵁ زَادَ فِي الْمَسْجِدِ (النَّبَوِيِّ) زِيَادَةً كَثِيرَةً، وَبَنَى جِدَارَهُ بِالْحِجَارَةِ الْمَنْقُوشَةِ وَالْقَصَّةِ، وَجَعَل عَمَدَهُ مِنْ حِجَارَةٍ مَنْقُوشَةٍ، وَسَقْفَهُ بِالسَّاجِ (19) .
ج - نَقْشُ الدَّارِ وَتَزْيِينُهَا وَزَخْرَفَتُهَا:
7 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ نَقْشِ الدَّارِ وَتَزْيِينِهَا وَزَخْرَفَتِهَا.
فَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ جَوَازَ تَزْيِينِ الْبُيُوتِ وَالْحِيطَانِ وَالسَّقْفِ وَالْخَشَبِ وَالسَّتَائِرِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَقَيَّدَهُ الْحَنَفِيَّةُ بِأَلاَّ يُفْعَل عَلَى قَصْدِ التَّكَبُّرِ، فَإِنْ فُعِل كُرِهَ، وَإِنْ كَانَ لِحَاجَةٍ أَوْ ضَرُورَةٍ لاَ يُكْرَهُ (20) .
وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ حُرْمَةَ زَخْرَفَةِ الْبُيُوتِ وَالْحَوَانِيتِ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، لأَِنَّهُ سَرَفٌ وَيُفْضِي إِلَى الْخُيَلاَءِ وَكَسْرِ قُلُوبِ الْفُقَرَاءِ (21) .
وَلِلتَّفْصِيل انْظُرْ مُصْطَلَحَ (تَزَيُّن ف 21 وَزَخْرَفَة ف 6) .
د - نَقْشُ يَدِ الْمَرْأَةِ الْمُحْرِمَةِ بِالْحِنَّاءِ:
8 - نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ نَقْشُ يَدِ الْمَرْأَةِ الْمُحْرِمَةِ بِالْحِنَّاءِ، وَكَذَا تَطْرِيفُ الأَْصَابِعِ وَتَسْوِيدُهَا لِمَا فِيهِ مِنَ الزِّينَةِ وَإِزَالَةِ الشَّعَثِ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي الإِْحْرَامِ (22) .
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (اخْتِضَاب ف 22) .
هـ - النَّقْشُ عَلَى الْقَبْرِ:
9 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الْكِتَابَةِ وَالنَّقْشِ عَلَى الْقَبْرِ.
فَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ كَرَاهَتَهُ، وَقَال الدَّرْدِيرُ: وَيَنْبَغِي الْحُرْمَةُ لأَِنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى امْتِهَانِهِ.
وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالسُّبْكِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِالْكِتَابَةِ إِنِ احْتِيجَ إِلَيْهَا.
ر: مُصْطَلَحُ (قَبْر ف 19) .
__________
(1) لسان العرب، والمصباح المنير، والقاموس المحيط.
(2) القاموس المحيط، ولسان العرب، والمصباح المنير.
(3) حاشية الدسوقي 1 / 65.
(4) لسان العرب، وانظر القاموس المحيط.
(5) حديث: " أن النبي ﷺ لم يدخل الكعبة حتى أمر بالزخرف فنحي ". ذكره ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث (2 / 299 ط دار الفكر) ولم نهتد لمن أخرجه من المصادر الحديثية.
(6) إعلام الساجد بأحكام المساجد للزركشي 335، 337 والنهاية في غريب الحديث لابن الأثير 2 / 299 ط دار الفكر.
(7) القاموس المحيط.
(8) المصباح المنير، وانظر لسان العرب.
(9) الاختيار 4 / 159، والإنصاف 3 / 145.
(10) زاد المعاد 1 / 119، 120 ط مؤسسة الرسالة.
(11) حديث: " اتخاذه ﷺ خاتما من فضة. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 10 / 324 ط السلفية) من حديث أنه ﵁.
(12) حاشية الجمل 5 / 362، وزاد المعاد 1 / 119، 120.
(13) الاختيار 4 / 159، ومواهب الجليل 1 / 127، والقليوبي وعميرة 2 / 24، والإنصاف 3 / 145.
(14) حديث: " نهى ﵊ أن ينقش أحد عليه ". أخرجه البخاري (فتح الباري 10 / 324 ط السلفية) من حديث أنس بن مالك ﵁.
(15) حاشية ابن عابدين 5 / 230.
(16) الفتاوى الهندية 5 / 157.
(17) حديث: " لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد ". أخرجه أبو داود (1 / 311 ط حمص) ، وابن ماجه (1 / 244 ط عيسى الحلبي) من حديث أنس ﵁، وصححه ابن حبان (4 / 493 ط الرسالة) .
(18) البدائع 5 / 127، ومواهب الجليل 1 / 551، والمجموع 2 / 180، ومطالب أولي النهى 2 / 255، وفتاوى السبكي 1 / 277، وإعلام الساجد للزركشي 336.
(19) أثر: أن عثمان ﵁ زاد في المسجد النبوي. أخرجه البخاري (فتح الباري 1 / 540 ط السلفية) من حديث عبد الله بن عمر ﵄.
(20) حاشية ابن عابدين 5 / 226، والفتاوى الهندية 5 / 319، وحاشية الدسوقي 1 / 65.
(21) روضة الطالبين 1 / 44، وكشاف القناع 2 / 238، والمجموع 6 / 43.
(22) القليوبي وعميرة 2 / 99 ط عيسى الحلبي، وانظر: أسنى المطالب 1 / 472 المكتبة الإسلامية، وحاشية الجمل 1 / 418.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 146/ 41
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".